نصب الدليل على المسألة

هناك فرق كبيرا بين الاستدلال على اثبات الشيء أي على نصب الدليل على المسألة المعينة وبين الاستدلال على شرعية الشيء اي على ان هذا الشيء قد حواه نص شرعي، فاقامه الدليل على اثبات الشيء لابد ان يكون حجة قطعية حتى يكون دليلا، والاستدلال على شرعية الشيء لا بد ان يكون نصا شرعيا بغض النظر عن كونه قطعيا او ظنيا ولا يصح ان يكون غير نص شرعي حتى لو قامت حجة قطعية من العقل دليلا عليه، لا يكون دليلا شرعيا لان ما حواه ليس نصا شرعيا . فالبحث في الاستدلال على الحكم الشرعي هو بحث فيما حواه النص الشرعي وليس بحثا لنصب النص الشرعي دليلا عليه، وعليه لا يصح ان يخلط بين الاستدلال على الحكم وبين اقامه الدليل على ان هذا الحكم هو حكم الله . فاقامة الدليل عل ان الحكم حكم الله لابد ان يكون دليلها دليلا قطعيا واما الاستدلال على الحكم فيكون بالاتيان بنص شرعي يحوي هذا الحكم وعلى هذا فان اقامة قوله عليه السلام"لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعه بفاتحة الكتاب" ‎دليلا على ان حكم الله هو ان قراءة الفاتحة بكل ركعه فرض لا يكفي للدلالة على ذلك، لانه حديث احاد وهو ظني فلا يستدل به على ان حكم الله هو هذا الحكم، لانه في هذه الحال نصب هذا الحديث دليلا على اثبات مسألة معينة، ولما كان الحديث حديث احاد فليس بحجة قطعية ولذلك لا يصلح دليلا لاثبات ذلك . واما الاستدلال بهذا الحديث على ان قراءة الفاتحة في الصلاة في كل ركعة فرض فانه يكفي للاستدلال، لانه حديث صحيح ولو كان ظنيا، لان الحكم الشرعي هو ما غلب على الظن انه حكم الله . فالاستدلال بخبر الاحاد على انه يحوي مسألة معينة غير نصبه دليلا على مسألة معينة . فيستدل به على حكم شرعي ولكن لا يقام دليلا على ان الحكم حكم الله . ومن هنا يتضح ان اللبس الذى قد يلتبس على أحدنا من ان حديث الاحاد قد قام دليلا على المسألة فصح الاعتقاد بها وبذلك لا نكون قد اتبعنا شيئا ما لنا به من سلطان وانما لنا سلطان وهو حديث الاحاد، وذلك ان حيث الاحاد لم يقم دليلا على المسألة ولا يصلح دليلا لها وانما استدل به على انه يحوى المسألة، فهو ليس سلطانا اي ليس دليلا على اثبات المسألة وانما هو دليل على انه يحويها ولذلك كان الاستدلال بالكتاب والسنة على الاحكام الشرعية دليلا على اثباتها وكذلك سائر الادلة فلا بد ان يكون قطعيا لانه دليل اي سلطان. واما الاستدلال على حكم شرعي باية او حديث فهو ليس دليلا على اثبات ذلك الحكم بل دليل على ان الاية والحديث تحوي ذلك الحكم ، وعليه يكون الاعتقاد بما ثبت بحديث احاد او اية ظنية الدلالة اعتقادا بغير سلطان . ان اخذ الحديث او الاية دليلا على اثباته لان كلا منها لا يصلح للاثبات لانه ليس قطعيا وان استدل بالحديث والاية عليه بأنه يحويه فانه يكون اعتقادا بغير دليل لانه في هذه الحالة لم يكن دليلا على اثبات الحكم وانما هو دليل بأنه يحوي الحكم . فعلى اي حال الاعتقاد بناء على الدليل الظني يكون اعتقادا منا لشيء ما لنا به من سلطان وانما هو خرص وظن .



لذا فنصب الدليل على المسألة إنما يؤتى بالدليل لإثبات المسألة، ولذلك فان ما يفعله الفقهاء والمجتهدون من الاستدلال على الأحكام الشرعية بآيات أو أحاديث أو استنباط أحكام شرعية من آيات وأحاديث فإنهم يأتون بها لإثبات أنها تحوي هذه الأحكام لا أنهم يقيمونها دليلا على هذه الأحكام أي لا أنهم يقيمونها لا ثبات هذه الأحكام.