الفنون أذواق

من طرف **سامح عسكر** الجمعة أكتوبر 06, 2017 12:44 am

وتعني أن لكل شخص ذوقه العاطفي والحسي يرى به الكون ويحكم به من خلاله، بتعبير آخر ذوق الإنسان هو منظاره الذي يرى به الحياة، وكل هذه أشياء نسبية مختلفة بين البشر، يعني ذوقك الفني تأكد 100% إنه مش نسخة من حد، وانك فنيا مستحيل تكون واحد تاني

اسقط هذا الأمر على الأغاني والأعمال الفنية بالعموم، ليس بالضرورة أن تسخط على شئ أنه أمر قبيح في ذاته، أو تكره شئ ويكون ضار بالمجتمع

معظمنا بنشتم السبكي ، لكن لا ننتبه إنه يخاطب شريحة معينة فهمت معنى الحياة في العشوائيات، فكان لازم ينقل صورتها دون تزييف، تتفق أو تختلف مع شخصه لكن أفلام السبكي تحديدا نقلت الفن المصري لنوع آخر من البلطجة والجريمة والسفاهة والفراغ..وهي الواقع الحقيقي للعشوائيات، ولولا أفلام السبكي ماكنتش تضع إيدك على الجُرح وتفهم إن أغلبية سكان القاهرة مش هما اللي بتشوفهم في أفلام الكلاسيك القديمة بتوع أحياء الزمالك وجاردن سيتي

حتى تصوير الواقع الشعبي كان ضيق جدا، مَعلّم لابس جلابية ويشتغل جزار، أو حلاق لابس بالطو ابيض وقاعد في المحل، مع إن كل هذه المظاهر انتهت ، وأصبح الجزار بقميص وبنطلون عادي، وممكن معاه شهادة ومش بلطجي كمان، وأكثرية سكان العشوائيات إما شغالين في المخدرات أو التجارة أو سواقين وتبّاعين وبلطجية عايشين على الإتاوة..وبعضهم يرهن منزله ويسافر للخارج، قليل من يلزم وظيفة لأنها لا ترضي طموحه بالكسب الكبير والسريع.

أعلم أن هذا الكلام لا يعجب كثيرين، لأننا نشأنا في ظروف استبدادية نريد تطويع كل شئ لمزاجنا حتى فنون الناس وأذواقهم، اللي المفروض إن دي طريقتهم الوحيدة للتعبير عن نفسهم

طبعا يوجد فارق كبير بين فن زمان وفن دلوقتي، والسبب التغير الاجتماعي والثقافي الرهيب اللي حصل من السبعينات إلى الآن، تخيل حضرتك انفتاح فاشل مع غزو سلفي وفشل اقتصادي وهجرة من الريف للمدن..كل هذا له تأثير طبعا وأولها.."انتشار العشوائيات والجرائم"..و.."ترييف المدن"..اللي انتقلت معها كل قيم الريف إلى المدينة ومن ضمنها الحجاب

بحث المصري عن وسيلة للتمدن لم يجد لأنه يبحث عمليا عن إبرة في كوم قش، كل ما حوله يدعم التخلف والعنف، وطبيعي يرتد بثقافته قرون إلى الوراء وتسود حالة من العبودية بشكل آخر بعد ما ظنينا خطأ إن العبودية انتهت..فإذ بها تصبح مقننة ابتداء بالإعلام مرورا بالحكومة نهاية بنظام التعليم نفسه الذي لا يتيح لذوي الإمكانية والخبرة بالظهور والنجاح، ويحصر كل عناصر التفوق في مركزك الاجتماعي والمالي.. بل والديني أحيانا.

لا يعني ذلك مدح كل الفنون، يوجد نوع هابط فعلا زي اللي سمعته من شوية مطرب إسمه اللمبي يقول.."ماتيجي نطرقع ونطلع ع المريخ ياعبسلام"..واللحن والصوت والصخب بشع جدا، لا أضع نفسي في موضع تقييم عليه، لكن سؤال: ماذا سيستفيد الشعب من هذه الأغنية؟..وبعد ما تطرقع ياعم اللمبي ماذا سيحدث؟..أكيد هو يقصد كيف يشعر بالسعادة، نطرقع يعني نصبح سعداء..إذن العمل موجه للرقص فقط..ومن تلك الجزئية أتقبله ولا أضعها كفن هادف..بل هو هابط بغرض تفريغ شحنات نفسية لا أقل.

في المقابل: يوجد مطرب شعبي اسمه.."محمود الحسيني"..له أغنية شهيرة تقول.."أنا شارب 3 استيلا وييجي 8 كمان id "..ومحورها عن إنسان سكير يعربد في البارات، يقوم المؤلف بتقديم البديل المضمون له عن الخمور، ويطالبه على الأقل بحد أدنى من السكر يحافظ على عقله ، وكل من أقابلهم يضعوا الأغنية كفن هابط..وهذا غير صحيح..هذا فن هادف فعلا ورسالتها واضحة، أما طريقة وأسلوب المطرب واللحن المسموع فهو ما يناسب تلك الطبقة بالذات، يعني مش معقول تجيب هاني شاكر ينصح سكان العشوائيات بالابتعاد عن السُكر والمجون..لازم واحد منهم يتحدث بنفس اللغة والنبرة، ويملك نفس الذوق والإحساس الفني..وهذا ما قصدته بتنوع الأذواق.