هل تطبق الحدود الإسلامية على المسيحيين؟

الفتوى:

ما الحكم الفقهي في تطبيق الحدود على المسيحيين وغير المسلمين في الدولة الإسلامية مع ذكر الأدلة الفقهية وتوضيح الرأي الراجح في هذه المسألة ؟


الــــــــــــــــــرد:

أ. د. أحمد زايد الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف

الحمد لله وبعد:

فيقول الله تعالى في سورة المائدة عن أهل الكتاب:" فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ "

هذه الآية أصل في الحكم بالإسلام على أهل الذمة واختلف في هذه الآية هل هي منسوخة أم محكمة على أقوال جاء في التفسير الوسيط ما نصه:" استدل بعض العلماء بقوله - تعالى -: { فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان مخيراً في الحكم بين أهل الكتاب أو الإِعراض عنهم، وأن حكم التخيير غير منسوخ، لأن ظاهر الآية يفيد ذلك.

ويرى فريق من العلماء أن هذا التخيير قد نسخ بقوله - تعالى - بعد ذلك { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } قالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان أولا مخيرا ثم أمر بعد ذلك بإجراء الأحكام عليهم.

وقد رد القائلون بثبوت التخيير على القائلين بالنسخ بأن التخيير ثابت بهذه الآية.

أما قوله: { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } فهو بيان لكيفية الحكم عند اختياره له.

ويرى فريق ثالث من العلماء: أن التخيير ورد في المعاهدين الذين ليسوا من أهل الذمة كبني النضير وبني قريظة، فهؤلاء كان الرسول صلى الله عليه وسلم مخيرا بين أن يحكم بينهم أو أن يعرض عنهم:

وقوله - تعالى - { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } ورد في أهل الذمة الذين لهم ما لنا وعليهم ما علينا. وعلى هذا فلا نسخ في الآية.

وتفصيل الحكم على غير المسلمين بأحكام الإسلام على النحو التالي الذي ذكره الإمام ابن عاشور في تفسيره حيث قال رحمه الله عند تفسيره الآية السابقة:

- دلّ الاستقراء على أنّ الأصل في الحكم بين غير المسلمين إذا تنازع بعضهم مع بعض أن يحكم بينهم حكّام ملّتهم.........

ثم قال:"والّذي يستخلص من الفقه في مسألة الحكم بين غير المسلمين دون تحكيم: أنّ الأمّة أجمعت على أنّ أهل الذمّة داخلون تحت سلطان الإسلام، وأنّ عهود الذمّة قضت بإبقائهم على ما تقتضيه مللهم في الشؤون الجارية بين بعضهم مع بعض بما حددتْ لهم شرائعهم.

ولذلك فالأمور الّتي يأتونها تنقسم إلى أربعة أقسام:

القسم الأوّل: ما هو خاصّ بذات الذمّيّ من عبادته كصلاته وذبحه وغيرها ممّا هو من الحلال والحرام. وهذا لا اختلاف بين العلماء في أنّ أئمّة المسلمين لا يتعرّضون لهم بتعطيله إلاّ إذا كان فيه فساد عامّ كقتل النّفس.

القسم الثّاني: ما يجري بينهم من المعاملات الراجعة إلى الحلال والحرام في الإسلام، كأنواع من الأنكحة والطلاق وشرب الخمر والأعمال الّتي يستحلّونها ويحرّمها الإسلام. وهذه أيضاً يقرّون عليها، قال مالك: لا يقام حَدّ الزنا على الذميّين، فإن زنى مسلم بكتابية يحدّ المسلم ولا تحدّ الكتابية. قال ابن خُويز منداد: ولا يُرسل الإمام إليهم رسولاً ولا يُحضِر الخصمَ مجلسه.

القسم الثّالث: ما يتجاوزهم إلى غيرهم من المفاسد كالسرقة والاعتداء على النفوس والأعراض. وقد أجمع علماء الأمّة على أنّ هذا القسم يجري على أحكام الإسلام، لأنّا لم نعاهدهم على الفسادِ، وقد قال تعالى: (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) ( البقرة: 205 )، ولذلك نمنعهم من بيع الخمر للمسلمين ومن التظاهر بالمحرّمات.

القسم الرّابع: ما يجري بينهم من المعاملات الّتي فيها اعتداء بعضهم على بعض: كالجنايات، والديون، وتخاصم الزوجين. فهذا القسم إذا تراضوا فيه بينهم لا نتعرّض لهم، فإن استعدى أحدهم على الآخر بحاكم المسلمين. فقال مالك: يقضي الحاكم المسلم بينهم فيه وجوبا، لأنّ في الاعتداء ضرباً من الظلم والفساد، وكذلك قال الشافعي، وأبو يوسف، ومحمّد، وزفر. وقال أبو حنيفة: لا يَحكم بينهم حتّى يتراضى الخصمان معاً ".

هذا ملخص ما يتصل بسؤال الأخ الكريم والله تعالى أعلم.