شبكة واحة العلوم الثقافية
أسعدتنا زيارتك و أضاءت الدنيا بوجودك

أهلا بك فى شبكة واحة العلوم الثقافية

يسعدنا تواجدك معنا يدا بيد و قلبا بقلب

لنسبح معا فى سماء الإبداع

ننتظر دخولك الآن

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

شبكة واحة العلوم الثقافية
أسعدتنا زيارتك و أضاءت الدنيا بوجودك

أهلا بك فى شبكة واحة العلوم الثقافية

يسعدنا تواجدك معنا يدا بيد و قلبا بقلب

لنسبح معا فى سماء الإبداع

ننتظر دخولك الآن
شبكة واحة العلوم الثقافية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مفهوم الحداثة في الفكر العربي

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

الحداثة - مفهوم الحداثة في الفكر العربي  Empty مفهوم الحداثة في الفكر العربي

مُساهمة من طرف سامح عسكر الإثنين نوفمبر 08, 2010 7:42 pm

بقلم محمود اسماعيل

من الصعب تعريف الحداثة لأسباب عديدة أهمها: إن الحداثة تعني الراهن، والراهن هو زمن نسبي متغير، هو زمن التحول واللاإستمرارية، وهو أيضاً زمن المعاصرة والتجديد والطليعية أو الريادة. لذا، كانت الحداثة وكأنها فكرة البحث عن أمر لا يتحقق، أو هو يبقى في تطور مستمر، فما كان في الأمس طليعيا، يصبح اليوم سلفيا، وهكذا دواليك. هذه الحداثة الراهنة أدت إلى اختلاف وجهات النظر في تحديد مفهومها، بحيث كان هناك من قال إن الحداثة تتجلى في الموقف السياسي أو الأيديولوجي الذي يهدف إلى تحويل المجتمع تحولا تاما في جميع الإتجهات.

هناك من قال إن الحداثة ليست في تناول الموضوعات المباشرة، وإنما في تغير النظرة إلى الوجود، وإلى الشعر كوسيلة تعبير فاعلة لا تزيينية، وبالتالي، فلا بد للشعر من أن يتمايز بتمايز العصور والأيديولوجية المتحركة.

إن السؤال الذي يطرح هو: هل يقاس الشعر العربي بالشعر الغربي الذي جاء معبراً عن تطور الحياة والحضارة هناك؟ وإذا لم نقسه على الشعر الغربي، فإلام يمكن أن يقاس؟ الأصح هو قياس الشعر العربي إلى تراثه، إذ إنه يتعذر وجود حداثة مطلقة لا علاقة لها بالماضي. غير أن الأحداث التي عصفت بالعالم العربي ارتدت في معظمها طابعا توفيقيا أكثر منه طابعا بنائيا إيجابيا، فانعكس ذلك في أدب عصر النهضة. ومن ناحية أخرى، إننا لا نستطيع تمييز الجديد إلا إذا عرفنا القديم، والقديم لغة، هو كل متقدم في الزمن والوجود، فالقديم له مهابة وقدسية، ولعل قدسية القديم شعريا كامنة في نموذجيته.

لا بد من اعتبار أن الشعر هو بداية بحد ذاته ولا ينبع من أية فرضية مسبقة، إذ إن الشاعر الحديث لا يمكن أن يصدر عن شاعر قديم، وإلا فهو يكرر تجربة غيره، لأن تجربة أبي تمام تختلف عن تجربة امرئ القيس، وعصر أحمد شوقي يختلف عن العصرين الجاهلي والعباسي. من هنا فقط، كان الشعر الجاهلي وكذلك العباسي أكثر أصالة وعمقا ممن جاء مقلدا أو محاكيا.

وليس في الشعر ما يمكن أن يصبح حقيقة ثابتة لا تتغير، فعالم الشعر هو عالم رؤى للمستقبل. فإذا كان الفكر الأيديولوجي يركز في تحليله على الواقع ومشكلاته، كما يحاول تقديم حلول لهذه المشكلات، فإن الشعر من حيث هو فن الممكن يرتكز على الحلم، وإن انطلق من الواقع. وبتركيزه على الحلم يمحو الحدود ويردم الهوة القائمة بين الواقع والخيال ويوحد بينهما. إن العالم أو الكون بالنسبة للمفكر واضح ومعروف معرفة شبه يقينية، بينما يظل بالنسبة للشاعر مجهولا يقذفه باستمرار في عالم من الممكنات والإحتمالات.

يمكن القول من خلال نظرة العرب إلى الأحداث أن الحداثة بدأت سياسيا بتأسيس الدولة الأموية وفكريا بحركة التأويل. فقد كانت الدولة الأموية نقطة التصادم الأولى بين الدين والثقافة غير العربية. ومن هذه الثقافات كانت الآرامية والسريانية والبيزنطية الرومية، مما يمكن اعتبار أن التعارض في المجتمع العربي بين القديم والمحدث يرقى، على الصعيد السياسي والإجتماعي، إلى القرن السابع الميلادي، حيث كانت الخلافة في مستواها الديني والسياسي الحقل المباشر الأول لهذا التعارض.

لقد بدت قرون الإسلام الأولى في مخيلة المسلم في ذلك الوقت، وكأنها دراما مثيرة مؤلفة من ثلاثة فصول : عصر النبوة والخلفاء الراشدين، وهو عصر الأمة الذهبي، والعصر الأموي، الذي طغت فيه على مبادئ الدولة الإسلامية نزعة الحكم الوراثي، والعصر العباسي الذي عادت فيه مبادئ الأمة فترسخت من جديد مجسدة في مؤسسات تقوم على الشريعة.

لقد كانت تلك الحقبة مادة للتفكير في القضايا الخلقية التي تعانيها الأمة في حياتها المشتركة ومنها : مسألة الخلافة، الصراع بين الأمويين والعباسيين، استشهاد الإمامين الحسن والحسين (ع)، وانسحاب الخوارج من صفوف الجماعة. ومبدأ الحداثة في هذه الناحية، هو الصراع بين النظام القائم على السلفية والرغبة العاملة على تغيير هذا النظام. وهكذا، نشأ تياران للحداثة : الأول فكري، والثاني سياسي، ويتمثل في الحركات الثورية ضد النظام القائم بدءا بالخوارج، وانتهاء بثورة الزنج، مرورا بثورة القرامطة.

انتقال العرب من الخطابة إلى الكتابة

إن الثورة الكتابية الأولى التي نشأت في وجه الخطابة نثرا وشعرا هي كتابة القرآن الكريم. فالقرآن هو نهاية الإرتجال والبداهة، وهو بمعنى آخر، نهاية البداوة وبدأ المدنية، إذ إن التنزيل العزيز إعجاز بالوحي من حيث إنه تصور جديد للعالم وتأسيس له عن طريق الكتابة، التي هي وضع العالم واقعا وغيبا في نظام لغوي.

والقرآن الكريم ليس شعرا ولا نثرا، وحين نجوّز لأنفسنا القول عنه إنه نثر أو شعر، نقول إنه شعر لا كالشعر ونثر لا كالنثر، فهو من هذه الناحية يتجاوز الأنواع الأدبية ويخلق نوعا جديدا من الكتابة، هي وليدة رؤيا جديدة للعالم. إن الخطابة نظرية تقوم على البداهة والإرتجال، أما الكتابة فكسبية تقوم على المعاناة والمكابدة دون أن تعني التكلف أو التصنع، فالكتابة لا متناهية شكلا وموضوعا لأنها تواجه عالما لا متناهيا.

وإذا كان الشعر في الجاهلية حدسا أساسيا في المعرفة، فإن النبوة في الإسلام هي الحدس الوحيد، والمعرفة كلها تصدر عن هذا الحدس. فقد حلت النبوة محل الشعر، وتراجع هو إلى مستوى الفاعلية الثانية . ليس الشاعر في الإسلام ذاتا منفردة، وإنما هو جزء من الجماعة، فليس هو الذي يفكر بل الجماعة. هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، لا بد من بحث الصلات العربية الحضارية في جذورها الأولى مع الخارج. ولعل النموذج الأول لهذه الصلات تمثل في العلاقة مع الفرس من جهة، ومع اليونان من جهة ثانية.

لم تمثل الحضارة الفارسية إشكالية للمجتمع العربي، ذلك أنها أخذت، رغم أنها كانت مزدهرة عن مجتمع بدوي ما شكل ثقافتها في المستقبل، ثم أخذت الدين الإسلامي، سواء كان ذلك بإكراه عن طريق الفتح، أو بطواعية الإيمان، فإن ذلك لا يغير من الأمر شيئا. أما اليونانية فقد كانت هي المشكلة الحضارية الأولى التي واجهها المجتمع العربي، فقد نشأت مواقف متناقضة نتيجة لهذه العلاقة.

لقد أخذنا عن اليونان آلة التفكير " المنطق "، فهو آلة لتزكية العقل، وأخذنا كذلك العلوم التي هي أمور برهانية لا سبيل إلى تجاهلها. ولكن، تجدر الإشارة إلا ما يسميه الغزالي " الآفات "، أي مساوئ هذه العلوم التي قد تولد عند غير العارفين بالدين الشكوك في دينهم، فتدفعهم إلى التخلي عنه. من هنا، برز التوفيق بين الدين الإسلامي، أي الوحي، والعقل اليوناني أي الفلسفة. يعتبر الغزالي أن اليونان في ضلال مبين على صعيد المعرفة الحقيقية، لأنه ينطلق من الإيمان بأن الوحي هو الحقيقة الصحيحة الكاملة. أما ابن رشد، فيختلف عن الغزالي اختلافا أساسيا، فهو يرى بأن لدى اليونان معرفة حقيقية من حيث إنه يؤكد على أن هذه المعرفة الحقيقية هي من شأن العقل، وأن الغاية من الشريعة ليست معرفة الحقيقة بل إيجاد الفضيلة والحث على الخير والنهي عن المنكر.

أما على الصعيد الحضاري العام، فقد اتخذت الحضارة العربية طابعا إنسانيا شاملا، وكانت بغداد بؤرة الإشعاع الحضاري التي انصهرت فيها تجارب الشعوب المحلية الأصلية، كالبابلية والآرامية والسريانية، وكذلك الأجنبية، كالفارسية والبيزنطية والهندية.

غير أن هذا كله لم يحل دون قيام الثورات على الخلافة بحيث واكب نشوؤها اندلاع تلك الثورات عليها كما كانت الحال في العهد الأموي، فكانت الثورة الأولى تكشف عن نوع من البعد الطبقي هي ثورة الزنج، والثانية عن بعد غيبي يبحث في أمور الدين وبعدٍ أرضي يبحث في أمور الدنيا.

نشأة الحداثة في الشعر

على صعيد الشعر، نشأت لغة شعرية ومقاييس نقدية جديدة تعارض لغة البادية المباشرة بلغة المدنية العقلية المجازية، واستبدلت مقاييس البادية القائمة على التذوق البسيط بمقاييس المدنية القائمة على الثقافة الواسعة. وكان للمعتزلة دور ريادي في رفض التقليد والإعتماد على العقل، بعيدا عن الأخذ بالمنقول والمأثور.

أما في مناخ الباطنية، فقد نشأت الحركة الصوفية التي اكتسبت صيغتها الأقوى في القرن الثالث الهجري مع أبي يزيد البسطامي والحلاج. لقد اعتبرت الصوفية الشريعة رمزا لمعنى باطني، أي أن قيمتها ليست في ظاهرها، وإنما في معناها الباطني. فالمسلم، برأي المتصوفة، ليس هو الذي ينتمي إلى قواعد وقوالب، وإنما هو الذي ينتمي إلى سر، والإسلام عندهم هو القلب وليس الأخلاق ولا الفلسفة أو التشريع، وهو حسب رأيهم، حب وعشق يعاش ولا ينقل. وتبعا لذلك، حل الحج بالهمة محل الحج إلى البيت الحرام، والسفر الروحي محل السفر الجسدي، وحل الذكر محل الصلاة. فالذكر هو مجالسة مع الله ومحادثة من أجل استدعاء حالة الوجد والإشراق، إنه طريق الحب والمعرفة والفناء. وإن أول منهج الصوفي هو الوصول إلى الله في مقابل المنهج العقلي في الفلسفة أو المنهج النقلي في الدين.

والواقع، إن المتصوفة تلغي بخصوصيتها الأسس التقليدية للإسلام، فهي ترفض الجماعية وتقيم الدخيلاء الذاتية. لذلك، كانت التجربة الباطنية الصوفية تعني، على صعيد الأدب واللغة، الفصل بين الإسم والمسمى، والتأكيد على أن العبارة لا تسمي المعبر عنه مسمى، فالعلاقة بينهما هي علاقة إشارة ورمز، وليست علاقة مطابقة وهوية، أو هي بتعبير آخر، علاقة احتمال لا علاقة يقين. وقد أدى القول بالعلاقة اليقينية إلى الأخذ بحرفية الكلمات ومحاكمة الشعر منطقيا وأخلاقيا، وقد أصبح هذا من أهم الأسس النقدية، حيث أخذ النقاد يسمون الشعر الذي يوحي بعلاقات احتمالية شعرا غامضا.

فحين وصف عبد الله بن قيس الرقيات ناقته في سيرها إلى ممدوحه قائلا : " سواء عليها ليلها ونهارها ... "، علق ابن أبي عتيق ناقد الحجاز قائلا : " إن هذه في ما أرى عمياء " .

وقيل إن الشاعر رآه وسلم عليه، فرد ابن عتيق قائلا : " وعليك السلام يا فارس العمياء ". فقال له عبد الله : " ما هذا الإسم الحادث يا أبا محمد بأبي أنت ؟ " قال: " إن سميت نفسك حيث تقول سواء عليها ليلها ونهارها، فما يستوي الليل والنهار إلا على عمياء ". فقال : " إنما عنيت التعب " فقال ابن عتيق : " بيتك هذا يحتاج إلى ترجمان ليترجم عنه ".

فالناقد هنا، يريد مطابقة مباشرة بين الإسم والمسمى، أي بين العبارة وما تعبر عنه، وإلا كان الكلام غامضا. وهذا الموقف النقدي هو في أساس النظرة التي أنكرت على الشعر المحدث اتجاهه إلى إقامة علاقات احتمالية، بلجوئه إلى المجاز والتخييل مما بلبل يقينية الذوق التقليدي. وقد عبر عن هذا الموقف بشكل استقصائي منظم الآمدي في موازنته بين أبي تمام والبحتري. وقد نفى الآمدي أن تكون دقة المعاني مقياسا صالحا لتقييم الشعر، لأن هذه الدقة موجودة في كل لغة وكل أمة.

فالمقياس، إذا، هو ما تتفرد به اللغة العربية أي البيان والفصاحة. فإذا كان الشعر بيانا في الدرجة الأولى وكان البيان خاصية عربية، فإن الشعر هو في المقام الأول بنية ألفاظ. ويرى الآمدي أن "صنعة الألفاظ قائمة بنفسها مستغنية عما سواها، وإذا لم يسلك الشاعر في شعره هذه الطريقة سمي حكيما وفيلسوفا، لكنه ليس شاعرا ولا بليغا لأن طريقته التي سلكها ليست على طريقة العرب ولا على مذاهبهم".

لكن أبا تمام الذي يمثل تيار الحداثة الفني أقام أسسا للجديد، فلم يعد الجديد بالنسبة إليه تنويعا على البديل أو ترميما أو صهرا لعناصره في صيغة جديدة، لأن الجديد لا يكون كذلك إلا إذا كان نفيا للقديم فنيا. لذلك، كان أبو تمام مأخوذا بالبدعة، أي بالخروج على كل سنّة، فهو يسعى إلى المفاجئة وإلى هدم الصور التي استقرت في الذهن بتأثير العادة والوراثة، وفي هذا يقول عن الشعر :

لي في تركيبه بدع شغلت قلبي عن السنن

وقد ابتكر أبو تمام لغة جديدة تغاير اللغة الشعرية السائدة، ومن هنا غموضه المتعمد والمتمثل بجوابه هو نفسه حين سأله أحدهم مرة : " لماذا لا تقول ما لا يفهم ؟ ". فرد عليه أبو تمام قائلا : " لماذا لا تفهم ما يقال ؟ ".

لكن الغموض عند أبي تمام صادر عن صفاء ذهنه وشفافيته وعن بعده التأملي، وليس عن تشوشه الروحي أو ضعف تعبيره، إنه قبل كل شيء مسكون بهاجس الفن. فالشاعر بالنسبة إليه ليس أسير الحياة وإنما هو آسرها، يمثلها ويصنعها على مثال فني خاص، وهو بغموضه الفني وصوره المتضادة كقوله : " الصحو الممطر، أو الضياء المظلم، أوجد طقسا جديدا هو طقس الصعوبة، حيث لا مجال للسهولة، إذ يكون الشاعر شجرة تثمر ثمرا غريبا نادرا، وإن كان ذلك الثمر يأتي بعد جهد، ولكن الشاعر ليس مدينا فيه لأحد، إذ يقول أبو تمام عن شعره :

هذب في جنسه ونال المدى بنفسه فهو وحده جنس

وهو بهذا كله، يمهد للشعر الرمزي وكأنه حد فاصل. لقد كان الشعر قبل أبي تمام قدرة على النظم والألفة، فأصبح بعده قدرة على التغرب والمفاجأة.

وهكذا، نشأت الحداثة تاريخيا من التفاعل أو التصادم بين موقفين في مناخ متغير مع تغير الحياة. وقد وصف عدد من مؤسسي الحداثة الشعرية بالخروج، لأنهم وجدوا أنفسهم تلقائيا في موقع يناقض النظام القائم من جهة، باعتباره يقوم على الطبقية واللامساواة، ويناقض، من جهة ثانية، التقاليد التي يتبناها النظام، لأنها تقاليد السلطة الموروثة وليست تقاليد الحياة الناشئة. وتبعا لذلك، وجد مؤسسو الحداثة أنفسهم في موقع من يبتكر تعابير تلائم الحياة الجديدة ليتطابقوا معها. وفي هذا يقول أبو الفتح عثمان بن جنّي : " إن اللفظ للأقدمين، والمعنى للمحدثين، لأن المعاني إنما اتسعت لاتساع الناس في الدنيا وانتشار العرب بالإسلام في أقطار الأرض ".

وحيث يقارن إبن جني بين المعاني عند القدماء والمعاني عند المحدثين، يرى أنها قليلة في أشعار الأولين تكاد تحصر لو حاول ذلك محاول، وهي كثيرة في أشعار المحدثين، وهو يرى أن المعاني تكثر كلما تقدم العصر، إذ يقول " وإذا تأملت هذا، يتبين لك ما في أشعار الصدر الأول الإسلامي ما في الزيادات على معاني القدماء والمخضرمين، ثم ما في أشعار طبقة الأخطل وجرير والفرزدق من التوليدات والإبداعات، ثم أتى بشار بن برد وأصحابه، فزادوا معاني ما مرت قط بخاطر جاهلي ولا مخضرم ولا إسلامي ".

الحداثة في عصر النهضة

تلت العصور العباسية فترة سميت بالمظلمة، أو بعصر الإنحطاط ، وتبدأ منذ سقوط بغداد أثناء غزو هولاكو أثناء سنة ١٢٥٨ ميلادية كما يتفق معظم المؤرخين، لكنهم يختلفون حول تاريخ نهايتها. فمنهم من يقول إنها تنتهي في العام ١٧٩٨ ، أي إبان دخول نابليون إلى مصر، ومنهم من يقول إنها تنتهي بإعلان الدستور العثماني سنة ١٩٠٨، بينما يذهب البعض الآخر إلى اعتبار أن تلك الفترة تنتهي بانتهاء الحرب العالمية الأولى سنة ١٩١٨. ولا شك أنها كانت فترة مظلمة من النواحي الإقتصادية والسياسية والإجتماعية، فهل كانت حقا فترة مظلمة من الناحية الأدبية أو الثقافية عامة؟

من المعروف أن العهد الذي عرفه رواد النهضة الحديثة هو عهد يقظة من سبات عميق نحو حياة جديدة بدأت أنوارها تشع على الأدب منذ أوائل القرن التاسع عشر. والمتأمل في حياة العرب منذ الدعوة الإسلامية، مرورا بالخلفاء الراشدين، وحكام بني أمية، يرى أن اللغة العربية أصبحت لغة الدواوين الحكومية " أيام عبد الملك بن مروان سنة ٧٠٥ ميلادية ". وعندما تحول الملك إلى العباسيين، كانت اللغة العربية قد أخذت تتوطد في الأقاليم، فلم يمض إلا قليل من الزمن حتى نقلت إليها علوم الأقدمين، فأصبحت بفضل أهل الفكر من عرب ومستعربين اللغة الرئيسية للعلم في العصور الوسطى.

ولكن الزمن لم يلبث على ولائه للعرب، إذ لم تكد الخلافة الإسلامية تستقر في بغداد بعد زوال العهد الأموي، حتى بدأت السيادة العربية تتقلص رويدا رويدا. ومع مرور الزمن، حل محل العرب في العالم الإسلامي عناصر أخرى من فارسية وتركية وسواها، فلم يبق من سيادة العرب إلا لغتهم التي ظلت، رغم تغلب العناصر الأعجمية من الناحية السياسية والعسكرية، محافظة على مكانتها ونفوذها. وقد بقيت اللغة العربية منيعة حتى استبدت بها عوامل الضعف، فهوت فاقدة ما كان لها من نشاط لغوي وأدبي وعلمي. وعلى هذا الحال، أدركها رواد نهضتنا في مطلع القرن التاسع عشر.

من المعلوم أن القطر الشامي " أي سوريا ولبنان "، هو منشأ أكثر الرواد في عصر النهضة، وإن يكن بعضهم قد نشأ في القطر المصري. أما الفرق بين هذين القطرين، فهو أن مصر منذ أن توطد فيها حكم محمد علي أخذت تكون لنفسها شخصية سياسية مستقلة عن الدولة العثمانية. وقد اقتضت سياسة ذلك الحاكم أن يسعى في إعداد رجال من ذوي الكفاءة العلمية للقيام بمهام حكومته، فأسس المعاهد، وأرسل البعثات إلى أوروبا، وأحدث نهضة علمية تحسب له. على أننا إذا قارنا هذه النهضة في مصر بنهضة القطر الشامي إبان القرن الماضي، جاز لنا أن نقول إن الأولى كانت حكومية وللحكومة، أما الثانية، فكانت شعبية، حيث قامت بتأثير الجهود الخاصة من إرساليات أجنبية وغيرها.

يبدو أن نزعة الحداثة، على الصعيد الشعري، داخل المجتمع العربي، تكمن في إدراك التماثل بين اللغة والعالم، أي في رفض القول بأن اللغة هي هبوط على العالم، وكذلك في القول بأنها انبثاق منه، أي إنها إبداع أو اصطلاح إنساني وليست توقيفا إلهيا، كما يرى بعض اللغويين العرب. لذلك، نرى أن عصر النهضة لم ينتج شعرا جديدا، وإنما أعاد إنتاج عامودية الشعر. فمعظم الشعر في عصر النهضة هو استطراد للثابت. ونعني ب " الإستطراد "، احتضان زمن النموذج الأول. على أن التجربة إبان النهضة لم تأسس الفرق حتى في الشكل الشعري.

من هنا، يجب إعادة النظر في تقويم عصر النهضة. ومع أن هذه التسمية أتت من الغرب، فضلا عن أن بداية هذا العصر تحدد بدخول الغرب إلى مصر متمثلا بنابليون، فليس بين النهضتين العربية والغربية أساس مشترك. إن الخطأ في تقليدية النهضة هو أنها وحدت بين الواقع والتصور الموروث، أي التعبير الموروث. وفي ذلك، وحدت بين مادة تتغير باستمرار وشكل تحليلي محدود. فأشكال التعبير غير متناهية شأن الوقائع غير المتناهية، ونظام القول لا يمكن أن يكتمل وإنما يظل مفتوحا ويتكامل باستمرار. لذا، كانت عناية الرعيل النهضوي الأول منصرفة إلى إحياء القديم الذي تميز بالأبحاث اللغوية، بينما توفر الرعيل الثاني على تحويل علوم العصر، فأضاف إليها شيئا من معالم الجديد " رفاعة الطهطاوي، جمال الدين الأفغاني، والشيخ محمد عبدو ". أما الرعيل الثالث، فقد جد في التخلص من القديم شكلا وموضوعا، ومن هؤلاء : " شبلي الشميّل، فرح أنطون، وأمين الريحاني، جماعة الديوان، جماعة أبولو، وبداية الرومنطيقية مع خليل المطران ".

وهكذا، بدت لنا في عصر النهضة أربعة مسالك كبرى هي :

١ـ إحياء علوم اللغة وبعث الأدب القديم.

٢ـ ترجمة العلوم الحديثة ومعالجتها تدريسا وتأليفا.

٣ـ إنشاء الصحف والعناية بالطباعة والنشر.

٤ـ تحرير الأدب من قيوده القديمة والإنطلاق به في أجواء جديدة.

التجديد في الشعر العربي

ظهرت المدرسة الشعرية الكلاسيكية الموروثة عن أعلام التجديد في الشعر العربي الحديث، وفي مقدمتهم محمود سامي البارودي. غير أن المدرسة الكلاسيكية انقسمت إلى مدرستين : مدرسة محافظة وأخرى مجددة. فشعراء المدرسة المحافظة قلدوا القصيدة القديمة واحتذوها احتذاء كاملا، وإن جددوا أحيانا في بعض الأغراض والمعاني.

أما المدرسة الكلاسيكية الجديدة، فمن أعلامها في مصر أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، وفي العراق، جميل صدقي الزهاوي، معروف الرصافي، وأحمد صافي النجفي، وهؤلاء نوعوا في أغراض الشعر وزادوا فيه أغراضا جديدة، فنظموا القصة الشعرية والقصة التاريخية، إلا أنهم حافظوا على الأساليب والبلاغة القديمة.

ثم ظهرت جماعة المجددين، وفي مقدمتهم جبران خليل جبران، ميخائيل نعيمة، وأمين الريحاني من أدباء المهجر، وخليل مطران وجماعة الديوان " التي سيأتي الحديث عنها في هذا السياق "، وجماعة أبولو " أحمد زكي أبو شادي، إبراهيم ناجي و علي محمود طه "، وهؤلاء يمثلون الرومانسية في الشعر العربي المعاصر، وقد جددوا في شكل القصيدة من حيث الصور الشعرية والموسيقى والقافية، كما جددوا في بنائها الداخلي، من حيث الأخيلة والعواطف والمعاني، والتزموا الوحدة العضوية في القصيدة.

في أواخر الحرب العالمية الأولى، أخذ عباس محمود العقاد وإبراهيم عبد القادر المازني ينشران كتابهما " الديوان "، الذي كان في عزمهما أن يبلغا به عشرة أجزاء، ولكنهما لم يصدرا منه إلا جزءين، وكانت خطتهما تقضي بأن يبدآ بتحطيم " الأصنام " أمثال أحمد شوقي ومصطفى المنفلوطي وغيرهما، وذلك بنقد أدبهم وشعرهم نقدا تفصيليا عنيفا، حتى إذا تمت عملية الهدم، أخذا في بسط آرائهما البنائية في الأدب والشعر.

وقد عزز أدباء المهجر وشعراؤه هذه الحملة العنيفة التي قادها جماعة الديوان ضد الشعر التقليدي، بحيث لا يمكن أن نغفل الإشارة إلى كتاب نقدي ثائر هو كتاب " الغربال " لميخائيل نعيمة الذي يعتبر متمما للديوان في الحملة على الشعر التقليدي والدعوة إلى الشعر الجديد، وإن يكن "الغربال" قد حمل حملة شديدة على الأدب العربي كله قديمه وحديثه في فصل بعنوان " الحباحب "، كما حمل على القيود اللغوية جميعها، وعلى الجزالة ونقاء الأسلوب في فصل آخر بعنوان " الضفادع "، كما حمل على أغراض الشعر التقليدية، وخاصة تسخيره للمناسبات، كمدح بطريارك أو مطران أو باشا أو قائممقام، أو مدير، أو شيخ، وتهنئة صديق بغلام، أو بيك بوسام، أو رثاء كل من يزور التراب، بحيث يعتبر " الغربال " الأساس النظري الفلسفي لأدب المهجر.

يأخذ أدباء المشرق على " الغربال " تحرره ليس من تقاليد الشعر فحسب، بل ومن قوة العبارة اللغوية وسلامة أصولها، حتى لنرى عباس العقاد نفسه يخالف مؤلف " الغربال " في نظرته إلى اللغة بقوله : " ... وإن مجاراة التطور فريضة وفضيلة، ولكن يجب أن نذكر أن اللغة لم تخلق اليوم، فنخلق قواعدها وأصولها في طريقنا، وأن التطور يكون في اللغات التي ليس لها ماض وقواعد وأصول، ومتى وجدت القواعد والأصول فلماذا نهملها أو نخالفها إلا لضرورة قاهرة لا مناص منها ؟ "

من ناحية مفهوم الشعر، تتميز نظرة جماعة الديوان بالأسس التالية :

١ـ الشعر تعبير عن الذات، لذا، لا بد له من أن يتفرد بالوجدانية والذاتية. ويوضح هذه الناحية عباس العقاد بقوله : " إن الشعر إذا لم يكن تعبيرا عن الذات كان صناعة، وإذا كان صناعة لا يكون ذا سليقة إنسانية، والأحرى أن نسمي هذا الشعر تنسيقا لا تعبيرا ".

٢ـ الشعر واسع منفتح كالوجود، لا يستنفده تعريف ولا تحصره حدود. وفي ذلك رد على التعريف العربي القديم بأن الشعر كلام موزون مقفى. فالشعر يستغرق آفاق الوجود والنفس على السواء.

٣ـ نستخلص من هاتين الفرضيتين دعوة جماعة الديوان إلى تخليص الشعر من الصنعة وتعريف الحياة فيه بالتعبير عن الذات الفردية المميزة لكل شاعر. وفي ذلك يقول عبد الرحمن شكري أحد شعراء جماعة الديوان :

ألا يا طائر الفردوس إن الشعر وجدان

لقد تميزت مدرسة الديوان بنظرة نقدية متقدمة، وذلك للأسباب الآتية :

١ـ جاءت تؤكد على الذاتية الفردية، وهي خاصية البعد الرومنطيقي.

٢ـ التأكيد على وحدة القصيدة العضوية وتنويع القوافي، خاصة مع عبد الرحمن شكري.

٣ـ تجاوزت هذه الجماعة النموذجية العمودية للشعر.

٤ـ لقد أثار كتاب الديوان حركة نقدية جديدة تمثل مرحلة من مراحل التجاوب بين حركة التجديد في مصر وحركة التجديد في المهاجر.

إذا كانت المعاني تتولد وتتدفق باستمرار، فإن الألفاظ يفتح بعضها بعضا، لذلك نستنتج الآتي :

١ـ إن الحداثة هي نتيجة لتغير الأزمنة، وهي من هذه الناحية، ظاهرة ضرورية طبيعية.

٢ـ يجب تقويم الشعر كنصوص قائمة بذاتها، لأن الشعر أو النثر، سواء كان قديما أو محدثا، فإنه يحمل في ذاته وضمن طياته محاسنه أو مساوئه.

٣ـ هناك فصل بين الألفاظ والمعاني. ولكن، يبقى القدماء حجة في اللغة ، فهم أكثر أصالة من المحدثين، أما هؤلاء فهم أكثر تفننا وابتداعا في المعاني .

ليس التجديد في الشعر بتقليد الغربيين، وإنما بتصوير الحياة تصويرا يثير مشاعرنا وخيالنا، فالحداثة ليست بالموضوع والشكل فحسب، بل أيضا في طريقة التناول والتعبير.

http://www.wahdaislamyia.org/issues/107/mismail.htm




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

الحداثة - مفهوم الحداثة في الفكر العربي  Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28478
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الحداثة - مفهوم الحداثة في الفكر العربي  Empty رد: مفهوم الحداثة في الفكر العربي

مُساهمة من طرف amalou_first1 الجمعة نوفمبر 11, 2011 8:30 pm

بارك الله فيكم أخي الكريم


<br>
amalou_first1
amalou_first1
عضو نشيط
عضو نشيط

الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 198
نقاط : 4901
السٌّمعَة : 1

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى