شبكة واحة العلوم الثقافية
أسعدتنا زيارتك و أضاءت الدنيا بوجودك

أهلا بك فى شبكة واحة العلوم الثقافية

يسعدنا تواجدك معنا يدا بيد و قلبا بقلب

لنسبح معا فى سماء الإبداع

ننتظر دخولك الآن

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

شبكة واحة العلوم الثقافية
أسعدتنا زيارتك و أضاءت الدنيا بوجودك

أهلا بك فى شبكة واحة العلوم الثقافية

يسعدنا تواجدك معنا يدا بيد و قلبا بقلب

لنسبح معا فى سماء الإبداع

ننتظر دخولك الآن
شبكة واحة العلوم الثقافية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مفهوم الإبداع في النسقية الإسلامية /عبد القادر هاشم رمزي

اذهب الى الأسفل

مفهوم الإبداع في النسقية الإسلامية /عبد القادر هاشم رمزي  Empty مفهوم الإبداع في النسقية الإسلامية /عبد القادر هاشم رمزي

مُساهمة من طرف سامح عسكر الأربعاء مايو 04, 2011 1:00 pm

المقدمـة:

إن أي رؤية إسلامية تستكمل شروط النسبة إلى الإسلام لا بد أن ترتبط
بالنسق المرجعي الإسلامي؛ أي المرجعية الإسلامية في تحديد المفاهيم وتحقيق
إسلاميتها وتأصيلها. وإن صحة الرؤية التي يعرضها باحثٌ معينٌ، إضافة إلى
صحة شروط نسبتها إلى الإسلام، تقوم على صحة الفهم والتفسير والربط بين
محورين، أولهما: النسق المفهومي لهذه الرؤية موضوعاً ودلالةً وصيغةً،
وثانيهما: المرجعية الإسلامية المتمثلة في القرآن الكريم والسنة النبوية
الشريفة، والدلالات المعجمية للغة العربية.

ولعل مفهوم الإبداع الإسلامي لم يستثر انتباه فقهاء الأمة الإسلامية
وعلمائها وباحثيها في العصور السابقة -ربما- لأن دلالات هذا المفهوم متضمنة
في مفاهيم نسقية إسلامية أخرى مثل: العبادات، والطاعة، والالتزام،
والإحسان، والإتقان، والعدالة، والاجتهاد، والجهاد، والتقوى، والورع،
والبِدْعة الحسنة، والابتداع المهتدي؛ كَحُبِّ الله سبحانه وتعالى، وحب
رسوله عليه الصلاة والسلام، وحب المؤمنين، وغيرها من مفاهيم الفعل الإسلامي
وصور أدائه على الوجه الإسلامي. وقد برز تفعيل هذا المفهوم في نسق الحياة
الإسلامية من خلال مفاهيم نسقية أخرى منها: الخلافة، والبيعة، وطلب العلم.
وعبر جهود علماء الإسلام، وفي تنظيم مؤسسات الحكم والحسبة والوقف وتدوين
الدواوين، وفي إنجازات القادة والولاة والفقهاء في جميع مناحي الحياة
الإسلامية.

ولقد كانت ظروف الحياة الإسلامية موائمةً للإتقان وللإبداع المهتدي في
تداخلها وتفاعلها في الواقع الحضاري الإسلامي، فأنتجت تنوعاً إبداعياً لا
ينتمي إلا إلى الإسلام، ولا يستند إلا إلى المرجعية الإسلامية، ما دعَّم
صدارة هذه الأمة وريادتها، كما دعم اهتداءها بالإسلام وهدايتها الأمم
الأخرى إليه. وقد أغنى ذلك كله الباحثين والعلماء والفقهاء والمربين
المسلمين، في ظل تلك الشروط، عن الانشغال المفهومي التفصيلي بالإبداع
الإسلامي أو بالإبداع في الفعل الإسلامي وفي نطاق النسقية الإسلامية التي
ينتظم فيها: الإيمان، والعقيدة، والحياة الإسلامية، والتربية الإسلامية،
والحضارة الإسلامية.

ويرتبط الإبداع الإسلامي بالواقعية المرجعية التي تستند إليها الرؤية
المفهومية الإسلامية لهذا الإبداع، وتشير هذه الواقعية بدورها إلى الواقع
العربي الإسلامي الآني (الحالي) الذي تجري فيه الدراسة. كذلك يكشف التحليل
المفهومي للإبداع في الفعل الإسلامي عن مدى التكامل أو التفاوت بين
الواقعين، ويتوقع أن يكشف عن المؤثرات المفهومية التي تكتنف فعاليات
الإبداع في ضوء المرجعية الإسلامية، وعن متطلبات إحياء أو استئناف الإبداع
الإسلامي وما يرتبط به من مفردات نسقية إسلامية. كذلك يمكن أن تكشف هذه
الدراسة المفهومية عن المستوى الفكري للأمة العربية الإسلامية، وعن موقعها
من المسيرة الحضارية في الواقع الحالي. ونظراً لأن مفهوم الإبداع في الرؤية
الإسلامية هو مفهوم خصوصي في أبعاده الاعتقادية (الأيديولوجية، والحضارية،
والثقافية) ولا تظهر هذه الخصوصية أو تتبلور إلا في سياقها المرجعي (النسق
المفهومي الإسلامي) فإن هذه الدراسة تسعى لتوظيف هذا الارتباط بين الإبداع
الإسلامي والنسقية الإسلامية.

ثم إن المبدعين في الأمة الإسلامية إذا نظمت تنشئتهم ورعايتهم، وجرى
تفعيل إمكاناتهم وإنجازاتهم في المواقف المناسبة وفي السياق الحضاري
الصحيح، -النسق المهتدي بحسب الرؤية الإسلامية- فإن هؤلاء المبدعين سوف
يبلورون قدرات هذه الأمة وإمكاناتها في النهوض والارتقاء والقيادة، ويتوقع
أن يشكل الإبداع الإسلامي الذي ينجزونه، والإبداع الإسلامي الذي هم قادرون
على إنجازه في إطار هذا النسق -إذا جرى تحقيقه في الواقع- إحدى مكونات
الثروة الإبداعية الإسلامية، هذه الثروة التي تحمل خطاب الأمة الحضاري،
وتساعدها على استئناف اقتدارها في كل ميدان من ميادين الحياة، كما تساعدها
على الارتقاء الإسلامي في درجات الإبداع والإحسان في اتجاه رضوان الله
سبحانه. وبناء على ذلك فإن المبدعين الإسلاميين، وما ينجزون من إبداعات
إسلامية، إذا تكاملت متطلبات تنشئتهم ورعاية مواهبهم في حياة الأمة
الإسلامية- من أبرز الأدوات الحضارية في توجيه طاقات أمة الإسلام، ووقاية
مقوماتها من حيث: كوادرها، ونسقها العقدي، وثقافتها، وحضارتها، وتربيتها،
ولغتها ورسالتها الحضارية، ومؤسساتها، ونظمها، وحمايتها من التخلخل الداخلي
الذي يهدد بناها الأساسية، ومن التغلغل الخارجي الوافد (الغازي) الذي يهدد
كيانها ومسيرتها ورسالتها الحضارية، إضافة إلى تهديد اقتدارها على التجدد
والارتقاء والتميز.

وهذه الدراسة محاولة تحليلية لبلورة مفهوم الإبداع الإسلامي من جهة
نسقيته، وتوضيح الثوابت المفهومية في النسقية الإسلامية، وبيان العلاقة
الوظيفية بين النسقية الإسلامية والفعل الإبداعي الإسلامي، ومتطلبات تفعيل
الإبداع الإسلامي في حياة المسلمين. وتنحصر الدراسة في مفهوم الإبداع
الإسلامي في النسق الإسلامي، وتشمل ما يمكن أن يرتبط به من مفاهيم إسلامية
يستند إليها أو يستنتجها الباحث من مرجعية هذه الرؤية؛ فهي عَرضٌ مفهومي
للإبداع الإسلامي ينحصر في الدلالات المفهومية المرجعية. ولهذا فالباحث لا
يعد نفسه معنياً -في هذا السياق- بالإبداع خارج النطاق الإسلامي، وإن كان
يقترب منه في ظل تفعيل النسق المرجعي الإسلامي وإمكانية تطبيقه، ومتطلبات
هذا التفعيل في الواقع.

والنسق في الرؤية الإسلامية هو منظومة المفاهيم التي تحققت إسلاميتها
(نسبتها إلى الإسلام) أصالة أو تأصيلاً ، ولا تحمل هذه الصفة إلا المصطلحات
التي تنتظم في نسيج النسقية الإسلامية المرجعية، أو تَتَّسِقُ معها؛ سواء
أكان ذلك في علم مخصوص أم في منظومة من العلوم. أما النسق الإسلامي
المرجعي، أو الإطار المرجعي للنسقية الإسلامية فيعني: منظومة المفاهيم
والمفردات التي تتكون منها العقيدة الإسلامية بشقيها: التصديق القلبي
الجازم، والتصديق العملي المرتبط به. فالأول هو: (الإيمان)؛ أي الاعتقاد
(الجازم) بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره؛
ويقوم عليه الجانب الثاني (الإسلام) وهو: شهادة أن لا إله إلا الله وأن
محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من
استطاع إليه سبيلاً. وكل ما يرتبط بهذه المفردات من الأفعال الإسلامية، وما
يقوم عليها قياماً إسلامياً من مفاهيم نسقية إسلامية.

أمّا أسلمة المفهوم فهي تحقيق ارتباطه بالإسلام؛ أي بالعقيدة
الإسلامية، وبالنسق المرجعي الإسلامي في الحياة الإسلامية نظراً وعملاً أو
فقهاً وتطبيقاً، ويشمل ذلك إسلامية ما ينتج عن تطبيق المفهوم من آثار
إسلامية محققة مادية ومعنوية. وهذه الأبعاد تؤخذ في الحسبان عند التحقق من
عملية الأسلمة، كما أنها عملية اجتهادية بالمعنى الفقهي الإسلامي.

وأما الفعل الإسلامي في سياق هذه الدراسة فهو الفعل الذي يقوم به
المسلم المؤمن على أساس العقيدة الإسلامية؛ ابتداءً ومساراً وغايةً، ويشمل:
النيَّة، والقول، والعمل، وهو بذلك عبادة. وكل فعل إسلامي بهذا المعنى
عبادة، كما أن كل عبادة في الإسلام هي فعل إسلامي، والإبداع الإسلامي بُعدٌ
من أبعاده. ثم إن غاية الفعل الإسلامي إنما هي ابتغاء رضوان الله سبحانه،
كما أن مساره هو الانضباط بالشريعة الإسلامية وبأدائه على الوجه الإسلامي
المطلوب شرعاً.




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

مفهوم الإبداع في النسقية الإسلامية /عبد القادر هاشم رمزي  Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28518
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مفهوم الإبداع في النسقية الإسلامية /عبد القادر هاشم رمزي  Empty رد: مفهوم الإبداع في النسقية الإسلامية /عبد القادر هاشم رمزي

مُساهمة من طرف سامح عسكر الأربعاء مايو 04, 2011 1:01 pm

أولاً: الإبداع في الدراسات الإسلامية السابقة:

من الدراسات الإسلامية السابقة التي تناولت الإبداع في أبعاده الإسلامية بصورة أو بأخرى:

1. كتاب التعريفات للشريف علي بن محمد الجرجاني: يعرض الكتاب "تعريفات
جمعها العلامة الجرجاني واصطلاحات (أخذتُها) من كتب المتقدمين (على حد
قوله)، ورتبتها على حروف الهجاء" وقد ورد فيه: الإبداع والابتداع: إيجاد
شيء غير مسبوق بمادة ولا زمان، كالعقول. وهو يقابل التكوين لكونه مسبوقاً
بالمادية، ويقابل الإحداث لكونه (الإحداث) مسبوقاً بالزمان، والتقابل
بينهما هو تقابل التضاد إن كانا وجوديين، بأن يكون الإبداع عبارة عن الخلو
عن المسبوقية بمادة، ويكون بينهما تقابل الإياب والسلب إن كان أحدهما
وجودياً والآخر عدمياً، ويعرف هذا من تعريف المتقابلين. (يشير إلى ما يسمى
في المنطق بمربع أرسطو) وهو هنا يحلل المفهوم (الإبداع) تحليلاً يعتمد
المنطق، كما أنه لا يعالج مفهوم الابتداع، ولعله عده تابعاً للإبداع حيث إن
الفعل المزيد (ابتداع) أصله (بدع). ثم يعود لذكر الإبداع فيقول: "الإبداع
إيجاد الشيء من لا شيء، ومثل الإبداع تأسيس الشيء عن الشيء. والخلق إيجاد
شيء من لا شيء قال الله تعالى: (بديع السموات والأرض) وقال (خلق الإنسان)،
والإبداع أعم من الخلق، ولذا قال: (بديع السموات والأرض)، وقال: (خَلَقَ
الإنسان ولم يقل بديع الإنسان). وتتمثل أهمية هذه الدراسة في تأكيدها
لمفهوم الإبداع من مكانة في الفكر الإسلامي، غير أنها تبقى دراسة معجمية لا
تتناول الأنساق الفكرية أو التطبيقات الوظيفية الإسلامية للمفاهيم.

2. مقدمة في منهج الإبداع - لزهير منصور: قدمت هذه الدراسة منهجية
الإبداع دون التطرق إلى التحليل المفهومي أو إلى الأبعاد الإسلامية، وربطت
الإبداع بالعملية الإعلامية، ثم عرضت تعريفاً له عن طريق عرض بعض معانيه
التي وردت في المعاجم اللغوية العربية: ومن ذلك "إبداع الشيء اختراعه لا
على مثال، وإنشاؤه على غير مثال سابق، وجعله غايةً في صفاته (أي منتهى
الدقة). والإبداعية في الأدب والفن هي: الخروج على أساليب القدماء باستحداث
أساليب جديدة". لكن هل يعد الاستحداث إبداعاً؟ وهل الخروج على أساليب
القدماء يعد إبداعاً إسلامياً؟ كما أن كلمة بديع في هذه الدراسة تعني:
"الجديد من الأشياء"، ومن معاني البديع: المثال والنهاية في كل شيء،
فيقولون: رجلٌ بدعٌ، وامرأةٌ بدعةٌُ؛ إذا كان غاية في كل شيء".

وتؤكد الدراسة (ص21) أن ثمة أموراً يجب أن تتوافر في الإنسان المسلم
كي يتسنى له تجاوز صيغ المعادلات القديمة، فيقوم بكسر الأرقام القياسية
وبعث العقل الذي يعرف كيف يعيد صياغة العالم، وتلك الأمور هي التصور الواضح
الشامل العميق للإسلام والمعرفة، والإدراك الكامل للواقع المعاش، والمنهج
الواضح في التصور وتلقي المعرفة وبعض سمات الإبداع، "كذلك تؤكد ضرورة توافر
بعدين في الشخصية المسلمة حتى تصبح شخصية مبدعة، وهما: البعد المنهجي،
والبعد الشخصي". وبهذا فإن الدراسة تربط الإبداع بشخصية المسلم لتؤكد
للمهتمين أن الإسلام ليس محصوراً بين كتب الفقه فقط، أو فيما ألفه الأقدمون
ليؤكد أولئك الأعداء (يريد أعداء الإسلام على حد قول المؤلف) أن الإسلام
لم يأت بأفكار تتناول قضايا الناس، وأن اشتغال علماء الإسلام في القديم
والحديث لا يتناول إلا العبادات.

ثم تؤكد الدراسة أن الإبداع أو الابتكار موضوع قديم، إلا أنه لم يأخذ
حقه من الدراسات المنهجية، ولم يثر اهتمام الباحثين إلا حديثاً في عمر لا
يجاوز ثمانين عاماً (ص12). ولم تغفل الدراسة تعريفات الإبداع عند المفكرين
الغربيين، بل أشارت إليها باختصار يقتضيه المقام؛ حيث تفادت في منهجيتها
تناول الإبداع في الفكر الغربي، حصراً للموضوع في نطاقه النسقي الإسلامي.
ففي الصفحتين (26، 27) تشير إلى تعريفات مفكرين غير إسلاميين، يمكن اقتطاف
أمثلة من بينها:

- يعرف (شتاين) الإبداع بأنه: "عملية ينتج عنها عمل جديد يرضي جماعة
ما أو تقبله على أنه مفيد." وهو تعريف يجعل المجتمع مرجعيةً للإبداع، فضلاً
عن أنه يقع خارج نطاق النسقية الإسلامية.

- ويعرفه (سيمسون) على أنه: "المبادرة التي يبديها الشخص في قدرته على
الانشقاق من التسلسل العادي في التفكير إلى ما يخالف فيه النمط المعتاد."

- ويعرفه (سميث) 1959 على أنه: "العملية الابتكارية" في التعبير عن
القدرة على إيجاد علاقات بين أشياء لم يسبق أن قيل إن بينها علاقات.

- ويرى (هافل) (1962) أن الابتكار هو: "القدرة على تكوين تركيبات أو تنظيمات جديدة."

- ويرى (ثوراندايك) أن الإبداع ظاهرة يمكن حصرها في فئات أربع هي:
التعريفات التي تركز على العملية الإبداعية، والتعريفات التي تركز على
الإنتاج الإبداعي، والتعريفات التي تركز على السمات الإبداعية (الشخصية)،
والتعريفات التي تركز على الإمكانية الإبداعية.

- أما (والاس) فيعرف الإبداع من خلال المراحل الأساسية التي يمر بها
المبدع، ويحددها في أربع مراحل هي: الإعداد، والاختيار، والإشراق،
والتحقيق.

- ويرى (موراي) (1959) وباتريك (1949) أن الإبداع يبدأ بإحساس المبدع بالمشكلة ليمر بمراحل الإبداع التي وضعها والاس.

- كذلك بينت الدراسة: أن العلماء الغربيين اقترحوا إجراء المقابلات
الشخصية لتحليل ما كتبه المبدعون عن أنفسهم (سير ذاتية) أو ما كتبه الآخرون
عنهم (تراجم). ويرون أن هناك خصائص يتصف بها المبدعون أكثر مما يتصف بها
العاديون كالمخاطرة، والاستقلال، والمثابرة، والانفتاح. كذلك أكدت
التعريفات التي تتناول الإنتاج الإبداعي توافر خصائص أساسية للإنتاج
الإبداعي مثل: الجدة، والملاءمة (المواءمة) وإمكانية التقدير.

ثم تؤكد هذه الدراسة الغَرْبية السابقة أن (جيلفور) (1950) كان رائداً
للإتجاه الذي يركز على الإمكانية الإبداعية، وحددها هو وزملاؤه بخمسة
عوامل هي: الطلاقة، الفكر والأصالة، والمرونة، والتلقائية. وأضاف إليها
(سويف) (1909) عامل الاحتفاظ بالاتجاه. ومن خلال هذه الإشارات كانت هذه
الدراسة ذات فائدة في عرضها لمفهوم الإبداع عند الغربيين، ولكنه عرض غير
مرتبط بمرجعية هذا البحث؛ لأنه يقع خارج النطاق النسقي الإسلامي، وهو موضوع
نظر؛ لاختلافه من حيث النسقية المرجعية عن التحليل المفهومي في نطاق النسق
الإسلامي، فضلاً عن أن الدراسة القائمة تقتصر -كما ورد في حدودها- على
التحليل المفهومي الإسلامي، الذي يعرض الإبداع في نسقه الإسلامي، الذي يسعى
به المبدع إلى بلوغ مرضاة الله سبحانه وتعالى، وهو الحد الذي يكون فيه
الإبداع عبادة إسلامية.

ومع أن الدراسة السابقة المذكورة في هذه الفقرة قدمت اختبارات قياس
الإبداع، كما قدمت اختبارات للتنشئة الإبداعية، ومنها مهارات التفكير
الافتراضي، إضافة إلى بعض نماذج تطبيقية في مجال الإبداع لدى بعض الشخصيات
الإسلامية: مثل عمر بن عبد العزيز (الابتكاري الملهم)، وعبدالله بن عباس،
ونظام المقررات (تحديد موضوعات المناقشة في حلقات الدرس)، والبخاري في حفظه
وذاكرته الإبداعية، والغزالي، وابن تيمية، وأبي الحسن الأشعري. ومن شروط
منهجية الإبداع كما حددتها الدراسة: أن الغاية تدرك بالوسائل الشرعية.
والإبداع يكون في كل أمر لا يتعارض مع الشرع. ويرضاه الله سبحانه وتعالى.
ويزيد من قوة المسلمين وتمكنهم. ويزيد من توضيح الإسلام وانتشاره. وبفضل
هذه الشروط قدمت دراسة منصور حافزاً دفع الباحث لإنجاز الدراسة القائمة في
تحليل مفهوم الإبداع في النسق الإسلامي.

3. الدين والإبداع: دراسة فلسفية (أثر العقيدة في منهج الفن الإسلامى
من خلال محاور نقدية وتحليلية وتأهيلية). وهذه الدراسة رسالة جامعية في
مجال الفنون، وهي تؤكد أن: "رسالة الفن تنسجم مع الرسالة الإسلامية الخالدة
للفن، والخير، والجمال، والاعتدال، والنظام، والاستقامة؛ وذلك من خلال
اعتقاد خاشع واختيار حر ملتزم وإبداع رائع "كذلك تؤكد أن هذه الرسالة تتمثل
فيها:" دعوة لتربية الإنسان المبدع ، وهي تربية جمالية من خلال التصور
الإسلامى؛ حتى تسمو نفسه، ويكون إحساسه جمالياً؛ فيعبر، ويتذوق
جماليا....". فالدراسة دعوة لأسلمة الفن، أو لأسلمة الفعـل الفنـي من وجهة
نظـر مؤلفـها ليرتقي إلى مستـوى الفعل الإسلامي (العبادة)، ولكنها تتفادى
التحليل المفهومي أو الارتباط بين مفهوم الإبداع والنسق الإسلامي؛ مع أنها
تؤكد: "أن القرآن لم يتخذ من الفن موقفاً معادياً. وأن الله سبحانه أجاز
لعيسى عليه السلام أن يصنع بإذن الله من الطين ما يشبه الطير فينفخ فيه
فيكون طيرا بإذن الله. ثم هي تعرف الفن بأنه: "مجموع المهارات البشرية علـى
اختلاف ألوانها، وأن عمل الفنان هو تحويل المحسوس إلى محسوس جمالي
(استاطيقي)."

وتقدم هذه الدراسة مفهوم الفن الإسلامى ملتزماً الخط الإسلامي،
مستنبطاً قواعد العقيدة الإسلامية من الكتاب والسنة ، وأنه، أي الفن، جزء
من الثقافة المستنبطة من العقائد. وتؤكد الفرق بين الفن بمفهومه الإسلامى
النابع من العقيدة الإسلامية من جهة والفن بمفهومه الغربي، أو الشرقي
النابع من الماركسية، إضافة إلى الفكر البراجماتي والوجودي من جهة أخرى،
غير أن هذه الدراسة تتفادى التحليل النسقي المهتدي؛ فتركز على موقف الأديان
من الوثنية، وموقف علماء أصول الفقه منها. ثم تعرض نبذاً مما جاء في
الكتاب والسنة عن الصور والتماثيل، إضافة إلى مواقف العلماء وملخص فتاواهم
في الموضوع. ثم يبين الباحث موقفه من الصور والتماثيل، ويؤكد أن الإسلام
يميز الفن عن الكهنوتية، ويدعو إلى ما يسميه فنا تقدمياً من خلال التصور
الإسلامى، ويقدم نماذج من النحت والرسم والخط العربي والزخرفة الإسلامية ما
يدعم -حسب ظنه- دعوته، لكنه يتفادى التحليل المفهومي للإبداع في النسقية
الإسلامية.

4. الإبداع في الفنون والعلوم، للدكتور عبد الكريم اليافي: فقد
استخدمت هذه الدراسة المرجعيات اللغوية ذاتها في تحديد مفهوم الإبداع ،
وأكدت أن الفلسفة تدخلت في اللغويات وفي تحديد مفهوم الإبداع، وأشارت إلى
أن البِدعة (بالكسر) مشتقة من الأصل الثلاثي، وهي كل مُحدَثةٍ ، وتقع على
الخير والشر؛ ويستشهد الباحث بالحديث الشريف: "إياكم ومحدثات الأمور فإن كل
محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة". كما يستشهد بقول ابن الأثير: "البدعة بدعتان
بدعة هُدى وبدعةُ ضلال، فما كان فيه خلاف مع ما أمر الله به فهو في حيز
الذم والإنكار، وما كان موافقاً لما جاء تحت عموم ما ندب الله إليه وحض
عليه رسوله فهو في حيز المدح. وما لم يكن له مثال موجود كنوع من الجود
والسخاء وفعل المعروف فهو من الأفعال المحمودة، ولا يجوز أن يكون ذلك في
خلاف ما ورد الشرع به؛ لأن النبي  قد جعل له في ذلك ثواباً فقال: من سَنَّ
سُنّةً حسنةً فإن له أجرها وأجر من عمل بها. وقال عليه الصلاة والسلام: من
سنّ سنّةً سيئةً كان عليه وزرها ووزر مَنْ عمل بها. وذلك إن كان في خلاف
ما أمر الله به ورسوله، وأكثر ما يستعمل المبتدع في الذم." وتدعم هذه
الدراسة ما ورد في الدراسة القائمة من جهة الإشارات المرجعية اللغوية،
ولكنها تتفادى التحليل المفهومي المرتبط بالنسقية الإسلامية.

كما تتفادى الربط الواقعي بالفعل الإسلامي، أو بما يرقى إلى مستوى
العبادة من أفعال المكلفين في السياق الإسلامي، وترى هذه الدراسة أن البدعة
هي كل محدثة، وتقع على الشر كما أسلفوا. والإبداع إنشاء الشيء أي إيجاده
مسبوقاً بمادة وزمن. وهناك فرق بين الصُّنع والفعل والعمل؛ ذلك أن الفعل
لفظ عام يقال للاجادة أو دونها، ولما كان من الإنسان والحيوان والحجارة.
وأما العمل فإنه لا يقال لما كان من الحيوان. وأما الصنع فإنه يكون من
الإنسان دون سائر الحيوانات، ولا يقال إلا لما كان بإجادة؛ ولهذا يقال
للحاذق المجيد والحاذقة المجيدة " صَنعٌ وصَنَاع". والصنع يكون بلا فكر
لشرف فاعله، والفعل قد يكون بلا فكر لنقص فاعله ، والعمل لا يكون إلا بفكر
لتوسط فاعله. فهذه الملاحظات اللغوية تشير إلى قابلية الموضوع للتوسع
والتفرع لكن دون تركيز على البعد النسقي الإسلامي.

ومن المؤكد أن المنحى الرئيس في هذه الدراسة ليس التحليل المفهومي
بقدر ما هو التحليل اللغوي، كما أنه بعيد عن الارتباط النسقي بين الإبداع
والفعل الإسلامي من جهة، وبعيد عن الإبداع في الفعل الإسلامي من جهة ثانية .


5. عناصر الإبداع العربي، للدكتور عفيف بهنسي، ولا تتناول هذه الدراسة
الإبداع العربي من حيث نسقيته الإسلامية، وإنما تتجول في مناحٍ شتى أحدها
المضمار الإسلامي؛ فهي تبدأ بالإشارة إلى اختلاف آراء المستشرقين في توصيف
الإبداع العربي. ويؤكد الباحث فيها أن من أولئك المستشرقين من يرى أن
الإبداع العربي -ولا يحدد المقصود به هل هو لغوي أم حضاري- يقوم على عرض
ذرّي (Atomic) غير قادر على التركيب والتجديد. ويفهم آخرون الفكر العربي
أنه تركيب أرسطي أفلاطوني أو كلامي (نسبة إلى علم الكلام). ثم يدخل في طور
شرقي غربي حول قدرة التخيل في الفكر العربي، ليقارن ما هو قدسي (مقدس) وما
هو خرافي أو أسطوري محتمل، ويخلص إلى أن الدين مجال إبداعي لا نهاية له،
كما يحاول عرض الحدود الفلسفية بين الإبداع والخلق، فيرى أن الحديث عن
الإبداع لا ينفصل عن الحديث عن المبدع؛ لأن الإبداع ليس شيئا مشخصا -بحسب
رأيه- بل تشخيص للعمل الفني، وهو تفسير أنثولوجي يقدم تفسيراً آخر (فنياً
تشخيصياً) للإبداع، ثم يؤكد أن الإبداع في الفن العربي ليس خَلقاً إذ حرم
الدين الإسلامي مضاهاة الله سبحانه في صفة الخلق؛ فالله هو الخالق المطلق،
وليس في مقدرة الكائن البشري الارتقاء إلى رتبة الخلق. ثم يؤكد أن الإبداع
حالة نسبية تتنافى مع الخلق المطلق. وبحسب الفقه الإسلامي فإن الإنسان بقدر
ما يكون مبدعاً يكون مؤمناً وهكذا يرى الكاتب أن الله سبحانه وتعالى يحض
على الإبداع لأن الإبداع تصعيدٌ، ثم يقفز عبر هذا التصعيد لا إلى الواقع
الإسلامي ونسقيته، بل إلى التصعيد بالفيض الصوفي الذي يؤدى إلى محاولة دمج
المخلوق بالخالق وتوحيد الوجود ، الذي يؤدي بنظريته إلى الرمزية الصوفية
بعيداً عن الواقعية النسقية الإسلامية. وعلى العموم؛ فإن هذه الدراسة تقع
في مجال فلسفة نظام الفن العام دون أن تتقيد برمز محدد أو بنسق إسلامي،
ولكنها تقدم إشارات فلسفية إلى إمكانات توسيع الحديث عن الإبداع دون تقييد
بالعقيدة الإسلامية أو بالنسقية الإسلامية.

وبعد، فهذه نماذج من الدراسات السابقة حول الإبداع الإسلامي، لكنها لم
تتوقف عند علاقة الإبداع بالفعل الإسلامي، بل تشعبت في مجالات الإبداع
الفني والثقافي دون تركيز على الفعل الإسلامي من حيث: مفهومه، أو نسقيته،
أو ارتباطه بالواقع الإسلامي وبالرسالة الحضارية للإسلام. ولعل هذا البحث
القائم محاولة لإنارة هذا البعد الذي نأت عنه الدراسات التي تناولت الإبداع
في الفكر العربي، فلم تتناوله في إسلاميته الفكرية والفعليه أو في نطاق
النسقية الإسلامية.




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

مفهوم الإبداع في النسقية الإسلامية /عبد القادر هاشم رمزي  Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28518
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مفهوم الإبداع في النسقية الإسلامية /عبد القادر هاشم رمزي  Empty رد: مفهوم الإبداع في النسقية الإسلامية /عبد القادر هاشم رمزي

مُساهمة من طرف سامح عسكر الأربعاء مايو 04, 2011 1:04 pm

ثانياً: مفهوم الإبداع:

يدور السؤال الأول حول إمكانية عرض رؤية إسلامية لمفهوم الإبداع
باعتباره وحدة منتمية للنسق المفهومي الإسلامي، أو وحدة مفهومية يمكن
نسبتها إلى النسقية الإسلامية.

ولا بد من القول أن الرؤية الإسلامية تكون إسلامية في جوانبها:
المفهومية "التحليل المفهومي"، والتنظيرية، والتطبيقية. فلا تكون رؤية مسلم
فرد، أو مجتمع، أو جماعة، أو حزب سياسي أو طائفة، بل هي رؤية إسلامية؛ أي
أنها: "فكرة أو وجهة نظر أو رأي- تصح نسبته إلى النسق المفهومي الإسلامي من
حيث منطلقاتها، ومن حيث مسارها النظري والتطبيقي، ومن حيث غاياتها
المباشرة (النتائج المقصودة منها أو المتحققة منها)، ومن حيث غايتها
النهائية -وهي رضوان الله سبحانه وتعالى- غاية الغايات."

وبذلك فكل فكرة، أو نية، أو عمل، أو نشاط، ينطلق من العقيدة
الإسلامية، ويرتبط مساره بالشريعة الإسلامية، ويحقق نتائج مباشرة مشروعة،
طلباً لمرضاة الله سبحانه وتعالى، ليس إلا عبادة إسلامية يقوم بها كلُ مسلم
ويؤديها على وجهها الشرعي. ولكن أداء المسلمين (عبادتهم) يتفاوت بين مسلم
وآخر... وهنا يبرز مفهوم الإبداع الإسلامي؛ حيث يتطرق البحث إلى تعريف
مفهوم الإبداع على وجه العموم، مع الإشارة إلى تعريفه، أي تحديده، في النسق
الإسلامي، وإلى التميز في النوايا والأفكار والأعمال والعلاقات، كما يبرز
في الاتساق والاستمرارية، والارتقاء في درجات الإبداع، حتى بلوغ مراتب
الإحسان ابتغاء السعادة التي هي نوال رضوان الله سبحانه وتعالى. والرؤية
الإسلامية، مسارٌ مفتوح على كل فعل يقوم به المسلم، ومع هذا فهو مسار
إسلامي ليس مساراً دينياً، أو مجتمعياً، أو طائفياً، أو حزبياً، ولا هو
بمسار فلسفي أو تصوفي أو فني، وهو مرتبط بحسب شروط المرجعية الإسلامية
وحدودها المفهومية – إذا صح الاستنباط والتنظير والتأصيل، بالشريعة
الإسلامية.

فإذا كان الإسلام تنظيماً شاملاً من عند الله للحياة الإنسانية،
ولعلاقة الإنسان بغيره من الناس والمخلوقات والحياة والكون -وهو كذلك-
فبناء على هذا الأساس ، يجب أن يكون فعل الإنسان المسلم إسلامياً، وكذلك
إيمانه الذي يطلب منه أن يتقن أداءه ويبدع في التزامه وفي أداء كل عمل يقوم
به - لأنه عبادة إسلامية. ثم إن من يتدبر الإسلام ، أو أية جزئية إسلامية
نسقية، ويتعرف إسلامية هذه الجزئية في مفهومها ونسقيتها ، وفي منطلقاتها،
وفي مسارها، وفي علاقتها بالجزئيات النسقية الأخرى وفي نتائجها المباشرة،
وفي غاياتها النهائية، ويعتمد ذلك ويعمل به ويعرضه على الباحثين الملتزمين
بهدف التحقق، فهو يمارس الفعل الإسلامي، وهو -في الوقت نفسه- يمارس الإبداع
الإسلامي بقدر ما يحسن في ذلك كله .

ولا بد من القول أيضاً: أن النسق المفهومي الإسلامي هو منظومة من
المفاهيم الإسلامية. ومن هذه المفاهيم ما هو إسلامي ابتداءً (ورد في القرآن
الكريم وفي السنة النبوية المطهرة)، ومنها ما جرى تأصيله ونسب إلى الإسلام
بعد التحقيق المنهجي الإسلامي. ومن هذه المفاهيم ما يجري تأصيله، مما
ستكشف المواقف والظروف عنه، وتدل عليه، وتدفع الباحثين والمفكرين
الإسلاميين ليتعرفوا بناءه، ومدى ارتباطه بالرؤية النسقية الإسلامية، سواء
في صيغته اللغوية، أم في دلالات الآيات القرآنية الكريمة، أم في صحيح
الأحاديث الشريفة، أم في دلالات القواعد الشرعية الإسلامية التي اشتقت من
هذين الأصلين. وسوف يتزايد تدفق أسلمة المفاهيم وضمها إلى الرؤية الإسلامية
حينما ترتبط هذه الرؤية بالتطبيق الواقعي، وعندما تكون الشروط والظروف
والمتطلبات في حالة من المواءمة الإسلامية الفاعلة، التي تستأنف فيها
الحياةُ الإسلامية مسارها في طريق الهداية والاهتداء، ويصبح الإبداع في
الفعل الإسلامي سمة إنجازية أساسية من سمات التوجه نحو مراتب الإحسان
ابتغاء مرضاة الله جلّ وعلا.

وبناءً على ما سبق، يرى الباحث ، جواباً عن السؤال الأول، أنه قدم
مفهوم الإبداع الإسلامي في نسقيته الإسلامية، مؤكداً أن إجابته لا تنحصر في
صيغة واحدة، ويمكن أن تأخذ أنماطاً وأشكالاً إسلامية متعددة، من قبل حشود
من الباحثين الإسلاميين في كل عصر .

وأما السؤال الثاني فيتمحور حول احتمال ورود تحديدات مرجعية لبنية
مفهوم "الإبداع" في آيات القرآن الكريم، وفي الأحاديث النبوية الشريفة، وفي
الدلالات المعجمية العربية. ويفترض الباحث في كل طرح مفهومي إسلامي أن
يكون عربياً لغةً، فَيقُرأُ لساناً عربياً من حيث اللغة، ويقرأ عقدياً على
نسق مفهومي واحد ... ويطبق واقعياً في نطاق هذه النسقية كما يشترط أن يكون
هذا الطرح ملتزماً - بل مقيداً بالدلالة اللغوية العربية، ومستنداً إلى
المرجعية الإسلامية المتمثلة في الآيات القرآنية العظيمة، والأحاديث
النبوية الشريفة، وبالمفاهيم والمصطلحات الفقهية التي جرى تأصيلها بعد
تحقيقها ونظْمها في المنظومة الإسلامية ، طلباً لمرضاة الله سبحانه، ومن
ذلك:



1. مفهوم "الإبداع" في دلالات القرآن الكريم:

مما ورد في كتاب الله العزيز، قوله تعالى: بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ
(البقرة: 117) قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: "بديع السموات والأرض" أي
منشئها وموجدها ومبدعها ومخترعها على غير جسم ولا مثال، وكل من أنشأ ما لم
يُسبق إليه قيل له: مبدعٌ، ومنه أصحاب البِدَع. وسميت البِدعةُ بدعةً لأن
فاعلها ابتدعها من غير فعل أو مثالٍ إمامٍ.

ولئن كان قول القرطبي رحمه الله شافياً بعامة، إلا أن الباحث يرى أن
البدعـة الحسنة سميت بدعةً لأن فاعلها بَدَعَها في أدائه، لكن بناءً على
تكليف شرعي عامٍّ أو تفصيلي ، وهذا التكليف ماثلٌ في خطاب الشارع الحكيم
الوارد في آيات قرآنيـة أخرى مثل قوله سبحانه وتعالى: هَلْ جَزَاء
الإحْسَانِ إِلا الْإِحْسَانُ (الرحمن: 60)، وقـوله سبحانـه :
...وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ… (القصص: 77)، فالبدعة
الحسنة هنا هي بذلُ الوسعِ في أداء الطاعات (العبادات)، لا في ابتداع نهي
أو أمْرٍ أو صيغة تكليف جديدة لا تتضمنها أو تشير إليها النصوص الإسلامية،
كما أنه لا يشير إلى بذل الوسع في الميل والانحراف، ولا يشمل إلا الإبداع
الإيجابي؛ وهو بذل الوسع في أداء ما أمر الله به على الصورة التي جاء بها
التكليف، أو بذل الوسع في الانتهاء عما نهى الله عنه على الصورة التي جاء
بها النهيٍ، ويدخل في ذلك: الفقه، والاجتهاد، والتفقه، والعلم، والتعلم،
والتعليم، والصناعة، والتجارة، وكل نشاط يقوم به المسلم على الوجه الإسلامي
، أي أن الإبداع هنا يتعلق ببذل الوسع في الارتقاء بالأداء الإسلامي
(الفعْل التعبدي) إلى أسمى مستوى ممكن طلباً لمرضاة الله سبحانه وتعالى. أي
أن الإبداع الإسلامي محصور في نسقيته الإسلامية ومتجهٌ نحو مرضاة الله .
ويرى الزمخشري في تفسير: "بديع السموات والأرض" في هذه الآية: أنه بديع
سماواته وأرضه، والبديع بمعنى المبدع، كما أن السميع بمعنى المسمع. وفسر
الصابوني قوله تعالى: بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ
لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ
بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (الأنعام: 101) بقوله بديع السموات والأرض: أي
خالقهما ومبدعهما على غير مثال سابق.

ويمكن الاستنتاج، في ضوء ما ذكر: "أن الله سبحانه وتعالى هو: "بديع
السموات والأرض"؛ بمعنى أنه خالقها وموجدها ومدبرها -على غير مثال سبق-
بإحكام يوازي قدرته وعلمه وحكمته سبحانه، وفي آماد تتقطع دونها إبداعات
مخلوقاته." كما يمكن الإستنتاج من: "بديع السموات والأرض"، أن الله سبحانه
جل وعلا ليس كمثله مبدع أو بديع فيما أبدعه، بما في ذلك السموات والأرض
والإنسان. ومن الواضح أن هذه الآماد ينقطع دونها جهد المخلوقات التي خلقها
الله. وهي الآماد التي يهتدي بها الإنجاز البشري ولكنه لا يطمح أن يقترب
منها؛ فهي تهديه وتحفزه ليبدعَ أقصى ما يمكنه، ليقدم إبداعاً جديداً لم
يسبق لغيره من الناس أن قدمه، إلا أن ما يقدمه الإنسان مهما كان أنموذجه
فإنه يكون في حدود إمكانات البشر المبدعين الذين منحهم الله هذه القدرة،
خاصة إذا كان إنجازاً إسلامياً نسقياً مهتدياً ملتزماً مستعيناً بالله
متجهاً نحو مرضاته.

وفسر القرطبي قوله تعالى قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ
وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا
يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (الأحقاف: 9) بقوله:
قل ما كنت بدعاً من الرسل: أي ما كنت أول من أُرسل، فقد كان قبلي رسل،
واستعان القرطبي بقول ابن عباس، البِدْع: الأول، وبقول عكرمة: ما كنت صاحب
بِدَع، كما أورد القرطبي.

ويمكن الاستنتاج أن الإبداع هو الأداء المتميز على غير مثال سابق في
تميزه وإن تكررت الظروف والشروط في مواقف الاستجابة للتكليف الشرعي. كما
فسر الزمخشري: "...بدعاً من الرسل..." بقوله: بِدع بمعنى بديع كالخِف بمعنى
خفيف، وأورد: قُرىء: بِدَعاً أي ذا بدَع... إذْ كانوا يقترحون على الرسول 
ويسألونه ما لم يوحَ به إليه من الغيوب فأوحى الله سبحانه إليه هذه الآية.


وفسر القرطبي قوله تعالى: ... وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ
اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا
كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا
رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ
أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (الحديد: 27) بقوله: ابتدعوها:
من قبل أنفسهم.. وهو تفسير لا يتناسب مع سياق الآية الكريمة بعد كلمة
(ابتدعوها)، ثم يستدرك فيقول: إن الله سبحانه أعطاهم إياها فغيروا وابتدعوا
فيها، أي حملوا أنفسهم على المشقات من الامتناع عن المطعم والمشرب والزواج
وعلى العيش في الكهوف والصوامع." ويمكن الاستدراك على قول القرطبي بأن
الله سبحانه وتعالى لم يكلفهم هذه المبالغة في الرهبنة، فكان تطرفهم
وتشددهم ابتداعاً؛ فالمبالغة هنا إذاً كانت في الابتداع في التشدد، وربما
كان تشددهم فيه تفريط أيضاً. أما الزمخشري فذكر قريباً مما ذكره القرطبي،
وفسر قوله تعالى: "...ماكتبناها عليهم" أي ما فرضناها عليهم، وهو تفسير لا
يستقيم مع دلالة نص الآية الكريمة ومع إقراره بأنهم ما رعوها حق رعايتها؛
أي أنهم ما رعوا فيها وجه التكليف الرباني، فابتدعوا أشكالاً من الترهب
والإفراط والتفريط لم تكن واردةً في التكليف الذي تثبته الآية ولا تنفيه.

ووجه الاستدلال هنا أن الابتداع فيه التشدد والتطرف وفيه التفريط،
وهما غير واردين في تكليف الله إياهم: "ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان
الله"، فتكليف الله ليس فيه ما لا يطيقون وما يبعدهم عن حدود الحياة
البشرية المكرمة. خاصة أن ما ابتدعوه من الإفراط والتفريط لا يطيقه جميع
الناس، وهذا بعد جديد في الابتداع وهو دلالة على عدم التقيد بأمر الله،
وعلى عدم رعاية الأداء حق رعايته، ولذلك يميل الباحث هنا إلى القول بأن
الابتداع: تَزَيُّدٌ وتطرفٌ غيرُ ملتزم بحدود التكليف الرباني، ويقابله
الإبداع الذي هو إتقان ملتزم بحدود التكليف طلباً لمرضاة الله من خلال بذل
الوسع وأقصى الجهد الذي يستطيعه المخاطب المكَلَّفُ .

2. مفهوم الإبداع في دلالات السنة النبوية:

إذا تدبر الباحث المسلم ما تشير إليه أحاديث نبوية صحيحة حول مفهوم
الإبداع، فإنه سيتعرف صورة مفهومية يمكن أن تُربط بالنسق المفهومي
الإسلامي، خاصة في ضوء ما سبقت الإشارة إليه من دلالات الآيات القرآنية،
فمن الإشارات التي عرضتها دلالات الحديث النبوي: ما أورده النووي تحت عنوان
إنكار البدع، في الحديث الخامس من الأربعين النووية عن أم المؤمنين عائشة
رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله : "من أحدث في ديننا هذا ما ليس منه
فهو ردٌّ." رواه البخاري ومسلم، وفي رواية مسلم: "من عمل عملاً ليس عليه
أمرنا فهو رد".

وللحديث دلالات لم تغب عن أذهان شراح السنة النبوية وعلمائها، وبيان
هذه الدلالات أن في الإسلام منظومة متتامة، أو نَسَقٌ متكاملٌ من الخطاب
الشرعي الحنيف، وكل صورة من صور هذا الخطاب ميسرة للإنسان منسجمة مع طبيعته
التي خلقها الله الذي شرع هذا الخطاب، وليس للإنسان أياً كان أن يحدث من
عنده صوراً من التكليف الشرعي غير واردة في الشرع، وليس له كذلك أن يرسم
صورة الأداء من عنده، ولكن درجات الالتزام، والطاعة والولاء للإسلام،
وابتغاء وجه الله ومرضاته تتفاوت من مسلم لآخر ومن مؤمن لآخر؛ فإذا تشدد
المسلم المخاطب في الأداء إفراطاً أو تفريطاً فقد بالغ، وَتَزَيَّدَ عما
حَدَّه الشارع الحكيم؛ أي ابتدع، وهذا الابتداع قد يكون جهلاً أو ضلالاً،
لكنه في الحالين تجاوزٌ غير إسلامي عمّا رضيه الله سبحانه وتعالى. قال
تعالى: …الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ
نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا … (المائدة: 3)، وإذا قصد
المسلم بأدائه غير مرضاة الله سبحانه وتعالى -والعياذ به- أو أداه، أو دعا
إليه بصورة تشوبها الشوائب فهو مردودٌ عليه؛ لأنه ابتداع فيه تحريم ما أحل
الله، أو تحليل ما حرم سبحانه، وليس على ذلك أمر الإسلام. ويمكن القول بأنه
نوع من الإبداع الضال أو البدعة السيئة.

ويتكامل مع الحديث السابق، حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد
أورده النووي في الأربعين، كما رواه البخاري ومسلم وفيه: "... قال: فأخبرني
عن الإحسان [السائل في الحديث هو جبريل عليه السلام والمجيب هو رسول الله
محمد ] قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك...
الحديث". وهذا الحديث يجعل من الإحسان مضماراً إسلامياً يرتقي فيه العمل
الإسلامي (العبادة)، ويركز على الأداء الذي تبرز فيه التقوى، ويتخلله
الورع، ويضبطه الإسلام؛ إذ إن كل عمل إسلامي يؤدى بين يدي الله سبحانه؛
فعلى المؤمن أن يبذل وسعه وأقصى طاقته بأن (يبدع) في أدائه كعبادة يقوم بها
بين يدي الله جل وعلا دونما إفراط أو تفريط... وهو مضمار يرتقي بالفرد
المسلم وبالجماعة وبالأمة قيادة ومجتمعاً ارتقاءً إسلامياً (إبداعياً)
غايته القصوى مرضاة الله سبحانه وتعالى. وينتظم مع ما سبق حديث أبي يعلى
شداد بن أوس رضي الله عنه، عن رسول الله  قال: "إن الله كتب الإحسان على
كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة..." ومن
دلالات هذا الحديث النبوي أنه يعمم الإحسان في كل عمل إسلامي فيجعل من
الإحسان في الطاعات إبداعاً حسناً (البدعة الحسنة)، ومن التفريط والإفراط
ابتداعاً (عِصْيان)، وانحرافاً عن مسار الإحسان، وتجاوزاً لوسطية الإسلام.

ثم إن السنة النبوية المطهرة تقيم الحجة البالغة، في أمر الإبداع
والبدعة؛ ففي حديث أبي الدرداء وابن مسعود، ورواه البيهقي وابن عساكر
وأورده السيوطي وفيه: "... وأحسنَ القصص هذا القرآن، وخيرَ الأمور
عوازمُها، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وأحسنَ الهدْي هديُ الأنبياء، وأشرفَ
الموت قتلُ الشهداء..." ويرى الباحث أن المحدث من الأمور ما ليس له في
الإسلام أصل، ويراد نَسْبُهُ إلى الإسلام أو تأصيله اعتباطاً وجهلاً أو
تحريفاً وتضليلاً، ولذلك فإن الفقهاء والعلماء والأئمة الورعين يَعُدّون
عملية الاجتهاد والتأصيل -على عظيم أهميتها- محفوفة بالمزالق؛ خوفاً من
الابتداع أو من البدعة السيئة التي فيها تضليل للناس وعصيان لأمر الله
-والعياذ بالله- إلا إذا بذل المجتهدُ أو الباحث أو المفكرُ وسعُه وقدرته
الإبداعية في الالتزام بحدود الإسلام والاستعانة بالله على ذلك.

وأورد أبو نعيم في الحِلية، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن رسول
الله  قال: "أهل البدع شر الخلق والخليقة،" ويرى الباحث أن أهل البدع هنا
المبتدعون، أو هم الذين يدخلون على المسلمين ما ليس من الإسلام وما لا
يقبله الإسلام، مما يؤدي إلى انحراف ارتباط أفراد المسلمين وجماعاتهم، عن
الارتباط بالإسلام وعن الالتزام بحدوده ومفاهيمه ونسقيته؛ وهذا شر أنواع
الابتداع (البدع السيئة). فإذا أدرك الإنسان أن الإحسان من الإيمان، وأنه
مطلب يزين عمل المؤمن تجاه ربه سبحانه، وتجاه أمته ونظام حياتها، فإنه سوف
يُدرك أن الإبداع الحسن هو من الإحسان، وهو أداءَ كل عمل إسلامي أداءً
إسلامياً على أكمل وجه ممكن بالنسبة للفرد والجماعة، والمجتمع، وبالنسبة
لكل مؤسسة في المجتمع الإسلامي ولكل نشاط، ابتغاء مرضاة الله. وهنا يبرز
دور التقوى والورع في تبصير الناس ببذل أقصى ما يسعهم في طاعة الله، وفي
تيسير ذلك عليهم.

أما الإبداع السيئ أو الابتداع السيئ فهو عمل غير منضبط بضوابط النسق
الإسلامي المرجعي، وهو بذلك غير إسلامي من وجهين: الأول أنه يشرع ما لم
يشرع الله من تكاليف (أو خطاب شرعي بالتكليف قد يحلل الحرام ويحرم الحلال)،
وأما الوجه الثاني فأنه لا يخلو من تفريط أو تضييع للالتزام الإسلامي أو
من الإفراط والتشدد؛ وبذلك يبتعد بالخطاب الشرعي وبحياة المسلمين عن
الوسطية، أو يصرف الإبداع عن مضماره. وينسحبُ هذا على كل مجال من مجالات
حياة المسلمين، وكل نشاط، وكل أمر له محل حكم في شريعة الإسلام، ويتعلق
بتطبيق كل مفهوم إسلامي؛ حيث الغاية من جنس الوسيلة، وحيث الوسيلة إلى
الحرام حرامٌ شرعاً، والوسيلة إلى الحلال لا تكون حلالاً إلا شرعاً، وحيث
يبرز الإبداع في إحسان طلب مرضاة الله على الوجه الذي جاء به الخطاب
الشرعي، لا على الوجه الذي يبتدعه المبتدعون الضالون المضلون، منفلتاً من
ضوابطه المرجعية الإسلامية.

3. مفهوم الإبداع في المرجعيات اللغوية العربية:

ورد في مختار الصحاح: أبدع الشيء: اخترعه لا على مثال، والبديع:
المبتدع، والبديع: الزق – زق العسل، وأبدع الشاعر: جاء بالبديع، وشيء
بِدْعٌ: مبتدَع، وفلان بِدْع في هذا الأمر أي بديع، واستبدعه: عده بديعاً،
وبَدَّعَهُ تبديعاً: نسبه إلى البِدعة. فالمبدع هنا هو من ينجز إنجازاً
جديداً لم يكن له مثيلٌ سابق.

وورد في لسان العرب: " بَدَعَ الشيءَ: يبتدعه بَدْعاً وابتدعه: أنشأه
وبدأه، والبِدْع: الشيء الذي يكون أولاً، والبدْعةُ: الحَدَثُ، والمبتدعُ:
الذي يأتي أمراً على شبه لم يكنْ ابتدعه، وبدْعٌ في هذا الأمر: أي أول لم
يسبقه إليه أحد، والبديع: المبتدِع، وأبدعتَ الشيء: اخترعتَه لا على مثال،
والبديع: من أسماء الله تعالى لإبداعه الأشياء وإحداثه إياها، وهو البديع
الأول قبل كل شيء. ويجوز أن يكون بمعنى مبدع، أو يكون من بَدَعَ الخلق أي
برأه، والبديع أيضاً: المبتدِع والمبتدَعُ، وشيء بِدْعٌ، مبتَدَعٌ، وأبدعَ
الشاعر: جاء بالبديع، وقد بَدَعَ بداعةً وبَدعاً، ورجل بِدْع وامرأة بِدْعة
إذا كان غايةً في كل شيء: إذا كان عالماً أو شريفاً أو شجاعاً، وقد بدع
الأمر بدعاً، وبدعوه وابتدعوه، ورجل بِدْع ورجالٌ أبداع ونساء بِدُعَ...
إلخ" ويبرز هنا البعد الترتيبي؛ فالمبدع والمبتدع سابق لمن بعده في إبداعه
أو في ابتداعه.

وورد في المعجم الوسيط: الإبداع (عند الفلاسفة): إيجاد الشيء من عدم.
والإبتداعيةُ نزعةٌ في الفن تعرف بالعودة إلى الطبيعة. والبادع: الأمر
البديع. والبِدْع: الأمر الذي يفعلُ أولاً، والبِدْع: الغايةُ في كل شيء.
والبديع: المبدِع، والمبدَعُ. والبدائع: ما بلغ الغاية. والبديعُ علمٌ يعرف
به وجوه تحسين الكلام. ومن هنا فإن جذور الإبداع ومفاهيم الإبداع عميقة
وعريقة في لغتنا ولا تخرج دلالاتها عما ورد في التفاسير. بل يحق لنا أن
نتساءل: لماذا تفادى علماء الأمة هذا المفهوم على الرغم من هذه الدلالات
ولا سيما علم البديع؟

وأوردت دائرة المعارف الإسلامية: "بدعة من الفعل بَدَعَ بمعنى اخترع
أو ابتكر شيئاً لم يكن له نظير من قبل. والبدعة في الفقه: هي كل سلوك
(ديني) لم يكن له صلةٌ بالدين؛ سواء أكان حسناً أم سيئاً. ثم تطور إطلاقها
على الأفعال المخالفة للسنة، وبالتالي المخالفة لأصول الدين. ويقول
المفسرون -والكلام للموسوعة-: إن البدعة لا ترتفع إلى درجة الكفر، ولكنها
تقود إلى الضلال، ولهذا فإن الحركات الإصلاحية الدينية السليمة -على حد قول
الموسوعة- تحارِبُ البدَع (جمع بدعة) على إطلاقها وبأي شكل من الأشكال."

ولئن نقلت دائرة المعارف هذا الحديث إلى أداء الحركات (الإصلاحية
السليمة) فإن الخطأ واردٌ في أنها تحارب جميع البدع على إطلاقها، وبأي شكل
من أشكالها؛ مع أن البدعة الحسنة والسنة الحسنة لهما موقع ودور اعتقادي
وتطبيقي في النسق المفهومي الإسلامي على سلم الإحسان في الأداء طلباً
لمرضاة الله سبحانه وتعالى.

ويمكن -تلخيصاً لما ورد في مناقشة هذا السؤال- استنتاج: أن الإبداع في
الرؤية الإسلامية هو: بذل الوسع في أداء الفعل الإسلامي أداءً متميزاً
نسقياً إسلامياً طلباً لرضوان الله سبحانه وتعالى.

ويشير السؤال الثالث إلى احتمال وجود علاقة وظيفية نسقية بين مفهوم
الإبداع في الرؤية الإسلامية والخبرة البشرية التي تتحرك في المسارات
الوظيفية من خلال مقومات بنيوية (نظامية)إدارية وتنفيذية. فقد أكد الشاطبي
العلاقة الإسلامية في الاجتهاد، وقصره على وظيفية العلم وربطه بالعمل كنسقٍ
إسلامي أصولي ، وعلى أن العلم (ومنه الفهم والاعتقاد) الذي لا طائل وراءه
ولا نفع يرجى منه ليس له اعتبار في الرؤية الإسلامية، وقد يشمل الإبداع
والابتداع إذا كانا لا نفع فيهما بحسب الشريعة ، ذلك أن الاعتقاد، والعمل،
والإبداع، قد يجري فيما لا طائل وراءه، ولا يأمر الإسلام: "بِتَطَلُّبِ
العلم الذي لا نفع فيه،" وبذلك لا يُطلبُ الإبداع فيما يرفضه الإسلام. وإن
كان هناك مبدعون ضالون ومُضلُّونَ.




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

مفهوم الإبداع في النسقية الإسلامية /عبد القادر هاشم رمزي  Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28518
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مفهوم الإبداع في النسقية الإسلامية /عبد القادر هاشم رمزي  Empty رد: مفهوم الإبداع في النسقية الإسلامية /عبد القادر هاشم رمزي

مُساهمة من طرف سامح عسكر الأربعاء مايو 04, 2011 1:06 pm

ثالثاً: مسارات العمل الإبداعي

يفترض في الأمة الإسلامية أن توظف الإبداع في كل نشاط إسلامي من خلال
المبدعين في كل جيل، وفي حدود النسق الإسلامي، ليقوم هؤلاء بإبداعاتهم في
أداء الإسلام تطبيقاً وإحساناً وحملاً إلى الأمم الأخرى، وتبليغه تبليغاً
مؤثراً يقيم الحجة على من يبلغه الخطاب الإسلامي، مع التأكيد على أن الخطاب
الإسلامي المؤثر الذي يقيم الحجة وليس من أفراد معزولين أو طوائف أو فرق أو أحزاب،
ومن خلال تكامل الأمة وقيادتها ومجتمعها ومؤسساتها وفي حدود الإمكانات
الإبداعية، وفي المسارات المنفتحة على الخبرة البشرية المتجددة في مجالات
تنظيم المعرفة وإدارتها، ولكن في نطاق ضوابط النسقية الإسلامية وتفعيلها
(توظيفها) في الحياة الإسلامية، ومن خلال الإبداع في الارتقاء بذلك في
اتجاه مرضاة الله سبحانه وتعالى.

ويرى الباحث أن المسارات الوظيفية (التطبيقية) المقصودة هنا هي مسارات
تكاملية؛ أي أنها تتكامل فيها إبداعات الأمة أفراداً ومؤسسات. ويمكن
الإشارة إليها بإيجاز فيما يأتي:

1.المسار الوقائي: حيث يعمل الإبداع (المهتدي أو البدعة الحسنة) في كل
مجال من أجل وقاية النسقية الإسلامية في الحياة الإسلامية، وفي الواقع
الإسلامي ومن أجل وقاية كل فهم وكل عمل وكل شعور إسلامي من الشوائب التي
يمكن أن تشوبه نظراً وأداءً وإنجازاً.

2.المسار العلاجي: ويوظف الإبداع هنا في كل شعور وفي كل مجال لمعالجة
النسقية الإسلامية من آثار الابتداع المنحرف والتخلخل الذي لا ينتج عنه
معالجة إسلاميةً نسقية (منظومية متكاملة) ترتبط فيها الجزئيات بالكليات،
والفروع بالأصول، كما تربط المستجدات بالثوابت. وفي هذا المسار يفترض أن
تبرز تجليات إبداعية لا حصر لها، تنتمي إلى النسقية الإسلامية، ابتغاء
مرضاة الله في كل نمط من هذه الإبداعات المهتدية.

3.المسار التدعيمي: ويفعل الإبداع في هذا المسار فعله النسقي الإسلامي
في تدعيم الإنجازات الإسلامية، في الفهم والوعي والعمل، بحيث تجد
الإبداعات المنتمية ما يدعمها لتكون مؤثرةً وارتقائيةً، في اتجاه حدود
الإحسان طلباً للسعادة في الدارين وابتغاء مرضاة الله.

4.المسار البنائي: وفي هذا المسار، يفترض أن تعتمد الإبداعات المهتدية
وأن تُتَبَنَّى على أساس الثوابت النسقية، وأن يُبنى عليها؛ بحيث تفعل
فعلها الإسلامي في عقلية أمة الإسلام وفي نسقيتها المفهومية، كما في
حياتها. وربما كانت إمكانات الإبداع والمواقف الإبداعية في المنظور
المستقبلي أكثر تنوعاً وأعمق تفاعلاً وتأثيراً في الواقع النسقي الإسلامي،
من أن تحصر.

ويتوقع الباحث أن تُفعَّلَ هذه المسارات الوظيفية لمفهوم الإبداع في
واقع أمة الإسلام ، بحيث تكون عاملاً إسلامياً في اختصار الزمن والجهد
والنفقات، وفي استعادة اقتدار أمة الإسلام على القيام بدورها الحضاري
المهتدي في مخاطبة الأمم وقيادتها.

رابعاً: المقومات التنظيمية لتفعيل مفهوم الإبداع في الواقع الإسلامي:

ونظراً لأن التوظيف الإسلامي للإبداع ينطلق من إسلامية العناية
بالمبدعين ورعايتهم رعاية متكاملة، وتوجيه إبداعاتهم توجيهاً نسقياً
إسلامياً، فإن وظيفية الإبداع -في الرؤية الإسلامية- لا تعمل عملها
الإسلامي المنشود في الواقع، إلا إذا توافرت المقومات التي ينتظم بها
الواقع الإسلامي، وتتحرك في نطاقها الطاقات الإبداعية في الحياة الإسلامية،
عند المبدعين الإسلاميين في كل موقع، وفي كل مؤسسة، تحركاً ارتقائياً في
مدارج الإحسان الإسلامي بالمعنى الذي تعرضه هذه الدراسة، وهذه المقومات هي:

1. المواهب الإبداعية في العمليات والأنشطة الإبداعية المهتدية: فهذه
نِعَمٌ من عند الله سبحانه وتعالى، يوجدها الله جل وعلا في الأفراد أو
الجماعات، كما أوجد جل شأنه عجائب المخلوقات، وكما ينزل السحاب وينبت الزرع
ويحيي الإنسان ويميته. وكل خلق من خلقه آية معجزة لها تنظيم تعرف به
خصائصها وحياتها، ومتطلبات رعايتها ومقتضيات تفعيلها، لتصب في إمكانات
الأمة وتزيد في وقايتها مما تخشاه، وفي معالجة آثار ما قد وقع، وفي تدعيم
الإبداعات المهتدية والبناء عليها في إبداع مهتدٍ استمراري وارتقائي، يبلغ
آفاق الإحسان، وينفتح على الخبرة البشرية في التنظيم والإدارة الإبداعيين.

ويقتضي هذا النظر إلى الإبداع الإسلامي على أنه نظام أو عملية نظامية
عند أفراد الأمة، ويجري تفعيلها من قبل المؤسسات الإسلامية، وفي مجالات عمل
هذه المؤسسات وذلك من خلال المفاهيم البنيوية النظامية الآتية:

2. مدخلات العملية الإبداعية: وهي لفظة محدثة، وتعني خصائص النظام
(نظام الإبداع) عند فرد أو جماعة أو مؤسسة، بما فيها الإمكانات والقدرات
المتوافرة في النظام. وتعني كذلك الإمكانات البشرية والمادية المتوافرة في
المجتمع والأمة، بما في ذلك تفكير الأمة وطريقة حياتها وأنساقها المفهومية
المرجعية، وكل ما يكتنف هذه المدخلات من ثوابت نسقية ومتغيرات منتمية. وفي
نطاق هذه الأنساق (المنظومية)، تتكامل المدخلات مع الإمكانات الشخصية
للمبدع (الإمكانات الإبداعية الشخصية) التي تستثيرها المحرضات النسقية
الإسلامية، وتبرز في المسارات الواقعية التي سبق ذكرها. فطريقة الحياة
والمعتقدات الأساسية والثقافة والتربية والعلوم، إلى جانب المؤسسات
الإسلامية؛ كنظام الأسرة، والمدرسة، والمسجد، والجامعة، وغيرها من الأنساق
المؤسسية الإسلامية، التي تتكامل في تفعيل مدخلات الإبداع النسقي الإسلامي
عند الأفراد والجماعات من خلال:

3. العمليات الإبداعية أو الأنشطة الإبداعية: تنبثق العمليات الإبداعة
من تفاعل المدخلات السابقة في مناحي الحياة في النسقية الإسلامية. فليست
العمليات الإبداعية في الرؤية الإسلامية إلا نِعماً من عند الله، أي آيات
من عنده سبحانه وتعالى أوجدها في أفراد من الناس، وأناطها أمانةً لدى
المجتمع الإسلامي لتتكامل مع الأنساق الأخرى في الحياة الإسلامية، فهي
منوطة بالمناخ الاعتقادي، الثقافي، الحضاري الإسلامي، الذي ينتمي إليه
الإبداع والمبدع انتماءً ملتزماً بالثوابت الإسلامية .

وتختلف هذه العمليات (الأنشطة) من مبدع لآخر، ومن موهبة إبداعية
لأخرى؛ بحيث يمكن القول إنها تتكامل لتكون من الطاقات الإسلامية التي تنهض
بها الأمة وترتقي وتستمر، سواء أكانت هذه العمليات داخلية -أي داخل السياق
الحضاري- أم خارجية.

4. النتائج أوالمخرجات: وهي أيضاً لفظة محدثة في العربية تدل على
الأهداف المتوقعة أو النتائج الواقعية التي تنتج عن تفعيل نظام، أو نظم،
المواهب الإبداعية في حياة الأمة وفي المجتمع الإسلامي ، وهي أهداف وغايات
منشودة؛ أي مخرجات يفترض أن تتعامل الأمة معها تعاملاً نسقياً من خلال
مؤسساتها التي ذكرت آنفاً على أنها نتائج متوقعة (أو منظور توقعي) لا بحدس
خيالي، بل بناء على نسقية عقدية وتشريعية ومعلومات وحقائق ووقائع وجهود
تنظيمية وتنفيذية تقدم لها، وبذلك تنظم أنشطة الوقاية والمعالجة والتدعيم
والبناء، للتعامل مع هذه التوقعات بالنسبة لكل مبدع، وبالنسبة لكل متغير من
متغيرات عملية الإبداع في مواقف الحياة؛ أي في كل ما له محلُّ حكمٍ في
شريعة الإسلام. أو أهداف واقعية تظهر في الواقع وفي النشاط اليومي
للمؤسسات، كإبداعات عقلية، أو نتائج وممارسات تنموية في مجال إنتاج الخدمات
والسلع، وتوزيعها، واستهلاكها، كغيرها من أنماط الفعل الإسلامي في الحياة
اليومية أو في ممارسات حمل الخطاب الإسلامي. ومن خلال هذه المخرجات
الواقعية تتحرك المؤسسات وترتقي بالمجتمع وبالأمة. على أن ذلك يقتضي أن
تكون المؤسسات -في مواردها وإمكاناتها- على مستوى التعامل والتكامل مع هذه
الإبداعات ومبدعيها؛ بحيث تدفعها لتصب في كيان الأمة، فترتقي بها في اتجاه
مرضاة الله سبحانه وتعالى.




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

مفهوم الإبداع في النسقية الإسلامية /عبد القادر هاشم رمزي  Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28518
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مفهوم الإبداع في النسقية الإسلامية /عبد القادر هاشم رمزي  Empty رد: مفهوم الإبداع في النسقية الإسلامية /عبد القادر هاشم رمزي

مُساهمة من طرف سامح عسكر الأربعاء مايو 04, 2011 1:07 pm

رابعا: متطلبات الواقع الحضاري:

هذه المقومات التنظيمية التي تتكامل مع إمكانات الأمة، هي محاور
مقترحة في الفعل الإبداعي الإسلامي، والتعامل النظامي مع المواهب الإبداعية
في الحياة الإسلامية، لكنها تشير في الوقت نفسه إلى المتطلبات التي يجب أن
تتوافر في الواقع الحضاري الذي تتفاعل فيه هذه النسقية من الناحية
المفهومية ثم من الناحية الواقعية. أما هذه المتطلبات فتشير إلى توافر
نسقية إسلامية تعمل كبنية مفهومية أساسية، Conceptual Infra Structure تسبق
توظيف مفهوم الإبداع في أبعاده الإيجابية (الهداية والاهتداء والالتزام)
في الحياة الإسلامية. ونظراً لأن الإبداع والقدرات الإبداعية، في النسقية
الإسلامية، هي قدرات منتمية ملتزمة بالمرجعية النسقية الإسلامية، فإن هذه
المتطلبات هي من الخصوصيات الحضارية للمجتمع الإسلامي أي من الثوابت
المفهومية الإسلامية.

والفرد المبدع -في الرؤية الإسلامية- مسلمٌ (شخصية إسلامية) منتم
لعقيدة (أيدولوجيا إسلامية) معينة، مرتبطٌ بها أو قائمٌ عليها نسقٌ ثقافيٌ
وحضاريٌ محدد. ولا ينتظم الإبداع، إبداع المسلم، في النسقية الإسلامية إلا
بتمام انتمائه والتزامه.

ومما سبق يمكن القول أن الإبداعية الإسلامية لا تفعل فعلها المنشود في
الواقع الإسلامي، إلا إذا توافرت المتطلبات النسقية القبلية الآتية:

1. المتطلبات الاعتقادية (الأيديولوجية): وهي في النسقية الإسلامية
منظومة من القناعات الأساسية (عقيدةُ) التي تبنى عليها شخصية المبدع
وإمكاناته، وتعمل في ضوئها وتقيم على أساسها هذه المتطلبات بشقيها: التصديق
العقلي المهتدي، والتصديق العملي (التعبدي). ويتمثل الجانب الأول في
مفردات الإيمان (التصديق الجازم)، في حين يتمثل الجانب الثاني في العبادات
ومتعلقاتها؛ وهما جانبان متتامان لا ينفصلان، ويقودان معاً كل فعلٍ إسلامي،
بما في ذلك الإنجازات الإبداعية، في جميع مواقف الحياة، ومن قبل المؤسسات
الإسلامية. كذلك يمثل هذان الجانبان منظومة معايير إسلامية، لتقويم كل فعل
إبداعي إسلامي في اتجاه الإحسان ابتغاء رضوان الله سبحانه. والإبداع الذي
لا يلتزم بعقيدة الإسلام ولا يرتبط بضوابط الشريعة الإسلامية، ما هو إلا
فعل ضال، أو مضلل، أو تقليد مجتمعي، أو طائفي، أو حزبي، إنه إنجاز منقطع عن
روابطه الاعتقادية (الأيديولوجية) في النسقية الإسلامية.

2. المتطلبات الثقافية: إذا تقبلنا الثقافة في الرؤية العربية
الإسلامية على أنها ما يكتسبه الفرد من معرفة وأفكار، ومشاعر واتجاهات
وسلوك وممارسات، على أساس الأيديولوجيا (العقيدة الإسلامية) التي يعتنقها،
فإن توافر المطلب الثقافي شرط أساسٌ في ظهور المبدعين المهتدين ورعايتهم،
وفي توظيف إنجازاتهم وإبداعاتهم في حياة المسلمين. كما أن دور المؤسسات
الثقافية في هذا المجال دور نسقيٌ إبداعي إسلاميٌ، خاصة في تكامله مع أدوار
المؤسسات الإسلامية الأخرى. وعن طريق هذا المطلب تنظم المواقف الإنجازية
لكل مبدع؛ بحيث يتفاعل مع المستجدات والمتغيرات تفاعلاً مهتدياً هادفاً
متقناً، ذا معايير تساعده على إصدار الأحكام على الأشياء والإنجازات
والأشخاص. كما أن الإحسان في قوله وفعله وسلوكه يبرز في أنه لا ينظر إليها
على أنها من عنده، بل على أنها نعم من عند الله سبحانه وتعالى لها وظائف في
حياته وفي حياة أمته، يؤجر عليها ويطلب بها رضوان الله.

3. المتطلبات الحضارية: وإذا تقبلنا كون الحضارة في الرؤية العربية
الإسلامية: طريقة الحياة التي يمارس بها الفرد والجماعات والمؤسسات في
المجتمع الإسلامي عقيدتهم، ويكتسبون بها ثقافتهم في حياتهم اليومية،
ممارسةً ينتج عنها آثار معنوية ومادية تنتمي إلى هذه الطريقة، ويحملونها
كرسالة إلى الحضارات الأخرى، أقول: إذا تقبلنا هذا التحديد للحضارة
الإسلامية فإن ما ينجزه المبدعون المنتمون إلى الحضارة الإسلامية جزء من
حضارة أمتهم. وبذلك، فإن هذا المطلب يتكامل مع المتطلبات الأخرى، ويجعل
الإبداع الإسلامي حضارياً أي منتمياً إلى حضارة الإسلام، التي يتكامل فيها
المبدع مع الأفراد والمؤسسات التي تنتمي إلى حضارته ويتعلق بها إبداعه. ولا
يخفى أن هذا المطلب يستغرق جهود الأمة أفرادها وجماعاتها ومؤسساتها حتى
يرث الله الأرض ومن عليها.

4. المتطلبات التربوية: إذا كانت التربية تمثل منظومة الأنشطة التي
تقوم مؤسسات الأمة بتنظيمها من أجل تنشئة الأفراد والجماعات تنشئة ثقافية
حضارية منتمية، فإن المطلب التربوي يمثل محوراً إسلامياً أساسياً في تربية
المبدعين ورعايتهم وتأهيلهم للمشاركة في حياة مجتمعهم، وبذلك يبرز دور
المؤسسات التربوية والتعليمية في تكوين البيئة الإبداعية الإسلامية، وفي
استكشاف المبدعين الملتزمين ورعايتهم وتنشئتهم؛ ليرتقوا -بالتكامل مع
غيرهم- بواقع أمتهم ارتقاء لا يفترض فيه أن ينقطع أو يتراجع، بل يكون
ارتقاء مستداماً يساعد الأمة على حمل رسالتها الحضارية إلى غيرها من
المجتمعات، لا حملاً عادياً بل حملاً مؤثراً يقيم الحجة على من بلغ. ويرتقي
في معارج الإحسان الإسلامي.

5. المتطلبات المجتمعية: النظرة إلى المجتمع الإسلامي في الرؤية
العربية الإسلامية أنه مجتمع مؤسسات إسلامية، تستند إلى النظام الذي يستند
كلياً إلى الشريعة الإسلامية، وهذا من مقتضيات مفهوم النسقية الإسلامية.
فالمجتمع الإسلامي نسق من المؤسسات التي تتكامل في أداء وظائف نسقية
إسلامية، أي أنه نسق وظيفي تقوم فيه كل مؤسسة بدورها، وبالوظائف المنوطة
بها بحسب الشريعة الإسلامية، وهو مجتمع مدني إسلامي أو مجتمع مؤسسات
إسلامية منذ قيام الدولة الإسلامية الأولى. ولا يتوقع من المجتمع الإسلامي
أن يستوفي حاجات المبدعين، وتنمية قدراتهم واستثمار إبداعاتهم على الوجه
الإبداعي الحضاري الإسلامي، إلا إذا قامت كل مؤسسة مدنية إسلامية في نسق
هذا المجتمع بوظائفها الشرعية والتكامل مع المؤسسات الأخرى. (ولا نفترض أن
يبرز هنا أي تعارض بين الفرد والمجتمع، كما نفترض أن يبرز ما يسمى بالتكامل
الثقافي الإسلامي في المجتمع العربي الإسلامي المرتقب). وذلك من خلال
تطبيق الشريعة الإسلامية في جميع جوانب الحياة.

6. المتطلبات العلمية: إذا عرفنا أن العلم في الحضارة العربية
الإسلامية يتمثل في تحقيق ما أودع الله من حقائق في خلقه وفي وحيه، فإن
المطلب العلمي يشمل المنهج العلمي، الذي يشمل القواعد والشروط التي يجب أن
يتبعها الباحثون الإسلاميون المبدعون، في طلبهم المعرفة بحقائق الوحي
وبحقائق الخلق. كما يشمل الخطوات الإجرائية التي يمر بها البحث العلمي،
وذلك ليساعد الباحثين على طلب المعرفة بما أودع الله في وحيه من حدود
تشريعية، وبما أودع في خلقه من ظواهر علمية نظامية، ترتقي بمعرفة الإنسان،
وبخبراته والتزامه واهتدائه، كما تقود المبدعين إلى الإنجازات الإبداعية
بالمعنى الذي ورد سابقاً. ثم إن تلبية هذا المطلب ومتعلقاته تقتضي توافر
المراكز والإمكانات والتسهيلات على أعلى مستوى ممكن في المجتمع الإسلامي،
ولا يبرز المبدعون الإسلاميون أو توظف إبداعاتهم إلا في النسق الذي يستوفي
هذه المقتضيات. وقد ضربت الحضارة العربية الإسلامية في هذا المثل الأنموذج
فيما سبق، وما يزال هذا الأنموذج قابلاً للاستئناف والتوظيف، خاصة في ضوء
التراكم المعرفي المذهل في الواقع الحالي، والتقدم التكنولوجي المتسارع،
إذا توافرت لهذه الأمة فرص استئناف اقتدارها العلمي الإبداعي.

7. المتطلبات التنموية: التنمية في الرؤية الإسلامية بمعناها الواسع
تعني: الأنشطة التي ينظمها المجتمع الإسلامي، عبر مؤسساته المتنوعة من أجل
رفع مستوى مشاركة الأفراد والجماعات والمؤسسات، التي يتكون منها نسيج هذا
المجتمع، وذلك في مجالات إنتاج الخدمات والسلع، وفي مجالات توزيعها
واستهلاكها، وبالشكل الحضاري الملتزم الذي يفي بالحاجات الآنية المستقبلية
والطارئة، ويحقق الأمن في مجالاته الثقافية (الأمن الثقافي) والأمن
العسكري، والأمن الاقتصادي تحقيقاً ارتقائياً، بما في ذلك مجالات التوعية،
والإدارة والمجالات البيئية. ونظراً لأن المقام يضيق عن تحليل أو تفصيل
المفهوم التنموي الشامل، فإنه وإن كان محدثاً في ألفاظه، إلا أنه كان
واقعاً معاشاً فاعلاً مبدعاً في المجتمع العربي الإسلامي، وما زال ممثلاً
النطاق الحضاري النموذجي لمفهوم التنمية الإسلامية. والأمر المهم هنا هو أن
المطلب التنموي بهذا المعنى، هو الذي إذا تحقق إسلاميا مع المتطلبات
النسقية الأخرى، فإنه يوجه التعامل الأمثل مع المبدعين المسلمين ومع
إبداعاتهم الإسلامية في كل جيل، وفي كل عصر، وهذا ما يمكن تسميته إدارة
الإبداع في الإسلام.




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

مفهوم الإبداع في النسقية الإسلامية /عبد القادر هاشم رمزي  Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28518
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مفهوم الإبداع في النسقية الإسلامية /عبد القادر هاشم رمزي  Empty رد: مفهوم الإبداع في النسقية الإسلامية /عبد القادر هاشم رمزي

مُساهمة من طرف سامح عسكر الأربعاء مايو 04, 2011 1:08 pm

خاتمـة:

استكشفت هذه الدراسة مفهوم الإبداع في نطاق النسقية الإسلامية، وفي
ضوء الثوابت الإسلامية التي تستند إليها هذه النسقية، كما عرضت لأهمية
تفعيل الإبداع الإسلامي، ولمتطلبات هذا التفعيل النسقي في واقع المسلمين.
فتبين ارتباط النسبة إلى الإسلام (إسلامي) بالمرجعية الإسلامية في تحديد
المفاهيم وفي تحقيق هذه النسبة وفي تأصيلها. وارتباط تحديد المفاهيم وتحقيق
أسلمتها (إسلاميتها) صيغةً ودلالةً وموضوعاً، بالنسقية الإسلامية التي
تتلامح ولم تتحقق في الواقع الحضاري السابق، ولا تتلامح في الواقع الحضاري
المنتظر إلا على أساس المرجعية الإسلامية، وفي ضوء دلالاتها وفي نطاقها
النسقي. وارتباط الإبداع في مفهومه الإسلامي بدلالات القرآن الكريم، والسنة
النبوية، واللغة العربية، لغة الإسلام، ارتباطاً نسقياً في أبعاده
التنظيرية، كما في أبعاده التطبيقية التي تتحرك ارتقائياً في مستويات
الإحسان الإسلامي، وفي اتجاه رضوان الله سبحانه وتعالى، وبالنسبة للمبدع
جماعة أو أمة أو قيادة أو مجتمعاً.

أما الإبداع النسقي الإسلامي فمن أبرز الوسائل الإسلامية في توجيه
طاقات الأمة، وفي وقاية مسيرتها عقيدة وثقافة وحضارة وتربية ولغة، وفي
حمايتها من التخلخل الداخلي، ومن التغلغل الوافد الذي يهدد الواقع المسلم
وكيانية الأمة. والإبداع الإسلامي مفهوم إسلامي خصوصي في نسبته إلى
الإسلام، وفي تحقيقه نظرياً وعملياً في النسقية الإسلامية الفاعلة، وليس في
الإمكان دمجه أو عرضه أو حتى تماهيه في نسقية أخرى. وما ينتج عن الفعل
الإبداعي الإسلامي من مكونات، إنما يمثل الثروة الإبداعية الإسلامية التي
تندمج في الخطاب الحضاري لأمة الإسلام، وتساعدها على استئناف كيانيتها
الإسلامية واقتدارها في كل ميدان. والفعل الإبداعي في النسقية الإسلامية لا
يكون فقط في كل أمر لا يتعارض مع الشرع الإسلامي، بل يكون في الانتهاء عما
نهى الشارع الحكيم عنه (الوَرَع) أو الانتهاء الورِعُ، فهو فعل إبداعي في
أداء ما أمر الله به أن يؤدى على الوجه الشرعي، وفي الانتهاء عمّا نهى الله
سبحانه عنه على الوجه الشرعي، فهو فعلٌ إبداعي (عبادة) في الإقبال على ما
يرضي الله سبحانه وتعالى، وفي ترك ما يغضبه جل وعلا.

كما أن الإبداع في النسقية الإسلامية يحترم العلاقة الإسلامية بين
الوسيلة والغاية؛ إذ الوسيلة في الإسلام من جنس الغاية، والوسيلة إلى
الحلال حلال، والغاية في الفعل الإسلامي لا تبرر إخراج الوسيلة عن النسقية
الإسلامية، وإذا كانت الوسائل أكثر تعدداً من غاياتها، فإن الإبداع
الإسلامي يستند إلى العقيدة والشريعة في إبداع الوسائل الإسلامية التي
ترتبط بالغايات الإسلامية -شرعاً واعتقاداً وعملاً وإحساناً. والفِعل
الإبداعي الإسلامي فعلٌ وسطيٌ ليس فيه تَزيُّدٌ على شريعة الله (إفراطٌ)،
ولا تَنقُّصٌ عما شرعه الله (تفريط)؛ فهو إبداع في أداء التكليف أداءً
شرعياً لا يستدرك على الحدود الشرعية، ولا يحذف منها أمراً أو شرطاً مما
جاء به شرع الله سبحانه وتعالى، ذلك أن مساره محدود بالشريعة، وغايته نيل
رضوان الله، ولذلك فإن الإبداع الإسلامي لا يعمل خارج حدود الشريعة
الإسلامية. والإبداع نعمةٌ من نعم الله سبحانه وتعالى، خبرة كان أو موهبة،
ينعم بها على الفرد أو الجماعة أو الأمة والقيادة، وكل مسلم يرتقي في
إيمانه وإسلامه إلى مستوى الإبداع إنما يصله -إذا وصله- بالأداء الإسلامي
(العبادة) الذي يقدم فيه أقصى ما وسعه، ويطلب من الله سبحانه أن يعينه على
الإحسان فيه، أو يستعيذ بالله استعاذةً وَرِعةً (عملاً ونظرياً وفهماً
وتُقى) ليجنبه الله الوقوع في مهالك الفُسوق والخروج عن حدود الله،
استعاذةً يتمثل فيها التعوذ الإبداعي الذي يرضاه الله سبحانه. كما يفترض
الفهم الإسلامي أن توظف أمة الإسلام الإبداع في كل نشاط إسلامي من خلال
المبدعين في كل جيل، وفي حدود النسقية الإسلامية ووفق متطلبات تقبلها؛
ليقوم المبدعون ضمن أمتهم الإسلامية بإبداعاتهم في مجالات أداء الإسلام،
تطبيقاً وإحساناً في الداخل، وحملاً وإحساناً إلى الأمم الأخرى، وتبليغاً
مؤثراً يقيم الحجة على من يبلغه الخطاب الإسلامي، وينطلق من الحياة
الإسلامية النّسقية، وليس من أفراد معزولين أو طوائف أو طرق أو فرق أو
أحزاب، بل من خلال النسقية الإسلامية التي تتكامل فيها الأمة وقيادتها
ومجتمعها ومؤسساتها، وفي المسارات الإسلامية المنفتحة على الخبرات البشرية
في كل مجالات الحياة، وفي حدود الثوابت الإسلامية.

أما مسارات الإبداع الإسلامي التطبيقية، فتتمثل في: المسار الوقائي،
حيث يعمل الإبداع المهتدي (البدعة الحسنة)، في وقاية نسقية الحياة
الإسلامية في الواقع الإسلامي، فيحمي كل فهمٍ وكل عمل وكل شعور إسلامي من
الشوائب، التي يمكن أن تشوب التنظير والفهم والأداء والعمل والإنجاز
الإبداعي نفسه. والمسار العلاجي: حيث يجري تفعيل الإبداع لحماية الحياة
الإسلامية من آثار الإبداع المنحرف، ويتوقع أن تبرز في هذا المجال تجليات
إبداعية لا حصر لها. والمسار التدعيمي: حيث يفعل الإبداع، فعله الإسلامي في
تدعيم الإنجازات، فتجد إبداعات المسلمين الملتزمين ما يدعمها ويدعم نسقها
في تفاعلها مع مواقف الحياة ومتغيراتها. والمسار البنائي: وفيه تعمل
الإبداعات الإسلامية (الإنجازات الإبداعية)، وتزداد تنوعاً وتفاعلاً في
الواقع الإسلامي وفي الارتقاء به في مدارج الإحسان وفي آفاقه.

أما تفعيل الإبداعية الإسلامية في واقع المسلمين فيتطلب توافر المواهب
والمهارات الإبداعية المهتدية، التي تشكل البنية التحتية للإبداع في كل
مواقف (الخبرات الإسلامية)، على شكل أنساق فرعية أو نظم أو عمليات نظامية.
بالإضافة إلى مدخلات العمليات الإبداعية أو خصائص الأنساق الفرعية، ومنها
الخلفية الاعتقادية عند العنصر البشري الإسلامي، وكذلك الإمكانات المادية،
وطريقة حياة الأمة وكل ما يكتنف هذه المدخلات من ثوابت ومن متغيرات نسقية
منتمية، كالثقافة والتربية والعلوم والمؤسسات الإسلامية. والعمليات
والأنشطة الإبداعية الفاعلة في الواقع، التي تنبثق من تفاعل المدخلات في
مواقف الحياة مع الأنساق الإسلامية الفرعية.

والنتائج أو المخرجات الواقعية، التي تنتج من العمليات والأنشطة
النسقية في مواقف الحياة الإسلامية وهي إما نتائج متوقعة (منظور توقعي)
يرتبط بالنسقية الإسلامية العقدية والتشريعية والمعلوماتية والإدارة
والتنفيذ، أو نتائج واقعية تظهر في الأنشطة اليومية، كالإبداعات العقلية
الإسلامية، أو الخبرات الجديدة، أو الممارسات التنموية، التي ترتقي بأداء
الأمة في إنتاج الخدمات والسلع، وفي توزيعها (إسلامياً)، وفي استهلاكها في
أنماط من الفعل الإسلامي الإبداعي، وفي ممارسة الحياة الإسلامية وحمل
الخطاب الإسلامي.

ويشيرُ التفعيل الإسلامي للنشاط الإبداعي إلى متطلبات نسقية من
المتوقع أن تتوافر في الواقع الحضاري، ومنها: المنظومة الاعتقادية
(الأيديولوجية): وهي مفردات الإيمان الإسلامية، وما يقوم عليها من أركان
الإسلام الخمسة. والمتطلبات الثقافية: حيث ترتبط هذه المتطلبات بالعقيدة
الإسلامية، فتكون شرطاً أساسياً لظهور المبدعين وبروز الأعمال الإبداعية.
والمتطلبات الحضارية: حيث يكون ما ينجزه المبدعون المسلمون، جزءاً من طريقة
الحياة اليومية للمجتمع الإسلامي، وجزءاً من نتائجها في الوقت نفسه.
والمتطلبات التربوية: حيث تمثل هذه المتطلبات محوراً إسلامياً أساسياً في
تربية المبدعين، ورعايتهم، وتأهيلهم، وتوجيه إبداعاتهم، وفي تكوين البيئة
الإبداعية في النسق الإسلامي الفاعل في الواقع. والمتطلبات المجتمعية: فمن
مقتضيات النسقية الإسلامية، أن يكون المجتمع الإسلامي مجتمع مؤسسات
إسلامية، تتكامل في أداء وظائفها النسقية؛ ولا يتوقع أن يستوفي المجتمع
الإسلامي حاجات المبدعين، واستثمار إبداعاتهم على الوجه الإبداعي الإسلامي،
إلا إذا قامت كل مؤسسة إسلامية بأداء مهامها، قياماً نسقياً ملتزماً
وبالتكامل مع المؤسسات الإسلامية الأخرى. والمتطلبات العلمية: ما دام العلم
في النسقية الإسلام متمثلاً في تحقيق ما أودع الله في وحيه وفي خلقه من
معرفة نظرية، فإن المتطلبات العلمية تشير إلى المنهجية العلمية المنتمية،
وإلى القواعد والشروط والمنجزات، التي تشكل رافعة يرتقي بها اقتدار الأمة
الإسلامية في المجالات الفكرية والتنظيمية والتطبيقية. والمتطلبات
التنموية: إذ يجب أن تتوافر هذه المتطلبات من أجل رفع مستويات مشاركة
الأفراد والجماعات والمؤسسات في المجتمع الإسلامي، وفي مجال المشاركة في
إنتاج السلع والخدمات، إنتاجاً نسقياً إسلامياً، وفي توزيعها واستهلاكها في
أنشطة مؤسسية نسقية ملتزمة، تفي بالحاجات الآنية والمستقبلية والمتوقعة
والطارئة، وتحقق الأمن الإسلامي الشامل تحقيقاً ارتقائياً في نطاق النسقية
الإسلامية.

هذا ويدعو الباحث في هذه الدراسة الباحثين لأن يوجهوا جهودهم البحثية
في مضمار الإبداع الإسلامي، وفي مجال النسقية الإسلامية، ليستكملوا هذه
الدراسة، وليستدركوا على الباحث ما يكتشفونه من استدراكات وثغرات.




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

مفهوم الإبداع في النسقية الإسلامية /عبد القادر هاشم رمزي  Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28518
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى