شبكة واحة العلوم الثقافية
أسعدتنا زيارتك و أضاءت الدنيا بوجودك

أهلا بك فى شبكة واحة العلوم الثقافية

يسعدنا تواجدك معنا يدا بيد و قلبا بقلب

لنسبح معا فى سماء الإبداع

ننتظر دخولك الآن

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

شبكة واحة العلوم الثقافية
أسعدتنا زيارتك و أضاءت الدنيا بوجودك

أهلا بك فى شبكة واحة العلوم الثقافية

يسعدنا تواجدك معنا يدا بيد و قلبا بقلب

لنسبح معا فى سماء الإبداع

ننتظر دخولك الآن
شبكة واحة العلوم الثقافية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المنطق الأرسطي وشروط الاستقراء / يحيى محمد

اذهب الى الأسفل

 المنطق الأرسطي وشروط الاستقراء / يحيى محمد Empty المنطق الأرسطي وشروط الاستقراء / يحيى محمد

مُساهمة من طرف سامح عسكر الإثنين نوفمبر 21, 2011 7:51 pm

اعتقد المنطق الارسطي ان هناك استقراء ناقصاً يفيد اليقين، وقد اطلق عليه اسم (التجربة). وعلى عكسه هناك استقراء لا يفيد اليقين، اي انه لا يدخل ضمن التجربة حسب اصطلاح هذا المنطق. ولكي نحدد الاستقراء الذي يفيد اليقين وتمييزه عن غيره، لابد ان نستعرض قبل كل شيء الانماط والاعتبارات المختلفة للاستقراء الناقص عموماً، وذلك كالاتي:


1 ـ نمط الاستقراءات المثبتة للتعميم، كالاستقراء الذي يثبت ان كل حديد يتمدد بالحرارة، وان الشمس تشرق وتغرب دائماً. وعلى عكسه الاستقراءات المثبتة لحالة خاصة، كالذي يثبت مثلاً ان ضوء القمر مستفاد من الشمس، وان مصدر الارض هو الشمس، وان الله صانع هذا الكون، وان هذه الوردة بيضاء وذات عشر وريقات... الخ.


2 ـ نمط الاستقراءات المهتمة بالافراد التي تتشابه في الخصائص الاساسية، كما في المثال المتقدم حول تمدد الحديد بالحرارة، حيث ان افراد الحديد وكذا الحرارة، كلها تتشابه من حيث الخصائص الاساسية، اي انها متحدة في عنصر الماهية حسب الاصطلاح المنطقي. وعلى العكس من ذلك الاستقراءات التي تأخذ باعتبار الجوانب المختلفة في الماهية، كالذي يستقرئ التكاثر الجنسي لدى الحيوانات المختلفة، مثل القرد والحصان والفأر والسمك وما الى ذلك، وكالذي يستقرئ حركة الفك الاسفل عند المضغ لدى الحيوانات.


3 ـ نمط الاستقراءات التي تفيد اليقين او الاطمئنان المتاخم للعلم في نتائجها، كالاستقراء الذي يثبت ان الله تعالى هو صانع هذا الكون، وان الحديد المختبر يتمدد بالحرارة، وان زيداً من الناس سيموت، وان ذلك اليورانيوم سيتحول عبر الزمن الى رصاص، وما الى ذلك من نتائج استقرائية مؤكدة او شبه مؤكدة. وعلى خلاف ذلك هناك استقراءات لا تفيد اليقين ولا الاطمئنان، وبعضها قد ثبت بطلانها، مثل التعميم القائل بان كل غراب هو اسود، حيث انه لا يبعث على الاطمئنان، فربما نجد غراباً ابيض، وشبيه بذلك ما ظنه الاوروبيون طوال قرون عديدة من انه لا يوجد غير البجع الابيض، حتى اكتشفوا اخيراً البجع الاسود في استراليا. ومثل ذلك التعميم القائل بان كل حيوان يتكاثر جنسياً عند استقرائنا لظاهرة هذا التكاثر لدى عدد كبير من الحيوانات، حيث انه الاخر يعد من التعميم الخاطئ، فهناك طائفة من الحيوانات البدائية تتكاثر بطرق لا جنسية، مثل طريقة الانشطار وما اليها.


4 ـ نمط الاستقراءات ذات العلاقة السببية، كالمثال القائل بان غليان الماء ناتج بسبب الحرارة، وان سقوط الاشياء على الارض حاصل بسبب الجاذبية، وغير ذلك مما لا يحصى. وعلى عكسه الاستقراءات غير القائمة على السببية، كاستقراء تتابع الليل والنهار، واستقراء اقتران السواد بالغربان، ووجود العينين فوق الانف لدى الانسان، وما الى ذلك.


ويتفرع عن هذا النمط بعض الاصناف الهامة، من قبيل الاستقراءات التي تتعلق بتوليد ظاهرة معينة بطرق مختلفة. فمع ان الاسباب مختلفة، الا انها متكافئة من حيث القدرة على توليد الظاهرة. فمثلاً رغم انه بالامكان انتاج الحيوانات بطرق جنسية، فانه يمكن كذلك انتاجها باساليب الاستنساخ غير الجنسية.. وكما يمكن توليد الطاقة الحرارية بواسطة النار مثلاً، فانه يمكن توليدها عن طريق الاشعة الضوئية او التيارات الكهربائية او الاحتكاك او غير ذلك. كما يتفرع عن النمط السابق صنف الاستقراءات القائمة على اعتبارات التأثيرين الدوري والمتبادل. فمن امثلة التأثير الدوري علاقة الدجاجة بالبيضة، فالدجاجة تولد بيضة، والبيضة تنتج دجاجة، وكذلك علاقة الكهرباء بالضوء، حيث ان كلاً منهما يمكن ان ينتج الاخر. أما من امثلة التأثير المتبادل، فكما هو ملاحظ بالنسبة للعلاقة بين الانسان والمجتمع من جهة، وبين العامل الاقتصادي من جهة اخرى. فالاقتصاد يعتبر عاملاً من عوامل تغيير الانسان او المجتمع، ولكن هذا الاخير يعتبر بدوره عاملاً مهماً بالنسبة الى التأثير على الاقتصاد.. وبالتالي فانه يمكن ان تكون هناك حركة جدلية متفاعلة بين الطرفين.


5 ـ نمط الاستقراءات ذات العلاقات النسبوية، وذلك مثل ما عليه قانون دوركايم الاحصائي في الانتحار (الاناني)، حيث ينص على ان الانتحار يتناسب تناسباً عكسياً مع التماسك الاجتماعي، فكلما ازداد التماسك كلما قلّت نسبة الانتحار، والعكس بالعكس. ومثل ذلك ايضاً قانون علاقة الضغط بحجم الغاز، حيث ينص على ان حجم الغاز يتناسب تناسباً طردياً مع الضغط المسلط عليه عند ثبوت درجة الحرارة. فهذا النمط يستقرئ علاقات الاطراف من حيث نسبة بعضها الى البعض الاخر، سواء كانت هذه العلاقات تتضمن السببية او لا تتضمنها، وسواء كانت طردية او عكسية.


6 ـ نمط الا ستقراءات المتعلقة بالاشياء الثابتة الاطراد، كتتابع الليل والنهار، وشروق الشمس وغروبها، وتبدد الطاقة، وحركة الاشياء دائماً. وعلى عكسها الاستقراءات التي تتعلق بالاشياء المشروطة او غير المطردة، من قبيل غليان الماء المشروط بعدد من الظروف كدرجة الحرارة والضغط وما الى ذلك.


7 ـ نمط الاستقراءات المناسبة للتفسيرات القائمة على الافتراضات العلمية، كالافتراضات الخاصة بنظريات العلوم الطبيعية مثل الجاذبية والنسبية، والافتراضات المتعلقة بتفسير الظواهر الاجتماعية والتاريخية والسياسية وغيرها.


8 ـ نمط الاستقراءات الخاصة بالعلاقات الرياضية، وهي اما ان تعطي تعميمات صحيحة، او انها لا تقبل التعميم رغم ما تحظى به احياناً من تواتر في الحدود المتوالية. ومن مصادفات هذه الحالة الترتيب الرياضي التالي:


9 × 9 + 7 = 8 8


8 9 × 9 + 6 = 8 8 8


7 8 9 × 9 + 5 = 8 8 8 8


6 7 8 9 × 9 + 4 = 8 8 8 8 8


5 6 7 8 9 × 9 + 3 = 8 8 8 8 8 8


4 5 6 7 8 9 × 9 + 2 = 8 8 8 8 8 8 8


3 4 5 6 7 8 9 × 9 + 1 = 8 8 8 8 8 8 8 8




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

 المنطق الأرسطي وشروط الاستقراء / يحيى محمد Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28509
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

 المنطق الأرسطي وشروط الاستقراء / يحيى محمد Empty رد: المنطق الأرسطي وشروط الاستقراء / يحيى محمد

مُساهمة من طرف سامح عسكر الإثنين نوفمبر 21, 2011 7:52 pm

ومن امثلة هذه المصادفات ما يلاحظ في ثلاثية الحدود التالية:


(ن2 + ن + 1 4)، اذ التعويض في العامل (ن) بأي رقم كان من الواحد وحتى الاربعين يعطينا ناتجاً عدده اولي، اي صفته لا يقسم على عدد صحيح آخر، لكن عندما تبلغ (ن) حد الاربعين فان الناتج سوف لا يكون اولياً، ذلك انه يساوي (1 8 6 1)، وهو يقسم على العدد (1 4).


ومن الطريف ان الفيلسوف الرياضي لايبنتز كاد ان يصل الى تعميم احدى الحالات الرياضية؛ لولا انه استدرك الشذوذ بنفسه، حيث لاحظ في عدة حالات ان العلاقة التالية:


(نم-ن) تقبل القسمة على (م) حينما تكون (ن) عدداً صحيحاً، و(م) عدداً فردياً. فالعدد (ن3-ن) يقبل القسمة على (3), والعدد (ن5-ن) يقبل القسمة على (5), والعدد (ن7-ن) يقبل القسمة على (7). لكن هذا الاطراد يبطل مع العدد (ن9-ن)، اذ ان (92-2=0 1 5) لا تقبل القسمة على (9)، كما لاحظ ذلك الرياضي بنفسه.


وبمثل هذه الحالة ارتكب عالم الرياضيات السوفيتي جرافي خطأً من ذلك النوع، حيث افترض انه اذا كانت (ن) عدداً اولياً فان العدد (2ن-1-1) سوف لا يقبل على الدوام القسمة على (ن2)، وقد اكد التعويض المباشر صدق هذا الافتراض لجميع الاعداد الاولية الاقل من الالف، الا انه سرعان ما ثبت ان العدد (2 2 9 0 1 -1) يقبل القسمة على (3 9 0 1)2، وبه يبطل الافتراض السابق[i].






صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

 المنطق الأرسطي وشروط الاستقراء / يحيى محمد Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28509
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

 المنطق الأرسطي وشروط الاستقراء / يحيى محمد Empty رد: المنطق الأرسطي وشروط الاستقراء / يحيى محمد

مُساهمة من طرف سامح عسكر الإثنين نوفمبر 21, 2011 7:52 pm

الاستقراء الارسطي الصحيح


يمكن ان نتساءل: ماهي الاستقراءات التي اعتمد عليها المنطق الارسطي واعتبرها صحيحة ومنتجة لليقين؟


وكجواب عن هذا السؤال يمكن ان نحدد الشروط التي اشرطها هذا المنطق لحصر الاستقراءات الصحيحة المنتجة لليقين، وهي ثلاثة كالاتي:


اولاً: ان يكون الاستقراء قائماً على التشابه في الخصائص الاساسية للافراد والحالات المستقرأة. حيث ان المنطق الارسطي لم يعتبر الاستقراء القائم على الاختلاف في الخصائص الاساسية - او الماهية - صحيحاً. فمثلاً انه يُخطئ التعميم القائل (ان كل حوان يحرك فكه الاسفل)، فهذا التعميم ناتج بسبب مشاهدة عدد كبير من انواع الحيوانات التي تحرك فكها الاسفل عند المضغ، والخطأ فيه انه استقراء قائم على الانواع ذات الماهيات المختلفة وليس على افراد النوع الواحد، ومن الناحية المنطقية نجد هناك انواعاً من الحيوانات تخالف هذه الظاهرة، كما هو ملاحظ لدى التمساح حيث يحرك فكه الاعلى لا الاسفل[ii]. ومن هذا القبيل ايضاً حكمنا بان كل نبات يحترق بالنار، اذ لعل بعضه لا يحترق بها[iii]. وربما على هذه الشاكلة لا يصح تعميم الحكم القائل: (كل حجر يرسب في الماء)، حيث عدّه الفارابي غير مفيد لليقين[iv].


ثانياً: ان ينشأ الاستقراء وفقاً لملاحظة الظروف. فالمنطق الارسطي يُخطئ التعميم والحكم الكلي الذين لا يأخذان باعتبار وحدة الظروف التي تتم فيها العملية الاستقرائية او ما يطلق عليها التجربة. فمثلاً اذا اتضح لك بالاستقراء ان في هذا البلد يولد ناس سود دائماً، لا يحق لك ان تعمم هذه الظاهرة على كل بلد. وهناك قاعدة عامة ذكرها ابن سينا تفيد هذا المعنى، حيث يقول: ان التجربة ليست (تفيد علماً كلياً قياسياً مطلقاً، بل كلياً بشرط، وهو ان هذا الشيء الذي تكرر على الحس تلزم طباعه في الناحية التي تكرر الحس بها امراً دائماً)[v]. وهذه القاعدة تكشف عن كون الاستقراء لا يفيد حكماً صحيحاً ما لم ينشأ تبعاً لاعتبار الظروف المحددة نسبياً.


ثالثاً: ان يكون الاستقراء متضمناً لحالة السببية، فما لم يحصل بها علم لما كان يمكن له ان يصلح في انتاج الحكم او التعميم الصحيح. فمثلاً لا يصح تعميم السواد على كل غراب لمجرد مشاهدة عدد قليل من الغربان السود، وذلك لانه ليس من المعلوم ان تكون هناك علاقة سببية تربط السواد بالغراب. ولهذا اكد المنطق الارسطي بانه لكي يمكن اجراء حالة التعميم الصحيح في هذا المثال لابد من معرفة السبب، كإن يعرف ان للغراب مزاجاً ذاتياً من شأنه احداث صفة السواد على الريش[vi].


على ان المنطق الارسطي يكتفي في تصحيح الاستقراء ان تكون معرفة السببية على سبيل الاجمال. اذ لو حددت ماهية السببية لكانت القضية عنده لا تنعقد تحت عنوان (المجربات)، وانما تدخل ضمن عنوان آخر يطلق عليه (الحدسيات). أما كيف تعرف السببية، فسنعرف ان هذا يتم عن طريق المبدأ القائل: ان الاتفاق لا يتكرر أكثرياً ولا دائمياً.


ويلاحظ ان المنطق الارسطي يعد ان ما يدخل ضمن عنوان الاستقراء او التجربة العمليات التي تفضي الى حالة اي من التعميم والحكم الكلي، وما عدا ذلك لا يدخل ضمن العنوان المشار اليه. فمثلاً انه لا يجعل إثبات الحالة الخاصة ضمن الاستقراء او التجربة، وذلك باعتبار ان النتيجة فيها لا تنطوي على أيّ تعميم او حكم كلي، وانما تتضمن حالة خاصة فقط. ولا يعني ذلك انه ينكر الاستدلال على الحالات الخاصة، فعلى العكس انه يعتبر الاستدلال عليها مما يقع ضمن عنوان الحدسيات او المتواترات، وقد تكون الحالة الخاصة ليس مستدلاً عليها، كما في الحسيات. وعنده ان أقرب مبدأ للاستقراء او التجربة هو مبدأ الحدسيات، إذ يعتبره يجري مجرى التجربة وإن كان ليس منها. وكما يقول ابن سينا: (وما يجري مجرى المجربات الحدسيات، وهي قضايا مبدأ الحكم بها حدس من النفس قوي جداً فزال معه الشك، وأذعن له الذهن... مثل قضائنا بان نور القمر من نور الشمس لهيئات تشكل النور فيه، وفيها ايضاً قوة قياسية وهي شديدة المناسبة للمجربات)[vii].


فالفرق بينهما لدى المنطق الارسطي هو انه في المجربات يعرف وجود السببية في علاقات الاشياء، ولكن لا تعرف بالضبط ماهية هذه السببية. فمثلاً ان مشاهدة سقوط المواد على الارض يجعلنا نعرف ان هناك سببية ما هي التي ادت الى مثل هذا السقوط، ولكن معرفة ماهية هذه السببية وطبيعتها تعتبر مجهولة لدينا، اذا ما اقتصرنا على ملاحظة ظاهرة السقوط فقط. بينما في الحدسيات تعرف السببية وماهيتها معاً. ففي مثال نور القمر ندرك وجود السببية بينه وبين غيره، كما تعرف ماهية هذا السبب، حيث حددت بنور الشمس دون غيره.


كما ان هناك فرقاً آخر، وهو انه في المجربات تكون الملاحظة سارية على سلسلة واحدة من العلاقات المطردة او المشروطة، حتى يمكن ان يحصل التعميم من خلال ملاحظتها بالذات. بينما في الحدسيات ان الملاحظة - او الاختبار - تجري على سلاسل مختلفة لها علاقة بامر واحد يراد اثباته بطريقة تلك الملاحظات المؤدية اليه. فمثلاً يمكن الاستدلال على ان الارض منبثقة من الشمس، وذلك من خلال اثبات عدة امور مختلفة، كمعرفة ان عمق الارض وباطنها ساخن جداً، وان هناك اشتراكاً بين الارض والشمس في العناصر ونسب وجودها، وان حركة الارض حول نفسها تدور بنفس اتجاه حركة الشمس حول نفسها، اي من الغرب الى الشرق، وغير ذلك من المؤشرات التي تتناسب مع افتراض كون الارض ناشئة من الشمس. وهذا التفريق يناسب ويطابق ما ذكره الشيخ الطوسي في شرحه لكتاب (الاشارات والتنبيهات)، حيث يقول: (ولما كان السبب غير معلوم في المجربات الا من جهة السببية فقط؛ كان القياس المقارن لجميع المجربات قياساً واحداً، والمقارن للحدسيات لا يكون كذلك فانه اقيسة مختلفة حسب اختلاف العلل في ماهياتها)[viii].


واستناداً الى ما علمنا من الافادات الارسطية السابقة، فانه يمكن ان تحصل حالة التعميم في الحدسيات. بل ويمكن ان يتحول الحكم وينتقل مما هو ضمن المجربات الى الحدسيات. فمثلاً قد نعلم ان الحديد يتمدد حين نقربه من الحرارة، نتيجة عدة اختبارات كشفت لنا ذلك، فنستنتج حكماً استقرائياً يقع ضمن المجربات، وهو ان كل حديد يتمدد حين يقترب من الحرارة. لكن لنفترض اننا استطعنا ان نعرف - فيما بعد - هوية السبب في تمدد الحديد، كإن يكون متمثلاً بذات الحرارة، ففي هذه الحالة يصبح الحكم ضمن الحدسيات لا المجربات، حيث انه ينطوي على العلم بماهية السبب، فيصح القول: ان تمدد الحديد كان بسبب الحرارة ذاتها، وهذا الحكم قابل للتعميم والكلية، اذ يمكن ان نقول: ان الحرارة هي سبب تمدد كل حديد.


وبطبيعة الحال، ان هذا الفرق والتحويل يثير اشكالاً ضد المنطق الارسطي، اذ بنظره ان الحكم في المجربات والحكم في الحدسيات هما من الاحكام العقلية الثابتة، في حين لاحظنا حصول التغير والتحويل من الحكم الاول الى الحكم الثاني في مثالنا السابق، حتى يمكن القول ان الحكم الاول ليس بمستوى الدقة التي يحظى بها الحكم الثاني. لذا كيف يمكن للمنطق الارسطي ان يبرر التحول في مستوى الدقة للحكمين السابقين، مع انهما يعتبران لديه من القضايا العقلية الثابتة؟!


لكن علينا ان نعترف بان هناك اذواقاً اخرى للتفريق بين التجربي والحدسي قد تكون من فعل متأخري المناطقة، وهي ليست شائعة كالذي ذكرناه. فاضافة الى ان بعض الناس من المنطقيين لا يفرق بينهما ويضعهما معاً ضمن التجربي، فان هناك من يفرق بينهما، حيث اذا كان ضمن تجربة الانسان وفعله كأكله وشربه وتناوله للدواء فانه يسمى تجربياً، واما اذا كان خارجاً عن قدرته كتغير اشكال القمر مثلاً فانه يسمى حدسياً[ix]. بل وهناك من يعتبر الحدسيات ليست من القطعيات - كالاوليات والتجربيات والمتواترات - وانما من الظنيات، كما جاء في شرح العضدي للمختصر الحاجبي[x].


على اي حال اتضح ان هناك شروطاً ثلاثة لانتاج الاستقراء الارسطي الصحيح (التجربة)، هي باختصار:


1 . التشابه في الخصائص الأساسية للحالات او الافراد المستقرأة.


2 . وحدة الظروف او تماثلها.


3 . معرفة السببية.




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

 المنطق الأرسطي وشروط الاستقراء / يحيى محمد Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28509
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

 المنطق الأرسطي وشروط الاستقراء / يحيى محمد Empty رد: المنطق الأرسطي وشروط الاستقراء / يحيى محمد

مُساهمة من طرف سامح عسكر الإثنين نوفمبر 21, 2011 7:52 pm

هل يقبل التعميم الارسطي الشذوذ؟


نعلم ان من التعميمات ما قد لا نحتمل فيها الشذوذ ضمن الظروف الاعتيادية، كإن نقول: كل حديد الارض يتمدد بالحرارة. وعلى خلافها هناك تعميمات نحتمل فيها الشذوذ، كقولنا: كل انسان له عينان، حيث حتى لو صح هذا الحكم لجميع افراد العالم فانه قد يقوى في النفس ان يشذ عنه بعض الافراد من الاجيال التالية، لاسباب عرضية مجهولة الحدوث عندنا. لكن ما هو موقف المنطق الارسطي من مسألة الشذوذ، فهل يعتبر التجربة تقبل مثل هذا الشذوذ ام لا؟


لا شك ان المنطق الارسطي يعتقد بجواز حدوث الشذوذ، في الوقت الذي يعده لا يدل على خطأ التجربة او خطأ يقينها، وذلك عند توفر شروطها الخاصة، بل يدل على عروض مانع قاوم حصول الاثر بعد وجود المؤثر. فمثلاً انه لما تم التحقق بان نبات السقمونيا يسهل الصفراء[xi]، فان بالامكان التيقن بكلية هذا الحكم في ظل الظروف التي نشأ فيها الاستقراء. لكن هذا لا يمنع من ان يوجد هناك سبب عارض يحيل دون وقوع الاسهال بعد وجود السقمونيا. فذلك الشذوذ لا يبطل كون السقمونيا من شأنه اسهال الصفراء، سواء كان هذا النبات عبارة عن السبب الذاتي للاسهال، او انه مقارن في طبعه لهذا السبب[xii]. ففي كلا الحالين يمكن القول ان من شأن السقمونيا إحداث الاسهال، حتى لو لم يحدث ذلك احياناً بسبب بعض الموانع العارضة. وكما يقول الشاطبي هو أن الأمر الكلي المستنتج بالاستقراء لا يعارض بالجزئيات الشاذة، حيث يظل الكلي صحيحاً ثابتاً[xiii].


وكل ما يشرطه المنطق الارسطي بهذا الصدد هو وحدة الظروف العامة التي عليها يصدق حكم التجربة الكلي. أما مع عدم حصول هذا الشرط فان ذلك لا يحقق صدق التجربة، وفي مثالنا السابق انه لو لم يتحقق ذات الظرف او مثيله الذي نشأ فيه لحاظ كون السقمونيا يسهل الصفراء، فان ذلك لا يبرر هذا الحكم في ظروف اخرى مختلفة. اذ قد يقترن هذا النبات مع ما يمنع من وقوع الاسهال في الظروف الاخرى على الاكثرية او الدوام. وكما يقول ابن سينا: (يجب ان يكون الحكم التجربي عندنا هو ان السقمونيا المتعارف عندنا، المحسوس، هو لذاته او طبع فيه يسهل الصفراء الا أن يقاوم بمانع)[xiv].




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

 المنطق الأرسطي وشروط الاستقراء / يحيى محمد Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28509
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

 المنطق الأرسطي وشروط الاستقراء / يحيى محمد Empty رد: المنطق الأرسطي وشروط الاستقراء / يحيى محمد

مُساهمة من طرف سامح عسكر الإثنين نوفمبر 21, 2011 7:53 pm

أساس قيام الاستقراء الارسطي


ذكرنا فيما مضى ان من الشروط الاساسية لقيام الاستقراء الصحيح عند المنطق الارسطي، معرفة السببية، فما لم تعرف فانه لا يمكن تصحيح الاستقراء. وهنا يمكن ان نتسائل عن كيفية معرفة السببية، فهل هناك قاعدة ثابتة لهذا الامر؟


لقد اعتبر المنطق الارسطي ان اكتشاف السببية ناتج عن المبدأ العقلي القائل بعدم تكرر الصدفة اكثرياً ودائمياً. فاي استقراء يبدي لنا استمرار الاقتران بين امرين لابد ان يكون كاشفاً عن وجود علاقة السببية، ومنه جاز تعميم هذه العلاقة ضمن ظروفها الخاصة. وكما يقول ابن سينا: (ان هذا الشيء الذي تكرر على الحس تلزم طباعه في الناحية التي تكرر الحس بها أمراً دائماً، الا أن يكون مانع فيكون كلياً بهذا الشرط لا كلياً مطلقاً، فانه اذا حصل امر يحتاج لا محالة الى سبب ثم تكرر مع حدوث امر (آخر)، علم أن سبباً قد تكرر. فلا يخلو إما أن يكون ذلك الامر هو السبب او المقترن بالسبب، او لا يكون سبب. فان لم يكن هو السبب او المقترن بالطبع بالسبب لم يكن حدوث الامر مع حصوله في الاكثر، بل لا محالة يجب ان يعلم انه السبب او المقارن بالطبع للسبب. واعلم ان التجربة ليست تفيد الا في الحوادث التي على هذا السبيل والى هذا الحد). فمثلاً ان ولادة السود في السودان من اخرين سود؛ دال على التجربة او الاستقراء المفيد للعلم، وذلك ضمن بلد السودان لا غير[xv].


فالفارق بين الاستقراء الناقص الذي لا يفيد العلم واليقين، وبين التجربة المفيدة لهما، يتحدد بدور ما يلاحظ من كثرة الاقترانات بين الظواهر او قلتها. فلو ادركنا هذه الكثرة في الاقتران بين ظاهرتين لصح لنا ان نتأكد من وجود التجربة بينهما، ونعتبر ان هناك سببية ما تربطهما، تبعاً لمبدأ عدم تكرر الصدفة اكثرياً ودائمياً. اما لو كان الاقتران قليلاً ولمرات محدودة لما جاز لنا تصحيح مثل هذا الاستقراء، طالما ان من الممكن ان يكون الاقتران صدفة يجوز تكررها قليلاً[xvi]. وقد اعتبر ارسطو ان البرهان في التجربة يحصل في حالتين: احداهما ان تكون مقدمات القياس البرهاني ضرورية، فتكون النتيجة ضرورية ايضاً. كما قد تكون المقدمات اكثرية، فتكون النتيجة مثلها. لكن كل ما يكون بالاتفاق والصدفة فهو ليس اكثرياً ولا ضرورياً، وبالتالي فانه لا يكون موضعاً للاستدلال والبرهان[xvii]، وهو ما يصدق على الاستقراء الناقص الذي لا يفيد علماً وتجربة.




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

 المنطق الأرسطي وشروط الاستقراء / يحيى محمد Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28509
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

 المنطق الأرسطي وشروط الاستقراء / يحيى محمد Empty رد: المنطق الأرسطي وشروط الاستقراء / يحيى محمد

مُساهمة من طرف سامح عسكر الإثنين نوفمبر 21, 2011 7:53 pm

مطابقة واعتراض


بالرغم من ان الفارابي قد ذكر بان الكثير من الناس يبدلون اسم التجربة بالاستقراء، والاستقراء بالتجربة، واعتبر ذلك ليس مهماً في جريان العبارة[xviii]، الا ان التمايز الحاصل بينهما طبقاً لاشارات المنطق الارسطي هو ان التجربة لا تسمى استقراء الا عندما يفيد العلم واليقين، اي ان هناك استقراء ناقصاً لا يفيد اليقين، كما هناك تجربة تتضمن الاستقراء المفيد لليقين. وهو المعنى الذي توصل اليه المفكر الصدر كتحليل لمبنى المنطق الارسطي، لذلك فقد اعترض على شارح المنظومة الذي فهم مصصلح (التجربة) التي تفيد اليقين انها تعني كون الظاهرة تتضمن التأثر والتأثير - اي الفعل والانفعال -، على عكس الاستقراء الذي لا يفيد اليقين، وكما يقول: (بان التجربيات لا يقال الا في التأثير والتأثر، فلا يقال جربت ان هذا الفأر اسود مثلاً، بل يقال جربت ان النار محرقة وان السقمونيا مسهل)[xix].


وقد فُهم هذا النص بانه يعني حصر مجال (التجربة) بحدود تدخل الانسان ومباشرته في صنع الظاهرة المستقرأة، وذلك في قبال الظواهر الناجزة في الطبيعة[xx]. ومع ان هناك من سلك هذا المسلك، الا ان النص السابق لا يدل عليه، حتى ان البعض قد نقد ذلك المسلك في الوقت الذى سلّم بكون التجربة لا تصدق الا في دائرة التأثر والتأثير[xxi]، وهي اعم من الحالة الاولى التي مفهومها يناسب - الى حد ما - المعنى الحديث للتجربة.


مهما يكن ان التجربة عند اقطاب المنطق الارسطي تتحقق بشرط واحد هو ملاحظة الاقتران الكثير او الدائم بين ظاهرتين معاً، سواء كان ذلك عن طريق تجريب الانسان وتدخله بذاته، او كان نتيجة التأثر والتأثير بين الظاهرتين، او بدون ذلك. فمثلاً في ظاهرة اقتران الغربان بالسواد، نلاحظ انها من الظواهر الناجزة التي لا تدخل ضمن عنوان الانفعال وتجريب الانسان، ومع ذلك فلو لوحظ ان هذا الاقتران اغلبي، لصحت التجربة لدى هؤلاء الاقطاب وعلى رأسهم ابن سينا.


نعم، هناك نص لابن سينا قد يوهم بان التجربة لا تكون الا تبعاً لكشف الانسان وتأثيره، اذ يقول: (فإنا انما نقول كل غراب اسود بوجه من الاستقراء والتجربة، وانما يمكننا ان نتيقن بذلك اذا عرفنا ان للغراب مزاجاً ذاتياً من شأنه ان يسود دائماً ما يظهر عليه من الريش. فبيّن ان الشيء او الحال اذا كان له سبب لم يتيقن الا من سببه)[xxii].


ويفيد هذا النص ان معرفة الظواهر لا تكون الا من خلال معرفة السببية؛ كإن يتم فحص تركيب الغراب والكشف عن العلاقة اللزومية بين سواده وبين مزاجه الذاتي. وهو لا ينفي الطريق الاخر للتجربة الذي يتم عبر المشاهدة الحسية الكثيرة والتي من شأنها الكشف عن الاقتران اللزومي بين السواد والغراب بشكل مجمل. فكلا الطريقين يؤديان الى نفس النتيجة من العلم الكلي. اما لماذا ذكر الطريقة الاولى في النص السابق دون الثانية؟ فذلك يعود الى ان مناسبة الحديث ليست بصدد التجربة والاستقراء، وانما بصدد شيء اعم له علاقة بالمعرفة اليقينة بالقضايا المنطوية على العلاقات السببية عموماً. فابن سينا اراد من ذكره للمثال السابق ان يبين بان التوصل الى اليقين لا يأتي الا من خلال معرفة علاقة السببية، فمثّل لذلك بظاهرة قابلة للاختبار والفحص من قبل الانسان، وهي لا تدل على حصر طريقة التجربة بهذا النوع من الكشف المنطوي على تأثير الانسان.


فالفرق بين الطريقة الاولى (الاختبارية) والثانية (الحسية)، هو ان الاولى بامكانها ان تحدد لنا حدود العلاقة السببية بشكل اقرب مما تفعله الطريقة الثانية. فبحسب الطريقة الثانية (الحسية) لا يمكننا الا ان نقول بان كل غراب من شأنه السواد، ولكن من غير ان ندعي بان السواد له علاقة بالمزاج او الغدد او الدم او غير ذلك، باعتبارنا لم نستكشف الامر عن طريق الفحص، بل كل ما اجريناه هو مشاهدة عدد كبير من الغربان السود، فاخضعناها الى مبدأ عدم تكرر الصدفة اكثرياً ودائمياً، ثم استنتجنا من ذلك بان للغراب ريشاً اسود، دون ان نتمكن من تحديد ارتباط السواد بوظائف الاعضاء الداخلية له. في حين انه بحسب الطريقة الاولى (الاختبارية) نتمكن من ان نحدد ارتباط السواد بغيره، حيث يمكن ان نكتشف بان للسواد علاقة سببية بالمزاج مثلاً. مع هذا ففي كلا الحالتين تصدق التجربة والحكم الكلي تبعاً للمبدأ الارسطي الانف الذكر.


هكذا يتضح ان اقطاب المنطق الارسطي لم يفرقوا في الاستقراء المفيد لليقين بين الاعتماد على طريقة المشاهدة والملاحظة، وبين الاعتماد على اسلوب الاختبار والفحص، الذي يسمى حديثاً (التجربة)، وذلك اذا ما استثنينا بعض الاتجاهات الشاذة التي عدّت التجربة هي كل ما يكون تحت قدرة الانسان وتصرفه، كالذي مرّ علينا في السابق. ومن ثم فان الاصطلاح الحديث لـ (التجربة) يختلف كثيراً عن الاصطلاح القديم لها - باستثناء ما ذكرنا -، مثلما اشار الى ذلك المفكر الصدر[xxiii]. وعليه فان هناك جملة من الامثلة للقضايا غير الاختبارية وضعها المنطق الارسطي ضمن عنوان (التجربة) المفيدة لليقين، فمثلاً على ذلك ما ذكرناه سابقاً حول ولادة الناس السود في السودان، فهذه الظاهرة موضوعة ضمن المجربات مع انها لم تخضع للاختبار والفحص، وانما هي من المشاهدات المحسوسة. وايضاً الظاهرة التي تنص: ان الشمس تشرق وتغرب[xxiv]، حيث اعتبرها الشيخ الرئيس من المجربات مع انها لا تخضع للاختبار سوى الملاحظة الحسية.




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

 المنطق الأرسطي وشروط الاستقراء / يحيى محمد Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28509
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

 المنطق الأرسطي وشروط الاستقراء / يحيى محمد Empty رد: المنطق الأرسطي وشروط الاستقراء / يحيى محمد

مُساهمة من طرف سامح عسكر الإثنين نوفمبر 21, 2011 7:54 pm

نقد المنطق الارسطي


هناك شكلان من النقد للمنطق الارسطي في الاستقراء، احدهما يتعلق بكفاءة هذا المنطق ودقته في الكشف عن الواقع الموضوعي وقوانينه وعلاقاته، وذلك من خلال شروطه ومبادئه المفترضة. والأخر يتعلق بقيمة هذه المبادىء ومؤهلاتها لبناء الاستقراء منطقياً، وسنقتصر في النقد هنا على الشكل الاول فقط.


قبل كل شيء نفترض أن ما يدخل ضمن عنوان المجربات عند المنطق الأرسطي كل ما يعتمد على مبدأ عدم تكرر الصدفة أكثرياً ودائمياً كالحدسيات والمتواترات من غير فصل. كما نتجاوز نقد هذا المنطق بصدد إثبات قضايا المحسوسات الجزئية التي اعتبرها من الاوليات اليقينة، مع أنها في الحقيقة تدخل ضمن الاستدلالات الاستقرائية..


ويتألف نقدنا من عشر نقاط، وهي لا تنظر بعين الاعتبار التبريرات الارسطية حتى وإن كانت مقبولة، ولا تناقش مسألة اليقين والتعميم من الناحية المنطقية، بل يكفيها أخذ إعتبار الدقة في فاعلية المنهج المطروح. والنقاط العشر من النقد هي كالاتي:


اولاً:


ان المشاهدات الحسية لا تكفي وحدها لتحديد العلاقات السببية بدقة. فمثلاً عندما نشاهد اقتراناً أكثرياً للعلاقة بين ظاهرة الصعود على الجبال وحالة نزف الدم من بعض فتحات الجسم المعروفة؛ فان ذلك لا يعطينا نتيجة دقيقة تبعاً للمبدأ الارسطي في عدم تكرر الصدفة اكثرياً ودائمياً. فكل ما يمكن ان يخبرنا هذا الاقتران هو وجود علاقة سببية بين الظاهرتين. فبالرغم من ان الصعود على الجبال يمثل احدى وسائط حدوث النزف، لكنه على اي حال لا يمثل حقيقة السبب، وإن اقترن به.


كذلك عندما نشاهد ظاهرتين مقترنتين معاً بصورة دائمة، فانه قد يتعذر علينا ان نعرف اياً منهما سبباً في وجود الاخر. فمثلاً ان الاقتران الدائم بين العفونة والجراثيم يجعل المشاهدة عاجزة عن ان تحدد من هو السبب في وجود الاخر. لهذا شهد القرن التاسع عشر جدلاً عنيفاً بين المعتقدين بأن العفونة هي سبب تولّد الجراثيم، وبين القائلين عكس ذلك، ولم يحسم الموقف الا من خلال التجارب الدقيقة التي قام بها باستير وامثاله من العلماء.


اضافة الى ذلك، قد يحصل ان الظاهرة الواحدة ربما يتم انتاجها من خلال عدة عوامل، بعضها تدل عليه المشاهدة الحسية، وبعضها الاخر لا يعرف الا بالتجارب الدقيقة، وبالتالي لو اننا اكتفينا بالاسباب المشاهدة حسياً، فسنكون قد فسّرنا الظاهرة تفسيراً ناقصاً غير دقيق. فمثلاً عندما نشاهد الماء يغلي في درجة حرارية قدرها (..1 م)؛ قد نتصور ان غليان الماء في هذه الدرجة كان بسبب الحرارة فحسب، اذ لم نشاهد اي عامل اخر غيرها في حدوث الظاهرة. في حين ان الاختبارات الدقيقة تكشف لنا بان هناك عاملاً آخر غير محسوس يتمثل بالضغط الجوي، فلو تغيرت درجة هذا الضغط لأدى ذلك الى تغيير درجة الغليان. وفي هذه الحالة يصبح التعميم القائل بأن كل ماء يغلي في درجة (..1 م)؛ تعميماً غير دقيق؛ ما لم يؤخذ باعتبار درجة ذلك الضغط.


ثانياً:


في كثير من الاحيان يكون التعميم القائم على المشاهدة خالياً من الدقة، وذلك لحدوث حالات الشذوذ بين الحوادث المتكررة. فمثلاً كم هناك فرق بين ان نقول: كل غراب أسود؛ تبعاً للحاظ عدد كبير من الغربان السود، وان نقول: كل حديد يتمدد بالحرارة؛ استناداً الى عدد من الاختبارات التي كشفت حقيقة هذا التمدد؟ ذلك اننا عادة ما نتوقع الشذوذ في المثال الاول دون الثاني. في حين لا يوجد فرق موضوعي لدى المنطق الارسطي بين الحالتين، وإن كان له تفرقة قائمة على الاعتبارات الذاتية، كما يبدو مما ذكره الشيخ الطوسي، حيث يقول: (ان التجربة قد تكون كلياً وذلك عندما يكون تكرر الوقوع بحيث لا يعتبر معه تجويز اللا وقوع. وقد يكون حكم واحد مجرباً كلياً عند شخص وأكثرياً عند آخر، وغير مجرب أصلاً عند ثالث)[xxv].


ثالثاً:


يفترض المنطق الارسطي ان تكون الظروف التي لوحظ فيها الاقتران هي نفسها كي يمكن تحديد دائرة التجربة والتعميم. لكن هذا الافتراض قد يواجه مشكلة تتعلق بعدم الدقة في تحديد دائرة الظروف التي نشأت فيها التجربة والاستقراء. فهناك ظروف تطالها التغيرات دون ان نشعر بها، كما هناك ظروف غير محسوسة لها تأثير حاسم على صحة العملية الاستقرائية. فمثلاً قد نعتبر الحكم القائل بتوقف حياة كل حيوان على ظرف الهواء هو من التجربة الصحيحة، ولنفترض اننا قصدنا بظرف الهواء هو هذا الذي نتحسس به، ففي هذه الحالة لو ان احد عناصر الهواء الاساسية في الحياة - كالاوكسجين مثلاً - اصبح مفقوداً؛ لكان حكم التجربة السابق غير صحيح، رغم وجود الهواء المحسوس الذي يوهم بأنه نفس الظرف السابق.


ولا شك ان هذا الخطأ والاشكال لم يغب عن ذهن ابن سينا الذي ذكر يقول: (ان التجربة كثيراً ما تغلط أيضاً اذا أخذنا ما بالعرض مكان ما بالذات فتوقع ظناً ليس يقيناً. وانما يوقع اليقين منها ما اتفق إن كان تجربة فيها الشيء المجرب عليه بذاته. فأما اذا أُخذ غيره مما هو أعم منه او أخص، فان التجربة لا تفيد اليقين)[xxvi]. وبذلك فرغم ان ابن سينا قد قيّد التجربة بعدد من الشروط المتعلقة بوحدة الظرف، الا انه يجيز الخطأ، كما يجيز الشذوذ بسبب بعض العوامل الطارئة التي تمنع من حدوث النتيجة عند وجود السبب.


رابعاً:


لقد حصر المنطق الارسطي امكان صدق التجربة في الحدود الظرفية التي ينشأ فيها الاستقراء دون ان يتعدى ذلك الى الظروف الاخرى. في حين هناك استقراءات صحيحة بامكانها ان تتجاوز الوحدة الظرفية. فمثلاً ان استقراءنا للاختلاف الحاصل في وجهات النظر بين الناس في شتى المجالات الفكرية يبرر لنا تعميم ذلك على مختلف الحضارات القديمة والحديثة، وذلك لاسباب تعود الى وجود عوامل كثيرة تقوي من احتمالات الاختلاف والتباين مقارنة بتماثل الاراء.


خامساً:


ان استنتاج السببية من الاقتران الكثير وتعميمها يفترض كونها لا تتغير في ظل وحدة الظروف، اذ لو تغيرت لبطلت التجربة والتعميم. وحيث ان من الممكن ان تتغير السببية الخاصة بفعل عوامل مؤثرة، وحيث ان هذه العوامل تمثل اسباباً اخرى قابلة لان تتأثر بغيرها من الاسباب، لذا فكل ذلك يكشف عن الطابع غير الحتمي للسببية، ومن ثم بطلان حكم التجربة والتعميم. فمثلاً يمكن بحسب المنطق الارسطي ان نعمم قضية ولادة السود في السودان بفعل الاقتران الدائم في هذه الولادة. لكن السؤال المطروح هو: ما المانع من ان تتدخل عوامل من شأنها تغيير طبيعة المادة الوراثية وإحداث الطفرات فيها؟ الامر الذي يؤدي الى ايجاد أجيال مطردة من البيض في السودان لعدد من الناس، ومن ثم تصبح التجربة والتعميم خاطئين.


سادساً:


لابد من التفريق بين نوعين من الاستقراءات. فهناك نوع يلاحظ فيه جانب السببية بين ظاهرتين مقترنتين معاً، مثل قولنا: إن تمدد الحديد يحصل بسبب الحرارة. كما هناك نوع اخر لا ينظر فيه الى السببية، بل تقرر فيه الحقائق الثابتة الاطراد، مثل قولنا: ان المادة آخذة في التحول نحو الطاقة، وان الطاقة تنتقل من المستويات العالية لها الى المستويات المنخفضة، وان العادة الانسانية تميل الى التطورين الكمي والكيفي في السلوك، وان الانتحار يتناسب عكسياً مع التماسك الاجتماعي، وان الشمس تشرق وتغرب، وان السمك يعيش في الماء، وان اغلب الناس جاهلون، وما الى ذلك مما لا يحصى.


ويلاحظ في النوع الاول انه ينطوي على العلم بالسببية في العلاقة الاستقرائية، في حين لا يتضمن النوع الثاني هذا المعنى. وتبعاً لهذا التمييز يمكن ايضاح كيف تتدرج المعرفة الانسانية، حيث تبتدئ اولاً بادراك النوع الثاني من الاستقراء، ثم يتحول الامر الى ادراك النوع الاول منه. وعادة ما تتركب العلاقة التكاملية بينهما وفق تأسيس النوع الثاني على الاول. فمثلاً ان الدراسات الاجتماعية تبتدئ أولاً بعملية المسح الاحصائي لدراسة انماط السلوك الفردي والاجتماعي، وذلك قبل ان تشرع في البحث عن الاسباب والدوافع التي لها علاقة بهذه الانماط. وهذا يعني ان العلاقة بين الامرين هي علاقة تتحدد بمستوى الدقة والسعة، حيث ان النوع الاول ادق واوسع من الثاني.


وعليه رغم ان للمنطق الارسطي تمييزاً للعمليات الاستقرائية يشابه ما ذكرناه سلفاً، كتمييزه بين التجريبيات والحدسيات، لكنه - على ما يبدو - لا يميز بينهما من حيث الدقة والسعة المعرفية وطبيعة ما يمكن ان ينشأ بينهما من العلاقة التراكبية، وبالتالي لا يعير لهذه المعرفة من اهمية، خاصة وانه يعدهما من القضايا العقلية.


سابعاً:


في كثير من الاحيان، تتركب القوانين الاستقرائية فيما بينها حتى تؤلف قانوناً عاماً وشاملاً يتجاوز مرحلة الظروف المقترنة باكتشاف القوانين الجزئية؛ كل على حدة، كالذي يوضحه قانون الانتحار الاناني لعالم الاجتماع الفرنسي دوركايم، حيث درس جملة من الظروف المختلفة التي لها علاقة بظاهرة الانتحار، فتوصل الى ان نسبته في المدن تزداد عما عليه في القرى، كما تزداد عند العزاب أكثر من المتزوجين، وعند المتزوجين اكثر ممن لهم اطفال، ولدى هؤلاء اكثر ممن لهم عدد اكبر من الاطفال والعيال. كما تزداد نسبته لدى المنتسبين للمذهب البروتستانتي أكثر من المنتسبين الى المذهب الكاثوليكي، ويزداد أقصى حدّ للانتحار عند من يسمون بالاحرار، في حين إن أقل نسبة لهذه الظاهرة هي لدى اليهود.


فهنا لدينا مجموعة من الدراسات ذات الظروف المختلفة، وكل دراسة تفضي الى قانون استقرائي، ومجموعها يؤلف مجموعة القوانين الاستقرائية، ومنها تم استنتاج القانون العام الذي يضمها جميعاً، والذي يؤكد بان الانتحار يتناسب تناسباً عكسياً مع التماسك الاجتماعي. وواضح ان هذا القانون ليس فيه أثر للظروف التي تمت فيها القوانين المختلفة السابقة. مما يعني انه لا يخضع للشرط الخاص بمراعاة الوحدة الظرفية كما فرضها المنطق الارسطي لاجل انتاج الاستقراء الصحيح.


كما ان عنصر التركيب في قانون الانتحار لا يخضع للمتطلبات التي الزمنا بها هذا المنطق. ذلك انه اذا كان من الممكن الاستفادة من المنطق الارسطي في تطبيق مبدأ (عدم تكرر الصدفة اكثرياً ودائمياً) على العلاقة الخاصة بين ظاهرة الانتحار والمدينة مثلاً، او بين هذه الظاهرة واي ظرف اخر، فانه من الصعب تطبيق ذلك على العلاقة بين الانتحار والتماسك الاجتماعي، وذلك باعتبار ان هذا التماسك ليس ملحوظاً في الاستقراءات او النسب الاحصائية المختلفة الانفة الذكر.


ولو قيل ان النتيجة في القانون الاخير يمكن استخلاصها عبر مبدأ الحدس وفقاً للمفهوم الارسطي، لقلنا انه يشترط في الحدس - حسب هذا المفهوم - معرفة ماهية السببية، وليس في القانون السابق اي اشارة تدل على هذه الماهية. فعدم التماسك في حد ذاته لا يؤدي الى الانتحار، والا لكانت كل عزلة مفضية اليه لا محالة.


يضاف الى ذلك ان المبدأ الارسطي السابق ليس بوسعه المصادقة على الاستقراءات الجزئية التي يتضمنها قانون دوركايم. فمثلاً لو قدّرنا عدد نفوس احدى المدن بمليون نسمة، وقد اظهرت الاحصاءات ان نسبة الانتحار في هذه المدينة هي بمعدل خمس حوادث في الشهر الواحد. وعليه هل يمكن تطبيق المبدأ السابق على هذا المقدار؟


حقيقة الامر هو ان المبدأ الارسطي يفترض ضرورة حصول الكثرة او الدوام في التكرار والحدوث. في حين ان المقدار المذكور هو في غاية الضآلة مقارنة بعدد نفوس المدينة، وبالتالي فانه يشكل بمثابة الصدف العارضة التي لا اعتبار لها بحسب المنظور الارسطي.


هذا فضلاً عن ان طبيعة التعميم في القانون الاحصائي تختلف عن طبيعة التعميم في القضايا الاستقرائية الاخرى التي يصدق عليها المنطق الارسطي. فالقانون الاحصائي يرتكز على المسحة العامة دون ان يكون له تأثير بالضرورة على العناصر الفردية، فحين نقول ان الانتحار يتناسب طردياً مع العزلة، لا يعني ان كل من يتصف بالعزلة من شأنه الانتحار، وذلك لان طبيعة هذا القانون غير ناظرة للجانب الفردي، بل لها مسحة عمومية. في حين ان القضايا الاستقرائية الاخرى التي اعتمد عليها المنطق الارسطي لا تنطوي على مثل هذه المسحة (العامة)، بل ناظرة الى العناصر الفردية كشرط لا غنى عنه في صحة التجربة والتعميم. فمثلاً حين نقرر بأن السقمونيا يسهل الصفراء، فهذا يعني ان من شأن كل سقمونيا ان يسبب الاسهال. ولو لم تحصل هذه النتيجة احياناً، لكان ذلك على سبيل الشذوذ بسبب تدخل بعض الصدف العارضة. وهذا الحال لا يجري على القوانين الاحصائية كما هو واضح.


ثامناً:


من الصعب على المنطق الارسطي ان يبرر القضايا الاستقرائية المستمدة من العلاقات الاجتماعية، وذلك لان هذه العلاقات كثيراً ما تكون متشابكة ومعقدة وذات تأثيرات متبادلة، كما انها تتأثر بعوامل اخرى مختلفة. فلا يكفي في مثل هذه الدائرة الاعتماد على مبدأ عدم تكرر الصدفة اكثرياً ودائمياً، حيث لابد من الاستعانة بقرائن اخرى تفيد في الكشف عن تلك القضايا. فمثلاً اذا لاحظنا ظاهرة إقتران التطور الاقتصادي بالتطور الاجتماعي، يمكن أن نستنتج طبقاً للفهم الارسطي ان بينهما سببية ما، والا لما اقترنا بهذا الشكل المستمر، ومن ثم باستطاعته تعميم الظاهرة. الا انه من حيث الدقة يجب ان نميز بين السبب والمسبب في هاتين الظاهرتين المقترنتين، فهل التطور الاقتصادي هو سبب ظهور التطور الاجتماعي، ام العكس هو الصحيح؟


ففي مثل هذا الالتباس الحاصل في القضايا الاجتماعية لا يمكننا استنتاج وتحديد السبب والمسبب تبعاً للمبدأ الارسطي، وذلك ما لم نستعن بقرائن اخرى مختلفة تبين لنا طبيعة الحال بين الظاهرتين، حيث تكشف لنا هذه القرائن عن العلاقة الجدلية من التأثير المتبادل بين الظاهرتين، فكل من التطورين مؤثر في الاخر باستمرار..


تاسعاً:


في الطبيعة هناك جملة من الاقترانات الاكثرية والدائمية رغم انها تخلو من ارتباطات السببية. ومن ذلك ظاهرتا الحياة والموت اللتان تتكرران على الدوام من غير انقطاع، ففي الوقت الذي يموت فيه بعض الناس؛ يحيا غيرهم، ورغم هذا الاقتران الزماني فليس هناك من يزعم ان بين الظاهرتين علاقة لزومية او سببية.


هكذا يمكن ان نعود الى بحث المبدأ الارسطي، فماذا يعني هذا المنطق بقوله: ان الصدفة لا تتكرر اكثرياً ودائمياً؟ ذلك انه يعتبر ان الصدفة او الاتفاق عبارة عن اقتران ظاهرتين معاً بغير لزوم تبعاً لبعض العلل العارضة. فمثلاً قد يقترن وقت زواج احد الاشخاص بموت اخر، وقد يقترن سقوط المطر مع هبوب الرياح، كما قد يقترن حدوث زلزلة مع الاصابة بمرض الطاعون، وغير ذلك من الاقترانات التي لا لزوم لها مطلقاً.. أي ليس يلزم من زواج أحد الأشخاص موت الآخر، ولا يلزم من سقوط المطر هبوب الرياح، كما لا يلزم من حدوث الزلزلة الاصابة بمرض الطاعون، وهكذا... في حين يلزم من اتصال الحديد بالحرارة تمدده، ومن تعرض الثوب للنار احتراقه، ومن دوران الارض حول نفسها وحول الشمس حدوث الليل والنهار والفصول الاربعة، وغير ذلك من الاقترانات اللزومية.


وهنا نعود الى ما كنا عليه من السؤال السابق، اذ يقصد المنطق الارسطي من ان الاقترانات بين الظواهر اذا لم تكن لزومية فانها لا تتكرر اكثرياً ودائمياً. ومنه يستنتج بان الاقترانات لو كان تكررها اكثرياً او دائمياً فانها ستدل على وجود العلاقة السببية، حيث من المحال تكرر الاقترانات الخالية من اللزوم باستمرار.


ولا شك انه لا يمكن حمل هذا المعنى على اطلاقه من غير شروط وقيود، وذلك لان أغلب الاقترانات الحادثة في عالم الطبيعة والحياة تعتبر صدفوية خالية من اللزوم. اذ أي إلزام يربط بين إقتران مجمل الحوادث التي تحصل في بلد ما كافغانستان، واخرى تحدث في افريقيا او فرنسا او غيرها؟ ذلك ان الحوادث جارية في كل مكان وزمان، وهي اذ تحدث في مكان ما لابد من ان تقترن مع غيرها في مكان اخر بذات الوقت، ومع هذا فليس ثمة لزوم بين المجموعتين من الحوادث. وبالتالي كان لابد من تقييد المبدأ الارسطي ببعض الشروط.


اذن لنفترض أن التقييد يندرج ضمن دائرة العلاقة النوعية. بمعنى انه لا يُلتفت الى حالات الاقتران الحاصلة بين مطلق الاشياء، بل يقيد الامر بدائرة إقتران أفراد نوع معين بأفراد نوع اخر، فاذا لوحظ ان هناك تكراراً اكثرياً او دائمياً بين افراد النوعين كان بالامكان استنتاج العلاقة اللزومية والسببية بينهما. فمثلاً يصح اعتبار السقمونيا مسهلة للصفراء، بسبب ملاحظة الاقتران المستمر بينهما. فهذه العلاقة اللزومية مستنتجة من خلال لحاظ الاقتران الحاصل بين افراد نوع السقمونيا وافراد نوع الاسهال.


لكن مع هذا هناك حالات نوعية يحدث فيها الاقتران المستمر رغم انها جارية على مجرى الصدفة والاتفاق وليست لزومية. فمثلاً ايّ علاقة لزومية تربط بين عمل الفلاحين في مزرعة ما من المزارع، وبين عمل افراد خلية للنحل موجودة هناك، رغم ان العملين يمكن ان يكونا مقترنين باستمرار؟ وكذا اي علاقة لزومية تربط الاقتران المستمر بين حدوث حالات الزواج، وبين حالات القتل في العالم؟ او بين تجدد الحياة، وبين حالات الموت المطردتين؟ فلا شك ان مثل هذه الاقترانات المستمرة تعتبر صدفوية لا تقوم على اعتبارات اللزوم والسببية.


وحتى لو قيل انه يشترط في ذلك وحدة الزمان او المكان، او كلاهما معاً، فمع ذلك هناك اقترانات ذات علاقات سببية لا تحتفظ بمثل هذه القيود. فمثلاً نحن نعلم أن اليورانيوم يتحول الى رصاص، وهو يحتاج بذلك الى فترة زمنية طويلة جداً، كما نعلم ان حركة الأجرام في مداراتها تتأثر بقوة الجذب فيما بينها، رغم ان أمكنتها مختلفة وبعيدة للغاية. وعليه اذا قيّدنا المبدأ الارسطي بشرط الزمان او المكان، فسيكون من المحال علينا تبرير مثل تلك القضايا الاستقرائية. بل هناك اقترانات دائمة لظواهر تتفق زماناً او مكاناً رغم أنه لا تربطها علاقات السببية، وذلك مثل ظاهرتي الأكل والشرب اللتين تحدثان كل لحظة باستمرار لدى المعمورة كافة، وكذا اتفاق وجود البحر مع وجود بقعة الارض التي تحته.


ولا ينفع ما قد يقال انه يشترط في ذلك ان يقوم الانسان بنفسه في إقامة التجربة وإثبات العلاقة اللزومية، كالذي شهدناه لدى البعض في تأويله للمبدأ الارسطي، حيث هناك جملة من الظواهر الطبيعية لا تحتاج الى تجارب للكشف عن علاقاتها السببية، بل تكفي المشاهدة الحسية لمعرفة كونها لزومية وليست اتفاقية، ومن ذلك ما يحصل في الظواهر الفلكية.


كما لا ينفع - أخيراً - ما لو فرضنا أن المبدأ الارسطي مقيد بحالات التكرر الفردية ضمن النوع الواحد. فبحسب هذا الشرط لو شهدنا تكرر الحدوث لفرد مع اخر في نوع واحد باستمرار، فان ذلك يخول لنا استنتاج علاقة اللزوم والسببية. لكن حتى في مثل هذه الحالة نرى بعض الظواهر ما لا يصدق عليها تلك العلاقة. فنحن نلاحظ - مثلاً - ان جزيئات الغاز في حركة دائبة مستمرة، ولنفترض اننا عينا جزيئتين من هذا الغاز لنتحقق فيما لو كانت تربطهما علاقة سببية ما، وذلك اعتماداً على مبدأ عدم تكرر الصدفة اكثرياً ودائمياً، وفي هذه الحالة سوف تتأكد لنا علاقة اللزوم بسبب حالة الاقتران الدائمة لحركة كل منهما، اذ الاقتران المستمر دال على عدم تكرر الصدفة، الامر الذي تثبت فيه علاقة اللزوم والسببية. مع انه طبقاً لقرائن كثيرة يمكن التأكد بعدم وجود اي علاقة لزومية بين حركتي الجزيئتين.


وبهذا ننتهي الى ان المبدأ الارسطي يحتاج الى صياغة معقولة، وان علاقة السببية لا تستنتج منه، والا لكنا اعتبرنا الكثير من الاقترانات الصدفوية بانها اقترانات لزومية، وهو قلب للحقيقة والواقع.


عاشراً:


هناك إصلاح جذري للمبدأ الارسطي أجراه عليه المفكر الصدر. وينص هذا الاصلاح بالقول انه كلما كانت هناك ظروف وملابسات كثيرة متغيرة ومتحركة، كلما تضاءل احتمال تكرر الظاهرة المتأثرة بهذه الظروف والملابسات. وعلى العكس كلما تضاءلت مثل هذه الظروف التي من شأنها التأثير على حرف الظاهرة، وازدادت في الوقت نفسه الدواعي التي تدعو لايجادها، فانه سيزداد احتمال تكرر الظاهرة. وكما يقول الصدر: (كلما كان دور الجزء الثابت - أي العوامل الداعية لايجاد الظاهرة - أكبر كان ترقب تكررنفس الظاهرة مرات عديدة أقوى، وكلما كان دور الجزء المتحرك - أي العوامل التي من شأنها حرف الظاهرة عن الحدوث - أكبر كان ترقب اختلاف الظاهرة أقوى)[xxvii]. واستنتج من ذلك إن العوامل المتحركة - التي من شأنها حرف الظاهرة - إن كانت كثيرة، فسوف تختلف الظواهر الناتجة دون أن تتماثل في الوقوع والحدوث. وهذا بمثابة ان الصدفة لا تتكرر باستمرار ما دامت الظروف متحركة وغير ثابتة. وقد سمى هذه الحالة بـ (قاعدة عدم التماثل) عوض تسميتها بـ (مبدأ عدم تكرر الصدفة أكثرياً ودائمياً)، لِما في ذلك من اصلاح وتعديل للمبدأ الارسطي.


فمثلاً على هذه القاعدة لنفترض انه قمنا باحصائية لدراسة ظروف الف شخص مصابين بظاهرة الانعزال او الانطواء، وقد بينت لنا هذه الدراسة أن هؤلاء الأفراد يختلفون في عقائدهم وتقاليدهم وظروفهم الحياتية بشكل كبير. ففي هذه الحالة ما هو احتمال ان ينتحر جميع هؤلاء، وذلك كتطبيق لقانون دوركايم؟


من الطبيعي ان القيمة الاحتمالية للانتحار في هذه الحالة ستكون ضئيلة جداً، وذلك باعتبار ان ظروف كل واحد من هؤلاء الاشخاص متنوعة ومختلفة بشكل كبير، وربما تكون اغلب هذه الظروف غير داعية للانتحار. لكن لنفترض للتبسيط ان ظروف كل واحد منهم تدعوه الى الانتحار بقيمة احتمالية قدرها (1\2)، ففي هذه الحالة تكون قيمة احتمال انتحار الجميع عبارة عن نصف مضروبة في نفسها الف مرة، وهي قيمة في غاية الضآلة، وعملياً انها اقرب الى الصفر. لذلك فهناك مبرر للاعتقاد بنفي حدوث مثل هذه الحالة.


وما يعنينا من ذلك انه لما كانت هناك ظروف مختلفة من شخص لاخر فان اجتماع الصدف التي تجمعهم على الانتحار هي في غاية الضآلة، وهو نفس معنى كون التماثل لا يستمر طالما هناك ظروف متغيرة من شأنها حرف الظاهرة عن التماثل.


وعليه اذا أردنا أن نعرف اذا ما كانت ظاهرة ما من الظواهر تتكرر ام لا، فلابد من دراسة ظروفها الخاصة، حيث كلما علمنا بأن هناك ظروفاً أغلبها متحركة - اي داعية الى حرف الظاهرة عن التماثل - كلما توقعنا ان الظاهرة لا تتكرر باستمرار. وعلى العكس فيما لو علمنا ان أغلب الظروف ثابتة - اي داعية الى ايجاد الظاهرة - حيث سنتوقع تماثل الظاهرة وتكررها. وهذا يعني انه لابد من معرفة ظروف الظاهرة ودور نسبة تأثير العوامل الثابتة والمتغيرة من تلك الظروف، وذلك بالاعتماد على حسابات الاحتمال التي لم تحض باهتمام المنطق الارسطي.


مع هذا يمكن القول ان الصياغة الجديدة للمبدأ الارسطي لا تنطوي، من حيث ذاتها، على كشف السببية. ذلك انها تتحدث عن احتمالات الترقب ودور العوامل الثابتة والمتغيرة في انتاج الظاهرة، بغض النظر عن وجود السببية وعدمها. وهذا يعني ان هناك حالات تتماثل فيها الظاهرة، ومع ذلك فهي لا تتضمن الكشف عن السببية. فمثلاً لو كانت لدينا الف كرة سوداء مع عشر كرات بيض، واردنا ان نسحب عشوائياً ثلاث منها، فسوف نتوقع ان الكرات التي نسحبها ستكون كلها سوداء. فمع انه ليس بين الكرات المسحوبة اي اثر من اثار السببية، ولا بينها وبين بقية الكرات، الا ان ذلك لا يمنع من ان نتوقع عدم تكرر الصدفة في ان تكون جميع الكرات المسحوبة بيضاء، وذلك لوجود عوامل تدعونا الى خفض القيمة الاحتمالية لهذه الصورة الى ابعد حد ممكن، ورفع القيمة الاحتمالية لصالح سحب الكرات السود.


هكذا لم تكن الصياغة الجديدة كاشفة من حيث ذاتها عن السببية. وبالتالي انها ليست البديل المناسب لانقاذ الموقف الارسطي من اثبات الدليل الاستقرائي.


وبذلك قد انتهينا من تسجيل الانتقادات المتعلقة بكفاءة الطريقة الارسطية ودقتها في الكشف عن علاقات الواقع الموضوعي وقوانينه العامة.




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

 المنطق الأرسطي وشروط الاستقراء / يحيى محمد Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28509
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

 المنطق الأرسطي وشروط الاستقراء / يحيى محمد Empty رد: المنطق الأرسطي وشروط الاستقراء / يحيى محمد

مُساهمة من طرف سامح عسكر الإثنين نوفمبر 21, 2011 7:55 pm

[i] لاحظ هذه الحالات واشباهها في: سومينسكي وجولوفينا وياجلوم: الاستقراء الرياضي، ترجمة احمد صادق القرماني، دار مير، موسكو، ص7ـ11 .


[ii] ابن سينا: منطق الاشارات والتنبيهات، تحقيق سليمان دنيا، دار المعارف، الطبعة الثانية، 1958م، ص231.


[iii] الفارابي: الجمع بين رأيي الحكيمين، تقديم وتحقيق البير نصري نادر، المطبعة الكاثوليكية، بيروت،1960م، ص82.


[iv] الجمع بين رأيي الحكيمين، ص82.


[v] البرهان، ص96.


[vi] المصدر السابق، ص86.


[vii] منطق الاشارات والتنبيهات، ص218.


[viii] منطق الاشارات والتنبيهات، ص218.


[ix] لاحظ: ابن تيمية: الرد على المنطقيين، مطبعة شرف الدين الكتبي واولاده، بومباي، ص93.


[x] امين الاسترابادي: الفوائد المدنية، طبعة حجرية، ص130.


[xi] السقمونيا هو نبات له اغصان كبيرة، وله زهر ابيض مستدير ثقيل الرائحة، متى ما اعطي منه اكثر من ثلثي درهم اسهل اسهالاً عنيفاً جداً (عن: مفردات ابن البيطار. انظر: عيون الحكمة، حاشية المحقق، ضمن رسائل الشيخ الرئيس، تصدير وتحقيق عبد الرحمن بدوي، انتشارات بيدار، قم، ص25).


[xii] البرهان، ص96ـ97.


[xiii] الشاطبي: الموافقات في اصول الشريعة، مع حواشي وتعليقات عبد الله دراز، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية، 1395هـ ـ 1975م، ج3، ص9ـ10، كذلك: ج4 ، ص174.


[xiv] البرهان، ص97.


[xv] البرهان، ص96.


[xvi] تجدر الاشارة الى ان الفارابي تجاوز احياناً هذا المعنى، ذلك انه سمح لنفسه ان يعمم بعض الحالات من خلال فرد واحد فحسب، ذلك انه قام بتبرير بقاء حياة الجن الى يوم القيامة اعتماداً على ملاحظة فرد واحد من هذا النوع، وهو ابليس الذي وردت بحقه الاية الكريمة (رب انظرني الى يوم يبعثون، قال فانك من المنظرين) (رسالة في مسائل متفرقة، ضمن رسائل الفارابي، دائرة المعارف النظامية، الهند، الطبعة الاولى، 1344هـ، ص3).


[xvii] منطق ارسطو، ج2 ، 1949م، ص397.


[xviii] الفارابي: المنطقيات، تحقيق وتقديم محمد تقي دانش بزوه، نشر مكتبة المرعشي النجفي، قم، الطبعة الاولى، 1408هـ، ج1 ، ص271.


[xix] شرح منطق منظومة السبزواري، طبعة حجرية، ص91.


[xx] لاحظ، ص37.


[xxi] التهانوي، كشاف اصطلاحات الفنون، مكتبة الخيام بطهران، 1967م، ص190.


[xxii] البرهان، ص86.


[xxiii] لاحظ، ص25.


[xxiv] عيون الحكمة، ضمن رسائل الشيخ الرئيس، ص25.


[xxv] منطق الاشارات والتنبيهات، ص217.


[xxvi] البرهان، ص96.


[xxvii] لاحظ، ص396.




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

 المنطق الأرسطي وشروط الاستقراء / يحيى محمد Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28509
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى