شبكة واحة العلوم الثقافية
أسعدتنا زيارتك و أضاءت الدنيا بوجودك

أهلا بك فى شبكة واحة العلوم الثقافية

يسعدنا تواجدك معنا يدا بيد و قلبا بقلب

لنسبح معا فى سماء الإبداع

ننتظر دخولك الآن

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

شبكة واحة العلوم الثقافية
أسعدتنا زيارتك و أضاءت الدنيا بوجودك

أهلا بك فى شبكة واحة العلوم الثقافية

يسعدنا تواجدك معنا يدا بيد و قلبا بقلب

لنسبح معا فى سماء الإبداع

ننتظر دخولك الآن
شبكة واحة العلوم الثقافية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

التقارب السنى الشيعى

4 مشترك

اذهب الى الأسفل

التقارب السنى الشيعى Empty التقارب السنى الشيعى

مُساهمة من طرف أبو يوسف الجمعة نوفمبر 26, 2010 5:01 pm

نحن أهل السنة نحب أهل البيت ونجلهم والشيعة يسبون الصحابة وأم المؤمنين عائشة رضى الله عنها وإن أمهات الكتب عندهم محشوة بذالك فإذا أرادو التقارب لا بد أن يتبرأو من ذالك وينظفو منه كتبهم
avatar
أبو يوسف
عضو جديد
عضو جديد

الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 13
نقاط : 4923
السٌّمعَة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

التقارب السنى الشيعى Empty رد: التقارب السنى الشيعى

مُساهمة من طرف يتيم جدي رسول الله الثلاثاء ديسمبر 14, 2010 7:10 am

و عليكم من الله السلام و الرحمة
لا يختلف المسلم على وجوب حب أهل البيت عدا النواصب وهذه الفئة معروفة
لكنهم يختلفون في البراءة من اعدائهم .. فالشيعة تتبرأ من كل شخص صحابي ام تابعي ام عالم ام عامي يشهر العداء لأهل البيت و ينتقص من مكانهم
اما اهل السنة فلا .. تحاول ان تجد مبرر _ بغض النظر عن صحة المبرر من عدمها _للصحابة و يقولون انهم يحبون اهل البيت
وطبعاً السبب لان مدرسة الصحابة عماد دينها هم الصحابة فأن اختل امر صحابي يؤدي الى البحث و الاستقصاء في كل صحابي اخر


و عليه .. هذا الامر أيها الطيب يترك على جانب ... إن طلبت منا عدم ذكر افعال الصحابة و ام المؤمنين عائشة وحفصة _ وليس السب كما تفضلت _ فوجب عليك عدم ذكر بل ترك كل صحابي كان له موقف سيء من علي واهل بيته
يتيم جدي رسول الله
يتيم جدي رسول الله
عضو جديد
عضو جديد

الديانه : الاسلام
البلد : العراق
ذكر
عدد المساهمات : 28
نقاط : 4924
السٌّمعَة : 0
عادي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

التقارب السنى الشيعى Empty رد: التقارب السنى الشيعى

مُساهمة من طرف عمر الحسيني الأربعاء ديسمبر 15, 2010 7:02 pm

لا اعلم كيف سيتفق التقار ب مع عقيدة الولاء والبراء
المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض!

فرق شاسع بيننا وبين الشيعة فاذا ارادوا التقارب
فليتبرؤا من منهج سب الصحابة وييترضوا عليهم ويتبعوهم

وليعلم مشرف المنتدى انك على خطر عظيم ان تركت همز ولمز في الصحابة وأولياء الله من اهل السنة
ولتعلم ايها الشيعي انه لا يوجد نواصب يناصبون العداء لاهل البيت بين أهل السنة
كلنا اهل السنة نحب ال البيت ونحب سيدنا معاوية رضي الله عنه وعمر بن الخطاب
عمر الحسيني
عمر الحسيني
عضو جديد
عضو جديد

التقارب السنى الشيعى Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 16
نقاط : 4922
السٌّمعَة : 0
عادي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

التقارب السنى الشيعى Empty رد: التقارب السنى الشيعى

مُساهمة من طرف سامح عسكر الأربعاء ديسمبر 15, 2010 7:14 pm

عمر الحسيني كتب:لا اعلم كيف سيتفق التقار ب مع عقيدة الولاء والبراء
المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض!

فرق شاسع بيننا وبين الشيعة فاذا ارادوا التقارب
فليتبرؤا من منهج سب الصحابة وييترضوا عليهم ويتبعوهم

وليعلم مشرف المنتدى انك على خطر عظيم ان تركت همز ولمز في الصحابة وأولياء الله من اهل السنة
ولتعلم ايها الشيعي انه لا يوجد نواصب يناصبون العداء لاهل البيت بين أهل السنة
كلنا اهل السنة نحب ال البيت ونحب سيدنا معاوية رضي الله عنه وعمر بن الخطاب
مهلا اخي الحبيب عمرو الحسيني
اين هذا الهمز واللمز في صحابه رسول الله، وهل تعلم اننا سنترك اي اساءه لاي من رموز السنه والشيعه؟؟هذا ممنوع في المنتدي اخي الكريم،
فضلا منكم راجع القانون العام هنا

القانون العام

مره اخري نؤكد ان الشبكه عمادها الراي والراي الاخر والبحث باستقصاء وتفصيل تام، هذا لاعتقادنا بان وضع المحاذير والقيود علي الاعضاء الراغبين في البحث من شأنه ان ينفي المكاشفه والمصارحه، ووسليتنا هي المكاشفه والمصارحه مع الاخذ في الاعتبار قدسيه الصحابه وال بيت رسول الله فهما خط احمر فلا يجوز التعدي عليهما ولو بالهمز او اللمز.
اما بخصوص مشاركه الاخ (يتيم جدي رسول الله) فلم اري فيها اي تجاوز، وان حدث اي تجاوزفضلا منكم اللجوء الي ساحه الشكاوي والاقتراحات
ننتظر رد الاخ الكريم يتيم جدي رسول الله علي مشاركه الاخ عمرو الحسيني
واخيرا تذكروا جميعا ان هدف هذه الساحه هوالتقارب،فلا نريدها ساحه صدام اكثر مما هي ساحه توافق




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

التقارب السنى الشيعى Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28509
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

التقارب السنى الشيعى Empty رد: التقارب السنى الشيعى

مُساهمة من طرف يتيم جدي رسول الله الخميس ديسمبر 16, 2010 1:00 am

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اولاً : اخي الكريم .. اني قد اشتركت في هذا المنتدى تلبية لدعوة من احد الاخوة في منتديات اخرى

و عندما وجدته يحمل اسم الازهر الشريف و اطلعت على مواضيعه .. ملت اليه و سجلت فيه كونه يخلوا من الهرج و المرج و الجربزة و الثرثرة و سوء الاخلاق و اسلوب الحوار و السفاهات و التفاهات و الانتقاص و الاساءة .. الخ

ثانياً : قولك بأن التقارب هو بترك السب ( اتفق معك ) الترضي و الاتباع ( لا اتفق معك ) إذ لو صح شرطك هذا فيصح شرطنا بترك من عادا اهل البيت .. تلاحظ اين يؤدي بنا هذا صح ؟
و لأجل هذا قلت ان هكذا امر يترك على جانب ولا يطرح على طاولة التقارب لو صح التعبير

ثالثاً : موالاة اهل البيت و البراءة من اعدائهم من اساسيات العقيدة الامامية ولا يمكن التخلي عنه اطلاقاً

رابعاً : لاحظ اني قلت المسلمين لا يختلفون على حب اهل البيت و ان النواصب من يكره و يحقد وينتقص من اهل البيت .. و انتَ تقول لي ان لا احد من اهل السنة يكره اهل البيت ..و كأنك كررت جزء من كلامي .. لا اكثر


خامساً : اعدك بأنك لن تجد الهمز و اللمز مني فأني بعيد كل البعد عنه و لله الحمد



سادساً : اعود و اكرر مسألة التقارب بين المذهبين من المسائل المهمة في عصرنا الحالي و ان التقارب بطبيعة الحال لا يمكن ان يمس الثوابت لدى الطرفين .. انما البحث عن النقاط المشتركة و الاستفادة منها





و دمتم بحفظ الله تعالى
يتيم جدي رسول الله
يتيم جدي رسول الله
عضو جديد
عضو جديد

الديانه : الاسلام
البلد : العراق
ذكر
عدد المساهمات : 28
نقاط : 4924
السٌّمعَة : 0
عادي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

التقارب السنى الشيعى Empty رد: التقارب السنى الشيعى

مُساهمة من طرف سامح عسكر الجمعة فبراير 25, 2011 10:13 pm

السلام عليكم، سنعرض هنا عدة مقالات لعلماء السنه والشيعه حول مسألة التقارب بين السنه والشيعه ونستهلها ببحث الاستاذ معتز الخطيب

التقريب بين السنة والشيعة

إعداد: معتز الخطيب 28/10/2003

"حركة التقريب" -كما تسمى- تمتلك جذورها التاريخية، وتتضح ضرورتها في ضرورة وحدة الأمة، ومسؤوليتها في توجيه كل طاقاتها إلى الإسهام في الحضارة. وقد وضعت اللبنات الأولى لهذه الحركة في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، وكُتب العديد من المقالات لترسيخها.

غير أن الأحداث القريبة الماضية والحالة العراقية تعيد المسألة إلى ساحة الأولويات، ومن ثَم وجدنا الموضوع يفرض حضوره على الساحة، حتى عقد مؤخرًا مؤتمر البحرين (20-22/9/2003) الذي ضم نحو 125 شخصية على مستوى العالم للتقريب بين المذاهب الإسلامية؛ ولهذا فقد ارتأينا أن نفرد له مساحة عبر صفحات موقعنا؛ فكان هذا الملف الذي طُرح فيه عدد من الأوراق وفق زوايا نظر مختلفة، ومن مواقع مذهبية مختلفة.

في الملف يتناول الشيخ محمد علي التسخيري الأسس الإيمانية المشتركة بين المذاهب، والمبادئ التي ينبغي أن يلتزم بها التقريبيون، ويلتقي في عدد منها مع الشيخ القرضاوي الذي يقدم في ورقته "مبادئ للتقريب بين المذاهب الإسلامية"، ويلخصها في: معرفة الآخر من مصادره، وحسن الظن به، والتعاون في المتفق عليه، والتحاور في المختلف فيه، وتجنب الاستفزاز، والمصارحة بالحكمة، والبعد عن شطط الغلاة، والحذر من الدسائس، وينهيها بالحديث عن ضرورة التلاحم.

في حين أن الشيخ مهدي شمس الدين -رحمه الله- يتناول خطاب الوحدة في العقيدة والشريعة، ليقول: إن الإغراق في المذهبية من شأنه أن يلغي عالمية الإسلام.. ويرى الحل في الاعتراف بالمسلم، ويقترح إنشاء هيئة لقضايا الوحدة والتقريب، ويقدم مجموعة من الأسس التي يقترحها للميثاق التأسيسي للهيئة، تتلخص في أن التمذهب ظاهرة طبيعية، والجميع سواء في حقوق المواطنة وواجباتها، ويلتقي في بعض ذلك مع كل من التسخيري والقرضاوي. وهذه الهيئة تحمل توجهًا عالميًّا للقبول بالآخر غير المسلم، ويشير إلى أن الخلافات السياسية ذات الأسباب الطائفية من شأنها أن تدمر الوحدة، ويختم بالحديث عن الدعوة إلى تأسيس منهج الاجتهاد المطلق العام في جميع المذاهب.

الباحث السيد هاني فحص يناقش الخلافات المذهبية بين السنة والشيعة ومنطلقاتها النظرية، ويخلص إلى أن الخلاف الفقهي يؤول إلى "خلاف شكلي". أما العقدي منه فإن علم الكلام الجديد سوف يجعله عرضة في المستقبل لكثير من الاكتشافات والمكاشفات التي تقرِّب المسافات أو تلغي المفتعل منها. ويتساءل: هل يمنع ذلك الخلاف أن يتسع الفضاء المنهجي للاستنباط الفقهي لمشتركات نظرية تترتب عليها موافقات متحركة في تشخيص الموضوعات وترتيب أحكامها عليها؟ وهل الخلافات مسؤولة عن التباعد عن مقتضيات الوحدة؟ ويختم بذكر بعض الأمثلة التاريخية على التقارب لإيقاظ الذاكرة.

ثم يقدم الباحث معتز الخطيب قراءة نقدية لخطاب التقريب يثير فيه نظرات نقدية متعددة، بدءا من مشكلة الإمساك بالمفهوم واختلاف العناوين المعبرة عنه، إلى أن الاختلافات المذهبية تتأرجح بين خلط العقدي بالفقهي، والنزوع نحو التهوين من شأنها؛ لتنتهي بحصر الخلاف في الفقهي، ويقول: إن الخلاف أعمق من ذلك بكثير، والتستر عليه يعتبر أمرًا سلبيًّا للتقريب، وإن الوعي بالاختلاف بين الفريقين وبحث "تاريخيته"، والكشف عن الجانب البشري في الفكر الديني عامة بالممارسة النقدية على أساس معرفي لا مذهبي، وفرز النصوص: محور أساس للتقريب بين الفريقين.

أبو يعرب المرزوقي ينظر إلى المسألة نظرًا فلسفيًّا من زاوية الفكر السياسي؛ فيسعى إلى إثبات الوحدة التاريخية كما تعينت في مسألة الخلاف الأساسية بين السنة والشيعة، وهي المسألة السياسية عامة، ومسألة مبدأ الشرعية التي يستند إليها الحكم خاصة؛ ليثبت الوحدة العميقة وراء الخلاف الفكري بين المذهبين، وهو مشروع مهم جدًّا -كما يقول- بالنسبة إلى من يسعى إلى توحيد المسلمين في المستقبل، وخاصة بالنسبة إلى من ينطلق من الفكر الشيعي الذي كان يتجاهل هذا "الماوراء" الواحد؛ فيكتفي بالمقابلة بين الأخيار والأشرار.




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

التقارب السنى الشيعى Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28509
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

التقارب السنى الشيعى Empty رد: التقارب السنى الشيعى

مُساهمة من طرف سامح عسكر الجمعة فبراير 25, 2011 10:14 pm

التقريب.. أسسه وقيمه ودور العلماء فيه

الشيخ محمد علي التسخيري**
28/10/2003

إن ما أطلق عليه اسم (حركة التقريب) في العقود الأخيرة يمتلك جذورًا تمتد إلى أقدم العصور الإسلامية؛ لأنها تستمد أصالتها وحيويتها من أصول الشريعة الغراء، وتتضح ضرورتها كلما اتسع نطاق مسؤولية هذه الأمة في صنع الحضارة الإنسانية أو الإسهام الفاعل فيها على الأقل.

لقد وضع علماء وشخصيات كبيرة في أواخر الأربعينيات من القرن الميلادي الماضي اللبنات الأولى لهذه الحركة المباركة، وجاهدوا حقًّا في تبيين معالمها، وكتبوا العديد من المقالات لترسيخها في النفوس بعد أن أصلوها وبينوا جذورها الشرعية وضرورتها المتنامية.

ونحن سعداء -حقًّا- إذ نجد هذه البذرة قد نمت وتحولت إلى شجرة طيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.

الأسس الإيمانية المشتركة بين المذاهب

إننا نعتقد أن الإيمان بمسألة "التقريب" يتأتى بكل منطقية إذا لاحظنا الأسس التالية التي تؤمن بها كل المذاهب الإسلامية دون استثناء، وهي:

أولا: الإيمان بأصول الإسلام العقائدية الكبرى، وهي: التوحيد الإلهي (في الذات والصفات والفعل والعبادة)، وبالنبوة الخاتمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والقرآن الكريم الذي جاء به وما فيه، والمعاد يوم القيامة.

ثانيًا: الالتزام الكامل بكل ضروريات الإسلام وأركانه من: الصلاة والزكاة والصوم والحج، وغيرها.

ثالثًا: الالتزام الكامل بأن الكتاب الكريم والسنة النبوية الشريفة هما المصدران الأساسيان لمعرفة رأي الإسلام في شتى الأمور: المفاهيم عن الكون، والحياة، والإنسان: ماضيه وحاضره، ومستقبله في الحياتين. والأحكام والشريعة التي تنظم حياته وسلوكه الفردي والاجتماعي. أما الأصول والمصادر الأخرى كالعقل والقياس والإجماع وأمثالها، فهي لا تملك أي حجية إلا إذا استندت إلى ذينك المصدرين الكريمين، واستمدت مصدريتها منهما.

رابعًا: الالتزام بأن الإسلام سمح لعملية الاجتهاد باعتبارها عملية "بذل الوسع لاستنباط الحكم الشرعي من مصادره" أن تكون هي الموصلة لمعرفة الإسلام. كما أنها تلعب دورها في تأكيد مرونة الشريعة وقدرتها على استيعاب التطورات الحياتية طبقًا لمعايير وضوابط معينة، وهذا يعني -بالضرورة- إمكان إيجاد الصلة بين مختلف النتائج التي أدى إليها الاجتهاد وبين الإسلام حتى لو كانت مختلفة ومتضادة فيما بينها، وذلك لاختلاف الأفهام وزوايا النظر والقناعات (وهو ما يدرس في العلوم الإسلامية تحت عنوان: أسباب الخلاف).

وإننا نرى أن الإسلام إذ سمح بذلك فلأنه دين واقعي فطري، فلا طريق لمعرفة أية شريعة ممتدة على مدى العصور ينقطع وحيها ويموت معصومها إلا طريق الاجتهاد، رغم أن هذا الطريق يبتلى أحيانًا بالذاتية ويفرز آراء متخالفة قد لا يطابق بعضها واقع المراد الإسلامي في علم الله تعالى.

كما أننا نجد أن هذا الأسلوب المنطقي يعم استنباط كل الأمور كالعقائد، والمفاهيم[1]، والأحكام، بل وحتى المواقف الإسلامية من بعض القوانين الطبيعية.

خامسًا: أن مبدأ (الوحدة الإسلامية) يعبر عن خصيصة مهمة من خصائص هذه الأمة المباركة، ومن دونها لا يمكن لها أن تدعي اكتمال هويتها.

وقد وضع الإسلام خطة متكاملة لتحقيق هذه الوحدة بانيًا لها على أساس الاعتصام بحبل الله المتين -وهو أي سبيل معصوم يوصل إلى الله- ومؤكدًا على وحدة الأصل والخلق ووحدة الهدف ووحدة الشريعة والمسير، داعيًا إياها للدخول المجموعي في إطار التسليم الكامل لله ونفي خطوات الشيطان، ومذكرًا بآثار الوحدة، وغارسًا الأخلاقية وعناصر التضحية بالمصالح الضيقة في سبيل الهدف العام، حاذفًا كل المعايير الممزقة كاللغة والقومية والوطن والعشيرة واللون، مركزًا على المعايير الإنسانية كالعلم والتقوى والجهاد، ومؤكدًا على لزوم تحري نقاط اللقاء، وداعيًا إلى استخدام المنطق السليم؛ منطق الحوار الهادئ الموضوعي، إلى ما هنالك من عناصر آثرنا ألاَّ نذكرها وألا نستشهد لها لوضوحها ولئلا يطول بنا المقام.

إن الإيمان بهذا المبدأ له مقتضياته التي سنشير إليها -إن شاء الله تعالى- فيما بعد، ولكنه يعد من ركائز حركة التقريب.

سادسًا: مبدأ الأخوة الإسلامية: وهو جزء من الخطة التي أشرنا إليها أعلاه، ولكنا آثرنا التركيز عليه؛ لأنه أهم جزء، ولأنه ينظم مجمل العلاقات الاجتماعية في الإسلام، ولأننا نعتقد أن آثاره لا تقتصر على الجوانب الأخلاقية فحسب، بل تتعداها إلى الجوانب التشريعية وتترك أثرها الكامل على عملية الاجتهاد نفسها، لكي لا نشهد في هذه الساحة أحكامًا تتناقض معه.

هذه الأسس الستة هي أهم ما يمكن أن تبتني عليه "حركة التقريب"، فيكاد التصديق بالأسس يؤدي بشكل منطقي عفوي للإيمان بهذه الحركة.

ومن هنا فنحن نعتقد أن التقريب لا يقتصر على الجوانب الأخلاقية أو الجوانب الشعارية، ولا يتحدد بالجوانب التشريعية أيضًا، بل يعبرها إلى مختلف الجوانب الفكرية والحضارية. وينبغي أن تشترك فيه كل النخبة المفكرة الفقهية والفكرية، بل يجب -بشكل كامل وربما بشكل أولى- أن تعبر النخبة إلى الجماهير، فيبدأ تثقيفها بثقافة التقريب؛ لأن الإسلام إن كان يسمح بالاختلاف الفكري غير المخرب والطبيعي، فإنه لا يسمح مطلقًا بأدنى خلاف في الموقف العملي من القضايا المصيرية الداخلية والخارجية، ولذلك يعتبر الراد على الحاكم الشرعي -وهو الجهة التي يفترض بها أن تكون الموحدة للموقف العملي للأمة- رادًا على الله بعد أن اقترنت طاعته بطاعة الله ورسوله.

المبادئ التي ينبغي أن يلتزم بها التقريبيون

وبناء على تلك الأسس، وتبعًا لما أعلنه العلماء والدعاة التقريبيون؛ فإننا ندعو للقيم التالية، معتبرين إياها خطوطًا عامة للسياسات التي ينبغي أن يراعيها الخط التقريبي ليحقق أهدافه المرجوة:

الأول: التعاون فيما اتفقنا عليه:

والمتفق عليه في المجالات كثير جدًّا، فللمذاهب الإسلامية مساحات مشتركة كثيرة، سواء كانت في الأصول العقائدية أم في المجالات التشريعية (والتي يصل بها بعض العلماء إلى أكثر من 90% من المساحة العامة)، أو في المجالات الأخلاقية، حيث التوافق يكاد يكون كاملاً، وكذلك في مجال المفاهيم والثقافة الإسلامية، وحتى في المسيرة التاريخية والحضارية، طبعًا في مفاصلها الرئيسية، رغم الاختلاف في تقييم المواقف المعينة.

أما المواقف العملية فهم يتفقون جميعًا على لزوم توحيدها عبر التكاتف والتكافل الاجتماعي، وعبر وحدة القرار الاجتماعي الذي تتكفله جهة ولاة الأمور الشرعيين، ولا ريب أن التعاون في المشتركات الفكرية يعني التعاضد في تركيزها في الأذهان وتجنب كل ما يؤدي إلى نقضها، وبالتالي تعميقها في مجمل المسيرة.

وأما التعاون في المجالات المرتبطة بالسلوك الفردي والاجتماعي والحضاري؛ فواضح وتنضوي تحته المجالات الحياتية المختلفة من قبيل: تطبيق الشريعة الإسلامية، تعظيم الشعائر الإلهية كالجمعة والحج، وتحقيق خصائص الأمة الإسلامية كالوحدة، وهكذا..

وهنا نشير إلى أن حركة التقريب يجب أن تبذل قصارى جهدها لاكتشاف المساحات المشتركة هذه وتوعية الجماهير -وأحيانًا نضطر إلى توعية النخبة أيضًا- بها. كما تعمل على توسعة نطاق هذا الجانب المشترك عبر الإشارة -مثلا- إلى كون النزاع والخلاف لفظيًّا لا جوهريًّا، أو عبر التوعية بأسلوب ثالث يشترك فيه المختلفان.

الثاني: التعذير عند الاختلاف

فما دمنا نؤمن بانفتاح باب الاجتهاد -وهي الحالة الطبيعية التي لا يمكن إغلاقها بقرار- وما دامت أسباب اختلاف النتائج الاجتهادية قائمة وطبيعية.. فمعنى ذلك الرضا باختلاف الآراء والفتاوى، ومن الجدير بالذكر هنا: أننا لا نجد نهيًا إسلاميًّا عن الاختلاف في الآراء، وإنما ينصب النهي على التنازع العملي المُذهب للقوة، والتفرق في الدين والتحزب الممزِّق، وأمثال ذلك. وهذا يعبر عن عقلانية الإسلام ومنطقيته.

وعليه فيجب أن يُوطّن الفرد المسلم -عالمًا أو متعلمًا، مجتهدًا كان أو مقلدًا- على تحمل حالة المخالفة في الرأي، وعدم اللجوء إلى أساليب التهويل والتسقيط وأمثالها، وحينئذ يكون الخلاف أخويًّا ووديًّا (لا يفسد للود قضية).

ونشير هنا إلى ورود نصوص كثيرة تدعو المؤمن للصبر والمداراة، وسعة الصدر، ويمكن عكسها على واقعنا الحالي. ونحن نذكر هنا هذا النص عن الإمام الصادق (رحمه الله)، حيث جرى ذكر قوم فقال الراوي: "إنا لنبرأ منهم لا يقولون ما نقول، فقال الإمام: يتولّوننا، ولا يقولون ما تقولون، تبرؤون منهم؟ قلت: نعم، قال: هو ذا عندنا ما ليس عندكم، فينبغي لنا أن نبرأ منكم". إلى أن قال: "فتولوهم ولا تبرؤوا منهم: إن من المسلمين من له سهم، ومنهم من له سهمان.. فليس ينبغي أن يحمل صاحب السهم على ما عليه صاحب السهمين..." [2]. وتعامُل أئمة المذاهب فيما بينهم مثال رائع على هذه الحقيقة. وسيطول بنا الحديث لو تعرضنا لما يرويه التاريخ عن ذلك[3].

الثالث: تجنب التكفير والتفسيق والاتهام بالابتداع

ونحن نعتبر مسألة التكفير من المصائب التي ابتلي بها تاريخنا، فرغم النصوص الشريفة التي تحدد المسلم من جهة وتمنع من التكفير للمسلم من جهة أخرى[4] لحظنا سريان هذه الحالة التي حجرت على العقل أي إبداع أو مخالفة، حتى إننا شاهدنا من يؤلف كتابًا، ويرى أن مخالفة حرف واحد فيه تؤدي إلى الكفر وهذا أمر غريب[5]!

ومن هنا فنحن ندعو إلى التحول بالمسألة من (الإيمان والكفر) إلى مرحلة (الصواب والخطأ)، متحلين في ذلك بروح القرآن التي تدعو إلى الموضوعية، حتى في النقاش مع الكفار الحقيقيين، حينما يُخاطَب الرسول أن يقول لهم: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [سـبأ: 24].

الرابع: عدم المؤاخذة بلوازم الرأي

من المنطقي أن يحاسب الإنسان على رأيه ويناقش بكل دقة وأناة، إلا أننا اعتدنا على مناقشات تبتني على لوازم الآراء، وبالتالي يأتي التكفير والاتهام بالابتداع، في حين أن صاحب الرأي قد لا يقبل تلك الملازمة، وكمثال على ذلك، نجد البعض ممن يؤمنون بمسألة التحسين والتقبيح العقليين يصفون من لا يقبلون بهما بأنهم يغلقون باب الإيمان بصدق النبي، استنادًا إلى أن ما يدفع احتمال كذب النبي الآتي بالمعجزة هو حكم العقل بقبح إجراء المعجزة على يد الكاذب عقلاً، فإذا فرضنا عدم وجود أي تقبيح عقلي فمعنى ذلك أننا أغلقنا باب الإيمان بالنبوة، وهكذا يقال بالنسبة لمسألة طاعة الله تعالى، فإن الملزم لنا بإطاعته تعالى هو العقل لا غيره. وعلى هذا الغرار نجد البعض الآخر يتهم القائلين بالتوسل أو الشفاعة أو القسم بغير الله بالشرك؛ لأنه لازم لهذا القول وهلم جرًّا.

إن المناقشة العلمية الهادئة أمر مطلوب، ولسنا مع إغلاق باب البحث الكلامي مطلقًا، بل المنطق يقتضي فتحه، ولكننا ندعو للمناقشة المنطقية، فلا ننسب للآخر ما لم يلتزم به، وما دام لا يؤمن بالملازمة بين رأيه والرأي الآخر، فإننا نلتمس له العذر، وبهذا نستطيع أن نغلق بابًا واسعًا من الاتهامات الممزِّقة.

الخامس: التعامل باحترام عند الحوار

ذلك أننا نعلم أن الحوار هو المنطق الإنساني السليم في نقل الفكر إلى الآخرين، وأن القرآن الكريم طرح نظرية رائعة للحوار المطلوب، تناولت مقدمات الحوار وظروفه وأهدافه ولغته بشكل لا مثيل له، وكان مما تناوله مسألة الاستماع للآراء واتباع أحسنها، ومسألة عدم التجريح، حتى إن الآية الشريفة تقول: (قُلْ لا تُسْأَلونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [سـبأ:25]، في مجال توجيه حوار الرسول مع غير المؤمنين بالإسلام، وإبعاده عن مسألة إثارة حزازات الماضي والاتهامات المتبادلة فيه، والتوجه لمنطقية الحوار نفسه، وهي مع أن السياق اللفظي كان يتناسب معه، فكيف بنا ونحن نتحاور كمسلمين متفقين على المبادئ التي أشرنا إليها في إشارتنا لأسس عملية التقريب؟!

السادس: تجنب الإساءة لمقدسات الآخرين

والحقيقة هي أن هذا الأمر يتبع المبدأ السابق، بل هو في الواقع أولى منه؛ لأنه يخلق جوًّا عاطفيًّا معاكسًا، ويفقد الحوار توازنه المطلوب. وقد رأينا القرآن ينهى عن هذه الحالة فيقول تعالى: (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام:108]. بهذه الروح الإنسانية يوجه الله تعالى المؤمنين في تعاملهم بعد أن يوضح لهم وظائفهم الدعوية لا التحميلية، وفرض الرأي على الآخرين حتى لو كانوا مشركين: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) [الأنعام:107].

والنصوص الإسلامية في النهي عن السب واللعن معروفة، فإذا كان هذا هو الحال أن المفروض هو الحوار بين مسلمين أخوين يعملان لهدف واحدٍ، ويشعر كل منهما بآلام الآخر وآماله، فإن الموقف لا يتحمل مطلقًا احتمال الإهانة، وخصوصًا للأمور التي يؤمن الآخر بقدسيتها لارتباطها مع معتقداته الأصيلة.

السابع: الحرية في اختيار المذهب

ذلك أننا بعد أن اعتبرنا المذاهب نتيجة اجتهادات سمح بها الإسلام، علينا أن نعدها سبلا مطروحة للإيصال إلى مرضاة الله تعالى. وحين تختلف فإن من الطبيعي أن يدرس المسلم هذه المذاهب وينتخب الأفضل منها وفق معاييره التي يؤمن بها، والتي يشخص من خلالها أنه أبرأ ذمته أمام الله وأدَّى أمانته وعهده. وحينئذ فليس لأحد أن يلومه على اختياره حتى لو لم يرتح لهذا الاختيار. كما أنه لا معنى لإجبار أحد على اختيار مذهب ما؛ لأن ذلك مما يرتبط بالقناعات الإيمانية، وهي أمر لا يمكن الوصول إليه إلا بالدليل والبرهان.

وهنا أؤكد أن لكل مذهب الحق في توضيح آرائه ودعمها، دونما تعدٍّ على الآخرين أو تهويل أو تجريح، فلا ندعو إلى إغلاق باب البحث المنطقي السليم، وإنما نرفض محاولات الاستغلال السيئ، والاستضعاف، والجدال العقيم، وفرض الرأي، وأمثال ذلك.

ونحن نعتقد أن ما جرى من تعدٍّ خلال تاريخنا الطويل ناشئ عن عدم الالتزام بقواعد الحوار المطلوبة، ونسيان حقيقة أن جميع المذاهب تعمل لإعلاء كلمة الإسلام وفق تصورها عن هذه الكلمة.

دور العلماء والمفكرين في عملية التقريب

لا شك أن العبء الأكبر من العملية يقع على عاتق العلماء والمفكرين في مجال التقريب؛ وذلك لأنهم -من جهة- ورثة الأنبياء وحملة الدعوة وبناة الجيل، وهم -من جهة أخرى- أعلم بالأسس التي يعتمدها التقريب، وأكثر أثرًا في توحيد الصفوف وتحقيق خصائص الأمة.

وإذا أردنا أن نقترح باختصار الأدوار التي يجب أن يقوموا بها اقترحنا ما يلي:

1-ضرورة التعمق في أسس هذه الحركة وقيمها، وتأصيلها في نفوسهم، وعكسها في بحوثهم ودراساتهم وكتاباتهم، بل وأخذها بعين الاعتبار في استنباطاتهم الفقهية والفكرية، وملاحظتها كأصل توجيهي ومصلحة مرسلة مهمة، تقدم -في مجال التزاحم- على الأحكام الأقل أهمية بمقتضى قواعد التزاحم المعروفة في أصول الفقه. ومن هنا فقد دعونا في بعض المؤتمرات الدولية إلى دعم حركة "التقريب الفقهي"، ومحاولة التركيز على تقريب الآراء الفقهية، وكثيرًا ما نجد أن بعض النزاعات الفقهية -بعد التأمل فيها- تحول إلى خلافات لفظية ناتجة عن اختلاف زوايا النظر أو اختلاف في المصطلحات، كما نجد الأمر كذلك في بعض البحوث الأصولية، كالبحث عن القياس أحيانًا والاستحسان، وسد الذرائع، وأمثالها. وهو اتجاه نلحظه في بعض الكتب الأصولية من قبيل "أصول الفقه" للمرحوم العلامة الشيخ محمد رضا المظفر، والمرحوم العلامة السيد محمد تقي الحكيم، وقد وفقنا الله للتتلمذ على يديهما.

وهنا لا بد أن أشير إلى كثير من الكتابات المغرقة في تعميق الخلاف وإعطائه أبعادًا متخيلة توحي للقارئ بأن اللقاء مستحيل، وأن الخلاف يستشري في كل المجالات، بحيث لا معنى لتصور أية عملية تقريب بينها. وإني لأظن أنها كتابات تجافي الحقيقة، وتتناسى وحدة المنابع ووحدة الأساليب والملكات ووحدة الهدف.

2-العمل المنسق على توعية الأمة والانتقال بقافلة التقريب إلى المستوى الجماهيري، فلا يشعر الفرد المسلم تجاه الآخر إلا بشعور الأخوة الصادقة والتعاون، رغم الاختلاف المذهبي، وتتسع الصدور للممارسات والتعددية المذهبية، وتنتفي المشاحنات العاطفية والترسبات التاريخية والموروثة التي خلفت وراءها صورًا لا تطاق دونما مبرر، فالاختلاف في حكم شرعي، والتفاوت في تقويم موقف تاريخي، والافتراق في سلوك اجتماعي، كلها أمور يمكن تبريرها وتحملها ما دامت في الدائرة الإسلامية العامة، وناتجة عن الاختلاف في الاجتهاد.

نعم إذا خرج السلوك -في رأي المجتهدين جميعًا- عن الدائرة تم العمل على نفيه بأفضل أسلوب.

3-السعي المشترك المتضافر لاتخاذ المواقف الوحدوية النموذجية في كل القضايا المصيرية من قبيل:

- تطبيق الشريعة الإسلامية.

- تحقيق نظام السيادة الشعبية في الإطار الديني.

- مواجهة العدو وخططه في محو وجود الأمة وهويتها.

- صيانة وحدة الأمة ونبذ التفرقة.

- تقديم المصالح العامة على المصالح الخاصة.

4-تشجيع إيجاد المؤسسات التقريبية من قبيل:

- أقسام الدراسات التقريبية المقارنة.

- النوادي الاجتماعية المشتركة.

- المعسكرات التقريبية في مختلف الشؤون.

- إيجاد جماعات التقريب في شتى أماكن وجود المسلمين.

أما المراكز، بل والحكومات الإسلامية، فيمكنها أن تقوم بدور مهم في هذا المجال من خلال تشجيع حركة التقريب، وإقامة المؤتمرات، وتنفيذ المشروعات، واعتماد الإعلام المسؤول، ونفي مظاهر التفرقة وعناصرها، ونشر ثقافة التسامح المذهبي، وأمثال ذلك.

الهوامش:
** الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، والورقة قدمت لمؤتمر التقريب بين المذاهب الذي انعقد مؤخرًا في البحرين 20-22/9/2003

1- وهي تصورات تقوم على أساس العقائد من جهة، وتتصل بالواقع مباشرة من جهة أخرى، من قبيل مفهوم الخلافة الإنسانية لله تعالى.
2- وسائل الشيعة، طبعة مؤسسة أهل البيت (ع) ج16، ص160
3- يراجع بحث الشيخ واعظ زاده حول الموضوع في كتابه "دراسات وبحوث" ج1، ص545
4- يمكن مراجعة أحاديث كتاب "الإيمان" في الصحاح وكتب الحديث مثل "جامع الأصول" لابن الأثير الجزري، الجزء الأول.
5- الشواهد لدينا مسجلة ولا نرغب في عرضها.




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

التقارب السنى الشيعى Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28509
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

التقارب السنى الشيعى Empty رد: التقارب السنى الشيعى

مُساهمة من طرف سامح عسكر الجمعة فبراير 25, 2011 10:14 pm

مبادئ للتقريب بين المذاهب الإسلامية

أ.د. يوسف القرضاوي
28/10/2003


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وحجة على الناس أجمعين، سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا وقائد دربنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه الذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أُنزل معه، أولئك هم المفلحون، ورضي الله عمن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد..

فقد تنادى الكثيرون في المشرق والمغرب -ولا سيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001- إلى الحوار بين الأديان، وخصوصاً الدينين الكتابيين الكبيرين: المسيحية والإسلام، وتجاوب الكثيرون مع هذه الدعوة، والتقى المسلمون والنصارى في عدة لقاءات ومؤتمرات في أكثر من بلد، وشاركتُ شخصيًّا في حضور مؤتمرين كبيرين: أحدهما في روما بدعوة من جمعية سانت جديو الشهيرة، وهو المؤتمر الذي سموه (القمة الإسلامية المسيحية) نظراً لأهمية الذين شاركوا فيه من الجانبين، والثاني كان في القاهرة بدعوة من المجلس الأعلى العالمي للدعوة والإغاثة ومنتدى الحوار الإسلامي، وكان التركيز فيه على نصارى الشرق أكثر من غيرهم. كما شاركت في مؤتمرات ولقاءات أخرى، وإن لم تكن على هذا المستوى.

وهنا تعالت أصوات كثيرة داخل العالم الإسلامي تنادي: لماذا لا يتحاور المسلمون بعضهم مع بعض؟ أليس هذا من الأولويات؟ أليس الحديث يقول: "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول"؟

تُرى هل ما بيننا نحن -المسلمين- من الخلاف أوسع وأكبر مما بيننا وبين أهل الأديان الأخرى؟ ولماذا إذن لا نتحاور، بغية التفاهم والتقارب؟

ولا شك أن منطق الدين والعلم والواقع يؤكد أن حوار المسلمين بعضهم مع بعض أحق وأولى بالاهتمام من الحكماء والعقلاء من أبناء الأمة، وإذا كنا مأمورين بالحوار مع مخالفينا من أهل الديانات الأخرى، بقوله تعالى: (وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل: 125] أفلا نحاور من يجمعنا به العقيدة الواحدة، والقبلة الواحدة، وكلمة (لا إله إلا الله، محمد رسول الله)؟

لهذا أعتقد بأن اهتمامنا بالحوار الإسلامي المسيحي لا يجوز أن يزيد على اهتمامنا بالحوار الإسلامي الإسلامي، ولا سيما بين الفئتين الكبيرتين: السنة والشيعة، بغية التقريب بينهما بالحق لا بالباطل.

إن اللقاء والحوار وتبادل الأفكار يساعدنا على أن يفهم بعضنا بعضا، ويقترب بعضنا من بعض، ويزيل الجفوة، وينشئ المودة، ويجلو كثيرا من الغوامض، ويزيح الكثير من الشبهات؛ وذلك إذا خلصت النيات، وصحت الأهداف، وقويت العزائم، وغلب العقل على الهوى، والحكمة على التهور، والوسط على الشطط.

على أن هنا عاملا مهمًا يدعو الأمة كلها، بجميع مذاهبها ومدارسها وطوائفها أن تتقارب وتتلاحم وتتضامن فيما بينها، وهو الخطر الداهم الذي يهدد الأمة جمعاء، إن لم تقف له بالمرصاد، إنه خطر تجمعت فيه اليهودية والصليبية والوثنية، رغم ما بين بعضها وبعض من خلافات، ولكن جمعهم العدو المشترك وهو الإسلام، وصدق قول الله تعالى: (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) [الجاثية: 19].

وإذا جاز للأمة -وما هو بجائز- أن تفترق في أيام الرخاء والعافية، فلا يجوز لها أن تتفرق في أيام الشدة والبلاء، فإن الشدائد تجمع المتفرقين، والمحن توحد المختلفين، والأخطار تقرب المتباعدين، ورحم الله أحمد شوقي حين قال: إن المصائب يجمعن المصابين!

لهذا كتبت هذه الورقة راجيا بها أن أضيء شمعة في طريق التقريب بين الجماعات والمدارس الإسلامية في هذا الوقت العصيب الذي تتعرض فيه الأمة لكل أنواع الغزو: الديني، والثقافي، والاقتصادي، والسياسي، والعسكري، وهي أحوج ما تكون إلى وحدة الهدف، ووحدة الصف، وأن تعتصم بحبل الله جميعاً ولا تتفرق، وواجب علماء الأمة أن ينبهوها إلى ذلك، حتى لا تغلب على أمرها، وتسقط في يد أعدائها، ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم.

معرفة الآخر من مصادره .. وحسن الظن به

أ.د يوسف القرضاوي
28/10/2003


أول ما ينبغي أن تقوم عليه محاور الحوار الإسلامي الإسلامي، هو حسن الفهم؛ فمما لا ريب فيه أن حسن الفهم مطلوب في كل شيء، قبل البدء في أي عمل حتى يكون السير فيه على بصيرة؛ لأن صحة التصور ضرورية في صحة العمل والتصرف. ولهذا كان العلم في الإسلام مقدما على العمل، كما ترجم لذلك الإمام البخاري في صحيحه، واستدل لذلك بقوله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) [محمد: 19] فأمر بالعلم قبل أن يأمر بالاستغفار.

ومن هنا كان أول ما نزل من القرآن: (اقرأ) وثاني ما نزل: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) [المدثر: 1-4]، فكانت القراءة وهي مفتاح العلم والفهم مقدمة على المطالبة بالأعمال.

ونعني بـ(حسن الفهم) حسن التعرف على حقيقة موقف الطرف الآخر، وذلك بأخذ هذا الموقف من مصادره الموثقة، أو من العلماء الثقات المعروفين، لا من أفواه العامة، ولا من الشائعات، ولا من واقع الناس؛ فكثيرا ما يكون الواقع غير موافق للشرع.

ومن المهم أن نفرق بين الأصول والفروع، وبين الفرائض والنوافل، وبين المتفق عليه والمختلف فيه، وبين الشائعات والحقائق، وبين ما يلزم به الفقه وما يعمله الناس من عند أنفسهم.

خذ مثلا قضية (تحريف القرآن)؛ فهناك من علماء الشيعة من قالوا: إن القرآن الكريم محرف؛ بمعنى أنه ناقص، وليس كاملا، وألفوا في ذلك كتبا، واستدلوا على ذلك ببعض الروايات التي تسند رأيهم من (الكافي) ومن غيره من كتبهم المعتبرة عندهم.

ولكن هذا الرأي ليس متفقا عليه؛ فهناك من علمائهم من رد عليه، وفند شبهاته، وهذا هو الذي يجب أن نعتمده، ولا نعتمد الرأي الآخر.

والذي يجعلنا نعتمد رأي نفاة التحريف في القرآن جملة أمور:

1ـ أنهم جميعا متفقون على أن ما بين دفتي المصحف كله كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

2ـ أن المصحف الذي عند الشيعة في كل العالم اليوم هو المصحف الذي يوجد عند أهل السنة؛ فالمصحف المطبوع في إيران هو نفسه المطبوع في السعودية وفي مصر وفي باكستان والمغرب وغيرها من بلاد العالم الإسلامي.

3ـ أن هذا القرآن -الذي يدعي البعض تحريفه- هو الذي يفسره مفسرو الشيعة من قديم إلى اليوم، لا يوجد قرآن غيره يقومون بتفسيره، وهو الذي يتحدثون عن بلاغته وإعجازه إلى اليوم.

4ـ أن هذا القرآن هو الذي يستدلون به على معتقداتهم في كتبهم العقائدية، وهو الذي يحتجون به على الأحكام في كتبهم الفقهية.

5ـ أن هذا القرآن هو الذي يعلمونه لأولادهم في المدارس الدينية والحكومية، وعلى شاشات التلفاز وغيرها.

فهذا ما جعلنا نؤكد وجوب التفرقة بين المتفق عليه والمختلف فيه، والمتفق عليه هو الذي يلزمنا.

وخذ مثلا قضية حرص الشيعة في صلاتهم على السجود على حصاة؛ فالشائع عندنا –أهل السنة- أن الدافع إلى ذلك هو تقديس الشيعة لهذه الحصاة؛ لأنها من طينة كربلاء التي قتل فيها الحسين، أو دفن فيها رضي الله عنه. وقد كنت أنا شخصيا أعتقد ذلك في أول الأمر، حتى زارنا في الدوحة في الستينيات من القرن العشرين الإمام موسى الصدر الزعيم الشيعي المعروف في لبنان، ورئيس المجلس الشيعي الأعلى بها، وقد تباحثنا في بعض الأمور، ومنها هذه الحصاة، فعلمت منه أن الشيعة الجعفرية يشترطون أن يكون السجود على جنس الأرض، فلا يجيزون السجود على السجاد أو الموكيت، أو الثياب أو نحوها.

ونظرا لأن أكثر المساجد أصبحت مفروشة بما لا يجوز السجود عليه في مذهبهم؛ فقد حاولوا أن يوفروا لكل مصل حصاة من جنس الأرض يصلي عليها، وليس من الضروري أن تكون من طينة كربلاء، ولا من غيرها. وقد عرفت ذلك بالقراءة والدراسة في كتب الجعفرية، وعندي عدد منها، من (المختصر النافع) إلى (جواهر الكلام).

وعندما زرت إيران سنة 1998م تأكدت من ذلك؛ فقد زارني كثير من العلماء في حجرتي في الفندق الذي أنزل فيه، وصلوا عندي، ولم يكن معهم هذا الحجر، بل وجدتهم أخذوا ورقة "كلينكس"، ووضعوها أمامهم ليسجدوا عليها بدلا من الحجر أو الحصاة، واعتبروا الكلينكس من جنس الأرض؛ لأنه ليس من المنسوجات كالسجاجيد ونحوها.

المهم أن فكرة (الطينة المقدسة) التي كانت ثابتة عندي قد زالت بسؤال العلماء الثقات والأخذ عنهم، والاطلاع على المراجع العلمية الموثقة، بدل الأخذ بما يشاع عند عوام الناس دون استناد إلى بينة أو دليل.

وقد قال آية الله الشيخ جعفر السبحاني في كتابه (الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف): إن المستحسن عند الشيعة هو اتخاذ تربة طاهرة طيبة، ليتيقن من طهارتها من أي أرض أخذت، ومن أي صقع من أرجاء العالم كانت، وهي كلها في ذلك سواء[1].

وهذا المبدأ -حسن الفهم- كما أطالب به أهل السنة في موقفهم من الشيعة.. أطالب به -من غير شك- الشيعة في موقفهم من السنة، وضرورة تفرقتهم بين الأصول والفروع، وبين الفرائض الأساسية والنوافل الهامشية، وبين المتفق عليه بين أهل السنة والمختلف فيه بينهم -وما أكثره!- وبين الشائع عند العوام والحقيقة عند أهل العلم الثقات، وبين عمل الناس وما يوجبه الشرع.

حسن الظن بالآخر

والمحور الثاني المطلوب في الحوار الإسلامي الإسلامي أو التقريب بين المذاهب هو حسن الظن بين الطرفين، وأساس ذلك أن الإسلام يقيم العلاقة بين أبنائه على حسن الظن؛ بمعنى أن يحمل حال غيره على أحسن المحامل، وإن كان يحتمل معنى آخر، وتصورا آخر.

وقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) [الحجرات: 12] وهذا الظن الآثم هو ظن السوء بالآخرين. يقول الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية [2]: "يقول تعالى ناهيا عباده المؤمنين عن كثير من الظن، وهو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله؛ لأن بعض ذلك يكون إثمًا محضًا، فيجتنب كثير منه احتياطا. وروينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيرا، وأنت تجد لها في الخير محملا.

وذكر ابن كثير هنا ما أخرجه ابن ماجه في سننه من حديث عبد الله بن عمرو قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة، ويقول: "ما أطيبك وأطيب ريحك! وما أعظمك وأعظم حرمتك! والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله تعالى حرمة منك ماله ودمه "وإن نظن به إلا خيرا" [3].

وذكر حديث الشيخين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا".

والواجب ظن الخير بالمسلمين ما لم يثبت لنا عكسه بيقين، قال تعالى في حديث الإفك: (لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ) [النور: 12]، وقال سبحانه يذم المنافقين: (بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا) [الفتح: 12].

إن سوء الظن يجعل الناس عند صاحبه متهمين، ينظر إليهم بمنظار قاتم أسود يخفي مزاياهم وحسناتهم، وينظر إلى عيوبهم وسيئاتهم من خلال ميكروسكوب ويضخمها؛ فيجعل الحبة قبة كما يقولون.

ولقد كنت ذكرت في كتابي (الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف) من علامات التطرف ومظاهر الغلو (سوء الظن بالناس) وقلت هناك: (تجد الغلاة دائما يسارعون إلى سوء الظن والاتهام لأدنى سبب، فلا يلتمسون المعاذير للآخرين، بل يفتشون عن العيوب، ويتقممون الأخطاء، ليضربوا بها الطبل، ويجعلوا من الخطأ خطيئة، ومن الخطيئة كفرا)!!

وإذا كان هناك قول أو فعل يحتمل وجهين: وجه خير وهداية، ووجه شر وغواية، رجحوا احتمال الشر على احتمال الخير، خلافا لما أثر عن علماء الأمة من أن الأصل حال المسلم على الصلاح، والعمل على تصحيح أقواله وتصرفاته بقدر الإمكان.

وقد كان بعض السلف يقول: إني لألتمس لأخي المعاذير من عذر إلى سبعين، ثم أقول: لعل له عذرا آخر لا أعرفه! من خالف هؤلاء في رأي أو سلوك –تبعا لوجهة نظر عنده– اتهم في دينه بالمعصية أو الابتداع أو احتقار السنة، أو ما شاء لهم سوء الظن.

ولا يقتصر سوء الظن عند هؤلاء على العامة، بل يتعدى إلى الخاصة، وخاصة الخاصة؛ فلا يكاد ينجو فقيه أو داعية أو مفكر إلا مسه شواظ من اتهام هؤلاء. فإذا أفتى فقيه بفتوى فيها تيسير على خلق الله، ورفع الحرج عنهم، فهو في نظرهم متهاون بالدين. وإذا عرض داعية الإسلام عرضا يلائم ذوق العصر، متكلما بلسان أهل زمانه ليبين لهم؛ فهو متهم بالهزيمة النفسية أمام الغرب وحضارة الغرب.. وهكذا.

ولم يقف الاتهام عند الأحياء بل انتقل إلى الأموات الذين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، فلم يدعوا شخصية من الشخصيات المرموقة إلا صوّبوا إليها سهام الاتهام؛ فهذا ماسوني، وذلك جَهْمِيّ، وآخر معتزلي. حتى أئمة المذاهب المتبوعة –على ما لهم من فضل ومكانة لدى الأمة في عصورها كافة– لم يسلموا من ألسنتهم ومن سوء ظنهم.

بل إن تاريخ الأمة كله –بما فيه من علم وثقافة وحضارة- قد أصابه من هؤلاء ما أصاب الحاضر وأكثر؛ فهو عند جماعة تاريخ فتن وصراع على السلطة، وعند آخرين تاريخ جاهلية وكفر، حتى زعم بعضهم أن الأمة كلها قد كفرت بعد القرن الرابع الهجري![4].

وقديما قال أحد أسلاف هؤلاء لسيد البشر صلى الله عليه وسلم بعد قسمة قسمها: "إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله! اعدل يا محمد فإنك لم تعدل!"، ومنهم من قال له: "اتق الله يا محمد"[5].

إن ولع هؤلاء بالهدم لا بالبناء ولع قديم، وغرامهم بانتقاد غيرهم وتزكية أنفسهم شنشنة معروفة، والله تعالى يقول: (فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) [النجم: 32].

إن آفة هؤلاء هي سوء الظن المتغلغل في أعماق نفوسهم، ولو رجعوا إلى القرآن والسنة لوجدوا فيهما ما يغرس في نفس المسلم حسن الظن بعباد الله، فإذا وجد عيبًا ستره ليستره الله في الدنيا والآخرة، وإذا وجد حسنة أظهرها وأذاعها، ولا تنسيه سيئة رآها في مسلم حسناته الأخرى، ما يعلم منها وما لا يعلم.

أجل.. إن التعاليم الإسلامية تحذر أشد التحذير من خصلتين: سوء الظن بالله، وسوء الظن بالناس، وأصل هذا كله الغرور بالنفس، والازدراء للغير، ومن هنا كانت أول معصية لله في العالم؛ معصية إبليس، وأساسها الغرور والكبر (أنا خير منه).

وحسبنا في التحذير من هذا الاتجاه الحديث النبوي الصحيح: "إذا سمعتم الرجل يقول: هلك الناس، فهو أهلكهم"[6]. جاءت الرواية بفتح الكاف "فهو أهْلَكَهُمْ" على أنه فعل ماض؛ أي: كان سببا في هلاكهم باستعلائه عليهم وسوء ظنه بهم، وتيئيسهم من روح الله تعالى. وجاءت بضم الكاف أيضا؟ "فهو أهلكُهم" أي أشدهم وأسرعهم هلاكا، بغروره وإعجابه بنفسه، واتهامه لهم.

والإعجاب بالنفس أحد المهلكات الأخلاقية التي سماها علماؤنا (معاصي القلوب) التي حذر منها الحديث النبوي بقوله: "ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه"[7].

هذا مع أن المسلم لا يغتر بعمله أبدا، ويخشى أن يكون فيه من الدخَل والخلل ما يحول دون قبوله وهو لا يدري، والقرآن يصف المؤمنين السابقين بالخيرات، فيقول في أوصافهم: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) [المؤمنون: 60]، وقد ورد في الحديث أن هذه الآية فيمن عمل الصالحات، ويخاف ألا يقبل الله منه.

ومن حكم ابن عطاء: ربما فتح الله لك باب الطاعة، وما فتح لك باب القبول، وربما قدر عليك المعصية؛ فكانت سببا في الوصول، معصية أورثت ذلا وانكسارا خير من طاعة أورثت عجبا واستكبارا. وأصل هذا من حكمة للإمام علي رضي الله عنه قال: سيئة تسوؤك خير عند الله من حسنة تعجبك.

وقال ابن مسعود: الهلاك في اثنين: العجب والقنوط، وذلك أن السعادة لا تدرك إلا بالسعي والطلب، والمعجب بنفسه لا يسعى لأنه قد وصل، والقانط لا يسعى لأنه لا فائدة للسعي في نظره)[8] انتهى.

لهذا أرى أن أول ما ينبغي أن نطرحه من طريقنا لكي نقرب الأمة بعضها من بعض هو سوء الظن، وأن نغلب فضيلة حسن الظن فيما بيننا، كما هو شأن أهل الإيمان.

حكيت لأحد المتشددين مواقف لبعض الشيعة، رأيت فيها الصدق والاستقامة والاعتدال والإخلاص، فما كان من هذا الأخ إلا أنه قال: هذا فعله تقيّة! فالتقية جزء من تكوين الشيعة الديني.

وذكرت لمتشدد آخر أن العلماء في إيران عندما زرتهم قدموني لأصلي بهم إماما، وأنا في دارهم، فقال: هذا من باب التقيّة! قلت: وما الداعي إلى التقية، ولست ممن يرجى ويخشى، ولم أطلب هذا ولم أتوقعه؟ والتقية إنما يقوم بها الضعيف، وبعد نجاح الثورة الإسلامية، وإقامة الجمهورية الإسلامية في إيران أصبح القوم أقوياء.

إن حمل كل عمل طيب، أو تصرف صالح من الشيعة، على أنه من باب (التقية) هو ضرب من سوء الظن، لا مبرر له ولا داعي إليه.

الهوامش:
1- الإنصاف (1/264) نشر مؤسسة الإمام الصادق في قم ـ إيران.

2- تفسير ابن كثير ج4/ 212، 213 في تفسير سورة الحجرات. طبعة الحلبي.

3- انظر: سنن ابن ماجه، كتاب الفتن، الحديث (3932)، وفيه صححنا اسم الصحابي، الذي ذكر ابن كثير أنه ابن عمر، وهو ابن عمرو، وفي الزوائد: في إسناده مقال؛ فيه نصر بن محمد شيخ ابن ماجه: ضعفه أبو حاتم، وذكره ابن حبان في الثقات.

4- قال ذلك: شكري مصطفى مؤسس جماعة التكفير والهجرة، فيما نقله عنه عبد الرحمن أبو الخير في كتابه (ذكرياتي مع جماعة الإخوان المسلمين) وقد كان واحدا منهم.

5- انظر: حديث أبي سعيد الخدري في ذكر الخوارج وصفاتهم: اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، الأحاديث (638-646).

6- رواه مسلم في البر والصلة عن أبي هريرة برقم (2623/ 139)، واتفق العلماء على أن هذا الذم إنما هو فيمن قاله على سبيل الازدراء للناس واحتقارهم، وتفضيل نفسه عليهم؛ فأما من قاله تحزنا لما يرى في نفسه وفي الناس من النقص في أمر الدين فلا بأس عليه.

7- رواه الطبراني في الأوسط جزءا من حديث عن ابن عمر، وحسنه في صحيح الجامع الصغير (3045).

8- انظر: الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف ص54-57.




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

التقارب السنى الشيعى Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28509
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

التقارب السنى الشيعى Empty رد: التقارب السنى الشيعى

مُساهمة من طرف سامح عسكر الجمعة فبراير 25, 2011 10:15 pm

مبادئ للتقريب بين المذاهب الإسلامية

لنتعاون في المتفق عليه.. ولنتحاور في المختلف فيه

أ.د يوسف القرضاوي
28/10/2003


ومن المبادئ المهمة في هذا الحوار أن نركز على مواضع الاتفاق، لا على نقاط التمايز والاختلاف، وخاصة أن معظم نقاط الاتفاق في الأمور الأساسية التي لا يقوم الدين إلا بها، بخلاف نقاط التمايز؛ فجلها في الفرعيات.

من هذه النقاط:

أ ـ الاتفاق على الإيمان بالله تعالى، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه خاتم النبيين، وأنه جاء ليتمم رسالات السماء جميعا، والإيمان بكل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الإيمان بجميع كتب الله، وجميع رسل الله، كما قال تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) [البقرة: 285]، فهذه قواعد الإيمان الأساسية نتفق جميعا على الإيمان بها، وهي أسس الدين وركائزه.

ب ـ الاتفاق على الإيمان بالقرآن الكريم، وأنه كتاب الله المبين، والذكر الحكيم، والصراط المستقيم، (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)[هود: 1] وأنه محفوظ من التحريف والتبديل بضمانة الله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9]. وأنه لا يخالف مسلم –سني أو شيعي – في أن ما بين الدفتين كلام الله.

وبهذا المصحف وآياته وكلماته يستدل المناظرون في العقائد، ويحتج بها المستنبطون للأحكام، ويرجع إليها أهل الدعوة والتربية والتوجيه؛ فينهلون من معينها العذب، ويقتبسون من سناها المضيء.

أما هل هناك زيادة على هذا القرآن -وهو ما زعمه قوم- فهذا لا نثيره؛ لأنه استطراد لا نحتاج إليه؛ فهذا القدر الذي اتفقنا عليه هو الذي يلزمنا، وهو المفروض علينا اتباعه والعمل به، وعدم الإخلال بأي جزء منه: (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَن يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة: 50،49]. فهنا نجد النص القرآني يحذر الرسول من اتباع أهواء أهل الكتاب وأمثالهم، وأن يفتنوه عن (بعض ما أنزل الله إليه)، إشارة إلى أن كل ما أنزل الله واجب الاتباع.

جـ ـ ومن نقاط الاتفاق: الالتزام بأركان الإسلام العملية: من الشهادتين، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت. فالفريقان –سنة وشيعة- يؤمنون بهذه الأركان أو الفرائض، وإن وجد خلاف بينهم في بعض الأحكام؛ فهو كما يحدث بين مذاهب السنة بعضها وبعض، فكم من فرق بين المذهب الحنبلي مثلا والمذهب الحنفي أو المالكي، وكم من مسائل انفرد بها المذهب الحنبلي عن المذاهب الأربعة، عرفت باسم (مفردات المذهب) ونظمها بعضهم في منظومة معروفة.

ومن يقرأ كتابا يهتم بفقه الاختلاف مثل (نيل الأوطار) للإمام الشوكاني رحمه الله يجد أنه يذكر علماء الأمصار وأئمة الفقه من أهل السنة ومن الشيعة، أو كما يسميهم هو وغيره فقهاء (العترة) أو (آل البيت) مثل الباقر والصادق والناصر والهادي وغيرهم، فلا يكاد القارئ أو الدارس يحس بفرق معتبر بين هذه المذاهب ومذاهب السنة، إلا كما يحس الفرق بين مذاهب السنة بعضها وبعض.

وإذا كان هذا واضحا بينا في العبادات، فهو أبين وأوضح في المعاملات.

وإذا كانوا هم لا يعترفون بكتب أهل السنة التي تعد مراجعهم في الحديث النبوي، مثل الكتب التسعة: الموطأ ومسند أحمد وصحيحي البخاري ومسلم، وسنن أبي داود والترمذي وابن ماجه والدارمي، وغيرها من الكتب، فإن معظم ما ثبت عندنا بالسنة ثبت عندهم من طريق رواتهم، إما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه، وإما عن طريق إمام من أئمتهم الذين يعتبرونهم معصومين.

والمهم: أن الفقهين في النهاية –فقه السنة وفقه الشيعة- يتقاربان إلى حد كبير؛ لأن المصدر الأصلي واحد، وهو الوحي الإلهي المتمثل في القرآن والسنة، والأهداف الأساسية والمقاصد الكلية للدين واحدة عند الفريقين، وهي: إقامة عدل الله ورحمته بين عباده.

وكثير من الآراء التي تعتبر شاذة عندنا من أحكامهم نجد بين أهل السنة من قال بها إذا أجدنا البحث والتنقيب.

خذ أشهر مسألة في الفقه حدث فيها الاختلاف بين المذهبين، وهي: زواج المتعة؛ فقد قال بها حبر الأمة ابن عباس، وإن قيل: إنه رجع عنها، ولكن ظل عدد من أصحابه في مكة وفي اليمن يفتون بها، مثل: عطاء وسعيد بن جبير وطاوس رضي الله عنهم جميعا.

التحاور في المختلف فيه

كان العلامة الشيخ محمد رشيد رضا صاحب (مجلة المنار) و(تفسير المنار) قد وضع قاعدة للتعامل بين المختلفين من (أهل القِبلة) سماها (القاعدة الذهبية) وهي القاعدة التي تقول: (نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه).

وقد تبنى هذه القاعدة كل المصلحين من أهل الحكمة والاعتدال، وعلى رأسهم الإمام حسن البنا الذي ردد هذه الكلمة في بعض رسائله ومحاضراته، حتى حسبها بعض أتباعه من كلمات البنا نفسه. وقد شكك بعض إخواننا من السلفيين في الشق الثاني من هذه القاعدة، وقال: كيف نعذر المختلفين إذا خالفوا النص؟ وقد رددت على هؤلاء فيما كتبته في الجزء الثاني من كتابي (فتاوى معاصرة)، وبينت أن النصوص منها ما هو قطعي الثبوت والدلالة، وهذا لا عذر لأحد في مخالفته، ولكن هذا النوع من النصوص قليل جدا.

ومعظم النصوص إما قطعية الثبوت ظنية الدلالة، أو ظنية الثبوت قطعية الدلالة، أو ظنية الثبوت ظنية الدلالة، وفي هذه (الظنية) مجال الاجتهاد والاختلاف، وهنا يكون عذر المخالف.

فقد يكون معك حديث في المسألة، ولكني أخالفك فيه؛ لأنه ثابت عندك، وليس بثابت عندي، ولهذا أمثلة لا تحصر. أو يكون ثابتا عند كلينا، ولكن فهمي له غير فهمك له، واستنباطي منه يخالف استنباطك، ومخالفتي لك هنا ليست مخالفة للحديث، بل لفهمك له، والحديث وحي، ولكن فهمك له ليس وحيا.

هذه القاعدة الذهبية حورها أحد إخواننا الباحثين المعاصرين، فجعلها بهذه الصيغة: (نتعاون فيما اتفقنا عليه، ونتحاور فيما اختلفنا فيه). هكذا عدلها أخونا وصديقنا الباحث المدقق عبد الحليم محمد أبو شقة رحمه الله، صاحب موسوعة (تحرير المرأة في عصر الرسالة). وهو يرى رحمه الله: أن كل مختلف فيه قابل للحوار، إذا كان الحوار جادا ومخلصا في طلب الحقيقة، بعيدا عن التعصب والانغلاق. وربما أدى تلاقح الأفكار، وتفاعل الآراء، إلى جلاء نقطة غامضة، أو تقريب مسافة كانت بعيدة، أو الخروج بتفسير يقبله الطرفان أو غير ذلك.

ورأيي أن نركز في الحوار على (الجوانب العملية) ونؤجل الجوانب النظرية والتجريدية، فالغالب أن الجدل فيها لا يوصل إلى نتيجة، مثل (رؤية الله في الآخرة) فالخلاف فيها بين أهل السنة والمعتزلة –ومنهم الشيعة الجعفرية والزيدية والإباضية- خلاف قديم عميق، والجدال حوله لا يقدم ولا يؤخر؛ لأن كل فريق متشبث برأيه، مُصِر على موقفه.

ذكر أبو حيان التوحيدي في (البصائر والذخائر) عن شيخه القاضي أبي حامد المَرْوَرُّوذي من أعلام الشافعية: أنه كان إذا رأى تراجع المتكلمين في مسائلهم، وثباتهم على مذاهبهم بعد طول جدلهم، ينشد:

ومَهْمَهٍ دليلُـه مطـوَّح يدأب فيه القوم حتى يَطلحوا

ثم يظلون كأن لم يبرحوا كأنما أمسوا بحيث أصبحوا![1]

و(الجوانب العملية) التي أشير إلى جدوى الحوار فيها أقصد بها أمرين:

الأمر الأول: ما يتعلق بمواقفنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ بحيث نجتمع حول هدف واحد، ونصدر عن موقف واحد، ونواجه المخططات المعادية بإستراتيجية واحدة.

وإذا كان في بعض الأحيان وقفت الجهات الإسلامية (الأزهر ورابطة العالم الإسلامي والجمهورية الإيرانية الإسلامية) في مؤتمر السكان بالقاهرة صيف سنة 1994م مع ممثلي الفاتيكان والكنيسة الكاثوليكية في جبهة واحدة.. ضد دعاة الإباحية واستحلال الإجهاض بإطلاق، ودعاة العري والحرية الجنسية المطلقة، ورفع سلطة الأسرة عن التربية الجنسية للأطفال وغير ذلك؛ فقد اقتضت المصلحة المشتركة، والموقف الفكري المشترك أن يقف ممثلو الإسلام والنصرانية في خط واحد؛ فكيف لا يقف السنة والشيعة في خط واحد إذا كان العدو واحدا يريد الخلاص منهما جميعا؟!

والأمر الثاني: ما يتعلق بالأحكام الفقهية العملية؛ فالحوار فيها أيسر وأقرب منالا من البحث في الأمور العقائدية والكلامية. وربما كان البحث في المعاملات والفقه الاقتصادي أسهل من البحث في العبادات والشعائر والأركان الدينية. ولا مانع من البحث في العبادات بروح من يريد أن يجد حلا للمشكلات القائمة، لا بروح المتعصب المنغلق، الذي لا يريد أن يفتح بابا للتفاهم والتقارب.

ومن ذلك: البحث في "الجمع بين الصلاتين" (أي بين الظهر والعصر، أو بين المغرب والعشاء) عند الشيعة: أهو رخصة يراد بها التيسير أم هو فريضة ملتزمة، كما نرى عند الشيعة اليوم في واقع الأمر؟ أم هل يقصد به مخالفة أهل السنة والتميز عنهم؟

والذي رأيته عند الشيعة ما قاله الشيخ السبحاني في كتابه (الإنصاف) الذي سبقت الإشارة إليه: "اتفقت الإمامية على أنه يجوز الجمع بين الصلاتين في الحضر اختيارا، وإن كان التفريق أفضل"[2].

ومن ذلك البحث في الشهادة الثالثة في الآذان: (وأشهد أن عليا ولي الله) أهذه الشهادة الزائدة على الشهادتين المتفق عليهما مما قرره الفقهاء وألزموا به؟ ومن أي عصر تقرر هذا؟ أم هذا من زيادات العوام، سكت عليها العلماء، خوفا من هياج العامة؟ وهو الظاهر.

مثل هذه المحاورات في الفقه العملي اليومي تكون مجدية إذا بحثت بروح الجدية والأخوة والتسامح، دون تشنج أو اتهام.


الهوامش:
1- انظر : البصائر والذخائر: 1/60، 21، وطبقات الشافعية الكبرى: 3/13، والمهمه: الصحراء، ويطلحوا : يعيبوا.

2- الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف (1/285).




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

التقارب السنى الشيعى Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28509
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

التقارب السنى الشيعى Empty رد: التقارب السنى الشيعى

مُساهمة من طرف سامح عسكر الجمعة فبراير 25, 2011 10:16 pm

مبادئ للتقريب بين المذاهب الإسلامية

تجنب الاستفزاز.. والمصارحة بالحكمة

أ.د يوسف القرضاوي
28/10/2003


ومن المبادئ المهمة في الحوار الإسلامي الإسلامي والتقريب بين المذاهب الإسلامية تجنب الاستفزاز من أحد الطرفين للآخر، فالحوار المنشود –أو الجدال بالتي هي أحسن كما سماه القرآن- يقتضي أن يتوخى كل من الطرفين في خطاب الآخر العبارات المثيرة، والكلمات المستفزة التي تحدث التوتر في الأعصاب، والإيغار في الصدور، واختيار الكلمات التي تقرب ولا تباعد، وتحبب ولا تبغض، وتجمع ولا تفرق.

ومن ذلك: ترك الألقاب التي لا يحبها أحد الفريقين: كتسمية الشيعة – بـ(الرافضة) وأهل السنة بـ (الناصبة). وخطاب كل فئة باللقب الذي تسمي به نفسها وقد قال تعالى: (وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ) [الحجرات: 11] ومن أدب المسلم إذا لقي أخاه المسلم أن يدعوه بأحب الأسماء إليه. وقد اعتاد العرب أن ينادي بعضهم بعضا بكنيته، مثل: يا أبا حفص، أو يا أبا الحسن، أو يا أبا ذر.

ومن ذلك: البعد عن الموضوعات ذات الحساسية الخاصة التي إذا أثيرت اشتعلت النار، وارتفع الدخان، مثل الإساءة إلى آل البيت من قبل السنة، أو إلى الصحابة من قبل الشيعة. ومن النادر –بل الشاذ- أن يمس أحد من السنة آل البيت؛ لأن لآل البيت عندهم من الكرامة والمنزلة والقرب ما يجعلهم محببين إلى كل قلب، ممدوحين على كل لسان، ومَن من أهل السنة لا يحب أمير المؤمنين عليا كرم الله وجهه، وفاطمة الزهراء رضي الله عنها أحب الناس إلى رسول الله رضي الله عنها، وابنيها الحسن والحسين سبطي رسول الله وسيدَيْ شباب أهل الجنة؟!

ولذلك تبقى المشكلة في (سب الصحابة) من قبل الشيعة، وخصوصا الكبار منهم، الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، مثل الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان، رضي الله عنهم، ومن كان من العشرة المبشرين بالجنة مثل طلحة والزبير، وهؤلاء جميعا من السابقين الأولين من المهاجرين، الذين كان لهم فضل السبق إلى الإيمان برسول الله، فصدقوه حيث كذبه الناس، وآمنوا به حيث كفر به الناس، ولذا أثنى عليهم الله تعالى في كتابه، ورضي الله عنهم ورضوا عنه.

ومثل ذلك: من برّأها الله من فوق سبع سماوات؛ الصديقة بنت الصديق، أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وغيرهم من الصحابة الذين هم دون هؤلاء في المنزلة، ولكنهم سعدوا بصحبة محمد صلى الله عليه وسلم، وكلهم على خير، كما قال تعالى: (لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [الحديد: 10].

وهذه هي النقطة الحساسة، بل الشديدة الحساسية بيننا وبين إخواننا من الشيعة، فليس يمكن أن نتفاهم ونتقارب فيما بيننا، وأنا أقول: أبو بكر رضي الله عنه، وأنت تقول: أبو بكر لعنه الله!! فكم من الفرق البعيد بين الترضي عن شخص وقذفه باللعنة؟!

وقد تحدثت مع عدد من علماء الشيعة ممن أعرفهم من ذوي الأناة والحكمة، وقلت لهم: إن هذه القضية هي الحاجز الأول أمام التقارب، ولا بد للعقلاء أن يحاصروها، أو على الأقل يخففوا من آثارها، فإنها إذا تركت لغرائز العوام المشحونة بالغضب والحقد جديرة بأن تأكل الأخضر واليابس، ولا تدع لأهل العلم والحكمة فرصة في التوحيد أو التقريب.

والحق أقول: إن هؤلاء العقلاء -أمثال آية الله محمد علي التسخيري، وآية الله واعظ زاده وغيرهما- وافقوني تماما على ذلك، وأكدوا لي أن هذا الاتجاه يقوى عندهم وينتشر شيئا فشيئا، حتى إن المناهج الدارسية الجديدة في إيران تذكر في بعض كتبها مواقف تاريخية لأبي بكر وعمر فيها تمجيد لهما وثناء عليهما.

قلت لهم: هذا ما يجب أن يتبنى ويتوسع فيه في مؤسسات التربية الحكومية، وفي مجال التربية الأسرية الخاص؛ فإن الثقافة الشيعية الشعبية كثيرا ما تحمَّل بأوهام ومبالغات وخزعبلات، لا تثبت أمام النقد العلمي، ولكنها عند العامة حقائق -أو معتقدات- تحرك سواكنهم، وتثير كوامنهم.

والحقيقة أن هذه القضية الخطيرة في حاجة إلى تمحيص ومصارحة؛ لتصفيتها، وجلاء الغبار عنها، أو على الأقل للوقوف موقفا إيجابيا حكيما منها.

وأحب أن أضع هذه النقاط أمام إخواني الشيعة، لا أقصد بها إلا ابتغاء وجه الله، وخدمة دينه، وجمع الأمة كلها عليه..

أولا: أن هذا الذي حدث بين الصحابة بعضهم وبعض من خلاف -وإن دخلته المبالغات ولوثته الأهواء، وضخمته أجواء الفتن- قد أصبح تاريخا انتهى وطويت صفحاته بحلوه ومره، وخيره وشره، وسيسأل الله أصحابه ويجزيهم بأعمالهم ونياتهم، وأولى بنا أن ندع ذلك إلى الله ولا نكلف أنفسنا حسابهم. وقد قال تعالى: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [البقرة: 134].

وهذا ما جعل الخليفة الراشد المرضيّ عمر بن عبد العزيز يقول حينما سئل عن تلك الفتن وما جرى فيها: تلك دماء طهر الله فيها أيدينا، فلا نلطخ بها ألسنتا!

إن من قواعد التسامح بين المختلفين من أهل الديانات أن حساب الضال منا على ضلاله، والكافر على كفره، إنما هو إلى الله تعالى، وليس إلينا، وأن موعد هذا الحساب إنما هو في الآخرة، وليس في هذه الدنيا، كما قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [الحج: 17].

فإذا كان هذا شأن المختلفين من أهل الديانات المتباينة؛ فكيف بالمختلفين من أهل الدين الواحد؟

إن الأجدر بنا هنا أن نكل هؤلاء المختلفين إلى نياتهم وسرائرهم، وقد أفضوا إلى ما قدموا.

على أن هؤلاء الصحابة لو سلمنا أنهم أخطئوا أو أذنبوا، لكان لهم من صحبتهم لرسول الله، ومن جهادهم معه ما يشفع لهم عند الله، كما قال الرسول لعمر في شأن حاطب بن أبي بلتعه، وقد قام بعمل من أعمال التجسس لحساب قريش قبيل فتح مكة، فقال عمر لرسول الله: "دعني أضرب عنقه فقد نافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شهد بدرًا: وما يدريك يا عمر لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"[1].

وقد قال الإمام القرطبي في تفسيره (الجامع لأحكام القرن): (لا يجوز أن يُنسب إلى أحد من الصحابة خطأ مقطوع به، إذ كانوا كلهم اجتهدوا فيما فعلوه وأرادوا الله عز وجل، وهم كلهم لنا أئمة، وقد تعبّدنا بالكف عما شجر بينهم، وألا نذكرهم إلا بحسن الذكر، لحرمة الصحبة، ولنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سبهم، وأن الله غفر لهم، وأخبر بالرضا عنهم. هذا مع ما قد ورد من الإخبار من طرق مختلفة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن طلحة شهيد يمشي على وجه الأرض، فلو كان ما خرج إليه من الحرب عصيانا لم يكن بالقتل فيه شهيدا. وكذلك لو كان ما خرج إليه خطأ في التأويل وتقصيرا في الواجب عليه، لأن الشهادة لا تكون إلا بقتل في طاعة، فوجب حمل أمرهم على ما بيناه.

ومما يدل على ذلك ما قد صح وانتشر من إخبار عليّ بأن قاتل ابن صفية في النار. وقوله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بشر قاتل ابن صفية بالنار". وإذا كانت كذلك فقد ثبت أن طلحة والزبير غير عاصين ولا آثمين بالقتال؛ لأن ذلك لو كان كذلك لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في طلحة: "شهيد". ولم يخبر أن قاتل الزبير في النار.

وكذلك من قعد غير مخطئ في التأويل بل صواب أراهم الله الاجتهاد. وإذا كان كذلك لم يوجب ذلك لعنهم والبراءة منهم وتفسيقهم، وإبطال فضائلهم وجهادهم، وعظيم غنائهم في الدين، رضي الله عنهم.

وقد سئل بعضهم عن الدماء التي أريقت فيما بينهم فقال: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [البقرة: 134].

وسئل بعضهم عنها أيضا فقال: تلك دماء قد طهر الله منها يدي، فلا أخضب بها لساني. يعني في التحرز من الوقوع في الخطأ، والحكم على بعضهم بما لا يكون مصيبا فيه.

قال ابن فُورَك: ومن أصحابنا من قال: إن سبيل ما جرى بين الصحابة من المنازعات كسبيل ما جرى بين إخوة يوسف مع يوسف، ثم إنهم لم يخرجوا بذلك عن حدّ الولاية والنبوة؛ فكذلك الأمر فيما جرى بين الصحابة.

وقال المحاسبي: فأما الدماء فقد أشكل علينا القول فيها باختلافهم. وقد سئل الحسن البصري عن قتالهم، فقال: قتال شهده أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وغِبنا، وعلموا وجهلنا، واجتمعوا فاتبعنا، واختلفوا فوقفنا. قال المحاسبي: فنحن نقول كما قال الحسن، ونعلم أن القوم كانوا أعلم بما دخلوا فيه منا، ونتبع ما اجتمعوا عليه، ونقف عند ما اختلفوا فيه، ولا نبتدع رأيا منا، ونعلم أنهم اجتهدوا وأرادوا الله عز وجل، إذ كانوا غير متّهمين في الدين. ونسأل الله التوفيق.[2]

ثم إن علينا -من ناحية أخرى- أن نشتغل بحاضرنا، بدل أن يشغلنا ماضينا، وحاضرنا مليء بالمصاعب والآفات والعقبات التي تقف في وجوه المصلحين والمجددين، وهي تحتاج منا إلى جهود مضنية، كفيلة بأن تشغل عقولنا وقلوبنا وسواعدنا.

وقد سمعت شيخنا محمد الغزالي رحمه الله يرد على رجل يجادله فيما كان بين الصحابة، ويثير سؤالا لا معنى له: أيهما كان أحق بالخلافة: أبو بكر أم علي؟ فقال له الشيخ: لقد ذهب أبو بكر وذهب علي، وذهبت الخلافة الراشدة والأموية والعباسية والعثمانية، وألغيت الخلافة نهائيا من ديار الإسلام، وأصبح الذين يتحكمون فينا هم الخواجات الأجانب، لا أبو بكر ولا علي.. فإلى متى نظل في هذه المفاضلات الحمقاء؟!

ثانيا: أن مسألة "السب" في ذاتها ليست محمودة شرعا؛ فالمؤمن ليس سبابا ولا لعانا، والقرآن ينهى عن سب الأصنام، خشية أن يثير ذلك المشركين، فيسبوا الله تعالى دفاعا عن آلهتهم كما قال تعالى: (وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) [الأنعام: 108].

ومن قرأ السنة النبوية وجد جملة من الأحاديث تنهى عن السب؛ ففي صحيح الجامع الصغير وزيادته تقرأ عدة أحاديث كلها تنهى عن السب من رقم
(7309) إلى (7322) [3]، ومنها:

"لا تسبوا أصحابي.. فوالذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أُحد ذهبًا، ما بلغ مُدّ أحدهم ولا نصيفه".

"لا تسبوا الأموات، فإنهم أفضو إلى ما قدموا".

"لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر".

"لا تسبوا الديك، فإنه يوقظ للصلاة".

"لا تسبوا الريح، فإنها من رَوْح الله".

"لا تسبي الحُمّى فإنها تذهب خطايا بني آدم".

وأعجب هذه الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا الشيطان، وتعوذوا بالله من شره" حتى الشيطان الرجيم ينبغي ألا نشتغل بسبه، ولكن نتعوذ بالله من شره؛ لأن السب عمل سلبي، والاستعاذة من شر الشيطان عمل إيجابي.

والغربيون يقولون: بدل أن تسب الظلام أضئ شمعة. أي أن سب الظلام ولعنه لا يغير من الواقع شيئًا، وخير منه أن تعمل شيئا يضيء لك الطريق في الظلام، ولو كان شمعة صغيرة.

ثم إن عدم السب واللعن مطلقا لا يحمل أي مسؤولية، فليس سب الأشرار أو الكفار ولعنهم واجبا دينيا إذا لم يقم به المكلف كان معاتبا عليه أمام الله، حتى قال بعض الأئمة: لو عاش إنسان طول عمره دون أن يلعن فرعون، أو أبا جهل، أو إبليس، ما كان محاسبًا يوم القيامة على ذلك. ولو أنه لعن مرة واحدة من لا يستحق اللعنة لكان محاسبا أمام الله تعالى يوم الدين: لماذا لعنه؟

ولذا قال الإمام الغزالي: المؤمن ليس بلعان؛ فينبغي ألا يطلق اللسان باللعنة إلا على من مات على الكفر، أو على الأجناس المعروفين بأوصافهم، دون الأشخاص المعنيين، فالاشتغال بذكر الله أولى، فإن لم يكن ففي السكوت سلامة.

قال مكي بن إبراهيم: كنا عند ابن عون، فذكروا بلال بن أبي بردة (الوالي) فجعلوا يلعنونه ويقعون فيه؛ وابن عون ساكت، فقالوا: يا ابن عون؛ إنما نذكره لما ارتكب منك! فقال: إنما هما كلمتان تخرجان من صحيفتي يوم القيامة: "لا إله إلا الله"، "ولعن الله فلانا"، فلأن يخرج من صحيفتي: "لا إله إلا الله"؛ أحب إلي من أن يخرج منها : "لعن الله فلانا"!

وقال ابن عمر: أبغض الناس إلى الله كل طعان لعان"[4].

ثم إن سب الصحابة خاصة غير لائق بالمسلم، لصلتهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم أصحابه وأخص الناس به، فهم قد تخرجوا في مدرسته، وتعلموا في حجره، واقتبسوا من مشكاة نبوته، وشاهدوا تنزيل القرآن، ووقائع السيرة، ومن الطبيعي والمنطقي أن ينالهم قبس من نور النبوة، وأن ينهلوا من فيض الرسالة، ومن سب أقرب تلاميذ الأستاذ له، فكأنما سب الأستاذ نفسه.

ولهذا كان التابعون أقرب في الفضل إليهم؛ لأنهم تتلمذوا عليهم، وأخذوا عنهم، ومن بعد التابعين بعدوا عن نور النبوة أكثر، وكل عصر يبعد أكثر من غيره.

وقد أثنى القرآن على الصحابة في مواضع منه، كما في سورة التوبة، وأواخر الأنفال، وآخر الفتح، وسورة الحديد، وسورة الحشر، وغيرها. بل أثنى القرآن على من اتبع الصحابة بإحسان، فقال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 100].

كما أثنى الرسول عليهم عموما وخصوصا في أحاديث انتشرت واستفاضت وبلغت مبلغ التواتر.

والتاريخ شاهد صدق على فضل هؤلاء؛ فهم الذين حفظوا لنا القرآن ونقلوه إلينا بالتواتر، وهم الذين رووا لنا سنن النبي وأقواله وأفعاله وتقريراته. وهم الذين فتحوا الفتوح، ونشروا الإسلام في آفاق الأرض، فلولاهم ما كنا نحن اليوم مسلمين، فهم الذين علموا الأمم الإسلام، بعد أن تعلموه من رسولهم عليه السلام.

نصيحة للفريقين:

وأود أن أنصح الفريقين من السنة والشيعة أن يحرصوا على نقل الأقوال التي من شأنها أن تجمع ولا تفرق، وأن تقرب ولا تباعد، وأن تزرع المحبة لا الأحقاد ولا البغضاء؛ فإنها هي الحالقة، لا تحلق الشعر ولكن تحلق الدين.

من ذلك ما نقله العلامة الهندي الشيخ رحمة الله في كتابه القيم (إظهار الحق) الذي رد به على المنصِّرين فأفحمهم؛ قال رحمه الله: (وأنقل خمسة أقوال لأهل البيت عليهم السلام، على عدد الخمسة الطاهرين عليهم السلام.

(1) في "نهج البلاغة" الذي هو كتاب معتبر عند الشيعة، قول علي رضي الله عنه هكذا: (لله در فلان فلقد: 1: قوم الأَوْد، 2: وداوى العمد، 3: وأقام السنة، 4: وقمع البدعة، 5: ذهب نقي الثوب، 6: قليل العيب، 7: أصاب خيرها، 8: وسبق شرها، 9: أدى إلى الله طاعته، 10: واتقاه بحقه، رحل وتركهم في طرق متشعبة لا يهتدي فيها الضال، ويستيقن المهتدي) انتهى.

والمراد بفلان -على مختار أكثر الشارحين، منهم البحراني- أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وعلى مختار بعض الشارحين: عمر الفاروق رضي الله عنه، فذكر علي رضي الله عنه عشرة أوصاف، من أوصاف أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فلا بد من وجودها، ولما ثبتت هذه الأوصاف له بعد مماته بإقرار علي رضي الله عنه، فما بقي في صحة خلافته شك.

(2) وفي "كشف الغمة" الذي هو تصنيف علي بن عيسى الأردبيلي الإثنا عشري الذي هو من الفضلاء المعتمدين عند الإمامية: (سئل الإمام جعفر عليه السلام عن حلية السيف: هل تجوز؟ فقال: نعم، قد حلى أبو بكر الصديق سيفه. فقال الراوي: أتقول هكذا؟ فوثب الإمام عن مكانه، فقال: نعم الصديق، نعم الصديق، نعم الصديق، فمن لم يقل له: الصديق، فلا صدّق الله قوله في الدنيا والآخرة).

فثبت بإقرار الإمام الهمام أن أبابكر الصديق رضي الله عنه صديق حق، منكره كاذب في الدنيا والآخرة.

(3) ووقع في بعض مكاتيب علي رضي الله عنه -على ما نقل شارحو نهج البلاغة- في حق أبي بكر وعمر رضي الله عنهما هكذا: "لعمري إن مكانهما من الإسلام لعظيم، وإن المصاب بهما لحرج في الإسلام شديد، رحمهما الله، وجزاهما الله بأحسن ما عملا".

(4) ونقل صاحب "الفصول" الذي هو من كبار علماء الإمامية الإثنا عشرية عن الإمام الهمام محمد الباقر رضي الله عنه هكذا: "إنه قال لجماعة خاضوا في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم: ألا تخبروني.. أنتم من المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم، يبتغون فضلا من الله ورضوانا، وينصرون الله ورسوله؟ قالوا: لا. قال: فأنتم من الذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم؟ قالوا: لا. قال: أما أنتم فقد برئتم أن تكونوا أحد هذين الفريقين، وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله تعالى فيهم: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [الحشر: 10].

فالخائض في الصديق والفاروق وذي النورين رضي الله عنهم خارج من الفرق الثلاثة الذين مدحهم الله بشهادة الإمام الهمام رضي الله عنه.

(5) وفي التفسير المنسوب إلى الإمام الهمام الحسن العسكري رضي الله عنه وعن آبائه الكرام: (إن الله أوحى إلى آدم ليفيض على كل واحد من محبي محمد وآل محمد وأصحاب محمد: ما لو قسمت على كل عدد ما خلق الله في طول الدهر إلى آخره، وكانوا كفارا، لأداهم إلى عاقبة محمودة، وإيمان بالله، حتى يستحقوا به الجنة، وإن من يبغض آل محمد وأصحابه أو واحدا منهم يعذبه الله عذابا لو قسم على مثل خلق الله لأهلكهم أجمعين).

فعلم أن المحبة إنما تكون بالنسبة إلى الآل والأصحاب رضي الله عنهم لا بالنسبة إلى أحدهما، وإن بُغض واحد من الآل والأصحاب كاف للهلاك، نجانا الله من سوء الاعتقاد في حق الصحابة والآل رضوان الله عليهم أجمعين، وأماتنا على حبهم، ونظرا إلى الآيات الكثيرة والأحاديث الصحيحة اتفق أهل الحق على وجوب تعظيم الصحابة رضي الله عنهم[5].

المصارحة بالحكمة

ومن مبادئ الحوار الإسلامي الإسلامي أن يصارح بعضنا بعضا بالمشاكل القائمة، والمسائل المعلقة، والعوائق المانعة، ومحاولة التغلب عليها بالحكمة والتدرج والتعاون المفروض شرعا بين المسلمين بعضهم وبعض.

فليس من الحكمة أن نخفي كل شيء، أو نسكت عنه، أو نؤجله وندعه معلقا دون أن نجرؤ على إثارته أو الكلام فيه؛ فهذا لا يحل مشكلة، ولا يقدم علاجا، أو يقرب بين الفريقين خطوة واحدة.

من ذلك ما ذكرته للإخوة من علماء الشيعة حين زرتهم في إيران، وهو أن من المهم أن نراعي (فقه الموازنات) و(فقه الأولويات) في العلاقة بين بعضنا وبعض. فقد يتراءى للبعض أن ينشر المذهب الشيعي في البلاد السنية الخالصة مثل مصر أو السودان، ورأيي أن هذا عمل ضرره أكبر من نفعه؛ لأنه يثير فتنا وبلبلة في مجتمع واحد مستقر على السنة، ويحدث توترا وغضبا ضد الشيعة، في حين لا تكسب للشيعة من وراء ذلك إلا أفرادا معدودين هم في غنى عنهم. فأيهما أرجح في ميزان المصالح الحقيقية: إثارة شعب بكل فئاته ضد المذهب أم كسب أفراد منه؟

وأذكر أني تكلمت في هذا الموضوع، وكان العلامة الشيخ التسخيري حاضرا، فقال: صدقت والله، ولنا في ذلك تجربة حية؛ فقد كانت علاقتنا جيدة مع (ثورة الإنقاذ) في السودان، وفتحنا مكتبا هناك وتصرف مدير المكتب تصرفا أثار الإخوة هناك، بأن وزع عدة مئات من كتاب عنوانه (ثم اهتديت) على لسان رجل كان سنيا ثم تشيع، فما كان من الإخوة في الخرطوم إلا أن أغلقوا المكتب نهائيا، وطردوا مديره.

ومن هنا أقول: ينبغي للشيعة ألا يحاولوا نشر المذهب الشيعي في بلاد السنة الخالصة، ولا لأهل السنة أن ينشروا مذهبهم في البلاد الخالصة للمذهب الشيعي، إبقاء على الود، واتقاء للفتنة.

ومما صارحت به الإخوة في إيران ضرورة مراعاة حقوق الأقلية السنية بين الشيعة، أو الحقوق الشيعية بين السنة. وكان مما قلته للإخوة هناك أن في مصر أقلية قبطية، ولهذا يراعى في كل حكومة أن يكون لها وزيران أو ثلاثة على الأقل.

وفي إيران أقلية كبيرة من أهل السنة من الأكراد ومن العرب، وهم شافعية، ومن البلوش وهم حنفية، ولكنهم لا يمثلون في الحكومة ولا بوزير واحد، وكل المحافظين الذي يولون عليهم من الشيعة. فقيل لي: هم ممثلون في مجلس الشورى، قلت: ولكن ليس بنسبة عددهم، على أن مجلس الشورى شيء، ومجلس الوزراء شيء آخر.

ومما قلته للإخوة أيضا في إيران: إن أهل السنة في طهران يقدرون بمليونين أو أكثر، وهم يطالبون منذ سنين بإقامة مسجد لهم، يجتمعون فيه لأداء فريضة صلاة الجمعة، ويشاركهم في ذلك السفراء العرب والمسلمون، فلم تستجب السلطات لهم حتى الآن.

قال لي أحد المشايخ: ولماذا لا يصلي أهل السنة مع الشيعة في مساجدهم؟ قلت: إن صلاة الجمعة ليست مطلوبة عند الشيعة طلبها عند أهل السنة ما دام الإمام غائبا، ولهذا لا تقام جمعة في طهران إلا في مسجد واحد هو مسجد الجامعة.

على أن من حق كل طائفة أن تصلي في المسجد الذي يحقق مطالبها، ولا يجوز أن يفرض على الناس ما يخالف معتقداتهم ومذاهبهم.

وفي مصر جمعية دينية معروفة، هي (الجمعية الشرعية) التي أسسها العلامة الشيخ محمود خطاب السبكي، وهذه لها مساجدها الخاصة بها، تبنيها على طريقتها وذوقها، فليس لها مآذن في العادة، ومنبرها من ثلاث درجات، ولهم فيها صلاة طويلة في القراءة والتسبيح والركوع والسجود، ينفردون بها عن غيرهم. ولم ينكر أحد في مصر لا من العلماء ولا من غيرهم حق الجمعية الشرعية في إقامة هذه المساجد، وإقامة الصلاة بها على الوجه الذي يرضونه.

والوضع الآن في العراق -بعد زوال حكم الطاغية صدام حسين، وسقوط النظام البعثي- يجب أن تعالج العلاقة بين السنة والشيعة بالمصارحة اللازمة في هذه الآونة الخطيرة، وأن يراعى العدل في اقتسام تركة البعث. فالحق أن أهل السنة في العراق يشكون من أن إخوانهم الشيعة يريدون أن يرثوا التركة وحدهم، ولا يكادون يتركون للسنة إلا الفتات. حتى المساجد التي في مناطق أهل السنة استولى عليها الإخوة الشيعة، ومنها: مسجد صدام الكبير، الذي بني في منطقة ليس فيها شيعي واحد!

وحجة الشيعة: أن "صدام" كان سنيّا، وأنه مالأ أهل السنة. وهذا قول مردود. وعقلاء الشيعة يعرفون ذلك. فلم يكن صدام بالسني ولا بالشيعي، ولا علاقة له بالإسلام. وعلاقته بالإسلاميين -عسكريين ومدنيين، سنيين وشيعيين- دموية. فلم يكن يهتم بالدين أصلا، لا عقيدة ولا شريعة، ولا قيمًا ولا أخلاقًا. فنسبته إلى السنة ظلم، ومعاقبتهم بسبب طغيانه أمر منكر؛ فقد أصاب العراق كله منه شر كثير، أصاب العرب والأكراد، وأصاب الشيعة والسنة جميعا.


الهوامش:
1- رواه البخاري في الجهاد (3007) و(3081)، وفي المغازي (3983)، وفي مواضع أخرى بالأرقام التالية: (4274) و(4890) و(6259) و(6939)، ومسلم في فضائل الصحابة (2494)، كلاهما عن علي رضي الله عنه.

2- تفسير القرطبي (16/322،321) طبعة دار الكتب المصرية.

3- انظر: صحيح الجامع الصغير وزيادته (ج2 ص 1222، 1223) طبعة المكتب الإسلامي – بيروت.

4- إحياء علوم الدين (3/125، 126) طبعة دار المعرفة – بيروت.

5- من كتاب (إظهار الحق) تحقيق عمر الدسوقي ص445، 446.




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

التقارب السنى الشيعى Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28509
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

التقارب السنى الشيعى Empty رد: التقارب السنى الشيعى

مُساهمة من طرف سامح عسكر الجمعة فبراير 25, 2011 10:17 pm

مبادئ للتقريب بين المذاهب الإسلامية

البعد عن شطط الغلاة

أ.د يوسف القرضاوي
28/10/2003


ومن المبادئ التي تجب رعايتها في حوار المسلمين بعضهم مع بعض.. البعد عن شطط الغلاة والمتطرفين من كلا الفريقين، الذين يثيرون الفتن في حديثهم إذا تحدثوا، وفي كتابتهم إذا كتبوا، وإذا كانت الفتنة نائمة أيقظوها، أو ساكنة حركوها، أو ضعيفة تبرعوا لها من دمائهم حتى تحيا وتقوى.

إن المعوّل عليه هنا هم: المعتدلون من أهل البصيرة والحكمة، الذين لا يتشنجون، ولا يتنطعون، وينظرون إلى الأمور بهدوء وعقلانية ووسطية، لا ينظرون إلى الأمر من زاوية واحدة، بل من جميع زواياه، ولا يكتفون بالنظر إلى السطح، بل يحاولون أن يغوصوا في الأعماق، ولا يقتصرون على آثاره اليوم، بل يمتدون ببصرهم إلى المستقبل، وهؤلاء هم الذين رزقوا (الفقه) بمعناه الواسع.. ونعني به: فقه السنن، وفقه المقاصد، وفقه المآلات، وفقه الموازنات، وفقه الأولويات.

إننا إذا نظرنا في ضوء هذا الفقه الرحب المنشود نجد أن المصلحة تقتضي توحيد المسلمين في مواجهة القوى الكبرى المتربصة بهم، والمعادية لهم، ويكفي أن يتوحدوا أو يتجمعوا على (الحد الأدنى). وأدنى الحدود هو: (ما يصير به المسلم مسلما). وإنما يصير مسلما بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ومعنى هذا: أن أهل لا إله إلا الله، وبعبارة أخرى (أهل القبلة) أي الذين يتجهون في صلاتهم إلى القبلة يجب أن يتحدوا ويجتمعوا في صورة من الصور.

إن الأمة لا تستطيع أن تواجه أعداءها وهي متفرقة، ولا تستطيع أن تحقق أهدافها وهي متفرقة، ولا تستطيع أن تطور إمكاناتها وهي متفرقة، ولا أن تكسب لها مكانا في عالم اليوم –عالم الثورات العلمية– وهي متفرقة.

وأقل مظاهر الاتحاد: الجانب السلبي منه، وهو طرح العداوة، وترك الجفوة؛ فلا يعادي بعض الأمة بعضا، ولا يجافي بعضها بعضا، ناهيك من أن يكيد بعضها لبعض، أو يقاتل بعضها بعضا.

ومن أبرز مظاهر الغلو الذي يجب أن يُجتنب: السقوط في هاوية (التكفير). وهو أمر خطير، تترتب عليه آثار هائلة؛ لأن مقتضى الحكم بالكفر على إنسان: أنك حكمت عليه بالإعدام المادي والأدبي: أي أهدرت دمه، وأخرجته من الملة، وحرمته من ولاء الأمة والأسرة، حتى لو لم يقم عليه حد الردة؛ فهو ميت أدبيا ومعنويا.

إن أشد ما يعاقب به الإنسان المسلم: أن يُحكَم عليه بالكفر، وهذا باب لا يجوز فتحه لكل من هب ودب من الناس، يكفر من يشاء بغير ضابط ولا رابط ولا أصل ولا قاعدة.

إن الأصل: أن من دخل الإسلام بيقين لا يجوز أن يخرج منه إلا بيقين مثله أو أشد منه، فإن من القواعد المتفق عليها: أن اليقين لا يُزال بالشك. وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من التكفير تحذيرا بليغا، حين قال: "أيما رجل قال لأخيه: يا كافر؛ فقد باء بها أحدهما"[1] أي رجعت وصمة الكفر إلى أحدهما. فإذا رميت مسلما بالكفر –ولم يكن كافرا بيقين– ارتدت تهمة الكفر إليك، وهذا خطر جسيم.

لقد ابتليت الأمة من قديم بداء التكفير، حتى وجد من كفر بعض الصحابة رضي الله عنهم، بل وجد من كفر فارس الإسلام، وابن الإسلام البكر، زوج فاطمة البتول، وابن عم الرسول، وسيفه المسلول: علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حتى استحلوا دمه وقتلوه، وأثنى شاعرهم على قاتله:

يا ضربة من تقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا!

إني لأذكـره يوما فـأحسبه أوفـى البرية عند اللـه ميزانا!!

ولقد رأينا لهؤلاء المكفرين القدامى ورثة جددا، ممن يسمونهم (جماعات التكفير) وممن لا يسمون بذلك، ولكنهم يحملون روحهم وتفكيرهم. إنهم يوزعون (تهمة الكفر) على الناس بالجملة والمفرّق، ولا يكادون يستثنون أحدا من المسلمين، ما لم يدخل في جماعتهم، ويسرْ في ركبهم.

إنهم يكفرون الحكام والمحكومين، ويكفرون العلماء والأميين، ويرتبون على هذا التكفير آثاره من استباحة الدماء والأموال، فلم تعد دماء هؤلاء ولا أموالهم معصومة، على خلاف الأحاديث الصحاح التي تقول: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحقها، وحسابهم على الله"[2].

ومن ذلك: حديث أسامة بن زيد الشهير الذي قتل في إحدى المعارك رجلا، بعد أن قال بلسانه: "لا إله إلا الله" فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قتلته بعد أن قال: "لا إله إلا الله؟" قال: إنما قالها تعوذا من السيف! قال: هلا شققت عن قلبه! وظل الرسول يكررها على أسامة: أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله؟! حتى قال أسامة: ما زال يكررها، حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم![3].

وعن المقداد بن الأسود: أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار، فاقتتلنا، فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة، فقال: أسلمت لله؟ أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ فقال رسول الله: "لا تقتله" فقال: يا رسول الله، إنه قطع إحدى يدي ثم قال ذلك بعد قطعها! فقال رسول الله: "لا تقتله"، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال"[4].

ذلك أن الإسلام يَجُبُّ ما قبله من الكفر وأعماله، والإسلام هنا هو كلمة التوحيد، وقد قالها. واستباحة قتل الرجل بعد إسلامه يحبط عمل قاتله، والعياذ بالله.

وإذا كان في المسلمين اليوم أناس متخصصون في تكفير المسلمين جميعا: سنيهم وشيعيهم، عربيهم وعجميهم، أحيائهم وأمواتهم؛ فهناك فئة متخصصة في تكفير الشيعة دون غيرهم، وربما أضافت إليهم بعض طوائف أخرى من المسلمين.

أـ هؤلاء يقولون: إن الشيعة يؤمنون بتحريف القرآن، وأنه ناقص، وهذه العقيدة تكفي لتكفيرهم، لإنكارهم معلوما من الدين بالضرورة.

ب ـ ويقولون أيضا: إن الشيعة ينكرون السنة مصدرًا ثانيا للشريعة الإسلامية، ولا يعترفون بكتب السنة المشهورة لدى الأمة: البخاري ومسلم وغيرهما، ومثل هذا كاف لتكفيرهم، ولذلك ينكرون رؤية الله في الآخرة مما ثبت بصريح السنة.

جـ ـ ويقولون كذلك: إن الشيعة يسبون الصحابة، بل يكفرونهم، مخالفين بذلك القرآن والسنة وإجماع الأمة. وخصوصا سب الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

د ـ ويقولون أيضا: الشيعة يدّعون العصمة لأئمتهم، ولا عصمة لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل يدّعون أنهم أفضل من الأنبياء، وأنهم يعلمون الغيب.

هـ ـ ويقولون: إن الشيعة لا يعرفون توحيد الإلهية، ولذا يدعون أئمتهم وأولياءهم عند الشدائد، ويستغيثون بهم من الكروب، وينذرون لهم النذور، وإذا زاروا مشاهدهم وأضرحتهم: خروا من بعيد سجدا، لا يصلون إليها إلا زاحفين على ركبهم، وهذه كلها ضروب من الشرك الذي ينافي حقيقة التوحيد الذي جاءت به الرسل، ويوافق ما كان عليه مشركو العرب الذين قالوا عن آلهتهم وأصنامهم: (هؤلاء شفعاؤنا عند الله) وقالوا: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى).

ونستطيع أن نرد على هذه الاتهامات كلها بأنها لا تؤدي إلى الكفر المخرج من الملة.

أـ فقد بينا أن الشيعة جميعا يؤمنون بأن ما بين دفتي المصحف كلام الله المحفوظ المعجز الملزم للأمة، ولهذا يحفظون هذا القرآن، ويتعبدون بتلاوته، ويحتجون به في مسائل العقيدة، وفروع الأحكام، وهذا مجمع عليه عندهم. ولم نجد لهم مصحفا يخالف مصحفنا، والمصحف الذي يطبع في إيران هو نفس المصحف الذي يطبع في مصر والسعودية.

وأما دعوى أن هناك أجزاء ناقصة من القرآن، فليسوا متفقين عليها، بل ينكرها محققوهم. على أن هذه الزيادات المزعومة، لا يترتب عليها أي أمر عملي.

ب ـ وأما السنة فهم يؤمنون بها مصدرا ثانيا للأحكام، ولكنهم لا يأخذونها إلا من طريق رواتهم خاصة، وهذه لا تقتضي تكفيرا مخرجا من الملة، قد تقتضي الحكم بالبدعة، لا بالكفر.

جـ ـ وأما سب الصحابة –وإن كان أمرا جللا- فلهم فيه شبهة وتأويل، يبعدهم عن الكفر الكامل، وقد يدخلون في فسق التأويل.

د ـ وأما دعوى (عصمة الأئمة) فنحن نخطئهم في ذلك، ولا نرى في هذا (كفرا بواحا) فإن ما جاء عن أئمتهم: إما أنها عندنا أحاديث نبوية، وإما أنها (آراء اجتهادية) ككثير مما روي عن فقهاء المدينة السبعة، وأمثالهم من فقهاء الحجاز والعراق واليمن والشام ومصر وغيرها، وما جاء عن الأئمة الأربعة وغيرهم، ولذا كانت ثمرة هذا كله: الفقه الجعفري بما فيه من استنباط واختلاف، وهو لا يفترق في مجموعه عن الفقه السني، إلا كما تختلف مذاهب السنة بعضها مع بعض.

هـ ـ وأما مسألة التوحيد والشرك، وما وقع فيه الشيعة من شرك العوام، فهو أشبه بما وقع فيه غالب أصحاب الطرق الصوفية عند أهل السنة، فما عند الشيعة من دعاء واستغاثة بأئمتهم موجود عند السنة بالنسبة للأولياء المقربين عندهم، وبعضهم من آل البيت مثل الحسين والسيدة زينب وغيرهما، وبعضهم من غيرهم.

ومن رأى ما يفعله عوام أهل السنة عند قبور الأولياء المشاهير مثل عبد القادر الجيلاني، وأحمد البدوي، وأحمد الرفاعي، وابراهيم الدسوقي، وغير هؤلاء.. علم أن الداء مشترك بين الجميع، مع اختلاف الدرجة في بعض الأحيان.

وإن كان هناك ميزة للسنة على الشيعة في هذا الجانب، وهو أن كثيرا من أهل العلم ينكرون هذه البدع ويشنعون عليها، ويدعون الناس إلى التوحيد الخالص، ولا نجد مثل هذا واضحا عند الشيعة.

من أقوال الشيعة المعتدلين:

وينبغي لنا في حوارنا الإسلامي الإسلامي، لكي يؤتي ثمرته في التقريب بين أبناء الأمة أن نشيع أقوال المعتدلين من الفريقين، كما نغض الطرف عن أقوال الغلاة والمهيجين، الذين يريدون أن يؤججوها نارا حامية، لا تبقي ولا تذر، كأنما هي سقر، اللواحة للبشر.

وعلى هذا المنوال أنقل هنا ما ذكره العلامة الشيخ رحمة الله الهندي الكيرانوي من أقوال عن أئمة الإثنا عشرية في عصمة القرآن من التحريف والتبديل، ذكرها ليرد بها على المبشرين من دعاة التنصير الذين شككوا في القرآن بدعوى أن الشيعة يقولون بنقصانه وتحريفه، فنقل عنهم ما نقل، لرد هذه الدعوى، بشهادة شهود من أهلها.

قال رحمه الله:

(وأما الجواب عنه تحقيقا فلأن القرآن المجيد عند جمهور علماء الشيعة الإمامية الإثنا عشرية محفوظ عن التغيير والتبديل، ومن قال منهم بوقوع النقصان فيه؛ فقوله مردود غير مقبول عندهم.

1ـ قال الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه، الذي هو من أعظم علماء الإمامية الإثنا عشرية في رسالته الاعتقادية: "اعتقادنا في القرآن أن القرآن الذي أنزل الله على نبيه هو ما بين الدفتين، وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك، ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربع عشرة سورة، وعندنا الضحى وألم نشرح سورة واحدة، ولإيلاف وألم تر كيف سورة واحدة، ومن نسب إلينا أنا نقول: إنه أكثر من ذلك فهو كاذب) انتهى.

2ـ وفي تفسير (مجمع البيان) الذي هو تفسير معتبر عند الشيعة (ذكر السيد الأجل المرتضى، علم الهدى ذو المجد، أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي أن القرآن كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجموعا مؤلفا على ما هو الآن، واستدل على ذلك بأن القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان حتى إن جماعة من الصحابة كعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم عدة ختمات، وكل ذلك بأدنى تأمل يدل على أنه كان مجموعا مرتبا غير منشور ولا مبثوث، وذكر أن من خالف من الإمامية والحشوية لا يعتد بخلافهم، فإن الخلاف مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخبارا ضعيفة ظنوا صحتها، لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته) انتهى.

3ـ وقال السيد المرتضى أيضا: (إن العلم بصحة القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار، والوقائع العظام المشهورة، وأشعار العرب المسطورة، فإن العناية اشتدت، والدواعي توفرت على نقله، وبلغت حدا لم تبلغ إليه فيما ذكرناه؛ لأن القرآن معجزة النبوة، ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وعنايته الغاية، حتى عرفوا كل شيء فيه، من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته؛ فيكف يجوز أن يكون مغيّرا أو منقوصا مع العناية الصادقة والضبط الشديد؟) انتهى.

4ـ وقال القاضي نور الله الشوستري الذي هو من علمائهم المشهورين، في كتابه المسمى بمصائب النواصب: (ما نسب إليه الشيعة الإمامية بوقوع التغير في القرآن ليس مما قال به جمهور الإمامية، إنما قال به شرذمة قليلة منهم لا اعتداد بهم فيما بينهم) انتهى.

5ـ وقال الملا صادق في شرح الكليني: (يظهر القرآن بهذا الترتيب -المعروف الآن- عند ظهور الإمام الثاني عشر ويشهر به) انتهى.

6ـ وقال محمد بن الحسن الحر العاملي، الذي هو من كبار المحدثين في الفرقة الإمامية، في رسالة كتبها في رد بعض معاصريه: (هركسيكه تتبع أخباره وتفحص تواريخ وآثار نموده بعلم يقيني ميداندكه قرآن درغاية وأعلى درجة تواتر بود وآلاف صحابة حفظ ونقل ميكردندآن راودر عهد رسول خدا صلى الله عليه وسلم مجموع ومؤلف بود) انتهى.

فظهر أن المذهب المحقق عند علماء الفرقة الإمامية الإثنا عشرية أن القرآن الذي أنزله الله على نبيه هو ما بين الدفتين، وهو ما في أيدي الناس، ليس بأكثر من ذلك، وأنه كان مجموعا مؤلفا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحفظه ونقله ألوف من الصحابة وجماعة من الصحابة، كعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم عدة ختمات، ويظهر القرآن ويشهر بهذا الترتيب عند ظهور الإمام الثاني عشر رضي الله عنه، والشرذمة القليلة التي قالت بوقوع التغير؛ فقولهم مردود، ولا اعتداد بهم فيما بينهم، وبعض الأخبار الضعيفة التي رويت في مذهبهم لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته، وهو حق؛ لأن خبر الواحد إذا اقتضى علما، ولم يوجد في الأدلة القاطعة ما يدل عليه وجب رده، وعلى ما صرح ابن المطهر الحلي في كتابه المسمى بـ"مبادئ الوصول إلى علم الأصول"، وقد قال الله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9] في (تفسير الصراط المستقيم) الذي هو تفسير معتبر عند علماء الشيعة: (أي: إنا لحافظون له من التحريف والتبديل والزيادة والنقصان) انتهى[5].

من أقوال أهل السنة المعتدلين:

وكما حبذنا النقل عن المعتدلين من علماء الشيعة ينبغي أن نحبذ النقل عن المعتدلين من أهل السنة؛ مما يخفف حدة التوتر، ويساعد في التقريب بين الفريقين.

من ذلك: ما ذكره علامة المتأخرين من علماء الحنفية ابن عابدين في حاشيته الشهيرة، المسماة (رد المحتار على الدر المختار) في قضية (ساب الشيخين) الذي أفتى بعضهم فيها بكفره، بل قال: إنه لا توبة له لو أراد التوبة: فقد ذكر الحصكفي في كتابه (الدر المختار شرح تنوير الأبصار) نقلا عن (الجوهرة) من كتب الحنفية: أن من سب الشيخين (أبا بكر وعمر) أو طعن فيهما كفر، ولا تقبل توبته. وبه أخذ الدبوسي وأبو الليث، وهو المختار للفتوى. انتهى. قال: وجزم به في (الأشباه) يعني: ابن نجيم في كتابه (الأشباه والنظائر) وأقره المصنف (صاحب تنوير الأبصار) قائلا: وهذا يقوي القول بعدم قبول توبة ساب الرسول صلى الله عليه وسلم. وهو الذي ينبغي التعويل عليه في الإفتاء والقضاء، رعاية لجانب حضرة المصطفى صلى الله عليه وسلم. اهـ.

قال الشارح في (الدر المختار): لكن في (النهر) وهذا لا وجود له في أصل (الجوهرة) وإنما وجد على هامش بعض النسخ، فألحق بالأصل، مع أنه لا ارتباط له بما قبله[6]. انتهى.

وعلق على ذلك العلامة ابن عابدين في حاشيته الشهيرة، فقال: (قوله: لكن في النهر.. إلخ) قال السيد الحموي في حاشية الأشباه: حكي عن عمر بن نجيم: أن أخاه أفتى بذلك، فطلب منه النقل، فلم يوجد إلا على طرّة الجوهرة. اهـ.

(وأقول: على فرض ثبوت ذلك في عامة نسخ الجوهرة، لا وجه له يظهر، لما قدمناه من قبول توبة من سب الشيخين، بل لم يثبت ذلك عن أحد من الأئمة فيما أعلم. اهـ.

ونقله عنه السيد أبو السعود الأزهري في حاشية الأشباه.

أقول: نعم نقل في البزازية عن الخلاصة: أن الشيعي إذا كان يسب الشيخين ويلعنهما فهو كافر، وإن كان يفضل عليا عليهما فهو مبتدع. اهـ. وهذا لا يستلزم عدم قبول التوبة.

على أن الحكم عليه بالكفر مشكل، لما في (الاختيار): اتفق الأئمة على تضليل أهل البدع أجمع وتخطئتهم، وسب أحد من الصحابة وبغضه لا يكون كفرا لكن يضلَّل.. إلخ.

وذكر في (فتح القدير): أن الخوارج الذين يستحلون دماء المسلمين وأموالهم ويكفرون الصحابة: حكمهم عند جمهور الفقهاء وأهل الحديث حكم البغاة، وذهب بعض أهل الحديث إلى أنهم مرتدون.

قال ابن المنذر: ولا أعلم أحدا وافق أهل الحديث على تكفيرهم. وهذا يقتضي نقل إجماع الفقهاء.

وذكر في المحيط: أن بعض الفقهاء لا يكفر أحدا من أهل البدع، وبعضهم يكفرون البعض، وهو من خالف ببدعته دليلا قطعيا، ونسبه إلى أكثر أهل السنة، والنقل الأول أثبت، وابن المنذر أعرف بنقل كلام المجتهدين. نعم يقع في كلام أهل المذهب تكفير كثير، ولكن ليس من كلام الفقهاء الذين هم المجتهدون، بل من كلام غيرهم، ولا عبرة بغير الفقهاء، والمنقول عن المجتهدين ما ذكرنا. اهـ.

قال ابن عابدين:

(ومما يزيد ذلك وضوحا ما صرحوا به في كتبهم متونا وشروحا من قولهم: ولا تقبل شهادة من يظهر سب السلف، وتقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية.

وقال ابن ملك في شرح المجمع: وترد شهادة من يظهر سب السلف، لأنه يكون ظاهر الفسق، وتقبل من أهل الأهواء: الجبر والقدر والرفض والخوارج والتشبيه والتعطيل. اهـ. وقال الزيلعي: أو يظهر سب السلف، يعني الصالحين منهم، وهم الصحابة والتابعون؛ لأن هذه الأشياء تدل على قصور عقله، وقلة مروءته، ومن لم يمتنع عن مثلها لا يمتنع عن الكذب عادة بخلاف ما لو كان يخفي السب. اهـ.

(ولم يعلل أحد لعدم قبول شهادتهم بالكفر كما ترى، نعم استثنوا الخطابية، لأنهم يرون شهادة الزور لأشياعهم أو للحالف، وكذا نص المحدّثون على قبول رواية أهل الأهواء، فهذا فيمن يسب عامة الصحابة ويكفرهم، بناء على تأويل له فاسد، فعلم أن ما ذكره في الخلاصة من أنه كافر: قول ضعيف مخالف للمتون والشروح، بل هو مخالف لإجماع الفقهاء كما سمعت.

وقد ألف العلامة ملا علي القارئ رسالة في الرد على الخلاصة. وبهذا تعلم قطعا أن ما عزي إلى (الجوهرة) من الكفر مع عدم قبول التوبة -على فرض وجوده في الجوهرة- باطل لا أصل له، ولا يجوز العمل به، وقد مرّ: أنه إذا كان في المسألة خلاف -ولو رواية ضعيفة- فعلى المفتي أن يميل إلى عدم التكفير؛ فكيف يميل هنا إلى التكفير المخالف للإجماع، فضلا عن ميله إلى قتله وإن تاب؟ وقد مرّ أيضا: أن المذهب قبول توبة ساب الرسول صلى الله عليه وسلم.. فكيف ساب الشيخين؟

والعجب من صاحب (البحر) -يعني: ابن نجيم- حيث تساهل غاية التساهل في الإفتاء بقتله مع قوله: وقد ألزمت نفسي أن لا أفتي بشيء من ألفاظ التكفير المذكورة في كتب الفتاوى، نعم لا شك في تكفير من قذف السيدة عائشة رضي الله عنها، أو أنكر صحبة الصديق، أو اعتقد الألوهية في عليّ، أو أن جبريل غلط في الوحي، أو نحو ذلك من الكفر الصريح المخالف للقرآن، لكن لو تاب تقبل توبته.[7] انتهى).


الهوامش:
1- متفق عليه عن ابن عمر: اللؤلؤ والمرجان (39).

2- متفق عليه عن أبي هريرة: اللؤلؤ والمرجان (14).

3- متفق عليه انظر: اللؤلؤ والمرجان (62).

4- متفق عليه انظر: اللؤلؤ والمرجان (61).

5- انظر: إظهار الحق للشيخ رحمة الله، تحقيق عمر الدسوقي ص438-440. نشر إدارة إحياء التراث الإسلامي في قطر.

6- انظر: الدر المختار على هامش حاشية ابن عابدين (3/293) طبعة دار إحياء التراث العربي ببيروت، المصورة عن طبعة دار الطباعة المصرية سنة 1273هـ.

7- حاشية ابن عابدين (3/293،294).




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

التقارب السنى الشيعى Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28509
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

التقارب السنى الشيعى Empty رد: التقارب السنى الشيعى

مُساهمة من طرف سامح عسكر الجمعة فبراير 25, 2011 10:18 pm

مبادئ للتقريب بين المذاهب الإسلامية

الحذر من الدسائس.. وضرورة التلاحم

أ.د يوسف القرضاوي
28/10/2003


ومن المبادئ المهمة هنا أيضا أن نكون على حذر من كيد أعداء الأمة، ودسائسهم التي يريدون بها أن يفرقوا جمعها، ويشتتوا شملها، ويمزقوا صفوفها؛ فلا تتوحد على غاية، ولا تجتمع على طريق.

وقد حفظنا من فلسفتهم منذ بدأ استعمارهم لبلادنا وغيرها هذه الكلمة المعبرة عن غايتهم وطريقتهم (فرّق تسد). فهم يجتهدون كي يفرقوا كلمتنا من أجل أن يحكمونا ويسودونا.

ومن المعروف أن الاتحاد قوة، بل الاتحاد يقوي القلة، والتفرق يضعف الكثرة، وما نال أعداء الأمة المسلمة منها إلا يوم تفرقت واختصمت واختلفت راياتها، وتعددت قياداتها، وتنازعوا فيما بينهم، فهيؤوا الفرصة لعدوهم أن ينفذ إليهم، وأن ينفث سمومه فيما بينهم، حتى يكيد بعضهم لبعض، ويذوق بعضهم بأس بعض، وحق عليهم قوله تعالى: (وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال: 46] وقوله عليه الصلاة والسلام: "لا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا"[1].

وليس أغيظ لأعداء الأمة من اجتماع شملها، ووحدة كلمتها، وليس أسر لقلوبهم وأسعد لنفوسهم من اختلاف الأمة على نفسها، وتفرقها من داخلها.

فإذا رأوا الأمة قد التفت جموعها حول هدف واحد، وعقيدة واحدة، وقيادة واحدة؛ فإن هذا يسوؤهم، ويشعل جمرة الحسد والغيظ في صدورهم، ويدفعهم لأن يعملوا بكل وسيلة، وكل حيلة، لإحالة الوحدة إلى فرقة، والأخوة إلى عداوة.

وهذا ما حدث في عهد النبوة؛ حيث رأى بعض اليهود -شاس بن قيس– الأوس والخزرج، وقد جمعتهم عقيدة الإسلام، وضمتهم أخوة الإسلام، ونسوا ما كان بينهم في الجاهلية من حروب ودماء وثارات، استمرت أزمانا طويلة، بدلهم الله بالحروب سلاما، وبالمخاوف أمنا، وبالعداوات إخاء وحبا، ساء هذا المشهد الأخوي: اليهودي الخبيث، فآلى على نفسه أن يذكرهم بالجاهلية وأيامها، وما كان فيها من انتصار لفريق على فريق، وطفق ينشد الأشعار المهيجة التي أنشدها شاعر هؤلاء، فيرد عليه الآخرون بما قال شاعرهم، حتى ثارت حمية الجاهلية، وتنادى رجال الأوس: ياللأوس! ورجال الخزرج: ياللخزرج! وقال الجميع: السلاح السلاح!!

وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل إليهم يقول: أبدعوى الجاهلية، وأنا بين أظهركم؟ دعوها، فإنها منتنة! وذكرهم الله، وتلا عليهم القرآن.. فبكوا وندموا وتابوا، وعانق الرجال من الأوس الرجال من الخزرج، وعلموا أنها نزغة شيطان.

وفي ذلك نزلت الآيات الكريمة من سورة آل عمران: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (أي بعد وحدتكم متفرقين، وبعد أخوتكم متعادين كما يدل السياق) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ (أي تتفرقون) وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.. إلى أن قال: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 100-103].

وشاس بن قيس اليهودي القديم الذي حاول أن يفرق بين الأوس والخزرج، لا يزال موجودا بأسماء أخر، وعناوين أخر، ولكن هدفه باق ومستمر، وسيظل هو وأعوانه وأبناؤه وإخوانه يمارسون مهمتهم في الكيد لأمتنا وإغراء بعضها ببعض، وتخويف بعضها من بعض، وتبغيض بعضها لبعض. وهم يلعبون على كل حبل، وينفذون من كل ثُغرة، ليمزقوا الأمة شر ممزق، حتى تتفرق أيدي سبأ.

فأحيانا ينفذون من ثُغرة اختلاف الديانة، ليقولوا: مسلم ومسيحي، كما يفعلون في مصر.

وأحيانا ينفذون من ثُغرة اختلاف العِرْق، كما يقولون في العراق: عرب وأكراد، وفي الجزائر والمغرب: عرب وبربر.

وأحيانا ينفذون من اختلاف المذهب، كما يفعلون بين المسلمين بعضهم وبعض، في العراق ولبنان ليقولوا: سني وشيعي، أو في عُمان، ليقولوا: سني وإباضي.

حتى إذا لم يجدوا شيئا من ذلك قالوا: قومي وإسلامي، أو يميني ويساري، أو ثوري وليبرالي... إلى آخر هذه التقسيمات.

ولكن المراقبين الأيقاظ يلاحظون أنهم يركزون منذ مدة على الاختلاف المذهبي بين المسلمين؛ فهم يتمنون من أعماق صدورهم أن يشعلوها فتنة تأكل اليابس والأخضر، وأن يوقدوها حربا أهلية صريحة بين السنة والشيعة؛ فقد كانت حرب العراق وإيران يغلب عليها الطابع القومي: حرب العرب والفرس، وهم يريدونها حربا دينية مكشوفة القناع بين السنة والشيعة!! يريدون أن يتحارب الجميع وهم يتفرجون، وأن يأكل بعضهم بعضا، ليتولوا وهم فرحون (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال: 30].

ومهما تختلف الأمة بعضها مع بعض فلا يجوز بحال أن يتحول خلافها إلى قتال بعضها بعضا؛ فهذا ما حذر منه رسولهم صلى الله عليه وسلم أبلغ التحذير في حجة الوداع، حين قال: "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض"[2].

بل المفروض في الأمة المسلمة أن تكون يدا واحدة على أعدائها، كما في الحديث: "المسلمون يسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم"[3].

وإن من أشد المصائب على الأمة: أن يصبح بأسها بينها، كما وصف الله اليهود قديما (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) [الحشر: 14].

ومن العقوبات القدرية الإلهية للأمم: أن يذوق بعضها بأس بعض، كما قال تعالى: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) [الأنعام: 65].

إن الأمة -بجميع طوائفها ومدارسها ومذاهبها وعروقها وأقاليمها- مدعوة لأن تستيقظ لما يراد بها، وأن تقف مع نفسها وقفة طويلة للحساب والمراجعة، وأن تعرف من لها، ومن عليها، من صديقها ومن عدوها، وخصوصا بعد حرب العراق وما وراءها من تداعيات وآثار، وظهور أمريكا قوة وحيدة، متألهة مستكبرة في الأرض، لا تُسأل عما تفعل، ولا تسأل عما تريد.

آن للضعفاء أن يتحدوا ليواجهوا القوة الطاغية، وآن للمؤمنين أن يتحدوا ليواجهوا الفرعونية الجديدة التي تقول للناس: أنا ربكم الأعلى.

ضرورة التلاحم في وقت الشدة

وإذا جاز لبعض الناس أن يتفرقوا ويختلفوا في أوقات العافية والرخاء والنصر؛ فلا يجوز لهم بحال أن يتفرقوا في ساعات الشدة والعسرة والمحنة؛ فالمفروض أن المحن تجمع المتفرقين، وأن المصائب تجمع المصابين، وقديما قال الشاعر: عند الشدائد تذهب الأحقاد.

ونحن الآن نعاني محنا قاسية، وقوارع شديدة، في كل وطن من أوطاننا، وفي أمتنا بصفة عامة، وخصوصا بعد أحداث 11سبتمبر 2001م؛ فقد دخلت الأمة من مشرقها إلى مغربها في امتحان عسير، وموقف خطير، يستوجب منها عامة، ومن علمائها ودعاتها وفصائل صحوتها خاصة.. أن ينسوا خلافاتهم الجانبية، ومعاركهم الهامشية، ويقفوا في جبهة واحدة متراصة في المعركة التي يواجهها الإسلام وأهله؛ فعند المعركة يجب أن يتلاحم الجميع، ويتساند الجميع، ولا يعلو صوت نشاز، يفرق الأمة في ساعة الخطر، كما قال تعالى: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ) [الصف: 4].

وإن من أشد المخاطر أن يتلاحم خصوم الأمة من أهل الكفر، ويوالي بعضهم بعضا، في حين يتباعد أهل الإيمان ويتخاذلون، وهو ما حذر منه القرآن في قوله: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) [الأنفال: 73] أي إن لم يوال بعضكم بعضا، ويتكاتف بعضكم مع بعض كما يفعلون، تكون الفتنة والفساد الكبير؛ لأن معناه أن أهل الباطل يتجمعون، وأهل الحق يتفرقون، وأن هناك عملا وهنا فراغا، هذا هو الخطر كل الخطر.

وقد رأينا غير المسلمين يتجمعون ويتوحدون، على الرغم من وجود أسباب للخلاف بينهم، بعضها تاريخي، وبعضها واقعي، كما رأينا في الاتحاد الأوربي، الذي حدث بين بلاده بعضها وبعض حروب وحروب، آخرها الحربان العالميتان، اللتان سقط فيهما ملايين الضحايا، ومع هذا طرحوا هذه المآسي وراءهم ظهريا، ووجدوا مصلحتهم الكبرى في أن يتحدوا.

وقبل ذلك رأينا التقارب بين المذاهب المسيحية بعضها وبعض، وبين المسيحية عموما واليهودية، برغم العداء التاريخي بينهما، حتى أصدر الفاتيكان وثيقته الشهيرة بتبرئة اليهود من دم المسيح!

والمسلمون -وحدهم- هم الذين يختلفون ويتنازعون بعضهم مع بعض، مع توافر الكثير من أسباب الوحدة بينهم، وحسبهم أنهم جميعا من أهل القبلة، وأنهم جميعا من أهل (لا إله إلا الله، محمد رسول الله)، وأنهم جميعا رضوا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبالقرآن إماما، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.

ولقد ذكر القرآن الكريم في قصة موسى عليه السلام: حادثة فيها تبصرة وعبرة لأولي الأبصار، وهي قصة هارون عليه السلام مع قومه، حين ذهب موسى إلى مناجاة ربه أربعين ليلة، فأضلهم السامري، وأخرج لهم عجلا جسدا له خوار، فقال: هذا إلهكم وإله موسى. وأطاعه القوم وعبدوا العجل، الذي لا يرجع إليهم قولا، ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا، ولا يهديهم سبيلا. (وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي * قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى) [طه: 90،91].

ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا لما فعلوه في غيبته، وألقى ألواح التوراة في الأرض غضبا لله وللحق، وأخذ برأس أخيه يجره إليه، قائلا له: (مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي * قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) [طه: 92-94].

وقد رضي موسى بهذا الجواب من أخيه، وأقره القرآن الكريم، فدل على أن ما رعاه هارون أمر له اعتباره في ميزان الدين، وهو: الحرص على وحدة الجماعة، حتى لا تتمزق، والسكوت على منكر كبير، بل هو أكبر منكر -وهو الإشراك بالله تعالى بعبادة غيره سبحانه- حرصا على وحدة الجماعة، وهو قطعا سكوت مؤقت، حتى يرجع موسى من رحلته، ويتفاهم الأَخَوان معا في علاج الموقف الخطير بما يلائمه.

ولا يقول أحد: إن هذا كان شرع من قبلنا، فإنما يذكر القرآن هذه القصص لنأخذ منها العبرة والدروس، كما قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الألْبَابِ) [يوسف: 111].

وقال تعالى لرسوله بعد أن ذكر له عددا من أسماء رسله الكرام: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام: 90][4].

إن توحيد الأمة الإسلامية مطلوب في كل حين، وهو أشد ما يكون طلبا في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ أمتنا. فاتحادها فريضة وضرورة فريضة يوجبها الدين، وضرورة يحتمها الواقع الإسلامي، والواقع العالمي. فالاتحاد قوة لها، والتفرق يجعلها ضحية سهلة يمكن للأعداء أن يأكلوها قطعة قطعة.

وأختم بحثي هذا بقول الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الحجرات: 10].

وأدعو الله تعالى بما دعا التابعون بإحسان، الذين جاؤوا من بعد المهاجرين والأنصار، يقولون: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [الحشر: 10].


الهوامش:
1- رواه البخاري عن ابن مسعود.

2- متفق عليه عن جرير وابن عمر. اللؤلؤ والمرجان (44، 45) .

3- رواه أبو داود (2751) وابن ماجه (2685) عن عبد الله بن عمرو، وحسنه في صحيح الجامع الصغير (6712).

4- انظر: كتابنا: الصحوة الإسلامية من المراهقة إلى الرشد ص341-343. طبعة دار الشروق ـ مصر.




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

التقارب السنى الشيعى Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28509
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

التقارب السنى الشيعى Empty رد: التقارب السنى الشيعى

مُساهمة من طرف سامح عسكر الجمعة فبراير 25, 2011 10:18 pm

ما سبق كانت ورقة الدكتور القرضاوي لمؤتمر التقارب بين المذاهب الإسلامية الذي عقد العام الماضي في البحرين بحضور كافة المؤسسات الإسلامية وعلى رأسها الأزهر الشريف.




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

التقارب السنى الشيعى Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28509
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

التقارب السنى الشيعى Empty رد: التقارب السنى الشيعى

مُساهمة من طرف سامح عسكر الجمعة فبراير 25, 2011 10:19 pm

التاريخية".. مدخلا للتقريب بين السنة والشيعة

معتز الخطيب
28/10/2003


ترددت كثيرًا في الكتابة في هذا الملف عما يسمى بـ"التقريب بين السنة والشيعة"، وذلك لأسباب متعددة ومتشابكة، بدءًا من مشكلة تحديد المفهوم نفسه، ثم الاتهامات التي أحاطت به منذ نشأته ولا تزال بقية باقية منها، وانتهاء بحصيلة المؤتمرات والمؤسسات التي اشتغلت عليه، والتي غلب عليها طابع "المجاملات" وتجميل المواقف والصورة أمام الآخر أحيانًا، أو تنظيرات لا تملك رصيدًا عمليًّا، من شخصيات فردية لا تملك مرجعية معتبرة يُؤتمر بأمرها، وخاصة في الفضاء الشيعي المرجعي.

والأهم من ذلك –ربما- هو تركيبية المسألة بأبعادها المتشابكة تعقيدًا من طبيعة الخلاف العقدي والفقهي والفكري- السياسي إلى التوظيف السياسي للصراع والتقارب على حد سواء، بحسب مؤشرات المصالح ورغبات الحكام. وبما أنني قاومت ذلك التردد وذكرت أسبابه فلا بد من إثارة وتثوير الخلافات -بمستواها الفكري فقط- في فضاءاتها المتعددة؛ لأن المجاملات والنزعات العاطفية والمواقف التكتيكية لا تثمر التقارب الذي ينشده الفريقان.

مشكلة الإمساك بالمفهوم.. واختلاف العناوين

من المهم ملاحظة الاختلاف في التعبير عن عنوان تلك المحاولات التواصلية بين السنة والشيعة منذ بدايتها وحتى الآن؛ ففي حين نجد أن المسألة تاريخيًّا أخذت صيغة "التصالح" و"الاصطلاح"[1] بين الفريقين وهو ما يسبقه -بحسب المفهوم اللغوي- الشقاق والفتنة، نجد في مرحلة لاحقة أنها أخذت صيغة "تفاهم"[2] إلى أن تبلورت فيما بعد بصيغة "التقارب" مع طرح فكرة إنشاء "دار التقريب بين المذاهب الإسلامية" التي طرحها السيد محمد تقي القمي سنة 1364هـ وأنشئت في مصر فيما بعد. غير أن هذا التقريب أخذ صيغة "الوحدة" أيضًا في بعض الأحيان وهو ما نجده مثلا في كلام الشيخ مهدي شمس الدين رحمه الله، وأخذ صيغة "حوار" في سياق الحديث عن حوار الحضارات وحوار الأديان والحوارات الأخرى.

ويبدو أن حساسية الموضوع التي كانت تشتعل بين الفينة والأخرى عبر التاريخ بفعل عوامل مختلفة، واختلاف السياقات التاريخية والسياسية والتحديات التي يواجهها الفريقان كانت تؤثر في شكل الصيغة التي يأخذها عنوان هذه الاتصالات بين السنة والشيعة، مع استمرار محاولات "التبشير" خصوصًا من جانب الشيعة، تلك المحاولات المسكونة بهاجس تكثير الأقلية[3] وتوسيع جغرافية السلطة[4].

غير أن استمرار محاولات التبشير هذه مع الدعوة إلى "التقريب" وخصوصًا في البلاد السنية الخالصة ربما دفع إلى تقويض الجهود المبذولة للتقريب، وربما يكون هذا أحد الأسباب التي دفعت بعض العلماء من أهل السنة الذين انضموا إلى دعوة التقريب بادئ الأمر إلى النكوص عنها، والتحذير منها[5] مضافًا إلى ذلك مسألة "التقية" التي تأخذ بعدًا إيمانيًّا بارزًا، وتكاد تكون من الطبيعة التكوينية "للتشيع"، وأحد أبرز خصائصه، وهي المسألة الكبيرة التي وقفت حجر عثرة باستمرار أمام دعوة التقريب وقبلها؛ لأنها بـ"بابها الواسع"[6] ستبقى تُفقد أو -على الأقل- تشكك في مصداقية أي كلام يصدر عن الشيعة ليبقى أهل السنة يتيهون في احتمالات لا نهاية لها، بسبب عدم الشفافية هذه، بل هذا دفع ببعض أهل السنة إلى أن يحمل كل تصريح يخالف "الشائع" عن الشيعة على أنه من باب "التقية" ليحافظ على صورة الآخر الشيعي المقصي والمستبعد -لدى هذا البعض- من دائرة الإيمان!

هذه القضايا مجتمعة جعلت من فكرة "التقارب" -منذ نشأتها- محل اتهام لدى عدد من العلماء أهل السنة[7]، ويبدو أن قيام دولة للشيعة في إيران سنة 1979م زاد من تعقيدات المسألة ليبرز حضور "النفوذ السياسي" الإيراني المرتبط بالمرجعية جنبًا إلى جنب مع "التبشير الشيعي"؛ الأمر الذي بقي يعوق محاولات التقارب، فضلا عن الخلافات العقدية بين الفرقتين التي لا نجد بدًّا من إثارة عدد من قضاياها التي ستبقى تمارس دورًا في تعويق هذه الجهود، ويكاد يغلب على جهود "التقريب" التهوين من هذه الخلافات أو التستر عليها وهو ما يؤول إلى ممارسة دور سلبي تجاه العلاقة بين الفريقين؛ لأن التقريب بهذه الصورة ينبني على خطابات تأليفية لا تغادر حدود الأقوال.

ونظرًا لالتباس مفهوم "التقريب" أو "الوحدة" نجد المقولات الاحترازية تتقدم بيان المفهوم وشرحه، خاصة من قبل المنخرطين في عملية التقريب أو المشاركين فيها، فنجدهم يلحون على الاحترازات السالبة كـ"ليس المراد بالتقريب أو الوحدة كذا وكذا..."، وغالبًا ما يكون في مقدمة المنفيات في هذا السياق التخلي عن فكرة المذهبية، أو عن المعتقدات لدى السنة أو الشيعة[8]، غير أن المفهوم لا يمكن الإمساك به بشكل ثابت وواضح لدى الجميع، فبينما يعتبر الكوثري أن التقريب بمعنى "التصافي بين طوائف تحمل اسم الإسلام غاية نبيلة ينشدها كل مسلم مفكر غيور" نجد أن البوطي وشمس الدين يتفقان على "قبول الاختلاف" باعتباره تنوعًا اجتهاديًّا. و"الوحدة" عند شمس الدين هي "الارتكاز إلى الثوابت العامة المشتركة في مجال العقيدة والشريعة باعتبارها أساسًا للأمة". بعض آخر يرى أن المقصود بالتقريب هو التقريب بين أتباع المذاهب؛ لأنه -كما يرى- لا توجد مشكلة بين المذاهب نفسها، لكن هذه الرؤية تبدو منسجمة لمن هو داخل الدائرة الإسلامية، في حين أنها ليست كذلك لمن ينظر إليها من خارج. لكن البوطي كان صريحًا حين فسّر "التقريب" بأن "يتسع صدر كل منا بل فكره وعقله لقبول ما عند الآخر، وذلك عن طريق الاحتكام إلى المصير الذي لا بد منه ولا بديل عنه في القضايا الاجتهادية"[9]، ثم عاد ليقول: إن المذاهب المراد التقريب بينها هنا تشمل الاعتقادية والفقهية ما دمنا نسميها مذاهب إسلامية.

ومن المهم التأكيد هنا على أن هاجس الخوف من التماهي بين معتقدي الفريقين لم يكن وحده الحاضر في محاولات تحديد المفهوم والإمساك بمدلوله وفق كل رؤية، بل انضم إليه الخوف من أن يكون هذا "التقريب" أو تلك "الوحدة" مدخلا للعبور إلى شرعنة "التبشير" بمعتقد كلٍّ من الطرفين بين صفوف الآخر، وهو ما نجد تصريحات بشأنه لدى كل من شمس الدين والبوطي والقرضاوي.

الاختلافات المذهبية.. بين الخلط والتهوين

غير أنه من المفارقة حقًّا أنه في الوقت الذي يلح فيه الطرفان على احتفاظ كل فريق "بهويته" -يتعبير البعض!- و"خصوصياته" يتم التهوين من الخلافات القائمة بين السنة والشيعة، في سياق يكاد يستأثر بالحديث عن أدبيات الحوار وآدابه، حتى بدا ذلك علامة بارزة في عدد من الأوراق المقدمة لمؤتمر البحرين (20-22/9/2003) والمناقشات التي دارت فيه، وبعض أوراق هذا الملف أيضًا، حتى ليكاد يبدو أن المشكلة هي أخلاقية بالمعنى القيمي، أو شكلية بالمعنى الإجرائي![10].

وإذا كان البعض يذهب إلى أن "الخلافات بين السنة والشيعة هي من طبيعة الخلافات بين مذاهب أهل السنة نفسها وبين فقهاء كل مذهب من هذه المذاهب، كما هو الشأن في الخلافات بين الشيعة والشيعة"[11] فإن آخر يذهب إلى أبعد من ذلك، وهو أن كثيرًا من الخلافات "لفظية"[12]، وبناء على حصر الخلاف في "الفقهي" يرى شمس الدين أن "هيئة قضايا الوحدة والتقريب بين المذاهب الإسلامية ستُعنى بالتواصل مع الدوائر الفقهية والفكرية في كافة المراكز الإسلامية"، وأن "أحد أهم مقاصد هذه الهيئة العمل من أجل الانفتاح الفقهي على المذاهب الإسلامية"[13]. وفي المقابل نرى أن الاتجاه السلفي يحصر الخلاف في "العقدي"، وتقوم العلاقة بينه وبين الشيعة على المفاصلة الحدية؛ لأنها تنحصر في دائرة الإيمان والكفر، وهذا ما يفسر غياب الرموز السلفية عن قضايا ومؤتمرات التقريب أو الوحدة، وكذلك يبرر عدم دعوتهم إلى مثل هذه المؤتمرات[14]، وإن حدث اتصال بين السلفية والشيعة فيكون تحت عنوان "المناظرة" (حق/باطل)[15].

ويبدو أن هذا الالتباس أو تضييق "صورة" الخلافات بين الفريقين رغبة في "التقريب" أحاطت أيضًا بمؤتمر البحرين الذي جعل موضوعه التقريب بين المذاهب السبعة (الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، والشيعي الإمامي، والزيدي، والإباضي)، وهو خلط بين المذاهب الفقهية والعقدية، ربما أوقع فيه تلك النظرات الأحادية في التقريب التي تهون من شأن الخلافات القائمة، فتقصر الحديث على الخلاف الفقهي فقط، فتمارس أحادية معاكسة للأحادية السلفية، وهو تبسيط للخلاف[16]، ومعلوم أنه لا توجد مشكلة بين المذاهب الفقهية الأربعة التي تمثل مدارس أهل السنة، ولا يوجد بينها فروق معتبرة في المعتقد، ومن ثم لا يبدو من المنهجي والعلمي مساواة مذهب عقدي فقهي كالشيعة الإمامية بمذهب فقهي كالشافعية مثلا، إلا إذا كان المراد بالتقريب "التقريب الفقهي" بين المذاهب، وهذا لا يسلم ولا يحقق الأهداف المعلنة، مع صعوبة الفصل التام بين الفقهي والعقدي.

هذا والخلاف بين المذاهب السنية الفقهية الأربعة يكاد ينحصر في الثلث؛ "فإن ثلثي المسائل الفقهية مسائل وفاق بينهم، والثلث الباقي يدور أمره بين أن يكون مقتضى التقوى في مسألة خاصة منه في مذهب، ومقتضى الفتوى في تلك المسألة في المذاهب الأخرى، وبين أن يكون المقتضيان على خلاف ذلك في المسائل الأخرى؛ فتكون المذاهب متحدة في مسائل الوفاق ويدور الأمر بين الأحوط والأيسر في مسائل الخلاف؛ فلا يكون هذا في شيء من الخلاف الحقيقي، بل هذا جرى على مقتضى اختلاف طبيعة الدليل في نظر ونظر"[17].

بينما سنجد لدى الشيعة الإمامية اختلافًا أعمق من ذلك بكثير، وليس من طبيعة الخلاف بين المذاهب الفقهية السنية الأربعة؛ فهم يؤمنون بعصمة بعض البشر، والرجعة والغيبة وهي مسائل عقدية خالصة[18]، ولا يوجد على مستوى مذاهب أهل السنة العقدية -وليس الفقهية- مثيل لها مع وجود الاختلاف بين أهل الحديث (السلفية حاليًّا) والأشعرية والماتريدية. بل يبدأ من قبل ذلك من اختلاف الشيعة فيما بينهم حول مسألة تحريف القرآن، وموقفهم من روايات "الكافي" في ذلك والتي رواها الكليني (328هـ) دون أن يقدح فيها، بل إن المجلسي صرح في "بحار الأنوار" بتواترها معنى، في حين أن الشيخ الصدوق ابن بابويه (381هـ) ينفي ذلك ويثبت الاعتقاد بما بين الدفتين، وأشير هنا إلى طرف من القضية لإثبات أصل الخلاف لديهم، وكذلك ما يرويه الكليني بخصوص ما يسمى "مصحف فاطمة" فهذه قضية أساس ينبغي من القوم أن يتخذوا منها موقفًا جامعًا ويقدموا دراسات نقدية مفصلة لها، كخطوة مهمة وأولى في عملية "التقريب"، فلا يليق بالمسلم أن يسمح لمثل هذا اللغط حول كتاب الله أن يستمر، أو تبقى منه أثارة من شك، أو أن يبقى معلّقًا.

ومما يدل على عمق الخلاف بين الفريقين هو اختلافهم في "السنة/الحديث" لجهتين: جهة تحديد الثابت ومنهجية هذا التحديد، وجهة حدود السنة التشريعية. فمن الجهة الأولى سنجد اختلافًا جوهريًّا في طبيعة السنة المقبولة عند كل من الفريقين، فالشيعة لا يقبلون من السنة إلا ما كان عن أهل البيت؛ يعني أن ثمة إقصاء لكل ما روي عن الصحابة وهو معظم السنة المقبولة لدى أهل السنة، ومقولة: إن معظم هذه السنة وردت عن طريق أهل البيت لا يخفف من حدة هذا الخلاف. ولا يبدو أنه مبني على استقراء أيضًا. فضلا عن أن هذا القبول والرفض عن أهل البيت لا يبدو أنه خضع لمنهجية صارمة وواضحة كما هي عند أهل السنة فيما سمي بـ"منهج النقد" أو "علم مصطلح الحديث"؛ فعلم مصطلح الحديث لم يظهر عند الشيعة إلا متأخرًا جدًّا، وأول من كتب فيه هو أبو القاسم ابن طاوس (673هـ)، وتأخره بعد ابن الصلاح (643هـ) جعل المصطلح الشيعي يتقاطع مع المصطلح السني في مجاله النظري دون التطبيقي[19]، في حين أن عملية انتخاب السنة ونشوء منهج النقد لتمييز الزائف ومواجهة ظاهرة الوضع والكذب ظهرت لدى أهل السنة في مراحل مبكرة جدًّا زمن الصحابة أنفسهم، وتتابعت. وهو ما يعني أن السنة الشيعية لم تخضع للنقد والتمحيص كما هو الحال لدى أهل السنة.

وإذا كان منهج النقد لدى أهل السنة يخضع لمحاولات نقدية حديثة لإعادة النظر في بعض جزئياته، وخصوصا ما يتعلق منها بنقد المتن؛ وهو ما يرشح لإمكان القول برفض بعض الأحاديث التي كانت تعد في حيز المقبول؛ فالمنتظر أن يتم فتح هذا الباب لدى الشيعة، وهو بتقديري سيكون أوسع من مجرد نقد المتون؛ لأن ثمة مشاكل منهجية تتعلق بالأسانيد والرجال ابتداءً واستكشاف آثار حركة الوضع لديهم والتي لا يبدو أنها أخذت حظها من الدرس والفحص.

أما ما يخص الجهة الثانية وهي حدود السنة التشريعية لدى الشيعة، والتي تتسع جدًّا لتشمل كل أقوال وأفعال وتقريرات الإمام المعصوم أيضًا، وليس فقط النبي، فهذه من القضايا المركزية أيضًا التي ستبقى مثار نقاش طويل؛ لأنها تقوم بتضخيم "نصوص الوحي"؛ إذ تجعل من أقوال الأئمة -وهم بشر- مرجعًا موازيًا لقول الله وقول الرسول صلى الله عليه وسلم[20]، وهو ما يشكل إخلالا بفكرة ختم النبوة وانقطاع الوحي واكتمال الشريعة من جهة، وإلغاء للبعد التاريخي والبشري من جهة أخرى، وهنا يتقاطع العرفان الصوفي السني مع المعتقد الشيعي في المبدأ، مع أنهما يختلفان في الحجم والتأثير والتقعيد والتطبيقات العملية، فبينما هو معتقد طائفة من أهل السنة ليس له اعتبار في الفقه والأصول ومناهج العلوم لديهم؛ حيث يقتصر أمره على "سلوكيات" لدى تلك الطائفة، نجد أنه هو المعتقد الشيعي وهو جزء من الفقه الشيعي كلية.

وإذا كان في أهل السنة مراجعة للوحي وغير الوحي، للتشريع وغير التشريع في السنة النبوية التي هي فقط ما صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم من أقوال وأفعال وتقريرات، وثمة تساؤلات منهجية عن معايير الفرز بين النصوص لتمييز ما هو تشريع مما هو غير تشريع، وهي محاولات جادة ومهمة لتحرير الوحي من التاريخي بدأت لدى الأصوليين السنة حين فرقوا بين الجِبِلّة والعادة وبين الوحي مرورًا بالتفريق بين تصرفات النبوة والقضاء والإمامة إلى غير ذلك؛ فإن الشيعة مطالبون بشكل جادّ بإعمال النظر النقدي العميق في القول بعصمة بعض البشر، وإضفاء صفة الوحي على أقوالهم وأفعالهم[21]. فالمسألة ليست فقط -كما يطالب الشيخ مهدي شمس الدين رحمه الله- في "البحث الموضوعي في الأسباب السياسية التي أدت إلى مقاطعة السنة المروية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام وهجرها، وعن الأسباب الموضوعية الداعية إلى الاعتراف بمرجعية أئمة أهل البيت عليهم السلام في السنة"؛ لأن المسألة بهذه الصورة تشخيص لحالة مذهبية شيعية وهو ما نريد أن ننأى بأنفسنا عنه، سواء لجهة سنية أم شيعية، مع اتساع معارفنا ومعطيات المعارف الحديثة التي توجب علينا ممارسة النقد المعرفي لمراجعة أفكارنا ومعتقداتنا.

ولعل السيد المرجع الكبير البروجردي سجل شجاعة نادرة حين قال: "أما أن الأئمة كانوا مرجعًا للأحكام فهي حاجة تختص بزمان دون زمان"، وهو نص استشهد به الشيخ شمس الدين نفسه.

التاريخية.. محور للتقريب

إن إحياء فكرة "التاريخية" والوعي التاريخي يشكل محور هذه المراجعات جميعًا، ومن ثم فهو يجب أن يكون القضية الأساسية في عملية "التقريب" على المستوى المعرفي، وهي كافية للقيام بممارسات تجديدية في أصول الفقه -والفقه تبعًا- وعلم الكلام؛ ما يعني أننا يجب أن نتحمل ونمارس تعديلات جوهرية في تصوراتنا من منطلقات معرفية لا مذهبية، بعيدًا عن ملابسات التاريخ والسياسة وردود الأفعال بين الطرفين وهذا في تصوري سيكون أجدى، وأطول عمرًا، ومن شأنه أن يقرب لحمة الأمة المسلمة لأنه ينطلق من ضرورات معرفية وليست آنية وتكتيكية، فقد آن الأوان لذلك، ومن الغريب أن نشهد تحولات معرفية كبيرة ونبقى نجادل حول من كان أحق بالإمامة، أو أن نتحدث عن الإمامة كمنصب إلهي بطرائق مغرقة بالميتافيزيقا ويستمر الاستبداد باسم الدين في تصوراتنا وباسم مصالح الأمة في واقعنا! والسيد البروجردي كان واضحًا هنا أيضًا حين قال: "إن قضية الخلافة لا تحتاج إليها الأمة الآن، والبحث فيها مثار الاختلاف من دون أن يكون له ضرورة، وإنما هي في عهدة التاريخ، فلا داعي للخوض فيها" لكن المطلوب تحويل مثل هذه القناعات إلى حالة عامة.

إن التخلص من أسر التاريخ، والبحثَ في التاريخية من شأنه أن يقرب بين الفرقتين؛ لأن الانقسام الفِرَقي قام بناء على طبيعة سياسية بعد اجتماع السقيفة[22]، وهذا كما يُطلب أن يتم على المستوى المعرفي لا بد أن يسلك سبيله إلى الممارسات الشعبية وخصوصا لدى الشيعة؛ "فإن الربط بين تلك الملابسات التاريخية الحزينة [التي أحاطت بنشأة الاعتقاد الشيعي] وبين الانتماء المعاصر للمذهب الشيعي مسؤول -جزئيًّا على الأقل- عن بقاء شقة الاختلاف قائمة وحية في النفوس كما لو كانت الطائفتان لا تزالان تعيشان في عصر الإسلام الأول"[23].

يبقى مفهوم "التقريب" ملتبسًا، والتباسه أحد عوامل عدم تحقيق مضمونه؛ فبالرغم من أن جهود التقريب هذه بدأت منذ أواخر الأربعينيات من القرن الماضي فلا يزال يسود خطابات الفريقين من السنة والشيعة خطاب "أدبيات الخلاف والحوار"، وأن المشترك بينهم أكثر من المختلف فيه، وأن بعضهم يريد تحويل "فقه الاختلاف" إلى "فقه ائتلاف"، وأن الظروف الآن توجب التقريب؛ ما يعني أن خطاب التقريب لا يزال يراوح مكانه. غير أن الإنجاز المهم هو أن الخلاف ابتعد عن جحيم الوقوع في الكفر والإيمان الذي تراشق به بعض من الطرفين، والتقريب (يبدو التعبير الأقرب عما يجري من جهود هو "التعايش") إن أريد له أن يتحقق ويدوم فلا بد أن يقوم على أسس معرفية تعي الخلاف وتمارس النقد بعمق على الشكل الذي شرحناه، وهذا سيجعل من ثنائية الأخيار والأشرار التي يأتسر لها بعض الفريقين غاية في السذاجة. وهذا التعايش يتحقق على أساس المواطنة والبعد عن اعتبار الاعتقاد أساسًا للاجتماع على مستوى الدولة، واعتبار الاجتماع الإسلامي اجتماع أمة لا اجتماع ملة.


الهوامش:
1- هذا ما نلحظه في أحداث سنة 442هـ، وسنة 488هـ مثلاً، من تاريخ ابن كثير والتي يعبر فيها بـ "اصطلح الشيعه والسنة..."، و"اصطلح أهل الكرخ من الرافضة والسنة مع بقية المحالّ، وتزاوروا وتواصلوا وتواكلوا". ابن كثير، البداية والنهاية، القاهرة: دار التقوى، ط1/1999م، جـ12، ص66، 162 مع أن ابن كثير يتعجب من حصول الحادثتين!

2- كما يعبر عنها محب الدين الخطيب في مجلة الفتح، مج17، ص665 عن: ناصر القفاري، مسألة التقريب بين السنة والشيعة، السعودية: دار طيبة، ط6/1420هـ، جـ2 ص153 ويصف الخطيب مؤتمر النجف 1156هـ بـ"أعظم مؤتمر في تاريخ المسلمين للتفاهم بين الشيعة وأهل السنة المحمدية".

3- نلحظ بوضوح الإشارة إلى أن التبشير الذي يقوم به أي من الفريقين في ديار الآخر يضاد "الوحدة" –كما في كلام مهدي شمس الدين، أو ينافي مبدأ "عدم العصبية" الذي يحافظ على نسيج الأمة الإسلامية الواحدة، كما في كلام البوطي، ويشير إلى أنه في شمال سوريا وجنوبها أناس حملوا على التشيع بوسائل شتى، وبحث هو وتتبع: هل حصل العكس؟ فلم يجد، أو ينافي "فقه الموازنات" كما في كلام القرضاوي.انظر: مهدي شمس الدين، مادة أولية لصياغة ميثاق تأسيسي لهيئة قضايا الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب، ورقة قدمت ضمن بحوث مؤتمر التقريب المنعقد في البحرين 20-2-2003، ص15. ومحمد سعيد رمضان البوطي، نقاط أربع لعلها تشكل نسيج الأمة الإسلامية الواحدة، ورقة مقدمة لمؤتمر البحرين، ص6. والقرضاوي، مبادئ للتقريب بين المذاهب الإسلامية، ورقة مقدمة لمؤتمر البحرين السابق ذكره.

4- سواء السلطة السياسية أم السلطة العلمية. يُنظر جانب من هذه القضية: معتز الخطيب، نص الفقيه: اتحاد السلطة، قراءة في الفكر الشيعي، دراسة منشورة على موقع: www.almultaka.net

5- كعبد اللطيف محمد السبكي عضو جماعة كبار العلماء بمصر، ود. محمد البهي وغيرهما.

6- التعبير بأن التقية "بابها واسع وتختلف باختلاف الأزمان والأحوال والأشخاص وغيرها" هو تعبير السيد محمد علي الشيرازي، أستاذ الحوزة في مشهد، قاله في حوار جمعني معه في مملكة البحرين بتاريخ 22/9/2003، بحضور د. السيد فاضل الميلاني أستاذ الحوزة في النجف سابقًا، وعميد الشريعة في كلية الدراسات الإسلامية العالمية بلندن.

7- يشير الإمام محمد زاهد الكوثري رحمه الله إلى شبهة الفكرة بوضوح متسائلاً عمن يقف وراءها. انظر: الكوثري، مقالات الكوثري، القاهرة: المكتبة الأزهرية للتراث، 1994م ص218. وكذلك الشيخ عبد اللطيف محمد السبكي عضو جماعة كبار العلماء في مصر، انظر: مجلة الأزهر، ج24 ص286، ويقول ناصر القفاري: "مسألة التقريب والتأليف والوحدة استغلت لإعطاء الباطل صفة الشرعية... ومنح الدخيل صفة الأصيل"، ويرى أنها "خطة مبيتة". انظر: ناصر القفاري، مسألة التقريب بين السنة والشيعة، مصدر سابق، جـ 1 ص7، وجـ2 ص175.

8- يُنظر في هذا المجال: الكوثري، مصدر سابق، ص215، وشمس الدين، مصدر سابق، ص 11، والبوطي، مصدر سابق، ص3.

9- البوطي، مصدر سابق، ص3

10- يقول التسخيري: ما جرى من تعدٍّ خلال تاريخنا الطويل ناشئ عن عدم الالتزام بقواعد الحوار المطلوبة". التسخيري، التقريب: أسسه وقيمه ودور العلماء فيه، ورقة مقدمة لمؤتمر البحرين للتقريب بين المذاهب، 20-22/9/2003، ص9.

11- مهدي شمس الدين، مصدر سابق، ص11، ونحوه قال القرضاوي، مصدر سابق، وهاني فحص، الاختلاف المذهبي بين منهجية الاستدلال الفقهي وإغراء الفتنة، مقال منشور ضمن ملف "التقريب بين السنة والشيعة" على موقع www.islam-online.net بل إن التسخيري ينقل أن المجالات التشريعية المشتركة تصل إلى 90 بالمائة.

12- التسخيري، مصدر سابق، ص9.

13- شمس الدين، مصدر سابق، ص9.

14- يشار إلى أن السيد عبد الصاحب الخوئي، الأمين العام بالوكالة لمؤسسة الإمام الخوئي، قال لي بتاريخ 20/9/2003 في المنامة مبرِّرًا غياب الرموز السلفية عن مؤتمر البحرين الذي حضرناه: "السلفية ليست مذهبًا، وقد تمت دعوة ممثلين للمذاهب الإسلامية المعتبرة".

15- أشير هنا إلى أن ناصر القفاري حصل على الماجستير عن "مسألة التقريب بين السنة والشيعة"، ويخلص فيها إلى التعبير عن الرؤية السلفية؛ فيقول: "دعوة التقريب البدعة الكبرى التي أرادت أن تعطي الكفر والضلال والإلحاد صفة الشرعية واسم الإسلام"، ويرى أن "المنهج السليم هو تقريب الشيعة إلى الحق، والوقوف في وجه المد التبشيري الشيعي". ناصر القفاري، مصدر سابق، جـ2 ص280-281.

16- ينظر كذلك بالإضافة إلى المشار إليهم: البوطي فقد مثّل بأمثلة فقهية كالقرضاوي. وثمة تصريحات بأن الخلاف بين السنة والشيعة إنما هو خلاف في بعض الفروع، لمحمد حسين آل كاشف الغطاء، والشيخ محمد الغزالي رحمه الله، وأنور الجندي. يُنظر: ناصر القفاري، مصدر سابق، جـ1 ص174-175.

17- الإمام الكوثري، مصدر سابق، ص211.

18- من المهم الإشارة إلى أن الموسوعة الميسرة في الأديان تذكر من ضمن معتقدات الشيعة: "المتعة"! وهو خلط بين الفقهي والعقدي أيضًا لدى السلفية، الجهة التي أصدرت الموسوعة. يُنظر: مانع الجهني (إشراف وتخطيط ومراجعة)، الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، الرياض، دار الندوة العالمية، ط3/1418هـ، جـ1 ص58.

19- يُنظر في هذا الشأن: عمر الفرماوي، أصول الرواية عند الشيعة الإمامية، رسالة دكتوراه بجامعة الأزهر، 1996م.

20- ينظر التفصيل في هذا: معتز الخطيب، نص الفقيه، مصدر سابق.

21- تجب الإشارة هنا إلى الجهود التي بذلها عبد الكريم سروش في كتابه المثير "القبض والبسط في الشريعة" الذي تحدث فيه عن بشرية الفكر الديني وأنه فكر أرضي تاريخي؛ وهو ما أثار جدلا كبيرًا في الساحة الإيرانية، وكذلك كتابه الأحدث "بسط التجربة النبوية" الذي يتناول البعد البشري والتاريخي في الوحي. غير أننا نعني هنا بالدرجة الأولى أن تكون تلك المحاولات من داخل منظومة العلوم الشريعة لدى الشيعة كما هو الحال مع بدايات إدراك البعد التاريخي لدى أهل السنة، وإن كانت لا تزال بدايات متواضعة، ولم تنل حظها بعد.

22- انظر القول: إن نشأة التشيع كان لأسباب سياسية وعاطفية: الكوثري، مصدر سابق، ص214، ومحمد حمزة، التآلف بين الفرق، دمشق: دار قتيبة، ط1/1985م ص62-65 ، وكمال أبو المجد، التقريب بين المذاهب الإسلامية في إطار جديد، ورقة مقدمة لمؤتمر البحرين 20-22/9/2003 ص14-15.

23- أبو المجد، مصدر سابق، ص14




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

التقارب السنى الشيعى Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28509
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

التقارب السنى الشيعى Empty رد: التقارب السنى الشيعى

مُساهمة من طرف سامح عسكر الجمعة فبراير 25, 2011 10:20 pm

الاختلاف المذهبي

بين منهجية الاستدلال الفقهي وإغراء الفتنة

السيد هاني فحص**
28/10/2003

المصدران الأولان والمتفق على مصدريتهما للفقه (العلم بالأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية) لدى عموم المسلمين، هما: القرآن الموجود بين دفتي المصحف من دون زيادة أو نقصان، والسنة. والقائل بغير ذلك شاذ لا يلتفت إليه، وفي القرون المتأخرة لم تراود فكرة التحريف، زيادة أو نقيصة، ذهن أحد من مختلف المذاهب. أما المراودات القديمة فهي موزعة بين الجميع ومنبوذة من الجميع.

إذن فالكتاب والسنة -وسواهما موضع خلاف- لا يفترق المذهب الشيعي الإمامي الإثنا عشري، والأصولي منه أساسًا (وهو مختلف عن الإخباري)، وهو الأوسع انتشارًا، لا يختلف عن بقية المذاهب الإسلامية في المسألة السابقة التي ترقى إلى مستوى البداهات، فضلا عن كونها من المسلَّمات.

الخلافات.. ومنطلقاتها النظرية

وإنما يأتي الخلاف أو الاختلاف في مناطق أخرى، منها منطقة الأدلة الأخرى، أي الإجماع والعقل اللذين يضيفهما الشيعة (المدرسة الأصولية) إلى الكتاب والسنة، من دون أن يدعوهما خارج الجدل الدائم حول تعريفهما ومصدريتهما، وحول آلية وصدقية مطابقة العقل للشرع، واشتراط حجية الإجماع بالكشف عن رأي المعصوم؛ مما جعل بعض علماء الشيعة المعاصرين لا يعتبرونه دليلا بذاته، بل من حيث كونه كاشفًا عن السنة، أي سنة، كما يضيف السنة على خلاف متحرك بين المذاهب الأربعة، خاصة فيما يعود إلى القياس، والاستحسان والاستصلاح، والمصالح المرسلة، وسنة الصحابة، فضلاً عن القياس والإجماع.

وهناك لدى علماء الشيعة والسنة من يدعون إلى توسيع مساحة الاجتهاد، أي نقله من مساحة المذهب إلى الفضاء المنهجي والعملي المشترك بين جميع المذاهب، مما يلزم الفقهاء منهجيًّا بالتدقيق في حقيقة الاختلاف بين المباني التي تتحرك عليها عملية الاستنباط، وتتكون منها المنظومة الخلافية، بحيث تدل بعض التجارب البحثية الجادة في أصول الفقه المقارن (السيد محمد تقي الحكيم) والمتخففة من القبليات والأنماط الجاهزة فيما يعود إلى الذات والآخر، والمتراكمة على مر تاريخ الخلاف انقطاعًا أو سجالا أو حوارًا، تدل على أن الخلاف في المباني يمكن أن يؤول أغلبه على موجب البحث المعمق إلى خلاف شكلي، وما يتبقى منه يبقى في حدود الطبيعي ويمكن استيعابه وتجاوزه، من دون حاجة إلى إلغائه تقديرًا لضرورة وجوده نسبيًّا كمصدر حيوية، إلى ذلك فإن إلغاءه يتضمن تعسفًا لا مكان له ولا مسوغ في حركة المعرفة الجادة.

والمنطقة الأخرى التي يأتي منها الخلاف، موصولة بالأصول، أي أصول العقائد، أي أنها متأثرة أو نابعة من الخلاف في علم الكلام التقليدي إلى حد كبير، في حين أن علم الكلام الجديد وفلسفة الدين، التي انفتح بابها أخيرًا على أساس أن الاجتهاد الضروري فيها تم تخطيه لأسباب غير معرفية، مما يعني أن هذه المنطقة من الخلاف سوف تكون عرضة في المستقبل إلى كثير من الاكتشافات والمكاشفات التي تقرِّب المسافات أو تلغي المفتعل منها، وتدوِّر الزوايا وتنقل التعدد الفكري من موقع الثنائية الحادة والتقابل الفصالي إلى حال من التكامل على موجب الاختلاف الطبيعي الذي لا يعطل الحوار، بل تقتضيه كما لو كان شرطه الديني والمعرفي.

وتتركز المسألة المذكورة أعلاه في إلزام أو التزام الشيعة الإمامية بسنة الأئمة الاثني عشر من خلال التعريف الشيعي الإمامي للسنة بأنها "قول المعصوم أو فعله أو تقريره"، متعدين بذلك تعريف المذاهب السنية المختلفة للسنة بأنها: "قول الرسول صلى الله عليه وسلم أو فعله أو تقريره". مع إضافة قيد أو شرط كونه -أي الرسول صلى الله عليه وسلم- في مقام التشريع بناء على حصر العصمة في دائرة التبليغ أو مقامه.

وبناء على اعتقاد الشيعة الإمامية بالعصمة المطلقة لأئمة أهل البيت بسبب ربطهم بين مقام الإمامة ومقام النبوة، إلى حد أن بعض علمائهم يحيلون الأصول ثلاثة بدل الخمسة (أي التوحيد والنبوة والمعاد)، بدل "التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد"، كما هو العدد لدى الآخرين، على أساس أن العدل لدى الثلاثيين هو مقتضى التوحيد وبه يتم معناه، كما أن الإمامة هي مقتضى النبوة، والدليل على النبوة هو الدليل على الإمامة.. بناء على القول بعصمة الأئمة إذن يصبح الأئمة الاثنا عشر في المنظار الشيعي هم الطريق الأول -وربما كان الطريق الحصري- إلى معرفة السنة النبوية أي ثبوتها، أو ثبات الصدور عن الرسول صلى الله عليه وسلم، في حين يكون الرواة الثقات طريقًا لإثبات سنة الأئمة أو وقوع الأئمة في سند السنة النبوية.

وعودًا على بدء لا بد من التنبيه إلى أن إسقاط قيد أو شرط كون الرسول أو المعصوم في مقام التشريع من تعريف السنة مشفوعًا بالعصمة المطلقة للرسول أو الإمام لدى الشيعة الإمامية؛ يعني أن كل سنة هي تشريع، وأن المعصوم حسب المنظار الشيعي هو دائمًا في مقام التشريع، وفي كل شيء؛ مما يعني أن دائرة التشريع تتسع للسياسة، أي لنظرية الحكم والدولة الدينية وغيرها، كولاية الفقيه التي تتحدى الفقهاء من غير القائلين بها حسب قراءتهم للأدلة التقليدية التي يستند إليها القائلون بالولاية المطلقة، غاية الأمر في الاختلاف أن غير القائلين بولاية الفقيه إنما يستبعدون الإطلاق فيهما من دون أصلها، في الأمور الحسبية، وهذا التحدي مصدره المشتركات المبنائية المتفق عليها في عملية الاستنباط الفقهي، أي الأصول التي تتداخل فيها أصول الفقه مع أصول العقائد (علم الكلام) ومن دون فرق جوهري بين قائل بولاية الفقيه المطلقة أو المقيدة.

وإلى أين يذهب الفقيه السني الذي يقول بالدولة الشرعية أو الدينية، ليستدل على وجوبها أو مشروعيتها، إذا لم يكن لديه اقتناع أو عقيدة بالمباني الشيعية نفسها؟

كما هو ملحوظ فإن الفقيه السني يذهب إلى قراءة تأويلية (ألسنية) لعموميات في الكتاب والسنة، أي أنه لا يخضع نظرية الحكم لمنظومة مبنائية في الفقه، بل يتعامل مع النص مباشرة كمنجز نظري، ودلالي (أي معرفة) غير مسبوقة بمعارف قبلية، بل برغبات سياسية تبحث عن مسوِّغاتها بعد تكوينها في ذهن أهل الرغبة، لما يعني أن إشكالية الفقيه السني في مكان وإشكالية الفقيه الشيعي في مكان آخر.

إشكالية الفقيه السني في الافتقار إلى المسوغ الإلزامي، وهذا ليس عيبًا، وإشكالية الفقيه الشيعي أن إلزامية رؤيته لا تتأتى من السياق الفقهي، وهي عرضة لتقلبات الرؤية في علم الكلام؛ مما يعني أن الاستمرار في البحث في علم الكلام الجديد يمكن أن يصل إلى المساس بالمباني، وحينئذ يصبح لزامًا أن تبحث مسألة الحكم والدولة على نصاب معرفي مختلف، أي على أساس الإجابة الشافية عن السؤال عن موقع الدولة في أنظمة الاجتماع البشري، الذي يكيفه الدين فقهيًّا ولا يخترعه وجودًا ولا حراكًا، حتى إذا ما انتهى البحث إلى الاقتناع الآخذ في التعاظم سعة وعمقًا الآن، بأن الدولة ضرورة اجتماع؛ فإن العالم أو الفقيه سوف يعود إلى قراءة النصوص التأسيسية والمحطات التاريخية متحررًا من إلزامية الدولة شكلاً لينتقل إلى قبول مشروط بتعريف الدولة الحديثة وعدم وقوعها في موقع التضاد مع الرؤية الإسلامية لمسألة الحكم.

المنهج الفقهي.. والمشتركات النظرية

إن السؤال الذي يلح بعد كلامنا السابق والمركز على الخلافات بين المذاهب الإسلامية موصولة بمنطلقاتها النظرية، هو: هل منع ذلك -أو يمنع- أن يتسع الفضاء المنهجي للاستنباط الفقهي محكومًا بالمنطق الداخلي والمعياري والمقاصدي المتفق عليه إجمالاً لدى الجميع، أن يتسع هذا الفضاء لمشتركات نظرية تترتب عليها موافقات متحركة في تشخيص الموضوعات وترتيب أحكامها عليها؟ خاصة إذا ما انفتح فقه الجميع على حقول المعرفة المختلفة (الإنسانية والألسنية والأدبية عمومًا والبحتة والدقيقة والتطبيقية.. إلخ) والتي من شأنها إذا ما اندمجت في حركة المعرفة الدينية، أن توسع المساحة المشتركة لدى علماء المسلمين في الرؤية والمرئي والرأي؟

على هذا الأساس تصبح المسافة بين المذهب الفقهي الإثنا عشري والمذهب السني أقصر من مسافة نوعية بين مذهبين غير محكومين بمصدر واحد وغاية واحدة؛ لتتماثل هذه المسافة مع مسافة الاختلاف القائم والمتحرك -طولاً وقصرًا، أو بعدًا وقربًا- بين أي مذهب سني وأي مذهب سني آخر، أو داخل المذهب السني الواحد، على أساس تعدد المدارس والاجتهادات وحتى المباني داخل المذهب الواحد، هذا فضلاً عن المسافة المعروفة والمتأسسة على فتح باب الاجتهاد لدى الشيعة وسدّه لدى السنة -وهذه ليست مسلمة لدي- ولا تتلاءم مع حيوية التراث الفقهي للمذاهب الأربعة بعد الربع الأول من القرن الخامس الهجري، أي تاريخ فرض الخليفة العباسي القادر لرؤيته التقليدية على فقهاء المذاهب؛ مما أدى في البداية إلى حالة من جمود الفقه السني من دون أن يكون الفقه الشيعي قد استطاع أن يتحرك -وحده- على مقتضى فتح باب الاجتهاد، خاصة بعد استيلاء طغرلبك السلجوقي على بغداد ووفاة الشيخ "الطوسي" -شيخ الشيعة ومجتهدها الأكبر في عصره- مما جعل الفقه الشيعي يتوقف، ويصبح تكرارًا لفقه "الطوسي" كمظلة وحيدة لحالة البطالة التي أصابت العقل الإسلامي تحت ظل السلاجقة؛ وهو ما امتد أثره السلبي لدى الشيعة إلى القرن الثامن الهجري.

وفي المحصلة كان فتح باب الاجتهاد لدى الشيعة، خاصة بعد نهاية السلاجقة واجتراء الفقيه الشيعي "ابن إدريس الحلي" على الدعوة إلى الخروج عن الطاعة العمياء للشيخ "الطوسي" وتعطيل النظر في فقهه واجتهاده.. كان كل ذلك مدعاة إلى تكون دائم للمسافات العظمى أحيانًا بين فقيه شيعي وفقيه شيعي آخر، ما تمظهر -ويتمظهر دائمًا- اختلافًا في أحكام غاية في الحساسية (ولاية الفقيه مثلا) إلى غيرها مما يتصل بالفقه السياسي والدستوري، بناء على حجم الجرعة المتحققة في عملية الاستنباط من مسلمات المنظومة العقائدية.

بين الأصوليين والإخباريين

ولا بد أن نتذكر هنا ونذكِّر بأن المسافة بين الفقه الشيعي الإثنا عشري الأصولي (نسبة إلى أصول الفقه) والفقه الشيعي الإثنا عشري الإخباري تبلغ في البعد والعمق حد عدم القدرة أو صعوبة تشخيص الصلة المذهبية الفقهية بين الفقهين، ما كان هو الكامن وراء الصراع الذي احتدم بين الأصوليين والإخباريين في القرن التاسع عشر الميلادي، واصطبغ بالدم أحيانًا، ثم عاد ليهدأ بعد ما سلم الإخباريون بغلبة الأصوليين، واندمجوا في إطار الحوزات العلمية حتى قربت المسافة العملية بينهم وأثرت بشكل ملحوظ على المسافة العلمية ولمصلحة المنهج الأصولي الاجتهادي أكثر الأحيان، وحتى أصبح عدد من علماء الإخبارية يبلغون درجة الاجتهاد ويقدمون أنفسهم كمجتهدين.

هل الخلافات مسؤولة عن التباعد عن مقتضيات الوحدة؟

وهناك سؤال آخر: هل تتحمل هذه المسافة بين الفقه السني والفقه الشيعي -على صعوبة التعريف الجامع المانع لكل منهما- مسؤولية التمايز أو التباعد عن مقتضيات الوحدة في التاريخ الإسلامي؟ بحيث نعود لنحملها مسؤولية ما قد يترتب على إذعاننا لإملاءات الآخرين على طريق التفرقة والصراع الآن؟

سأحاول هنا أن أرسم علامات أو مفاتيح للشروع في تدبر الإجابة المتأنية والمشتركة على السؤال. مبتدئًا في استرعاء نظر وعلم ودين الجميع وحرصهم، إلى أننا الآن -كمسلمين شيعة وسنة- على أهبة الدخول في معمعة صراعية تعيد إلى الذاكرة تاريخًا بعيدًا لا علاقة لمشاهده الجارحة بعلمنا وعلمائنا، فضلا عن عقائدنا، وسوف تضيف إليه ما يجعله أقل مرارة في ذاكرتنا من الراهن والآتي. إذن فلا بد أن نسعى -معًا- لتفادي مشهد جارح متوقع وواسع، إن لم يكن مدمرًا لكل شيء، فلا بد أن يكون إعاقة نوعية على طريق دنيانا وآخرتنا.

إننا لا نبالغ عندما نقول: إن حركة الفتنة في هذا العصر، وعلى إيقاع المتحولات العلمية وثورة الاتصالات والمواصلات.. لم تعد تنحصر في أماكن نشوئها، بل هي تجنح إلى العموم والشمول بسرعة فائقة، خاصة عندما يتولى الإعلام -والفضائيات بصورة خاصة- نقل وقائعها كاملة أو منقوصة أو مزيدًا عليها ما يتحول إلى زيت يؤجج نارها.. وما من حادث جزئي يحدث الآن في حي من أحياء بغداد وفيه رائحة صراع مذهبي، أو فيه قطرة دم حرام مراقة مجانًا، من هنا أو هناك، إلا ويصل مع كل البهارات الحادة وذات النكهة الكاوية إلى باكستان مثلا.. وبعد أيام أو أسابيع يلد الدم العراقي دمًا باكستانيًّا أغزر وأشد هدرًا أو إيلامًا.

ودعك مما يثيره في أماكن أخرى، وما يحدثه ذلك من تضييق مساحة الاتفاق الإسلامي على القضايا الكبرى (فلسطين مثلا)، والتي كانت منذ كانت نصابًا للتوحيد والوحدة والشراكة الجهادية، لموقعها في نظام حياتنا وحضارتنا وكرامتنا المقارب لموقع التوحيد في نظام عقيدتنا؛ وهو ما يعني أن المس بها مس بالتوحيد، والمس بالتوحيد مس بها، ولا مجال في هذا المجال لتبرئة فاعل أو منفعل، ولا داعي لتمجيد محق وترذيل مبطل؛ لأننا جميعًا نكون مبطلين؛ لأن الحق هو الذي يتوسط ويحث على التسوية، والعدل هو الذي يعم الجميع.

وماذا بعد؟

لو تركت خلافاتنا منذ القرن الهجري الأول، أي اجتهاداتنا، أي معرفتنا المتعددة بالإسلام، والتي يقرها الإسلام ويريدها "اختلاف أمتي رحمة".. لو تركت هذه الخلافات تنمو وتتحرك بشكل طبيعي وحر وإيماني، ومن داخلها، لكان حالها وحالنا أقرب إلى الصواب والسلامة، أي لكان الحوار بين المعارف المتعددة والمختلفة وبين العارفين من العلماء أنشط وأقرب إلى التكامل وترجيح الوفاق وضبط الخلاف، ولما كان من شأنها أن تنفجر دماءً وصراعًا، لولا أن مؤثرًا خارجيًّا تداخل مع نسيجها الداخلي، السياسة، السياسة السلطانية، بعد العهد الراشدي، أي بعد عهد السياسة الإمامية أو الخلافية، (بمعنى الخلافة عن الرسول صلى الله عليه وسلم)، أي التأسِّي والاتباع والاجتهاد في ذلك.

وأحسن المسلمون الأوائل في هذا السياق فن التنازل الدائم عن الفرعيات حفظًا للأصول، لموارد الاحتياط، وصيانةً لمقاصد الشريعة، أحسنوا التسوية وظلوا يتعاطونها حفاظًا على الوجود وطموحًا إلى تحقيق كمالات هذا الوجود، إلى مقتل الحسين، وإباحة المدينة، وهدم الكعبة... إلخ.

لا ألح على الاستذكار؛ فالآن المسألة أشد خطرًا؛ فالأعداء أكبر وأخطر بكثير مما عرفنا، والمؤثرات الخارجية والرياح العاصفة تمتد مصادرها علينا من أقصى الأرض إلى أقصى الأرض، وحكامنا ودولنا أضعفوا من حالهم وحالنا -وليس الوقت وقت محاسبة- حتى استُضعفوا واستضعفنا، وأتانا الآخرون، الأعداء دائمًا، ليقولوا لنا: لستم جديرين أو مؤهلين لبناء دول ومجتمعات، نحن نبنيها لكم على مقتضى مصالحنا. وأخيرًا يقول لسان حالهم لنا: لستم مؤهلين لأن تكونوا مجتمعات، نحن نفرقكم لنعيد جمعكم على نصابنا!!

هل يتسع فقهنا الخلافي الآن -مع كل المستجدات المعرفية العظيمة والواسعة- لتغطية سلوكنا الآيل إلى صراع دموي يقع في دائرة وإرادة غيرنا؟ هل الصراع المذهبي المدمر الموعود -لا حقق الله موعده ووعده؛ بشرط جهودنا وجهادنا طبعًا- هل هذا الصراع هو غير تطبيق لنظرية تكونت منذ حرب فيتنام؛ أي عدم جواز أن يقاتل الأمريكيون بلحمهم؟ بل بلحم غيرهم؛ أي لحمنا؟! كانت هناك ضرورة أمريكية في حصر احتلال العراق. أما الآن فموجبات الحصرية انتهت، ومن هنا عادوا إلى الأمم المتحدة والقوات المتعددة الجنسية.. فماذا نحن فاعلون؟ هل نخرج من فضائنا الدولي؟ هل نخرج من ذاتنا؟ هل نتقاتل لنوفر على الآخرين دماءهم وأموالهم؟!

المسألة الآن هي بحجم وجودنا ومستقبلنا، ولا بد من مبادرة جادة، عربية إسلامية، فكرية علمية وسياسية تحصينًا للعراق، تحصينًا لنا في العراق من أخطار ماحقة.

إيقاظ الذاكرة.. من أجل سلامة الرؤية

وإذا كان لا بد من إيقاظ الذاكرة احتياطًا لسلامة الرؤية راهنًا والاستشراف الدقيق مستقبلا؛ فإن في تاريخنا الإسلامي الأول -ومنذ بدرت بوادر الاختلاف الطبيعي- ألف دليل ساطع وملموس وملزم، على أن أهل العلم والصلاح من الخلفاء الراشدين إلى التابعين وتابعي التابعين، من الصحابة والمتأسين بهم، لم يسمحوا للخلاف بأن يتحول إلى دم حرام وخراب عام، والذين اقترفوا ذلك كانوا أقرب إلى الجهل والجاهلين منهم إلى العلم والإسلام، وكان الدين ذريعتهم لا غايتهم، والدنيا مقصدهم لا الآخرة، ونحن الآن أين من أولئك وأولئك؟

أما تاريخنا الحديث في إيثار الوحدة على الفتنة؛ ففيه أن السنة والشيعة في الجليل وعامل في بلاد الشام تقاتلوا، ولكن ظاهر العمر وناصيف النصار قائدي الفريقين تصالحا، وقاتل الجميع -معًا- أهلَ الجور والطغيان، وقدموا أمثولة تستحق أن تستعاد، وعانى الشيعة مع سائر المسلمين من جور العثمانيين وجهلهم، من دون ظلم أو افتئات على العظماء من سلاطين آل عثمان وخاصة سليمان، ولكن الشيعة مع المسلمين -إلا من شذ منهم لأسباب مختلفة- مالوا في اللحظات الحرجة إلى جانب السلطنة، وأنصفوا عبد الحميد من دون أن يسوِّغوا أخطاءه في مواجهة الهجمة الاستعمارية عليه، وعطلوا تناقضاتهم مع "الاتحاديين" على مفصل الحرب الكونية الأولى إيثارًا للوحدة في مواجهة الأخطار العظمى، وعندما سقطت الدولة وأعلن فيصل نفسه ملكًا على بلاد الشام ناصروه علنا وبحماسة، وهو لم يكن يغري الشيعة منهم بتشيع ذرائعي، بل كان صريحًا في تسنّنه.

وفي محطة الشورى الدستورية (المشروطة) التي تأسست في إستانبول وكان لها صدى عظيم في طهران اندمج مجتهدو الشيعة في سياق المطالبة بالحرية والتحديث الأصيل، وعندما بدا أن الشاه القاجاري يتلكأ في تطبيق الدستور، وأن السلطان محمد رشاد في إستانبول ماضٍ في وعده بتطبيق هذا الدستور أرسل مجتهدو النجف العشرة الكبار رسالة تهديد إلى الشاه القاجاري، ورسالة تأييد إلى محمد رشاد مشفوعة بالولاء والبيعة، على موجب الدستور باسم الشيعة من دون أن يعترض أحد، اللهم إلا أولئك القلة من دعاة الاستبداد، وتبعًا للاختلاف على هذه المسألة (الاستبداد والدستور) لا على أساس الاختلاف بين السنة والشيعة.


الهوامش:
** كاتب ورجل دين لبناني شيعي.




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

التقارب السنى الشيعى Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28509
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

التقارب السنى الشيعى Empty رد: التقارب السنى الشيعى

مُساهمة من طرف سامح عسكر الجمعة فبراير 25, 2011 10:21 pm

نحو ميثاق تأسيسي لهيئة قضايا الوحدة والتقريب

الشيخ محمد مهدي شمس الدين ** رحمه الله تعالى
28/10/2003

إن الأمة تعاني من نوعين من الخلافات التي تصدّع وحدتها، وتوهن تماسكها، وتفرق كلمتها:

1.خلافات المصالح والمخاوف السياسية الناشئة من عوامل التفاعل والتدافع في المجال الدولي والإقليمي، وفي صميم ذلك نفوذ القوى الأجنبية غير المسلمة في العالم الإسلامي (أوروبا وأمريكا). وهذا النوع من الخلافات قائم بين الدول الإسلامية نفسها (بين دولة ودولة، بين دولة ومجموعة دول، وبين مجموعات دول).

2.خلافات المذاهب على المستوى العقائدي والفقهي، وهذه خلافات تتمظهر داخل كل دولة في علاقات المواطنة بين المواطنين أنفسهم، وفي علاقات فئة من المواطنين بالحكومة التي تختلف عنهم في الانتماء المذهبي.

يتولد من تمظهر الخلاف في علاقات المواطنة شعور النبذ والعزل، ويتولد من تمظهر الخلاف في علاقات السلطة الاضطهاد السياسي والحرمان في مجال التنمية والمشاركة في جسم الدولة.

يفترض أن منظمة المؤتمر الإسلامي والمنظمات الإقليمية الأضيق نطاقا (الجامعة العربية، مجلس التعاون، الاتحاد المغاربي) وهذه كلها منظمات حكومية تعالج الخلافات على المستوى الأول، ولكن لا توجد هيئة أو (هيئات) تهتم بهذا المستوى من الخلافات.

أما المستوى الثاني من الخلافات فقد كان مدار اهتمام القيادات الواعية في الأمة منذ النهضة الحديثة، بعد هجمة الاستعمار، وانهيار النظام العثماني (جمال الدين الأفغاني ومدرسته) . وقد عبرت عن هذا الاهتمام جهود فردية أول الأمر (نداءات وأبحاث لمفكرين وفقهاء)، ثم تمظهر في المؤتمر الأول الذي عقد في القدس سنة 1931م وكان همّ الوحدة أحد همومه البارزة. ثم تمظهر في مؤسسة متخصصة متفرغة لهذا الشأن هي دار التقريب بين المذاهب الإسلامية التي شكلها في القاهرة نخبة من الفقهاء والباحثين من الشيعة والسنة، ورعاها الأزهر من جهة، والمرجع الديني الشيعي الكبير السيد البروجردي من جهة أخرى، كما تمظهر في العلاقات التي أرساها الشيخ المرحوم حسن البنا مع علماء ومفكري الشيعة في تلك المرحلة.

خطاب الوحدة في العقيدة والشريعة

إن خطابات التأسيس تركز على وحدة الأمة في مجال الفكر والعقيدة وفي مجال العمل والسلوك.

أ‌. خطاب العقيدة:

إن الأمة المسلمة تكونت على قاعدة التوحيد في التصور والعقيدة، ومن ثم تكون موحدة في الولاء والانتماء، وموحدة في الموقف والفعل. وقد حفل القرآن الكريم بالآيات الكريمة التي تضمنت بيان هذه الحقيقة في مجال العقيدة ومجال التشريع، وحث المسلمين على رعايتها:

(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا) [آل عمران/ 301].

(وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران/105]

(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) [الأنعام/153]

(وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال/646 ]

(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ) [الصف/4]

ب. الخطابات العملية:

كما أن الخطابات العملية إلى الأمة تقتضي الوحدة:

1.(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ) [الأنفال/60]

وأحد أعظم مظاهر القوة هو الوحدة. إن هذا الخطاب للأمة، ولا يمكن أن تملك الأمة القوة العسكرية إذا كانت منقسمة على نفسها، سواء كان الانقسام على مستوى الأمة أم على مستوى هذا المجتمع أو ذاك من مجتمعاتها.

2.النهي عن اختلافات المواقف في القضايا المصيرية:

(فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُو) [النساء/88] هذا لا ينافي الشورى وتعدد وجهات النظر، ولكن لا بد من التوحد على المستوى العملي. وهذا أمر متعذر إذا كانت الأمة منقسمة على نفسها، سواء كان الانقسام على مستوى الأمة أم على مستوى هذا المجتمع أو ذاك من مجتمعاتها.

3.وجوب الإصلاح في حالة الاختلاف:

افترض التشريع حصول خلافات تصل إلى حد الاقتتال:

(وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ) [الحجرات/9].

عالمية الإسلام.. والتمذهب

الإسلام دين عالمي، والأمة الإسلامية هي مظهر لعالمية الإسلام، لكن تركيز الخلافات المذهبية وترتيب الآثار عليها يلغي عالمية الإسلام، ويحوله إلى دوائر متحاجزة لا تتمتع بأي عمومية، ولا تستطيع أن تنشئ خطابا عالميًّا.

إن فعلية وفاعلية عمومية الإسلام وعالمية الأمة الإسلامية تتوقف على التخلي عن كل ما يؤدي إلى التحزب والتشرذم؛ فوجود الأمة الإسلامية ووحدتها حقيقة عقائدية وتشريعية وتاريخية، لا مجال للمراء في ذلك على الإطلاق، وإن كون هذه الوحدة تنتظم المسلمين في جميع تنوعاتهم العرقية واللغوية والمذهبية أمر يجب الاعتراف به، وترتيب آثاره في جميع علاقات المسلمين في مجال المصالح فيما بينهم وفي مواجهة الأغيار.

لا بد من تجاوز الوقائع التاريخية التي أدت إلى نشوء انقسامات سياسية تلابست بعد ذلك مع الاختلاف في الرؤية العلمية أو الرؤية الفكرية في مجال التشريع، إن كان في مجال الأدلة أو في مجال الاستنباط.

كما أنه لا بد من اعتماد أسلوب يراعي وحدة الأمة في تثقيف عامة الناس بهذه الوقائع التاريخية وبتفاعلاتها السياسية، ويتجنب ما يؤدي إلى القطيعة، ذلك أن التحزب ينقل تفاعلاتها إلى حاضر الأمة وواقعها الراهن، ويتسبب في القطيعة بين مجموعات الأمة، وهو ما حرص عليه الإمام علي عليه السلام وأبناؤه على تجنب الوقوع فيه، بل قدموا تضحيات كثيرة مادية ومعنوية لتفاديه حفاظًا على وحدة الأمة وسلامة كيانها.

يجب أن نلاحظ الواقع الذي نعيش فيه؛ فلا يمكن أن نبني الوحدة بإحياء خلافات الماضي، بل نبني الوحدة بالتركيز على حاجات الحاضر، وعلى المسلمات الثوابت في العقيدة والشريعة الإسلامية التي تجعل من المسلمين أمة واحدة.

من جهة أخرى لا بد أن نعيد الاعتبار، على مستوى المجتمعات والحكومات الإسلامية، إلى حكم شرعي إسلامي تنظيمي أساسي هو تولي المسلمين بعضهم بعضًا، قبل أن ينساق هذا المجتمع أو ذاك، أو هذه الدولة أو تلك، إلى تحالفات مع قوى أجنبية غير مسلمة تؤدي إلى وقوف بعض المسلمين ضد بعضهم الآخر نتيجة لتعدد الولاءات والأحلاف مع الأجانب.

وهذا المبدأ نص عليه الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم بالنهي عن تولي غير المسلمين بما يؤدي إلى الفرقة بين المسلمين وإيجاد الشقاق والخلاف بينهم، ولا يمكن أن يبرر ذلك أي سبب أو أية ذريعة يتذرع بها هذا المجتمع أو ذاك، أو هذه الدولة أو تلك. كذلك نصت عليه السنة الشريفة في جملة من الأحاديث الصحيحة.

يجب أن يلاحظ أيضا أن البحث المجرد الموضوعي من قبل علماء ومفكري وباحثي كل مذهب وطائفة لعقائد الطوائف الأخرى ومناهجها الفقهية سيكشف للجميع أن المساحات المشتركة واسعة جدا. أما الخلافات فيمكن الوصول في كثير منها إلى نقاط وفاق، وأما ما لا يمكن الوصول فيه إلى نقاط وفاق فيترك لكل مذهب؛ بحيث يكون من خصوصياته ومميزاته، ولا يُجعل ذريعة لاعتبارها أساسا للخلاف والنزاع وإفساد العلاقات الإسلامية.

ومن هنا فإن التنوع المذهبي الذي اعتبر عامل انقسام هو واقع قائم ضمن الوحدة، ولا يجوز على الإطلاق الاسترسال مع هذا التنوع أو هذا الاختلاف؛ لأن ذلك يؤدي إلى الإخلال بوحدة الأمة باعتبارها وحدة عقائدية وتشريعية. وإذا كان يراد بحث وقائع التنوع والاختلاف فلتُبحث في الدوائر العلمية الضيقة والمتخصصة، ولا تُجعل مادة للحديث اليومي أو الموسمي.

من الأمور الأساسية التي يجب أن تلحظ في قضية الوحدة والتقريب بين المذاهب أن هذه الاتجاهات الفقهية في الشريعة، والتنوعات الكلامية في تفريعات العقيدة موجودة في جميع أنحاء العالم الإسلامي وبين جميع الشعوب الإسلامية. ومن النادر أن يكون هناك مجتمع إسلامي خالٍ من أي تنوع مذهبي. وقد أشرنا في فقرة سابقة إلى أن التمذهب ظاهرة طبيعية داخل الإسلام، ولا يمكن أبدا فرض مذهب معين على الناس بقرار سياسي.

لقد حدث كثيرا أن حاول بعض المتسلطين والحكام القيام بشيء من ذلك، ولم يفلحوا، بل انتهى الأمر بكوارث. رأينا هذا في محاولات المعتزلة لفرض رؤيتهم الكلامية، ثم رأينا المحاولات المقابلة للاعتزال، وهي محاولات أهل الحديث السلفيين، لفرض رؤيتهم الكلامية في العهد العباسي الثاني منذ عهد المتوكل.. وحدث الصراع المشئوم الذي نعرفه.

كما حدث أن قامت محاولات كثيرة لفرض اتجاه مذهبي محدد وإلغاء المذهب الآخر أو المذاهب الأخرى، كما لاحظنا ذلك في العهد الفاطمي. قام الفاطميون في مصر بمحاولة إلغاء المذاهب الأخرى غير مذهبهم وفشلوا، ثم جاء الأيوبيون فحاولوا نفس المحاولة ضد الفاطميين، وكان بعض المذاهب مستهدفا بصورة دائمة كما هو الشأن في مذهب الشيعة الإمامية.

وقد خلفت هذه المحاولات في الذاكرة العامة لأتباع هذا المذهب أو ذاك ذكريات أليمة كونت موقفا نفسيا وجدانيا يتنافى مع ما تقضي به عقيدة الوحدة من تصور بالأخوة والانتماء وكون المسلمين بعضهم أولياء بعض. هذه الحقيقة المرة يجب أن تثبت في وعينا جميعا في هذا العصر، بأن الموقف السليم والاتجاه الشرعي المستقيم يقتضيان الاعتراف بكل مذهب.

وهنا تُذكر مأثرة الإمام مالك بن أنس الذي رفض عرض المنصور العباسي عليه بأن يحمل الناس على "الموطأ" في القضاء والفتيا ويجعله للناس إماما، ولكن الإمام مالكا رفض هذا العرض، وقال: "إن أصحاب رسول الله قد تفرقوا في الأمصار فحدثوا عند أهل كل مصر حيث حلوه، وكلٌّ مصيب".

وعلى هذا الأساس كان أئمة أهل البيت يوجهون المفتين من أصحابهم إلى احترام المناهج الفقهية الأخرى والإفتاء لأتباعها بما انتهت إليه من آراء فقهية. فمن ذلك توجيه الإمام جعفر الصادق عليه السلام للفقيه الشيعي الإمامي أبان بن تغلب، وكان يجلس للإفتاء في المسجد النبوي "انظر ما علمت أنه من قولهم فأخبرهم بذلك"[1]، إذن علينا أن نتجه هذا الاتجاه. لقد تحقق هذا الهدف في المذاهب الأربعة؛ حيث نجد غالبا أن الاعتراف المتبادل بين هذه المذاهب هو السمة العامة الظاهرة في معظم أنحاء العالم الإسلامي، ولكننا لا نزال نواجه صعوبات في هذا الحقل بين هذا المذهب أو ذاك من هذه المذاهب، أو بين جميع هذه المذاهب والمذهب الشيعي الإمامي الإثنا عشري أو المذهب الزيدي، أو المذهب الإباضي، وبين كل مذهب من هذه المذاهب والمذاهب الأخرى.

هذه النقطة هي ما نستهدف الوصول إلى حل الإشكال بشأنها إلى أن يتم الاعتراف المتبادل المبني على التفهم العلمي والوعي الحقيقي؛ لأن كل واحد من هذه المذاهب يستحق على المذاهب الأخرى الاعتراف بإسلاميته.

الاعتراف بالمسلم أو محاولة الإلغاء

والوحدة تارة تقوم على أساس وعي حقيقة الوحدة والعمل من أجل التقريب، وتارة تقوم على أساس الطلب إلى الآخر أن يلغي نفسه أو يهذب نفسه، وتارة تقوم على أساس الاعتراف بالآخر.

الواقع أن الدعوة إلى إلغاء الذات ليست في الحقيقة دعوة إلى الوحدة، ولن تتحقق هذه الوحدة على الإطلاق، ولن يتحقق أي تقارب بهذا الأسلوب. المهم هو الاعتراف بالآخر. الاعتراف بخصوصيته، والاعتراف بإسلاميته. نفس المنهج الذي تم في التقريب بين المذاهب المنتمية إلى الخط الأشعري، ما يسمى المذاهب السنية، يجب أن يسود فيما بين هذه المذاهب وبين المذاهب الإسلامية غير الأشعرية. إن هذا الهدف هو أحد الأهداف الكبرى التي يجب أن ينصب عليها اهتمام المعنيين بالإجماع الإسلامي العام.

في مجال آخر نلحظ أن السدود الثقافية والمعرفية أو التعليمية التي تواجه مذهبا تجاه مذهب آخر قد بدأت تتقلص، وأن طوق العزلة الثقافية قد بدأ يتبدد وينكسر. ونحن نلاحظ بسعادة كبيرة أن التواصل الثقافي والفكري، وأن التثاقف بين القيادات الفكرية والفقهية لكل المذاهب في حالة نمو وتكامل: وهذه اتجاه صحيح يؤدي إلى تعميق الشعور بالوحدة والشعور بالانتماء إلى الأمة الواحدة، ويزيل حالة الشعور بالانفصال، بل ينمي حالة الشعور بالتكامل.

مشكلة التبشير داخل الإسلام

والمهم أن نتجنب حالة التبشير في داخل الإسلام، ومحاولة حمل أتباع مذهب على ترك مذهبهم واتباع المذهب الآخر بالأسلوب التبشيري؛ حيث إن التكامل الثقافي لا يكون بمحاولة الاستفزاز، وإنما يكون بمحاولة الإغناء والإضافات والتكامل.

ومن هنا يجب إعادة النظر في جميع المؤسسات التي تقوم على أساس فكرة التبشير والدعاية المذهبية في مقابل المذاهب الأخرى، وهذه المؤسسات تعوق بشكل مدمر نمو عوامل التقريب، وتخرب الوحدة تخريبا عميقا، ونحن نشاهد بعض مظاهر ذلك بين الفنية والأخرى.

هيئة قضايا الوحدة والتقريب

إن هيئة قضايا الوحدة والتقريب بين المذاهب الإسلامية ستعنى بالتواصل مع الدوائر الفقهية والفكرية في كافة المراكز الإسلامية، وفي مقدمتها الأزهر الشريف، للمشاركة بأي صيغة ممكنة في هذا الجهد الذي تقوم به هذه الهيئة.

وعلى أساس هذا الميثاق التأسيسي لهيئة الوحدة والتقريب بين المذاهب ستعمل الهيئة على إصدار مجلة عالمية بلغات حية، وفي مقدمتها اللغات الإسلامية: العربية والفارسية والتركية والأوردية، تهتم بنشر عقيدة الوحدة وأفكار التقريب بين المذاهب.

كذلك ستعمل على إنشاء هيئات تمثيلية لها في كافة المناطق في العالم الإسلامي، كما ستدعو إلى مؤتمرات بحثية عامة فيما يتعلق بقضايا الوحدة، ومؤتمرات أو ندوات ذات طابع خاص تعنى بقضايا محددة ذات أولوية وأهمية استثنائية فيما يعود إلى الوحدة الإسلامية.

إن أحد أهم مقاصد هذه الهيئة العمل من أجل الانفتاح الفقهي بين المذاهب الإسلامية على مستوى الدراسة والاجتهاد، ومن أجل ذلك ستعمل "هيئة قضايا الوحدة" على أن تعنى كليات الشريعة ومعاهد الدراسات العليا في العالم الإسلامي بالتدريس الجاد لكل المذاهب على قاعدة أصول الفقه المقارن، وكذلك تشجيع كل ما يمكن أن يؤدي إلى تعميق أواصر الوحدة والشعور بالانتماء وإلى اكتشاف المسلم الآخر وقبوله كما هو ومحاورته من منطلقات مشتركة بين الجميع.

الوحدة الإسلامية وقبول الآخر غير المسلم

وهنا نضيف أن عناية هذه الهيئة بقضايا الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب تحمل في ثناياها توجها أساسيا على مستوى العالم، وعلى مستوى الأمة الإسلامية، وعلى مستوى كل وطن وكل بلد من أوطان وبلاد المسلمين، وهو أن هذه الدعوة تستبطن مبدأ قبول الآخر غير المسلم، والحوار معه، ومحاولة بناء حياة مشتركة تقوم على القيم الإيمانية الكبرى.

ويقوم هذا التوجه على أساس المبدأ الأساس العام في الإسلام في مجال الفقه السياسي، الذي صرح به القرآن الكريم والذي يتجلى في سورة الممتحنة (لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الممتحنة/8].

الخلافات السياسية وأسبابها الطائفية والمذهبية

نحن نلاحظ بقلق عميق أن بعض الخلافات السياسية التي تحدث بين المجتمعات الإسلامية أو في ضمن تلك المجتمعات تعود إلى أسباب طائفية ومذهبية، وهذا يشكل عنصرا مدمرا لقضية الوحدة.

وفي هذا المجال نذكر أن التعارض الكبير الذي يظهر بين حين وآخر بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبين محيطها والذي يعود قسم منه إلى اعتبارات مذهبية.

ونذكر التعارض الكبير الدموي الذي حدث داخل أفغانستان بين فئات الشعب الأفغاني، أو بين حركة طالبان وإيران.

ونذكر التعارض الدامي والأليم الذي حدث بأشكال متنوعة في العراق أو في بعض دول الخليج. ونذكر بعض التعارضات التي تحدث بين حين وآخر في باكستان مثلا.

إن بعض علماء الدين الذي قد لا يتمتعون بالكفاءة العلمية المناسبة ولا بالورع الذي تقتضيه مناصبهم ينطلقون من التنوع المذهبي لإصدار فتاوى علنية أو مقنعة ضد أتباع المذهب الآخر أو المذاهب الأخرى، وهذه ظاهرة كانت موجودة قديما على نطاق واسع ولا تزال بعض مظاهرها تتكرر الآن بين الحين والآخر، وهي تظهر لدى الشيعة والسنة على السواء. هذا الأمر ينعكس على علاقات المسلمين العامة فيما بينهم فيسممها، ويؤدي إلى انعكاسات سياسية وإلى حالات تربص وحذر سياسي يشل قدرة الأمة ويصدع وحدتها، ويطيح بعوامل التقريب بين مذاهبها.

علم الكلام الجديد وقضية الوحدة

1.إن المبدأ الأساسي الذي يجب أن يلحظ عند النظر في قضايا الوحدة والتقريب، هو أن وحدة المسلمين باعتبارهم أمة واحدة هي من أهم الحقائق الأساسية في الاعتقاد الإسلامي كما بينا مرارا، وهي ركن من أركان الإسلام، وينبغي أن يدرس هذا المبدأ في علم الكلام باعتباره أحد الاعتقادات الأساسية، وهذه نقطة مهمة؛ حيث إن علم الكلام لا ينظر إلى الاجتماع الإسلامي المتمظهر في الأمة باعتباره من مجالات الاعتقاد الإسلامي. ولذلك يجب أن يكون هذا المجال أحد مجالات التجديد في علم الكلام الإسلامي.

2.مما يجب أن يعنى به علم الكلام الجديد التركيز على الأثر العملي لأصول الدين الإسلامي في مجال الحياة اليومية للمسلم: أصول العقيدة الإسلامية التوحيدية بالله الواحد، بالنبوة الخاصة لمحمد صلى الله عليه وسلم التي تتضمن الإيمان بالأنبياء على أساس البيان القرآني في هذا الشأن، والإيمان باليوم الآخر بالتفاصيل التي وردت في القرآن الكريم، والعبادات الإسلامية الأساسية (الصلاة والصوم والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإيمان بالوحي القرآني، الإيمان بالقبلة) وغير ذلك.

3.من الأمور الأساسية التي يجب وعيها في هذا الشأن هو أن الدعوة إلى الوحدة لا تعني إلغاء المذاهب كلا أو بعضًا، ونحن لا نوافق على دعوة "إسلام بلا مذاهب". كما لا يجوز لدعوة الوحدة أن يراد بها محو الخصوصيات المذهبية، أو دمج المذاهب ببعضها. فالوحدة لا تعني التلفيق بين المذاهب، ولا تعني دعوة كل مذهب إلى أن يلغي خصوصياته ليتماثل ويتماهى مع المذهب الآخر، بل تعني الارتكاز إلى الثوابت العامة المشتركة في مجال العقيدة والشريعة باعتبارها أساسًا للأمة وأن التنوع الموجود هو تنوع في الوحدة وليس اختلافا أساسيًّا.

4.ينبغي التركيز على أن الخلافات بين السنة والشيعة هي من طبيعة الخلافات بين مذاهب أهل السنة نفسها، حيث نجد خلافات فقهية وأصولية، خلافات في مناهج الاستنباط وخلافات في الاستنباط داخل كل مذهب بما يقارب - أو ربما يماثل ويساوي - الخلافات بين المذاهب. ومن هنا فلا يمكن اعتبار مجرد الخلاف في المنهج الأصولي أو في المنهج الفقهي داعيا إلى الإخلال بمبدأ الوحدة.

5.من المناهج التي يجب اعتمادها في قضايا تعميق وإحياء الوحدة وتحقيق التقريب هو الدراسات المقارنة المشتركة في مجال تفسير القرآن، وفي مجال السنة، وذلك في سبيل تحقيق الفهم المشترك أو المتقارب.

أ‌. في مجال القرآن:

لا نقصد التوصل إلى حصر القرآن في فهم واحد؛ لأن هذا أمر لا يمكن الموافقة عليه، بل نقصد أن يتسع نظر المفسر والمفكر والفقيه عند الرجوع إلى القرآن الكريم، لمناهج البحث القرآني عند سائر المدارس الإسلامية، فلا يكون أسير نظرة واحدة.

ب‌. في مجال السنة:

يجب تطوير مبنى يعتمد على وثاقة الراوي وعلى التحقق من الصدور، وهذا يؤدي إلى النظر في قضايا "الرجال"، وقد لحظنا في إحدى محاوراتنا أن الشيعة لا يعتمدون على أية رواية سنية، إلا بنحو ثانوي وهامشي جدًّا، والسنة لا يعتمدون على أية رواية شيعية على الإطلاق تقريبًا، وهذه قطيعة ليس لها ما يبررها على الإطلاق.

يجب البحث الموضوعي في الأسباب السياسية التي أدت إلى مقاطعة السنة المروية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام وهجرها، وعن الأسباب الموضوعية الداعية إلى الاعتراف بمرجعية أئمة أهل البيت عليهم السلام في السنة.

لقد زالت الأسباب السياسية للقطيعة، فيجب أن تزول آثارها، وأن يصحح وضع السنة بالعودة إلى مصدرها الطبيعي بعد النبي صلى الله عليه وسلم وهو أئمة أهل البيت عليهم السلام، مع عدم إهمال المصدر الآخر وهو الصحابة.

ينبغي أن تنشط الدراسات الحديثة المقارنة لتكشف مجالات وحدة النص أو وحدة المضمون بين السنة المروية عن أهل البيت التي تشكل معظم السنة عند الشيعة، وبين السنة المروية عن الصحابة والتابعين التي تشكل معظم السنة عند أهل السنة.

دور الحكّام في تسييس الخلافات المذهبية

يجب البحث بعمق عن دور السياسة في إذكاء وتعميق الخصوصيات المذهبية وشحنها بأسباب القطيعة وربما أسباب العداء، ويجب البحث عن الخلفيات السياسية المصلحية للحكام أو للأسر الحاكمة، وللأحزاب الحاكمة في وضع مناهج حديثية وفقهية وتفسيرية ودمجها في النظام المعرفي أو الهيكل المعرفي للإسلام، بحيث غدت عند أصحابها تمثل الإسلام المقدس المستقى من الكتاب والسنة، بينما هي في حقيقتها تعكس توجهات سياسية لا علاقة لها بالكتاب والسنة.

هنا يجب أن نلحظ أن منهج أهل البيت عليهم السلام مثال يحتذى به في النظر إلى قضية الوحدة واعتبارها عقيدة مقدسة لا يجوز التهاون في رعايتها، ونرى أنهم -كما بينا في كتبنا- كلما تعرضت الوحدة للخطر يهبون لدعمها وحمايتها وتحصينها، وهذا المنهج الذي ساروا عليه من أول الأمر حينما تعارضت قضية توليهم للسلطة مع قضية الوحدة؛ فإنهم آثروا قضية الوحدة على قضية السلطة، وحافظوا على وحدة الأمة في جميع الحالات، وكانوا يتجاوزون مواقفهم السياسية في سبيل وحدة الأمة. فنلاحظ مثلا أن الإمام زين العابدين عبر عن رؤيته هذه في عدة نصوص دُعائية من أبرزها "دعاء الثغور" وما إلى ذلك.

الوحدة والكيانات الوطنية والإقليمية الخاصة

في هذا النطاق نلاحظ مسألة عظيمة الأهمية تتصل بطبيعة الوحدة، وهي أن الوحدة لا تعني محو الكيانات الخاصة بكل مجتمع أو بكل إطار من الأطر، حيث نرى أن التعددية السياسية في صميم هذه الرؤية لا تتنافى مع الوحدة، بل نرى أن منهج أهل البيت في هذا الأمر ينسجم ويوفق بين التعددية السياسية والتنظيمية وفي نفس الوقت يحافظون على حقيقة الوحدة الجامعة لهذه التنوعات.

وفي هذا السياق يمكن أن نعتبر أن مبدأ التقية الإسلامي الذي شرعه الله تعالى في القرآن الكريم، كما عبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة، وطبقه أئمة أهل البيت عليهم السلام في الاجتماع الإسلامي بعد أن تفاعلت الاختلافات المذهبية الكلامية والفقهية على المستوى السياسي.. هو إحدى المحاولات العملية التي بذلها أئمة أهل البيت عليهم السلام من أجل المحافظة على الوحدة، وإلا فلنتصور أن مبدأ التقية لم يحكم المسيرة السياسية والاجتماعية لأهل البيت عليهم السلام، إذن لحدثت انشقاقات على مساحة الإسلام كله أشد وأدهى مما حصل الآن، ولما أمكن على الإطلاق المحافظة على المكاسب التي حققتها الأمة الإسلامية في عصور ازدهارها، وكانت إلى حد كبير هي العاصم من الانحلال والذوبان في عصور الضعف والوهن.

أسس الميثاق التأسيسي

إن الميثاق التأسيسي لهيئة قضايا الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب يقوم على الأسس التالية:

الأساس الأول:

هو أن المسلمين اتفقوا على أمر جامع يوحدهم في دائرة الإسلام، وعلى هذا الأساس يتشكل منهم جميعا كيان الأمة وينتزع من هذا الواقع مفهوم الأمة الإسلامية الذي ثبت له في الشرع أحكام شرعية وضعية وتكليفية. إن الثوابت الكبرى في الإسلام التي أجمع المسلمون على الإيمان بها والالتزام بها هي أساس الإسلام، حيث إن المسلم هو من آمن والتزم بها، وأن من أنكرها أو أنكر بعضها ليس مسلما، وهذه موضع وفاق بين المسلمين. وبهذا يتبين أن الواقع التنظيمي للأمة هو الوحدة.

ونحن لا نسعى إلى إيجاد وحدة مفقودة ومعدومة، وإنما نسعى إلى تأصيل وحدة قائمة وتفعيلها وجعلها حية فاعلة في حياة المسلمين العامة، فيما يتعلق بقضاياهم المحلية والإقليمية والعالمية، وهذا الأساس يجب أن يكون -كسائر الأسس الآتي ذكرها- موضوع تبصر من قبل قيادات الأمة في جميع المستويات، وخاصة في مستوى التفقه ومستوى التثقيف.

الأساس الثاني:

إن التمذهب ظاهرة طبيعية في كل عالم ثقافي حضاري وهو ما يتفق مع الفطرة. إننا لا نعتبر التمذهب بالمعنى الفقهي تمزقا في الإسلام، بل هو منسجم مع طبيعة اختلاف الأفهام والمدارك والرؤى في ضمن الإطار الواحد الجامع. إن الاختلافات المذهبية أمر طبيعي، وهي ناشئة من الاختلاف الاجتهادي في فهم ظواهر الكتاب وفي تقييم السنة، إن من حيث الصدور أو من حيث الظهور.

جوهر الخلاف ناشئ من اعتبارات عقلية ترجع إلى الفهم الفقهي، ولا يجوز أن تكون لهذه الخلافات تعبيرات سياسية وتنظيمية على مستوى علاقات المواطنة وعلى مستوى علاقات المواطنين بالدولة والحكومة وموقعهم في النظام السياسي. ربما كان يوجد اعتبار سياسي في خلفيات بعض الخلافات القديمة، ولكن هذا زمن انقضى وانقطعت مقتضيات الخلاف فيه. أما الآن فيجب أن يحصر الاختلاف في المسالك والمناهج الفقهية في اختلاف فهم ظواهر الكتاب والاختلاف في السنة من حيث الصدور ومن حيث الظهور.

هذه المذاهب تتمتع بالشرعية الكاملة من كل مذهب تجاه المذاهب الأخرى، من دون اعتبار لكونهم أقلية أو أكثرية، بل لا يجوز اعتبار التنوع المذهبي أساسا للتصنيف إلى أقلية وأكثرية، ويجب أن تحترم عقائدهم وأفهامهم الخاصة، وألا ينعكس تنوعهم إذا كانوا أقلية على إمكانات اندماجهم في المجتمع وتمتعهم بحقوق عضوية المجتمع وعضوية الأمة في المجال الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، لا يجوز أن تؤدي الاختلافات المذهبية داخل المجتمع الإسلامي الوطني في أي دولة إسلامية أو على مساحة العالم الإسلامي كله، إلى اعتبار أي فريق من المسلمين أقلية لا تتمتع بحقوق الأكثرية المذهبية في ذلك المجتمع أو على مستوى العالم الإسلامي. بل يجب أن يعتبر الجميع سواء في حقوق المواطنة وواجباتها.

الأساس الثالث:

إن المرجع في فهم منهج كل مذهب ورؤيته العقائدية ومنهجه الفقهي هو أئمة وعلماء المذهب نفسه، والكتب المعتمدة فيه على نطاق واسع ورسمي وليس الآراء الشاذة منه، وليس ما يقوله عنه أو ما قاله عنه في الماضي خصومه ومناوئوه في المذاهب الأخرى. ولا يجوز أن تكون موضوع اجتهادات أو أحكام من قبل مصادر أخرى في مذاهب أخرى.

الأساس الرابع:

تحريم التبشير في داخل الإسلام، فلا يجوز للشيعة أن يقوموا بنشاط تبشيري داخل هذا المذهب الإسلامي أو ذاك، ولا يصح من أي مذهب منفرد أن يقوم بنشاط تبشيري على مستوى عام داخل المذاهب الأخرى. كما لا يجوز ولا يصح أن يقوم أهل السنة باعتبارهم كتلة عقائدية بأنشطة تبشيرية مبرمجة وممنهجة داخل الشيعة، وأما الانتقال من مذهب إلى مذهب على صعيد فردي فهذا شأن من شؤون كل شخص بحسب قناعاته التي يكونها نتيجة لقراءاته وتفكيره الخاص. وإذا قرر مسلم من المسلمين، من مذهب معين، الانتقال إلى مذهب آخر فإن إرادته، ورغبته يجب أن تحترم، وتطبق عليه باحترام أحكام المذهب الذي اختاره بحرية ضميره.

الأساس الخامس:

لا يجوز أن تؤدي الاختلافات المذهبية داخل المجتمع الإسلامي الوطني في أي دولة إسلامية أو على مساحة العالم الإسلامي كله، إلى اعتبار أي فريق من المسلمين أقلية لا تتمتع بحقوق الأكثرية المذهبية في ذلك المجتمع أو على مستوى العالم الإسلامي، بل يجب أن يعتبر الجميع سواء في حقوق المواطنة وواجباتها.

فتح باب الاجتهاد

على هذه الأسس ندعو إلى تعزيز الاتجاه العام الذي وفق الله له في الأعصار الأخيرة على مستوى الأمة الإسلامية وهو فتح باب الاجتهاد.

وعلى هذا الأساس نلاحظ أن الاجتهاد لا يزال اجتهادا مذهبيا عند الجميع، بحيث إن كل أئمة وفقهاء كل مذهب يعملون على الاجتهاد في نطاق منهج وأصول وقواعد مذهبهم الخاص، وهذا أمر حسن في ذاته، ولكن هذا لا يخدم مقصد الوحدة والتقريب، وإنما يعزز الحيوية الفكرية والفقهية في داخل هذا المذهب المعين بالخصوص.

نحن ندعو -في نطاق مشروع تأصيل وحدة المسلمين والتقريب بين المذاهب- إلى تأسيس منهج الاجتهاد المطلق العام في جميع المذاهب. ومن هنا يجب أن تعزز في جميع الدوائر العلمية عند جميع المسلمين الدراسات الأصولية والفقهية المقارنة، بهدف العمل على تكوين مجتهدين مطلقين في المذاهب الإسلامية كلها، على مستوى الإسلام كله، وليس على مستوى مذهب معين.

فليكن هناك مستويان من الاجتهاد: مستوى الاجتهاد المذهبي الخاص الذي يلبي حاجة أتباع المذهب، واجتهاد مطلق عام يلبي حاجة الأمة في قضاياها الكبرى. وفي هذا الإطار يجب أن تتكون مجامع فكرية وعلمية تقوم على أساس قضية وحدة الأمة والتقريب بين اتجاهاتها الفقهية، وهذا أمر حاصل الآن بالجملة من خلال ما يعقد من مؤتمرات وندوات وما إلى ذلك، ولكن نأمل أن تؤصل فكرة إنشاء مؤسسات بحثية دائمة في هذا الشأن، ولعل مجامع الفقه الإسلامي هي بعض مظاهر هذه المؤسسات التي نشير إليها.

وهنا أرى من المناسب أن أثبت كلمة عظيمة الأهمية للمرجع الديني الكبير السيد/ البروجردي الذي قال: "إن عقيدة الشيعة مبنية على ركنين: الأول الاعتقاد بإمامة علي والأئمة عليهم السلام من بعده، وأنه كان خليفة الرسول الأول. الثاني: أن الأئمة من أهل البيت عليهم السلام هم المرجع لحل المشاكل الدينية والأحكام بنص من الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث الثقلين، حيث قال: "إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي". ويتابع المرجع البروجردي: "أن قضية الخلافة لا تحتاج إليها الأمة الآن، والبحث فيها مثار الاختلاف من دون أن يكون له ضرورة، وإنما هي في عهدة التاريخ، فلا داعي للخوض فيها. وأما أن الأئمة كانوا مرجعا للأحكام فهي حاجة تختص بزمان دون زمان فعلينا أن نكتفي في بحث الإمامة بهذه، ونسكت عن الأولى، ولا ضير في ذلك" .

إن هذه الكلمة للمرجع الإمام البروجردي تكشف عن الرؤيا القائمة على اعتبار وحدة الأمة، والناظرة إلى التقريب بين المذاهب، وهي عظيمة القيمة في أطروحتنا التي نقدمها للأمة الإسلامية في مشروع ترسيخ الوحدة والتقريب بين المذاهب.

إن ملاحظة مقتضيات عقيدة الشيعة الإمامية تكشف عن أنهم هم أهل الجماعة؛ حيث إنهم يذهبون إلى عدم جواز تفريق كلمة المسلمين، ويقفون في قضية الوحدة موقفا صارما لا لبس فيه، ولا تردد، فيجزمون بتحريم ما يؤدي إلى الفتنة بين المسلمين. وقد كان نهج أئمة أهل البيت عليهم السلام في زمن اشتعال الفتن والحروب الأهلية يقوم على تجنب الدخول في الحروب الأهلية وعدم التعاون مع أطرافها، مع الالتزام بعدم التعاون مع السلطة القائمة. ولكن هذا الموقف من الفتن ومن السلطة لا يؤدي إلى الاعتزال عن الأمة أو عدم الالتزام بوحدتها. بل يقوم على الاندماج الكامل بالأمة، وتجنب كل ما يؤدي إلى تفريق الكلمة والإخلال بالوحدة.

ومن هنا لا يمكن القول بأن الشيعة الإمامية يتمارون عن أهل السنة والجماعة في هذا الشأن. وهنا ملاحظة مهمة جدا، وهي أن تسمية أتباع المذاهب الأربعة (الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي) بـ"أهل السنة" لا تعني السنة النبوية فقط، وإنما السنة بمعناها الأوسع عندهم، وهي تشمل الماضي كله؛ يعني أنهم يمثلون الخط الفكري الذي يحترم كل الماضي وكل التراث، وكل ما وقع من المسلمين، وربما يكون هذا هو الأساس لقول من قال بحجية رأي الصحابي أو رأي التابعي أيضًا (هذه النقطة يجب التوسع والتعمق فيها).

إن موقف الشيعة الإمامية من قضية ثبوت الإسلام لشخص هو اعتبار كل من نطق بالشهادتين مسلمًا، وكذلك اعتبروا أن الإيمان يزيد وينقص، كما هو الحال في عقيدة أهل السنة والجماعة. ومن هنا فهم يحرمون دماء أهل القبلة، ويجرون أحكام الإسلام على كل أهل القبلة، ما لم يثبت عن بعضهم العمل على خلاف ما يقتضيه اعترافه المعلن بالشهادتين؛ حيث إن المعلن للإسلام تارة يطبق بنحو جزئي أو كامل في حياته العملية أحكام الإسلام في مجال العبادات والمعاملات، وتارة لا يطبق شيئًا من هذه الأحكام، فإذا عمل فينبغي أن يكون عمله منسجما مع الاتجاه الفقهي العام والسائد، أما أن يعمل بما يخالف الاتجاه الفقهي والسائد، ويدعي أن هذا هو ما تعنيه الشريعة، من قبيل ما يقوم به الدروز في فقههم وفي اعتقاداتهم العملية أو بعض الفرق الباطنية الأخرى.. فإن هذا يبعث على الشك في صدق عنوان الإسلام عليهم.

فالإسلام عند الإمامية دين مفتوح ومتحرك، وليس منغلقا على فئة بعينها، هي خصوص الملتزمين بالعقيدة التفصيلية في قضية الإمامة وقضية العصمة، بل الإسلام دين مفتوح ينظمهم وينتظم غيرهم من سائر المسلمين وهو منفتح لكل من دخل فيه على قاعدة الإعلان بالشهادتين، سواء انتسب في انتمائه الخاص إلى اتجاهاتهم أم إلى الاتجاهات الأخرى داخل الدائرة السنية حسب الخط الأشعري أو المعتزلي أو الماتريدي أو ما إلى ذلك.

الهوامش:
**رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان سابقًا. والورقة قدمت ضمن أوراق مؤتمر التقريب بين المذاهب الإسلامية في البحرين 20-22/9/2003

1- الخوئي، معجم الرجال، جـ 1 ص14




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

التقارب السنى الشيعى Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28509
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

التقارب السنى الشيعى Empty رد: التقارب السنى الشيعى

مُساهمة من طرف سامح عسكر الجمعة فبراير 25, 2011 10:23 pm

وفي النهاية يقول الدكتور توفيق الواعي في كتابه "الإخوان المسلمون كبرى الحركات الإسلامية شبهات وردود):

التقريب بين السنة والشيعة :

يلمز نفر الإخوان لبعض الولاءات المؤقتة التي قد تتخذها الجماعة كالتحالفات وحسن التصنع لقوم لغرض مفيد، ولاشك أن الجماعة قد تنتهج هذا المنهج في بعض الأحيان ، وهو ما يفرض نفسه ، وذلك لأن من أصول الشرع المتفق عليها ارتكاب أخف الضررين الحرامين .

وقد ثبت أن رسول الله (صلي الله عليه وسلم ) اتخذ هذا الموقف في مواقف متعددة ، ومن ذلك أنه يوم الأحزاب عرض على بني غطفان أن يعطيهم ثلث ثمار المدينة وينصرفوا عنه ، وكذلك صالح اليهود عندما أتن وعقد معهم الهدنة ، وأيضا درجهم فبدأ أولا بإخراج بني قينقاع ثم بإخراج بني النضير، ثم بقتل بني قريظة جعلهم اخرا، وكذلك دخل (صلي الله علية وسلم ) في جوار المطعم بن عدي حين رجع من الطائف ، وكان أبو بكر دخل في جوار الأخنس بن شريق أو غيره من قادة الكفر في ذلك الوقت ، وكلها تحقق مصالح معينة وتزول تلك الولاءات بعد زوال المصلحة . وطبعا هذه التحالفات التي قد تدخل فيها الجماعة ، ى لتحالف مثلا مع الناصريين القوميين أو التحالف مع الشيوعيين أو التحالف مع بعض الحكومات الجائرة في بعض الأحيان ، لنجل بعض المكاسب ولتقليل بعض المضار ، ويدخل في عموم القاعدة التي ذكرناها ، وهي : ارتكاب أخف الضررين ، وهذه القاعدة دليلها قوله تعالى حكاية عن لوط عليه السلام : " في هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد " (هود : 78)، فإن زواج الكافر بالمسلمة محرم ، ولكن ضرره أخف من ضرر الاعتداء على الملائكة، فلذلك قال لوط :" هؤلاء بناتي هن أطهر لكم". فالمسألة هنا ليست مسألة عقدية وإنما هي خلاف في تحديد : هل الضرورة تقتضي هذا أو هل المصلحة تقتضيه ؟ وكذلك الهدنة في بعض الأحيان في بعض الجوانب ، ونظير هذا ما اتهمت به الجماعة في التقارب بين السنة والشيعة ، وفي الجمع بين كلمة المسلمين ، وهذا أمر من مصلحة المسلمين لتحقيق أهداف عليا ، أقلها حفظ دماء المسلمين وديارهم . يقولون مثلا هؤلاء قد أيدوا ثورة الخميني حين قامت ، وهذا يقتضي أنهم يوالون الشيعه ، والجواب أن الخميني خير من الشاه ، وأقل ضررا منه ، وقد يستفاد منه في بعض الأحيان ، وقد أستفيد من ثورته في بعض المواقف التي اتخذتها ، وأيضا فإن مثل هذا من رسول الله (صلي الله علية وسلم ) والمؤمنين حين فرحوا بانتصار الروم على فارس ، وكان ذلك في أيام غزوة بدر ، وفيه يقول الله تعالي : " ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء (الروم : ا –ه ).
ففرح المؤمنون بنصر الروم على فارس لأن الروم أهل كتاب وفارس كانوا مجوسا ، فكان المشركون يحبون انتصار فارس والمسلمون يحبون انتصار الروم ، وكذلك فإن المسلمين الذين هاجروا إلي الحبشة قد كان لهم دور في انتصار النجاشي على خصمه وكلاهما في ذلك الوقت كافر، ومع هذا فإن الأمر ليس من الأمور العقدية ، وإنما هو راجع إلي الأمور الفقهية في ترتيب الأولويات وفي انتقال بعض التحالفات المؤقتة التي تتخذ باعتبار المصالح ، لي إنما يرجى من ورائها مصالح محددة ، فإذا زالت تلك المصالح فإنها تراجع ، وهذا هو الأصل الشرعي كما ذكرنا في ارتكاب أخف الضررين ، إن كان هناك ضرر ، ولا أظن ذلك ، بل هم قوة للمسلمين وظهير، ولأن هؤلاء مسلمون ، يدخلون الحرم ويقولون لا إله إلا الله ، والأمة في حاجة إلى جمع الكلمة لمواجهة العدو المشترك ، الذي يريد أن يستأصل شأفتهم .
وعلى هذا تكون التحالفات المؤقتة التي تحكمها المصالح ويكون فيها نفع المسلمين ، فإذا رأي الإخوان أن في مصلحة الإسلام اتفاقهم مع جماعة أخري أو حزب آخر فلا بأس ، وإذا رأت الجماعة العمل الدنيوي مع آخرين ولو كانوا كافرين سيفيد الدولة الإسلامية كتجارة أو صناعة أو معاهدة فلا بأس من ذلك .
يقول الإمام ابن تيمية-رحمه الله -في الفتاوى –جـ 25 ، ص 56 ، 57:
ثم الولاية وإن كانت جائزة أو مستحبة أو واجبة ، فقد يكون في حق الشرع غيرها أوجب أو أحب ، فيقدم حينئذ خير الخيرين وجوبا تارة ، واستحبابا أخري . ومن هذا الباب تولي يوسف الصديق على خزائن الأرض لملك مصر، بل ومسألته أن يجعله على خزائن الأرض ، وكان هو وقومه كفارا كما قال تعالي :
" ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به " (غافر: 34)، وقال تعالى عنه : " يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار " ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم * (يوسف : 39 - 40 ) . ومعلوم أنه مع كفرهم لابد أن يكون لهم عادة وسنة في قبض الأموال وصرفها على حاشية الملك وأهل بيته وجنده ورعيته ، ولا تكون تلك جارية على سنة الأنبياء وعدلهم ، ولم يكن يوسف يمكنه أن يفعل كل ما يريد وهو ما يراه من دين الله فإن القوم لم يستجيبوا له ، لكن فعل الممكن من العدل والإحسان ، ونال بالسلطان من إكرام المؤمنين من أهل بيته ما لم يكن يمكن أن يناله بدون ذلك ، وهذا كله داخل في قوله : "فاتقوا الله ما استطعتم" (التغابن : 16) .
فإذا ازدحم واجبان لا يمكن جمعهما فقدم أوكدهما ، لم يكن الأخر في هذه الحال واجبا ، ولم يكن تاركه لأجل فعل الأوكد تارك واجب في الحقيقة ) .
إن قضية الموازنات بين المصالح والمفاسد هي المدخل إلي فقه هذه المرحلة ، وهي مفتاح الرشد في التعامل مع الناس . والدول في واقعنا المعاصر بكل علله ومتناقضاته ، وهي وسيلة للدفاع عن بيضة الإسلام ، كما أنها تتضمن الإجابة عن كثير من الأفعال التي يراها قادة العمل الإسلامي نافعة للدعوة ، ويتجاوز بها العمل الإسلامي كثيرا من العقبات ، وعقد التمحول حول الذات والتهارج مع الآخر .
انتهى كلامه.

منقول من موضوع الأخ الأزهري الأصلي في الملتقي الإخواني




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

التقارب السنى الشيعى Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28509
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى