من تاريخ القتل ( سقراط )
صفحة 1 من اصل 1
من تاريخ القتل ( سقراط )
هو أحد ثلاثة يمثلون أهم شخصيات إنسانية فيما قبل الميلاد ، والآخران هما أفلاطون وأرسطو.
وُلد في أثينا وعلّم فيها ما لم يرض مشاهيرها فحُكم عليه بالإعدام.
اجتمع له ما لا يجتمع إلا " للرجال الممتازين : الإعجاب والعداوة " !!! وقد كان أثره من الأهمية والقوة بمكان حتى إنه ، سقراط ، يقسم الفلسفة اليونانية قسمين : ما قبل سقراط وما بعد سقراط.
ولما كان سقراط غير مهتمٍ بالكتابة ( = التأليف ) فقد تضاربتْ الروايات واختلفت المدارس الآخذة عنه ، لكن بالإمكان استقاء تاريخه من ثلاثة مصادر : أرسطوفان وأفلاطون وأكسانوفون ، ويرى البعض أن لا نأخذ برواية الأول لكونه شاعر هزل ، وأما الثاني فيعده البعض غير قريب من سقراط بما يكفي لأن يكتب ، بدقة ، عنه ، ثم إنه نُفي خارج البلاد ثلاثين سنة قبيل محاكمة سقراط ، ومن ثم لا يبقى أمامن إلا أفلاطون.
كان أفلاطون التلميذ المقرّب لسقراط ، تعلم منه وأخذ عنه وشهد محاكمته وحفظ له ما لم يحفظه غيره.
اهتم سقراط بالحكمة حيث فهمها على أنها " كمال العلم لكمال العمل " ؛ فعن العلم أخذ سقراط بمناهج السوفسطائيين ، لكنه لم يأخذ بشكوكهم ، ودرس الطبيعيات والرياضيات ثم تركهما لأنه رأى أن العلم هو " العلم بالنفس " لأجل تقويمها ، فكان أن أعلن شعاره " اعرف نفسك ". وعن العمل كان الرجل يقوّم مِزاجه... وكان سقراط حاد المزاج ، وكان يقوّم جسمه... وكان ذا جسمٍ قوي ، وذلك حتى ينصاعا لأوامر العقل.
لم تكن لسقراط مدرسة بالمعنى الحرْفي للكلمة ، بل كان يجتمع بالناس أينما اتفق يجاددل بالدليل العقلي ويخطب ويشرح بعض ما كان " مُسَلّماً به " عند قومه عامة والشباب خاصةً... حيث كان يرى فيهم " مستقبل الدولة " فكان يكثر الجلوس إليهم والاستماع منهم والنصح لهم محاولاً إصلاح ما أفسده السوفسطائيون مبَصّراً إياهم بالحق والخير ليهييء " للبلد مستقبلاً طيباً على أيديهم ".
كان سقراط يرى في نفسه أنه " حكيم " لكن ليس بما قد يُفهم من الكلمة ، بل هو حكيم بما " يعلمه من جهله " بينما غيره " جاهلٌ يدّعي العلم " ، فراح سقراط يؤدي مهمة التوعية باذلاً الجهد العقلي اللازم لذلك دون مقابل وقد تجاوز الأربعين ، وقد بذل لوطنه مثل ذلك أيام الشباب ؛ فكان قد خدم في جيش بلاده ضمن المشاة مشتركاً في حربين العام 429ق.م و العام 422ق.م.
شغل سقراط منصب العضو الدائم في مجلس الشيوخ العام 406ق.م فأبدى فكراً سياسياً واعياً ؛ فقد كان صاحب موقف مستقل بين الديمقراطيين والأرستقراطيين.
أسس سقراط منهجاً جديداً في " الفهم الفلسفي " أسماه " التهكم والتوليد " ؛ أما التهكم فلا ينصرف إلى معنى السخرية ، بل كان سقراط يقوم بتصنّع الجهل متظاهراً بالتسليم بأقوال محدثه ، ثم يلقي الأسئلة ويعرض الشكوك كمن يطلب العلم والاستفادة بحيث ينتقل من أقوال الخصوم إلى أقوال لازمة عنها ولكنهم لا يُسَلّمون بها فيكون بذلك قد أوقعهم في التناقض ما يعني أنهم " جهلاء " ، وبذا أصبح معنى التهكم " السؤال مع تصنّع الجهل " أو هو " تجاهُل العالِم " وقد أراد سقراط من ورائه تخليص عقل خصمه من العلم الزائف وإعداده لقبول العلم الحقيقي. وأما التوليد فأن يساعد خصمه ، بالأسئلة والاعتراضات مرتبة ترتيباً منطقياً ، على الوصول إلى الحقيقة التي أقر أنه يجهلها ، وهذا يعني أن التوليد هو " استخراج الحق من النفس ".
وجّه سقراط اهتمامه الأكبر لـ " الإنسان " فآثر أن يحصر فلسفته في دائرة الأخلاق باعتبار أنها أهم ما يميز الإنسان ، ولذا جاء القول " إن سقراط أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض " بمعنى أنه " حوّل النظر من الفَلك والعناصر إلى النفس ".
عاصر سقراط السوفسطائيين الذين كانوا يروْن أن الإنسان " شهوة وهوى ، وأن القوانين قد وضعها المشرّعون لقهر الطبيعة ، وأن هذه القوانين متغيرة بتغيّر العُرف والظروف ، فهي نسبية غير واجبة الاحترام لذاتها ، ومن حق الرجل القوي بالعصبية أو بالمال أو بالبأس أو بالدهاء أو بالجدل أن يستخف بها ". فكان أن أعلن أن الإنسان " روحٌ وعقل ، وهذا العقل له ان يسيطر على الحس ويدبره ، والقوانين العادلة صادرة عن العقل ومطابِقة للطبيعة الحقة وهي صورة من قوانين غير مكتوبة رسمها من أوجد الكون في قلوب البشر ، فمن يحترم القوانين العادلة يحترم العقل والنظام الإلهي ، ومن يحتلْ ليخالف هذه القوانين ولا يعاقب في هذه الدنيا فإنه مأخوذ بالقصاص العدل لا محالة في الحياة المقبلة ".
رفع سقراط شعار " الفضيلةُ علمٌ والرذيلةُ جهلٌ " وكان يقصد أن الإنسان يريد الخير دائماً ويهرب من الشر بالضرورة ، فمن تبيّن ماهيته وعرف خيره بما هو إنسان سعى إليه ، الخيرَ ، حتماً ، أما الشهواني فهو رجلٌ جهلَ نفسه وجهل خيره ولا يعقل أنه يرتكب الشر عمداً.
غضب على سقراط ساسةٌ وخطباء وشعراء حيث أبان للعامة فراغ رؤوسهم من الفكر الجاد المثمر ، وأبان بطلان ما يدعونه من حكمة وعلم وخبرة ، فكان أن صوّره أرسطوفان في " السُحُب " رجلاً له نفوذ كبير على الشباب تحديداً ، وأنه يعيش مع تلاميذه ليعلمهم الكفر بالآلهة وتغليب الباطل على الحق ، ثم طالب أرسطوفان بإحراق المدرسة التي ينتمي إليها سقراط ومريدوه ، وكذا قتل سقراط نفسه.
قدم عريضة الدعوى ضد سقراط ثلاثة رجال... هم أنيتوس أحد كبار رجال الإعمال ، وملاتوس أحد شعراء المدينة غير المشهورين ، وليقون أحد خطباء المدينة. وتضمنت الدعوى أن سقراط " ينكر آلهة المدينة ، ويفسد الشباب "... حيث لم يكن سقراط يؤمن بتعدد الآلهة ، وكان يدعو الشباب إلى عدم التقليد وإلى ضرورة التفكير الحر غير المستند لا إلى نقل ولا إلى تقليد.
أبان كثير من الملابسات أن أسباب الاتهام شخصية وسياسية ؛ فقد كان سقراط ، علاوة على كشفه جهل كثير من الشعراء والخطباء ، صاحب موقف من الديمقراطية في ثلاثة أمور : المساوة المسرفة واعتمادها العدد والاتنخاب بالقرعة.
تألفت المحكمة من جمع من " النوتية والتجار ، المتأثرين بالنزعات الشعبية والتيارات الفجائية " !!! ، ودافع سقراط عن نفسه مبيناً أنه لا ينكر وجود مدبر للكون ، وأنه لا يدعو الشباب للعصيان ، بل للطاعة القائمة على الفكر الحر المستقل ، ثم قال لأعضاء المحكمة " إنه يفوض الأمر لهم ، لكنه يرفض أن يستعطفهم أو يتنزل إلى ما يتنزل إليه غيره من ضروب الاسترحام المألوفة في المحاكم الشعبية كالبكاء والاستبكاء ".
ولم يكن هذا السلوك المحترم ليعجب أعضاء المحكمة ، فأدانوا سقراط وحكموا عليه بالإعدام شرباً للسم ، فقال لهم : والآن فقد حان وقت الرحيل ، أنا إلى الموت وأنتم لتستأنفوا الحياة ، أينا مصيره أفضل ؟ العلم عند الله.
سهل بعض تلاميذ سقراط له الهرب ، وأمّنوا له حياة طيبة في مدينة تساليا ، وكان الفرار مستطاعاً ، وكذا كان العرف يعذر الفارَّ في مثل هذه الحال ، لكن سقراط رفض الهرب كما يفعل العبيد ، لما يمثله الهرب " من خروج على قوانين بلاده ، والقوانين سياج الدولة ، في ظلها ينشأ الأفراد ، فإن كان الأثينيون قد ظلموه فبأي حق يستهين هو بالقوانين ويظلمها ؟ ثم كيف يهرب وهو لم يغادر أثينا قط إلا للحرب من أجلها ؟ ، وحتى لو هرب فهل يكون الأجانب أوسع صدراً من مواطنيه ؟ ".
" جاء أحدهم بالسم مسحوقاً في كأس فتناولها سقراط بثبات ودعا الإله أن يوفقه في هذا الرحيل من العالم الفاني إلى العالم الباقي ، شرب السم دفعةً واحدة دون تردد ولا اشمئزاز ، وأخذ يتمشى في الغرفة حتى أحس ثقلاً في قدميه فاستلقى على ظهره كوصية صاحب السم ، وبدأت البرودة تنتشر في جسمه حتى بلغت القلب فرجف رجفة ثم أطبق أقريطون فم سقراط وعينيه ".
<br>
amalou_first1- عضو نشيط
- الديانه : الاسلام
البلد : مصر
عدد المساهمات : 198
نقاط : 4902
السٌّمعَة : 1
مواضيع مماثلة
» تاريخ افغانستان
» تاريخ الصيدلة
» موجز تاريخ مصر القديم
» تاريخ الفتح الاسلامي لمصر علي قناه الجزيره مباشر
» الــــــطـبري و كتابه تاريخ الرسل و الملوك
» تاريخ الصيدلة
» موجز تاريخ مصر القديم
» تاريخ الفتح الاسلامي لمصر علي قناه الجزيره مباشر
» الــــــطـبري و كتابه تاريخ الرسل و الملوك
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى