شبكة واحة العلوم الثقافية
أسعدتنا زيارتك و أضاءت الدنيا بوجودك

أهلا بك فى شبكة واحة العلوم الثقافية

يسعدنا تواجدك معنا يدا بيد و قلبا بقلب

لنسبح معا فى سماء الإبداع

ننتظر دخولك الآن

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

شبكة واحة العلوم الثقافية
أسعدتنا زيارتك و أضاءت الدنيا بوجودك

أهلا بك فى شبكة واحة العلوم الثقافية

يسعدنا تواجدك معنا يدا بيد و قلبا بقلب

لنسبح معا فى سماء الإبداع

ننتظر دخولك الآن
شبكة واحة العلوم الثقافية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إبن رشد ورصيد الحركة الرشدية العبرية واللاتينية

اذهب الى الأسفل

إبن رشد ورصيد الحركة الرشدية العبرية واللاتينية Empty إبن رشد ورصيد الحركة الرشدية العبرية واللاتينية

مُساهمة من طرف amalou_first1 الجمعة مارس 09, 2012 10:27 pm

إبن رشد ورصيد الحركة الرشدية العبرية واللاتينية

الدكتور محمد جلوب الفرحان

تقديم : سيرة إحتفالية

إبن رشد أو إفيروس كما يُعرف في اللغة اللاتينية ، هو ” أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد ” ، ولد في قرطبة سنة 520 هجرية / 1126 ميلادية ، وتوفي في المغرب سنة 595 هجرية / 1198 ميلادية . ومن زاوية المصادر الإنكليزية وما هو متداول فيها من ترجمات من لغات أخرى ، هو من عائلة أُشتهر رجالها بمهنة القضاء ، فقد كان أبوه قاضياً ، وكذلك جده ، وجميعهم لعبوا أدوراً سياسية مختلفة في أطراف من الحياة الأندلسية (أسبانيا) العرب يومذاك .

لقد بدأ تعليمه في مدينة قرطبة ، ومن ثم كرس حياته برمتها إلى دراسة الفقه ، والطب والرياضيات إضافة إلى الفلسفة وعلم الكلام (اللاهوت) . وعمل إبن رشد قاضياً خلال حكم الخليفة أبو يعقوب يوسف ، وإبنه الخليفة يعقوب المنصور . وكان قاضياً مفضلاً وموضوع ثقة ، كما وشغل وظائف حكومية ، أكسبته سمعة وشهرة عاليتين ، خصوصاً في كل من المغرب وإشبيليا وقرطبة . ومن ثم بدأ يفقد الإهتمام وأخيراً تلاشت سمعته مع من إنطفأت حياتهم .

وإذا حدث ذلك لإبن رشد في قرطبة الأندلس والمغرب يومذاك . فأن تاريخ الفلسفة والمنطق في الغرب جدد الإتصال بتراث فيلسوف قرطبة في العقود الثالثة الأولى من القرن الثالث عشر ، فحدثت النهضات الأوربية المتتالية ، وبدءً بنهضة القرن الثالث عشر(وإن كانت هناك نهضة في القرن الثاني عشر إلا إنها إتصلت بالتراث العلمي والفلسفي العربي قبل إبن رشد وكانت نهضة حركتها الترجمات العبرية واللاتينية من العربية ومن اليونانية في سيسلي الإيطالية (صقلية) وتليدو الأسبانية (طليطلة الأندلس)) ، والتي قادتها حركة لاتينية (وعبرية) عارمة في الجامعات الإيطالية والباريسية ، ومن ثم تتوجت في النهضة الأوربية في القرن الخامس عشر .

صحيح صدر قبيل موت إبن رشد قرار سياسي مدعوم بفكرانية فقهية معادية للفلسفة والفلاسفة ، قرار ينص على تجريم الفلسفة والفلاسفة ، ومن ثم على أساسه جُمعت العديد من كتب إبن رشد في المنطق والميتافيزيقا (ما بعد الطبيعة) وأُضرمت فيها النيران . وهكذا غادر فيلسوف قرطبة الحياة مكظوماً ، دون أن تكون له مدرسة فلسفية (بعنوان الرشدية) في ديار العرب الثقافية . وبعد ذلك بقليل إنطفأ وجود المسلمين في أسبانيا (الأندلس) .

وبسرعة ملفتة للنظر تحول تراث إبن رشد في القرن الثالث عشر (وبالتحديد في الثلث الأول منه) تماماً إلى تيارين : الرشدية العبرية (اليهودية) ، والرشدية اللاتينية ، ومن خلالهما أخذ التراث الرشدي يمارس أثره على الفكر في القارة الأوربية المسيحية برمتها ، ومن ثم إمتد ذلك حتى تباشير العصر الحديث . ونحسب إن أثر فيلسوف قرطبة قد طوى فترات مضافة من تاريخ الفكر الأوربي الحديث .


<br>
amalou_first1
amalou_first1
عضو نشيط
عضو نشيط

الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 198
نقاط : 4931
السٌّمعَة : 1

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

إبن رشد ورصيد الحركة الرشدية العبرية واللاتينية Empty رد: إبن رشد ورصيد الحركة الرشدية العبرية واللاتينية

مُساهمة من طرف amalou_first1 الجمعة مارس 09, 2012 10:27 pm

تراث إبن رشد بميزان العقل الأوربي

في البدءً نرغب في إثارة الأسئلة الأتية : ماذا عرف العقل الأوربي من تراث إبن رشد ؟ وكيف تعامل معه ؟ يُجمع الأكاديميون الغربيون على إن دوائر الثقافة والمعرفة الأوربية قد تعرفت أولاً على كتاب فيلسوف قرطبة الطبي الكبير ” الكليات ” والذي فعلاً ترجم إلى اللاتينية بعنوان مُحرف هو (كليكات) . وقد طبع لاحقاً في المجلد العاشر من النشرة اللاتينية لأعمال أرسطو ، والتي كانت في البندقية سنة 1527 (وهذا التاريخ جداً مهم لأثر إبن رشد على العقل الأوربي ، فهو يؤرخ نهايات العقد الثالث من القرن السادس عشر / العصر الحديث في أوربا ، كما وفي نهاية هذا القرن سيولد الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت وبالتحديد في عام 1596) . فتصور مدى وعمق التأثير الذي تركه فيلسوف قرطبة على إتجاهات التفكير الأوربي ، والذي ستطلق عليه كتابات الباحثين الأكاديميين الغربيين غير الموضوعيين عناوين مثل الثورة الأرسطية ، في حين إن العنوان الأكاديمي الدقيق ، هو الثورة الرشدية التي حملت معها تراث أرسطو من جديد إلى أوربا اللاتينية (والعبرية) ومن خلالهما إلى العالم الغربي عامة .

ولكن حسب دراستنا إن تاريخ هذه الترجمة ليس هو الإتصال الأول للعقل الغربي بتراث إبن رشد ، وإنما الإتصال الحقيقي حدث في الثلث الأول من القرن الثالث عشر عندما حدثت الترجمات العبرية أولاً ومن ثم اللاتينية للتراث الرشدي (أنظربحثنا المعنون : إبن رشد والرشدية : أخطاء تاريخية وكبوة المنهج الإنتخابي) .

أما شروح إبن رشد على أرسطو ، وهي حسب التقويم الأوربي تمثل الأعمال الفلسفية الأصيلة ، وكذلك رسائله في علم الكلام (اللاهوت) فقد رُجح وصولها إلى العقل الأوربي من خلال طريقين : الترجمة العبرية أو الترجمة اللاتينية . والحديث عن شروح إبن رشد في أوربا ، هو الحديث عن إبن رشد الشارح وهو اللقب الذي إستحقه فيلسوف قرطبة وإشتهر به في أوربا .

وهناك إعتقاد بين الأكاديميين الغربيين على إن دانتي الإليكري (1265 – 1321) صاحب ” الكوميديا الإلهية ” ، والذي عاش في قمة صعود الحركة الرشدية ؛ العبرية منها واللاتينية على الأخص ، هو أول من أطلق على إبن رشد لقب الشارح أو الشارح الكبير ، وذلك عندما صوره في أطراف من كوميدياه الألهية ، وبالطبع لم يمنح فيلسوف قرطبة مكاناً في فردوسه ، وإنما إختار له مكاناً في ” ألمبو ” (هو ليس جهنم أو الجحيم) ولكنه خارج فردوس توما الأكويني مثلاً ، وفردوس الرشدي الباريسي العنيد ” سيكر البربنت ” .

والحقيقة إن شروح إبن رشد كانت على ثلاثة أنواع ؛ شروح قصيرة مختصرة ، وفيها تمكن فيلسوف قرطبة من توسيع النص بشرح مختصر محدود . ومن ثم قدم شروحاً توسع فيها ، فكانت شروحه على ثلاثة صور وهي على التوالي : الشرح الصغير (المختصر) ، الشرح الوسيط والشرح الكبير. لقد تركت هذه الشروح الرشدية أثاراً فلسفية وعلمية في المثابرات الغربية النازعة إلى تفسير فلسفة أرسطو الإسطاغيري (أنظر مثلاً محاولات الفلاسفة اليهود في القرن الثالث عشر بدءً بموسى إبن ميمون .. والفلاسفة اللاتينيون وعلى الأخص متابعة ألبرت الكبير معلم القديس توما الإكويني وتلميذه القديس توما) .

وبالمناسبة فإن الدوائر الكنسية الكاثوليكية تترد اليوم من تقويم الحركة الفلسفية التي ولدها إبن رشد وتراثه في أوربا ومنذ العقد الثالث من القرن الثالث عشر تقويماً موضوعياً ، وتكشف عن أثارها التي وجهت الفكر الغربي توجيهاً مختلفاً وبعض الأحيان معارضاً لتوجهات الكنيسة ومناهجها الأكاديمية . إنها مطالبة اليوم أكثر من قبل أن تعقد حلقات علمية موضوعية ونزيهة تقيمُ الحركة الرشدية وأثارها على مسار الفكر الأوربي برمته . وبخلاف ذلك تظل مثل العنقاء عارفة بالحقيقة إلا إنها بصلف تغلق كل الأبواب ولا تريد أن تسمع ما عمله إبن رشد وحركته الرشدية بطرفيها العبري واللاتيني من أثار لم يعد الفكر الغربي في لُبه متسوراً بموجهات فلسفية وعلمية تتناغم وعقائد الكنيسة كما كان حالها في بدايات العصور الوسطى ورفضها للتصالح مع فلسفة أرسطو .

ونلحظ بالمقابل في تقويم النقد الكنسي لإبن رشد وفلسفته ، إنه نقد خجول يتخفى بحياء في نقد المثابرة الرشدية في جوهرها الفلسفي والمنطقي أو في منهجها العقلاني فيشار مثلاً إلى إن إبن رشد لم يكن عارفاً باللغة اليونانية التي كُتب فيها النص الفلسفي أو المنطقي الأرسطي ، ولم يكن عارفاً باللغة السريانية ، وهي لغة المترجمين الذين نقلوا النص اليوناني إلى العربية . ويحتجون كذلك بأن ما توافر لفيلسوف قرطبة من نصوص فلسفية ومنطقية قد ترجمها المترجمون السريان إلى عربية ركيكة . ولذلك إستنتجوا إن هذا الحال شكل عقبة معرفية أمام إبن رشد ، سدت عليه طريقه في التوسع والتفصيل في شروحه على النصوص الفلسفية والمنطقية التي كتبها المعلم الإسطاغيري الأول (أنظر مثلاً : الموسوعة الكاثوليكية ، نشرة مطبعة روبرت أبليتون / نيويورك 2011 ؛ مادة إبن رشد أو إفيروس) .

إن فضل إبن رشد على الغرب كان كبيراً جداً (ولا يُقدر) فقد حمل معه تراث أرسطو إلى أوربا ، ومكنهم من تجديد إتصالهم به بعد فترة إنقطاع إمتدت لقرون عديدة ، وذلك لكونه من وجهة نظر الكنيسة في أيامها الأولى فكر وثني لا يتناغم والعقيدي الفكراني المسيحي . وهكذا ظل تراث أرسطو محفوظاً أولاً في مصادره اليونانية ، ولغة الإسكولائيين في العصور الوسطى هي اللاتينية ولذلك لم يشجعوا على تعليم اليونانية لأنهم لا يحتاجون إليها كما يحسبون . وثانياً في مصادره العربية . ومن هنا تأتي أهمية ترجمة تراث إبن رشد إلى العبرية ومن ثم إلى اللاتينية .

إلا إن دوائر التفكير الكنسي تعود إلى دائرة الإعتراف بأصالة إبن رشد في أعماله الفلسفية الأصيلة ، ومن ثم تعددها بالشكل الآتي : كتابه تهافت التهافت ، وتحاول حصر مثابرة إبن رشد فيه في تفنيد تهافت الإمام الغزالي ، وهذا تبسيط غير علمي لجهود إبن رشد فهو ليس تفنيد ، وإنما إنشاء فلسفي تجاوز الرد على الأمام وشكل معلماً فلسفياً فيه بعض الأحيان إتفاق مع الإمام في نقده لفلاسفة العرب في المشرق وفيه بالطبع تفنيد .. وقد نشر كتاب تهافت التهافت في نشرة لاتينية في البندقية في عام 1497 ومن ثم في عام 1527 . كما ونشرت رسالتين لإبن رشد بعنوان في وحدة العقل الفعال والعقل المنفعل ونشرتا باللاتينية في البندقية (أنظر : روبرت ترنر ؛ تاريخ الفلسفة ، بوسطن 1903 ، ص 313 وما بعد) .

أما رسائل إبن رشد المنطقية ، فهي حسب الرؤية الكنسية ، هي أجزاء مختلفة من موسوعة أرسطو المنطقية ، والتي تُعرف بالأرغانون أو الآلة ، وقد نشرت باللاتينية في البندقية وتحت عنوان ” أجزاء من مؤلفات أرسطو المنطقية ” . في حين الرسائل الفيزيائية الرشدية (في العلم الطبيعي ) مؤسسة على فيزياء أرسطو (العلم الطبيعي ) وقد نشرت باللاتينية في البندقية كذلك . ومن المنشورات باللاتينية في البندقية رسالتان كتبهما إبن رشد ؛ واحدة في تفنيد إبن سينا (وهذه الرسالة جداً مهمة في تاريخ عملية التقويم الرشدي ، وخصوصاً في نقاط الإتفاق بينه وبين الغزالي إذا ما وضعنا في إعتبارنا بأن كتاب تهافت الفلاسفة الذي كتبه الغزالي إستهدف فيه إبن سينا بصورة خاصة (وهو بلغة الغزالي الأشعرية باطني إسماعيلي من جهة والده وأخيه ، وهو مكروه من قبل الغزالي لأنه عمل تحت مظلة الفكرانية السامانية ومؤسستها السياسية التي تتقاطع إلى حد العظم مع الفكرانية الأشعرية ومؤسستها السلجوقية) ومن ثم شمل الفلاسفة المشرقيين عامة ومنهم الفارابي بالطبع) ورسالة أخرى في الإتفاق ما بين الفلسفة وعلم الكلام (اللاهوت الإسلامي) (أنظر : الموسوعة الكاثوليكية ؛ مادة أفيروس)


<br>
amalou_first1
amalou_first1
عضو نشيط
عضو نشيط

الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 198
نقاط : 4931
السٌّمعَة : 1

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

إبن رشد ورصيد الحركة الرشدية العبرية واللاتينية Empty رد: إبن رشد ورصيد الحركة الرشدية العبرية واللاتينية

مُساهمة من طرف amalou_first1 الجمعة مارس 09, 2012 10:28 pm

ترجمة القرن الثاني عشر من العربية إلى اللاتينية

إقترحنا هذا المحور للتوضيح على إن الترجمة من العربية إلى العبرية واللاتينية لم تحصل لكتب إبن رشد في القرن الثاني عشر ، وهي الإغلوطة التي رددها أكاديميون عرب متعجلون وغير متخصصين في الدراسات الفلسفية . ولكن الترجمة فعلاً حدثت في هذا القرن من العربية إلى اللاتينية ، وبالتحديد في كل من سيسلي الإيطالية (صقلية) وطليطلة في الأندلس (أسبانيا) حيث يتواجد أعداد من العرب والذين ظلوا يعيشون هناك بعد إنهيار الحكم الإسلامي في صقلية وطليطلة يومذاك . أما التأكيد فإنه لم تحدث على الإطلاق ترجمة لكتب وشروح إبن رشد (فقد توفي الرجل قبل سنتين من نهاية القرن الثاني عشر وبالتحديد في عام 1198 ومن ثم بدأت تباشير القرن الثالث عشر ، وهو القرن الذي شهدت بداياته الإحتفال العبري بالرشدية ومن ثم الإحتفال اللاتيني بالرشدية ) . وللتوضيح والتأكيد نقدم الشواهد التاريخية وشواهد من الترجمات التي حدثت في القرن الثاني عشر والتي لا علاقة لها بتراث إبن رشد .

ولهذا نقول إن الترجمة من العربية إلى العبرية واللاتينية في القرن الثاني عشر شئ ، وترجمة كتب أبن رشد التي حدثت في القرن الثالث عشر شئ مختلف . حقيقة إن الترجمة العربية إلى اللاتينية بدأت لأول مرة في نهايات القرن الثاني عشر وذلك بعد أن أصبحت أجزاء من أسبانيا (الأندلس) وسيسلي (صقلية) تحت الحكم المسيحي وخرجت من مظلة الحكم العربي . وإن مايميز الترجمة في القرن الثاني عشر ، إنها كانت مهتمة بالكتب والأعمال العلمية والفلسفية . ومن القصص التقليدية المتداولة ، هو إن المترجم الإيطالي ” جيرارد كيرمونه ” (1114 – 1187) قام بأول ترجمة عربية إلى اللاتينية للكتب العلمية التي وجدها في مكتبات طليطلة المهجورة . ذلك صحيح فيما يخص الترجمة من العربية إلى اللاتينية ، ولكن تاريخ الترجمة إلى اللاتينية يُخبرنا بأن الترجمة إلى اللاتينية قد حدثت من اليونانية قبل العربية . ولذلك يردد تاريخ الترجمة قصة أول ترجمة لاتينية من اليونانية والتي حدثت لكتاب المجسطي لبطلميوس في عام 1160 في سيسلسي (صقلية) وليس في طليطلة (أنظر : أر . دبليو . سوثرن ؛ تكوين العصور الوسطى ، نشرة مطبعة ييل 1953 ، ص ص 64 – 65) .

إن جيرارد كان واحداً من أهم الباحثين الذين شكلوا ما عُرف بمدرسة طليطلة للمترجمين ، وهي المدرسة التي أنجزت خلال القرنيين الثاني عشر والثالث عشر العديد من الترجمات للمؤلفات الفلسفية والعلمية من العربية واليونانية والعبرية القديمة (أنظر : محمد جلوب الفرحان ؛ مدرسة طليطلة للمترجمين ودورها العلمي والثقافي/ سيظهر قريباً على موقع الفيلسوف) .

والسؤال ؛ لماذا طليطلة بالتحديد أصبحت مركز الترجمة من العربية إلى اللاتينية ؟ أولاً إن طليطلة بعد إحتلالها من قبل الفوانسو السادس في العام 1085 ، أصبحت عاصمة الثقافة ، كما ظل حكامها يحمون اليهود والعرب الذين إختاروا البقاء والإستقرار ، ولذلك بقي النسيج الحضاري للمدينة عربياً عبرياً . وكان واحداً من أكبر الباحثين في طليطلة ، هو إبراهيم بن عزرا والذي كان معاصراً لجيرارد كيرمونه ، ولكون طليطلة مملوءة بالمكتبات وخزائن الكتب العربية والعبرية ، فكانت المكان الآمن للباحثين المسيحيين خصوصاً القادمين من أوربا . ولهذا السبب رهن جيرارد حياته كلها إلى عمل ترجمات من العربية إلى اللاتينية وبالتحديد في الموضوعات العلمية (الفلكية وخصوصاً مجسطي بطلميوس) .

وفعلاً فقد كان هدف جيرارد هو ترجمة المعرفة العربية واليونانية واليهودية في علم الفلك والطب والعلوم الأخرى ، وجعلها متيسرة لكل قارئ ومتعلم في أوربا العصور الوسطى . ولعل من أهم ما قام به من ترجمات ، هو ترجمة كتاب ” المجسطي لبطلميوس ” من النص العربي الذي وجده في طليطلة . و أُعتبر جيرارد كيرمونه مترجماً لكتاب القانون لإبن سينا . وهذا غير صحيح لأن المترجم هو جيرارد أخر، وليس جيرارد كيرمونه . فجيرارد الأول ركز على علم الفلك ولم يشتغل بترجمة الكتب العربية في الطب . أما جيرارد الثاني ، وهو ” جيرارد دي سابلنتو (من القرن الثالث عشر) هوالذي ترجم النصوص الطبية العربية واليونانية ، ولم تكن له عناية بالكتب الفلكية (أنظر: شارلز هاسكنز ؛ رينسانس (نهضة) القرن الثاني عشر /نشرة مطبعة جامعة هارفرد 1927 ، خصوصاً الفصل التاسع والمعنون ” المترجمون من اليونانية والعربية”) . وتُعدد مصادر مدرسة طليطلة للمترجمين إن جيرارد كيرمونه قد عمل ترجمة لأكثر من 87 كتاباً عربياً (أنظر : أدورد كرانت : الكتاب المرجع في علوم العصر الوسيط ، نشرة مطبعة جامعة كيمبريدج 1974 ، ص 35 ومابعد) .

وهكذا إنتهى القرن الثاني عشر ولم تظهر أية ترجمة لكتب وشروح إبن رشد . ولكن تُجمع المصادر على إن أول ترجمة إلى اللاتينية لشروح إبن رشد على مؤلفات أرسطو (وليس إلى العبرية) قام بها مايكل سكوت في نهاية العقد الثاني من القرن الثالث عشر (أنظر : ويليم وايت مان : تطور الأفكار العلمية ، نشرة مطبعة جامعة ييل 1953 ، ص 332) . ويبدو إن ترجمة ” أرمندوز بلاسيوس ” للإرجوزة في الطب (وهي عمل جامع لكتابات إبن سينا (980 – 1037) وكتابات إبن رشد الطبية) كانت في النصف الأول من العقد الثاني من القرن الثالث عشر (أنظر : جوكارت دانيال ؛ أثر الطب العربي على الغرب في العصر الوسيط ، ص 981) .


<br>
amalou_first1
amalou_first1
عضو نشيط
عضو نشيط

الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 198
نقاط : 4931
السٌّمعَة : 1

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

إبن رشد ورصيد الحركة الرشدية العبرية واللاتينية Empty رد: إبن رشد ورصيد الحركة الرشدية العبرية واللاتينية

مُساهمة من طرف amalou_first1 الجمعة مارس 09, 2012 10:28 pm

الترجمات الأولى لكتب إبن رشد من العربية إلى العبرية واللاتينية :

إن أولى الترجمات من العربية إلى العبرية قام بها يعقوب الأناطولي أو أناطولي فقط (1194 – 1256) فقد قام تحت رعاية فردريك الثاني بتأسيس ما يشبه بمدرسة ترجمة في نابولي وترجم العديد من النصوص العربية وجعلها متيسرة للقارئ الغربي . وكان للأناطولي وزميله الأسكتلندي مايكل سكوت (1175 – 1232) مكانة علمية محترمة ورعاية من قبل فردريك الثاني . فقد قام كلاهما وبتأثير فردريك الثاني بتعريف العالم الغربي على خزائن الثقافة العربية .

والحقيقة إن الأناطولي هو أول من ترجم كتب وشروح إبن رشد من العربية إلى العبرية ، ومعه بدأ عصر جديد من تاريخ ما يسميه الغرب الفلسفة الأرسطية (والأدق تاريخ جديد للفلسفة الرشدية) . وقبل ترجمته لكتب إبن رشد ، عمل ترجمات لبعض الرسائل من العربية إلى العبرية لبعض العلماء العرب في علم الفلك ومن ثم لإبن رشد . ولكن بعض الأصدقاء لفتوا نظره إلى الأعمال المنطقية والفلسفية وذلك لأهمية المنطق من طرف . ولدور الأعمال الفلسفية في الجدل يومذاك . وفعلاً إستجاب الأناطولي لهذه الإلتفاتة ، فقسم عمله إلى عمل صباحي ركز فيه على علم الفلك وهو ما كان يرغب فيه ، وعمل مسائي خصصه للأعمال المنطقية .

ومن الأعمال الأولى التي إعتقد الأناطولي أن يبدأ بها مشروعه في الترجمة الكتب الخمسة من شروح إبن رشد على كتب أرسطو المنطقية ، والتي تتكون من مقدمة فرفريوس الصوري (الإيساغوجي ، وهو الذي يعني المقدمة أو المدخل إلى المنطق وهذا شاهد على الحضور الإفلاطوني المحدث على الأقل في كتابات إبن رشد المنطقية) وأربعة كتب لأرسطو ، وهي المقولات ، والعبارة ، والقياس والبرهان . وهناك إعتقاد من قبل الأكاديميين الغربيين إلى إن الأناطولي قد إنتهى من ترجمة الكتاب الخامس (البرهان) حوالي عام 1231 أو 1232 ، وهو في مدينة نابولي . ولاحظوا كذلك إن الأناطولي بعد نهاية القسم الأول ، كان يتطلع إلى العودة إلى الترجمة السابقة ، وإجراء مراجعة لها وتقديمها بدرجات عالية من الكمال . ولكن لأسباب غير معروفة لم يحدث ذلك ، ولم يتم هذه المهمة ولم يُنفذ حتى أطراف منها ، والتي أُنجزت فيم بعد ، وبالتحديد في بداية العقد الرابع من القرن الرابع عشر ، وبالضبط بعد إنصرام ما يُقارب الثمانين عاماً .

بالإضافة إلى ذلك فإن الأناطولي ترجم من العربية وبحدود عامي 1231 و1235 الأعمال الآتية : 1 – كتاب المجسطي لبطلميوس 2 – كتاب الفلك لإبن رشد ، وهذا الكتاب غير معروف في عالم العصور الوسطى المسيحية ، ولم تصلنا مخطوطة أصلية له ولا ترجمة لاتينية ، وإنما ذُكر له عنوان بالعبرية فقط . 3 – مبادئ علم الفلك للفرغاني . 4 – رسالة في القياس للفارابي ترجمها من العربية وقد ذُكر لها عنوان في العبرية (أنظر : هيك كسهولم ؛ الموسوعة البريطانية (بالإنكليزية) نشرة مطبعة جامعة كيمبريدج / ط11 ، مادة أناطولي ، يعقوب بن أببي ماري بن سيمسن) أما زميله الأسكتلندي مايكل سكوت فله قصة أخرى مع إبن رشد ، لها طعم خاص ، فقد قام سكوت بترجمة مؤلفات إبن رشد وشروحه من العربية مباشرة إلى اللاتينية . فقد درس في درم وأكسفورد وباريس ، وخصص نفسه للفلسفة والرياضيات والفلك . ولكنه رفض بعض الوظائف التي عُرضت عليه وفضل الذهاب إلى إيطاليا ، وبالتحديد إلى جامعة بولونا وتعلم العربية هناك . ومن ثم إنفتح على النشرات العربية لأرسطو والشروح العربية عليها ، ومن ثم إتصل مباشرة بأعمال وشروح إبن سينا وإبن رشد .

لقد بدأ سكوت عمله الوظيفي كباحث في حاشية فردريك الثاني . وفعلاً فقد قام بترجمة تاريخ الحيوان لأرسطو وشرح إبن رشد عليه . وتضم ترجمات سكوت موضوعات مثل علم الفلك ، والكيمياء والعقائد والطوائف (الفرق) العلمية والتي نشرت فيما بعد ، وبالتحديد في عام 1477 ، وخصوصاً في بولونا الإيطالية عام 1494 . وعينه البابا هورنيس الثالث رئيساً لأساقفة إيرلندا عام 1223 ومن ثم أصبح في العام ذاته رئيس أساقفة كانتبري (أنظر : وود براون ؛ حياة وإسطورة مايكل سكوت (بالإنكليزية) 1897) .

ويبدو إن سكوت ترجم بعض الأعمال السابقة التي ترجمها أناطولي من العربية إلى العبرية ، فقام بترجمتها إلى اللاتينية ، وحسبما يظن الأكاديميون الغربيون إن أغلب الترجمات التي قام بها سكوت لأرسطو وشروح إبن رشد عليها خصوصاً في المنطق والميتافيزيقا قد ضاعت وطواها النسيان . بينما بقيت الشروح الأرسطية الطويلة في نسختها اللاتينية وإصولها العبرية . بينما ضاعت أصولها العربية . واليوم تتوافر الأعمال الكاملة لترجمات سكوت مع أجزاء من نشرة جوتنان لأرسطو / طبع البندقية ما بين عامي 1562 – 1574 هذا جانب . وهناك إعتقاد بأن الأناطولي قد ساعد سكوت في الترجمة من العربية إلى اللاتينية ومن العبرية إلى اللاتينية على حد سواء .

أما الجانب الأخر فهو إن الترجمات التي أنجزها يعقوب الأناطولي لكتب وشروح إبن رشد في القرن الثالث عشر الميلادي ، قد تم ترجمتها من العبرية إلى اللاتينية من قبل كل من يعقوب منتينو بن إسماعيل (المتوفى في عام 1549) ، وإبراهام دي بالمس (ولد في نابولي ومات في البندقية عام 1523) . والأول أي يعقوب منتينو هو باحث عبري وطبيب إيطالي ، درس الطب في جامعتي بادو وبولونا في شمال إيطاليا . وفي ساعات فراغه قام بترجمة أعمال علمية من العبرية إلى اللاتينية ، فأكسبته شهرة ، فأصبح صديقاً ومن المقربين في حاشية البابا كليمنت السابع (1478 – 1534) . وفي العام 1524 أصدر معجماً عربياً عبرياً لاتينياً وبالتعاون مع يوحنا الأسد . ومن ثم عمل طبيباً خاصاً للبابا بول الثالث عام 1534 . ولعل من أشهر ترجماته من العبرية إلى اللاتينية كتب وشروح إبن رشد الآتية :

1 – شرح إبن رشد لكتاب الحيوان ، وبضمنه شرح لليفي بن كيرشون (وأهداه للبابا ليو العاشر ، روما 1521) .

2 – شرح على كتاب ميتافيزيقا أرسطو (ما بعد الطبيعة)

3 – الشروح الوسطى على إيساغوجي أرسطو ، وضم الكتاب الأول ، والثاني والثالث والرابع ، وهي في أصلها كتاب الموضوعات (توبيكا) وكتاب الشعر / طبع البندقية عام 1550 .

4 – شرح على جمهورية إفلاطون (أهداه إلى البابا بول الثالث) .

5 – قصيدة على الشرح الكبير لفيزياء (طبيعيات) أرسطو

6 – الشرح الكبير على الكتاب الثالث لأرسطو في النفس

7 – قصيدة على الكتاب الثاني عشر من ميتافيزيقا أرسطو

8 – الشرح المتوسط على فيزياء (طبيعيات) أرسطو

كما ترجم كتاب إبن رشد في الطب المعنون ” الكليات ” ، والكتاب الأول من قانون إبن سينا ، وترجم للفيلسوف العبري إبن ميمون (1135 – 1204) والذي كان معاصراً لأبن رشد ، والذي هرب من الأندلس والغرب ، ورحل إلى مصر صلاح الدين الأيوبي وأصبح طبيباً له ومن ثم لولده فيما بعد (أنظر : الموسوعة العبرية (بالإنكليزية)/ نشرة ج. إينلو للأعوام ما بين 1901 – 1906 ، مادة : يعقوب ( جاكوب) منتينو بن إسماعيل ) .

أما الثاني وهو إبراهام دي بالمس ، طبيب عبري ومترجم من بواكير القرن السادس عشر . وقبل وفاته بفترة قصيرة أصبح طبيباً للكردنال دومنيك كريماني في بادو . وخلال ترجماته اللاتينية لعدد من الأعمال العبرية في الفلسفة وعلم الفلك إكتسب سمعة محترمة في العالم المسيحي . وفعلاً فقد أهدى ترجمتين من ترجماته إلى الكردنال كريماني . الأولى هي ترجمة لاتينية من العبرية لأعمال إبن الهيثم في علم الفلك . والتي سبق إن ترجمها من العربية إلى العبرية يعقوب بن مشير (حوالي 1236 – 1304) . والثانية هي ترجمة لرسالة الوداع للفيلسوف المغربي إبن باجة (أنظر : المصدر السابق ، مادة : إبراهام دي بالمس) .


<br>
amalou_first1
amalou_first1
عضو نشيط
عضو نشيط

الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 198
نقاط : 4931
السٌّمعَة : 1

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

إبن رشد ورصيد الحركة الرشدية العبرية واللاتينية Empty رد: إبن رشد ورصيد الحركة الرشدية العبرية واللاتينية

مُساهمة من طرف amalou_first1 الجمعة مارس 09, 2012 10:29 pm

الحركة الرشدية في الغرب : تاريخ حضور وكبوات

أولاً وقبل كل شئ ، لابد من الإشارة إلى الحقيقة المؤلمة التي لفت تراث أرسطو وما يسمى في الغرب بالثورة الأرسطية . وهي إن الغرب فقد الإتصال بالتراث الأرسطي لقرون عديدة خاصة بعد إن وجدت الكنيسة (كاثوليكية الروم) إنه لا يوجد أي حض للمصالحة بين تعاليمها والفلسفة الأرسطية . وهكذا سدت الأبواب في القرون الوسطى بوجه التراث الفلسفي الأرسطي . ولكن بعد عام 1150 أي في النصف الثاني من القرن الثاني عشر (وخلال ترجمات نهضة القرن الثاني عشر) وبالتحديد من خلال ترجمات لاتينية ، تحقق نوع من الإتصال بين ترجمات محددة لتراث أرسطو والعقل الأوربي ، خصوصاً فيما كان يُعرف بمناطق أوربا اللاتينية . غير إنها ظلت بعيدة عن الدراسة ، ولم يتم الإلتفات إليها من قبل الإسكولائيين ومدارسهم في الكنائس والأديرة والبيعات .

حتى بدأت في العقود الثلاثة من القرن الثالث عشر الترجمات العبرية لأعمال إبن رشد وخصوصاً اللاتينية منها تنتشر في إيطاليا أولاً وفي الجامعات الباريسية ثانياً. ومن هنا بدأ فصل جديد مع تراث أرسطو (والحقيقة تراث أرسطو المحمول في كتابات إبن رشد) . ومن هنا تكمن أهمية فلسفة إبن رشد (فيما يسميه الغرب خطأً الثورة الأرسطية) ودور التراث الرشدي في توفير فرصة جديدة للغرب لإكتشاف أرسطو . بينما في واقع الحال الإيطالي والفرنسي الباريسي ، هي حركة رشدية أو ثورة رشدية . والشاهد على ذلك قرارات الإدانة البابوبة بحق الحركة الرشدية ورجالها من الرشديين صراحة .

الواقع إن الترجمات العبرية ومن ثم اللاتينية لكتب وشروح أبن رشد التي قُدمت إلى العقل الغربي ، حملت معها معظم مؤلفات الفيلسوف اليوناني الإسطاغيري أرسطو ، ما عدا كتاب السياسة ، والذي لم يكن متوافراً لفيلسوف قرطبة ، ففضل وضع شرح على جمهورية إفلاطون بديلاً عنه (ونحسب إنه إنتخاب رشدي محض وإنه كان عارفاً بكتاب السياسة لأرسطو فدار ظهره له وعمل الشرح على الجمهورية) . وهكذا ومن خلال إبن رشد وحركته الرشدية العبرية واللاتينية العارمة تم للعقل الغربي من الإتصال بتراث أرسطو .

وقبل أن نغادر هذه المسألة لابد أن نشير إلى إن الترجمات العبرية لتراث إبن رشد قد تركت أثراً عميقاً على مباني الفلسفة العبرية برمتها . إضافة إلى دور المترجمين العبريين في الحركة الرشدية في جامعتي بودا وبولونا الإيطاليتين ، ومساعدتهم في فهم النصوص الرشدية العربية أثناء الترجمة اللاتينية ، بل وإقدامهم في وقت مبكر من إصدار معجم عربي عبري لاتيني يساعد الطلبة والباحثين على فهم ميسر لنصوص إبن رشد العربية ومقابلتها مع نصوصها العبرية ومن ثم اللاتينية.

لقد بدأ مع الرشدية اللاتينية فصل جديد من تاريخ الفلسفة في الغرب ، فيه نجاحات للحركة الرشدية وفيه الكثير الكثير من الآلام والمعاناة من طرف ، وفيه من طرف أخر إستبطان للموديل الرشدي روحاً ، والتخفي وراء أسماء مجازية تدلل على فيلسوف قرطبة ، ولكن ليس فيها ما يجرح حياء الكنيسة . المثال الأول مثله الرشدي العنيد ” سيكر البربنت ” (1240 – 1280) وزميله ” بوثيوس دسا ” . والثاني جسده ” القديس الدكتور توما الأكويني ” (1225 – 1274) الكاره في الليل والنهار لأبن رشد والرشدية ، والمستبطن للمنهج الرشدي والداعي إلى المصالحة مع الأرسطية ، والشاجب لأبن رشد والناشط في تحريك الحضرة البابوية على إصدار قرار حضر على الرشدية وتجريم من يدرسها في العلن والخفاء ، ومن طرف أخر كان يقتبس من إبن رشد نصوصاً وينسبها إلى أسماء عامة ، فيقول توما الأكويني مثلاً قال الفيلسوف ويعني به إبن رشد ولكنه يتردد من ذكر الإسم صراحة . وفي أحيان أخرى يقول : قال الشارح ويقصد به إبن رشد ولكنه لا يذكر إسمه علناً (أنظر محمد جلوب الفرحان ؛ إبن رشد : الأب الروحي للعلمانية الحديثة، منشور صفحات منه في مجلة أفيروس) .

ومن المعرف إن كل من سيكر البربنت وتوما الأكويني قد لعبا دوراً حيوياً في تشكيل ذهنية الرأي الغربي العام تجاه قضايا الإعتقاد والعقل . إن ما يهمنا هنا ، هو الحديث عن سيكر البربنت (أما الإكويني فله مقام أخر) ، وهو (أي سيكر) فيلسوف من القرن الثالث عشر ، ومن أنصار الحركة الرشدية اللاتينية في باريس . ويعد متحرراً بعيون كنيسة الروم الكاثوليكية . ولعل من التواريخ المهمة في مواجهته مع الكنيسة والحضرة البابوية ، سنة 1266 والتي فيها أقام سيكر علاقة نشطة مع كلية الآداب في جامعة باريس ، والتي حدثت فيها إضطرابات طلابية عارمة ، فهدده البابا بالإعدام لتورطه في طرف من الإضطرابات . ولحسن الحظ لم ينفذ البابا تهديده .

وفي السنوات العشرة اللاحقة كتب سيكر ستة كتب ، ونشرت فيما بعد (عام 1899) بإسم مستعار ، وهو ” بيير ماندونات ” فيلسوف رشدي كذلك . ولعل عناوين الرسائل التي ضمتها هذه الكتب الستة ، تفصح عن الحضور الرشدي فيها ، وبالتحديد إن سيكر ردد نفس عناوين إبن رشد العربية أو في ترجماتها العبرية أو اللاتينية . من مثل ” الأسئلة المنطقية ، والأسئلة الطبيعية ، وفي الحيوان (نشرها عام 1270) والعقل وغيرها من رسائل ..”

وضميمة الكره الكنسي للرشدية (وهو الجوهر الرشدي) إنها تدرس الأرسطية التي لم يحصل لها توافق مع العقيدي الكنسي كما أشرنا . وكذلك أُتهم سيكر البربنت بتدريس القضية الرشدية الرئيسية ” الحقيقة المزدوجة ” ، وهي من أهم القضايا الفلسفية التي دار حولها الجدل ، والتي حملتها كتب أبن رشد وشروحه على مؤلفات أرسطو إلى دائرة الثقافة الغربية يومذاك . ومفاد الحقيقة المزدوجة ببساطة ، هي إن ما يكون صادقا أمام العقل . فإن عكسه قد يكون صادقاً في دائرة الإيمان (أنظر : ريتشارد روبنستين ؛ أبناء أرسطو : كيف أعاد المسيحيون والمسلمون واليهود إكتشاف الحكمة القديمة وأناروا العصور الوسطى / نشرة هاركورت ، نيويورك 2003) .

وفي العام 1270 صدر قرار بابوي ضد الرشدية ، مما سبب الكثير من المعاناة لسيكر البربنت ، فقد تعرض للإضطهاد من طرفي الكنيسة وخصومه المعلمين في دار الفلسفة . ويبدو لهذا السبب صوره دانتي في الكوميديا الإلهية ، ومنحه في الجنة مكانة مرموقة ، فكان بجوار القديس توما الأكوينس . وهناك من يرى إن دانتي قد عرف سيكر باحثاً للمصالحة بين العقل والإيمان ، ولم يعرفه فيلسوفاً معذباً في حياته (أنظر : توني دود ؛ حياة وفكر سيكر البربنت : الفيلسوف الباريسي في القرن الثالث عشر / نشرة مطبعة ميلن ، ليوستن 1998) .

ومن ثم في عام 1277 صدر قرار بابوي بشجب الأرسطية والتنديد بها ، وقد شمل قرار الشجب والتنديد في بعض مقاطعه كل من سيكر البربنت و” بوثيوس دسيا ” (ولد في النصف الأول من القرن الثالث عشر) وهو أستاذ فلسفة في جامعة باريس ومساند للأرسطية والرشدية ، وإرتبط إسمه بسيكر البربنت . وفي العام ذاته تعرص بوثيوس دسيا إلى شجب وتنديد من قبل ” ستيفن تامبير ” (توفي عام 1279) وهو أسقف باريس خلال القرن الثالث عشر ، ورئيس جامعة السوربون في عام 1263 ، والذي إتهمه بقيادة الحركة الرشدية ، فوضعه قرار الشجب أمام موقف صعب ، فقرر هو وسيكر الهرب ، وطلب الحماية من البابا نيكولس الثالث ، فتم وضعهما في الحجز وتلاشى على الأقل وجود سيكر في الثمانينات من القرن الثالث عشر(1280) ( أنظر : جون مارينبون ؛ تاريخ الفلسفة في عصورها المتأخرة (1150 – 1350) / نشرة دار روتليدج 1991)


<br>
amalou_first1
amalou_first1
عضو نشيط
عضو نشيط

الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 198
نقاط : 4931
السٌّمعَة : 1

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

إبن رشد ورصيد الحركة الرشدية العبرية واللاتينية Empty رد: إبن رشد ورصيد الحركة الرشدية العبرية واللاتينية

مُساهمة من طرف amalou_first1 الجمعة مارس 09, 2012 10:29 pm

تعقيب ختامي :

صحيح جداً إن دوائر الفكرانية الكنسية تمكنت من تحقيق إنتصار مؤقت على أطراف من الحركة الرشدية اللاتينية العارمة ، وذلك من خلال حجز الفيلسوف الرشدي العنيد سيكر البربنت وزميله الرشدي بوثيوس دسيا وهو أستاذ الفلسفة في جامعة باريس ، ومن ثم تغييبهما إلى الأبد (خصوصاً سيكر) . إلا إن ذلك لم يُطفأ الشعلة الرشدية اللاتينية التي ظلت أنوارها تشع في مناطق مختلفة من القارة الأوربية ، وأسماء سيكر البربنت وبوثيوس دسيا ظلت مُحركات ناشطة للعقل الغربي تحثه على البحث عن كتب سيكر ومؤلفات بوثيوس والإنكباب على دراستها . ولذلك ظهر جيل جديد من الرشديين اللاتين ، مثله في باريس الفيلسوف الرشدي ” جون جاندين ” (حوالي 1280 – 1328) وفي إيطاليا كل من الفيلسوفين الرشديين في جامعة بولونا ” تدو البرمي ” (كان ناشطاً رشدياً في العام 1320) و” أنجلو أزو ” (كان ناشطاً رشدياً في العام 1325) .

ومن ثم ظهرت أثار الرشدية اللاتينية في المباحث الفلسفية التي كتبها الفيلسوف الإيطالي ” أوغسطينو نيفو ” (1473 – 1538) والذي درس الرشدية والأرسطية في جامعة بادو الإيطالية . وإمتد أثر الرشدية إلى شهيد الفلسفة والعلم الإيطالي ” جوردانو برنو ” 1548 – 1600) الذي أحرقت جسده الشريف ، وهو حي نيران الحقد الفكراني اللاإنساني ، لا لشئ سوى إنه حمل فكراً فلسفياً وعلمياً مخالفاً للنظرة الفكرانية الأُحادية . وهذه قصة أخرى يتناولها مقال أخر .


<br>
amalou_first1
amalou_first1
عضو نشيط
عضو نشيط

الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 198
نقاط : 4931
السٌّمعَة : 1

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى