السنّة

لغةً هي الطريقة. فيقال: سنّة فلان في حياته أنه يبدأ يومه بكذا ثم يقضيه في كذا ثم ينهيه بكذا. فهذا يعني طريقته في حياته اليومية. ويقال: سنّة الله في خلقه أن الإنسان يولد من أمه ليقضي فترة عمره ثم يموت. فهي طريقته تعالى فيهم. ففي اللغة، السنّة تعني الطريقة التي تُتّبع .
وأما في الشرع: فلها أكثر من معنى، ويمكن تحديد المعنيين التاليين، وهما :


الأول: بمعنى النافلة المنقولة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، كركعات السنن في مقابل الفروض أو مقابل ركعات الفرض في كل الصلوات، فإنها تسمى سنة مقابل للفرض. ولا بد هنا من التنبيه إلى أن هذه التسمية لا تعني أنها من النبي عليه السلام، بينما الفرض من الله تعالى. وإنما هي مقابل الفرض لأن كلا من السنة والفرض، سواء في الصلاة أو في غيرها، هي من الله تعالى، والرسول عليه السلام جاء مبلّغاً عن الله لكل من الأمرين، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحيٌ يوحى ""لأنه كما قال تعالى في كتابه الكريم :


الثاني: بمعنى كل ما صدر عن الرسول عليه السلام من الأدلة الشرعية مما ليس قرآناً. وهذا يشمل جميع أقوال الرسول عليه السلام وأفعاله وتقاريره، أي كل ما صدر عنه عليه الصلاة والسلام من قول لم يرافقه فعل، وفعل لم يرافقه قول، وتقرير لأمر بسكوته عنه دون أن يرافق السكوت فعل أو قول. وإذا رافق احدهما الآخر، فتلك الأقوال والأفعال مثلاً معاً. والمهم أن تكون الأقوال في غير القرآن حتى تكون من السنة .



وقد اختلف العلماء في تعريفهم للسنّة النبوية تبعاً لاختلاف تخصصاتهم.



فالسنّة في اصطلاح المحدّثين (عند علماء الحديث) هي:

ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو أثر عنه من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خَلْقية أو صفة خُلُقية أو سيرة نسبت إليه سواء كانت من قبل الرسالة أو بعدها.

فعلماء الحديث بحثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرسوا حياته دراسة كاملة من جميع جوانبها ( ولادته، طفولته، صباه، شبابه، شيخوخته ) خَلْقاً و خُلُقاً وتشريعاً وفقهاً وقولاً وفعلاً استحباباً أو فضائلاً، تحليلاً أو تحريماً. فقد نقلوا كل ما يتصل بحياته من سيرة وخلق وأقوال وأفعال وتقريرات سواء أثبت ذلك حكماً شرعياً أم لا.



والسنّة في اصطلاح الأصوليين (عند علماء أصول الفقه) هي:

كل ما نقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير.

فهؤلاء بحثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المشرِّع الذي يحلّل ويحرّم ويبيح ويندب ويكره. والذي يضع القواعد للمجتهدين من بعده ويبين للناس دستور الحياة. فقد عنوا بأفعاله وأقواله وتقريراته التي تثبت الأحكام الشرعية وتقررها، فلم يجعلوا الصفة داخلة في مدلول السنّة لأنهم يبحثون فيها كمصدر للتشريع.

وقد تطلق السنّة عندهم على ما دل عليه دليل شرعي سواء كان ذلك في الكتاب الكريم أو عن النبي صلى الله عليه وسلم واجتهد فيه الصحابة – كجمع المصحف، وحمل الناس على القراءة بحرف واحد، وتدوين الدواوين. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: " عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين من بعدي عضّوا عليها بالنواجذ ".



والسنّة في اصطلاح الفقهاء (علماء الفقه) هي:

ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير افتراض ولا وجوب. وهي التي يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها. كسنن الصلاة والحج والوضوء وغيرها من السنن التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وندب الى فعلها ولم يفرضها ولم يوجبها.

فعلماء الفقه بحثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا تخرج أفعاله عن الدلالة على حكم شرعي، وهم يبحثون عن حكم الشرع على أفعال العباد وجوباً أو حرمةً أو إباحةً أو غير ذلك.



أنواع السنّة:



(السنّة القولية - السنّة الفعلية- السنّة التقريرية - الجبلّة البشرية (ما جبل الانسان عليه) ) ( انظر شرح المصطلحات في القاموس )



أدلّة حجّية السنّة النبوية

أ‌- القرآن الكريم: أن الله سبحانه أمر بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم وقرن طاعته بطاعته.

فقال تعالى وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون ).

وقال تعالى قل أطيعوا الله والرسول فان تولّوا فان الله لا يحب الكافرين ).

وقال تعالى قل إن كنتم تحبون الله فاتّبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ).

وقال تعالى ومن يطع الرسول فقد أطاع الله ).

وقال تعالى يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فان تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول ).

وقال تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيتَ ويسلموا تسليما ).

وقال تعالى وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا ).

وقال تعالى ومن يعصِ الله ورسوله ويتعدَّ حدوده يُدخلْه ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين ).

وقال تعالى يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرســـــول إذا دعاكــم لما يحييكم ).

وقال تعالى إنما كان قول المؤمنين إذا دُعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا ).

وقال تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر).

وقال تعالى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى ).



ب‌- السنّة النبوية نفسها: فكما دل القرآن الكريم على وجوب إتّباع قول الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله فأكّد حجّيّة السنّة، فقد أكدتها السنّة نفسها أيضا وأكدت وجوب العمل بها واتباعها.

فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ ".

وما رواه ابن عباس وأنس رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: " يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلّوا أبداً: كتاب الله وسنّتي ".



وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث المقدام بن معدي كرب أن ما حرّمته السنّة مثل تحريم القرآن: " ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متّكئ على أريكته فيقول بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه وما وجدنا فيه حراماً حرّمناه، وأن ما حرّم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حـرّم الله ". وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم: " ألا إني أوتيتُ الكتاب ومثله معه ".

وأخرج الشيخان عن ابن مسعود رضي الله عنه انه قال: " لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيّرات خلق الله تعالى. فبلغ ذلك امرأة يقال لها أم يعقوب فجاءت فقالت: إنه بلغني أنك قلت كيت وكيت. فقال: مالي لا ألعن ما لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله. فقالت: لقد قرأت ما بين اللوحتين فما وجدته. قال: إن كنتِ قرأتيه فقد وجدتِيه. أمــا قرأتِ ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) ؟ قالت: بلى. قال: فانه نهى عنه ".



ت‌- الإجماع: أجمع الصحابة رضوان الله عليهم على الاحتجاج بالسنّة والعمل بها، فكانوا يعرضون ما يجدّ لهم من أمور على كتاب الله، فان لم يجدوه عرضوه على سنة رسوله، فان لم يجدوه اجتهدوا رأيهم. وقد استدلوا من إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين أرسله قاضياً إلى اليمن فسأله: " بم تقضِ إذا عرض لك قضاء " ؟ قال: بكتاب الله. قال: فإن لم تجِد ؟ قال: فبسنّة رسول الله. قال: فإن لم تجد ؟ قال: أجتهِدُ رأيي ولا آلوا. فضرب على صدره وقال: الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله إلى ما يُرضي الله ورسوله.



وقد أجمعت الأمة على كفر من يقول: " لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن الكريم ".



وظيفة السنّة



1- تفصيل مجمل القرآن الكريم:

فقد ورد في القرآن الكريم وجوب الصلاة والصام والزكاة والحج والجهاد غير انه مجمل. فلم يبين عدد ركعات الصلاة ولا شروطها ولا أركانها، وكذلك الزكاة لم يبين القرآن الكريم على من تجب ولم يبين مقدار النصاب والأموال التي تجب فيها الزكاة ومتى تجب، وكذلك مناسك الحج لم تبين في القرآن الكريم بل ولم تذكر البتّة، ولا أحكام الصيام ولا شروطه ولا على من يجب ولا أركانه. فجاءت السنّة النبوية بتفصيل ذلك المجمل قولاً وفعلاً وتقريراً.



مثال:

اخرج البيهقي بسنده عن شبيب بن أبي فضالة المكي ان عمران بن حصين رضي الله عنه ذكر الشفاعة. فقال رجل من القوم: يا أبا نجيد، إنكم تحدّثونا بأحاديث لم نجدها أصلاً في القرآن الكريم. فغضب عمران وقال للرجل: أقرأت القرآن ؟ قال: نعم. قال: فهل وجدتَ فيه صلاة العشاء أربعاً، ووجدتَ المغرب ثلاثاً والغداةَ ركعتين والظهرَ أربعاً والعصر أربعاً ؟ قال: لا. قال: فمِنْ مَنْ أخذتم ذلك ؟ ألستم عنا أخذتموه وأخذناه عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ أوجدتم فيه من كل أربعين شاةٍ شاة, وفي كل كذا بعير كذا وفي كل كذا درهم كذا ؟ قال: لا. قال: فعن مَن أخذتم ذلك ؟ ألستم عنا أخذتموه وأخذناه عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: وجدتم في القرآن وليطوّفوا بالبيت العتيق )، أوجدتم فيه فطوفوا سبعاً، واركعوا ركعتين خلف الإمام ؟ أما سمعتم الله قال في كتابه وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ). قال عمران: فقد أخذنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشياء ليس لكم بها علم.



2- تخصيص عام القرآن الكريم:

فالعام مثل الرجال والنساء والأولاد والمؤمنون والمسلمون والمشركون قد ورد في القرآن الكريم بصيغة العموم. وجاءت السنّة النبوية المطهرة وخصصت هذا العام.

أمثلة:

1) قال تعالى يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ).

فظاهر هذه الآية إعطاء الميراث لكل ولد من أبناء المتوفى. ولكن السنّة خصصت واستثنت من هذا العام أولادَ الأنبياء. إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة ". ولم تورّث الولد القاتل لأبيه من أبيه المقتول، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يرث القاتل ". وكذلك منعت ميراث الكافر للمسلم والمسلم للكافر، حيث قال صلى الله عليه وسلم: " لا يتوارث أهـل ملّتين "، و " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ".

2) قال تعالى وأحلّ الله البيع ).

فالبيع حلال، وهو عام يشمل البيع الصحيح والبيع الباطل والبيع الفاسد والبيع المغشوش. ولكن السنّة بينت ان المراد بالبيع في الآية البيعَ الصحيحَ، فقال صلى الله عليه وسلم: " البيِّعان بالخيار ما لم يفترقا ". وقال صلى الله عليه وسلم: " لا يبِع حاضر لبادٍ "، وقال: " من غشّ فليس منّا ".



3- تقييد مطلق الكتاب.

يوجد في القرآن الكريم أحكام مطلقة قيّدتها السنّة:

أمثلة:

1) قال تعالى والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءا بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم ).

فلفظ اليد هنا مطلق، لم يقيّد بموضع خاص. فجاءت السنّة وقيّدت هذا الحكم بجعل القطع من الرسغ لا اليد كلها، وأن القطع لليد اليمنى.

وكذلك السرقة فإنها مطلقة في كل سرقة. فجاءت السنّة وقيّدت السرقة بربع دينار ذهباً فصاعداً.



2) قال تعالى وليطّوّفوا بالبيت العتيق ).

وهذا الأمر من الله بوجوب الطواف مطلقاً. فجاءت السنة وقيّدته بالطهارة، فلا يطوف بالبيت إلا من كان طاهراً.



3) قال تعالى من بعد وصيّة يوصين بها أو ديْن ).

فالوصية هنا مطلقة. فجاءت السنة وقيّدت الوصية بالثلث، وأن لا تكون لوارث.



4- توضيح المبهم وتأكيد ما جاء في القرآن الكريم:

هناك ألفاظ كثيرة في القرآن الكريم مبهمة. فجاءت السنة وأوضحتها لإزالة هذا الإبهام وهذا الالتباس.

مثال:

1) قال تعالى الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ).

لما نزلت هذه الآية الكريمة خاف الكثير من الصحابة أن تشمله، حيث فُهم الظلم بأنه التقصير في أي حق من الحقوق. فقالوا: يا رسول الله أيُنا لم يظلم نفسه ؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس الذي تعنون. ألم تسمعوا قول العبد الصالح: إن الشرك لظلمٌ عظيم ؟ إنما هو الشرك ".

2) أمر القرآن الكريم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت دون التعرض لشروطها وأركانها ودون شرح لمعانيها. وجاءت السنة أيضا مؤكدةً ما ورد في القرآن الكريم دون شرح أو بيان، كقوله صلى الله عليه وسلم: " بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع اليه سبيلا ".



5- جمع ما ورد في القرآن الكريم مفرَّقاً:

جاء في القرآن الكريم تحريم الضرر. حيث قال تعالى لا تضارّ والدة بولدها ولا مولود له بولده )، وقال تعالى ولا تضارّوهن لتضيّقوا عليهن ) . وقال تعالى ولا يضارّ كاتب ولا شهيد )، وقال تعالى ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ). فجمعت السنة النبوية ذلك كله في قاعدة واحدة هي قوله صلى الله عليه وسلم: " لا ضرر ولا ضرار ".



6- إلحاق فرع من فروع الأحكام ورد في السنة بأصل موجود له في القرآن الكريم:

فقد ورد في القرآن الكريم تحريم الجمع بين الأختين. فقال تعالى وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف ). فجاءت السنة وألحقت العمة والخالة وابنة أخ الزوجة وابنة أختها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تنكح المرأة على عمّتها ولا على خالتها ولا على ابنة أخيها ولا على ابنة أختها، فإنكم إن فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم ".

وكذلك في حالة الرضاعة، حيث قال صلى الله عليه وسلم: " إن الله حرّم من الرضاع ما حرّم من النسب ".

ومثله ميراث الجدّة، وتحريم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير.



7- استقلال السنّة بتشريعات جديدة ليس لها أصل في القرآن الكريم:

مثل:

جعل مرافق الجماعة والنفط ومعادن الذهب والحديد والفضة والنحاس وغيرها من المعادن والأنهار والبحار والمراعي والأحراش من الملكية العامة. فقال صلى الله عليه وسلم: " الناس شركاء في ثلاث، في الماء والكلأ والنار ". وقال صلى الله عليه وسلم: " ليس لمحتجر حق بعد ثلاث سنين ".