الدور الإيراني في الشرق الأوسط
صفحة 1 من اصل 1
الدور الإيراني في الشرق الأوسط
في العام الثامن للحرب السورية تثار عدة أسئلة، ما الذي تحقق من دعاوى تغيير مشروعة ، وكيف تحولت سوريا لوباء طائفي مقيت، وإلى أزمات دولية وإقليمية صعبة، وهل رفع مطالب التغيير يعطي الحق لأصحابها أن يتصرفوا كيفما شاءوا، وما احتمالية أن تعود سوريا كما كانت آمنة قبل الثورة، وما مستقبل السوريين على أرضهم وفي اللجوء، وأخيرا: ما مستقبل المنطقة بعد إيقاف الحرب وإحلال السلام؟
أسئلة كثيرة لخصت حال سوريا بعد سنوات، وفي هذا المقال أعرج على دور إقليمي يُعد أهم الأدوار الإقليمية في سوريا على الإطلاق، أولا: لارتباطه بمصالح جيوسياسية مع الحكومة السورية، وثانيا: لارتباطه بصراع أيدلوجي وديني مع إسرائيل، وثالثا: لتعلقه بصراع هووي بين طبيعة ثورته الدينية في السبعينات وبين طبيعة ورثة القوى الاستعمارية الغربية، إنه الدور الإيراني الذي تعاطت معه النُخَب إما بتقصير في الميل أو إفراط في الازدراء، وكلاهما يحفزان على التسرع والاستنتاج الخاطئ.
مبدئيا: لا يعني استعراض الدور الإيراني إقرارا بنزاهة أدوار خصومه، إنما هي لمحة تحليلية أرصد فيها المشهد السوري في ظل وجود هذا الدور وتمدده بمرجعيات عدة سياسية ودينية وأيدلوجية، كما أنه ليس تحذيرا من طبيعته لإيماني بنسبية الرؤى السياسية، فما هو محذور عندي مشروع عند آخرين، إنما سأكتفي ببيان طبيعته وحركته التزاما بالمقدمة الاستفهامية التي أعتبرها مدخلا شاملا لفهم قصة سوريا ، ولأن الدور الإيراني جزء من تلك المقدمة وَجَب نقاشه مجردا على أمل أن نناقش الأدوار الأخرى مستقبلا.
ولأن بيان الأدوار يلزمه بيان طبيعة وقوة هذا الدور أولا أشير إلى أن لإيران علاقات مميزة بدول جوارها السبعة، إضافة لدول البلقان والقوقاز وآسيا الوسطى والصغرى، ومجموع هذه الدول لا يقل عن 30 دولة، إضافة لتمتعها بعلاقات تصل إلى حد التحالف مع روسيا والصين ودول البريكس..إضافة لعلاقاتها المميزة بدول جنوب شرق آسيا والهند..ليس هذا فقط..الإيرانيون لهم موطن قدم وعلاقات جيدة مع دول عربية كثيرة كالكويت وعُمان وقطر والجزائر وتونس ولبنان وسوريا واليمن.. غير وجودها الأفريقي الحاضر بمذهبيته في جامعة المصطفى، التي أعدها المسئول الأول عن نشر مذهب آل البيت على النمط الإيراني في أفريقيا.
وعن الاقتصاد فتحتل المرتبة 18 عالميا في الناتج المحلي الإجمالي gdp أو ما يعرف بمقياس مستوى المعيشة، ولعل ارتفاع هذا المؤشر لديهم ناتج من سنوات الحصار، وتركيز الدولة هناك على الصناعات البديلة، إضافة لاحتياطي نقد أجنبي أكثر من 120 مليار دولار، وثروة هائلة من النفط والغاز والصناعات الصغيرة والتحويلية ، علاوة على إنتاجها الزراعي والخدمي والتكنولوجي والذري، وقد أهلها ذلك لدخول منظمة شنغهاي للتعاون إضافة لقرار اتحاد أوراسيا الاقتصادي بإنشاء منطقة تجارة حرة معها.
مما يعني أننا أمام قوة إقليمية كبيرة بالفعل، فحسابات السياسة المعاصرة لم تعد تهتم فقط بالقوة العسكرية لفرض الرأي، أو الأفكار العابرة للحدود مثلما كان يحدث في زمن الحرب الباردة، الآن إذا لم تكن قويا اقتصاديا لن تكون قويا في السياسة أو في الجيش، وبلمحة بسيطة أرى أن أقوى 5 اقتصاديات في العالم هم أقواهم في السياسة والنفوذ، بما يؤكد أن الدور الإيراني ليس كما يتخيله البعض أنه يعتمد فقط على عاملي المذهب والأيدلوجيا، فهناك قوى أعظم وهي الأموال والخبرات العلمية وما يتبعهم من تأثير إعلامي يعزز عوامل المذهب والأيدلوجيا سالفة الذكر.
إنما مع كل هذه القوى تعاني إيران ضعفا في الخطاب السياسي، فقادتها كثيرا ما يصفون أمريكا بالشيطان الأكبر، وهذا خلط بين الخصومة القابلة للتفاوض، وبين العداء المستدعي للحرب، لأن الوصف أساسا إعلان حرب مثلما وصف جورج بوش الابن من قبل طهران بأنها عضو في دول ما يسمى "بمحور الشر" كذلك في دعمها لحركات الإخوان المسلمين وتواصلها معهم حتى بعد سقوطهم في مصر خلال ثورة يونيو 2013 وانكشاف الوجه الطائفي للإخوان المعادي للشيعة (مؤتمر إستاد القاهرة نموذج)
وكذلك في تصريح الصحفي الإيراني الكبير "حسين شريعتمداري" بأن البحرين جزء من إيران ردا على قمع الثورة البحرانية، فقد صدق ذلك رواية خصوم إيران في المنطقة أنها تريد إحياء مجد الفرس القديم ، ولا أفهم كيف يخطئ صحفي كبير هذه الغلطة؟..فحتى المزاح له حدود، والمازح ليس شخص عادي، أما لو قالها عمدا فالأمر خطير بالفعل، إنما يبقى السؤال الرئيسي: هل شريعتمداري ممثل للدولة؟..أو هل هو مقرب للسلطة؟..وما ميزان تصريحه ذلك في العلاقات الدبلوماسية؟..فالدول لا تُحاسَب بكلام صحفييها بل دبلوماسييها، إذ يمنع إسقاط مواقف وعقائد الأشخاص على الدولة.
كذلك يعاني الخطاب الإيراني خللا في المعايير بازدواجية واضحة دعم فيها ثورة البحرين وعارض ثورة سوريا بشعارات أقرب للروح المذهبية منها إلى دبلوماسية الساسة، وقد خصم ذلك من ثورة البحرين كثيرا، فرغم مشروعيتها في الأصل بقيامها ضد نظام ملكي سلطوي يضطهد الأغلبية الشيعية –حسب مناقشات البرلمان الأوروبي 2017- لكن لم يشفع ذلك للثورة، وتضررت بالتدخل المذهبي الأحادي لقادة طهران، حتى قضي عليها تماما وسجن قادتها وضاع الأمل في نقل البحرين لعصر حقوق الإنسان.
سيقول قائل: ولكن هذا التدخل الإيراني هو رد فعل على تدخل السعودية من قبل بقوات درع الجزيرة في البحرين، وبمليشيات طائفية في سوريا، أقول: هذا صحيح من الناحية الظاهرية، إنما جوهريا فإيران هي الطرف المذهبي المقابل لحكام المملكة، أي لو لم تقم سياسات طهران على أحادية مذهبية في غالب حالاتها ما وجدت السعودية حلفاء عرب وإقليميين لها ضد ما تسميه "بالتدخل الإيراني" وهو ليس تبرئة لحكام السعودية بل أرى أن المشكلة بالأساس في توجه السعودية المذهبي والعرقي منذ حرب صدام والخوميني في الثمانينات، ورعايتها من قبل للوهابية في الستينات بمعاركها الشهيرة ضد نظام عبدالناصر، حتى اعترف ولي العهد "محمد بن سلمان" مؤخرا بأن المملكة صدرت السلفية للجهاد بأوامر أمريكية ضد الاتحاد السوفيتي وقيم الشيوعية.
وقلت "غالب حالاتها" لأن بعضا من سياسة إيران لا تقوم جوهريا على الطائفية، مثلما دعمت حركتي حماس والإخوان (السنيتين) ودعمها لنظام بشار الأسد العلماني، وقد يُفهم من ذلك أن هذا الدعم لسنة وعلمانيين العرب، والجواب قولا واحدا (لا ) فهذه الأطراف المدعومة من إيران هي محاربة لإسرائيل التي هي عدو إيران الأول في المنطقة، ومبعث التحشيد الثوري والديني الهائل منذ قيام ثورتها عام 1979 وبالتالي هذا الدعم يخفي ورائه مصلحة عليا تتعلق بقيم الثورة الخومينية.
هذا الجانب أعطى زخم للدور الإيراني بربطه بين أيدلوجيا المقاومة لإسرائيل وبين القوميات العربية والمحلية على نفس النسق، فمثل هذه القوميات أيضا عابرة للحدود حتى وضعها بعض ساسة بريطانيا على أجنداتهم الخارجية كالنائب البريطاني "جورج جالاوي" إنه يدعم إيران ليس لأنها شيعة، ولكن لأنها مقاومة لإسرائيل والإمبريالية التسلطية في العالم، وقد ساهم ذلك في عقد تحالف بين أنصار إيران والقوميين العرب بالخصوص فيما يتعلق في الموقف من إسرائيل وأمريكا والأسد معا.
أسئلة كثيرة لخصت حال سوريا بعد سنوات، وفي هذا المقال أعرج على دور إقليمي يُعد أهم الأدوار الإقليمية في سوريا على الإطلاق، أولا: لارتباطه بمصالح جيوسياسية مع الحكومة السورية، وثانيا: لارتباطه بصراع أيدلوجي وديني مع إسرائيل، وثالثا: لتعلقه بصراع هووي بين طبيعة ثورته الدينية في السبعينات وبين طبيعة ورثة القوى الاستعمارية الغربية، إنه الدور الإيراني الذي تعاطت معه النُخَب إما بتقصير في الميل أو إفراط في الازدراء، وكلاهما يحفزان على التسرع والاستنتاج الخاطئ.
مبدئيا: لا يعني استعراض الدور الإيراني إقرارا بنزاهة أدوار خصومه، إنما هي لمحة تحليلية أرصد فيها المشهد السوري في ظل وجود هذا الدور وتمدده بمرجعيات عدة سياسية ودينية وأيدلوجية، كما أنه ليس تحذيرا من طبيعته لإيماني بنسبية الرؤى السياسية، فما هو محذور عندي مشروع عند آخرين، إنما سأكتفي ببيان طبيعته وحركته التزاما بالمقدمة الاستفهامية التي أعتبرها مدخلا شاملا لفهم قصة سوريا ، ولأن الدور الإيراني جزء من تلك المقدمة وَجَب نقاشه مجردا على أمل أن نناقش الأدوار الأخرى مستقبلا.
ولأن بيان الأدوار يلزمه بيان طبيعة وقوة هذا الدور أولا أشير إلى أن لإيران علاقات مميزة بدول جوارها السبعة، إضافة لدول البلقان والقوقاز وآسيا الوسطى والصغرى، ومجموع هذه الدول لا يقل عن 30 دولة، إضافة لتمتعها بعلاقات تصل إلى حد التحالف مع روسيا والصين ودول البريكس..إضافة لعلاقاتها المميزة بدول جنوب شرق آسيا والهند..ليس هذا فقط..الإيرانيون لهم موطن قدم وعلاقات جيدة مع دول عربية كثيرة كالكويت وعُمان وقطر والجزائر وتونس ولبنان وسوريا واليمن.. غير وجودها الأفريقي الحاضر بمذهبيته في جامعة المصطفى، التي أعدها المسئول الأول عن نشر مذهب آل البيت على النمط الإيراني في أفريقيا.
وعن الاقتصاد فتحتل المرتبة 18 عالميا في الناتج المحلي الإجمالي gdp أو ما يعرف بمقياس مستوى المعيشة، ولعل ارتفاع هذا المؤشر لديهم ناتج من سنوات الحصار، وتركيز الدولة هناك على الصناعات البديلة، إضافة لاحتياطي نقد أجنبي أكثر من 120 مليار دولار، وثروة هائلة من النفط والغاز والصناعات الصغيرة والتحويلية ، علاوة على إنتاجها الزراعي والخدمي والتكنولوجي والذري، وقد أهلها ذلك لدخول منظمة شنغهاي للتعاون إضافة لقرار اتحاد أوراسيا الاقتصادي بإنشاء منطقة تجارة حرة معها.
مما يعني أننا أمام قوة إقليمية كبيرة بالفعل، فحسابات السياسة المعاصرة لم تعد تهتم فقط بالقوة العسكرية لفرض الرأي، أو الأفكار العابرة للحدود مثلما كان يحدث في زمن الحرب الباردة، الآن إذا لم تكن قويا اقتصاديا لن تكون قويا في السياسة أو في الجيش، وبلمحة بسيطة أرى أن أقوى 5 اقتصاديات في العالم هم أقواهم في السياسة والنفوذ، بما يؤكد أن الدور الإيراني ليس كما يتخيله البعض أنه يعتمد فقط على عاملي المذهب والأيدلوجيا، فهناك قوى أعظم وهي الأموال والخبرات العلمية وما يتبعهم من تأثير إعلامي يعزز عوامل المذهب والأيدلوجيا سالفة الذكر.
إنما مع كل هذه القوى تعاني إيران ضعفا في الخطاب السياسي، فقادتها كثيرا ما يصفون أمريكا بالشيطان الأكبر، وهذا خلط بين الخصومة القابلة للتفاوض، وبين العداء المستدعي للحرب، لأن الوصف أساسا إعلان حرب مثلما وصف جورج بوش الابن من قبل طهران بأنها عضو في دول ما يسمى "بمحور الشر" كذلك في دعمها لحركات الإخوان المسلمين وتواصلها معهم حتى بعد سقوطهم في مصر خلال ثورة يونيو 2013 وانكشاف الوجه الطائفي للإخوان المعادي للشيعة (مؤتمر إستاد القاهرة نموذج)
وكذلك في تصريح الصحفي الإيراني الكبير "حسين شريعتمداري" بأن البحرين جزء من إيران ردا على قمع الثورة البحرانية، فقد صدق ذلك رواية خصوم إيران في المنطقة أنها تريد إحياء مجد الفرس القديم ، ولا أفهم كيف يخطئ صحفي كبير هذه الغلطة؟..فحتى المزاح له حدود، والمازح ليس شخص عادي، أما لو قالها عمدا فالأمر خطير بالفعل، إنما يبقى السؤال الرئيسي: هل شريعتمداري ممثل للدولة؟..أو هل هو مقرب للسلطة؟..وما ميزان تصريحه ذلك في العلاقات الدبلوماسية؟..فالدول لا تُحاسَب بكلام صحفييها بل دبلوماسييها، إذ يمنع إسقاط مواقف وعقائد الأشخاص على الدولة.
كذلك يعاني الخطاب الإيراني خللا في المعايير بازدواجية واضحة دعم فيها ثورة البحرين وعارض ثورة سوريا بشعارات أقرب للروح المذهبية منها إلى دبلوماسية الساسة، وقد خصم ذلك من ثورة البحرين كثيرا، فرغم مشروعيتها في الأصل بقيامها ضد نظام ملكي سلطوي يضطهد الأغلبية الشيعية –حسب مناقشات البرلمان الأوروبي 2017- لكن لم يشفع ذلك للثورة، وتضررت بالتدخل المذهبي الأحادي لقادة طهران، حتى قضي عليها تماما وسجن قادتها وضاع الأمل في نقل البحرين لعصر حقوق الإنسان.
سيقول قائل: ولكن هذا التدخل الإيراني هو رد فعل على تدخل السعودية من قبل بقوات درع الجزيرة في البحرين، وبمليشيات طائفية في سوريا، أقول: هذا صحيح من الناحية الظاهرية، إنما جوهريا فإيران هي الطرف المذهبي المقابل لحكام المملكة، أي لو لم تقم سياسات طهران على أحادية مذهبية في غالب حالاتها ما وجدت السعودية حلفاء عرب وإقليميين لها ضد ما تسميه "بالتدخل الإيراني" وهو ليس تبرئة لحكام السعودية بل أرى أن المشكلة بالأساس في توجه السعودية المذهبي والعرقي منذ حرب صدام والخوميني في الثمانينات، ورعايتها من قبل للوهابية في الستينات بمعاركها الشهيرة ضد نظام عبدالناصر، حتى اعترف ولي العهد "محمد بن سلمان" مؤخرا بأن المملكة صدرت السلفية للجهاد بأوامر أمريكية ضد الاتحاد السوفيتي وقيم الشيوعية.
وقلت "غالب حالاتها" لأن بعضا من سياسة إيران لا تقوم جوهريا على الطائفية، مثلما دعمت حركتي حماس والإخوان (السنيتين) ودعمها لنظام بشار الأسد العلماني، وقد يُفهم من ذلك أن هذا الدعم لسنة وعلمانيين العرب، والجواب قولا واحدا (لا ) فهذه الأطراف المدعومة من إيران هي محاربة لإسرائيل التي هي عدو إيران الأول في المنطقة، ومبعث التحشيد الثوري والديني الهائل منذ قيام ثورتها عام 1979 وبالتالي هذا الدعم يخفي ورائه مصلحة عليا تتعلق بقيم الثورة الخومينية.
هذا الجانب أعطى زخم للدور الإيراني بربطه بين أيدلوجيا المقاومة لإسرائيل وبين القوميات العربية والمحلية على نفس النسق، فمثل هذه القوميات أيضا عابرة للحدود حتى وضعها بعض ساسة بريطانيا على أجنداتهم الخارجية كالنائب البريطاني "جورج جالاوي" إنه يدعم إيران ليس لأنها شيعة، ولكن لأنها مقاومة لإسرائيل والإمبريالية التسلطية في العالم، وقد ساهم ذلك في عقد تحالف بين أنصار إيران والقوميين العرب بالخصوص فيما يتعلق في الموقف من إسرائيل وأمريكا والأسد معا.
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
رد: الدور الإيراني في الشرق الأوسط
الفصل الأول: علاقات الدور الإيراني مع القوى الفاعلة
أنتقل الآن إلى مقدمة هذه الورقة البحثية التي أصنف فيها أولا مواقف الدول والجماعات الدولية من إيران:
أولا: العلاقة مع العرب ، وهي متنوعة لا يمكننا وضعها في سلة واحدة، لأن عرب الخليج بينهم وبين الإيرانيين معارك خاصة جدا لا يشاركهم أحد، فيستعملون ألفاظ عرقية ومذهبية كثيرة كالشيعه والسلفية والنواصب والفرس والصفويين، أكيد مثل هذه المصطلحات لا تهم المصريين وشعوب شمال أفريقيا باعتبارهم غير متأثرين بالجوار الجغرافي لإيران، أو لم يعانوا من قبل من فتن طائفية إسلامية كثيرة كالتي حدثت في القرون الوسطى وإبان تشكيل دولة المسلمين بعد واقعة التحكيم.
ولخصوصية هذه المعركة بين الخليج وإيران وقيامها بالأصل على رؤى عنصرية اختلطت المعايير ودلست الحقائق، مثلما أيقين الخليجيون مؤخرا أن إيران ساهمت في غزو أمريكا للعراق عام 2003 رغم أن قواعد أمريكا وسلاحها الجوي كانا في الخليج، والأموال التي دفعت لأمريكا على شكل صفقات تسليح ورشاوى خرجت أيضا من الخليج، والخطاب الإعلامي التحريضي للغزو كان من إعلاميين ومثقفين خليجيين.
نعم استفادت طهران من الورطة الأمريكية في العراق، لكنها ليست مسئولة عن غزوه ، بل الغزو تم بإرادة عربية صرفة، والإيرانيون أذكياء في استغلال الفرص، فعندما لاحت لهم هزيمة بوش في العراق أطلق نجاد تصريحه الشهير في أغسطس 2007 بأن إيران ستملأ فراغ أمريكا إذا انسحبت من العراق، وهذا كان تدشين رسمي لبذرة الدور الإيراني في المنطقة، وبعد أيام من تصريح اللواء "رحيم صفوي" قائد الحرس الثوري الإيراني بأن أمريكا ستقبل دور إيران في العراق ولبنان مرغمة، وعلى ما يبدو أن تصريح صفوي هذا لم يعجب المرشد والرئيس (في صياغته) فقررا عزل صفوي من الحرس وتعيينه مستشار عسكري للمرشد.
ويتجلى الموقف الخليجي من إيران في اتهامات السعودية والبحرين لطهران بدعم المعارضة الشيعية في البلاد، ولو فردنا الأمر على اتساعه فالسعودية أيضا تدعم حركات المعارضة الإيرانية – مجاهدي خلق عبدالملك ريجي نموذج، وحركات مسلحة أخرى في بلوشستان- أي أن الدور الإيراني في السعودية تطور لشكل من أشكال الصراع والحروب الباردة بين قطبين إقليميين على غرار الصراع الدولي البارد بين أمريكا والسوفييت
أما بقية العرب ففي الشام علاقات جدية وتحالفات إيرانية مع شعوبها ضد إسرائيل، وبالتالي العلاقة أيدلوجية بحتة خاصة بمقاومة الصهيونية الرديفة للاستعمار الغربي، وفي شمال أفريقيا تتصدر تونس والجزائر علاقاتهما المميزة مع طهران، أولا لشيوع قيم اليسار المعارض للاستعمار من ناحية، ولأن هذه الشعوب منفتحة أكبر من نظرائها في الشرق الأوسط وتخاصمها مع الدول دائما يخضع للمصالح وليس للأديان والعقائد.
ثانيا: العلاقة مع تركيا، وهو موقف قائم على رباعية (الجوار الجغرافي –التشابه العرقي والديني- المصلحة المشتركة في سوريا-أيدلوجيا الإسلام) فالأولى تعني اقتصاد وتجارة برية حرة ومكاسب للدولتين، مما يعزز فرص التعاون والاتفاق على ملفات أخرى مصيرية، والثانية: لتنوع كلا المجتمعين مذهبيا بشكل معكوس، أي يمثل السنة في تركيا نسبة تقارب 80% والباقي علويون وغيرهم، نفس الشئ إيران نسبة الشيعة هناك 80% والباقي سنة وغيرهم، والجانب العرقي حاضر أيضا بشكل معكوس، فتركيا مليئة بذوي الأعراق الفارسية والكردية، وإيران مليئة بذوي الأصول التركية والآذرية.
أما الثالثة: فالمصلحة التركية الإيرانية تفرض عليهم وحدة سوريا والحذر من انفصال الأكراد الذي يشجع زملائهم على ضم أراضي الإقليم في كلتا الدولتين، وهي ورقة استعملها بشار الأسد وحلفائه ضد تركيا الذي حاول زعيمها أردوجان حرقها ففشل واستفحل أمر الأكراد، ساهم في ذلك توجه أوباما بتسليح الكورد وبناء دولة مؤيدة للغرب في سوريا، ومع مجئ ترامب كف الرجل عن تسليح الأكراد وتركهم في مواجهة مفتوحة غير متكافئة مع الأتراك، والنتيجة سقوط بعض القرى والمدن الكردية على الحدود السورية الشمالية في أيدي تركيا وحلفائها من مسلحي الجيش الحر السوري..
وأما الرابعة: فالمشترك الأيدلوجي الديني في نموذج الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي، رغم أنه في تركيا ليس واضحا لتبني الأتراك ظاهريا النموذج العلماني، وضمنيا تيار الإخوان المسلمين، وتأكد ذلك في مظاهر التدين الشكلي في الصلوات والصيام والحجاب والتفاعل مع قضايا المسلمين الخارجية.
إنما كل هذا لا يكفي لبناء تحالف إقليمي بين الدولتين، فالتاريخ يحكي صراعا دمويا طويلا جدا بين الشعبين دام لعدة قرون وفي فترات زمنية مختلفة، كالصراع بين البويهيين الفرس والسلاجقة الأتراك ، ثم العثمانيين والصفويين بعد ذلك، إضافة للتوجس التركي العلماني الشعبوي من تحويل تركيا لأصولية سنية على غرار أصولية إيران الشيعية، لذا فعقد تحالف إيراني تركي شامل صعب جدا لعوائق التاريخ والهوية ، وبالتالي فالدور الإيراني في تركيا لا يتخطى حاجز مصلحتي "سوريا والأكراد" إضافة للمصلحة الاقتصادية بالتبادل التجاري بين البلدين حوالي 10 مليار دولار، وبتصدر إيران ضمن شعوب العالم في مؤشر السياحة التركية.
كذلك فحضور إيران لدى العلويين الأتراك ضعيف، ورأيي أنه معدوم رغم حب الإمامية الإيرانيين والعلويين الأتراك لآل البيت، إنما الاختلاف المذهبي حاجز تواصل بين الطرفين، ولانفتاح العلويين على الحضارة أكثر من إمامية إيران، ولممارسة العلوي تدينه بطريقة قومية هووية لا شأن لها بالعبادة، أي أن العلوية في جوهرها تجمع بين الدين والقومية..نلاحظ ذلك في الاختلاف بينهم وبين علويين سوريا، وهذا تأكيد آخر أن الدور الإيراني في تركيا ضعيف لا يُقارن مثلا بدوره في الخليج المشترك مع الأقليات الشيعية هناك في المذهب والأصول العرقية (البحرين نموذج)
ثالثا: العلاقة مع روسيا والصين، وهي تنقسم لشقين، الأول : اقتصادي لموقع إيران الإستراتيجي بين آسيا الوسطى والشرق الأوسط، أي إيران عمليا تمثل مفتاح وممر تجاري لكلا المنطقتين عند الروس والصينيين، أما الثاني: فهو سياسي يتعلق بالشق الأول، فالموقع الجيوسياسي لإيران أعطاها ميزة فريدة رفعت أسهم الدور الإيراني في كلا البلدين في خضم الصراع مع القوى الغربية.
ومن ضمن ملامح هذا الصراع السياسي الذي يحتم على الروس والصينيين التحالف مع إيران هو الحرب على الإرهاب والجماعات التكفيرية، فروسيا تدعي أنها تواجه هذا الإرهاب في القوقاز، بينما الصين تدعي أنها تواجهه في تركستان الشرقية، وهذا له جذور في الفكر الماركسي المعادي للرجعية بشكل عام، إذ يرى أن القوى الإمبريالية ترى في الرجعية أداه لتدمير التقدمية الماركسية، وظهر ذلك في حرب اليمن خلال حقبة الستينات، إذ دعمت أمريكا الإمامة الرجعية، والاتحاد السوفيتي قوى الجمهورية التقدمية..ثم تكرر في أفغانستان وحاليا في سوريا إذ دعمت أمريكا الجماعات الإسلامية الراديكالية ودعمت روسيا والصين ما تصفه ب "تقدمية وعلمانية" الأسد.
وثمة مصلحة اقتصادية هامة جدا للصين أخرى باعتبارها أكبر مستوردي النفط في العالم مع أمريكا، فرفع العقوبات الدولية عن إيران يساهم في زيادة إنتاج النفط وبالتالي انخفاض أسعاره، وبشكل معكوس فالمستفيد من هذه العقوبات دول الخليج التي ترى أن حصار إيران يخفض من معدل الإنتاج وبالتالي يرفع سعر البترول، وبهذه الجزئية يتضح أن الدور الإيراني مع الصين وروسيا يكاد يكون محوري لتنوع المصالح، وربما المصير الواحد المشترك.
وبالنسبة لروسيا فإيران حليف لها ليس فقط في الشرق الأوسط، ولكن في محورين آخرين في القوقاز، هما الموقف من جورجيا، والموقف من أزمة إقليم "ناجورنو كاراباخ" فكلا البلدين يدعمان الحق الأرمني في الإقليم ضد أذربيجان، علاوة على أن إيران تمثل لروسيا سوق سلاح واعد في أنظمة الطيران والدفاع الجوي، ورغم أن إيران عمليا هي منتِج للسلاح لكنها استعاضت بعض أنظمتها الدفاعية القديمة بمنظومات s300 الروسية القادرة على حماية سماء إيران من عدوها الرئيسي إسرائيل وحليفه أمريكا.
وفي الملف السوري أصبح التعاون الروسي الإيراني يرتقي لمصاف الأحلاف والمحاور لأهمية سوريا لكلا البلدين بدوافع مختلفة أسلط الضوء فيها على النقطة التالية.
رابعا: العلاقة مع سوريا ، وهي تتعلق بالمصالح الأيدلوجية للشعبين بصفتهما مؤسسي محور المقاومة ضد إسرائيل، وانهيار أحدهما يُضعِف الآخر بالضرورة، فحكومة الأسد بحاجة لإيران عبر مساعدات تتعلق بالاقتصاد والسلاح والعامل البشري، وقد لبت إيران هذا النداء وأرسلت فرق من الحرس الثوري إلى سوريا، وجندت جماعات شيعية للقتال بجانب الجيش الحكومي وهما "لواء زينبيون الباكستاني" و "لواء فاطميون الأفغاني" إضافة لتأثير إيران في الداخل العراقي بتجنيد كتائب العباس الشيعية العراقية التي أعلنت دخولها الحرب السورية بهدف حماية مقدسات آل البيت.
إنما يبقى السؤال: هل يمكن أن تتطور العلاقة السورية الإيرانية باتفاقية دفاع مشترك؟..والجواب: لا أعتقد ذلك ، فرغم أهمية سوريا بالنسبة لإيران إلا أن قادة طهران حريصين على عدم التورط أكثر في المستنقع السوري، والاكتفاء بجماعات حرب الوكالة وملاعبة إسرائيل بالحرب النفسية وردعها عن إحراز تقدم على الحدود يستغل ضعف الجيش السوري أو انشغاله في مواجهة قوى المعارضة، وقد نجحت إيران في ذلك بشكل كبير، إذ أنها وبعد أكثر من 7 سنوات حرب أهلية في سوريا وبعد تدخلها المباشر منذ 4 سنوات لم تتورط عمليا في الحرب وفضلت اللعب بالموظفين الذين نجحوا نوعا ما في أداء المهمة.
وفي تقديري أن الدفاع المشترك بين البلدين يصبح حماقة تكلفهما الكثير إذا ما فُرِضت حرب خارجية على أحدهما في ظل التربص الأمريكي والخليجي بهما عسكريا وسياسيا واقتصاديا، وأذكر في الحرب العالمية الثانية كيف أن الدفاع المشترك بين ألمانيا وإيطاليا أدى لكارثة حلت للبلدين، وفي نفس الوقت الدفاع المشترك بين تشيكوسلوفاكيا وفرنسا وبريطانيا لم يُفعّل بعد ضم الألمان لأراضي تشيكية..هذا يعني أن مثل هذه الاتفاقيات أحيانا إما تكون ورطة وإما نذالة وأحقاد ملازمة للشعوب على مر قرون، ومؤكد أن قطاع كبير من التشيكيين والسلوفاك ما زالوا يشعرون بالمرارة من الإنجليز والفرنسيين بسبب موقفهما السلبي من قرارات هتلر، بيد أنهما لم يتحركا فعليا سوى بعد الغزو الألماني لبولندا..
إنما يبقى الدور الإيراني في سوريا قوي جدا بالموقف من إسرائيل واتخاذ حكومتي كلا البلدين لمواقف ممانعة ضد القوى الإمبريالية الغربية، إضافة للعامل الديني المذهبي التي تمثل فيه سوريا بؤرة تواجد للشيعة الإمامية ومقدسات لآل البيت.
وأستخلص من ذلك أن الدور الإيراني في سوريا له وجه (مذهبي أيدلوجي) مشترك، ولموقع سوريا كحاضنة شعبية وعمق جغرافي وظهير عسكري لقوات حزب الله في لبنان، هذا وضع كلا البلدين كهدف للأصوليين السنة الذين حاربوا في سوريا بمرجعيات طائفية، واستفادوا من الدعاية الأمريكية الإسرائيلية بخطورة إيران فحوّلوها لفكرة عربية سنية بمنظور مذهبي أيدلوجي ارتفعت وتيرته الآن نتيجة للأزمة الخليجية والموقف من قطر وجماعة الإخوان المسلمين..وهذه قصة أخرى.
خامسا: العلاقة مع أمريكا والغرب، وهذه في جوهرها تتعلق بالموقف من إسرائيل، فتهديدات ترامب المتكررة بانسحابه من الاتفاق النووي أساسها الموقف من إسرائيل كون الاتفاق لم يشمل تنازلات سياسية لإيران في العراق وسوريا واليمن، ووقف دعمها لحزب الله وحركة حماس وبشار الأسد باعتبارهم أعداء لإسرائيل، وهذا سر التناغم الإسرائيلي مع قرارات ترامب أنهم يعتقدون في تل أبيب أن الاتفاق النووي لم يحل معضلة الأمن الصهيونية التي كفلها كل رؤساء أمريكا منذ قيام الدولة في الأربعينيات، بينما أوباما رفض هذا الربط في السابق بين السياسة والنووي لعلمه أن المفاوض الإيراني لن يقبل بذلك كونه حق سياسي للدول.
وما حدث ليلة 10 مايو 2018 بقصف إيراني إسرائيلي متبادل في سوريا يعزز مخاوف إسرائيل من بقاء الاتفاق دون تعديل، في المقابل هو رسالة إيرانية أن الاتفاق بهيئته الحالية الموقع عليه في مجلس الأمن وباركته كل دول العالم يحمي أمن إسرائيل بالأساس، وأن فرصة تهديد هذا الأمن جاءت بعد 48 ساعة من انسحاب ترامب من الاتفاق.
إنما ليس كل الموقف الغربي واحد، فالدول الموقعة على الاتفاق النووي 5+1 يدل أن الاتفاق ليس بين طرفين بل عدة أطراف متنوعي المقاصد والمصالح، ويستحيل جمعهم في موقف واحد إذا ما انهار الاتفاق لأي سبب، ويدل على ذلك أن الأخير الزائد على الخمسة "أمريكا" انسحب فعليا بتاريخ 8 مايو 2018، أما باقي عناصر الاتفاق أدانوا الانسحاب الأمريكي، وهذا يعني أن فرص بقاء الاتفاق أكبر مما توقعه البعض.
الدور الإيراني في الشرق الأوسط هو انعكاس للموقف من تلك القوى الغربية بالأساس، أي يعتقد الإيرانيون في مبادئ ثورتهم أن الواجب يحتم عليهم مقاومة الاستعمار، والمصطلح رديف لأذهان البشر في القرن 19 حتى نهايات القرن العشرين، لكن ما تسبب في بقائه في ذهنية الإيرانيين أن كل عوامل التسلط الإمبريالي في اعتقادهم لم تتوقف، فأمريكا ورثت إمبراطورية الإنجليز، والاتحاد الأوروبي والناتو يشكلان قاعدة خلفية لضمان أمن إسرائيل، بينما إسرائيل تمثل رأس حربة هذا المشروع الاستعماري في الشرق الأوسط بسرقة فلسطين..مما يهدد طموحات قادة الثورة بنشر مبادئها في المنطقة.
وهذا يعني أن موقف الغرب من إيران سياسي وليس ديني أو مذهبي كما هو الحال في الجانبين العربي والتركي، وبالتالي لا مصلحة لديهم في إشعال حروب طائفية في المنطقة تستفيد منها إيران بكسب عواطف الشيعة، إنما يبدو لي أن حجم سيطرة الغرب على مشعلي هذا النوع من الحروب ضعيفة، فالسعودية أراها أكثر عدوانية مع إيران بوصف مرشدها الديني بالهتلرية، ونظامها بالتوسعي في خرق لقواعد النقد الدبلوماسي ، رغم أن السعودية نفسها ترتكب جرائم في اليمن بمفارقة أخلاقية وسياسية باتت عبئا على صناع القرار في الرياض.
وفي ختام هذا الجانب توجد مصالح إستراتيجية بين إيران ومجموعات العمل الأوربية في مقدمتهم ألمانيا ودول البلقان التي تجمعهم مع الفرس روابط قومية وراثية من العرق الآري، فالهجرات الآرية مصنفة تاريخيا بخروجها من قبائل الجرمن إلى الشرق في آسيا الوسطى وصولا إلى الهند، وهذا يفسر التقارب السياسي لإيران مع الصرب والبوسنة والهرسك معا رغم حروبهم الدموية في التسعينات، مما يؤكد بأن الدور الإيراني في هذا المحور ثابت حتى في ظل حصار إيران وعزلتها منذ حرب الثمانينات، باستثناء طبعا أمريكا التي انفصلت وجدانيا وسياسيا واقتصاديا مع طهران منذ اقتحام السفارة الأمريكية في طهران وبيروت بعد الثورة.
أستخلص من هذا العرض أن الدور الإيراني في كل المحاور الخمسة موجود بنسب مختلفة..
فالمحور العربي يتواجد فيه الإيرانيون بنسبة تقديرية حوالي 40% عبر دعاوى متنوعة كالمقاومة والوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب، والحرب على الإرهاب وسيرة آل البيت، أي كلها في الغالب مبادئ أخلاقية مشتركة مع شعوب العرب، ولم يسجل حضور اقتصادي إيراني قوي في هذا المحور سوى في العراق وسوريا والإمارات، أما الجانب التركي فالإيراني حاضر فيه أيضا بقوة وب 4 مصالح كبرى مشتركة بين الشعبين، وبشكل أكبر مع الصين وروسيا، وأكبر وأكبر مع سوريا التي مثلت الآن في العقل الإيراني كبرى التحديات الأيدلوجية والسياسية منذ الثورة الخومينية..وأخيرا يتواجد الإيرانيون في المحور الغربي بأصول ثقافية مشتركة مع شعوب البلقان وألمانيا، واتفاق نووي يرعاه الإتحاد الأوربي، أما أمريكا فقد اختارت طريقها بالصدام مع إيران سياسيا واقتصاديا بانسحابها من الاتفاق النووي والتهديد الموازي له بقصف منشآت طهران النووية.
أنتقل الآن إلى مقدمة هذه الورقة البحثية التي أصنف فيها أولا مواقف الدول والجماعات الدولية من إيران:
أولا: العلاقة مع العرب ، وهي متنوعة لا يمكننا وضعها في سلة واحدة، لأن عرب الخليج بينهم وبين الإيرانيين معارك خاصة جدا لا يشاركهم أحد، فيستعملون ألفاظ عرقية ومذهبية كثيرة كالشيعه والسلفية والنواصب والفرس والصفويين، أكيد مثل هذه المصطلحات لا تهم المصريين وشعوب شمال أفريقيا باعتبارهم غير متأثرين بالجوار الجغرافي لإيران، أو لم يعانوا من قبل من فتن طائفية إسلامية كثيرة كالتي حدثت في القرون الوسطى وإبان تشكيل دولة المسلمين بعد واقعة التحكيم.
ولخصوصية هذه المعركة بين الخليج وإيران وقيامها بالأصل على رؤى عنصرية اختلطت المعايير ودلست الحقائق، مثلما أيقين الخليجيون مؤخرا أن إيران ساهمت في غزو أمريكا للعراق عام 2003 رغم أن قواعد أمريكا وسلاحها الجوي كانا في الخليج، والأموال التي دفعت لأمريكا على شكل صفقات تسليح ورشاوى خرجت أيضا من الخليج، والخطاب الإعلامي التحريضي للغزو كان من إعلاميين ومثقفين خليجيين.
نعم استفادت طهران من الورطة الأمريكية في العراق، لكنها ليست مسئولة عن غزوه ، بل الغزو تم بإرادة عربية صرفة، والإيرانيون أذكياء في استغلال الفرص، فعندما لاحت لهم هزيمة بوش في العراق أطلق نجاد تصريحه الشهير في أغسطس 2007 بأن إيران ستملأ فراغ أمريكا إذا انسحبت من العراق، وهذا كان تدشين رسمي لبذرة الدور الإيراني في المنطقة، وبعد أيام من تصريح اللواء "رحيم صفوي" قائد الحرس الثوري الإيراني بأن أمريكا ستقبل دور إيران في العراق ولبنان مرغمة، وعلى ما يبدو أن تصريح صفوي هذا لم يعجب المرشد والرئيس (في صياغته) فقررا عزل صفوي من الحرس وتعيينه مستشار عسكري للمرشد.
ويتجلى الموقف الخليجي من إيران في اتهامات السعودية والبحرين لطهران بدعم المعارضة الشيعية في البلاد، ولو فردنا الأمر على اتساعه فالسعودية أيضا تدعم حركات المعارضة الإيرانية – مجاهدي خلق عبدالملك ريجي نموذج، وحركات مسلحة أخرى في بلوشستان- أي أن الدور الإيراني في السعودية تطور لشكل من أشكال الصراع والحروب الباردة بين قطبين إقليميين على غرار الصراع الدولي البارد بين أمريكا والسوفييت
أما بقية العرب ففي الشام علاقات جدية وتحالفات إيرانية مع شعوبها ضد إسرائيل، وبالتالي العلاقة أيدلوجية بحتة خاصة بمقاومة الصهيونية الرديفة للاستعمار الغربي، وفي شمال أفريقيا تتصدر تونس والجزائر علاقاتهما المميزة مع طهران، أولا لشيوع قيم اليسار المعارض للاستعمار من ناحية، ولأن هذه الشعوب منفتحة أكبر من نظرائها في الشرق الأوسط وتخاصمها مع الدول دائما يخضع للمصالح وليس للأديان والعقائد.
ثانيا: العلاقة مع تركيا، وهو موقف قائم على رباعية (الجوار الجغرافي –التشابه العرقي والديني- المصلحة المشتركة في سوريا-أيدلوجيا الإسلام) فالأولى تعني اقتصاد وتجارة برية حرة ومكاسب للدولتين، مما يعزز فرص التعاون والاتفاق على ملفات أخرى مصيرية، والثانية: لتنوع كلا المجتمعين مذهبيا بشكل معكوس، أي يمثل السنة في تركيا نسبة تقارب 80% والباقي علويون وغيرهم، نفس الشئ إيران نسبة الشيعة هناك 80% والباقي سنة وغيرهم، والجانب العرقي حاضر أيضا بشكل معكوس، فتركيا مليئة بذوي الأعراق الفارسية والكردية، وإيران مليئة بذوي الأصول التركية والآذرية.
أما الثالثة: فالمصلحة التركية الإيرانية تفرض عليهم وحدة سوريا والحذر من انفصال الأكراد الذي يشجع زملائهم على ضم أراضي الإقليم في كلتا الدولتين، وهي ورقة استعملها بشار الأسد وحلفائه ضد تركيا الذي حاول زعيمها أردوجان حرقها ففشل واستفحل أمر الأكراد، ساهم في ذلك توجه أوباما بتسليح الكورد وبناء دولة مؤيدة للغرب في سوريا، ومع مجئ ترامب كف الرجل عن تسليح الأكراد وتركهم في مواجهة مفتوحة غير متكافئة مع الأتراك، والنتيجة سقوط بعض القرى والمدن الكردية على الحدود السورية الشمالية في أيدي تركيا وحلفائها من مسلحي الجيش الحر السوري..
وأما الرابعة: فالمشترك الأيدلوجي الديني في نموذج الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي، رغم أنه في تركيا ليس واضحا لتبني الأتراك ظاهريا النموذج العلماني، وضمنيا تيار الإخوان المسلمين، وتأكد ذلك في مظاهر التدين الشكلي في الصلوات والصيام والحجاب والتفاعل مع قضايا المسلمين الخارجية.
إنما كل هذا لا يكفي لبناء تحالف إقليمي بين الدولتين، فالتاريخ يحكي صراعا دمويا طويلا جدا بين الشعبين دام لعدة قرون وفي فترات زمنية مختلفة، كالصراع بين البويهيين الفرس والسلاجقة الأتراك ، ثم العثمانيين والصفويين بعد ذلك، إضافة للتوجس التركي العلماني الشعبوي من تحويل تركيا لأصولية سنية على غرار أصولية إيران الشيعية، لذا فعقد تحالف إيراني تركي شامل صعب جدا لعوائق التاريخ والهوية ، وبالتالي فالدور الإيراني في تركيا لا يتخطى حاجز مصلحتي "سوريا والأكراد" إضافة للمصلحة الاقتصادية بالتبادل التجاري بين البلدين حوالي 10 مليار دولار، وبتصدر إيران ضمن شعوب العالم في مؤشر السياحة التركية.
كذلك فحضور إيران لدى العلويين الأتراك ضعيف، ورأيي أنه معدوم رغم حب الإمامية الإيرانيين والعلويين الأتراك لآل البيت، إنما الاختلاف المذهبي حاجز تواصل بين الطرفين، ولانفتاح العلويين على الحضارة أكثر من إمامية إيران، ولممارسة العلوي تدينه بطريقة قومية هووية لا شأن لها بالعبادة، أي أن العلوية في جوهرها تجمع بين الدين والقومية..نلاحظ ذلك في الاختلاف بينهم وبين علويين سوريا، وهذا تأكيد آخر أن الدور الإيراني في تركيا ضعيف لا يُقارن مثلا بدوره في الخليج المشترك مع الأقليات الشيعية هناك في المذهب والأصول العرقية (البحرين نموذج)
ثالثا: العلاقة مع روسيا والصين، وهي تنقسم لشقين، الأول : اقتصادي لموقع إيران الإستراتيجي بين آسيا الوسطى والشرق الأوسط، أي إيران عمليا تمثل مفتاح وممر تجاري لكلا المنطقتين عند الروس والصينيين، أما الثاني: فهو سياسي يتعلق بالشق الأول، فالموقع الجيوسياسي لإيران أعطاها ميزة فريدة رفعت أسهم الدور الإيراني في كلا البلدين في خضم الصراع مع القوى الغربية.
ومن ضمن ملامح هذا الصراع السياسي الذي يحتم على الروس والصينيين التحالف مع إيران هو الحرب على الإرهاب والجماعات التكفيرية، فروسيا تدعي أنها تواجه هذا الإرهاب في القوقاز، بينما الصين تدعي أنها تواجهه في تركستان الشرقية، وهذا له جذور في الفكر الماركسي المعادي للرجعية بشكل عام، إذ يرى أن القوى الإمبريالية ترى في الرجعية أداه لتدمير التقدمية الماركسية، وظهر ذلك في حرب اليمن خلال حقبة الستينات، إذ دعمت أمريكا الإمامة الرجعية، والاتحاد السوفيتي قوى الجمهورية التقدمية..ثم تكرر في أفغانستان وحاليا في سوريا إذ دعمت أمريكا الجماعات الإسلامية الراديكالية ودعمت روسيا والصين ما تصفه ب "تقدمية وعلمانية" الأسد.
وثمة مصلحة اقتصادية هامة جدا للصين أخرى باعتبارها أكبر مستوردي النفط في العالم مع أمريكا، فرفع العقوبات الدولية عن إيران يساهم في زيادة إنتاج النفط وبالتالي انخفاض أسعاره، وبشكل معكوس فالمستفيد من هذه العقوبات دول الخليج التي ترى أن حصار إيران يخفض من معدل الإنتاج وبالتالي يرفع سعر البترول، وبهذه الجزئية يتضح أن الدور الإيراني مع الصين وروسيا يكاد يكون محوري لتنوع المصالح، وربما المصير الواحد المشترك.
وبالنسبة لروسيا فإيران حليف لها ليس فقط في الشرق الأوسط، ولكن في محورين آخرين في القوقاز، هما الموقف من جورجيا، والموقف من أزمة إقليم "ناجورنو كاراباخ" فكلا البلدين يدعمان الحق الأرمني في الإقليم ضد أذربيجان، علاوة على أن إيران تمثل لروسيا سوق سلاح واعد في أنظمة الطيران والدفاع الجوي، ورغم أن إيران عمليا هي منتِج للسلاح لكنها استعاضت بعض أنظمتها الدفاعية القديمة بمنظومات s300 الروسية القادرة على حماية سماء إيران من عدوها الرئيسي إسرائيل وحليفه أمريكا.
وفي الملف السوري أصبح التعاون الروسي الإيراني يرتقي لمصاف الأحلاف والمحاور لأهمية سوريا لكلا البلدين بدوافع مختلفة أسلط الضوء فيها على النقطة التالية.
رابعا: العلاقة مع سوريا ، وهي تتعلق بالمصالح الأيدلوجية للشعبين بصفتهما مؤسسي محور المقاومة ضد إسرائيل، وانهيار أحدهما يُضعِف الآخر بالضرورة، فحكومة الأسد بحاجة لإيران عبر مساعدات تتعلق بالاقتصاد والسلاح والعامل البشري، وقد لبت إيران هذا النداء وأرسلت فرق من الحرس الثوري إلى سوريا، وجندت جماعات شيعية للقتال بجانب الجيش الحكومي وهما "لواء زينبيون الباكستاني" و "لواء فاطميون الأفغاني" إضافة لتأثير إيران في الداخل العراقي بتجنيد كتائب العباس الشيعية العراقية التي أعلنت دخولها الحرب السورية بهدف حماية مقدسات آل البيت.
إنما يبقى السؤال: هل يمكن أن تتطور العلاقة السورية الإيرانية باتفاقية دفاع مشترك؟..والجواب: لا أعتقد ذلك ، فرغم أهمية سوريا بالنسبة لإيران إلا أن قادة طهران حريصين على عدم التورط أكثر في المستنقع السوري، والاكتفاء بجماعات حرب الوكالة وملاعبة إسرائيل بالحرب النفسية وردعها عن إحراز تقدم على الحدود يستغل ضعف الجيش السوري أو انشغاله في مواجهة قوى المعارضة، وقد نجحت إيران في ذلك بشكل كبير، إذ أنها وبعد أكثر من 7 سنوات حرب أهلية في سوريا وبعد تدخلها المباشر منذ 4 سنوات لم تتورط عمليا في الحرب وفضلت اللعب بالموظفين الذين نجحوا نوعا ما في أداء المهمة.
وفي تقديري أن الدفاع المشترك بين البلدين يصبح حماقة تكلفهما الكثير إذا ما فُرِضت حرب خارجية على أحدهما في ظل التربص الأمريكي والخليجي بهما عسكريا وسياسيا واقتصاديا، وأذكر في الحرب العالمية الثانية كيف أن الدفاع المشترك بين ألمانيا وإيطاليا أدى لكارثة حلت للبلدين، وفي نفس الوقت الدفاع المشترك بين تشيكوسلوفاكيا وفرنسا وبريطانيا لم يُفعّل بعد ضم الألمان لأراضي تشيكية..هذا يعني أن مثل هذه الاتفاقيات أحيانا إما تكون ورطة وإما نذالة وأحقاد ملازمة للشعوب على مر قرون، ومؤكد أن قطاع كبير من التشيكيين والسلوفاك ما زالوا يشعرون بالمرارة من الإنجليز والفرنسيين بسبب موقفهما السلبي من قرارات هتلر، بيد أنهما لم يتحركا فعليا سوى بعد الغزو الألماني لبولندا..
إنما يبقى الدور الإيراني في سوريا قوي جدا بالموقف من إسرائيل واتخاذ حكومتي كلا البلدين لمواقف ممانعة ضد القوى الإمبريالية الغربية، إضافة للعامل الديني المذهبي التي تمثل فيه سوريا بؤرة تواجد للشيعة الإمامية ومقدسات لآل البيت.
وأستخلص من ذلك أن الدور الإيراني في سوريا له وجه (مذهبي أيدلوجي) مشترك، ولموقع سوريا كحاضنة شعبية وعمق جغرافي وظهير عسكري لقوات حزب الله في لبنان، هذا وضع كلا البلدين كهدف للأصوليين السنة الذين حاربوا في سوريا بمرجعيات طائفية، واستفادوا من الدعاية الأمريكية الإسرائيلية بخطورة إيران فحوّلوها لفكرة عربية سنية بمنظور مذهبي أيدلوجي ارتفعت وتيرته الآن نتيجة للأزمة الخليجية والموقف من قطر وجماعة الإخوان المسلمين..وهذه قصة أخرى.
خامسا: العلاقة مع أمريكا والغرب، وهذه في جوهرها تتعلق بالموقف من إسرائيل، فتهديدات ترامب المتكررة بانسحابه من الاتفاق النووي أساسها الموقف من إسرائيل كون الاتفاق لم يشمل تنازلات سياسية لإيران في العراق وسوريا واليمن، ووقف دعمها لحزب الله وحركة حماس وبشار الأسد باعتبارهم أعداء لإسرائيل، وهذا سر التناغم الإسرائيلي مع قرارات ترامب أنهم يعتقدون في تل أبيب أن الاتفاق النووي لم يحل معضلة الأمن الصهيونية التي كفلها كل رؤساء أمريكا منذ قيام الدولة في الأربعينيات، بينما أوباما رفض هذا الربط في السابق بين السياسة والنووي لعلمه أن المفاوض الإيراني لن يقبل بذلك كونه حق سياسي للدول.
وما حدث ليلة 10 مايو 2018 بقصف إيراني إسرائيلي متبادل في سوريا يعزز مخاوف إسرائيل من بقاء الاتفاق دون تعديل، في المقابل هو رسالة إيرانية أن الاتفاق بهيئته الحالية الموقع عليه في مجلس الأمن وباركته كل دول العالم يحمي أمن إسرائيل بالأساس، وأن فرصة تهديد هذا الأمن جاءت بعد 48 ساعة من انسحاب ترامب من الاتفاق.
إنما ليس كل الموقف الغربي واحد، فالدول الموقعة على الاتفاق النووي 5+1 يدل أن الاتفاق ليس بين طرفين بل عدة أطراف متنوعي المقاصد والمصالح، ويستحيل جمعهم في موقف واحد إذا ما انهار الاتفاق لأي سبب، ويدل على ذلك أن الأخير الزائد على الخمسة "أمريكا" انسحب فعليا بتاريخ 8 مايو 2018، أما باقي عناصر الاتفاق أدانوا الانسحاب الأمريكي، وهذا يعني أن فرص بقاء الاتفاق أكبر مما توقعه البعض.
الدور الإيراني في الشرق الأوسط هو انعكاس للموقف من تلك القوى الغربية بالأساس، أي يعتقد الإيرانيون في مبادئ ثورتهم أن الواجب يحتم عليهم مقاومة الاستعمار، والمصطلح رديف لأذهان البشر في القرن 19 حتى نهايات القرن العشرين، لكن ما تسبب في بقائه في ذهنية الإيرانيين أن كل عوامل التسلط الإمبريالي في اعتقادهم لم تتوقف، فأمريكا ورثت إمبراطورية الإنجليز، والاتحاد الأوروبي والناتو يشكلان قاعدة خلفية لضمان أمن إسرائيل، بينما إسرائيل تمثل رأس حربة هذا المشروع الاستعماري في الشرق الأوسط بسرقة فلسطين..مما يهدد طموحات قادة الثورة بنشر مبادئها في المنطقة.
وهذا يعني أن موقف الغرب من إيران سياسي وليس ديني أو مذهبي كما هو الحال في الجانبين العربي والتركي، وبالتالي لا مصلحة لديهم في إشعال حروب طائفية في المنطقة تستفيد منها إيران بكسب عواطف الشيعة، إنما يبدو لي أن حجم سيطرة الغرب على مشعلي هذا النوع من الحروب ضعيفة، فالسعودية أراها أكثر عدوانية مع إيران بوصف مرشدها الديني بالهتلرية، ونظامها بالتوسعي في خرق لقواعد النقد الدبلوماسي ، رغم أن السعودية نفسها ترتكب جرائم في اليمن بمفارقة أخلاقية وسياسية باتت عبئا على صناع القرار في الرياض.
وفي ختام هذا الجانب توجد مصالح إستراتيجية بين إيران ومجموعات العمل الأوربية في مقدمتهم ألمانيا ودول البلقان التي تجمعهم مع الفرس روابط قومية وراثية من العرق الآري، فالهجرات الآرية مصنفة تاريخيا بخروجها من قبائل الجرمن إلى الشرق في آسيا الوسطى وصولا إلى الهند، وهذا يفسر التقارب السياسي لإيران مع الصرب والبوسنة والهرسك معا رغم حروبهم الدموية في التسعينات، مما يؤكد بأن الدور الإيراني في هذا المحور ثابت حتى في ظل حصار إيران وعزلتها منذ حرب الثمانينات، باستثناء طبعا أمريكا التي انفصلت وجدانيا وسياسيا واقتصاديا مع طهران منذ اقتحام السفارة الأمريكية في طهران وبيروت بعد الثورة.
أستخلص من هذا العرض أن الدور الإيراني في كل المحاور الخمسة موجود بنسب مختلفة..
فالمحور العربي يتواجد فيه الإيرانيون بنسبة تقديرية حوالي 40% عبر دعاوى متنوعة كالمقاومة والوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب، والحرب على الإرهاب وسيرة آل البيت، أي كلها في الغالب مبادئ أخلاقية مشتركة مع شعوب العرب، ولم يسجل حضور اقتصادي إيراني قوي في هذا المحور سوى في العراق وسوريا والإمارات، أما الجانب التركي فالإيراني حاضر فيه أيضا بقوة وب 4 مصالح كبرى مشتركة بين الشعبين، وبشكل أكبر مع الصين وروسيا، وأكبر وأكبر مع سوريا التي مثلت الآن في العقل الإيراني كبرى التحديات الأيدلوجية والسياسية منذ الثورة الخومينية..وأخيرا يتواجد الإيرانيون في المحور الغربي بأصول ثقافية مشتركة مع شعوب البلقان وألمانيا، واتفاق نووي يرعاه الإتحاد الأوربي، أما أمريكا فقد اختارت طريقها بالصدام مع إيران سياسيا واقتصاديا بانسحابها من الاتفاق النووي والتهديد الموازي له بقصف منشآت طهران النووية.
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
رد: الدور الإيراني في الشرق الأوسط
الفصل الثاني: أدوات وأسلحة الدور الإيراني في الشرق الأوسط
وهي عبارة عن قوى وأوراق وأدوات مؤثرة ومتنوعة ما بين السياسة والاقتصاد والدين والمذهب والأيدلوجيا تخدم توجه إيران في المنطقة، وتقديري أنها تنقسم إلى قوى مباشرة وأخرى غير مباشرة.
أولا: القوى المباشرة
1- حزب الله اللبناني، وهو القوة الأكبر في لبنان الآن جماهيريا وعسكريا ، وتنبع قوته من نفس مكامن القوة الإيرانية بمبادئ المقاومة وتحرير الأرض ومعاداة الاستعمار، ومؤخرا نجح في الانتخابات البرلمانية اللبنانية بكسر عوائق المحاصصة عبر تحالفه مع قوى سنية في الشمال والوسط اللبناني المعروف بمركزيته للطائفتين المسيحية والسنية، وأعتقد هذا النجاح هو انعكاس لدعاية الحزب وجهوده في صد خطر الدواعش على لبنان في عرسال والقلمون والقصير، هذا جذب له مزيد من المتعاطفين كان متوقعا أن يفوز في أول انتخابات وقد حدث.
نشأ الحزب عام 1982 بجهود لمرجعيات شيعية لبنانية متأثرة بالثورة الإيرانية ك "محمد حسين فضل الله" وكرد فعل على تهديد مجتمع الجنوب اللبناني الشيعي إبان الغزو الإسرائيلي له في بداية الثمانينات، وعلاقة الحزب بإيران ليست فقط أيدلوجية خاصة بالمقاومة والثورة بل هناك عامل إثني مشترك وهو المذهب الإمامي الإثنى عشري، وفقهي بولاية الفقيه ، وقيام الحزب على مبادئ إيرانية رفعتها الثورة كالتقريب بين المذاهب والوحدة الإسلامية..وهو ما سنناقشه في الفصل الأخير.
أعتبر أن حزب الله هو القوة الأعظم للدور الإيراني في الشرق الأوسط ، ففوق تمدده بشعارات المذهب والمقاومة والتحرير..هو أيضا له علاقات طيبة مع بعض الحكومات العربية بمعزل عن علاقة تلك الحكومات بلبنان، ومن هؤلاء تونس والجزائر، بل لديه تنسيق مع روسيا منفصل عن علاقته بالدولة اللبنانية ضمن فصول الحرب السورية، إنما الاختلاف في التعاطي مع هذا الدور، فدوافع الإسرائيليين من الحزب متعلقة بقوته العسكرية في الجنوب اللبناني التي يراها الإسرائيليون تهديدا لسكانهم في الشمال، أما دوافع الخليجيين فهي غريبة لدي كقارئ، لأنه لا مصلحة جغرافية أو وجودية تهدد كلا الطرفين، فلا حزب الله يعلن عداءه لدول خليجية، ولا بينهما جوار جغرافي .
أستطيع تفسير هذا الموقف الخليجي من الحزب أنه أيدلوجي مزدوج يجمع بين ثناياه عوامل (الطائفة والثورة) فالأول عدائي مشهور بين شعوب الخليج السلفية الحنبلية، وبين الحزب الإمامي الشيعي، وبينهما عداء تاريخي وفكري معروف، أما الثورة فلتعلق مبادئ الحزب بالثورة الإيرانية المهددة لعروش دول الخليج بالخصوص، لقيام فكرة الثورة الإيرانية على ضرب الملكيات والأنظمة المستبدة وتحويلها لنُظُم ديمقراطية شعبية ولائها الكامل لمصالحها بعيدا عن قوى الاستعمار، وقد تبنى الحزب هذا المبدأ وكثيرا ما يرفعه وينادي به زعيمه دون مواجهة مباشرة مع دول بعينها.
ويمكن استثناء موقف الحزب من السعودية بوصفه موقفا عدائيا وحيدا يتعلق فقط بالحرب اليمنية، إنما حسن نصر الله يحرص دائما في خطاباته على تقديم صورة متسامحة ومعتدلة تعالج طبيعته المذهبية، وفي نفس الوقت بتقديم صورة الثائر على الظلم لعلاج تبعيته لإيران، فالثائر على الظلم في الأخير لا يميز لو حدث ذلك في بيته، بينما الحزب تورط في صراعات أهلية لبنانية وإقليمية شككت في نزاهة موقفه المدافع عن المظلومين، وعلى كلٍ فقد حرص قائد الحزب على امتصاص غضبة خصومه بنداءات أخلاقية، سواء التي ينادي بها في اليمن دون تمييز بين حكومة هادي والحوثيين ويركز فقط على خصومته للجيش السعودي ، أو بين فرضياته ونظرياته لتفسير أزمة الحريري الأخيرة المعروفة باختطاف ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" له في الرياض وإجباره على الاستقالة بإعلان خطاب عدائي لحزب الله وإيران.
وقد عالج الرئيس الفرنسي "ماكرون" هذا الحدث بإرجاع الحريري إلى بيروت عبر محطة قصيرة له في باريس، ثم عدل الحريري عن استقالته وتغيير مضمون خطابه العدائي لحزب الله بنسبة كبيرة، وقد أسهمت هذه الأزمة في إضعاف الحريري داخليا حتى أثرت عليه في الانتخابات، وظني أن تيار 14 آذار خسر الانتخابات لحدثين اثنين، الأول: هذه الحادثة السعودية بامتياز، الثاني: تقاعس التيار عن بناء رؤية واقعية وفلسفة إعلامية وسياسية حول موقفهم من داعش والقاعدة على الحدود، وفرغت الساحة تماما لعناصر وإعلام المقاومة حتى انتشر نفوذها داخل معاقل تيار الحريري.
وأخيرا: يوجد عامل مهم جدا في قوة الحزب والدور الإيراني بالعموم ألخصه في شخصية الأمين العام الثالث للحزب "حسن نصر الله" هذا الرجل قوة فريدة تجمع بين الثقافة والخطابة والفقه الديني بكوكتيل يختصر مفهوم القائد في الثورة الإيرانية، فالقائد يجب أن يكون مثقف وفقيه مطلع في الدين، ولديه حس سياسي وقوة شخصية لينجح في السيطرة والتواصل الدبلوماسي، وهذا متوفر في حسن نصر الله، فالرجل نتيجة لعزلته عن العالم الخارجي –خشية اغتياله – يبدو أنه يتفرغ فيها للقراءة والاطلاع والاستنارة الداخلية فحسب، ثم يفرغ طاقات هذا العلم والتنوير الداخلي له في خطاباته المتلفزة الحماسية ، فيُكسِب جمهوره ومستمعيه ثقافة وتعاطفا غير عادي..ثم تُوظّف تلك المكتسبات لخدمة الدور الإيراني في الأخير.
2- حركة حماس، وهي فرع الإخوان المسلمين في فلسطين تشكلت عام 1987 بجهود علماء وزعماء فلسطينيون تأثروا أولا: بالانتفاضة الفلسطينية عام 86 ، وثانيا: بالحرب الأهلية اللبنانية في الثمانينات، وثالثا: بقيم الثورة الدينية الإيرانية عام 79، وساهم تاريخ زعيمها الشيخ " أحمد ياسين" في تشويه الحركة خصوصا مع مصر لتاريخه السئ ضد عبدالناصر، ولأنه كان من ضمن المفرج عنهم بعد نكسة 67 فشاع من وقتها في مصر أن حركة حماس عميلة لإسرائيل في الحقيقة، وأن مقاومتها للصهاينة كذب..
أعتبر أن حماس - ورغم تأثرها بثورة الخوميني- هي أضعف حلقات الدور الإيراني في المنطقة، أولا: لطبيعتها السنية السلفية الإخوانية، جعلها أقرب لروح الشارع العربي وغالبية متديني المسلمين، وهذا مختلف عن التدين الإيراني بما يعني خطابا حمساويا يختلف في جوهره عن خطاب المراجع الشيعية ، لكن ليس بالمطلق..فوارد أن يتحول هذا الضعف إلى قوة باعتبار سنية حماس المطلوبة لخطاب شعوب العرب السنية، وأن الهدف الإيراني المطلوب بالثورة والمقاومة لا يتطلب بالضرورة أن يحدث من الشيعة، وبالتالي تتوحد قضايا المسلمين، لذا أعتبر أن هذه الحلقة الضعيفة في سلسلة إيران ليست إلا حصان طروادة اخترقت به إيران مجتمعات العرب السنية بإثبات عدم طائفية السياسة الإيرانية.
ثانيا: لتركزها في قطاع جغرافي ضيق جدا يعاني من مشاكل في الاقتصاد والسياسة والبنية الاجتماعية..وأثر ذلك على نفوذها السياسي خارج فلسطين بالعموم، وأسباب ضعفها هذه انعكست على موقفها من الثورة السورية فتعاطفت معها بحكم تدينها السلفي السني، ولسيطرة جناح حركة فتح عليها بحكم الدعم المالي الخارجي من الأمم المتحدة والمانحين الأمريكيين والخليجيين المقدم للحكومة الشرعية المعترف بها في رام الله، وهذا أثر كثيرا على مواقف الحركة حين ضعفت أكثر من مرة وخضعت للابتزاز فيما يتعلق بقضايا المصالحة الداخلية والمعابر مع مصر وإسرائيل ، ثم طبيعة مساعدات الأنروا في قطاع غزة.
إنما تبقى قوة حماس الأساسية أنها حركة أيدلوجية مقاومة ثورية في الأخير، يعني مبادئها عابرة للحدود، لذلك وارد أن تجد متعاطفين معها بعيدا عن الدور الإيراني الذي تمثله.
3- سوريا، والمقصود هو نظام الرئيس "بشار الأسد" واعتمدت اسم الدولة لتحقق تأييد مؤسساتها لقيم الثورة الإيرانية التي هي نفس قيم حزب البعث العروبي، وفي الفصل السابق عرضنا طبيعة العلاقة بين الدولتين بما يخدم الدور الإيراني، وأن محور تلك الطبيعة هو المشترك القيمي لكلتا الدولتين في مقاومة الاستعمار وأهداف تحرير فلسطين، صحيح هذا المشترك يعد من مخلفات عصر القومية لذلك تجد الدولتين معاناه في الاندماج والتعايش مع المجتمع الدولي المعاصر..إنما قيمة التحرير ومقاومة الظالم هي صفة أخلاقية ملازمة للإنسان، لذلك حتى مع عزلة سوريا عن المجتمع الدولي لكنها ما زالت حالة أخلاقية مهمة جدا جذبت لها العديد من المتعاطفين.
سوريا هي سلاح مباشر لإيران ذو طبيعة مختلفة عن كل أسلحتها الأخرى، وهو أنه يعبر عن دولة بمؤسساتها السيادية والقانونية وانخراطها في تجمعات إقليمية ودولية، وهذا غير متحقق مثلا في كل الأسلحة الأخرى –حماس وحزب الله- وبالتالي طبيعة هذا السلاح ما دامت مختلفة تأثيره أكيد سيكون مختلف بحيث يضفي على سياسات إيران في المنطقة صبغة تشريعية وقانونية دولية، وتجلى ذلك في دخول الحرس الثوري الإيراني سوريا لمواجهة داعش والقاعدة، الشكل أنه يحارب لرغبة الحكومة الشرعية السورية في المساعدة..وهذا قانوني، بينما الجوهر هو المصلحة الإيرانية بعدم تمدد التكفيريين، وتواجد إيران بالقرب من حدود إسرائيل مباشرة..وهي فرصة لم يكن يحلم بها أكثر المتشائمين منذ 10 سنوات أن تصل إيران بقواتها لهضبة الجولان، وتطلق صواريخ على إسرائيل قصيرة المدى تكسر فيها منظومة الأمن الصهيوني.
إنما لطبيعة كلتا الدولتين – هذه إسلامية وهذه علمانية- يظل السلاح السوري في يد الإيرانيين محدود الأثر والقيمة إذا ما أراد الإيرانيون نشر أصوليتهم الشيعية، فالمجتمع السوري من أكثر مجتمعات العرب انفتاحا وتنوعا دينيا ولغويا، وهو انعكاس لنهضة فكرية حدثت في القرن العشرين ضمت بلاد "مصر ولبنان وسوريا والعراق" كأمثال السوريين العلمانيين جورج طرابيشي وصادق العظم وأنطون مقدسي وقسطنطين زريق وبرهان غليون والشاعر أدونيس ..وغيرهم..وفي مجال النقد الديني محمد شحرور وعدنان الرفاعي ..وغيرهم.
ويخطئ أكثرية العرب في الربط بين مذهب عائلة بشار الأسد (العلوية) وبين تحالفه مع إيران باعتبار أنه تحالف شيعي بين العلوية والإمامية..وهذا غير صحيح، فعلمانية الأسد تعني أنه لا يفكر بمذاهب ولا صلة بين دين عائلته وبين سياساته في سوريا، وكثيرا ما كنت أعتقد دعاوى المعارضين في ذلك ووصفها بالكاذبة التي ستؤدي بالتبعية لقراءات خاطئة، وقد حدث.
فنتيجة لهذا الحكم الكاذب جند المتطرفون مئات الآلاف من المسلحين الأجانب الذين غزوا سوريا بدعاوى الجهاد ضد الشيعة، بينما الواقع كان يقول أن جيش الأسد ذو أغلبية سنية ووزير دفاعه سني المذهب، وقياداته العليا (سنية – علوية –مسيحية) بالترتيب الكمي، وهذا يعني أن الغزوة الجهادية لم تجد حواضن شعبية بما يكفي لإزاحة الأسد ، ولعجز الطرفين على الحسم اشتعلت حرب أهلية لمدة 7 سنوات حتى الآن خدمت الدور الإيراني وأعطت له سوريا على طبق من ذهب، ولو فكر المعارضون في تبعات ومآلات تسليح ثورتهم بمرجعيات طائفية وأثر ذلك على خدمة إيران لتغيرت أشياء.
4- العراق، ورغم أنه سلاح ظاهريا يمثل دولة لكنه مختلف عن سوريا لعوامل منها وجود قواعد شعبية عراقية (شيعية) معارضة لإيران، ومتأثرة بحرب الثمانينات القومية- التيار الصدري نموذج – ولخلاف المرجعيات الفقهي بين قم والنجف لا نستطيع القول أن دين إيران والعراق واحد، إنما متطابق كليا في عدة ملفات منها "حب آل البيت –الموقف من الصحابة ..خصوصا معاوية- الإمامة السياسية" إنما الملف الأخير هذا لا يشكل بالنسبة للعراقيين واقع تنفيذي كونه أحد متطلبات عصر المهدي، بينما الإيرانيون نفذوه بنظريتهم الفقهية الشهيرة "ولاية الفقيه"
إذن يوجد تباين ديني بين إيران والعراق يجعل مسألة تبعية العراق لإيران محل نظر، صحيح يوجد تعاطف واعتراف بالجميل على مستوى القادة والشعب لدور إيران في الحرب ضد داعش..إنما يصدق فيهم المَثَل المصري "اللي في القلب في القلب" حتى تطفو خلافاتهم على السطح مثلما يحدث الآن في الانتخابات النيابية العراقية، فالكتل الشيعية مختلفة الجذور والأهداف اختلفت أصلا حول طبيعة الدور الإيراني في بلدهم، فانقسموا بين مؤيد لسياسات إيران الخارجية باعتبار أن مصلحة البلدين واحدة ومن هؤلاء أنصار المالكي وحزب الدعوة والحشد الشعبي وبعض المستقلين، وبين من يرى أن مصلحة العراق مقدمة على مصلحة إيران بضرورة عدم تدخل العراق في مشكلات الشرق الأوسط الحالية..ومن هؤلاء تيار رئيس الوزراء الحالي "حيدر العبادي" وطبيعي أن يوافق رأيه هذا هوى الصدريين.
إنما رأيي أن الشعب العراقي في غالبيته العظمى متعاطف ومؤيد لسياسات إيران، لم أعقد إحصائية لذلك إنما هو استنتاج شخصي من متابعة قنواتهم وصفحاتهم الكبرى على السوشال ميديا، إضافة لطبيعة خلاف الأنداد حول الدور الإيراني في العراق، جميعهم يتفقون على جَميل إيران وصدق نواياها في مساعدتهم لتحرير بلدهم من داعش، إنما مختلفون حول السؤال الجوهري: ماذا لو تعارضت مصالح كلا البلدين؟
ولأن الخلاف وصل لقاعدة يتفقون فيها على نزاهة دور إيران في العراق أصبحت سياسة العبادي الخارجية على الأقل لا تقف ضد مصلحة إيران وتنأى بنفسها عن العراك الحالي بين الخليج وإيران، أولا لكسب ود غالبية الشعب العراقي المتعاطف مع طهران، ثانيا كي لا يُغضِب خصوم إيران المهمين وما يمثلوه من مرجعيات دينية كالتيار الصدري، وهذه الواقع رغم وضوحه لكن يظل ملتبس ولا يجيب عن سؤال جوهري: ماذا لو قامت حرب دينية في المنطقة أحد أطرافها إيران..ألا يؤثر ذلك على المجتمع العراقي الشيعي؟..ورأيي أن أي جواب على هذا السؤال سيمثل معضلة للساسة العراقيين وطبيعة ولاءاتهم والتزاماتهم خصوصا تجاه الغرب الذي ساعدهم أيضا بقوات عسكرية ومعدات في إطار تحرير بلدهم من داعش.
وباختصار: فالعراق تعد سلاح لإيران بالفعل..إنما سلاح شعبي وإعلامي ومعنوي، وموقف سياسي رافض للتعرض لها وتهديد أمنها، أما أن تنضم العراق كحليف عسكري لإيران ضد قوى إقليمية ودولية..هذا مستبعد للأسباب المذكورة عاليه.
5- قطر..وهذا سلاح إيراني مهم جدا ليس لأن قطر دولة غنية ومستقرة، بل لأنها عضو في مجلس التعاون الخليجي، وإعلامها قرر بعد الأزمة الخليجية في يونيو 2017 الوقوف على الحياد في إطار الصراع بين إيران والمملكة بعدما ظل سنوات منحازا بعد 2011 لأسباب تتعلق بالوضع في سوريا.
وطبيعة دور قطر كسلاح ليس في ما يهدد مجلس التعاون، ولكن في ما يهدد إيران، موقف قطر السياسي ضد تهديد إيران والخليج معا لرؤيتهم بوحدة المصالح والدين، وكرر الأمير تميم هذا الكلام أكثر من مرة أنهم ليسوا في حلف ضد إيران، واعتبر دولته خارج مقررات مؤتمر الرياض الشهير الذي جمع الرئيس الأمريكي"ترامب" بزعماء وقادة الدول الإسلامية والعربية لتشكيل جبهة سياسية وعسكرية ضد إيران، رأت قطر أن هذه الجبهة لا معنى لها وتضر مجلس التعاون بالأساس.
إنما تبقى قطر مختلفة عن إيران في جوانب عدة (كاللغة والمذهب) إنما متفقين في خصومتهم للمملكة السعودية وفي المصالح الاقتصادية المشتركة في حقول الغاز المائية، وهذا في رأيي هو الملف الذي يجعل من قطر سلاح إيراني عند اللزوم، أولا: لوحدة المصالح الاقتصادية، ثانيا: لوحدة الموقف من آل سعود ..خصوصا قيادة الملك سلمان، ولن أفصل كثيرا في دور قطر ضمن محور إيران ..لكن سأكتفي بالإشارة أن قيادة قطر لها تاريخ في الخلاف مع عائلتي آل نهيان الإماراتية وآل سعود في المملكة تعود جذوره لانقلاب الأمير "حمد بن خليفة" على أبيه في التسعينات، وانتهاج الإمارة توجها مستقلا بعيدا عن توجيهات وأوامر مصر والسعودية.
ولأن قطر كما هي سلاح إيراني معنوي وإعلامي الآن هي أيضا حليف تركي عسكري باتفاقية دفاع مشترك، ليكتمل الثلاثي "قطر –إيران –تركيا" بحضور عسكري وسياسي على الضفة الشرقية لشبه الجزيرة العربية، ولست في وارد تحليل الأزمة الخليجية ولكن استعراض دور قطر كسلاح إيراني فقط في الخليج بإيجاز غير مخل.
6- سلطنة عُمان، وهذه ليست سلاح بالمعنى الجوهري بل لأنها خارج أي صراعات في المنطقة، ووضعتها هنا كسلاح لطبيعة الاستقطاب في الحروب، فالسلطنة ترى في إيران جار شقيق بمصالح مشتركة دينية واقتصادية وعسكرية وقومية، رغم أن السلطنة ترى في السعودية نفس الشئ، إنما الاستقطاب في الحروب يجعل من عُمان وخطابها السياسي وإعلامها ونفوذها القبائلي في ساحل عُمان مصدر أمان بالنسبة للإيرانيين، لذلك فهي سلاح نعم...لكن بمعنى (درع)
7- الحوثيون في اليمن، وهذا أشهر سلاح إيراني الآن في الشرق الأوسط لتعلقه بحرب اليمن منذ 3 سنوات، ورغم الفوارق المذهبية –الحوثي زيدي وإيران إمامية- لكن متحدين لدوافع أيدلوجية كالتي جمعت الإيرانيين بحزب الله، أي مقاومة الصهيونية والاستعمار وتحرير الأراضي من الدول الأجنبية الغازية، وحقيقة عندما أبحث في طبيعة الحوثي أجد جانبا قوميا أكثر مما هو جانب ديني، فشعارهم الشهير "الموت لأمريكا ..الموت لإسرائيل..اللعنة على اليهود..النصر للإسلام" هو شعار مزيج بين الروح القومية والدينية، ولطبيعتهم القبلية في اليمن أضافوا لهذا الشعار معنىً قبائليا محليا أكسبهم قوة وقدرة على التواصل والإقناع.
إنما تثار دائما علامات استفهام وتشكيك في دورهم كسلاح إيراني، فحتى الآن ورغم مرور 3 سنوات من الحرب لم يدخل جندي إيراني واحد تلك المعركة كما دخلوها في سوريا والعراق..وبالسلاح في لبنان وغزة، ولم تتدخل إيران بثقلها الدولي في فضح جرائم العدوان بالطيران بعد، حتى الاتهامات بإرسالهم صواريخ للحوثي مشكوك فيها، ودائما هي مسار دعاية سعودية أمريكية لزوم الحشد..لكن عند التعيين فقد صرحت إدارة أوباما في عام 2016 أنه لا دليل لديه بدعم إيران للحوثي عسكريا، ولتصريح مسئولين روس أن صواريخ الحوثي هي صواريخ روسية قديمة معدلة، ورأيي أن الموضوع مُشكَل، فحجم التسليح للحوثي كبير يشي في النفس بمساعدات إقليمية أو دولية، لكن في نفس الوقت برجوع ذاكرتنا للوراء سنرى أن نظام علي عبدالله صالح كان مهتم بتسليح جيشه خصوصا من روسيا وكوريا الشمالية، أي الصواريخ الحالية ربما تكون بقايا للترسانة الضخمة القديمة.
إنما لوحدة الأيدلوجيا بين الطرفين وخصومتهم لآل سعود ولاشتراكهم في عاطفة حب آل البيت أرى أن علاقتهم تخطت حاجز الصداقة إلى التحالف في القضايا المصيرية، بمعنى وجود عاطفة مشتركة بينهما كافية للتواصل ووحدة الخطاب، وهذا ما أشكل على بعض المتابعين حتى اعتقدوا أنهم واحد، وعن الصواريخ فلي رأي وسط في ذلك أن برامج الصواريخ التكنولوجية يسهل نقلها من بلد لآخر، فقد تكون تلك الصواريخ هي ثمرة برنامج إيراني بالأساس، وسبل الاتصال الآن متوفرة دون انتقال من مكان إلى مكان، يعني ليس بالضرورة أن يحضر مستشار عسكري أو خبير صواريخ وأسلحة إيراني إلى اليمن، بل يمكنه نقل تلك الخبرات لهم وشرحها عبر الإنترنت، وهذا الأسلوب أعتقده كان أحد أساليب الجماعات السورية والعراقية في التسليح وامتلاك تكنولوجيا الدفاع.
8- شيعة البحرين، وهم يمثلون غالبية الشعب البحراني وصدامهم مع الحكومة بدأ مع ثورات الربيع العربي عام 2011 بمطالب عدة منها وقف التجنيس الطائفي والملكية الدستورية، لكن ولأنهم شيعة تم اعتبار مظاهراتهم طائفية، ولموقفهم المؤيد لثورة إيران تم اعتبار حركتهم عميلة لإيران، ولأصولهم التي قيل أنها منحدرة من جذور فارسية اكتسبت خصومتهم جانب قومي أنهم عملاء للفرس، ولست بصدد عرض لأزمتهم مع الحكومة، إنما أكتفي بعرض طبيعتهم كسلاح إيراني شهير مكتسب لمحة عاطفية ونقد دولي وحقوقي لخصوم إيران..
فما يحدث في اليمن حدث في البحرين باضطهاد وقتل على أسس مذهبية، ساعد ذلك إيران بتصدير خطاب مظلومية للعالم يحاصرون فيه خصومهم من آل خليفة في البحرين وآل سعود في المملكة، وكونهم سلاح إيراني فمن جانب عاطفي ومعنوي للحشد ليس أكثر، بمعنى أن شيعة البحرين أضعف عمليا من اتخاذ موقف سياسي أو عسكري يخدم نفوذ إيران في المنطقة، إنما يخدمون هذا النفوذ فقط عاطفيا ومعنويا بتصحيح وإثبات صدق النفوذ الإيراني أنه قادم لرفع الظلم عن الشعوب المستضعفة.
9- شيعة السعودية، وهؤلاء متواجدين في المنطقة الشرقية للمملكة باعتبار أن محيط الخليج العربي على ضفتيه الشرقية والغربية وحدّه الشمالي هو نفوذ شيعي عربي بالأساس، فالضفة الشرقية فيها عرب الأهواز –وهم شيعة- بينما الضفة الغربية فيها شيعة البحرين والسعودية، وحدّه الشمالي بشيعة الكويت والجنوب العراقي، أي أن المُكوّن الشيعي السعودي هو جزء من مكون شيعي عربي يملأ هذه المناطق تنحدر جذوره من واقعة التحكيم واتجاه أنصار الإمام علي للهجرة إلى الشرق والشمال العراقي حتى الكوفة.
ولعروبة هؤلاء الشيعة يصبحوا مختلفين نظريا عن شيعة ما وراء النهرين الذين يغلب عليهم الطابع الفارسي والجذور التركية، إنما بعد أحداث الفتنة المذهبية في العراق عام 2006 شاع بين العرب مصطلحات الكراهية الطائفية وطال ذلك شيعة المملكة في اتهامهم بالكفر والشرك، حتى أقدم الدواعش على تفجير مساجدهم في القديح والقطيف..طبيعي أن يؤجي ذلك لردود أفعال وميل عاطفي لخصوم هؤلاء المتطرفين والانزواء بعيدا عن التجمع العربي السني الداعم لكراهيتهم.
وجد شيعة المملكة في إيران مناصرا لهم ضد قضايا التمييز والتكفير والتحريض عليهم بحكم وحدة المذهب، أما أنهم سلاح إيراني فهم على النمط البحراني بالضبط، أي لا نفوذ سياسي وعسكري لهم، لكن تُستخدم قضيتهم للتشهير بحكومة المملكة والضغط على حكام الرياض لإحداث تنازلات، وقد تعمدت وضع شيعة البحرين والسعودية على التوالي لتطابق دورهم في القوة الإيرانية بشكل كبير، فهم في الحقيقة يمثلون جانبا عاطفيا مهما في تسويق الرؤية الإيرانية أنهم قدموا للشرق الأوسط لرفع الظلم ونصرة المستضعفين.
ثانيا: القوة الغير مباشرة
وهي ليست كيانات منفصلة عن بعضها بل قيم أخلاقية وفلسفية يسوقها حكام إيران كمبرر لوجودهم في الشرق الأوسط، وتمثل جامعا ومشتركا سياسيا مع تيارات عربية عدة كاليسار القومي والموقف من إسرائيل وشعارات الوحدة والتقريب والعدالة الاجتماعية التي تدغدغ مشاعر المعتدلين والمثقفين بالضرورة، هذا يمثل قوة ناعمة إيرانية منتشرة بحكم انتشار تلك التيارات العربية، ففي الأردن وتونس ومصر وشمال أفريقيا بالعموم تكثر دعاوى اليسار والإسلاميين وأحزاب الوسط في نشر كل هذه المبادئ المشتركين فيها مع الثورة الإيرانية، ليس عن تواصل حقيقي مع قادة الثورة، ولكن لوحدة الهدف تقارب المُدّعون.
وعرض هذه القوة الغير مباشرة ليس تحريضا ضدها أو إنكارها، بل مجرد تحليل وعرض لمكامن القوة الإيرانية ، وبتفسيرها يسهل استنتاج كيف تمددت إيران في الشرق الأوسط رغم التحالف الدولي والإقليمي ضدها، سنجد باختصار: أن خصوم إيران يصدرون أنفسهم كمتحدثين ليس فقط كخصوم لإيران ولكن كخصوم لشعوبهم ومبادئهم وأخلاقهم بالضرورة، فحتى مع انتشار السلفية كعامل مكافئ ضد التوغل الشيعي فشلت السلفية في وقف هذا التوغل وبلغت أعداد الشيعة مستوى قياسي مرافق دائما لقضايا الأمة المصيرية كفلسطين والهيمنة الغربية.
وهي عبارة عن قوى وأوراق وأدوات مؤثرة ومتنوعة ما بين السياسة والاقتصاد والدين والمذهب والأيدلوجيا تخدم توجه إيران في المنطقة، وتقديري أنها تنقسم إلى قوى مباشرة وأخرى غير مباشرة.
أولا: القوى المباشرة
1- حزب الله اللبناني، وهو القوة الأكبر في لبنان الآن جماهيريا وعسكريا ، وتنبع قوته من نفس مكامن القوة الإيرانية بمبادئ المقاومة وتحرير الأرض ومعاداة الاستعمار، ومؤخرا نجح في الانتخابات البرلمانية اللبنانية بكسر عوائق المحاصصة عبر تحالفه مع قوى سنية في الشمال والوسط اللبناني المعروف بمركزيته للطائفتين المسيحية والسنية، وأعتقد هذا النجاح هو انعكاس لدعاية الحزب وجهوده في صد خطر الدواعش على لبنان في عرسال والقلمون والقصير، هذا جذب له مزيد من المتعاطفين كان متوقعا أن يفوز في أول انتخابات وقد حدث.
نشأ الحزب عام 1982 بجهود لمرجعيات شيعية لبنانية متأثرة بالثورة الإيرانية ك "محمد حسين فضل الله" وكرد فعل على تهديد مجتمع الجنوب اللبناني الشيعي إبان الغزو الإسرائيلي له في بداية الثمانينات، وعلاقة الحزب بإيران ليست فقط أيدلوجية خاصة بالمقاومة والثورة بل هناك عامل إثني مشترك وهو المذهب الإمامي الإثنى عشري، وفقهي بولاية الفقيه ، وقيام الحزب على مبادئ إيرانية رفعتها الثورة كالتقريب بين المذاهب والوحدة الإسلامية..وهو ما سنناقشه في الفصل الأخير.
أعتبر أن حزب الله هو القوة الأعظم للدور الإيراني في الشرق الأوسط ، ففوق تمدده بشعارات المذهب والمقاومة والتحرير..هو أيضا له علاقات طيبة مع بعض الحكومات العربية بمعزل عن علاقة تلك الحكومات بلبنان، ومن هؤلاء تونس والجزائر، بل لديه تنسيق مع روسيا منفصل عن علاقته بالدولة اللبنانية ضمن فصول الحرب السورية، إنما الاختلاف في التعاطي مع هذا الدور، فدوافع الإسرائيليين من الحزب متعلقة بقوته العسكرية في الجنوب اللبناني التي يراها الإسرائيليون تهديدا لسكانهم في الشمال، أما دوافع الخليجيين فهي غريبة لدي كقارئ، لأنه لا مصلحة جغرافية أو وجودية تهدد كلا الطرفين، فلا حزب الله يعلن عداءه لدول خليجية، ولا بينهما جوار جغرافي .
أستطيع تفسير هذا الموقف الخليجي من الحزب أنه أيدلوجي مزدوج يجمع بين ثناياه عوامل (الطائفة والثورة) فالأول عدائي مشهور بين شعوب الخليج السلفية الحنبلية، وبين الحزب الإمامي الشيعي، وبينهما عداء تاريخي وفكري معروف، أما الثورة فلتعلق مبادئ الحزب بالثورة الإيرانية المهددة لعروش دول الخليج بالخصوص، لقيام فكرة الثورة الإيرانية على ضرب الملكيات والأنظمة المستبدة وتحويلها لنُظُم ديمقراطية شعبية ولائها الكامل لمصالحها بعيدا عن قوى الاستعمار، وقد تبنى الحزب هذا المبدأ وكثيرا ما يرفعه وينادي به زعيمه دون مواجهة مباشرة مع دول بعينها.
ويمكن استثناء موقف الحزب من السعودية بوصفه موقفا عدائيا وحيدا يتعلق فقط بالحرب اليمنية، إنما حسن نصر الله يحرص دائما في خطاباته على تقديم صورة متسامحة ومعتدلة تعالج طبيعته المذهبية، وفي نفس الوقت بتقديم صورة الثائر على الظلم لعلاج تبعيته لإيران، فالثائر على الظلم في الأخير لا يميز لو حدث ذلك في بيته، بينما الحزب تورط في صراعات أهلية لبنانية وإقليمية شككت في نزاهة موقفه المدافع عن المظلومين، وعلى كلٍ فقد حرص قائد الحزب على امتصاص غضبة خصومه بنداءات أخلاقية، سواء التي ينادي بها في اليمن دون تمييز بين حكومة هادي والحوثيين ويركز فقط على خصومته للجيش السعودي ، أو بين فرضياته ونظرياته لتفسير أزمة الحريري الأخيرة المعروفة باختطاف ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" له في الرياض وإجباره على الاستقالة بإعلان خطاب عدائي لحزب الله وإيران.
وقد عالج الرئيس الفرنسي "ماكرون" هذا الحدث بإرجاع الحريري إلى بيروت عبر محطة قصيرة له في باريس، ثم عدل الحريري عن استقالته وتغيير مضمون خطابه العدائي لحزب الله بنسبة كبيرة، وقد أسهمت هذه الأزمة في إضعاف الحريري داخليا حتى أثرت عليه في الانتخابات، وظني أن تيار 14 آذار خسر الانتخابات لحدثين اثنين، الأول: هذه الحادثة السعودية بامتياز، الثاني: تقاعس التيار عن بناء رؤية واقعية وفلسفة إعلامية وسياسية حول موقفهم من داعش والقاعدة على الحدود، وفرغت الساحة تماما لعناصر وإعلام المقاومة حتى انتشر نفوذها داخل معاقل تيار الحريري.
وأخيرا: يوجد عامل مهم جدا في قوة الحزب والدور الإيراني بالعموم ألخصه في شخصية الأمين العام الثالث للحزب "حسن نصر الله" هذا الرجل قوة فريدة تجمع بين الثقافة والخطابة والفقه الديني بكوكتيل يختصر مفهوم القائد في الثورة الإيرانية، فالقائد يجب أن يكون مثقف وفقيه مطلع في الدين، ولديه حس سياسي وقوة شخصية لينجح في السيطرة والتواصل الدبلوماسي، وهذا متوفر في حسن نصر الله، فالرجل نتيجة لعزلته عن العالم الخارجي –خشية اغتياله – يبدو أنه يتفرغ فيها للقراءة والاطلاع والاستنارة الداخلية فحسب، ثم يفرغ طاقات هذا العلم والتنوير الداخلي له في خطاباته المتلفزة الحماسية ، فيُكسِب جمهوره ومستمعيه ثقافة وتعاطفا غير عادي..ثم تُوظّف تلك المكتسبات لخدمة الدور الإيراني في الأخير.
2- حركة حماس، وهي فرع الإخوان المسلمين في فلسطين تشكلت عام 1987 بجهود علماء وزعماء فلسطينيون تأثروا أولا: بالانتفاضة الفلسطينية عام 86 ، وثانيا: بالحرب الأهلية اللبنانية في الثمانينات، وثالثا: بقيم الثورة الدينية الإيرانية عام 79، وساهم تاريخ زعيمها الشيخ " أحمد ياسين" في تشويه الحركة خصوصا مع مصر لتاريخه السئ ضد عبدالناصر، ولأنه كان من ضمن المفرج عنهم بعد نكسة 67 فشاع من وقتها في مصر أن حركة حماس عميلة لإسرائيل في الحقيقة، وأن مقاومتها للصهاينة كذب..
أعتبر أن حماس - ورغم تأثرها بثورة الخوميني- هي أضعف حلقات الدور الإيراني في المنطقة، أولا: لطبيعتها السنية السلفية الإخوانية، جعلها أقرب لروح الشارع العربي وغالبية متديني المسلمين، وهذا مختلف عن التدين الإيراني بما يعني خطابا حمساويا يختلف في جوهره عن خطاب المراجع الشيعية ، لكن ليس بالمطلق..فوارد أن يتحول هذا الضعف إلى قوة باعتبار سنية حماس المطلوبة لخطاب شعوب العرب السنية، وأن الهدف الإيراني المطلوب بالثورة والمقاومة لا يتطلب بالضرورة أن يحدث من الشيعة، وبالتالي تتوحد قضايا المسلمين، لذا أعتبر أن هذه الحلقة الضعيفة في سلسلة إيران ليست إلا حصان طروادة اخترقت به إيران مجتمعات العرب السنية بإثبات عدم طائفية السياسة الإيرانية.
ثانيا: لتركزها في قطاع جغرافي ضيق جدا يعاني من مشاكل في الاقتصاد والسياسة والبنية الاجتماعية..وأثر ذلك على نفوذها السياسي خارج فلسطين بالعموم، وأسباب ضعفها هذه انعكست على موقفها من الثورة السورية فتعاطفت معها بحكم تدينها السلفي السني، ولسيطرة جناح حركة فتح عليها بحكم الدعم المالي الخارجي من الأمم المتحدة والمانحين الأمريكيين والخليجيين المقدم للحكومة الشرعية المعترف بها في رام الله، وهذا أثر كثيرا على مواقف الحركة حين ضعفت أكثر من مرة وخضعت للابتزاز فيما يتعلق بقضايا المصالحة الداخلية والمعابر مع مصر وإسرائيل ، ثم طبيعة مساعدات الأنروا في قطاع غزة.
إنما تبقى قوة حماس الأساسية أنها حركة أيدلوجية مقاومة ثورية في الأخير، يعني مبادئها عابرة للحدود، لذلك وارد أن تجد متعاطفين معها بعيدا عن الدور الإيراني الذي تمثله.
3- سوريا، والمقصود هو نظام الرئيس "بشار الأسد" واعتمدت اسم الدولة لتحقق تأييد مؤسساتها لقيم الثورة الإيرانية التي هي نفس قيم حزب البعث العروبي، وفي الفصل السابق عرضنا طبيعة العلاقة بين الدولتين بما يخدم الدور الإيراني، وأن محور تلك الطبيعة هو المشترك القيمي لكلتا الدولتين في مقاومة الاستعمار وأهداف تحرير فلسطين، صحيح هذا المشترك يعد من مخلفات عصر القومية لذلك تجد الدولتين معاناه في الاندماج والتعايش مع المجتمع الدولي المعاصر..إنما قيمة التحرير ومقاومة الظالم هي صفة أخلاقية ملازمة للإنسان، لذلك حتى مع عزلة سوريا عن المجتمع الدولي لكنها ما زالت حالة أخلاقية مهمة جدا جذبت لها العديد من المتعاطفين.
سوريا هي سلاح مباشر لإيران ذو طبيعة مختلفة عن كل أسلحتها الأخرى، وهو أنه يعبر عن دولة بمؤسساتها السيادية والقانونية وانخراطها في تجمعات إقليمية ودولية، وهذا غير متحقق مثلا في كل الأسلحة الأخرى –حماس وحزب الله- وبالتالي طبيعة هذا السلاح ما دامت مختلفة تأثيره أكيد سيكون مختلف بحيث يضفي على سياسات إيران في المنطقة صبغة تشريعية وقانونية دولية، وتجلى ذلك في دخول الحرس الثوري الإيراني سوريا لمواجهة داعش والقاعدة، الشكل أنه يحارب لرغبة الحكومة الشرعية السورية في المساعدة..وهذا قانوني، بينما الجوهر هو المصلحة الإيرانية بعدم تمدد التكفيريين، وتواجد إيران بالقرب من حدود إسرائيل مباشرة..وهي فرصة لم يكن يحلم بها أكثر المتشائمين منذ 10 سنوات أن تصل إيران بقواتها لهضبة الجولان، وتطلق صواريخ على إسرائيل قصيرة المدى تكسر فيها منظومة الأمن الصهيوني.
إنما لطبيعة كلتا الدولتين – هذه إسلامية وهذه علمانية- يظل السلاح السوري في يد الإيرانيين محدود الأثر والقيمة إذا ما أراد الإيرانيون نشر أصوليتهم الشيعية، فالمجتمع السوري من أكثر مجتمعات العرب انفتاحا وتنوعا دينيا ولغويا، وهو انعكاس لنهضة فكرية حدثت في القرن العشرين ضمت بلاد "مصر ولبنان وسوريا والعراق" كأمثال السوريين العلمانيين جورج طرابيشي وصادق العظم وأنطون مقدسي وقسطنطين زريق وبرهان غليون والشاعر أدونيس ..وغيرهم..وفي مجال النقد الديني محمد شحرور وعدنان الرفاعي ..وغيرهم.
ويخطئ أكثرية العرب في الربط بين مذهب عائلة بشار الأسد (العلوية) وبين تحالفه مع إيران باعتبار أنه تحالف شيعي بين العلوية والإمامية..وهذا غير صحيح، فعلمانية الأسد تعني أنه لا يفكر بمذاهب ولا صلة بين دين عائلته وبين سياساته في سوريا، وكثيرا ما كنت أعتقد دعاوى المعارضين في ذلك ووصفها بالكاذبة التي ستؤدي بالتبعية لقراءات خاطئة، وقد حدث.
فنتيجة لهذا الحكم الكاذب جند المتطرفون مئات الآلاف من المسلحين الأجانب الذين غزوا سوريا بدعاوى الجهاد ضد الشيعة، بينما الواقع كان يقول أن جيش الأسد ذو أغلبية سنية ووزير دفاعه سني المذهب، وقياداته العليا (سنية – علوية –مسيحية) بالترتيب الكمي، وهذا يعني أن الغزوة الجهادية لم تجد حواضن شعبية بما يكفي لإزاحة الأسد ، ولعجز الطرفين على الحسم اشتعلت حرب أهلية لمدة 7 سنوات حتى الآن خدمت الدور الإيراني وأعطت له سوريا على طبق من ذهب، ولو فكر المعارضون في تبعات ومآلات تسليح ثورتهم بمرجعيات طائفية وأثر ذلك على خدمة إيران لتغيرت أشياء.
4- العراق، ورغم أنه سلاح ظاهريا يمثل دولة لكنه مختلف عن سوريا لعوامل منها وجود قواعد شعبية عراقية (شيعية) معارضة لإيران، ومتأثرة بحرب الثمانينات القومية- التيار الصدري نموذج – ولخلاف المرجعيات الفقهي بين قم والنجف لا نستطيع القول أن دين إيران والعراق واحد، إنما متطابق كليا في عدة ملفات منها "حب آل البيت –الموقف من الصحابة ..خصوصا معاوية- الإمامة السياسية" إنما الملف الأخير هذا لا يشكل بالنسبة للعراقيين واقع تنفيذي كونه أحد متطلبات عصر المهدي، بينما الإيرانيون نفذوه بنظريتهم الفقهية الشهيرة "ولاية الفقيه"
إذن يوجد تباين ديني بين إيران والعراق يجعل مسألة تبعية العراق لإيران محل نظر، صحيح يوجد تعاطف واعتراف بالجميل على مستوى القادة والشعب لدور إيران في الحرب ضد داعش..إنما يصدق فيهم المَثَل المصري "اللي في القلب في القلب" حتى تطفو خلافاتهم على السطح مثلما يحدث الآن في الانتخابات النيابية العراقية، فالكتل الشيعية مختلفة الجذور والأهداف اختلفت أصلا حول طبيعة الدور الإيراني في بلدهم، فانقسموا بين مؤيد لسياسات إيران الخارجية باعتبار أن مصلحة البلدين واحدة ومن هؤلاء أنصار المالكي وحزب الدعوة والحشد الشعبي وبعض المستقلين، وبين من يرى أن مصلحة العراق مقدمة على مصلحة إيران بضرورة عدم تدخل العراق في مشكلات الشرق الأوسط الحالية..ومن هؤلاء تيار رئيس الوزراء الحالي "حيدر العبادي" وطبيعي أن يوافق رأيه هذا هوى الصدريين.
إنما رأيي أن الشعب العراقي في غالبيته العظمى متعاطف ومؤيد لسياسات إيران، لم أعقد إحصائية لذلك إنما هو استنتاج شخصي من متابعة قنواتهم وصفحاتهم الكبرى على السوشال ميديا، إضافة لطبيعة خلاف الأنداد حول الدور الإيراني في العراق، جميعهم يتفقون على جَميل إيران وصدق نواياها في مساعدتهم لتحرير بلدهم من داعش، إنما مختلفون حول السؤال الجوهري: ماذا لو تعارضت مصالح كلا البلدين؟
ولأن الخلاف وصل لقاعدة يتفقون فيها على نزاهة دور إيران في العراق أصبحت سياسة العبادي الخارجية على الأقل لا تقف ضد مصلحة إيران وتنأى بنفسها عن العراك الحالي بين الخليج وإيران، أولا لكسب ود غالبية الشعب العراقي المتعاطف مع طهران، ثانيا كي لا يُغضِب خصوم إيران المهمين وما يمثلوه من مرجعيات دينية كالتيار الصدري، وهذه الواقع رغم وضوحه لكن يظل ملتبس ولا يجيب عن سؤال جوهري: ماذا لو قامت حرب دينية في المنطقة أحد أطرافها إيران..ألا يؤثر ذلك على المجتمع العراقي الشيعي؟..ورأيي أن أي جواب على هذا السؤال سيمثل معضلة للساسة العراقيين وطبيعة ولاءاتهم والتزاماتهم خصوصا تجاه الغرب الذي ساعدهم أيضا بقوات عسكرية ومعدات في إطار تحرير بلدهم من داعش.
وباختصار: فالعراق تعد سلاح لإيران بالفعل..إنما سلاح شعبي وإعلامي ومعنوي، وموقف سياسي رافض للتعرض لها وتهديد أمنها، أما أن تنضم العراق كحليف عسكري لإيران ضد قوى إقليمية ودولية..هذا مستبعد للأسباب المذكورة عاليه.
5- قطر..وهذا سلاح إيراني مهم جدا ليس لأن قطر دولة غنية ومستقرة، بل لأنها عضو في مجلس التعاون الخليجي، وإعلامها قرر بعد الأزمة الخليجية في يونيو 2017 الوقوف على الحياد في إطار الصراع بين إيران والمملكة بعدما ظل سنوات منحازا بعد 2011 لأسباب تتعلق بالوضع في سوريا.
وطبيعة دور قطر كسلاح ليس في ما يهدد مجلس التعاون، ولكن في ما يهدد إيران، موقف قطر السياسي ضد تهديد إيران والخليج معا لرؤيتهم بوحدة المصالح والدين، وكرر الأمير تميم هذا الكلام أكثر من مرة أنهم ليسوا في حلف ضد إيران، واعتبر دولته خارج مقررات مؤتمر الرياض الشهير الذي جمع الرئيس الأمريكي"ترامب" بزعماء وقادة الدول الإسلامية والعربية لتشكيل جبهة سياسية وعسكرية ضد إيران، رأت قطر أن هذه الجبهة لا معنى لها وتضر مجلس التعاون بالأساس.
إنما تبقى قطر مختلفة عن إيران في جوانب عدة (كاللغة والمذهب) إنما متفقين في خصومتهم للمملكة السعودية وفي المصالح الاقتصادية المشتركة في حقول الغاز المائية، وهذا في رأيي هو الملف الذي يجعل من قطر سلاح إيراني عند اللزوم، أولا: لوحدة المصالح الاقتصادية، ثانيا: لوحدة الموقف من آل سعود ..خصوصا قيادة الملك سلمان، ولن أفصل كثيرا في دور قطر ضمن محور إيران ..لكن سأكتفي بالإشارة أن قيادة قطر لها تاريخ في الخلاف مع عائلتي آل نهيان الإماراتية وآل سعود في المملكة تعود جذوره لانقلاب الأمير "حمد بن خليفة" على أبيه في التسعينات، وانتهاج الإمارة توجها مستقلا بعيدا عن توجيهات وأوامر مصر والسعودية.
ولأن قطر كما هي سلاح إيراني معنوي وإعلامي الآن هي أيضا حليف تركي عسكري باتفاقية دفاع مشترك، ليكتمل الثلاثي "قطر –إيران –تركيا" بحضور عسكري وسياسي على الضفة الشرقية لشبه الجزيرة العربية، ولست في وارد تحليل الأزمة الخليجية ولكن استعراض دور قطر كسلاح إيراني فقط في الخليج بإيجاز غير مخل.
6- سلطنة عُمان، وهذه ليست سلاح بالمعنى الجوهري بل لأنها خارج أي صراعات في المنطقة، ووضعتها هنا كسلاح لطبيعة الاستقطاب في الحروب، فالسلطنة ترى في إيران جار شقيق بمصالح مشتركة دينية واقتصادية وعسكرية وقومية، رغم أن السلطنة ترى في السعودية نفس الشئ، إنما الاستقطاب في الحروب يجعل من عُمان وخطابها السياسي وإعلامها ونفوذها القبائلي في ساحل عُمان مصدر أمان بالنسبة للإيرانيين، لذلك فهي سلاح نعم...لكن بمعنى (درع)
7- الحوثيون في اليمن، وهذا أشهر سلاح إيراني الآن في الشرق الأوسط لتعلقه بحرب اليمن منذ 3 سنوات، ورغم الفوارق المذهبية –الحوثي زيدي وإيران إمامية- لكن متحدين لدوافع أيدلوجية كالتي جمعت الإيرانيين بحزب الله، أي مقاومة الصهيونية والاستعمار وتحرير الأراضي من الدول الأجنبية الغازية، وحقيقة عندما أبحث في طبيعة الحوثي أجد جانبا قوميا أكثر مما هو جانب ديني، فشعارهم الشهير "الموت لأمريكا ..الموت لإسرائيل..اللعنة على اليهود..النصر للإسلام" هو شعار مزيج بين الروح القومية والدينية، ولطبيعتهم القبلية في اليمن أضافوا لهذا الشعار معنىً قبائليا محليا أكسبهم قوة وقدرة على التواصل والإقناع.
إنما تثار دائما علامات استفهام وتشكيك في دورهم كسلاح إيراني، فحتى الآن ورغم مرور 3 سنوات من الحرب لم يدخل جندي إيراني واحد تلك المعركة كما دخلوها في سوريا والعراق..وبالسلاح في لبنان وغزة، ولم تتدخل إيران بثقلها الدولي في فضح جرائم العدوان بالطيران بعد، حتى الاتهامات بإرسالهم صواريخ للحوثي مشكوك فيها، ودائما هي مسار دعاية سعودية أمريكية لزوم الحشد..لكن عند التعيين فقد صرحت إدارة أوباما في عام 2016 أنه لا دليل لديه بدعم إيران للحوثي عسكريا، ولتصريح مسئولين روس أن صواريخ الحوثي هي صواريخ روسية قديمة معدلة، ورأيي أن الموضوع مُشكَل، فحجم التسليح للحوثي كبير يشي في النفس بمساعدات إقليمية أو دولية، لكن في نفس الوقت برجوع ذاكرتنا للوراء سنرى أن نظام علي عبدالله صالح كان مهتم بتسليح جيشه خصوصا من روسيا وكوريا الشمالية، أي الصواريخ الحالية ربما تكون بقايا للترسانة الضخمة القديمة.
إنما لوحدة الأيدلوجيا بين الطرفين وخصومتهم لآل سعود ولاشتراكهم في عاطفة حب آل البيت أرى أن علاقتهم تخطت حاجز الصداقة إلى التحالف في القضايا المصيرية، بمعنى وجود عاطفة مشتركة بينهما كافية للتواصل ووحدة الخطاب، وهذا ما أشكل على بعض المتابعين حتى اعتقدوا أنهم واحد، وعن الصواريخ فلي رأي وسط في ذلك أن برامج الصواريخ التكنولوجية يسهل نقلها من بلد لآخر، فقد تكون تلك الصواريخ هي ثمرة برنامج إيراني بالأساس، وسبل الاتصال الآن متوفرة دون انتقال من مكان إلى مكان، يعني ليس بالضرورة أن يحضر مستشار عسكري أو خبير صواريخ وأسلحة إيراني إلى اليمن، بل يمكنه نقل تلك الخبرات لهم وشرحها عبر الإنترنت، وهذا الأسلوب أعتقده كان أحد أساليب الجماعات السورية والعراقية في التسليح وامتلاك تكنولوجيا الدفاع.
8- شيعة البحرين، وهم يمثلون غالبية الشعب البحراني وصدامهم مع الحكومة بدأ مع ثورات الربيع العربي عام 2011 بمطالب عدة منها وقف التجنيس الطائفي والملكية الدستورية، لكن ولأنهم شيعة تم اعتبار مظاهراتهم طائفية، ولموقفهم المؤيد لثورة إيران تم اعتبار حركتهم عميلة لإيران، ولأصولهم التي قيل أنها منحدرة من جذور فارسية اكتسبت خصومتهم جانب قومي أنهم عملاء للفرس، ولست بصدد عرض لأزمتهم مع الحكومة، إنما أكتفي بعرض طبيعتهم كسلاح إيراني شهير مكتسب لمحة عاطفية ونقد دولي وحقوقي لخصوم إيران..
فما يحدث في اليمن حدث في البحرين باضطهاد وقتل على أسس مذهبية، ساعد ذلك إيران بتصدير خطاب مظلومية للعالم يحاصرون فيه خصومهم من آل خليفة في البحرين وآل سعود في المملكة، وكونهم سلاح إيراني فمن جانب عاطفي ومعنوي للحشد ليس أكثر، بمعنى أن شيعة البحرين أضعف عمليا من اتخاذ موقف سياسي أو عسكري يخدم نفوذ إيران في المنطقة، إنما يخدمون هذا النفوذ فقط عاطفيا ومعنويا بتصحيح وإثبات صدق النفوذ الإيراني أنه قادم لرفع الظلم عن الشعوب المستضعفة.
9- شيعة السعودية، وهؤلاء متواجدين في المنطقة الشرقية للمملكة باعتبار أن محيط الخليج العربي على ضفتيه الشرقية والغربية وحدّه الشمالي هو نفوذ شيعي عربي بالأساس، فالضفة الشرقية فيها عرب الأهواز –وهم شيعة- بينما الضفة الغربية فيها شيعة البحرين والسعودية، وحدّه الشمالي بشيعة الكويت والجنوب العراقي، أي أن المُكوّن الشيعي السعودي هو جزء من مكون شيعي عربي يملأ هذه المناطق تنحدر جذوره من واقعة التحكيم واتجاه أنصار الإمام علي للهجرة إلى الشرق والشمال العراقي حتى الكوفة.
ولعروبة هؤلاء الشيعة يصبحوا مختلفين نظريا عن شيعة ما وراء النهرين الذين يغلب عليهم الطابع الفارسي والجذور التركية، إنما بعد أحداث الفتنة المذهبية في العراق عام 2006 شاع بين العرب مصطلحات الكراهية الطائفية وطال ذلك شيعة المملكة في اتهامهم بالكفر والشرك، حتى أقدم الدواعش على تفجير مساجدهم في القديح والقطيف..طبيعي أن يؤجي ذلك لردود أفعال وميل عاطفي لخصوم هؤلاء المتطرفين والانزواء بعيدا عن التجمع العربي السني الداعم لكراهيتهم.
وجد شيعة المملكة في إيران مناصرا لهم ضد قضايا التمييز والتكفير والتحريض عليهم بحكم وحدة المذهب، أما أنهم سلاح إيراني فهم على النمط البحراني بالضبط، أي لا نفوذ سياسي وعسكري لهم، لكن تُستخدم قضيتهم للتشهير بحكومة المملكة والضغط على حكام الرياض لإحداث تنازلات، وقد تعمدت وضع شيعة البحرين والسعودية على التوالي لتطابق دورهم في القوة الإيرانية بشكل كبير، فهم في الحقيقة يمثلون جانبا عاطفيا مهما في تسويق الرؤية الإيرانية أنهم قدموا للشرق الأوسط لرفع الظلم ونصرة المستضعفين.
ثانيا: القوة الغير مباشرة
وهي ليست كيانات منفصلة عن بعضها بل قيم أخلاقية وفلسفية يسوقها حكام إيران كمبرر لوجودهم في الشرق الأوسط، وتمثل جامعا ومشتركا سياسيا مع تيارات عربية عدة كاليسار القومي والموقف من إسرائيل وشعارات الوحدة والتقريب والعدالة الاجتماعية التي تدغدغ مشاعر المعتدلين والمثقفين بالضرورة، هذا يمثل قوة ناعمة إيرانية منتشرة بحكم انتشار تلك التيارات العربية، ففي الأردن وتونس ومصر وشمال أفريقيا بالعموم تكثر دعاوى اليسار والإسلاميين وأحزاب الوسط في نشر كل هذه المبادئ المشتركين فيها مع الثورة الإيرانية، ليس عن تواصل حقيقي مع قادة الثورة، ولكن لوحدة الهدف تقارب المُدّعون.
وعرض هذه القوة الغير مباشرة ليس تحريضا ضدها أو إنكارها، بل مجرد تحليل وعرض لمكامن القوة الإيرانية ، وبتفسيرها يسهل استنتاج كيف تمددت إيران في الشرق الأوسط رغم التحالف الدولي والإقليمي ضدها، سنجد باختصار: أن خصوم إيران يصدرون أنفسهم كمتحدثين ليس فقط كخصوم لإيران ولكن كخصوم لشعوبهم ومبادئهم وأخلاقهم بالضرورة، فحتى مع انتشار السلفية كعامل مكافئ ضد التوغل الشيعي فشلت السلفية في وقف هذا التوغل وبلغت أعداد الشيعة مستوى قياسي مرافق دائما لقضايا الأمة المصيرية كفلسطين والهيمنة الغربية.
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
رد: الدور الإيراني في الشرق الأوسط
الفصل الثالث: تحرير مصطلحات الدور
ننتقل الآن لجانب آخر وهو تحرير المصطلحات الفاعلة في الدور الإيراني في المنطقة ، كمفاهيم " الطائفية – المقاومة – الوحدة الإسلامية" والسبب في اختيار تلك المصطلحات للمناقشة ارتباطها بحركة إيران الديناميكية سواء في ميادين السياسة والدين والإعلام والحرب، بهدف تصوير كامل للدور الإيراني عقليا بعدما وقفنا على طبيعته ونفوذه على الأرض.
أولا: الطائفية، وهو أشهر مصطلح الآن في الشرق الأوسط متعلق بالحروب العربية العربية على أساس ديني، سواء في اليمن وسوريا أو كالتي جرت في العراق، وعلى ذكر الحروب البينية بين العرب يعني أن الواقع يشهد بأن العرب وحدهم الذين تضرروا من الحرب الدينية هذه، وفي حين يتهم البعض إيران بأنها مصدر الطائفية نجدها لم تتضرر فعليا وهذا يستوجب عدة أسئلة:
1- هل النظام الإيراني ينشر الطائفية بالفعل؟..فالناشر يؤمن بما ينشره، فإذا كان الإيرانيون طائفيون لماذا لم يضطهدوا سنة إيران البالغ عددهم 15 مليون على أقل تقدير، فإذا قيل أن السنة هناك مُضطهَدون فلماذا العالم لا يتحدث عن ذلك أو ترصده جمعيات حقوق الإنسان والأمم المتحدة؟..فبنظرة سريعة نجد أن دعاوى اضطهاد سنة إيران مصدرها الخليج وتيار السلفية الحنبلي.
ليس تبرئة لإيران من الطائفية ولكنها أسئلة مشروعة، أين رموز سنة إيران ليتحدثوا عن هذا الاضطهاد، وما حقيقة دور السنة الإيرانيين في الحكم بمجالس الشورى والخبراء، أو في الحكومة؟..لن أجيب على هذه الأسئلة وأترك للقارئ البحث عنها بنفسه من مصادر الأخبار، ولا يعني ذلك شبهة على الدور الطائفي للسياسة الخارجية للدولة، ففي مقدمة البحث أشرنا لبعض من ذلك بانتهاج السياسة الإيرانية توجها طائفيا بالفعل تمثل في دعم الحركات الشيعية في الشام والخليج بدعوى الإصلاح، والتغاضي عن نظائرها السنية إلا فيما لو قررت تلك الحركات مقاومة إسرائيل كحركة حماس، وهذا يعني أن التوجه الطائفي لإيران في الخارج مع السلام الاجتماعي والسياسي في الداخل يعني تكرار لنماذج الدول الاستعمارية القديمة التي جمعت بين السلام الداخلي والتسلط الخارجي.
هذا بخلاف طبيعة النظام الأصولية المعادية لقيم العلمانية، فقد جعلتهم أقرب للحكومات الدينية المتحدثة باسم الإله، وحادثة سجن الفيلسوف والمؤرخ الإيراني "هاشم أغاجاري" عام 2002 دليل، فقد حُكم عليه بالإعدام لنقده التحالف الكهنوتي بين السلطة ورجال الدين، أي طعن صريح بأهم عنصر في عناصر الثورة الإسلامية وهو "ولاية الفقيه"، إنما لا يعني ذلك تأثرا للسياسة الخارجية الإيرانية بتلك الأصولية –التي يكافحها الآن حسن روحاني- إنما الخط العام لسياسيي إيران يخلو من ذلك بظهور صورة ليبرالية وخطاب منفتح على الخارج، وهو نفس سلوك حكام السعودية بالمناسبة، إذ في تقديري أن كلتا الدولتين تعانيان من نفس الأعراض، أصولية في الداخل لمخاطبة جمهورهم المتدين، وليبرالية في الخارج لمخاطبة شعوب متحضرة أغلبها لادينية أو مسيحية.
ويبقى التعارض بين الدور الإيراني الموجه لدعم حركات شيعية إصلاحية وبين انفتاحها الليبرالي شاهد على أن السياسة مصلحة في الأخير، فلو تتطلب الأمر شعارا أخلاقيا إصلاحيا وثوريا فهو موجود، ولو تتطلب انفتاحا وتسامحا وتعاونا أيضا فهو موجود، وهي أعراض ملازمة لكل سياسات دول العالم بالمناسبة، فالتناقض هو السمة الأبرز الآن لنُظم ما بعد بعد الحداثة التي وضعت قيم الاستهلاك مقدمة على الفضيلة، بيد أن التكيف مع الباطل قد يصبح ضرورة عند الشعوب إذا ما رأت في مقاومته تهديدا لمصالحها وفقدان لذة السعادة ، وقد اصطلح قديما لهذا التوجه بالبراجماتية التي لها جذور في فلسفة زينون الرواقي، وتيار الأبيقوريين اليوناني في العصر الهلنستي.
وبمناسبة ذكر الرواقيين أجد فسحة في الحديث عن ثوار سوريا الذين اقتربوا من خصوم زينون كالفيلسوف "أنتيس تنيس" رائد المدرسة الكلبية التي قدمت الفضيلة على لذة السعادة، ورأت أن تحقيق الفضائل يستوجب السعادة بالضرورة، وهذا اتجاه مثالي بالمناسبة أعتقد أن معارضي سوريا المسلحين وقعوا فيه..بمعنى أنهم فشلوا في الاعتراف بالواقع وعدم قدرتهم على إسقاط النظام السوري بوسائلهم تلك، إما بالتدخل العربي أو الغربي، في حين يمتلك النظام قاعدة أيدلوجية ودينية عابرة للحدود، وولاء بقيم أخلاقية ساعدته على الصمود كالدفاع عن أرواح المسيحيين والعلويين والصوفيين ومؤيدي الحكومة من العوام حتى أقنع الروس بجدوى ما يفعله وقوته في الصمود، إلى أن تشجعوا في التدخل وقلب موازين القوى منذ أعوام.
وهذا يشير إلى أخطاء وقع فيها ثوار سوريا استفاد منها الدور الإيراني وحليفه بشار الأسد، كرفعهم شعارات طائفية في البداية أجبرت المُكوّنين المسيحي والعلوي على دعم النظام وتشكيل خلايا شعبية وقوى ميدانية وتيارات ثقافية لمقاومة الغزو الأصولي لجماعات داعش والقاعدة والإخوان الوطن السوري، صحيح أضعف ذلك جماعات المعارضة المعتدلة المنادية بالإصلاح، لكنها ضريبة تدفعها دائما الثورات العسكرية بفقدان البوصلة وتسلط أمراء الحرب وتمكن ذوي المال والنفوذ، بينما المثقفين والفلاسفة في هذا التوقيت لا دور حقيقي لهم إذ ينشطون بالأساس في ظل السلام وسكون المجتمع، أما في حال تحرك المجتمع ونشط فالقيادة فيه أصبحت تنظيمية دعائية..وهذه أمور يفتقدها المثقفون.
2- هل لإيران وجه شعوبي قومي فارسي؟ ..والجواب: لن أستفيض في البحث عن إجابة موضوعية لهذا السؤال، فهذا العصر ليس شعوبيا بل دينيا، بمعنى اختفاء وضمور القوى القومية وعيشها في سراديب الماضي وحكايات الزمن، فلا الشعب الإيراني الآن يقدم فارسيته على شيعيته، ولا الشعوب العربية الآن تقدم عروبيتها على سنيتها، وهذا التحول حدث بفضل إشعال أمريكا للأصولية الدينية الإسلامية مع القاعدة في التسعينات، وقبلها وقبلها مع المجاهدين الأفغان، وقبلها بالدور السعودي الناشر للسلفية السلفية في وجه الشيوعيين بأوامر أمريكية كما صرح مؤخرا ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"..ثم قيام ثورة إيران في الأخير بطبيعة دينية شيعية منسجمة مع التوجه الديني السائد..( أنظر مقالنا المنشور على الإنترنت "انهيار القومية العربية" بتاريخ 15 يناير 2018)
ويمكن اعتبار أن التوجه القومي الشعوبي لإيران اختفى تدريجيا منذ رحيل الشاه، فالقيادة الجديدة ليست فارسية حُكما ..إنما شيعية، ولما حاربها صدام حسين بشعارات العروبة وقف أمامه شعب الأهواز العربي الإيراني..أي لم يكن الجانب الفارسي حاضرا في المعارك، علاوة على أن الفرس لا يمثلون سوى 60% من مجموع الشعب الإيراني، حتى أن قيادته الثورية لم تكن في معظمها فارسية، فالخوميني من أصول هندية في كشمير، وخامنئي من أصول أذرية، وشمخاني وصالحي عربيان.
ورأيي أن حضور الجانب الفارسي عند الإيرانيين يجعلهم أكثر خطورة مما هم عليه الآن، فانصهار المكونين القومي والديني في نفسٍ واحدة يجعلها أكثر تعصبا وضيقا في الرؤية، مثلما حدث قديما بين العثمانيين والصفويين، هذه حرب لم تكن سنية شيعية فقط، إنما فارسية تركية في المقام الأول، صحيح أخذت بُعد ديني عند بعض الفقهاء لكن في الضمير الشعبي ورثتها الشعوب من زوايا قومية أكثر تطرفا مثلما صورت أحيانا معاركهم على أنها حرب بين "المجوس والمسلمين" ومن يدقق في الملحمة الشعبية المصرية "علي الزيبق" يرى أن تراث الشرق الأوسط تأثر بهذه الحرب وإسقاط معاني الدين والقومية عليها بشكل مختلط وفج.
ثانيا: المقاومة، وهذا تعبير مريح للنفس والضمير أكثر بقُربه من حِسّ البشر الأخلاقي، فبدلا من استخدام مصطلحات عدائية كالهجوم والغزو نراهم قد استبدلوا ذلك بمعانٍ أقرب إلى الأخلاق والفضيلة "كالدفاع والمقاومة والممانعة" ونرى ذلك أحيانا في سب الخصوم لبعضهم بأنهم دعاة حرب، بينما الخصم يقول أنا مدافع عن نفسي، وحديثا استبدل الإنسان مفهوم وزارة الحربية بالدفاع لإقرار سلمية الدولة وعدم توريط جيشها بأي أخطاء.
هذا يعني أن رفع شعارات المقاومة لا يعني بالضرورة أنها مقاومة، بل هو في سبيل تجميل الفعل حتى ولو هجومي، مثلما يحدث الآن في اليمن بتكليف جنود سودانيين وإماراتيين بالهجوم على مواقع الحوثيين تحت اسم "المقاومة" رغم أنه اعتداء واضح من أجانب، نفس الشئ في الدور الإيراني، فليس معنى أنه يرفع شعار المقاومة أنه دائما يكون مدافع عن نفسه.
هذا من حيث الأصل، أما من حيث الفعل فقد شكلت إيران جماعتي حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين خلال حقبة الثمانينات، وفي عز اشتعال حربها مع صدام حسين، سقت أفكارها الأيدلوحية والحربية لكلا التنظيمين بروح المقاومة، على اعتبار أنها كانت تدافع عن نفسها ضد هجوم صدام وحلفائه الغربيين والخليجيين، وأحفظ هنا الخلاف في نشأة حماس إذ يقول البعض أنه لا علاقة لها بإيران ولا بالدور الإيراني، وأقول: هذا غير صحيح، فقد أنشأت حماس حركة الإخوان المسلمين في فلسطين، وخلال الثمانينات كان الإخوان متأثرين بالثورة الإيرانية واتصلوا برموزها فكانت حماس ثمرة هذا الاتصال.
المهم يعيش الدور الإيراني الآن على مصطلح المقاومة، الذي يتخلله تيارات متنوعة المذاهب والأعراق واللغات، فحزب الله اللبناني أصبح له فروع في العراق وأفريقيا..ليس بالضرورة أن يكونوا متصلين مع كيان الحزب الرئيسي في الضاحية الجنوبية ببيروت، إنما هو من قبيل التأسي بالأسماء مثلما جمعت بعض الفصائل الجهادية هذا التأسي والاقتداء في الميادين دون أن تجمعهم أرض واحدة أو لغة واحدة، وتلك هذه الأربطة الروحية التي ميزت الجماعات باختلاف مذاهبها، ويعني مصطلح المقاومة فنيا صد الخطر الاستعماري والإمبريالي التوسعي الذي ترعاه أمريكا بأدواتها في الشرق الأوسط كإسرائيل والسعودية، لذلك كان استخدام السعوديين مصطلح المقاومة ضد الحوثيين في اليمن مفاجئا لي باعتبار رمزية المفهوم (القبيحة) في أنفس الخليجيين وارتباطه دائما بمفردات كالمد الشيعي وخطر إيران والهلال الشيعي ..إلخ
وبعد سقوط أنظمة "صدام حسين وعلي صالح والقذافي" وصل محور المقاومة هذا لمحطته الأخيرة بضمه 4 جهات فقط وهم بالترتيب من حيث القوة "إيران – سوريا –حزب الله – حماس" هؤلاء من تولوا قيم الدفاع عن "المقدسات" وأعباء تحرير الأرض وحشد الشعوب والدول لقضيتهم العادلة..والتي تعترف بها الأمم المتحدة ومجلس الأمن بإدراج إسرائيل كدولة محتلة هي الوحيدة من بقايا الاستعمار.
لذلك عندما قامت ثورة سوريا حذرت وقتها بأن الثوار سيُصدمون ليس فقط من النظام بل من بقية أعضاء المحور والمتعاطفين معه من الشعوب والحكومات المعارضة لإسرائيل، وهذا هو التوجه الأيدلوجي العابر للحدود الذي قصدته في البداية، أن مكمن قوة الأسد ليس في جيشه بل في ما يحمله من أفكار ومبادئ، فالثورة عليه إذن هي ثورة على المقاومة ضد إسرائيل بالأساس، حتى لو اتهمنا النظام بالنفاق والخوف من إسرائيل وتحرير الجولان، إلا أنه مكتسب ضمنيا وجوهريا كل معاني المقاومة برفض اتفاقيات السلام والحوار مع إسرائيل منذ كامب ديفيد حتى الآن، ولا يعترف سوى بشئ وحيد هو انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة دون قيدٍ أو شرط.
إنما على ما يبدو غردت حماس خارج السرب بانحيازها لأول مرة خارج مصالح هذا المحور ، وساند بعض قياداتها ثوار سوريا، وتحول بعض شيوخها وعناصرها لأبواق طائفية ومقاتلين ضد الجيش السوري، مما دفع بالأسد لطرد الحركة من دمشق التي لم تجد لها مأوىً أخير سوى في قطر، حتى خسر المقاومون عضوا فعّالا ونشطا كان على مدار سنوات وعقود واجهة لتلميع هذا المحور ضد إسرائيل ومانعا لاتهام محور المقاومة بالطائفية، حتى أصبح اتهام إيران وسوريا بالمذهبية سائغا، لكن بتسارع الأحداث وفي خضم الأزمة الخليجية الأخيرة بحصار قطر عادت ريمة لعادتها القديمة، احتضن المحور حماس مرة أخرى التي فقدت داعميها الخليجيين ما عدا قطر، ساعد في تأجيج ذلك الموقفين المصري والإماراتي من قطر والإخوان المسلمين..حتى انخرطت حماس مرة أخرى في تشكيلات الدور الإيراني المقاوم بعد سنوات قطيعة.
ثالثا: الوحدة الإسلامية، وهو مفهوم يندرج منه عدة مفاهيم أخرى كالتسامح والتقريب بين السنة والشيعة، إنما لفظ الوحدة يعني جمع المسلمين إما لسلطة واحدة وإما لهدف واحد، ولا أعتقد أن المقصود من تسويقه في الدور الإيراني سلطة واحدة على الأقل الآن، ربما يصبح خطة مستقبلية إذا ما قررت إيران حكم المسلمين جميعهم تحت سلطان الإمام ولي الفقيه.
الهدف من تسويق هذا المفهوم هو جمع المسلمين لهدف واحد وهو "مقاومة إسرائيل والهيمنة الأمريكية" إذن هو شعار يندرج تحت فقه المقاومة، ولارتباطه بجوانب فلسفية أصبح له مؤسسات ومثقفين وتجمعات سنوية، كما يحدث مثلا في مؤتمر "القدس" السنوي بالإكثار من شعارات التسامح والتقريب والوحدة، وهو يؤكد أن إطلاق نداء الوحدة الإسلامية هو لهدف سياسي يتعلق بأيدلوجية الثورة الإسلامية في موقفها من الغرب الاستعماري..وخصوصا إسرائيل.
ولا يختص المفهوم بتوحيد الجوانب العقائدية، إنما هو سياسي بحت، فمؤتمرات التقريب والوحدة مثلا لا تناقش خلافات العقائد بين السنة والشيعة، أو بين السلفية والأشعرية، أو بين الصوفية والحنبلية، أو بين الإمامية والإسماعيلية، وتختصر هذا الواقع في نداء يجمع كل هؤلاء تحت شعار نبيل وهو "تحرير فلسطين" لذلك وجد هذا النداء وتلك المؤتمرات صدى، إنما لعزوف المملكة السعودية عنه تضرر هذا النداء بشدة، وللهجوم العنيف عليه من إعلام الخليج الديني والسياسي بات نداءا مشبوها عند بعض الفئات، بحيث إذا دعوتهم للوحدة الإسلامية قالوا: أنت تدعونا للتشيع..
ساهم الرفض السعودي والتشكيك السلفي في التمرد على أصول وثوابت المذهب السني، إذ وقف المتمردون بين مفارقة اختيار مبادئ القرآن والتراث والأخلاق والإنسانية – التي يحويها الشعار – وبين دعوات العنف والصدام والتشكيك –الذي يصل أحيانا لحد الكذب – وقتها لا يجد أمامه سوى خيار وحيد وهو الإيمان بصحة المذهب الشيعي، وأن المنتفعين من عدم انتشاره هم سبب أزمات المسلمين وضياع أرض فلسطين، ولو عقدنا إحصائية عن أسباب ودوافع المتشيعين الجدد في الانتقال سنجدهم يحكون نفس الرواية، إضافة طبعا لظهور داعش أضعف المذهب السني والتيار السلفي بشكل مرتفع بين عوام المسلمين.
ورأيي أن الوحدة شئ جيد وهدف نبيل بالفعل، لكن يحتاج لتحققه إلى سلطات ليبرالية وأهداف اقتصادية، وهذا غير متحقق عند أصحاب النداء، فإيران دولة تختلط فيها قيم الديمقراطية والثيوقراطية..ودستورها مذهبي، وندائها بالوحدة طبيعي يكون مشكوك فيه من خصوم الشيعة المذهبيين أولا، ومن المثقفين الليبراليين واليساريين ثانيا، إضافة لأهم عامل وهو مصالح حكام العرب التي يهددها هذا الشعار بزوال سلطانهم خصوصا في منطقة الخليج.
إيران تواجه هذه الدعاوى بالتشكيك أيضا، واتهام الشيعين للوحدة أنهم عملاء لأمريكا، ويتغاضون عن الجانب الفلسفي والسياسي في الموضوع، وينكرون مصالح الآخرين وحق البعض في الدفاع عن مصالحه، بل تتهمهم بإثارة الشقاق والفتن بين السنة والشيعة، وإن كان في بعض اتهاماتهم صحة لكن البعض الآخر غير صحيح، فتلك الجوانب المثالية لا تصلح في العمل السياسي، يعني فرق بين النظرية الوحدوية وتطبيقها على الأرض ، وليس أدل على ذلك من الفتن الحالية والصراع المذهبي، فقد حدث تحت دعاوى التوحيد أساسا، إما توحيد العقائد من جانب السلفية، وإما توحيد الشعوب من جانب إيران، بينما جوهر مسألة الوحدة لم يقترب منه أحد وهو (المصالح)
نعم فالمصالح هي جوهر أي وحدة، ولا تتحقق المصالح إلا بالاستقرار السياسي أولا والمنفعة الاقتصادية ثانيا، ونصف الدول العربية الآن في غير مستقرة ومهددة ومنها تفكك بالفعل، بينما المصلحة الاقتصادية غائبة، والسوق العربية المشتركة لم تعد مطلبا يرفضه أمراء الخليج كما في السابق، بل لم تعد مطروحة على مائدة النقاش أصلا، وفي تقديري أن هذا الهبوط والانحطاط العربي رغم أن له دوافعه وأسبابه المتنوعة لكن يصب في مصلحة الإيرانيين باعتبار صدق دعواهم، أنه لا ملجأ من الفتن إلا بالوحدة، وهذه هي القيمة الأخلاقية في النداء التي جذبت بعض الشعوب وتعاطف معها أيضا بعض المثقفين، على الأقل اعتبارها جزء ومرحلة من مشروع أضخم بتطوير سب التواصل بين العرب والمسلمين ، لكن يبقى الانحطاط العربي والحروب يخدمان الدور الإيراني بتعزيز مفهوم الوحدة على نمطه الإيراني.
ننتقل الآن لجانب آخر وهو تحرير المصطلحات الفاعلة في الدور الإيراني في المنطقة ، كمفاهيم " الطائفية – المقاومة – الوحدة الإسلامية" والسبب في اختيار تلك المصطلحات للمناقشة ارتباطها بحركة إيران الديناميكية سواء في ميادين السياسة والدين والإعلام والحرب، بهدف تصوير كامل للدور الإيراني عقليا بعدما وقفنا على طبيعته ونفوذه على الأرض.
أولا: الطائفية، وهو أشهر مصطلح الآن في الشرق الأوسط متعلق بالحروب العربية العربية على أساس ديني، سواء في اليمن وسوريا أو كالتي جرت في العراق، وعلى ذكر الحروب البينية بين العرب يعني أن الواقع يشهد بأن العرب وحدهم الذين تضرروا من الحرب الدينية هذه، وفي حين يتهم البعض إيران بأنها مصدر الطائفية نجدها لم تتضرر فعليا وهذا يستوجب عدة أسئلة:
1- هل النظام الإيراني ينشر الطائفية بالفعل؟..فالناشر يؤمن بما ينشره، فإذا كان الإيرانيون طائفيون لماذا لم يضطهدوا سنة إيران البالغ عددهم 15 مليون على أقل تقدير، فإذا قيل أن السنة هناك مُضطهَدون فلماذا العالم لا يتحدث عن ذلك أو ترصده جمعيات حقوق الإنسان والأمم المتحدة؟..فبنظرة سريعة نجد أن دعاوى اضطهاد سنة إيران مصدرها الخليج وتيار السلفية الحنبلي.
ليس تبرئة لإيران من الطائفية ولكنها أسئلة مشروعة، أين رموز سنة إيران ليتحدثوا عن هذا الاضطهاد، وما حقيقة دور السنة الإيرانيين في الحكم بمجالس الشورى والخبراء، أو في الحكومة؟..لن أجيب على هذه الأسئلة وأترك للقارئ البحث عنها بنفسه من مصادر الأخبار، ولا يعني ذلك شبهة على الدور الطائفي للسياسة الخارجية للدولة، ففي مقدمة البحث أشرنا لبعض من ذلك بانتهاج السياسة الإيرانية توجها طائفيا بالفعل تمثل في دعم الحركات الشيعية في الشام والخليج بدعوى الإصلاح، والتغاضي عن نظائرها السنية إلا فيما لو قررت تلك الحركات مقاومة إسرائيل كحركة حماس، وهذا يعني أن التوجه الطائفي لإيران في الخارج مع السلام الاجتماعي والسياسي في الداخل يعني تكرار لنماذج الدول الاستعمارية القديمة التي جمعت بين السلام الداخلي والتسلط الخارجي.
هذا بخلاف طبيعة النظام الأصولية المعادية لقيم العلمانية، فقد جعلتهم أقرب للحكومات الدينية المتحدثة باسم الإله، وحادثة سجن الفيلسوف والمؤرخ الإيراني "هاشم أغاجاري" عام 2002 دليل، فقد حُكم عليه بالإعدام لنقده التحالف الكهنوتي بين السلطة ورجال الدين، أي طعن صريح بأهم عنصر في عناصر الثورة الإسلامية وهو "ولاية الفقيه"، إنما لا يعني ذلك تأثرا للسياسة الخارجية الإيرانية بتلك الأصولية –التي يكافحها الآن حسن روحاني- إنما الخط العام لسياسيي إيران يخلو من ذلك بظهور صورة ليبرالية وخطاب منفتح على الخارج، وهو نفس سلوك حكام السعودية بالمناسبة، إذ في تقديري أن كلتا الدولتين تعانيان من نفس الأعراض، أصولية في الداخل لمخاطبة جمهورهم المتدين، وليبرالية في الخارج لمخاطبة شعوب متحضرة أغلبها لادينية أو مسيحية.
ويبقى التعارض بين الدور الإيراني الموجه لدعم حركات شيعية إصلاحية وبين انفتاحها الليبرالي شاهد على أن السياسة مصلحة في الأخير، فلو تتطلب الأمر شعارا أخلاقيا إصلاحيا وثوريا فهو موجود، ولو تتطلب انفتاحا وتسامحا وتعاونا أيضا فهو موجود، وهي أعراض ملازمة لكل سياسات دول العالم بالمناسبة، فالتناقض هو السمة الأبرز الآن لنُظم ما بعد بعد الحداثة التي وضعت قيم الاستهلاك مقدمة على الفضيلة، بيد أن التكيف مع الباطل قد يصبح ضرورة عند الشعوب إذا ما رأت في مقاومته تهديدا لمصالحها وفقدان لذة السعادة ، وقد اصطلح قديما لهذا التوجه بالبراجماتية التي لها جذور في فلسفة زينون الرواقي، وتيار الأبيقوريين اليوناني في العصر الهلنستي.
وبمناسبة ذكر الرواقيين أجد فسحة في الحديث عن ثوار سوريا الذين اقتربوا من خصوم زينون كالفيلسوف "أنتيس تنيس" رائد المدرسة الكلبية التي قدمت الفضيلة على لذة السعادة، ورأت أن تحقيق الفضائل يستوجب السعادة بالضرورة، وهذا اتجاه مثالي بالمناسبة أعتقد أن معارضي سوريا المسلحين وقعوا فيه..بمعنى أنهم فشلوا في الاعتراف بالواقع وعدم قدرتهم على إسقاط النظام السوري بوسائلهم تلك، إما بالتدخل العربي أو الغربي، في حين يمتلك النظام قاعدة أيدلوجية ودينية عابرة للحدود، وولاء بقيم أخلاقية ساعدته على الصمود كالدفاع عن أرواح المسيحيين والعلويين والصوفيين ومؤيدي الحكومة من العوام حتى أقنع الروس بجدوى ما يفعله وقوته في الصمود، إلى أن تشجعوا في التدخل وقلب موازين القوى منذ أعوام.
وهذا يشير إلى أخطاء وقع فيها ثوار سوريا استفاد منها الدور الإيراني وحليفه بشار الأسد، كرفعهم شعارات طائفية في البداية أجبرت المُكوّنين المسيحي والعلوي على دعم النظام وتشكيل خلايا شعبية وقوى ميدانية وتيارات ثقافية لمقاومة الغزو الأصولي لجماعات داعش والقاعدة والإخوان الوطن السوري، صحيح أضعف ذلك جماعات المعارضة المعتدلة المنادية بالإصلاح، لكنها ضريبة تدفعها دائما الثورات العسكرية بفقدان البوصلة وتسلط أمراء الحرب وتمكن ذوي المال والنفوذ، بينما المثقفين والفلاسفة في هذا التوقيت لا دور حقيقي لهم إذ ينشطون بالأساس في ظل السلام وسكون المجتمع، أما في حال تحرك المجتمع ونشط فالقيادة فيه أصبحت تنظيمية دعائية..وهذه أمور يفتقدها المثقفون.
2- هل لإيران وجه شعوبي قومي فارسي؟ ..والجواب: لن أستفيض في البحث عن إجابة موضوعية لهذا السؤال، فهذا العصر ليس شعوبيا بل دينيا، بمعنى اختفاء وضمور القوى القومية وعيشها في سراديب الماضي وحكايات الزمن، فلا الشعب الإيراني الآن يقدم فارسيته على شيعيته، ولا الشعوب العربية الآن تقدم عروبيتها على سنيتها، وهذا التحول حدث بفضل إشعال أمريكا للأصولية الدينية الإسلامية مع القاعدة في التسعينات، وقبلها وقبلها مع المجاهدين الأفغان، وقبلها بالدور السعودي الناشر للسلفية السلفية في وجه الشيوعيين بأوامر أمريكية كما صرح مؤخرا ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"..ثم قيام ثورة إيران في الأخير بطبيعة دينية شيعية منسجمة مع التوجه الديني السائد..( أنظر مقالنا المنشور على الإنترنت "انهيار القومية العربية" بتاريخ 15 يناير 2018)
ويمكن اعتبار أن التوجه القومي الشعوبي لإيران اختفى تدريجيا منذ رحيل الشاه، فالقيادة الجديدة ليست فارسية حُكما ..إنما شيعية، ولما حاربها صدام حسين بشعارات العروبة وقف أمامه شعب الأهواز العربي الإيراني..أي لم يكن الجانب الفارسي حاضرا في المعارك، علاوة على أن الفرس لا يمثلون سوى 60% من مجموع الشعب الإيراني، حتى أن قيادته الثورية لم تكن في معظمها فارسية، فالخوميني من أصول هندية في كشمير، وخامنئي من أصول أذرية، وشمخاني وصالحي عربيان.
ورأيي أن حضور الجانب الفارسي عند الإيرانيين يجعلهم أكثر خطورة مما هم عليه الآن، فانصهار المكونين القومي والديني في نفسٍ واحدة يجعلها أكثر تعصبا وضيقا في الرؤية، مثلما حدث قديما بين العثمانيين والصفويين، هذه حرب لم تكن سنية شيعية فقط، إنما فارسية تركية في المقام الأول، صحيح أخذت بُعد ديني عند بعض الفقهاء لكن في الضمير الشعبي ورثتها الشعوب من زوايا قومية أكثر تطرفا مثلما صورت أحيانا معاركهم على أنها حرب بين "المجوس والمسلمين" ومن يدقق في الملحمة الشعبية المصرية "علي الزيبق" يرى أن تراث الشرق الأوسط تأثر بهذه الحرب وإسقاط معاني الدين والقومية عليها بشكل مختلط وفج.
ثانيا: المقاومة، وهذا تعبير مريح للنفس والضمير أكثر بقُربه من حِسّ البشر الأخلاقي، فبدلا من استخدام مصطلحات عدائية كالهجوم والغزو نراهم قد استبدلوا ذلك بمعانٍ أقرب إلى الأخلاق والفضيلة "كالدفاع والمقاومة والممانعة" ونرى ذلك أحيانا في سب الخصوم لبعضهم بأنهم دعاة حرب، بينما الخصم يقول أنا مدافع عن نفسي، وحديثا استبدل الإنسان مفهوم وزارة الحربية بالدفاع لإقرار سلمية الدولة وعدم توريط جيشها بأي أخطاء.
هذا يعني أن رفع شعارات المقاومة لا يعني بالضرورة أنها مقاومة، بل هو في سبيل تجميل الفعل حتى ولو هجومي، مثلما يحدث الآن في اليمن بتكليف جنود سودانيين وإماراتيين بالهجوم على مواقع الحوثيين تحت اسم "المقاومة" رغم أنه اعتداء واضح من أجانب، نفس الشئ في الدور الإيراني، فليس معنى أنه يرفع شعار المقاومة أنه دائما يكون مدافع عن نفسه.
هذا من حيث الأصل، أما من حيث الفعل فقد شكلت إيران جماعتي حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين خلال حقبة الثمانينات، وفي عز اشتعال حربها مع صدام حسين، سقت أفكارها الأيدلوحية والحربية لكلا التنظيمين بروح المقاومة، على اعتبار أنها كانت تدافع عن نفسها ضد هجوم صدام وحلفائه الغربيين والخليجيين، وأحفظ هنا الخلاف في نشأة حماس إذ يقول البعض أنه لا علاقة لها بإيران ولا بالدور الإيراني، وأقول: هذا غير صحيح، فقد أنشأت حماس حركة الإخوان المسلمين في فلسطين، وخلال الثمانينات كان الإخوان متأثرين بالثورة الإيرانية واتصلوا برموزها فكانت حماس ثمرة هذا الاتصال.
المهم يعيش الدور الإيراني الآن على مصطلح المقاومة، الذي يتخلله تيارات متنوعة المذاهب والأعراق واللغات، فحزب الله اللبناني أصبح له فروع في العراق وأفريقيا..ليس بالضرورة أن يكونوا متصلين مع كيان الحزب الرئيسي في الضاحية الجنوبية ببيروت، إنما هو من قبيل التأسي بالأسماء مثلما جمعت بعض الفصائل الجهادية هذا التأسي والاقتداء في الميادين دون أن تجمعهم أرض واحدة أو لغة واحدة، وتلك هذه الأربطة الروحية التي ميزت الجماعات باختلاف مذاهبها، ويعني مصطلح المقاومة فنيا صد الخطر الاستعماري والإمبريالي التوسعي الذي ترعاه أمريكا بأدواتها في الشرق الأوسط كإسرائيل والسعودية، لذلك كان استخدام السعوديين مصطلح المقاومة ضد الحوثيين في اليمن مفاجئا لي باعتبار رمزية المفهوم (القبيحة) في أنفس الخليجيين وارتباطه دائما بمفردات كالمد الشيعي وخطر إيران والهلال الشيعي ..إلخ
وبعد سقوط أنظمة "صدام حسين وعلي صالح والقذافي" وصل محور المقاومة هذا لمحطته الأخيرة بضمه 4 جهات فقط وهم بالترتيب من حيث القوة "إيران – سوريا –حزب الله – حماس" هؤلاء من تولوا قيم الدفاع عن "المقدسات" وأعباء تحرير الأرض وحشد الشعوب والدول لقضيتهم العادلة..والتي تعترف بها الأمم المتحدة ومجلس الأمن بإدراج إسرائيل كدولة محتلة هي الوحيدة من بقايا الاستعمار.
لذلك عندما قامت ثورة سوريا حذرت وقتها بأن الثوار سيُصدمون ليس فقط من النظام بل من بقية أعضاء المحور والمتعاطفين معه من الشعوب والحكومات المعارضة لإسرائيل، وهذا هو التوجه الأيدلوجي العابر للحدود الذي قصدته في البداية، أن مكمن قوة الأسد ليس في جيشه بل في ما يحمله من أفكار ومبادئ، فالثورة عليه إذن هي ثورة على المقاومة ضد إسرائيل بالأساس، حتى لو اتهمنا النظام بالنفاق والخوف من إسرائيل وتحرير الجولان، إلا أنه مكتسب ضمنيا وجوهريا كل معاني المقاومة برفض اتفاقيات السلام والحوار مع إسرائيل منذ كامب ديفيد حتى الآن، ولا يعترف سوى بشئ وحيد هو انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة دون قيدٍ أو شرط.
إنما على ما يبدو غردت حماس خارج السرب بانحيازها لأول مرة خارج مصالح هذا المحور ، وساند بعض قياداتها ثوار سوريا، وتحول بعض شيوخها وعناصرها لأبواق طائفية ومقاتلين ضد الجيش السوري، مما دفع بالأسد لطرد الحركة من دمشق التي لم تجد لها مأوىً أخير سوى في قطر، حتى خسر المقاومون عضوا فعّالا ونشطا كان على مدار سنوات وعقود واجهة لتلميع هذا المحور ضد إسرائيل ومانعا لاتهام محور المقاومة بالطائفية، حتى أصبح اتهام إيران وسوريا بالمذهبية سائغا، لكن بتسارع الأحداث وفي خضم الأزمة الخليجية الأخيرة بحصار قطر عادت ريمة لعادتها القديمة، احتضن المحور حماس مرة أخرى التي فقدت داعميها الخليجيين ما عدا قطر، ساعد في تأجيج ذلك الموقفين المصري والإماراتي من قطر والإخوان المسلمين..حتى انخرطت حماس مرة أخرى في تشكيلات الدور الإيراني المقاوم بعد سنوات قطيعة.
ثالثا: الوحدة الإسلامية، وهو مفهوم يندرج منه عدة مفاهيم أخرى كالتسامح والتقريب بين السنة والشيعة، إنما لفظ الوحدة يعني جمع المسلمين إما لسلطة واحدة وإما لهدف واحد، ولا أعتقد أن المقصود من تسويقه في الدور الإيراني سلطة واحدة على الأقل الآن، ربما يصبح خطة مستقبلية إذا ما قررت إيران حكم المسلمين جميعهم تحت سلطان الإمام ولي الفقيه.
الهدف من تسويق هذا المفهوم هو جمع المسلمين لهدف واحد وهو "مقاومة إسرائيل والهيمنة الأمريكية" إذن هو شعار يندرج تحت فقه المقاومة، ولارتباطه بجوانب فلسفية أصبح له مؤسسات ومثقفين وتجمعات سنوية، كما يحدث مثلا في مؤتمر "القدس" السنوي بالإكثار من شعارات التسامح والتقريب والوحدة، وهو يؤكد أن إطلاق نداء الوحدة الإسلامية هو لهدف سياسي يتعلق بأيدلوجية الثورة الإسلامية في موقفها من الغرب الاستعماري..وخصوصا إسرائيل.
ولا يختص المفهوم بتوحيد الجوانب العقائدية، إنما هو سياسي بحت، فمؤتمرات التقريب والوحدة مثلا لا تناقش خلافات العقائد بين السنة والشيعة، أو بين السلفية والأشعرية، أو بين الصوفية والحنبلية، أو بين الإمامية والإسماعيلية، وتختصر هذا الواقع في نداء يجمع كل هؤلاء تحت شعار نبيل وهو "تحرير فلسطين" لذلك وجد هذا النداء وتلك المؤتمرات صدى، إنما لعزوف المملكة السعودية عنه تضرر هذا النداء بشدة، وللهجوم العنيف عليه من إعلام الخليج الديني والسياسي بات نداءا مشبوها عند بعض الفئات، بحيث إذا دعوتهم للوحدة الإسلامية قالوا: أنت تدعونا للتشيع..
ساهم الرفض السعودي والتشكيك السلفي في التمرد على أصول وثوابت المذهب السني، إذ وقف المتمردون بين مفارقة اختيار مبادئ القرآن والتراث والأخلاق والإنسانية – التي يحويها الشعار – وبين دعوات العنف والصدام والتشكيك –الذي يصل أحيانا لحد الكذب – وقتها لا يجد أمامه سوى خيار وحيد وهو الإيمان بصحة المذهب الشيعي، وأن المنتفعين من عدم انتشاره هم سبب أزمات المسلمين وضياع أرض فلسطين، ولو عقدنا إحصائية عن أسباب ودوافع المتشيعين الجدد في الانتقال سنجدهم يحكون نفس الرواية، إضافة طبعا لظهور داعش أضعف المذهب السني والتيار السلفي بشكل مرتفع بين عوام المسلمين.
ورأيي أن الوحدة شئ جيد وهدف نبيل بالفعل، لكن يحتاج لتحققه إلى سلطات ليبرالية وأهداف اقتصادية، وهذا غير متحقق عند أصحاب النداء، فإيران دولة تختلط فيها قيم الديمقراطية والثيوقراطية..ودستورها مذهبي، وندائها بالوحدة طبيعي يكون مشكوك فيه من خصوم الشيعة المذهبيين أولا، ومن المثقفين الليبراليين واليساريين ثانيا، إضافة لأهم عامل وهو مصالح حكام العرب التي يهددها هذا الشعار بزوال سلطانهم خصوصا في منطقة الخليج.
إيران تواجه هذه الدعاوى بالتشكيك أيضا، واتهام الشيعين للوحدة أنهم عملاء لأمريكا، ويتغاضون عن الجانب الفلسفي والسياسي في الموضوع، وينكرون مصالح الآخرين وحق البعض في الدفاع عن مصالحه، بل تتهمهم بإثارة الشقاق والفتن بين السنة والشيعة، وإن كان في بعض اتهاماتهم صحة لكن البعض الآخر غير صحيح، فتلك الجوانب المثالية لا تصلح في العمل السياسي، يعني فرق بين النظرية الوحدوية وتطبيقها على الأرض ، وليس أدل على ذلك من الفتن الحالية والصراع المذهبي، فقد حدث تحت دعاوى التوحيد أساسا، إما توحيد العقائد من جانب السلفية، وإما توحيد الشعوب من جانب إيران، بينما جوهر مسألة الوحدة لم يقترب منه أحد وهو (المصالح)
نعم فالمصالح هي جوهر أي وحدة، ولا تتحقق المصالح إلا بالاستقرار السياسي أولا والمنفعة الاقتصادية ثانيا، ونصف الدول العربية الآن في غير مستقرة ومهددة ومنها تفكك بالفعل، بينما المصلحة الاقتصادية غائبة، والسوق العربية المشتركة لم تعد مطلبا يرفضه أمراء الخليج كما في السابق، بل لم تعد مطروحة على مائدة النقاش أصلا، وفي تقديري أن هذا الهبوط والانحطاط العربي رغم أن له دوافعه وأسبابه المتنوعة لكن يصب في مصلحة الإيرانيين باعتبار صدق دعواهم، أنه لا ملجأ من الفتن إلا بالوحدة، وهذه هي القيمة الأخلاقية في النداء التي جذبت بعض الشعوب وتعاطف معها أيضا بعض المثقفين، على الأقل اعتبارها جزء ومرحلة من مشروع أضخم بتطوير سب التواصل بين العرب والمسلمين ، لكن يبقى الانحطاط العربي والحروب يخدمان الدور الإيراني بتعزيز مفهوم الوحدة على نمطه الإيراني.
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
رد: الدور الإيراني في الشرق الأوسط
الفصل الرابع والأخير: التحديات والتوقعات
أولا: التحديات ،وهي تتعلق بمكامن القوة الأمريكية والسعودية في الشرق الأوسط بوصفهم أعداء، فهي قوة ضخمة تفوق قدرة إيران على مجابهتها، إنما لا تفوق قدرتهم على احتوائها، بمعنى أن الإيرانيين نجحوا في تحييد واحتواء هذه القوى في عدة ملفات.
فمثلا: القوة العسكرية الأمريكية في سوريا نجحت إيران بوقفها عبر تحييدها قانونيا في التنسيق مع الأسد وبوتين في تشكيل حلف سياسي قانوني مهمته الأولى مجلس الأمن والأمم المتحدة، هذا نزع الغطاء الشرعي عن تدخل أمريكا في الشرق الأوسط، وأعطى حجم ونفوذ أكبر للروس والإيرانيين شكل قاعدة بعد ذلك لحضور عسكري بإنشاء قواعد إيرانية وتجمع يزداد يوما بعد يوم للحرس الثوري الإيراني، وهذا لم يكن يتوقعه أكثر المتشائمين كما عرضت له منذ قليل.
وكذلك القوة المالية السعودية نجحت إيران في وقفها بعدم التدخل في سوريا والعراق إلا بعد استفحال خطر الجماعات المسلحة، وتحويل عامل المال السعودي لنقطة ضعف ومنبر اتهام دائم لهم بدعم الإرهاب، وأتصور أن تدخل الإيرانيين منذ البداية في كلا الملفين كان يعطي الحجة القانونية والأخلاقية للمال السعودي، بالضبط كما حدث في الفتنة السنية الشيعية عام 2006 بعد تصريحات الملك عبدالله ووزير خارجيته سعود الفيصل أن السعودية مسئولة عن حماية السنة العراقيين من الخطر الإيراني، هذا أعطى درس للإيرانيين باحتواء هذه القوة وعدم الوقوع في نفس الخطـأ..
نفس الشئ احتووا به القوة الدينية للمملكة بإظهار جرائمها في اليمن والبحرين، هذا ساهم في إضعاف المملكة سياسيا وفض التحالفات معها وانحصاره إلى 4 دول فقط الآن يمثلون عصب التحالف ضد قطر، إضافة لتسويق اتهام المملكة بدعم السلفية والمتطرفين السنة..هذا أيضا نقل تلك القوة الدينية لنقطة ضعف بإثبات علاقة السعوديين بالمتطرفين أولا، ثم إثبات جرائم المتطرفين وانسحاب ذلك على الداعمين بالضرورة..
ثانيا: التوقعات، وهي ختام تلك الورقة البحثية وأجملها في قدرة إيران عدم التورط عسكريا في سوريا، فالقدر الحالي بوجود مستشارين وخبراء وبعض مقاتلي الحرس الثوري ليس كبيرا بالمعنى الذي نقول فيه تورط أو مستنقع، لكن أفترض لو نقل الإيرانيون جحافل الحرس الثوري لسوريا ربما تحدث معركة كبرى مع إسرائيل وحلفائها الغربيين، وربما ينحاز الجيش الأردني معهم وتأخذ المعركة جانب أبعد من المواجهة مع إسرائيل، وظني أن قادة إيران ليسوا بالسذاجة التي تحملهم على التورط في سوريا، فأساليبهم حتى الآن تجمع بين القانون والندية.
فبالقانون نجحوا في التواجد عسكريا بسوريا، وبالندية جعلوا تطوع الجهاديين السنة سببا لتطوع الجهاديين الشيعة، وبالتالي انتفي السبب الأخلاقي والعقلي لاتهامهم بتطويع شيعة لإبادة السنة، بل الظاهر أن هذا رد فعل لذاك، فلو رحل الجهاديون السنة يرحل نظرائهم الشيعة بالضرورة.
كذلك توقعي للدور الإيراني يعتمد على قدرة الأنظمة العربية على الاستجابة للأفكار الواردة في هذا المقال، فعلى الحكومات العربية أن لا تعطي الذريعة للتدخل الإيراني، لا تكفي فقط مهاجمته، بل يجب عليهم نشر العدالة الاجتماعية والمساواه وعدم التطبيع مع إسرائيل بوصفها قوة احتلال سرقت أراضي وثروات الفلسطينيين، هنا التطبيع يعني إعانة للسارق ليس نصحا، وتماديا في الغي وخلق المشاكل لا حلا لها، فعلى الأنظمة العربية الكف عن نشر الطائفية وحصار الأبواق المذهبية ، وتجريم الكراهية والعنصرية قانونيا، هذا يساهم في الحد من النفوذ الإيراني الذي يعتمد في جوهره على مظلوميات الأقليات الشيعية، وفي تقديري أن هذا المطلب صعب تحقيقه، فالأنظمة العربية في غالبها معادية للقيم العلمانية، وتفضل في أكثر الأحيان أن تتحالف مع رجال الدين لأسباب بحماية سلطتهم والتقرب للشعوب.
وباختصار شديد: لو لم تستجيب الحكومات العربية لنداءات التنوير ونشر القيم العلمانية والديمقراطية والمدنية ستتوغل إيران أكثر، ونفوذها سيتضخم، فكما أن أمريكا توغلت عربيا بدعوى الخطر الشيوعي، إيران تتوغل بدعوى الخطر السلفي السلفي ، إضافة للدعوة الأبرز "الخطر الصهيوني" وربط كلا المفهومين "السلفية والصهيونية" في نَظم واحد بهدف إثبات العلاقة بين السعودية وإسرائيل في تهديد الشرق الأوسط، ورأيي أن قيادة المملكة الآن وحلفائها في الإمارات والبحرين يخطئان خطئا كبيرا بدعاوى التطبيع مع إسرائيل ونصرتها على خصومها في سوريا (تصريح وزير الخارجية البحراني بدعم هجوم إسرائيل على إيران أمس نموذج)
لقد أثبت هذا الخطأ صحة دعاوى إيران بوجود علاقة بين السلفية والصهيونية، حتى لو لم توجد هذه العلاقة بشكل حقيقي فقد أوجدها الحكام العرب بالتقرب لإسرائيل والتحالف مع ترامب وشراء الأسلحة الأمريكية بالمليارات، وهذا في رأيي عامل يسلب الكثير من قوة العرب، فإسرائيل دولة محتلة قانونيا، وأخلاقيا دولة سارقة ، ودينيا هي عدو للمسلمين، فالمبعث كبير على ازدراء الإسرائيليين بين العرب، وأساسه ثقافي بحت لعوامل التاريخ واللغة والدين، وكما أن هذه العوامل نفعت الدور الإيراني أضرت أيضا بخصومه، فعلى من يريد استشراف ومستقبل دور إيران فليركز أولا على قضية فلسطين، فهي كانت وستظل محور هذا الدور وسلاحه الرئيسي والجوهري في الانتشار والنفوذ.
وأخيرا: على العرب مراجعة مفاهيم وشعارات ومبادئ عصر القومية العربية، فما يحدث الآن أكبر من فهمه بعقول الخمسينات والستينات، فالمنطقة الجغرافية المسماه بالوطن العربي متعددة الأعراق واللغات والأديان والمصالح، فشعوب المغرب بدأت تستعيد روحها الأمازيجية بعد تعثر وفشل العروبيون، نفس الشئ في مصر دعاوى لإحياء ثقافات ولغات الماضي الفرعونية والقبطية، والسوريان في سوريا ولبنان، هذا حنين لجذور مختلفة عن قيم العروبة لم تخرج هباء، وبنظرة دقيقة نرى أن حرب اليمن وسوريا حدثت بمسميات عروبية ، ومن قبلها غزو العراق للكويت، ومشاكل جانبية عدة بين الدول الحاضر الأساسي لها رفع شعارات العروبة كالموقف من قطر مثلا واتهامها بالولاء لخصوم العرب والتغاضي عن مصالح القطريين الاقتصادية بإحياء نعرات لا يعترف بها عصر حقوق الإنسان.
إذن المواجهة الحقيقية الآن ليست بين عرب وغيرهم، بل بين عرب وعرب، فالأمم الكبرى المجاورة لم تتضرر من حروب الشرق الأوسط كأثيوبيا وتركيا وإيران..رغم أن دوافع تلك الحروب تتعلق غالبا بالدول الثلاث، وهذا سياسيا يعني عوامل هدم ذاتية يعاني منها العرب الآن تتعلق بالثقافة والتراث الديني والموقف من الحضارة المعاصرة، والتقدم التكنولوجي، وهي نفس الملفات والمحاور التي شغلت بال الباحثين منذ عقود، ومعظم توقعاتهم حدثت وتحدث الآن بطريقة مثيرة للجدل.
أولا: التحديات ،وهي تتعلق بمكامن القوة الأمريكية والسعودية في الشرق الأوسط بوصفهم أعداء، فهي قوة ضخمة تفوق قدرة إيران على مجابهتها، إنما لا تفوق قدرتهم على احتوائها، بمعنى أن الإيرانيين نجحوا في تحييد واحتواء هذه القوى في عدة ملفات.
فمثلا: القوة العسكرية الأمريكية في سوريا نجحت إيران بوقفها عبر تحييدها قانونيا في التنسيق مع الأسد وبوتين في تشكيل حلف سياسي قانوني مهمته الأولى مجلس الأمن والأمم المتحدة، هذا نزع الغطاء الشرعي عن تدخل أمريكا في الشرق الأوسط، وأعطى حجم ونفوذ أكبر للروس والإيرانيين شكل قاعدة بعد ذلك لحضور عسكري بإنشاء قواعد إيرانية وتجمع يزداد يوما بعد يوم للحرس الثوري الإيراني، وهذا لم يكن يتوقعه أكثر المتشائمين كما عرضت له منذ قليل.
وكذلك القوة المالية السعودية نجحت إيران في وقفها بعدم التدخل في سوريا والعراق إلا بعد استفحال خطر الجماعات المسلحة، وتحويل عامل المال السعودي لنقطة ضعف ومنبر اتهام دائم لهم بدعم الإرهاب، وأتصور أن تدخل الإيرانيين منذ البداية في كلا الملفين كان يعطي الحجة القانونية والأخلاقية للمال السعودي، بالضبط كما حدث في الفتنة السنية الشيعية عام 2006 بعد تصريحات الملك عبدالله ووزير خارجيته سعود الفيصل أن السعودية مسئولة عن حماية السنة العراقيين من الخطر الإيراني، هذا أعطى درس للإيرانيين باحتواء هذه القوة وعدم الوقوع في نفس الخطـأ..
نفس الشئ احتووا به القوة الدينية للمملكة بإظهار جرائمها في اليمن والبحرين، هذا ساهم في إضعاف المملكة سياسيا وفض التحالفات معها وانحصاره إلى 4 دول فقط الآن يمثلون عصب التحالف ضد قطر، إضافة لتسويق اتهام المملكة بدعم السلفية والمتطرفين السنة..هذا أيضا نقل تلك القوة الدينية لنقطة ضعف بإثبات علاقة السعوديين بالمتطرفين أولا، ثم إثبات جرائم المتطرفين وانسحاب ذلك على الداعمين بالضرورة..
ثانيا: التوقعات، وهي ختام تلك الورقة البحثية وأجملها في قدرة إيران عدم التورط عسكريا في سوريا، فالقدر الحالي بوجود مستشارين وخبراء وبعض مقاتلي الحرس الثوري ليس كبيرا بالمعنى الذي نقول فيه تورط أو مستنقع، لكن أفترض لو نقل الإيرانيون جحافل الحرس الثوري لسوريا ربما تحدث معركة كبرى مع إسرائيل وحلفائها الغربيين، وربما ينحاز الجيش الأردني معهم وتأخذ المعركة جانب أبعد من المواجهة مع إسرائيل، وظني أن قادة إيران ليسوا بالسذاجة التي تحملهم على التورط في سوريا، فأساليبهم حتى الآن تجمع بين القانون والندية.
فبالقانون نجحوا في التواجد عسكريا بسوريا، وبالندية جعلوا تطوع الجهاديين السنة سببا لتطوع الجهاديين الشيعة، وبالتالي انتفي السبب الأخلاقي والعقلي لاتهامهم بتطويع شيعة لإبادة السنة، بل الظاهر أن هذا رد فعل لذاك، فلو رحل الجهاديون السنة يرحل نظرائهم الشيعة بالضرورة.
كذلك توقعي للدور الإيراني يعتمد على قدرة الأنظمة العربية على الاستجابة للأفكار الواردة في هذا المقال، فعلى الحكومات العربية أن لا تعطي الذريعة للتدخل الإيراني، لا تكفي فقط مهاجمته، بل يجب عليهم نشر العدالة الاجتماعية والمساواه وعدم التطبيع مع إسرائيل بوصفها قوة احتلال سرقت أراضي وثروات الفلسطينيين، هنا التطبيع يعني إعانة للسارق ليس نصحا، وتماديا في الغي وخلق المشاكل لا حلا لها، فعلى الأنظمة العربية الكف عن نشر الطائفية وحصار الأبواق المذهبية ، وتجريم الكراهية والعنصرية قانونيا، هذا يساهم في الحد من النفوذ الإيراني الذي يعتمد في جوهره على مظلوميات الأقليات الشيعية، وفي تقديري أن هذا المطلب صعب تحقيقه، فالأنظمة العربية في غالبها معادية للقيم العلمانية، وتفضل في أكثر الأحيان أن تتحالف مع رجال الدين لأسباب بحماية سلطتهم والتقرب للشعوب.
وباختصار شديد: لو لم تستجيب الحكومات العربية لنداءات التنوير ونشر القيم العلمانية والديمقراطية والمدنية ستتوغل إيران أكثر، ونفوذها سيتضخم، فكما أن أمريكا توغلت عربيا بدعوى الخطر الشيوعي، إيران تتوغل بدعوى الخطر السلفي السلفي ، إضافة للدعوة الأبرز "الخطر الصهيوني" وربط كلا المفهومين "السلفية والصهيونية" في نَظم واحد بهدف إثبات العلاقة بين السعودية وإسرائيل في تهديد الشرق الأوسط، ورأيي أن قيادة المملكة الآن وحلفائها في الإمارات والبحرين يخطئان خطئا كبيرا بدعاوى التطبيع مع إسرائيل ونصرتها على خصومها في سوريا (تصريح وزير الخارجية البحراني بدعم هجوم إسرائيل على إيران أمس نموذج)
لقد أثبت هذا الخطأ صحة دعاوى إيران بوجود علاقة بين السلفية والصهيونية، حتى لو لم توجد هذه العلاقة بشكل حقيقي فقد أوجدها الحكام العرب بالتقرب لإسرائيل والتحالف مع ترامب وشراء الأسلحة الأمريكية بالمليارات، وهذا في رأيي عامل يسلب الكثير من قوة العرب، فإسرائيل دولة محتلة قانونيا، وأخلاقيا دولة سارقة ، ودينيا هي عدو للمسلمين، فالمبعث كبير على ازدراء الإسرائيليين بين العرب، وأساسه ثقافي بحت لعوامل التاريخ واللغة والدين، وكما أن هذه العوامل نفعت الدور الإيراني أضرت أيضا بخصومه، فعلى من يريد استشراف ومستقبل دور إيران فليركز أولا على قضية فلسطين، فهي كانت وستظل محور هذا الدور وسلاحه الرئيسي والجوهري في الانتشار والنفوذ.
وأخيرا: على العرب مراجعة مفاهيم وشعارات ومبادئ عصر القومية العربية، فما يحدث الآن أكبر من فهمه بعقول الخمسينات والستينات، فالمنطقة الجغرافية المسماه بالوطن العربي متعددة الأعراق واللغات والأديان والمصالح، فشعوب المغرب بدأت تستعيد روحها الأمازيجية بعد تعثر وفشل العروبيون، نفس الشئ في مصر دعاوى لإحياء ثقافات ولغات الماضي الفرعونية والقبطية، والسوريان في سوريا ولبنان، هذا حنين لجذور مختلفة عن قيم العروبة لم تخرج هباء، وبنظرة دقيقة نرى أن حرب اليمن وسوريا حدثت بمسميات عروبية ، ومن قبلها غزو العراق للكويت، ومشاكل جانبية عدة بين الدول الحاضر الأساسي لها رفع شعارات العروبة كالموقف من قطر مثلا واتهامها بالولاء لخصوم العرب والتغاضي عن مصالح القطريين الاقتصادية بإحياء نعرات لا يعترف بها عصر حقوق الإنسان.
إذن المواجهة الحقيقية الآن ليست بين عرب وغيرهم، بل بين عرب وعرب، فالأمم الكبرى المجاورة لم تتضرر من حروب الشرق الأوسط كأثيوبيا وتركيا وإيران..رغم أن دوافع تلك الحروب تتعلق غالبا بالدول الثلاث، وهذا سياسيا يعني عوامل هدم ذاتية يعاني منها العرب الآن تتعلق بالثقافة والتراث الديني والموقف من الحضارة المعاصرة، والتقدم التكنولوجي، وهي نفس الملفات والمحاور التي شغلت بال الباحثين منذ عقود، ومعظم توقعاتهم حدثت وتحدث الآن بطريقة مثيرة للجدل.
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
مواضيع مماثلة
» نظرية الضفدع المغلي وتطبيقها في الشرق الأوسط
» سر تفوق الاقتصاد الإيراني
» نقد حزب الدور الأعلى
» نقد حزب الدور الأعلى للشيخ محي الدين بن العربي
» الجامع الأموي بدمشق... درّة مساجد الشرق
» سر تفوق الاقتصاد الإيراني
» نقد حزب الدور الأعلى
» نقد حزب الدور الأعلى للشيخ محي الدين بن العربي
» الجامع الأموي بدمشق... درّة مساجد الشرق
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى