شبكة واحة العلوم الثقافية
أسعدتنا زيارتك و أضاءت الدنيا بوجودك

أهلا بك فى شبكة واحة العلوم الثقافية

يسعدنا تواجدك معنا يدا بيد و قلبا بقلب

لنسبح معا فى سماء الإبداع

ننتظر دخولك الآن

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

شبكة واحة العلوم الثقافية
أسعدتنا زيارتك و أضاءت الدنيا بوجودك

أهلا بك فى شبكة واحة العلوم الثقافية

يسعدنا تواجدك معنا يدا بيد و قلبا بقلب

لنسبح معا فى سماء الإبداع

ننتظر دخولك الآن
شبكة واحة العلوم الثقافية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

قراءة في بعض كتابات المفكر النمساوي ليوبولد فايس (محمد أسد)

اذهب الى الأسفل

قراءة في بعض كتابات المفكر النمساوي ليوبولد فايس (محمد أسد) Empty قراءة في بعض كتابات المفكر النمساوي ليوبولد فايس (محمد أسد)

مُساهمة من طرف سامح عسكر الأربعاء مايو 18, 2011 2:01 am

عماد الدين خليل

في هذا العرض نريد أن نعرف ما الذي قاله (ليوبولد فايس/محمد أسد) عن الإسلام، وهو المفكر الذي قدم عدداً من أكثر الدراسات التي عالجت الإسلام إلماماً
وخصباً واستشرافاً. ويمكن أن نتابع ذلك في مؤلفاته المعروفة بهذا الصدد: (منهاج الإسلام في الحكم)، و(الإسلام على مفترق الطرق)، ثم (الطريق إلى مكة)، الذي يعد –بحق- واحداً من أروع المداخل الغربية إلى الإسلام. وفي هذا الكتاب –بالذات- يحدثنا المفكر الصحفي النمساوي كيف تحوّل عن اليهودية إلى الإسلام، وتسمّى (محمد أسد)، ويسرد علينا تفاصيل رحلته الفكرية، والوجدانية، التي قادته إلى هذا الدين، وأطلعته على دقائق تركيبه المتفرد المعجز.
أولاً:كمال الإسلام وشموله لجوانب الحياة
يبدأ (فايس) بالتأكيد على أن الإسلام، بتجاوزه حدود العلاقة الفردية بين الإنسان وخالقه، يعتمد بالضرورة نظاماً شاملاً للنشاط الاجتماعي كله، ويستهدف تمكين هذا المجتمع من تنفيذ أمر الله والتحقُّقِ بكلمته، "فإنَّ أي إنسان لديه قسط من العلم -حتى ولو كان سطحياً يسيراً- عن تعاليم الإسلام، يعرف أن هذه التعاليم لا تقف عند حد تنظيم العلاقة بين الإنسان وخالقه، ولكنها تتعدى ذلك إلى وضع نظام محدد للسلوك الاجتماعي، يجب على المسلم اتباعه، كأثر من آثار تلك العلاقة، وكنتيجة لها."
إنَّ القيم الأخلاقية الدينية المعلقة في الفضاء لا تعني شيئاً، إذ كيف سيتاح لها التحقق في واقع الحياة، وفي صميم مجراها، إنَّ لم تكن هناك نظم وقواعد وتشريعات عملية محددة تتولى كبر هذه المهمة؟ "فالتعاليم المجردة التي نصّت عليها علوم الأخلاق، كقولهم: (أحبب الناس) أو (كن صادقاً) أو (ثق بالله) لا تكفي؛ لأنها عرضة لكثير من التفاسير المتناقضة. إنَّ المطلوب هو مجموعة من القوانين المحكمة المضبوطة التي تُنسِّقُ -مهما اتسعت دائرة هذا التنسيق- مجال الحياة البشرية بأكمله، وتتعرض لكل مظاهرها الروحية، والمادية، والفردية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية. إنَّ الإسلام يحقق هذه الغاية عن طريق قانون إلهي هو الشريعة، وهي تشمل بين دفتيها الأحكام التي جاء بها القرآن الكريم بعد أن (فسرّتها، ووضحتها بالأمثلة العملية) أحاديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) التي تسمى السنة."
وهو يشير إلى المعادلة المستحيلة التي حاولت الأديان الأخرى تنفيذها فأخفقت ابتداءً، أو في نهاية الأمر، تلك المعادلة هي أنه لن يكون بمقدور الفرد بأيِّ حال من الأحوال، ومهما صحّت عنده العزيمة، أن يصوغ حياته على نحو يتفق وتعاليم الدين، دون أن يصوغ المجتمع الذي يعيش فيه شؤون حياته –أيضاً- في الإطار الذي رسمه الدين.
ثم ما يلبث (فايس) أن يخلص إلى النتيجة المحتومة لهذه المقدمات كافة، وهي أنَّ
الإسلام، يحمل، منذ اللحظة الأولى، ضرورة تعاشقه مع الدولة، التي هي بمثابة الأداة التي لا بدّ منها لتحويل مبادئه وقيمه إلى واقع معيش، وحماية هذه المبادئ والقيم ضد أي لون من ألوان الضغط أو العرقلة أو الانتقاص: "إنَّ استعداد المجتمع للتعاون وفق مبادئ الإسلام لتحقيق غاياته سوف يظل استعداداً نظرياً ما لم تكن هناك سلطة زمنية مسؤولة عن تطبيق الشريعة الإسلامية، ومنع الخروج عليها -على الأقل في الأمور ذات الطابع الاجتماعي- من جانب أي فرد من أفراد المجتمع. ومثل هذه المهمة لا بدّ لها أن تُوسَّد إلى مرجع له من السلطة ما يتيح له الأمر والنهي في المسائل الاجتماعية، وذلك المرجع هو الدولة."




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

قراءة في بعض كتابات المفكر النمساوي ليوبولد فايس (محمد أسد) Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28520
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قراءة في بعض كتابات المفكر النمساوي ليوبولد فايس (محمد أسد) Empty رد: قراءة في بعض كتابات المفكر النمساوي ليوبولد فايس (محمد أسد)

مُساهمة من طرف سامح عسكر الأربعاء مايو 18, 2011 2:01 am

ومن أجل ألا يذهب الظن إلى أنَّ الإسلام، بحكم هذه الواقعة، إنما هو نظام
سياسي فحسب، يشير إلى أنَّ هذا الدين أكبر من ذلك "إنَّهُ منهاج كامل للعقيدة والقيم الأخلاقية، إنَّه نظرية اجتماعية شاملة، ودعوة إلى الاستقامة والاعتدال في كُلُّ الأمور الشخصية والعامة، إنَّه أيديولوجية تامَّة؛ فكل مظاهر الحياة، الأدبية منها والمادية، الروحية والعقلية، الفردية والاجتماعية،كُلٌّ لا يتجزأ."
وثمة وَهْمٌ آخر قد يتشبث به البعض لهذا السبب أو ذاك، وهو أن شريعة الإسلام قد تكون بعد انقضاء هذه القرون على تأسيسها أمراً تراثياً، يُبحَثُ عنه في بطون كتب الفقه المطوَّلة، وقد تكون في أحسن الأحوال موضوعاً لخطب الجمعة فحسب!
والحال، كما يؤكد (فايس) ليس كذلك بالتأكيد، فهذه الشريعة هي منهاج حيّ يدفع بموكب الحياة البشرية إلى الأمام، منهاج يسود نفسه، مستقل كل الاستقلال عن كل التغيرات التاريخية؛ ولهذا فهو قابل للتطبيق والعمل في كل العصور وفي كل الظروف. منهاج سوف لا يعوق تطورنا الاجتماعي، بل على العكس من ذلك سيساعدنا على التطور، وسيجعل مجتمعنا الإسلامي أكثر المجتمعات في العالم نشاطاً وحيوية واعتماداً على نفسه.
وبذلك يدحض الرجل الحُجَجَ الواهية لكل أولئك الذين سعوا، لهذا الغرض أو ذاك، إلى أن يحجموا الإسلام في الزمانِ، والمكان، والمتاحف، وبطون الكتب، ومنابر الجمعة! ما دام أنه، كما يعلن عن نفسه في كل معطياته، منهاج عمل حيوي شامل، يصلح لقيادة المجتمعات نحو الأحسن والأكفأ في كل زمانٍ ومكان. إنَّه كلمة الله الباقية في العالم، وليس كما يتوهم البعض أو يسعى إلى عزلها أو تقطيعها أو تحجيمها أو شلّها عن العمل عبر صيرورة الزمانِ والمكان.
هذا المنهاج يتضمن، أو يمثل، كُلاً متماسكاً بسبب من تعامله مع سائر طبقات الحياة البشرية، وصدوره -في الوقت نفسه- عن مصدر إلهي متوحد، مِنْ ثَمَّ فإنّ أيَّ محاولة للعزل أو التفكيك- أي سعي لتحقيق التزام جزئي بهذا الجانب أو ذاك، يقابله تفلت أو تسيب إزاء جوانب أخرى- سوف يفقد قدرة هذا المنهاج على التحقق، ويضعف فاعليته، ولن تكون النتيجة معادلاً إسلامياً بأيِّ حال من الأحوال: "فالإسلام يحمل الإنسان على توحيد جميع نواحي الحياة، وبما أنَّ هذا الدين واسطة إلى هذه الغاية فإنَّه يمثِّل في نفسه مجموع مدركات، لا يجوز أن يضاف إليها شيء، ولا أن ينقص منها شيء. كما أنَّه ليس في الإسلام مجال للخيرة، فإذا قبلنا تعاليمه، كما بسطها القرآن الكريم فعلاً، أو كما أوردها الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فيجب علينا أن نقبلها تامَّة وإلا خسرت قيمتها."
من أجل هذا التداخل العميق في بناء الشريعة الإسلامية بين سائر المفردات من جهة، وبينها وبين تجربة الحياة نفسها بسائر مفرداتها كذلك، غدا من الصعوبة بمكان، بل من المستحيل، فصل الدين عن الاقتصاد، والسياسة، أو أيّ ممارسة حيوية أخرى على مستوى الأفراد والجماعات، "إنَّ تنظيم العلاقات الإنسانية العملية بطريقة تُمكِّنُ كلَ فرد من أن يلقى أقل قدر ممكن من العقبات، وأكبر قدر من التشجيع في إنماء شخصيته، هذا ولا شيء غير هذا أبداً، إنَّه مفهوم الإسلام عن وظيفة المجتمع الحقيقية. وهكذا فقد كان طبيعياً أنَّ النظام الذي أعلنه النبي (صلى الله عليه وسلم) في السنوات الثلاث والعشرين من رسالته، لم يختص بالشؤون الروحية فحسب، بل زوّد إطاراً لكل نشاط فردي واجتماعي أيضاً. إنَّه لم يبسّط مفهوم الصلاح الفردي فحسب، بل عرض –أيضاً- مفهوم المجتمع العادل الذي يجب أن يوجده ذلك الصلاح. لقد شملت الشريعة الإسلامية الحياة من جميع وجوهها، المعنوية والجسدية، الفردية والمجتمعية. وكان لمشاكل الجسد ومشاكل العقل، ولمشاكل الجنس والاقتصاد، جنباً إلى جنب مع مشاكل الدين والعبادة، مكانها الحقيقي في تعاليم محمد (صلى الله عليه وسلم)."
وهكذا، يقول (فايس) وهو يعاين الإسلام من الخارج، بمنظور استشرافي شامل:
"رأيت أمامي شيئاً يشبه بناء هندسياً كاملاً، تُتَمِّم عناصره بعضها بعضاً بطريقة متناغمة، لا نافل فيه، ولا يفتقر إلى شيء. إنَّ المرء ليشعر بأنَّ كل ما في نظرات الإسلام وفروضه هو في محله."
وتلك هي -بتركيز بالغ- صورة الإسلام على حقيقته وإعجازه كذلك.




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

قراءة في بعض كتابات المفكر النمساوي ليوبولد فايس (محمد أسد) Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28520
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قراءة في بعض كتابات المفكر النمساوي ليوبولد فايس (محمد أسد) Empty رد: قراءة في بعض كتابات المفكر النمساوي ليوبولد فايس (محمد أسد)

مُساهمة من طرف سامح عسكر الأربعاء مايو 18, 2011 2:02 am

ثانيا: دين التوازن

لكن الأمر لا يقف عند هذا الحدّ، فإن (فايس) الذي خبر الأديان الأخرى تماماً، وسبر معضلتها الأساسية المتمثلة في أحادية الرؤية ونسبية الموقف الديني، يجد في الإسلام ما يميزه تماماً فيمنحه ضرورة الدوام والاستمرار، بما يتضمنه من توازن عجزت عن التحقق به سائر الأديان والمذاهب.
والرجل يقف عند هذه المسألة الحاسمة طويلاً، فيقلبها على وجوهها، ويستنطقها لكي تكشف كل معطياتها. فمما لا ريب فيه. "أنَّ الإسلام قد أوضح بأنَّ حياة البشر ليست قائمة على المظهر المادي لها فحسب، وأنَّ القيم النهائية للحياة روحية في طبيعتها، ولكن على الرغم من ذلك فإنَّه لا يحق للمسلمين أنْ ينظروا إلى الحقائق والقيم الروحية على أنَّها أشياء منفصلة عن المظاهر المادية للحياة الإنسانية. إنَّ الإسلام يطالب بإيجاد المجتمع الصالح، لا في نظرته الخلقية للحياة فحسب، ولكن في مظاهر العمل كذلك، مجتمع لا يوفر المطالب الروحية وحدها لأفراده، ولكن يوفر حاجاتهم المعاشية أيضاً."
هكذا، ومنذ البدء، يلحظ الرجل هذا التوازن في المنظور الإسلامي بين سائر الثنائيات: القيم الروحية والمظاهر المادية، النظرة الخلقية ومظاهر العمل، المطالب المعنوية والحاجات المعاشية، وهو يلحظ –كذلك- أنَّ التقدم الروحي مرهون بالكفاية المادية، على العكس تماماً مما صوَّرته وتوهمته الأديان الأخرى، "فإذا كانت مصادر الثروة موزعة توزيعاً لا عدالة فيه، بحيث يتمتع البعض بعيش رغيد، بينما تناضل الأكثرية بكل قواها للحصول على قوتها الضروري، فإنَّ الفقر يصبح من ألدّ أعداء التقدم الروحي، وقد يدفع -كما دفع أمماً بأسرها- إلى الزيغ والانحراف عن طريق الله والارتماء في أحضان المادية المدمرة للروح، ولعلّ هذا هو السرّ الكامن وراء تحذير الرسول (صلى الله عليه وسلم): (كاد الفقر أن يكون كفراً)."
يوغل (فايس) وهو يتابع معطيات التوازن في نسيج الإسلام، فيشير إلى أن الإسلام، بتجاوزه الاكتفاء بالأطروحات النظرية وربطها بطريقة العمل، كان يستهدف تمكين كل فرد "في نطاق حياته الدنيوية أن يعيد وحدة الفكر والعمل في وجوده ووعيه كليهما. وللوصول إلى هذا الهدف السامي في الحياة، كان الإنسان في الإسلام غير مجبر على أن يرفض الدنيا، وليس ثمة حاجة إلى تقشف يفتح عليه باباً سريّاً إلى التطهير الروحي. ذلك أمر غريب كل الغرابة عن الإسلام، فالإسلام ليس عقيدة صوفية ولا هو فلسفة، ولكنه نهج من الحياة حسب قوانين الطبيعة التي سنها الله لخلقه، وما عمله الأسمى سوى التوفيق التام بين الوجهتين الروحية والمادية في الحياة الإنسانية. وإِنَّك لترى هاتين الوجهتين في تعاليم الإسلام تتفقان في أنَّهما لا تدعان تناقضاً أساسياً بين حياة الإنسان الجسدية وحياته الأدبية فحسب، ولكنَّ تلازمهما هذا، وعدم افتراقهما فعلاً، أمر يؤكده الإسلام؛ إذ يراه الأساس الطبيعي للحياة."
وكما هو الحال بين النظرية والتطبيق، فإن التأكيد الإسلامي ينصبّ بالقوة نفسها، والرؤية التوازنية ذاتها، على ثنائية السماء والأرض: "إنَّ الإسلام لا يكتفي بأن يأخذ على عاتقه تحديد الصلات المتعلقة بما وراء الطبيعة، فيما بين الأرض وخالقها فقط، ولكنه يعرض –أيضاً- مثل هذا التأكيد على الأقل -للصلات الدنيوية بين الفرد وبيئته الاجتماعية. إنَّ الحياة الدنيا لا ينظر إليها على أنَّها صدفة عادية فارغة، ولا على أنَّها طيف خيال للآخرة، التي هي آتية لا ريب فيها من غير أن تكون منطوية على معنى ما، ولكن على أنَّها وحدة إيجابية تامَّة في نفسها."
والحياة الدنيا هذه إنَّما هي فرصة لتحقيق الذات، ليس بالنفي أو الانفصال، كما تفعل الديانات الأخرى، بل بالتناغم والوئام بين الإنسان ومكوناته كافَّة، وبينه وبين العالم. إنَّ (فايس) يصف الإسلام بأنَّه "أعظم دين مؤكد للحياة في تاريخ الإنسان،" وأنَّه من بين سائر النظم الدينية يعلن "أنَّ الكمال الفردي ممكن في الحياة الدنيا. إنَّ الإسلام لا يؤجل هذا الكمال إلى ما بعد إماتة الشهوات (الجسدية)، ولا هو يعدنا بسلسلة متلاحقة الحلقات من تناسخ الأرواح على مراتب متدرجة، كما هي الحال في الهندوكية، ولا هو يوافق البوذية التي تقول بأن الكمال والنجاة لا يتمان إلا بعد انعدام النفس الجزئية وانفصام علاقاتها الشعورية من العالم. كلا! إنَّ الإسلام يؤكد في إعلانه أَنَّ الإنسان يستطيع بلوغ الكمال في حياته الدنيا الفردية، وذلك بأن يستفيد استفادة تامة من وجوه الإمكان الدنيوي في حياته هو."

من أجل ذلك ترك الإسلام الطريق مفتوحاً لكل إنسان كي يمارس التحقق الذاتي، في إطار الإيمان بالقدرات التي وهبها الله إياه، وبالإمكانات الشخصية التي تؤهله إِلى عبور هذا الطريق أو ذاك صوب الهدف: "إِنَّ الإسلام، وهو ليس بدين لقهر النفس، يترك للإنسان مجالاً واسعاً في حياته الشخصية والاجتماعية، كيما تستطيع تلك الصفات المختلفة، من العواطف والميول النفسانية، أن تجد سبيلها في التطور الإيجابي المتفق مع استعدادها الذاتي. وهكذا فقد يكون المرء زاهداً، أو أنَّه يتمتع إلى أقصى حد بلذاته الحسّية، وهو بعد في دائرة الشرع، وقد يكون مع هذا كله أعرابياً يطوف الصحراء.. أو تاجراً غنياً.. وما دام الإنسان خاضعاً لما يفرضه عليه الله بإخلاص وتُقى، فإنه بعد ذلك حُرُّ في أن يكيف حياته الشخصية على الشكل الذي توجهه إليه طبيعته. إنَّ واجبه أن يستخرج من نفسه أحسن ما فيها؛ كيما يشرف هبة الحياة التي أنعم الله عليه بها، وكيما يساعد إخوانه من بني آدم بما ملكت يداه من وسائل رقيه هو، في جهودهم الروحية والاجتماعية والمادية. على أن شكل هذه الحياة الشخصية ليس بحال مقيداً بقياس ما. إنَّ المرء حر في تخيّر ما يشاء من وجوه الإِمكان المشروعة التي لا حدّ لها تقف عنده."
إنَّ هذا التوازن المرسوم بين الإنسان والعالم، يمكن أن يقودنا إلى قيمة أساسية أخرى في الإسلام تساعده على التحقق. إنَّها المنظور الذي يطل به الدين على الإنسان، فالأديان الأخرى تفترض فيه –ابتداءً- خطأً أو نقصاً ما، وتمسك به من عنقه لكي تضعه في دائرة الخطيئة، بينما يختلف الأمر في الإسلام اختلافاً حاسماً، فإِنَّ "أساس (حرية) الاختيار في الإسلام يقوم على الافتراض بأنَّ الأصل في طبيعة الإنسان الخير. وعلى خلاف ما تقول به النصرانية من أنَّ الإنسان خلق خاطئاً، وخلافِ ما جاءت به التعاليم الهندوكية من أنَّ الإنسان كان في أول أمره دَنَساً، فهو من أجل ذلك محمول على أن يتخبط في سلسلة من التقمص نحو هدفه الأقصى من الكمال، نرى تعاليم الإسلام تقرر أنَّ الإنسان خلق طاهراً وخلق تاماً."
ومعنى هذا أنَّ الإسلام وحده، من بين سائر الأديان "يتيح للإنسان أن يتمتع بحياته الدنيا إلى أقصى حدٍّ، من غير أن يضيع اتجاهه الروحي دقيقة واحدة. وهذا يختلف كثيراً عن وجهة النظر النصرانية. حيث يتعثر (الإنسان) في الخطيئة الموروثة التي ارتكبها آدم وحواء، وعلى هذا تعتبر الحياة كلها وادياً مظلماً للأحزان."
وهو يؤكد أنه "لم يستطع أن يجد في أيمِّا مكان في القرآن أيمَّا ذكرٍ لحاجة إلى (الخلاص) ما دام أنَّه ليس هناك في الإسلام خطيئة (أولى) موروثة تقف بين الفرد ومصيره ذلك بأنَّه ﮋﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﮊ (النجم: 39)، ولا يطلب أيَّ نسك أو إماتة لفتح باب خفي إلى الطهارة؛ ذلك أنَّ الطهارة حق يرثه الإنسان بالولادة، والخطيئة ليست سوى زلة من الصفات الفطرية الإيجابية، التي يقال إنَّ الله قد وهبها لكل كائن من الناس. ليس هناك من أثر للثنائية في اعتبار الطبيعة الإنسانية؛ ذلك أنَّ الروح والجسد يعتبران وحدة صحيحة كاملة."
وهذا يقودنا إلى موازنة أخرى، بين الروح والجسد. فها هنا استطاع
الإسلام، حيث عجزت سائر النظم والأديان، عن تحقيق هذا الوئام بين قطبي النسيج الآدمي، على جعلهما يلتقيان ويعطيان وفق خطوط متعاشقة متوازية، لا متصادمة متعارضة، وها هنا –أيضاً- ليس ثمة هجر لجانب ما على حساب الجوانب الأخرى، الأمر الذي يمنح الإنسان على المستوى النفسي -وقد تجاوز نقطة الشدِّ والجذب- توحداً واطمئناناً، ويمنح الجماعة على المستوى الحضاري قدرة أكثر على الفاعلية والعطاء. "لقد بدا لي أن معالجة (الإسلام) مشاكل الروح أعمق جداً من معالجة العهد القديم، ولم تكن فيها فوق ذلك محاباة هذا الأخير لشعب واحد معين، وأنَّ معالجته مشاكل الجسد، بخلاف العهد الجديد، كانت إيجابية إلى درجة قوية. إنَّ الروح والجسد، كلا في إطار حقه، كانا بمثابة وجهين توأمين للحياة الإنسانية التي أبدعها الله. وساءلت نفسي: ألا يمكن أن تكون هذه التعاليم مسؤولة عن الأمن العاطفي الذي أحسسته، كل تلك المدة الطويلة، في العرب؟"
ومع هذا الموازنات الفذة بين الإنسان وذاته، بينه وبين العالم، وبين الأرض والسماء، بين الروح والجسد، هناك توازن آخر بين الدين والعقل، وبينه وبين التقدم العلمي. فالإسلام "لم يقف يوماً ما سداً في وجه التقدم والعلم. إنَّه يقدر الجهود الفكرية في الإنسان إلى درجة يرفعه فيها فوق الملائكة. وما من دين ذهب إلى أبعد من الإسلام في تأكيد غلبة العقل، ومِنْ ثَمَّ غلبة العلم على جميع مظاهر الحياة."
في الأديان والمذاهب الأخرى يميل الميزان، فتتخم الروح والوجدان على حساب العقل والعلم، أو يتعبد العلم حيث تنكمش الروح ويلغى الوجدان الديني. إنَّها جميعاً لم تستطع أن تحقق اللقاء المأمول بين القطبين: التوازن الذي يحتوي ولا يلغي، ويلتزم ولا يفرّط، ويحمي ولا يبدّد. ولقد جاء الإسلام لكي يحقق، من بين قيم وأهداف عديدة أخرى، هذا الهدف العزيز لصالح الإنسان وحركته المؤمنة في الأرض. يقول فايس: "إنَّه ليس من شخص بعيد عن الهوى يجادل في الإسلام ليزعم أنَّ فيه
شيئاً مخالفاً للعقل، إلاّ أنَّه مما لا شك فيه أنَّ ثَمَّة أشياء وراء حدود العقل الإنساني، ولكنها لا تخالفه."
وتلك هي المعادلة الصعبة التي قدر الإسلام على حلها: أن تجعل البنيان الديني منسجماً مع معطيات العقل، رغم أنه في الأساس ينبثق عما وراء حدود العقل، قادماً من عالم الغيب الذي لم يكن بمقدور العقل الإحاطة بماهيته علماً. وهو يلاحظ، من خلال هذا الارتباط الوثيق بين الدين والعلم، كيف حمل الإسلام أتباعه الأولين "إلى أعالي الذروات الثقافية بتوجيه طاقاتهم كلها نحو التفكير الواعي بوصفِهِ وسيلة وحيدة لفهم طبيعة خلق الله، ومِنْ ثَمَّ لفهم إرادته، وأن العطش إلى المعرفة الذي تميز به تاريخ المسلمين الأول، لم يحمل، كما حمل في سائر أنحاء العالم، على أن يؤكد ذاته في صراع مؤلم ضد الإيمان. بالعكس، لقد انبثق من ذلك الإيمان وحده."
والحق أنَّ هذا المنظور التوازني في الإسلام، وهذا المعمار المتفرد الذي يضم جناحيه على سائر الثنائيات فيضعها في مكانها الصحيح، ويحقق بينها التصالح والتناغم والألفة والوئام، كان واحداً من عوامل الجذب والانبهار التي دفعت (فايس)، ومئات غيره من المفكرين، إلى الانتماء لهذا الدين. إنَّه يقول: "لم يكن الذي جذبني (للإسلام) تعليماً خاصاً من التعاليم، بل ذلك البناء المجموع العجيب والمتراص بما لا نستطيع له تفسيراً من تلك التعاليم الأخلاقية، بالإضافة إلى منهاج الحياة العملية. ولا أستطيع اليوم أن أقول أيّ النواحي قد استهوتني أكثر من غيرها، فإِنَّ الإسلام، على ما يبدو لي، بناء تام الصنعة، وكل أجزائه قد صيغت ليتمم بعضها بعضاً، ويشد بعضها بعضاً. فليس هناك شيء لا حاجة إليه، وليس هنالك نقص في شيء، فنتج عن ذلك كله ائتلاف مرصوص. ولعل هذا الشعور من أن جميع ما في الإسلام من تعاليم وفرائض (قد وضعت في مواضعها) هو الذي كان له أقوى الأثر في نفسي."




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

قراءة في بعض كتابات المفكر النمساوي ليوبولد فايس (محمد أسد) Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28520
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قراءة في بعض كتابات المفكر النمساوي ليوبولد فايس (محمد أسد) Empty رد: قراءة في بعض كتابات المفكر النمساوي ليوبولد فايس (محمد أسد)

مُساهمة من طرف سامح عسكر الأربعاء مايو 18, 2011 2:03 am

ثالثاً: دين المرونة في التشريع
هنالك، مع الشمولية والتوازن، خاصية أخرى لا تقل أهمية وفاعلية في الحياة الإسلامية، بل ربما أنه بسببها قدر الإسلام على أن يواصل طريقه في صميم الحياة بالقوة ذاتها، ويزيد من الطاقات والخبرات المضافة. إنَّها المرونة التي أتاحت -ولا تزال- لهذا الدين حرية الحركة، متسلّحاً بأداتين:
أولاهما: المبادئ الأساسية الثابتة التي تحمي شخصيته وتميزه؛ ذلك أنَّ الشريعة، في أساسها، "لا يمكن تغييرها؛ لأنها ناموس إلهي، بل إنه ليست هناك ضرورة تدعو إلى تغييرها؛ لأنَّ كل أحكامها صيغت بحيث لا يتعارض أحدها مع الطبيعة الأصيلة للإنسان، والمطالب الجوهرية للمجتمع البشري في كافة الأزمنة والعصور."
أما ثاني هاتين الأداتين فهي: المساحات المفتوحة الحرة للاجتهاد، والإضافة، ومجابهة المتغيرات، والاستجابة للتحديات، تلك التي تُمكِّنه من التواصل الدائم مع حركة الحياة، وتغطيتها أفقياً وعمقياً، ومِنْ ثَمَّ قطع الطريق على أيِّ محاولة للعزل أو التجميد، وإعادة الإنسان ثانية إلى مآسي الثنائيات التي أسرته طويلاً.
إنَّ (فايس) يلحظ منذ البدء، كيف "أنَّ الأحكام السياسية الإسلامية القائمة على القرآن والسنة (ليست) واضحة، ثابتة الدعائم فحسب، ولكنَّها لا تعاني من آفة الجمود كذلك." كما أنَّه يلحظ كيف "..أنَّ المدى المحدّد للأحكام المنصوصة في القرآن والسنة، لم يكن نتيجة سهو وقع من الشارع، ولكن على العكس، لقد أراد به أن يكون درعاً لا غنى عنه يقي الأمة من الجمود التشريعي والاجتماعي. وباختصار فإنَّ الشارع لم يرد أن تعالج الشريعة-بالتفصيل- كل ضرورات الحياة ومشاكلها التي تخطر على البال، ولكنَّه أراد أن يحدّد بأحكامه المنصوصة المجال الاجتماعي الذي يجب على الأمة أن تتطور في حدوده، وترك هذا العدد الهائل من المسائل القانونية المحتملة الوقوع لتعالج كل منها على ضوء مقتضيات العصر، وتبعاً لتغيّر الظروف السائدة."
وهو يلحظ المسألة كلها بما يؤكد دور المسلم نفسه في صياغة الحياة، أو إعادة صياغتها، في الإطار الإيماني المرتجى، وعلى هدى التعاليم والقيم الأساسية لهذا الدين: "إنَّ الشارع أراد منا -نحن المسلمين- أن نقوم بأنفسنا بوضع التشريعات الإضافية الضرورية عن طريق اجتهادنا، أي عن طريق التحليل العقلي المستقل، بشرط أن يكون منسجماً مع روح الإسلام وغاياته."
وثمة رأي يؤكده (فايس) في أكثر من مكان، في سياق معطياته عن المرونة التشريعية، قد لا يوافقه عليه الكثيرون، إنه من أجل تأكيد هذه المرونة وتمكينها من الفعل في واقع الحياة، يحرّر المعطيات التشريعية السياسية للإسلام من التاريخ، من الارتباط المحتوم بالتجارب التاريخية السابقة المتحققة في أزمان غير أزماننا، وبيئات غير بيئاتنا، فهناك من وراء كل السوابق التاريخية، وقبلها، كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) اللذان بمقدورهما أن يشكلا دولة الإسلام بما يلائم كل زمان ومكان: "إِن جهاز الدولة الإسلامية ووظيفتها ليس من الضروري أن يكونا متفقين مع أيِّ (سابقة تاريخية)؛ إذ إِنَّ كل ما نريده من الدولة، لكي تنال بحق صفة الدولة الإسلامية، هو أن تدمج في دستورها، وأن تستهدي في أعمالها، تلك الأحكام الظاهرة المنصوصة في القرآن والسنة، التي لها علاقة مباشرة بحياة المجتمع السياسية. إِن هذه الأحكام محكمةُ الصياغة، لا يلابسها غموض، ولكنها -بلا استثناء- ذات طبيعة مرنة، تسمح لها بالحياة والعمل في كل الأزمنة وفي كل الظروف الاجتماعية."
و(فايس) انطلاقاً من خلود الرسالة الإسلامية وديمومتها، يضع يده على الأسباب التي جعلت للعقل الإنساني، والكشوف التي تتمخض عن نشاطه، هذا المدى الواسع الذي يتحرك عبره، مستفيداً أكثر فأكثر من الخبرات الجديدة، مرتبطاً -في الوقت نفسه- بمحاوره الثابتة في القرآن والسنة: "إن علينا ألاّ ننسى أبداً أن رسالة الإسلام رسالة خالدة، وأنها –لذلك- يجب أن تظل مفتوحة أمام العقل الإنساني الذي لا يَكلُّ عن البحث والدراسة. كما أننا كلما ازدادت ثقافتنا وانداحت دائرة علومنا، استطعنا أن نفهم بصورة أوضح من ذي قبل كنوز الحكمة التي ينطوي عليها القرآن، وأسوة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ولذلك فإِنَّ حقنا في الاجتهاد المستقل على ضوء القرآن والسنة، ليس مسموحاً به فحسب، بل نحن منتدبون لأداته في كل الأمور التي اكتفت الشريعة بوضع مبادئ عامة لها."
وهكذا ندرك كيف أن مرور الزمن وتراكم الخبرات البشرية يمكن أن يكونا لصالح حركة الإسلام في العالم، كما ندرك –أيضاً- كيف يكون الإسلام "دعوة خالدة إلى التقدم المطَّرد في كافة نواحي الحياة، الفكرية والروحية والسياسية، على حد سواء."




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

قراءة في بعض كتابات المفكر النمساوي ليوبولد فايس (محمد أسد) Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28520
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قراءة في بعض كتابات المفكر النمساوي ليوبولد فايس (محمد أسد) Empty رد: قراءة في بعض كتابات المفكر النمساوي ليوبولد فايس (محمد أسد)

مُساهمة من طرف سامح عسكر الأربعاء مايو 18, 2011 2:03 am

رابعاً: آفاق العبادة في الإسلام
وكما أنَّ (فايس) يتحدث عن خصائص التشريع الإسلاميّ، الذي يمثل مساحة واسعة في نسيج الإسلام، فإِنَّهُ يتحدث، بالاهتمام نفسه، عن الجانب الآخر الذي لا يقل أهمية؛ لأنه يمثل عصب الحياة الإسلامية، وروحها المحركة، وشعارها: العبادة.
هذا على افتراض أنَّ التشريع يمثل جانباً، والعبادة تمثل جانباً آخر في بنيان الإسلام، والحال أنَّ التشريع والعبادة معاً، مضافاً إليهما الأخلاق وآداب السلوك والمعاملة، فسائر المعطيات الإسلامية الأخرى، ولا سيمَّا العقيدة التي تشكل أساسها الجوهري، إنَّما تمثِّل، كما أكَّد (فايس) أكثر من مرَّة، وكما هو واقع منظور في تركيب هذا الدين، كُلاً متداخلاً يصعب فصل أجزائه وتفكيكها؛ لأنَّها صيغت بشكل يتمُّ من خلاله تبادل التأثر والتأثير؛ إذ الجميع يخفق بإيقاع متوحد، ويتلقى دمه النقيّ الحار من مصدر واحد.
ما الذي يقولُهُ الرجل عن ممارسات تعبّدية، كالصلاة والزكاة والصوم والحج، وهو يتجول في عالم الإسلام، ويعاين مغزاها العميق، وحكمتها البعيدة، وانعكاساتها على الإنسان المسلم والجماعة المؤمنة؟
إنَّه يؤكد، منذ البداية، الطابع الشمولي للعبادة الإسلامية، حيث تغدو كل ممارسة، وكل فعل عبادة، تماماً كالشعائر نفسها. هذا الموقف يختلف عما هو عليه الحال في أي دين آخر: "إنَّ العبادة في الإسلام ليست محصورة في أعمال من الخشوع الخالص، كالصلوات والصيام مثلاً، ولكنَّها تتناول كلَّ حياة الإنسان العملية أيضاً. وإذا كانت الغاية من حياتنا على العموم عبادة الله، فيلزمنا حينئذٍ ضرورةً أن ننظر إلى هذه الحياة في مجموع مظاهر كلها، على أنَّها تبعة أدبية متعددة النواحي، وهكذا يجب أن تأتي أعمالنا كلها، حتى تلك التي تظهر تافهة، على أنَّها عبادات، أي نأتيها بوعي، وعلى أنَّها تؤلف جزءاً من ذلك المنهاج العالمي الذي أبدعه الله."
إنَّ هذه الرؤية بمداها الشاسع هذا، تنبثق ولا ريب، أو إِنَّها تمثل امتداداً للخصائص الأساسية التي مرت بنا في المقاطع السابقة: الشمولية والتوازن، والمرونة.
فإنَّ العبادة الإسلامية فضلاً عن كونها تطوي جناحيها على كل صغيرة وكبيرة في الحياة، فإِنَّها في الوقت نفسه، تتميز بالتوازن الذي تلتقي فيه الفعالية الروحية بشقيقتها الجسدية، فتؤكد من الروحي، العناق الذي أعلنه الإسلام بين القطبين. أما المرونة فإننا نراها، فضلاً عن الامتداد الذي يُمنَحُ لفرصة التعبدية كرة بعد أخرى، في مبدأ الباب المفتوح الذي يُمكِّن الإنسان من العودة إلى الله سبحانه، في أعقاب كل ذنب أو خطيئة؛ إذ إِنَّ هذه لا تمثل أبداً جداراً يصعب اختراقه. ثم إِنَّ هذا الباب المفتوح يُمكِّن الإنسان المسلم -من جهة أخرى- من الذهاب مباشرة إلى الله، من جعل الممارسة التعبدية لقاءً حراً مباشراً بين الخالق والمخلوق، لا تقف في طريقه طبقة أو مؤسسة أو منظومة من الأسرار والطقوس؛ إذ "لا وجود في الإسلام للكهانة ولا لطبقة ممتازة تدعى (طبقة رجال الدين)؛ ولهذا يستحيل أن يوجد في الإسلام مؤسسة تشبه الكنيسة المسيحية التي تختص بأسرار الدين وطقوسه."
بعدها يتحدث (فايس) عن الشعائر الإسلامية المحددة المتميزة التي تمثل نقاط الانطلاق، ومراكز الثقل في الممارسة التعبدية على مداها. إنَّه يحكي عن الصلاة الجامعة، فيرى "أَنَّ هناك أشياء قليلة، هذا إذا وجدت، تقرب بين الناس كما تقرب بينهم الصلاة الجامعة، وهذا في اعتقادي يصحّ في كل دين، ولكنه يصح بصورة خاصة في الإسلام، الذي يرتكز إلى الاعتقاد بأنَّه ليس من واسطة ضرورية، أو بالأحرى ممكنة، بين الإنسان والخالق. إنَّ عدم وجود الكهانة والقسوسة يجعل كل مسلم يشعر بأنَّه لا يحضر فحسب، بل يشارك مشاركة صادقة في فعل العبادة المشترك عندما يصلي جماعة."
ويتحدث عن الصيام فيرى أنَّ "الغاية منه غاية مزدوجة. إنَّ على الفرد، أولاً، أن يمتنع عن تناول الطعام والشراب حتى يشعر في جسمه هو بما يشعر به الفقراء والجائعون، وبهذا تثبت المسؤولية الاجتماعية في الوعي البشري كفرض ديني. وأما الغاية الثانية من الصيام فهي ضبط النفس، وهي ناحية من نواحي أخلاق الفرد التي تشدد عليها التعاليم الإسلامية جميعاً (كما في التحريم الكلي، مثلاً، للمسكرات التي يعتبر الإسلام أنها سبيل سهل إلى الهرب من الوعي والمسؤولية). في هذين العنصرين الأخوة الإنسانية وضبط الذات، بدأت أميز الخطوط الكبرى في استشراف الإسلام الأخلاقي."
ويقف عند فريضة الحج مبهوراً، فيجد كيف أنَّنا "إذا درنا حول شيء ما، فإنَّنا نقرر أن هذا الشيء هو النقطة المركزية لعملنا. إِنَّ الكعبة، التي يُولِّي كل مسلم وجهه شطرها في صلاته، ترمز إلى وحدانية الله، فإنَّ الطواف حولها يرمز إلى جهود الحياة الإنسانية. وهكذا نرى أنَّ الطواف لا يعني أنَّ أفكارنا الخاشعة وحدها فقط، بل حياتنا العملية وأعمالنا وجهودنا أيضاً، كل هذه يجب أن تتمثل في نفسها فكرة الله ووحدانيته على أنها مركز لها." أما الزكاة فلطالما تحدث عنها في مؤلفاته، بوصفها نموذجاً رائعاً للالتقاء بين ما هو روحي وما هو مادي، وبوصفها –كذلك- واحداً من أهم ضوابط العدل الاجتماعي في الإسلام.




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

قراءة في بعض كتابات المفكر النمساوي ليوبولد فايس (محمد أسد) Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28520
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قراءة في بعض كتابات المفكر النمساوي ليوبولد فايس (محمد أسد) Empty رد: قراءة في بعض كتابات المفكر النمساوي ليوبولد فايس (محمد أسد)

مُساهمة من طرف سامح عسكر الأربعاء مايو 18, 2011 2:03 am

خامساً: دين المبادئ والقيم الحضارية
نتابع (فايس) وهو يضع يده على أهداف المجتمع الذي يصوغه هذا الدين، وطبيعة الأواصر التي تربط بين أفراده، والقاعدة التي يقوم عليها، مقارناً بالمجتمعات الأخرى.
إنَّه يستنتج ابتداءً "أَنَّ المجتمع الإسلامي ليس في ذاته غاية، ولكنه وسيلة إلى غاية. أمَّا الغاية فهي إيجاد أمة تقف نفسها على الخير والعدل، تحقُّ الحقَّ وتبطل الباطل، أمَّة تعمل -بمعنى آخر- على خلق بيئة اجتماعية تتيح لأكبر عدد ممكن من أفرادها أن يعيشوا روحياً ومادياً في توافق مع القانون الفطري الذي جاء من الله، وهو الإسلام."
أما الرابطة التي تشد أعضاء هذا المجتمع، وتمسك به فهي "الاشتراك في العقيدة والفكرة، "فذلك" وحده -في نظر الإسلام- الذي يقدم القاعدة الصالحة للتكُّتل البشري."
وأما الوسيلة، أو الأداة، التي تُمكِّن هذا المجتمع العقائدي من أداء مهمته في العالم فهي الدولة: "إِنِّ دفع الظلم عن الناس، وإقامة معالم العدل في الأرض، هي الغاية النهائية التي تستهدفها رسالة الإسلام الاجتماعية. وعلى هذا المثل الأعلى للعدالة -مع المسلمين وغير المسلمين على حد سواء- يتوقف قيام الدولة الإسلامية وسقوطها. هذه الدولة التي ليست هي في الحقيقة سوى الجهاز السياسي لتحقيق هذا المثل الأعلى."
وأمَّا خصائص هذا المجتمع فيمكنُ أن تتمحور في اثنتين: المساواة، والفاعلية: "لقد صيغت جميع مواد الشريعة الإسلامية لصالح أعضاء المجتمع كلهم بالتساوي دون تمييز بين الولادة، أو العنصر، أو الجنس (الذكر أو الأنثى)، أو الولاء الاجتماعي السابق. ولم يحتفظ بحقوق خاصة لمؤسس المجتمع أو لذريته من بعده. إنَّ الرفيع والوضيع، بالمعنى الاجتماعي للكلمة، تعبيران لا جود لهما، كما أنَّه ليس هناك وجود لمفهوم الطبقة، فجميع الحقوق والواجبات والفرص تنطبق بالتساوي على جميع المسلمين."
وقد يخطر على البال ها هنا أنَّ الإسلام والمسيحية قد كان لهما الهدف نفسه: مجتمع أممي من الناس يوحدّ فيما بينهم تمسكهم بمثل أعلى مشترك. إلاّ أنَّ (فايس) يجيب بأنَّه "في حين أنَّ المسيحية اكتفت بالدعوة المعنوية المجردة إلى هذا المبدأ، وبنصح أَتباعها بإعطاء ما لقيصر لقيصر، فَقَصَرَتْ بذلك دعوتها العالمية على الدائرة الروحية، فإِنَّ الإسلام قد كشف للعالم عن مؤسسة سياسية، يكون فيها وعي الله الباعث على سلوك الإنسان العملي، والأساس الوحيد لجميع المؤسسات الاجتماعية. وهكذا فإِنَّ الإسلام -إذ حقق ما تركته المسيحية دونما تحقيق- قد افتتح فصلاً في تطور الإنسان: أول مجتمع أيديولوجي مكشوف مقابل مجتمعات الماضي المقفلة والمحدودة جنسياً وجغرافياً."
يمضي (فايس)، بعد أن أوضح الفروق الحاسمة بين المجتمعين الإسلامي والمسيحي
على مستوى الوسائل والأهداف، لكي يؤشر على ما يميز المجتمع الإسلامي عن مجتمعات الحضارة الغربية الراهنة. وهو يلحظ أنَّ أولى هذه الميزات وأكثرها أهمية إنما تكمن في تباين المنظور الأخلاقي، وسلّم القيم، بين هذين النمطين من المجتمعات، وما نتج عن ذلك من أفعال وممارسات: "نحن نعتقد، والتطور الحديث في الغرب يثبت هذا الاعتقاد أيضاً، بأنَّ الأخلاق في الإسلام، وخصوصاً في إدراكها للسلوك الاجتماعي والشخصي، وللعدل والحرية، إنما هي أكثر سمواً وأحسن كمالاً من المدنية الغربية. لقد أبطل الإسلام العصبية العرقية (الحقد الجنسي)، وشق الطريق إلى الإخاء الإنساني وإلى المساواة. ولكن المدينة الغربية لا تزال عاجزة عن أن تنظر إلى ما وراء ذلك الأفق الضيّق من العداء الجنسي. إنَّ الإسلام لم يعرف الطبقات الاجتماعية ولا حروب تلك الطبقات في مجتمعه، ولكن التاريخ الأوربي كله -منذ أيام اليونان والرومان- مملوء بالكفاح بين الطبقات وبالعداء الاجتماعي."
و(فايس) يرى، وهو يعاين الطغيان المادي للحضارة الغربي، أنَّ تفوق ثقافة ما أو مدنية ما على غيرها "لا يمكن أن يقوم –فقط- على معرفة مادية واسعة المدى (مع أنَّ ذلك أمر مستحب)، ولكنه يقوم –كذلك- على نشاطها الخُلُقي، وعلى استطاعتها العظمى في أن تُعلِّل، وفي أن تُوفِّق بين نواحي الحياة الإنسانية كلها، وفي هذه الناحية يسمو الإسلام على كل ثقافة أخرى."
إِنهما إذن -الشمولية والتوازن- اللذان وقفنا عندهما في معطيات (فايس)، وها هو الآن يضعهما، جنباً إلى جنب مع الأخلاق الإسلامية؛ لكي يحدّد الفروق الحاسمة بين المجتمع، أو الثقافة المتمخِّضة عن هذا المنظور الشمولي المتوازن، التي تحكمها تلك القيم، وبين المجتمعات أو النظم المدنية الأخرى: "نحن نَعُدُّ الإسلام أسمى من سائر النظم المدنية؛ لأنه يشمل الحياة بأسرها: إنَّه يهتم اهتماماً واحداً بالدنيا والآخرة، وبالنفس والجسد، وبالفرد والمجتمع، إنَّه لا يهتم فقط لما في الطبيعة الإنسانية من وجوه الإِمكان إلى السموّ، بل يهتم أيضاً لما فيها من قيود طبيعية. إنَّه لا يحملنا على طلب المحال، ولكنه يهدينا إلى أن نستفيد أحسن الاستفادة مما فينا من استعداد، وإلى أن نصل إلى مستوى أسمى من الحقيقة، حيث لا شقاق ولا عداء بين الرأي والعمل."
ورغم الفارق الكبير، في تجربة المجتمعات الإسلامية المعاصرة، بين ما هي عليه فعلاً، وما كانت عليه زمن التزامها المتألق بمعطيات هذا الدين، فإِن (فايس) وجد عبر معايشته لهذه المجتمعات: "أن المسلمين كانوا يعيشون بطريقة تختلف عن الطريقة التي كان الغربيون يعتقدون أنها الطريقة التي يجب أن يتبعها الإنسان في العيش. وفي كل مرة تعلمت فيها شيئاً جديداً عن الإسلام، كان يُخيَّلُ إليّ أنني اكتشفتُ شيئاً كنت أعرفه دائماً دون أن أعرف."
ذلك توق الإنسان الذي تعذبه وتصدمه تناقضات الحضارة المعاصرة وشروخها بسائر تجاربها الاجتماعية المترعة بالتعاسة والشقاء، فهو إذ يلتقي بالمجتمعات الإسلامية، على كونها لا تعكس سوى الظلال الباهتة للتأثير الإسلامي، فإِنَّه يجد فيها ما كان يبحث عنه ويتوق إليه. وفي ضوء هذا كله، يقرر (فايس) أن الانتماء الإسلامي ليس خياراً مطروحاً أمام الإنسان المعاصر بجانب خيارات أخرى، ولكنه الخيار الوحيد، والحتمية التي تفرض نفسها في زحمة الصراع بين المبادئ والقيم والحضارات: "إنَّه ليس سبيلاً بين السبل، ولكنه السبيل! وإنَّ الرجل الذي جاء بهذه التعاليم ليس هادياً من الهداة ولكنه الهادي!"




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

قراءة في بعض كتابات المفكر النمساوي ليوبولد فايس (محمد أسد) Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28520
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قراءة في بعض كتابات المفكر النمساوي ليوبولد فايس (محمد أسد) Empty رد: قراءة في بعض كتابات المفكر النمساوي ليوبولد فايس (محمد أسد)

مُساهمة من طرف سامح عسكر الأربعاء مايو 18, 2011 2:04 am

سادساً: دين يتضمن سنة في تحققه العملي
من بين العديد من الباحثين الغربيين الذين كتبوا عن سيرة الرسول (صلى الله عليه
وسلم) يبدو ليوبولد فايس (محمد أسد) أكثرهم اهتماماً واقتراباً من جانب حيوي من أكثر جوانبها أهمية، ذلك هو "السنة": فما الذي تعنيه؟ وما مكانها في خارطة التشريع الإسلامي؟ وما مدى التوثيق الذي حظيت به؟ وما هي طبيعة التعامل التي يجب أن تنظم العلاقة بينها وبين المسلم؟ وما هي ردود الأفعال التي تمخضت عن هذا التعامل عبر التاريخ؟.
يعرّف فايس السنة بأنها: "المثال الذي أقامه لنا الرسول (صلى الله عليه وسلم) من أعماله وأقواله. إنَّ حياته العجيبة كانت تمثيلاً حياً وتفسيراً لما جاء في القرآن الكريم، ولا يمكننا أن ننصف القرآن الكريم بأكثر من أن نتّبع الذي قد بلّغ الوحي."
فهذا التعريف -على إيجازه- يكاد يلّم بسائر عناصر المصطلح المقصود: فهناك أفعال الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأقواله، أي معطياته كافة على مستوى الممارسة والتعليم، وهناك التمثيل الحي لكتاب الله في واقع الحياة من خلال هذه المعطيات التي تؤدي مهمة لا تقل أهمية، وهو التفسير الذي يوضّح ويفصّل ما ورد في القرآن الكريم موجزاً، مركزاً. وهناك –أخيراً- ما تتضمنه السنة من إلزام؛ بوصفها القناة، أو الطريق الوحيد المفضي إلى تنفيذ أمر الله كما بلّغه الوحي الأمين، وكما تمَثَّل في كتاب الله.
والسنة بهذا المعنى ليست حشوداً من المفردات السلوكية، أو مجموعة متفرقة من التعاليم والإرشادات فحسب. إنها وحدة مركبة، وبرنامج عمل يتميز بالشمولية والترابط، ويوازي حياة المسلم نفسها بكل تفاصيلها ونبضاتها، بل إنه -بعبارة أكثر دقة- يتعاشق معها كما تتعاشق الروح مع الجسد البشري، مع جملته العصبية، ودمه، وخلاياه، و"كما أن حياة المسلم يجب أن تقوم على التعاون التام المطلق بين ذاته الروحية وذاته الجسدية، فإِن هداية النبي (صلى الله عليه وسلم) يجب أن تضمّ الحياة على أنها وحدة مركبة، أي على أنها مجموع أعمق المظاهر الخلقية والعملية والشخصية والاجتماعية، وهذا هو أعمق معاني السنة."
وإذا كانت السنة، على هذا الأساس، هي التعبير المتكامل عن الإسلام، يصبح العمل بها ملزماً لكل مسلم يتوخى التعامل مع هذا الدين بالجدّ المطلوب؛ من أجل أن تتوحد المبادئ والتعاليم بالممارسة والسلوك، ويلتقي الفكر بالحياة، ويتمكّن الإسلام –بالتالي- من أن يشق طريقه متحققاً في مجرى الواقع، متقدما بأتباعه إلى الأمام، من خلال برنامج عمل لا يكاد يغفل صغيرة ولا كبيرة. ومن هذا المنطلق يلحظ (فايس) كيف "أنَّ العمل بسنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عمل على حفظ كيان الإسلام وعلى تقدمه، وأنَّ ترك السنة هو انحلال الإسلام." كما أنَّه يجد في السنة "الهيكل الحديدي الذي قام عليه صرح الإسلام." ويتساءل: "إنَّك إذا أزلت هيكل بناءٍ ما، أفيدهشك أن يتقوَّض ذلك البناء كأنَّه بيت من ورق؟"
وعلى هذا المستوى، أي على مستوى الإِلزام التشريعي والسلوكي والاجتماعي للسنة، يمضي (فايس) إلى تأكيد حقيقة أنَّ "سنة الرسول (صلى الله عليه وسلم) تالية للقرآن، وهي المصدر الثاني للشرع الإسلامي وللسلوك الشخصي والاجتماعي، إِنَّها التفسير الوحيد لتعاليم القرآن الكريم، والوسيلة الوحيدة لاجتناب الخلاف في تأويل تلك التعاليم وتطبيقها في الحياة العملية. إِنَّ تفكيرنا يقودنا حتماً إلى أنَّه ليس ثَمَّة حكم، فيما يتعلق بالتأويل العملي لتعاليم القرآن الكريم، أفضل من الذي أوحيت إليه هذه التعاليم هدى للعالمين. إنَّ التعبير الذي يتردّد اليوم على مسامعنا كثيراً: (لنرجع إلى القرآن الكريم، ولكن يجب ألاّ نجعل من أنفسنا أَتباعاً مستعبدين للسنة) ينكشف بكل بساطة عن جهل بالإِسلام. إنَّ الذين يقولون هذا القول يشبهون رجلاً يريد أن يدخل قصراً، ولكنه لا يريد أن يستعمل المفتاح الأصلي الذي يستطيع به وحده أن يفتح الباب."




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

قراءة في بعض كتابات المفكر النمساوي ليوبولد فايس (محمد أسد) Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28520
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قراءة في بعض كتابات المفكر النمساوي ليوبولد فايس (محمد أسد) Empty رد: قراءة في بعض كتابات المفكر النمساوي ليوبولد فايس (محمد أسد)

مُساهمة من طرف سامح عسكر الأربعاء مايو 18, 2011 2:04 am

سابعاً: السنة النبوية ومنهجها الفريد
ولكن ما مدى مصداقية السنة على مستوى التوثيق التاريخي؟ وهل أنَّ ما نُقِلَ عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من أقوال وأفعال هي نفسها التي تحققت ومثلت في حياته بالفعل، أو قريباً منه؟ وإذا كان القرآن الكريم يحمل -وبشكل مطلق- مصداقيته بوصِفِهِ نصاً إلهيّاً محفوظاً، لم ولن يأتيَهُ الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فما مدى حظ السنة من هذا الأمر؟ لا سيما وأنها تحمل هذا القدر الكبير من الأهمية والإلزام في الحياة الإسلامية؟
إن (فايس) لا يجعل هذه التساؤلات تفلت من بين يديه، وتبقى معلقة في الفضاء، ونحن -بوصفنا مسلمين- نعرف جميعاً الإجابة عنها، تلك التي حرص الأجداد بسلسلة موصولة من الجهد والهمّ والمتابعة على تقديمها موثقة منقحة لأجيال المسلمين. ولكنَّ المطلوب هو مخاطبة العقل الغربي، والعقل العلماني الذي لا يسلّم بسهولة بأمر كهذا. ومِنْ ثَمَّ فإِنَّ استنتاجات (فايس) بهذا الصدد تحمل قيمتها؛ لأنَّها تتحدث بالمفردات نفسها التي يدركها هذا العقل، وقد يقتنع بها أيضاً.
فهو يشير مثلاً إلى "الأثر العظيم الذي تركته شخصية الرسول (صلى الله عليه وسلم) في أولئك الرجال الذين صحبوه باعتبارها حقيقة من أبرز حقائق التاريخ الإنساني،" وأنَّها "فوق ذلك ثابتة بالوثائق التاريخية،" ويتساءل: "هل يمر في خيالنا أنَّ أولئك الرجال الذين كانوا على استعداد لأن يضحوا أنفسهم وما يملكون في سبيل رسول الله كانوا يتلاعبون بكلماته؟"
ويمضي (فايس) إلى القول بأنَّ "الذين عاشوا في صحبة الرسول (صلى الله عليه وسلم) رأوا جميعُهُم في أقواله وأعماله أعظمَ الأهمية، لا لأنَّ شخصية الرسول (صلى الله عليه وسلم) أثرت فيهم فخلبت ألبابهم فقط، بل لأنَّهم كانوا –أيضاً- على اعتقاد جازم بأنَّ ذلك كان أمراً من الله تعالى لتنظيم حياتهم حتى في أدق تفاصيلها. كل ذلك اهتداء بالرسول (صلى الله عليه وسلم) واقتداء به. من أجل ذلك لم يستطيعوا أن يتناولوا الأحاديث بلا اكتراث، بل جربوا أن يتعلموها وأن يحفظوها عن ظهر قلب."
وهو، على ضوء الجهود التوثيقية المذهلة التي بذلها رجال الحديث في العصور
التالية للصحابة والتابعين، التي وضعت أصول منهج صارم في التوثيق والبحث العلمي يطرحُ تحدّيَهُ إِزاءَ العقل الغربي، وأن يدعم انتقاداته العاطفية لمصداقية الأحاديث النبوية بدليل علميِّ مُقنِعٍ: "إنَّه على الرغم من جميع الجهود التي بُذِلَتْ في سبيل تحدّي الحديث على أنَّه نظامٌ ما، فإِنَّ أولئك النقاد العصريين من الشرقيين والغربيين لم يستطيعوا أن يدعموا انتقادهم العاطفي الخالص بنتائج من البحث العلمي. وإِنَّ من الصعب أن يفعل أحد ذلك؛ لأنَّ الجامعين لكتب الحديث الأولى، لا سيَّما الإمامين البخاري ومسلماً، قد قاموا بكل ما في طاقة البشر عند عرض صحة كل حديث على قواعد التحديث عرضاً أشد كثيراً من ذلك الذي يلجأ إليه المؤرخون الأوربيون عادة عند النظر في مصادر التاريخ القديم."
ثم يخلص إلى القول بأن "رفض الأحاديث الصحيحة جملة واحدة أو أقساماً، ليس حتى اليوم إلاّ قضية ذوق، قضيةً قَصرُتْ عن أن تجعل من نفسها بحثاً علمياً خالصاً من الأهواء."
فهي –إذن- الميول والأهواء تسعى لأن تقول كلمتها في واحدة من أشد مرتكزات الإسلام أهمية، حتى إذا ما أتيح لها أن تفرض كلمتها، قدرت على هدم الإسلام نفسه، بعد أن رأينا ذلك الارتباط الصميم بين السنة والدين الذي ترجمته إلى وقائع وممارسات، ولكنها لن تقدر؛ إذ إِنَّ هناك، في الجهة الأخرى للظن والهوى: المنهج، والعلم، والنقد الجاد، تلكَ التي قادت العقل البشري، وستقوده دوماً، إلى التسليم بمصداقية سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم).




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

قراءة في بعض كتابات المفكر النمساوي ليوبولد فايس (محمد أسد) Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28520
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قراءة في بعض كتابات المفكر النمساوي ليوبولد فايس (محمد أسد) Empty رد: قراءة في بعض كتابات المفكر النمساوي ليوبولد فايس (محمد أسد)

مُساهمة من طرف سامح عسكر الأربعاء مايو 18, 2011 2:04 am

ثامناً: السنة اقتداء بالرسول
سنكتفي بهذا القدر من الحديث عن مسألة التوثيق، هذه التي أشبعت بحثاً، ولنتابع (فايس) وهو يتحدث عن طبيعة التعامل مع السنة.. عن صيغ هذا التعامل التي تتأرجح بين الآلية التي لا تكاد تتمخض عن شيء، والتمثُّل الذي قاد أجيالاً من المسلمين إلى أن يكونوا تعبيراً صادقاً عن كتاب الله، وإلى أن يصنعوا المستحيل. ففي "اللحظة التي ينحطُّ فيها العمل بالسنة إلى عمل آلي، تفقد السنة قيمتها المثقِّفة فقداناً تاماً، وكذلك كان شأن المسلمين في الأعصر الأخيرة. أمَّا الصحابة والتابعون الذين قاموا بكل مسعى لجعل كل دقيقة في حياتهم موافقة لما كان عليه الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فإِنَّهم فعلوا ذلك مع الفهم التام بأنَّهم أسلموا أنفسهم إلى إرادة هادية تجعل حياتهم مطابقة لروح القرآن الكريم."
كيف يتم ذلك التطابق الباهر بين الحياة وتعاليم الله سبحانه؟ يجيب (فايس) بأنَّ "العمل بالسنة يجعل كل شيء في حياتنا اليومية مبنياً على الاقتداء بما فعله الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وهكذا نكون دائماً، إذا فعلنا أو تركنا ذلك، مجبرين على أن نفكر بأعمال الرسول وأقواله المماثلة لأعمالنا هذه، وعلى هذا تصبح شخصية أعظم رجل متغلغلة إلى حد بعيد في منهاج حياتنا اليومية نفسه، ويكون نفوذه الروحي قد أصبح العامل الحقيقي الذي يعتادنا طول الحياة."




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

قراءة في بعض كتابات المفكر النمساوي ليوبولد فايس (محمد أسد) Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28520
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قراءة في بعض كتابات المفكر النمساوي ليوبولد فايس (محمد أسد) Empty رد: قراءة في بعض كتابات المفكر النمساوي ليوبولد فايس (محمد أسد)

مُساهمة من طرف سامح عسكر الأربعاء مايو 18, 2011 2:05 am

تاسعاً: حب المسلمين لرسولهم في حياته وبعد مماته
والحديث عن سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقودنا إلى الحديث عن شخص رسول الله نفسه.. النبي، والقائد، والمعلِّم. وعن علاقة المسلمين على مرّ العصور به، وعن محبتهم له، وعن عشقهم لأفعاله وكلماته، وعن ردود الأفعال الإنسانية، وجدانية وسلوكية، تلك التي أكدت على مدار الزمن، على أنه ما من أمة أحبّت رسولها، واقتدت به، كأمة الإسلام، وأنه –أيضاً- ما من أمة كهذه الأمة لم تجرفها المحبة الطاغية إلى مواقع الشرك والتأليه والصنمية، وما كانت الاستثناءات بقادرة على أن تغطي على القاعدة أبداً. وليس هناك من رجل، "مضى على وفاته أكثر من ألف وثلاثمائة سنة، قد أصاب مثل هذا الحب، ومن قبل هذا العدد من الأفئدة، مثل ذلك الذي يرقد تحت القبة العظيمة الخضراء. ومع ذلك فإِنَّه لم يدَّعِ يوماً إلاّ أنَّه بشر، ولم ينسب المسلمون إليه الإلوهية قط، كما فعل الكثيرون من أتباع الأنبياء الآخرين (عليهم السلام) بعد وفاة نبيهم. والحق أنَّ القرآن نفسَهُ يزخر بالآيات التي تؤكد إنسانية محمد (صلى الله عليه وسلم). ولا ريب في أنَّ من حوله لم يحبوه مثل هذا الحب إلا لأنَّه لم يكن سوى بشر فحسب، ولأنَّه عاش كما يعيش سائر الناس، يتمتع بملذات الوجود البشري ويعاني آلامه. ولقد بقي هذا الحب بعد وفاته، وهو لا يزال حيّاً في قلوب أتباعه حتى اليوم كنشيد متعدد النغمات."
هذه وتلك تحمل أهميتها القصوى ها هنا، ونحن نتحدث عن سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؛ لأنها تعكس، بإقناع يكاد يكون كاملاً، كيف تمكَّن المسلمون من حماية سنة نبيهم من الضياع، وكيف قدروا في الوقت نفسه على أن يعيشوها ويتمثلوها، بدرجة أو أخرى، فيتيحوا بذلك للإسلام نفسه أن يتحقق وأن يواصل الطريق.
والآن، وبعد مرور أربعة عشر قرناً على لحاق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالرفيق الأعلى، واستقرار جسده الشريف في المدينة، فإِنَّ "وجوده الروحي لا يزال حيّا هنا كما كان يومذاك. ولقد كان من أجله وحده أن أصبحت مجموعة القرى التي كانت تدعى في ما مضى يثرب، مدينة أحبها المسلمون حتى يومنا هذا كما لم تُحَبَّ مدينة غيرها في أيمَّا مكان آخر من العالم. وليس لها حتى اسم خاص بها. فمنذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً التقت هنا سيول لا تحصى من الحب، بحيث اكتسبت مع الأشكال والحركات نوعاً من التشابه العائلي، وجميع الفروق في المظاهر تتّحد في لحن مشترك واحد."




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

قراءة في بعض كتابات المفكر النمساوي ليوبولد فايس (محمد أسد) Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28520
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قراءة في بعض كتابات المفكر النمساوي ليوبولد فايس (محمد أسد) Empty رد: قراءة في بعض كتابات المفكر النمساوي ليوبولد فايس (محمد أسد)

مُساهمة من طرف سامح عسكر الأربعاء مايو 18, 2011 2:05 am

خاتمة:
على كثرة ما كتبه الغربيون عن الإسلام، فإن معظم أعمالهم لم ترق إلى ما قدمه ليوبولد فايس (محمد أسد) في مقاربتها لنبض هذا الدين، وتسليط الضوء على خصائصه الأساسية. ولعل معايشته للجغرافيا الإسلامية، وانتماءه للإسلام، وعمله في التأسيس لدستور إسلامي لباكستان في فجر قيامها ، فضلاً عن خبرته العميقة بمعطيات الحضارة الغربية المعاصرة في سلبها وإيجابها، أعانه على نسج رؤيته للإسلام؛ عقيدة وشريعة ونبياً وحضارة في العديد من المؤلفات، أبرزها ولا ريب (الطريق إلى مكة)، و(الإسلام على مفترق الطرق)، و(منهاج الإسلام في الحكم)، وهي الأعمال التي تناولها هذا البحث بالقراءة والمراجعة والتحليل.
وعلى الرغم من مرور عقود عديدة على صدور مؤلفاته تلك، فإن (الطريق إلى مكة)، و(الإسلام على مفترق الطرق) يظلان ينطويان على قدرتهما المدهشة على جذب القراء جيلاً بعد جيل، ربما بسبب رؤيتهما المقارنة بين عالمين، فضلاً عن مقاربتهما التي تتميز بحساسيتها البالغة لنقاط الارتكاز الأساسية في هذا الدين، ومن بينها: كمال الإسلام وشموله لجوانب الحياة، وتوازنه، ومرونته التشريعية، وآفاقه التعبدية، ومبادؤه، وقيمه الحضارية، وسُننيته في الجدل مع الواقع، والمنهج الفريد لسنة نبيه (صلى الله عليه وسلم)، وبُعدها الالتزامي، فضلاً عن حب المسلمين لرسولهم في حياته وبعد مماته، فيما لم تعرف عشر معشاره عقيدة من العقائد أو دين من الأديان.
وتبقى أعمال (محمد أسد) منجماً خصباً لكل من يسعى إلى الكشف عن معطياتها ودلالاتها بخصوص دين أُريد له، ابتداء، أن يبني الإنسان والجماعة، وأن يبشر بمشروع حضاري متميز، يتجاوز بقرآنه وسنة نبيه، عناصر السلب والنقص في جلّ المشاريع الحضارية التي شهدها التاريخ البشري ولا يزال.

http://www.eiiit.org/resources/eiiit/eiiit/eiiit_article_read.asp?articleID=899&catID=22&adad=65




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

قراءة في بعض كتابات المفكر النمساوي ليوبولد فايس (محمد أسد) Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28520
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى