رسائل من انتخابات الرئاسة المصرية
صفحة 1 من اصل 1
رسائل من انتخابات الرئاسة المصرية
انتهت معركة الانتخابات الرئاسية في مصر أو ما تسميها المعارضة (بالمسرحية) إذ سبقتها أحداث انتقدها العالم كاعتقال مرشحين عسكريين "عنان وقنصوة" وتهديد آخر "شفيق" مما أعني به تكليفا بمرشح واحد فقط ممثلا للجيش يكن نجاحه مضمونا بقوة الدولة ، وهو ما حدث بالفعل.
ترشح السيسي وحيدا ممثلا للجيش فاكتسب أكبر قوة مهيمنة أخلاقيا ووجدانيا في الدولة وهي "القوات المسلحة" وما تحملها من معانٍ قومية ووطنية وظفت أحسن توظيف في الحشد، وهي الجزئية التي فطنتها المعارضة مبكرا أن ترشح عسكريا آخر يبطل عسكرة الدولة ويحوّلها لمدنية أمر عسير ولكنه ليس مستحيل مع شفيق وعنان، وبعد إقصائهما من السباق أصبحت عسكرة الدولة واقع حتمي تعزز بضعف المعارضة وتشتتها بين إسلاميين وليبراليين ويسار اتخذوا قرارهم بالمقاطعة إلى حين، وهو ما دفع المحامي خالد علي للانسحاب بعد قرار الدولة بالانحياز.
جرت الانتخابات في الفترة من 26 إلى 28 مارس الماضي بقائمة انتخاب تضم 59 مليون صوت، هنا لكي يشعر النظام بالأمان وأن التحديات القادمة تلزمه على الأقل مشاركة المرة الماضية –انتخابات رئاسة 2014- بنسبة 47% أصبح لزاما عليه حشد الناس بكل وسيلة مشروعة أو غير مشروعة لبلوغ هذه النسبة أو تخطيها ، وهو ما سجلته صحيفة المصري اليوم بمانشيت تاريخي صبيحة يوم 29 مارس فضح تلك الوسائل بأمانة الصحفي (تهديد – رشوة انتخابية وهدايا – ترغيب وترهيب من الدولة ) ولأن الصحيفة تعلم ثمن ذلك اضطرت لتعديل المانشيت في طبعاته اللاحقة خوفا من إغلاق أهم صحيفة في القطاع الخاص لا زالت تؤمن بقيم يناير ويونيو بخلاف البقية التي ربما اضطرت للكفر بهذه القيم خوفا أو مداهنة للسلطة العسكرية.
توقعت في السابق ضعف المشاركة العام لعزوف الشباب عن الانتخاب، خصوصا ما بين عمري 18: 30 عام، وهم يمثلون نسبة من القوائم لا تقل عن 40% من عدد الأصوات، مما يعني أن عزوفهم يهدد إجراء الانتخاب بفضيحة دولية خشي من عواقبها النظام فلجأ للحشد بالطرق السابقة التي سجلتها المصري اليوم وصورها الناس على اليوتيوب في تصديق لمبدأ "الإعلام الموازي" بعد تأميم الحكومي والخاص لصالح السلطة.
أما الآن بعد أن ظهرت نتائج الانتخابات الأولية أستخلص منها ما يلي:
أولا: مقاطعة الانتخابات كانت شعبية واسعة بالفعل، ولم تزيد سوى بالتهديد والرشاوى الانتخابية.. فأكثر نسبة بطلان أصوات حدثت في محافظات القناة (السويس والإسماعيلية وبور سعيد) بنسبة 15% وهو رقم ضخم جدا يدل إن سكان هذه المناطق تنوع حضورهم ما بين الجبر والتهديد ، وما بين الرشوة والابتزاز باعتبار أن أكثرهم موظفين وتجار وأصحاب مزارع خاضعين بشكل مباشر لأجهزة الدولة، وطبعا هذا رد على من يزعم إن بطلان الأصوات حدث لقلة الوعي بافتراض إن الصوت الباطل مؤيد..وهذا جزئيا صحيح ، ولكن ضئيلة لا تمثل شئ، لأن الأرقام ونسب محافظات القناة تقول أن هناك أسباب أخرى للبطلان..إلا لو اعتبرنا أن سكان القناة كلهم سذج وجهلة..!!
ثانيا: أقل المحافظات مشاركة هم أكثرهم وعيا ، (القاهرة والإسكندرية والجيزة) ونسبتهم ما بين 25: 29%، أعلاهم تلك الأحياء الفقيرة والشعبية أو التي يضعف فيها حضور الإخوان، أما الأحياء الغنية والراقية فهؤلاء لا يحتاجون رشاوى ونسبة مشاركتهم الأدنى على الإطلاق..كحي الهرم 24% والعجوزة 30% وحيي الدقي والجيزة بنسبة مشاركة 29% أما مناطق الإخوان نسبهم متدنية جدا..لاحظ (بولاق الدكرور 25% - العمرانية 29% - الطالبية 26% - كرداسة 21% - أكتوبر 27%) والأرقام تقول أن المشاركة انخفضت لعاملين هما (نسبة الوعي) و (حضور الجماعات) ولا رابط بين العاملين لأن الوعي معارض للجماعات بالأساس، وهذه الأحياء الراقية كانت كتلة تصويت ضد الجماعات في كل الانتخابات الماضية.
ثالثا: تهديد الدولة بفرض الغرامة أجبر قطاع كبير من فقراء الريف على المشاركة خصوصا في وجه بحري فارتفعت النسبة، علاوة على حضور رجال الأعمال وعناصر الحزب الوطني القديم ارتفعت النسبة أكثر حتى قاربت على النصف، وهذا بالعموم باطل قانونيا فمواد الدستور والقانون الجنائي يمنعان إجبار الناس على الانتخاب، وهي سقطة قانونية عارضها بعض مؤيدي السلطة كالخبير "ياسر الهضيبي" علاوة على المعارضة بالطبع.
رابعا: حشد جماعي لموظفي الدولة في خرق واضح لقواعد الانتخاب المراعية لعدم التأثير على الناخب أو إجباره على المشاركة والتصويت لجهة يرفضها مما يعد تزويرا للرأي العام تدفع الدولة منه ثمنا باهظا، وفي الهوامش مصدر لذلك من المصري اليوم، وقد رصدت بنفسي تصويتا جماعيا لعمال شركة يونيفرسال في لجنة أحمد زويل / مدينة 6 أكتوبر بأعداد كبيرة جاوزت 20 أتوبيس أول يوم.. ويؤكد عندي ذلك حقيقة المقاطعة الشعبية بارتفاع ظاهرة بطلان الأصوات التي سجلت كأعلى رقم باطل في تاريخ انتخابات مصر..
وقد اجتمع كل ذلك -حشد موظفين وتهديد الغرامة- في ثالث يوم فسجل حسب بعض التقديرات نسبة مساوية لمشاركة أول يومين، مما يعني حضور عامل التهديد في الحشد فورا كان له أثر في ظهور المشاركة أعلى، ورغم أن هذا الإجراء قد يضع السلطة تحت طائلة الاتهام بالتزوير وتقفيل الصناديق إلا أنني لا أنوقع ذلك، فثمرة من ثمرات يناير هي الإشراف القضائي ونزاهة الانتخاب داخل الصندوق، أما خارجه فليس من مسئولية القاضي، وهذا يعني أن التزوير لو حدث سيكون في طرق الحشد والتأثير وليس في تعديل الأرقام كما كان يحدث في زمن مبارك..
خامسا: خلت الانتخابات تقريبا من طوابير الشباب ولم يلحظ حضورا شبابيا كبيرا كما حدث في انتخابات 2012 و 2014 عدا صور وزعها المؤيدين فردية ولعناصر الحملات، ومقاطعة الشباب هذه رسالة للنظام عليه أن يعيها، فالمستقبل لهم وليس لكبار السن مع احترامنا لهم، وقديما قيل لرئيس مصر: إذا أردت أن يكتب عنك التاريخ والمستقبل بشكل جيد فلا تخسر شباب الدولة، ورأيي أن النظام خسر الشباب من بعد معركة تيران وصنافير بالذات، فهي القشة التي قصمت ظهر البعير، وغيابهم بالتأكيد يُثبت فشل النظام في تحقيق أحلامهم وتطلعاتهم..أو على الأقل إمكانية التواصل معهم..
إن نسب المشاركة المنخفضة وغياب الشباب رسالة مهمة للنظام، أنه أصبح عند غالبية المصريين نسخ مكررة من مبارك والإخوان ، وهذا انفصال وجداني قد يؤسس لحركات وتجمعات أكثر قوة في المستقبل..يعني على النظام ألا تأخذه العزة بالإثم ويظن أن كبار السن سيحموه...هذا غير صحيح، الشباب هو الأكثر فاعلية في التغيير والإبداع..وطرق مقاومة الاستبداد والعزلة عنده متعددة..وتقديري أن تعديل الدستور للحكم مدى الحياه من عدمه سيفصل في دخول هذه الفئة بشكل جدي مستقبلا، وأتوقع حدوث ذلك فحالة الرفض في أماكن التأثير عالية..وهو ما يتضح من النقطة التالية..
سادسا: أن أكبر عدد بطلان أصوات حدث في القاهرة 147 ألف صوت وإسكندرية 135 ألف صوت، هذه أرقام ضخمة جدا تمثل مراكز كاملة غير راضية عن الانتخاب، ومعقلهم في أهم محافظتين مؤثرتين على نظام الحكم، وضعف مشاركتهم رسالة مع كل الإغراءات والتهديدات التي حدثت، ولن نضخم في تصور الحدث..لكن أكتفي بالقول أن هذه أول انتخابات تكون العاصمة فيها مخيرة بين حكم مدني وآخر مختلف بعد يونيو 2013 ، وظهر الفارق، بيد أن العاصمة والإسكندرية في انتخابات 2012 أعطوا أصواتهم لصباحي (حكم مدني) وفي الإعادة أعطوا لشفيق (حكم مدني أيضا ) بينما في 2014 القاهرة وإسكندرية أعطوا للسيسي بنسبة مشاركة 50% باعتباره أيضا (حكم مدني ثوري) وانخفضت النسبة الآن إلى النصف رسالة..أن أهم محافظتين في الجمهورية (مش راضيين) عن ما يحدث.
ومهما بالغنا في تصور التأييد إنه كاسح فهو لم يرتفع إلا في محافظات بحري خصوصا الشرقية والغربية والمنوفية معقل الحزب الوطني ونفوذ رجال الأعمال، وزيادة المشاركة هناك مع انخفاض النسبة في العاصمة يعني حضور عامليّ المال والتهديد قولا واحدا..ومن يشأ فليطلع على تقارير واشنطن بوست هنا فقد رصدت بعضا من تلك التجاوزات..
هنا.. https://wapo.st/2Ih3U1T
لكن لماذا هذا الموقف من سكان العاصمة والإسكندرية؟
الجواب في رأيي أن الدولة انحدرت لحكم عسكري صرف جمع بين مبادئ السمع والطاعة وبين احتكار السلطة والثروة، بمعنى أن
الحكم أصبح للجيش، والتجارة والصناعة بل والزراعة أيضا طينية وبحرية، حتى الدين والقيم الأخلاقية أصبحت للجيش بقرار منفرد أهمل رأي الشعب، وطبيعي أن يرفض ذلك سكان العاصمة باعتبارهم الأكثر وعيا ودرجة في السلم الوظيفي والطبقي والتعليمي..وكما طرحنا في السابق أنهم يصوتون دائما لمدنية الدولة، وعلى النظام الحذر من ذلك لأن ترسيخ السلطة العسكرية قد يدفع هؤلاء للانتفاضة وإعلان تمردهم بشكل علني.
وهذا الموقف مبرر فلسفيا لأن السلطة المطلقة شر يُفسد أي حاكم أخلاقيا، ومهما حرص صاحبها على الأخلاق سيفقدها، هو الآمر الناهي، بمجرد قليل من المعارضة ينتفض فورا بحكم الاعتياد، حضرتك لو تعودت الاستيقاظ كل يوم الصبح تغسل رجلك لا وجهك..وظللت على ذلك10 سنوات..بعدها بيوم استيقظت فغسلت وجهك أولا ستستغرب..وتستنكر ما فعلته، رغم إن هذا الطبيعي.. وهذا الشئ معروف فلسفيا (بحكم أو سلطة العادة) والحكم الدكتاتوري- سواء ديني أو عسكري- يرى المعارضة شر بحكم الخروج عن هذه العادة، وبالطبع لازم يقرر لها أدلة من نصوص الدين أو شعارات قومية وطنية خادعة للسذج والمغفلين، يعني الموضوع نفسي قبل ما يكون علمي أو سياسي.
ودائما نهاية الحكم العسكري والديني إما اغتيال أو انقلاب أو حرب أهلية..والعالم اكتشف هذه الحقيقة التاريخية لغياب تداول السلطة، لذلك فالدكتاتورية عند كل العالم سمعتها سيئة، والدول التي بها ذلك تصبح منحطة وشعبها معزول ومكروه..في المقابل ميزة الحكم الديمقراطي إنه خاضع للمسائلة والمحاسبة، ومهما ظل في السلطة يكون مقيد بفترة قصيرة تحفظه من شرور السلطة المطلقة على النفس والعقل، وبالعموم قصة تمكن الحكم العسكري أو الديني مرتبط بالشعب نفسه، كلما زادت مساحة التعليم وتطوره وانخفض مستوى الجهل كلما زادت فرصة النهوض ورفض كل أشكال المتاجرة بالقيم الدينية والوطنية..
نعم الإخوان يتاجرون بالدين..والعسكريين يتاجرون بالجيش..كل واحد له وظيفته، الدين لسمو الأخلاق ورفعته لا للحكم، والجيش لحماية الناس والوطن لا للحكم...أعمال السلطة هذه شئ مدني خاضعة للمتخصصين ، وتكون ممثلة لكل فئات الشعب وطرق تفكيره السياسية والحزبية كي لا يحدث صراع على السلطة يدمر كل شئ..وهذا التحليل يفهمه سكان العاصمة والإسكندرية باعتبارهم أكثر وعيا وانخفاض نسب الأمية فيهم ، علاوة على وجود الطبقة الوسطى التي تضررت من الإجراءات الاقتصادية وفقدت نسبة من دخلها جعلها أقرب للطبقات الكادحة قبل التعويم..فما بالك بالكادحة أين وصلت..
أخيرا: انتهت الانتخابات وأصبحنا أمام سلطة أمر واقع بغض النظر عن نتائجها والخلاف في طبيعتها..الآن على النظام المصري أن يستمع لشعبه جيدا ولا تأخذه العزة بالإثم..وليعتبر أن قعود الناس ثم إجبارهم وترهيبهم على النزول ورشوتهم بالتموين.. وارتفاع بطلان الأصوات رسالة رفض وتمرد (مبطنة) وأن دعم المصريين للجيش ليس شيكا لك على بياض أن تفعل ما تريد دون مراعاة لحقوق الناس..المعارضة ليست خيانة..بل وسيلة تصويب وضغط مشروعة إنسانيا وقانونيا، وعلى الأحزاب والتيارات المعارضة العمل الجدي مستقبلا ، لديكم قاعدة شعبية جاهزة فقدها النظام نتيجة لإجراءاته التعسفية وقصر نظره السياسي، ورأيي لو كانت فيه حرية حزبية أو تفعيل للقانون كانت نجحت المعارضة في توسيع دائرة المقاطعة لتشمل كل الشرائح العمرية والفئوية تقريبا..أما اليوم وتحت هذه الضغوط والهستريا من الدولة تكون نسبة 70% مقاطعة معقولة جدا ورسالة يجب البناء عليها.
المصادر
نتائج محافظة الجيزة-اليوم السابع.. https://bit.ly/2GmIJPL
أعداد الناخبين-اليوم السابع.. https://bit.ly/2GKgMAK
نتائج الانتخابات-مدرس بوك.. https://bit.ly/2E76DZx
نتائج الانتخابات-نجوم مصرية.. https://bit.ly/2IevzRh
تصويت جماعي للموظفين-المصري اليوم.. https://bit.ly/2pTdnFm
اليوم الثالث أكثر إقبالا-المصريون.. https://bit.ly/2GYadrO
غرامة الانتخابات- مصراوي.. https://bit.ly/2GAYRwc
ضعف مشاركة الشباب-المصري اليوم.. https://bit.ly/2Gs9ePt
ضعف مشاركة الشباب-مصراوي.. https://bit.ly/2GlU7eB
ترشح السيسي وحيدا ممثلا للجيش فاكتسب أكبر قوة مهيمنة أخلاقيا ووجدانيا في الدولة وهي "القوات المسلحة" وما تحملها من معانٍ قومية ووطنية وظفت أحسن توظيف في الحشد، وهي الجزئية التي فطنتها المعارضة مبكرا أن ترشح عسكريا آخر يبطل عسكرة الدولة ويحوّلها لمدنية أمر عسير ولكنه ليس مستحيل مع شفيق وعنان، وبعد إقصائهما من السباق أصبحت عسكرة الدولة واقع حتمي تعزز بضعف المعارضة وتشتتها بين إسلاميين وليبراليين ويسار اتخذوا قرارهم بالمقاطعة إلى حين، وهو ما دفع المحامي خالد علي للانسحاب بعد قرار الدولة بالانحياز.
جرت الانتخابات في الفترة من 26 إلى 28 مارس الماضي بقائمة انتخاب تضم 59 مليون صوت، هنا لكي يشعر النظام بالأمان وأن التحديات القادمة تلزمه على الأقل مشاركة المرة الماضية –انتخابات رئاسة 2014- بنسبة 47% أصبح لزاما عليه حشد الناس بكل وسيلة مشروعة أو غير مشروعة لبلوغ هذه النسبة أو تخطيها ، وهو ما سجلته صحيفة المصري اليوم بمانشيت تاريخي صبيحة يوم 29 مارس فضح تلك الوسائل بأمانة الصحفي (تهديد – رشوة انتخابية وهدايا – ترغيب وترهيب من الدولة ) ولأن الصحيفة تعلم ثمن ذلك اضطرت لتعديل المانشيت في طبعاته اللاحقة خوفا من إغلاق أهم صحيفة في القطاع الخاص لا زالت تؤمن بقيم يناير ويونيو بخلاف البقية التي ربما اضطرت للكفر بهذه القيم خوفا أو مداهنة للسلطة العسكرية.
توقعت في السابق ضعف المشاركة العام لعزوف الشباب عن الانتخاب، خصوصا ما بين عمري 18: 30 عام، وهم يمثلون نسبة من القوائم لا تقل عن 40% من عدد الأصوات، مما يعني أن عزوفهم يهدد إجراء الانتخاب بفضيحة دولية خشي من عواقبها النظام فلجأ للحشد بالطرق السابقة التي سجلتها المصري اليوم وصورها الناس على اليوتيوب في تصديق لمبدأ "الإعلام الموازي" بعد تأميم الحكومي والخاص لصالح السلطة.
أما الآن بعد أن ظهرت نتائج الانتخابات الأولية أستخلص منها ما يلي:
أولا: مقاطعة الانتخابات كانت شعبية واسعة بالفعل، ولم تزيد سوى بالتهديد والرشاوى الانتخابية.. فأكثر نسبة بطلان أصوات حدثت في محافظات القناة (السويس والإسماعيلية وبور سعيد) بنسبة 15% وهو رقم ضخم جدا يدل إن سكان هذه المناطق تنوع حضورهم ما بين الجبر والتهديد ، وما بين الرشوة والابتزاز باعتبار أن أكثرهم موظفين وتجار وأصحاب مزارع خاضعين بشكل مباشر لأجهزة الدولة، وطبعا هذا رد على من يزعم إن بطلان الأصوات حدث لقلة الوعي بافتراض إن الصوت الباطل مؤيد..وهذا جزئيا صحيح ، ولكن ضئيلة لا تمثل شئ، لأن الأرقام ونسب محافظات القناة تقول أن هناك أسباب أخرى للبطلان..إلا لو اعتبرنا أن سكان القناة كلهم سذج وجهلة..!!
ثانيا: أقل المحافظات مشاركة هم أكثرهم وعيا ، (القاهرة والإسكندرية والجيزة) ونسبتهم ما بين 25: 29%، أعلاهم تلك الأحياء الفقيرة والشعبية أو التي يضعف فيها حضور الإخوان، أما الأحياء الغنية والراقية فهؤلاء لا يحتاجون رشاوى ونسبة مشاركتهم الأدنى على الإطلاق..كحي الهرم 24% والعجوزة 30% وحيي الدقي والجيزة بنسبة مشاركة 29% أما مناطق الإخوان نسبهم متدنية جدا..لاحظ (بولاق الدكرور 25% - العمرانية 29% - الطالبية 26% - كرداسة 21% - أكتوبر 27%) والأرقام تقول أن المشاركة انخفضت لعاملين هما (نسبة الوعي) و (حضور الجماعات) ولا رابط بين العاملين لأن الوعي معارض للجماعات بالأساس، وهذه الأحياء الراقية كانت كتلة تصويت ضد الجماعات في كل الانتخابات الماضية.
ثالثا: تهديد الدولة بفرض الغرامة أجبر قطاع كبير من فقراء الريف على المشاركة خصوصا في وجه بحري فارتفعت النسبة، علاوة على حضور رجال الأعمال وعناصر الحزب الوطني القديم ارتفعت النسبة أكثر حتى قاربت على النصف، وهذا بالعموم باطل قانونيا فمواد الدستور والقانون الجنائي يمنعان إجبار الناس على الانتخاب، وهي سقطة قانونية عارضها بعض مؤيدي السلطة كالخبير "ياسر الهضيبي" علاوة على المعارضة بالطبع.
رابعا: حشد جماعي لموظفي الدولة في خرق واضح لقواعد الانتخاب المراعية لعدم التأثير على الناخب أو إجباره على المشاركة والتصويت لجهة يرفضها مما يعد تزويرا للرأي العام تدفع الدولة منه ثمنا باهظا، وفي الهوامش مصدر لذلك من المصري اليوم، وقد رصدت بنفسي تصويتا جماعيا لعمال شركة يونيفرسال في لجنة أحمد زويل / مدينة 6 أكتوبر بأعداد كبيرة جاوزت 20 أتوبيس أول يوم.. ويؤكد عندي ذلك حقيقة المقاطعة الشعبية بارتفاع ظاهرة بطلان الأصوات التي سجلت كأعلى رقم باطل في تاريخ انتخابات مصر..
وقد اجتمع كل ذلك -حشد موظفين وتهديد الغرامة- في ثالث يوم فسجل حسب بعض التقديرات نسبة مساوية لمشاركة أول يومين، مما يعني حضور عامل التهديد في الحشد فورا كان له أثر في ظهور المشاركة أعلى، ورغم أن هذا الإجراء قد يضع السلطة تحت طائلة الاتهام بالتزوير وتقفيل الصناديق إلا أنني لا أنوقع ذلك، فثمرة من ثمرات يناير هي الإشراف القضائي ونزاهة الانتخاب داخل الصندوق، أما خارجه فليس من مسئولية القاضي، وهذا يعني أن التزوير لو حدث سيكون في طرق الحشد والتأثير وليس في تعديل الأرقام كما كان يحدث في زمن مبارك..
خامسا: خلت الانتخابات تقريبا من طوابير الشباب ولم يلحظ حضورا شبابيا كبيرا كما حدث في انتخابات 2012 و 2014 عدا صور وزعها المؤيدين فردية ولعناصر الحملات، ومقاطعة الشباب هذه رسالة للنظام عليه أن يعيها، فالمستقبل لهم وليس لكبار السن مع احترامنا لهم، وقديما قيل لرئيس مصر: إذا أردت أن يكتب عنك التاريخ والمستقبل بشكل جيد فلا تخسر شباب الدولة، ورأيي أن النظام خسر الشباب من بعد معركة تيران وصنافير بالذات، فهي القشة التي قصمت ظهر البعير، وغيابهم بالتأكيد يُثبت فشل النظام في تحقيق أحلامهم وتطلعاتهم..أو على الأقل إمكانية التواصل معهم..
إن نسب المشاركة المنخفضة وغياب الشباب رسالة مهمة للنظام، أنه أصبح عند غالبية المصريين نسخ مكررة من مبارك والإخوان ، وهذا انفصال وجداني قد يؤسس لحركات وتجمعات أكثر قوة في المستقبل..يعني على النظام ألا تأخذه العزة بالإثم ويظن أن كبار السن سيحموه...هذا غير صحيح، الشباب هو الأكثر فاعلية في التغيير والإبداع..وطرق مقاومة الاستبداد والعزلة عنده متعددة..وتقديري أن تعديل الدستور للحكم مدى الحياه من عدمه سيفصل في دخول هذه الفئة بشكل جدي مستقبلا، وأتوقع حدوث ذلك فحالة الرفض في أماكن التأثير عالية..وهو ما يتضح من النقطة التالية..
سادسا: أن أكبر عدد بطلان أصوات حدث في القاهرة 147 ألف صوت وإسكندرية 135 ألف صوت، هذه أرقام ضخمة جدا تمثل مراكز كاملة غير راضية عن الانتخاب، ومعقلهم في أهم محافظتين مؤثرتين على نظام الحكم، وضعف مشاركتهم رسالة مع كل الإغراءات والتهديدات التي حدثت، ولن نضخم في تصور الحدث..لكن أكتفي بالقول أن هذه أول انتخابات تكون العاصمة فيها مخيرة بين حكم مدني وآخر مختلف بعد يونيو 2013 ، وظهر الفارق، بيد أن العاصمة والإسكندرية في انتخابات 2012 أعطوا أصواتهم لصباحي (حكم مدني) وفي الإعادة أعطوا لشفيق (حكم مدني أيضا ) بينما في 2014 القاهرة وإسكندرية أعطوا للسيسي بنسبة مشاركة 50% باعتباره أيضا (حكم مدني ثوري) وانخفضت النسبة الآن إلى النصف رسالة..أن أهم محافظتين في الجمهورية (مش راضيين) عن ما يحدث.
ومهما بالغنا في تصور التأييد إنه كاسح فهو لم يرتفع إلا في محافظات بحري خصوصا الشرقية والغربية والمنوفية معقل الحزب الوطني ونفوذ رجال الأعمال، وزيادة المشاركة هناك مع انخفاض النسبة في العاصمة يعني حضور عامليّ المال والتهديد قولا واحدا..ومن يشأ فليطلع على تقارير واشنطن بوست هنا فقد رصدت بعضا من تلك التجاوزات..
هنا.. https://wapo.st/2Ih3U1T
لكن لماذا هذا الموقف من سكان العاصمة والإسكندرية؟
الجواب في رأيي أن الدولة انحدرت لحكم عسكري صرف جمع بين مبادئ السمع والطاعة وبين احتكار السلطة والثروة، بمعنى أن
الحكم أصبح للجيش، والتجارة والصناعة بل والزراعة أيضا طينية وبحرية، حتى الدين والقيم الأخلاقية أصبحت للجيش بقرار منفرد أهمل رأي الشعب، وطبيعي أن يرفض ذلك سكان العاصمة باعتبارهم الأكثر وعيا ودرجة في السلم الوظيفي والطبقي والتعليمي..وكما طرحنا في السابق أنهم يصوتون دائما لمدنية الدولة، وعلى النظام الحذر من ذلك لأن ترسيخ السلطة العسكرية قد يدفع هؤلاء للانتفاضة وإعلان تمردهم بشكل علني.
وهذا الموقف مبرر فلسفيا لأن السلطة المطلقة شر يُفسد أي حاكم أخلاقيا، ومهما حرص صاحبها على الأخلاق سيفقدها، هو الآمر الناهي، بمجرد قليل من المعارضة ينتفض فورا بحكم الاعتياد، حضرتك لو تعودت الاستيقاظ كل يوم الصبح تغسل رجلك لا وجهك..وظللت على ذلك10 سنوات..بعدها بيوم استيقظت فغسلت وجهك أولا ستستغرب..وتستنكر ما فعلته، رغم إن هذا الطبيعي.. وهذا الشئ معروف فلسفيا (بحكم أو سلطة العادة) والحكم الدكتاتوري- سواء ديني أو عسكري- يرى المعارضة شر بحكم الخروج عن هذه العادة، وبالطبع لازم يقرر لها أدلة من نصوص الدين أو شعارات قومية وطنية خادعة للسذج والمغفلين، يعني الموضوع نفسي قبل ما يكون علمي أو سياسي.
ودائما نهاية الحكم العسكري والديني إما اغتيال أو انقلاب أو حرب أهلية..والعالم اكتشف هذه الحقيقة التاريخية لغياب تداول السلطة، لذلك فالدكتاتورية عند كل العالم سمعتها سيئة، والدول التي بها ذلك تصبح منحطة وشعبها معزول ومكروه..في المقابل ميزة الحكم الديمقراطي إنه خاضع للمسائلة والمحاسبة، ومهما ظل في السلطة يكون مقيد بفترة قصيرة تحفظه من شرور السلطة المطلقة على النفس والعقل، وبالعموم قصة تمكن الحكم العسكري أو الديني مرتبط بالشعب نفسه، كلما زادت مساحة التعليم وتطوره وانخفض مستوى الجهل كلما زادت فرصة النهوض ورفض كل أشكال المتاجرة بالقيم الدينية والوطنية..
نعم الإخوان يتاجرون بالدين..والعسكريين يتاجرون بالجيش..كل واحد له وظيفته، الدين لسمو الأخلاق ورفعته لا للحكم، والجيش لحماية الناس والوطن لا للحكم...أعمال السلطة هذه شئ مدني خاضعة للمتخصصين ، وتكون ممثلة لكل فئات الشعب وطرق تفكيره السياسية والحزبية كي لا يحدث صراع على السلطة يدمر كل شئ..وهذا التحليل يفهمه سكان العاصمة والإسكندرية باعتبارهم أكثر وعيا وانخفاض نسب الأمية فيهم ، علاوة على وجود الطبقة الوسطى التي تضررت من الإجراءات الاقتصادية وفقدت نسبة من دخلها جعلها أقرب للطبقات الكادحة قبل التعويم..فما بالك بالكادحة أين وصلت..
أخيرا: انتهت الانتخابات وأصبحنا أمام سلطة أمر واقع بغض النظر عن نتائجها والخلاف في طبيعتها..الآن على النظام المصري أن يستمع لشعبه جيدا ولا تأخذه العزة بالإثم..وليعتبر أن قعود الناس ثم إجبارهم وترهيبهم على النزول ورشوتهم بالتموين.. وارتفاع بطلان الأصوات رسالة رفض وتمرد (مبطنة) وأن دعم المصريين للجيش ليس شيكا لك على بياض أن تفعل ما تريد دون مراعاة لحقوق الناس..المعارضة ليست خيانة..بل وسيلة تصويب وضغط مشروعة إنسانيا وقانونيا، وعلى الأحزاب والتيارات المعارضة العمل الجدي مستقبلا ، لديكم قاعدة شعبية جاهزة فقدها النظام نتيجة لإجراءاته التعسفية وقصر نظره السياسي، ورأيي لو كانت فيه حرية حزبية أو تفعيل للقانون كانت نجحت المعارضة في توسيع دائرة المقاطعة لتشمل كل الشرائح العمرية والفئوية تقريبا..أما اليوم وتحت هذه الضغوط والهستريا من الدولة تكون نسبة 70% مقاطعة معقولة جدا ورسالة يجب البناء عليها.
المصادر
نتائج محافظة الجيزة-اليوم السابع.. https://bit.ly/2GmIJPL
أعداد الناخبين-اليوم السابع.. https://bit.ly/2GKgMAK
نتائج الانتخابات-مدرس بوك.. https://bit.ly/2E76DZx
نتائج الانتخابات-نجوم مصرية.. https://bit.ly/2IevzRh
تصويت جماعي للموظفين-المصري اليوم.. https://bit.ly/2pTdnFm
اليوم الثالث أكثر إقبالا-المصريون.. https://bit.ly/2GYadrO
غرامة الانتخابات- مصراوي.. https://bit.ly/2GAYRwc
ضعف مشاركة الشباب-المصري اليوم.. https://bit.ly/2Gs9ePt
ضعف مشاركة الشباب-مصراوي.. https://bit.ly/2GlU7eB
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
مواضيع مماثلة
» نظرة في انتخابات الرئاسة الإيرانية
» رسائل في التجديد والتنوير
» رسائل الرسول صلى الله عليه وسلم
» النوبيون فى السينما المصرية ...
» من أسباب فشل السينما المصرية
» رسائل في التجديد والتنوير
» رسائل الرسول صلى الله عليه وسلم
» النوبيون فى السينما المصرية ...
» من أسباب فشل السينما المصرية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى