شبكة واحة العلوم الثقافية
أسعدتنا زيارتك و أضاءت الدنيا بوجودك

أهلا بك فى شبكة واحة العلوم الثقافية

يسعدنا تواجدك معنا يدا بيد و قلبا بقلب

لنسبح معا فى سماء الإبداع

ننتظر دخولك الآن

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

شبكة واحة العلوم الثقافية
أسعدتنا زيارتك و أضاءت الدنيا بوجودك

أهلا بك فى شبكة واحة العلوم الثقافية

يسعدنا تواجدك معنا يدا بيد و قلبا بقلب

لنسبح معا فى سماء الإبداع

ننتظر دخولك الآن
شبكة واحة العلوم الثقافية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

انتحار غرفة

اذهب الى الأسفل

انتحار غرفة Empty انتحار غرفة

مُساهمة من طرف طالب العدالة الخميس فبراير 16, 2012 7:07 pm

رؤى صبري
roaa.sabri@hotmail.com
امتدت يدي إلى المنبه كي أوقف رنينه قبل أن يملأ الدنيا بصراخه ، نهضت والتوتر يملأ بدني ، فاليوم هو الأول في وظيفتي الأولى ، والتي حصلت عليها بعد مكوثي في المنزل لما يقارب الثلاثة أشهر, منذ تخرجت ، وبالرغم من خوفي كنت متحمسة للمحيط الجديد الذي سأتعرف عليه وقبل أن تمضي نصف ساعة كنت على أهبة الاستعداد ، ذهبت لأتفقد ما إذا كان أبي قد استيقظ أم لا ، فوجدته يتناول طعام الإفطار ، رآني فأشرق وجهه منادياً :
هلمي تناولي شيئا فلابد أنك تحتاجين للطاقة في يومك الأول.
جلست بتردد وأمسكت بالشوكة ورحت أداعب قطع البيض دون شهية ، رفعت بصري لأجد أبي يتناول الطعام بحماس نظرت إليه بحنق قائلة له:
أبي لا أستطيع أن أتذوق شئ بسبب توتري في يومي الأول وأنت تتناول الطعام بكل برود !!
ضحك مطولا وقال:
كثيرا ما تذكرينني بنفسي عندما كنت شابا ، وسرعان ما سوف تعتادين العمل.
أشع من عيني بريق أمل وقلت:
حقا!!
أجابني سريعا وهو ينظر لساعته:
بالتأكد هيا قبل أن تزدحم الشوارع لا أريدك أن تتأخري في هذا اليوم .
جلبت عباءتي وحقيبتي التى أعددتها من البارحة ونزلت الدرج سريعا أغلقت باب المنزل ودلفت للسيارة لأستقر في المقعد الأمامي بجانب أبي, ظللت شاردة طيلة الطريق في مخاوفي الجديدة وتساؤلاتي المتعددة عن كيفية تقبلي للعمل وعن مدى تقبل الآخرين لي أفقت على صوت أبي وهو يقول:
ها قد وصلتِ وقبل بداية الدوام بربع ساعة.
نظرت له وابتسمت ابتسامة قلقة ، حملت حقيبتي وفتحت الباب لأنزل حينها أمسك أبي بيدي وشد عليها وهو يشجعني قائلاً:
ستكونين بخير.
وسرعان ما حولت كلماته تلك ابتسامتي القلقة إلى ابتسامة أمل ، نزلت وأنا أخطو خطواتي الأولى نحو وظيفتي الأولى, جزء كبير من توتري كان بسبب كوني من أوائل الخريجات من قسم السكرتارية وهو قسم غير مألوف, كنت سعيدة أني استطعت أن أجد تلك الوظيفة دون مساعدة أبي ومعارفه, خاصة أنني الوحيدة التي اجتازت امتحان اللغة الإنجليزية من بين المتقدمات لشغلها والذي هو من أساسيات الوظيفة لأن عالم المستشفى مليء بالجنسيات المتعددة واللغة الوحيدة المتداولة هي الإنجليزية و لا غيرها, وصلت للقسم وطرقت باب المديرة استقبلتني استقبالاً لا بأس به ، وأجرت معي حديث بسيط ثم أخذتني لجولة سريعة في القسم وبعد وقت استوعبت المديرة أنني ما زلت أحمل حقيبتي و عباءتي اعتذرت عن سوء تصرفها ومن ثم نادت إحدى الفتيات قائلة لها:
ورد هذه روان الموظفة الجديدة فضلاً خذيها لمكان القهوة لأن لدي اجتماع بعد دقائق.
ابتسمت لي ورد وقالت:
انتظريني لدقائق سأعود ثم نشرب القهوة معا.
هززت رأسي بامتنان وبدت لي أسباب توتري تافهة فكل شي يبدو مطمئناً ولاشيء يدعو للقلق.
عادت ورد بعد نصف ساعة تقريباً دون أن تعتذر عن تأخرها ثم هتفت وهي تلهث:
اتبعيني.
هنا حانت لي الفرصة أن أتأملها كانت بدينة بدانة مفرطة غاصت فيها ملامح وجهها فلم تترك إلا شفتان رفيعتان تخبئان ورائهما أسنان قذرة وعينان صغيرتان تتوارى خلف عوينات رفيعة أما عدا ذلك فلا يمكن أن تميز فيها شيئاً سوى رائحة عرقها النفاذة التى رافقتني طيلة الطريق إلى الغرفة التى يفترض أن نتناول فيها القهوة. كانت الغرفة تقع على مسافة لا بأس بها من القسم فتحت ورد الباب لأجد نفسي في غرفة مساحتها صغيرة ذات إضاءة صفراء وجدران كئيبة الشكل يتوسطها سرير بجانبه كومدينو عليه ورق قديم وفي الطرف كان يوجد كرسي صغير غير مريح,بينما يحتل الركن دولاب ملابس, أما الأرضية فكان يسترها "موكيت" رمادي اللون زاد الغرفة كآبة، كما زاد الوضع سوءاً وجود الحمام في داخلها ، نظرت حولي باحثة عن مكان أضع فيه حاجياتي فوجدت طاولة وضع عليها عدد من الأكواب بالإضافة إلى قوارير قهوة وأكياس شاي,بدت لي الغرفة غير مريحة كأن " أرواح شريرة" تسكنها لاحظت ورد نظراتي المضطربة فسألتني:
ما بالك؟
ابتسمت بحرج وقلت:
لا شئ.
ثم أردفت قائلة بتعجب:
لكن.......يبدو وجود غرفة كهذه غريب هنا.
قالت بلا مبالاة:
لقد كانت الغرفة غرفة الأطباء المناوبين فيما سبق لكن لم يعد أحد يستخدمها منذ تم بناء مساكن الأطباء في الجهة الشرقية من المستشفى.

لم أعلق على ما سبق وانهمكت هي في تحضير القهوة وراحت تسألني عن سنة تخرجي وعدد إخوتي وأشياء أخرى كثيرة ، إلى أن دخلت فتاة الغرفة رحبت بها ورد ترحيب مبالغ فيه ومن ثم عرفتني عليها فعرفت أن اسمها أحلام تعمل كطبيبة في قسم العناية المركزة كما أنها صديقة عزيزة لورد إذ راحت تتجاذب معها أطراف الحديث الحميم,كانت أحلام قصيرة القامة عدا ذلك كانت تمتلك ملامح جميلة تميزهما عينان حادتان في وجهها الصغير, حين رأيتها تذكرت ما كان يقوله أبي عن قصار القامة وأنهم أكثر غرورا من غيرهم كما أنهم أصحاب عقد دائمة , لا أدري لماذا تذكرت كلماته الآن,لم ترحب بي أحلام على الإطلاق ولم أتوقع أي لطف منها فمن يملك عيناها لا يملك خيراً.
هنا شعرت أن الوقت مضى وخشيت أن أتأخر في أخذ وقت طويل في الاستراحة فقلت لورد:
شكراً على القهوة ولكن علي أن أعود للمديرة.
ردت قائلة:
آه فعلا عليك العودة أتمنى لك التوفيق.
عدت للمديرة وجلست معها كي أنهي بعض الأمور التعريفية بالمستشفى وغيرها، مر اليوم سريعا حتى أنني نسيت ساعة الغداء لأنني كنت ملهوفة لكي أعرف نظام العمل وغيره,جاء أبي ليصطحبني في تمام الساعة الرابعة رحت أحكي له كل شئ ولأول مرة لم يعلق أبي عن شئ واكتفى بابتسامة غامضة لم أعرف مغزاها إلا في وقت متأخر,وصلت للمنزل وغرقت في نوم عميق لم أصحو منه إلا في صباح اليوم التالي حين أيقظتني أمي للإفطار، حضرت نفسي للعمل وخرجت مع أبي ومرة أخرى اندمجت في معركة العمل دون أن أعي للوقت إلى أن نظرت للساعة فوجدت أن استراحة الغداء قد حانت وقبل أن أذهب للغرفة قررت أن أعرج على ورد ذهبت فوجدت أنها لا تعمل اليوم ، فنظام عملها يختلف من يوم لأخر إذ أنها تعمل كممرضة عناية مركزة , اتجهت بعدها للغرفة فتحت الباب ففوجئت بفتاة تخرج من الحمام ، تسمرت من المفاجأة لكنها سريعا ما أغلقت باب الحمام كأنها بذلك تسألني الرحيل أو الانتظار شعرت بالحرج فأغلقت الباب ووقفت انتظر لدقائق فلعلها كانت في وضع غير ملائم لمقابلة غريبة عدت ففتحت الباب لأجدها جالسة على الكرسي " كالمونا ليزا " ألقيت تحية ردتها باقتضاب شديد ، أما الغريب في هذا أنها ظلت جالسة بنقابها دون أن ترفعه كأنها تجلس مع رجل, لم أستطع مداراة نظراتي المتسائلة ، فهذه أول مرة اجلس فيها مع امرأة ترفض أن تريني وجهها والأسوأ أنها ظلت على هذا الحال لمدة تقارب الساعة ودون أن توجه لي كلمة واحدة انتهت استراحتها قبلي فغادرت مخلفة ورائها بحيرة من الذهول, ظل الفضول يصاحبني بقية النهار لمعرفة سرها وعزمت على سؤال ورد في اليوم التالي عن السر,انتهى النهار وعدت للمنزل أشارك عائلتي أحداث يومي وعلقت أمي على القصة التى ذكرتها أن الفتاة قد تكون مصابة بتشوه خلقي أو غيره يمنعها من كشف وجهها ، لا أدري لماذا لم أقتنع بإجابتها,بعدها خلدت للنوم واستيقظت متأخرة في صباح اليوم الذي يليه وكنت قد نسيت قصة البارحة تماما وانشغل بالي بتحضير الأجندة لاجتماع اليوم و ما أن وصلت حتى باشرت بترتيب أولوياتي حتى لا أستهلك وقت راحتي في إنجاز الأعمال المتأخرة وبالفعل نجحت واستطعت أن أخذ استراحة الصباح,لم أمر على ورد إذ لم أعرف ما إذا كانت موجودة أم لا لكني فوجئت بها تجلس في الغرفة و ما أن رأيتها حتى عادت لي تساؤلات البارحة و ما كدنا نسترسل في الحديث حتى باشرتها بالقول:
البارحة التقيت بفتاة منقبة كانت تجلس هنا لكني لا أعرف اسمها.
أجابت وقد لمعت في عينها نظرة غير مريحة:
لابد أنك تقصدين سالي.
قالتها وعادت تنظر لي بجرأة كأنها تتوقع سؤال آخر, لم تعجبني نظراتها النابعة من عينيها الصغيرتين المملوءتان بالخبث ، فقررت أن أقتل فضولي بعدم اتاحة الفرصة لها بتوجهه نظرات أو اتهامات لي، فقلت وأنا اقلب في جريدة قديمة:
يا له من اسم جميل.
رفعت عيني لأجد أنها مازالت تنظر وتبتسم بقذارة جحدتها بنظرة قاسية فتوقفت حينها وهربت بنظرها بعيدا ثم عادت تقول:
ألم تشاهدي أحلام في الأيام الماضية.
أجبت باقتضاب:
لا.
مرت فترة صمت قطعها رنين جوال ورد, ردت على الهاتف و بدا أنها تحادث أحد أفراد أسرتها ، وقبل أن تنهي المكالمة كنت قد رحلت لانتهاء وقت الاستراحة ، وفي داخلي مشاعر متضاربة تجاهها ، فتارة أشعر أنها فتاة طيبة تكاد تكون ملاكا وتارة أخرى أشعر أنها شيطان رجيم, لم أستطع أن أتخذ منها موقف معين على عكس أحلام التى لم أرتح لها أبداً , شعرت بالضيق فليس هذا ما كنت أتخيله فلطالما تمنيت أن تكون زميلات العمل بمثابة أخوات لي, نحكي لبعضنا عن مشاكل العمل وعن الضغوطات التى نواجهها وندعم بعضنا نفسيا ، لم أتوقع كل تلك الأفخاخ النفسية ولم أتخيل أن توجد نظرات بشعة لذلك الحد ، أو تصرفات غريبة كالتي حصلت والمشكلة أنني لست انطوائية بطبعي ، وهذا مما صعب علي تقبل تصرفات كتلك لكن ما باليد حيلة.
مرت الأيام سريعاً واكتملت منها أسبوعان تعودت فيها على العمل وتفادي أحلام أيضاً وتجنب سالي وأخذ الحرص مع ورد ، لكن في الأسبوعين الأخيرين من الشهر ، بدت لي الأيام رتيبة في المرور خاصة مع انتظار الراتب الأول! غير أنني بدأت أستمتع بوتيرة العمل خاصة أن الموظفين صاروا يعتمدون عليّ في إرسال الرسائل البريدية الإلكترونية واستلام الأوراق الرسمية وغيره مما ساعدني على إثبات جدارتي, وفي حال وجود صعوبة في شيء كنت أسأل زميلتي غدير وهي تعمل منذ سنة تقريبا و التى لم أعرفها إلا من أيام قليلة حين عادت من إجازتها, كانت غدير مرحة إلى حد ما لكن مسحة من الحزن كانت تغمر وجهها ذو الملامح النجدية التى لم يفسدها شيء سوى قصر قامتها وسمنتها الأقرب إلى سمنة الأمهات برغم أنها غير متزوجة ، الحق يقال أنها كانت معقولة وحديثها لطيف مما خفف علي وطأة الوحدة في بعض الأحيان خاصة حين كنت أراها في الغرفة مصادفة, كنت كثيراً ما أتساءل عن سر حزنها, لكنني لم أسألها لأني رأيت أن الفضول عادة كريهة خاصة حين نسأل عن أمور مؤلمة, عادت الأيام تمر دون جديد يذكر سوى أن الدوام اليومي قاتل ومتعب، فكل يوم أستيقظ في السادسة والنصف ولا أعود للمنزل إلا الساعة السادسة إلا ربع وقبل التاسعة أكون قد خلدت للنوم ومما زاد الوضع صعوبة كوني في الأشهر الثلاثة الأولى ، ولا يحق لي طلب إجازة وبالطبع لا راحة في إجازة نهاية الأسبوع المليئة بالأشغال والمناسبات .
وذات يوم زاد علي الإرهاق فطلبت أن أستأذن وأذهب للبيت وبالفعل حصلت على الإذن حوالي الساعة العاشرة لكن أبي لن يستطع أن يأتي قبل الحادية عشرة حتى يحصل على إذن مديره ، هذا بالإضافة إلى مسافة الطريق وجدت أن أفضل حل هو انتظاره في الغرفة خاصة أن فيها سرير يمكن أن أستلقي عليه قليلا ، وبالفعل ذهبت لأفعل ذلك وما كدت أجلس على السرير حتى شعرت بالغثيان فهرعت للحمام وأغلقت الباب ورائي ووقفت بضع دقائق وأنا أتنفس بعمق وبعد أن غسلت وجهي شعرت أنني أفضل حالا ، ومع ذلك لم أغادر الحمام خوفا من تكرارا الأمر، وبينما أنا في أمري ذاك سمعت باب الغرفة يفتح وتلاه صوت ورد وأحلام أطلقت "سبة " في داخلي وأنا أتساءل عن السبب الذي يجعلهما تأتيان في وقت كهذا خاصة أنه ليس وقت استراحة إفطار أو غداء وحينها استيقظ وحش الفضول في أعماقي ونسيت ما أصابني من إعياء وتعب وقررت أن أرهف السمع متجاهلة بذلك كل الآداب التى تحث على عدم التصنت, تناهى الى سمعي صوت ورد وهي تقول:
أنا لا أطيقها تصوري أنها تتجرأ عليّ وهي مازالت موظفة جديدة وتتشدق بمعلومات تدعي أنها جديدة ، بل وأسوأ من ذلك أنها ذهبت لتشتكيني عند المديرة.
ردت عليها أحلام بشئ من الغضب:
لست وحدك فلقد تجرأت عليّ أنا أيضا وهي ممرضة وأنا طبيبة ماذا تظن نفسها.
جاء صوت ورد قلقاً هذه المرة:
أحلام أنا في مأزق أنت تعرفين أني قدمت طلباً للترقية ولست في حاجة لمشكلة كهذه خاصة أن مدير المستشفى سيعقد اجتماعا غداً .
قالت أحلام متسائلة:
وماذا تريدين مني أن أفعل؟
قالت ورد وهي تحاول أن تبسط الأمر:
أريدك أن تأتي معي غداً وتشهدين بما حصل سنقول أنها تفتقر إلى أساليب التواصل المهنية كما أنها تحشر نفسها في عمل الأطباء ، وستكون شهادتك أقوى وبهذا نقضي عليها.
ردت أحلام قائلة:
لك هذا في أي ساعة يعقد الاجتماع؟
ردت ورد بصوت ممزوج بالفرح :
عند العاشرة صباحا.
غادرتا كلتاهما الغرفة بينما أنا غير مصدقة لما حصل .
كثيراً ما كنت أسمع عن الحقد والكره في مجال العمل والمنافسة لكن ليس إلى هذه الدرجة ، بماذا تختلفان عن أعضاء المافيا في تصرفهما؟ كنت أشعر بصدمة كبيرة فكيف تقبل طبيبة تعالج الناس بعمل قذر كهذا لتصفية أحقاد شخصية؟ هل أخطأت السمع؟ هل كنت أهلوس ؟هل من المعقول أن يخرب إنسان حياة إنسان آخر بكل هذه البساطة ، هل بالفعل تنتميان لمن يلقبون بملائكة الرحمة؟ أفقت من خواطري على صوت هاتفي المحمول يرن حاملاً صوت أبي يخطرني أنه متواجد بالخارج, حملت شتات أفكاري ورحلت ، وأنا لا أفكر سوى بالمسكينة وما سيحصل لها , ركبت السيارة وما أن رآني أبي حتى فجع من مظهري وقال لي بقلق:
هل أنت بخير.
هززت رأسي أن نعم ثم قلت بصوت واهن:
فقط أحتاج إلى القليل من الراحة.
ذهبت للمنزل وما أن وصلت حتى غرقت في نوم عميق إلى صباح اليوم التالي وحين استيقظت تذكرت كل ما حصل البارحة وتذكرت أيضا أن الملحمة ستكون اليوم، وشعرت بشئ يقبض على صدري حتى كاد يخنقني فبشكل أو بآخر أشعر أني مشتركة في الجرم ، لأنني لم أتكلم لكن أحداً لن يصدقني وكما ألفتا قصة عن الفتاة سوف تفعلان معي ، وقد أفقد وظيفتي بسبب كهذا خاصة أنني مازلت في الفترة التجريبية شعرت أنني مرهقة من التفكير وآثرت عدم الذهاب للعمل اليوم وليكن ما يكون ، شعرت بحاجتي إلى بعض الوقت أجلس فيه مع نفسي خاصة أن اليوم أربعاء وسيلحق به الخميس والجمعة مما يعطيني مجال للراحة,وبالفعل كان لي ما أردت ، وما أن اجتمعت العائلة على الغداء حتى شعرت بالرغبة في أن أشارك عائلتي ما حصل معي وحكيت لهم ما حصل وباركني الجميع على قراري ثم ختم أبي الحديث قائلا:
لا تقلقي يا ابنتي فإن الله معها.
طمأنتني كلماته كثيراً وجعلت نهاية الأسبوع تمر بسلام وما أن جاء يوم السبت حتى عاد الفضول يتملكني لمعرفة ما حصل لكني لم أحتاج للسؤال لأني وجدت الكل يتحدث عن المشكلة وما حصل فيها حتى الممرضات الفلبينيات تداولن الأمر وترامى إلى أذني أثناء ثرثرة إحداهما بأن مدير المستشفى لم يصدق الحكاية وأن رواية الفتاة كانت أصدق بالنسبة له,بينما قال البعض أن الحكاية كلها نابعة من غيرة ورد منها بسبب جمالها ورشاقة جسمها الأمر غير المتاح لها طبعا خاصة أن المشكلة تافهة في أساسها لا تتجاوز اختلاف كل شخص في آلية تسير العمل وليس للأمر تفسير آخر ، أما أحلام فلم يرد لها ذكر في الحكاية لا أدري لماذا لكني لا أظن أنها تراجعت عن الشهادة وتساءلت في أعماقي عن دافع أحلام فإذا كان دافع ورد الغيرة فما دافع أحلام؟ في الغالب ما يكون أصحاب العقد النفسية يحقدون على المجتمع لأسباب متعددة فأحلام متأخرة في الزواج ولعل هذا أحد الأسباب الحقد الغير المفسر لموظفة جديدة, كثيراً ما كنت أسمع أن الغيرة تسبب العديد من المشاكل لكني ما زلت لا أصدق أن تصل الى هذا الحد ، فالمشكلة أساسا كانت مع ورد ولا تبدو أحلام خدومة لهذه الدرجة فما الذي حملها على فعلتها المشينة؟,ظللت غارقة في أفكاري إلى أن فقت على صوت غدير تسألني عن مكان ورق الطباعة التفت لأناولها إياه من تحت المكتب وقبل خروجها بثوان لمعت في ذهني فكرة فهتفت بصوت عالي:
غدير....
التفتت بدهشة لصوتي المرتفع وتساءلت:
ماذا؟!
تنحنحت وقلت لها:
هل تعرفين دكتورة أحلام من وقت طويل؟
مطت شفتها وقالت:
لا أعرفها جيدا لكنها معروفة بطموحها القاتل فلقد تزوجت العمل من وقت طويل وأصبح هو شغفها الأول والأخير وغالبا ما يتجنبها الكثيرون لأن لا شئ مهم بالنسبة لها سوى تقدمها المهني.
غادرت غدير وتركتني غارقة في بحيرة حيرتي ، فلم تكن المشكلة مشكلتها ولم تكن الفتاة تنافسها بشكل أو بآخر, عدت أفكر ملياً إلى أن نظرت للساعة لأجد أن وقت الاستراحة قد حان, حينها قمت من مكتبي وقررت أنني سأطرد هذا الموضوع من دماغي للأبد، كما سأستمر بتجنبي لورد وأحلام وأحد من علاقتي بغدير وليكن ما يكن,ومن وقتها قضيت معظم أيامي غارقة في العمل أو مستأنسة بحديث خفيف مع غدير خاصة أنها تقضي أغلب أوقاتها في الغرفة بل وتعمل فيها أحياناً, ولم تحصل أي منغصات تذكر ,كنت سعيدة جداً لانقضاء الأيام سريعاً وبانتهاء الفترة التجريبية وتثبيتي في العمل كموظفة أساسية,أصبحت وتيرة العمل سيمفونيتي المفضلة لا أملها ولا أنساها إلا خارج الدوام ودائما ما كنت أحاول أن أتجاهل كل ما هو مزعج من شخصيات أو حوادث حتى لا أعكر صفو يومي مهما كان, وفي صبيحة أحد الأيام جاءتني المديرة لتخبرني أن الغرفة سوف تغلق وتتحول إلى مكتب الاستشاري الجديد كما كلفتني بجمع ما لدينا من أغراض خاصة أن الأخريات غير موجودات في جدول العمل ، أطلقت أفا فمعنى هذا مضاعفة عملي وحمل الخبر السيئ للزميلات وقررت أن أستغل ساعة الغداء في حمل الأغراض وترتيب الغرفة تناولت طعامي سريعاً وبدأت في فتح الأدراج وحمل ما فيها من ورق ولاحظت فيها مجلات وأوراق قديمة فقررت تفنيد كل الأوراق وهكذا بدأت وقبل مضي وقت طويل كنت قد تخلصت من جميع الأوراق إذ كان دون فائدة تذكر ثم انتقلت بعدها إلى طاولة الأكل فحملت كل ما عليها من أكياس شاي وقهوة ووضعته في كيس كبير ونويت إعطائه لعامل النظافة نظرت حولي فوجدت أن المهمة قد أنجزت تقريباً ماعدا وجود عدد من المعاطف البيضاء لا أدري لمن تنتمي وقررت تركها للغد لأني لا أستطيع التخلص منها ، دلفت للحمام لأغسل يدي ووجهي قبل العودة للمكتب حملت كيس بقايا الأطعمة وأمسكت بقبضة الباب وكدت أخرج لولا أن لاحظت مذكرة متوسطة الحجم تحت غطاء السرير حملتها معي خوفا من أن يضيعها العمال خاصة أنهم سيعملون خلال عطلة نهاية الأسبوع, ومن تفتقدها من البنات ستسألني عنها خرجت وواربت الباب خلفي,مضت عطلة الأسبوع وجاء السبت وكان العمل قد بدأ بالغرفة وأصبح دخولها ممنوعا لكن شيئا دفعني كي أذهب لرؤيتها ، لا أدري لماذا ربما هو الحنين أو الملل لكن حين رأيتها في وضع الإصلاحات كانت أجمل بكثير خاصة بعد هدم جزء من الجدران بغية توسيع المساحة ، كانت مريحة جدا وأكثر دفئاً مما اعتدتها غادرت الغرفة أو شبه الغرفة وذهبت إلى لمكتب لأقضي ساعة الغداء حيث لم يعد هناك مكان اذهب إليه جلست على الكرسي ورحت أدور ببلاهة توقفت إذا أصابني الخجل من نفسي رحت أقلب في الأوراق الموجودة على المكتب فلم أجد شيئا يسليني فتحت الدرج لأجد المذكرة التى وجدتها في الغرفة و التى لم يسألني عنها أحد ومن الواضح أن القمامة مصيرها الأخير هنا وجدت لنفسي الحق في تصفحها أصابتني حماسة غير اعتيادية وفتحتها لأجد بها مجموعة صور لولدين في مرحلة الطفولة ومن ثم المراهقة وصورة أخرى ل..............غدير هل يعقل أن تكون هذه لغدير؟ هنا تحولت حماستي إلى إصرار لمعرفة ما تخبئ ورائها ولمدة ساعتان لم أترك المذكرة إلا حين عرفت كل شئ وحين انتهيت أمسكت رأسي بيدي كأني لا أصدق يا إلهي هل يعقل فكل صفحة من تلك المذكرة حملت جزءاً من حياة غدير والتي كتبتها بيدها فمن الواضح أنها مطلقة على عكس ما أخبرتني ولها إثنان من الصبيان أحدهما يبلغ السابعة عشرة والآخر في الثالثة عشر ، ومما قرأت أيضاً عرفت أنها عانت كثيرا مع زوجها المدمن والذي كان يعنفها هي وأولادها ، وحتى بعد طلاقها لم يسمح لها بالعيش الهانئ فظل يلاحق الأولاد في مدارسهم ويخبرهم الأكاذيب عن أمهم حتى يكرهونها ، وظلت في ذلك الجحيم إلى أن قرر أبوها أن يحد من هذا العذاب بانتقالهم إلى جدة ومع إنتقالها تركت كل ذكرياتهم الجميلة ورائها وظلت تتذكر دائما الوحش الذي هربت منه.
قبل هذا كنت أظن نفسي أذكى وأعرف بنفوس البشر لم أتوقع أن أكون غبية لهذه الدرجة أول مرة أشعر بأنني مجرد طفلة صغيرة خرجت للعالم الكبير واكتشفت أسراره الكامنة,من أول يوم لي لم أرتح في تلك الغرفة كأنما كانت تطردني كأنها كانت تطلب مني الرحيل حتى لا أعي كل حقائقها المؤلمة,كان كل جدار فيها ينطق بما عاناه بما رآه وسمعه بكل سر احتواه وبكل خبث ذاقه,يا إلهي لقد انتحرت الغرفة كفاها ما أصابها وقررت أخيرا أنها أفضل حالا من دون جدرانها.


<br>
طالب العدالة
طالب العدالة
فريق الإشراف
فريق الإشراف

الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 3285
نقاط : 11245
السٌّمعَة : 3

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى