شُرب الماء هل من القيام أم من الجلوس؟

في موقف طريف مع زميل السلفي في العمل، كنا في الكافتيريا وقمت لشُرب الماء بعد أن انتهينا من الغذاء، ثم صببت الماء في الكوب ورفعته كي أشرب :

فإذا بزميلي السلفي ينهرني بشدة ويقول..(إشرب وانت جالس)..

قلت له: وما العيب في شُربي واقفاً؟

قال: أن شُرب الماء من الجلوس هو من السنة..قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثٍ صحيح..(لا يشربن أحد منكم قائماً ومن شرب فليستقئ)..ثم أفاض بالعديد من الادعاءات منها..أن العلماء أثبتوا أن شرب الماء من الجلوس يقي من أمراض كثيرة، وقال أن الرسول كان يعلم ذلك بالوحي لذلك أمرنا بأن نشرب من الجلوس.

قلت:..ألا تعلم يافلان أن السيدة عائشة والإمام علي بن أبي طالب والصحابيان عبدالله بن عمر وسعد بن أبي وقاص والعديد من الصحابة رأوا بأنه لا بأس من شُرب الماء واقفاً؟

قال وبعد أن تغير وجهه قليلاً:..ولكن هذا حديث صحيح والشيخ يعقوب يقول أنه في الصحيحين أي أنه ليس ضعيفا.. أكيد الصحابة لم يخالفوا الرسول.

قلت:..هذا هو فهمكم الضيق للإسلام..ياأخي افترض أن الحديث صحيح وقد قاله الرسول فعلاً، أليس من منهجكم أن الصحابة هم أولى البشر بفهم منهج الرسول، وأن فهمكم هو فهم السلف؟..فلماذا تستغرب الآن أفعالهم وأنت من تنادي بتقليدهم؟!..لو كانوا يرون ضرراً من هذا الفعل لما فعلوه ، ولما كان لهم أن يخالفوا الرسول ولو للحظة..

-هنا تعاملت مع الزميل بعقليته أي أنه لا يؤمن إلا بقول فلان وعلان، وقمت برده إلى أصل منهجه، وأقمت عليه الحُجة بأنه يضع معايير واشتراطات لنفسه ولكنه يعجز عن تحقيقها،أو أن مِثله لا يريد الامتثال للسنة الحقيقية ويفضل تقليد المشايخ دون وعي أو فهم..

وأما القول بأنه قد أثبت العلماء وقال الدكتور فلان أو علان فهو أشبه بسلوك تنميطي يحاول تكييف الواقع على النص.. وليس تكييف أفهامنا للنصوص على الواقع، لأن الواقع هو الدين..ولا يوجد دين على وجه الأرض يصنع عداءه مع الواقع..

أقوال الأطباء ليست حُجة في ذاتها فيما لو افترضنا صحة ما يقول بأن شُرب الماء من الجلوس له فوائد..فالمسائل الطبية تظل حِكراً على المتخصصين سواء اتفقوا أو اختلفوا، وأنا لم أبذل جُهداً للتعرف على أي وجهات نظر طبية في هذا الشأن..ولكن أنا لي عقل يفكر ويقرر بأنه لو كان شُرب الماء من القيام به ضرر على الجسم لفنيت الأمة عن آخرها ، فلا يوجد من يشرب الآن من الجلوس إلا فئة قليلة هي بأفضل الأحوال لا تتعدى 2% من الشعوب-حسب تقديري ورؤيتي للناس-هذا إذا استطاعوا المداومة على هذا الفعل..

ففي بعض الأحيان تُجبرنا الظروف على أن نشرب من الوقوف، فهل في ذلك ضرر؟...لا يوجد ضرر..بل إن مسألة شُرب الماء سواء من القيام أو من الجلوس ليست قضية ذات شأن كي يجري تصنيفها في مسائل الحلال والحرام.