الشورى فقها وتطبيقا ..!!
3 مشترك
شبكة واحة العلوم الثقافية :: الساحات العلمية والثقافية والحوارية :: ساحة الفقه والعلوم والحوارات الشرعية
صفحة 1 من اصل 1
الشورى فقها وتطبيقا ..!!
الشورى.. فقهًا وتطبيقًا
بقلم: د. محيي حامد
في بداية الحديث عن الشورى أوجز ما أقره فقهاء وعلماء الأمة وقادته من المصلحين في مفهوم الشورى وحكمها، ثم نتعرض بعد ذلك إلى ممارسة الشورى وبعض إشكاليات التطبيق للوصول إلى ممارسة صحيحة للشورى في المستويات المختلفة.
أولاً: الشورى فقهًا ومفهومًا
* فالشورى مبدأ قرآني، وأصل عام شامل لجميع شئون المجتمع، ولقد تميزت شريعتنا بأنها تربط الشورى بالعقيدة والعبادة إذ قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38)﴾ (الشورى)، ولقد جاءت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لتبين الممارسة العملية للشورى، فالشورى هي تداول وتقليب الآراء بين مجموعة معينة في موضوع معين للوصول إلى رأي يتم الاجتماع عليه أو يحوز الأغلبية ويصبح ملزمًا للجميع، فأي قرار يتخذ ينبغي أن يكون نتاج الشورى، لعموم قول الله تعالى ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾، لما تسمح به الشورى من تنوع في الآراء التي تعرض قبل حسم الأمر واتخاذ القرار ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ (آل عمران: من الآية 159).
* ويقول صاحب الظلال الشهيد سيد قطب في قوله تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾: ".. لقد جاء هذا النص عقب وقوع نتائج للشورى، تبدو في ظاهرها خطيرة مريرة، فقد كان من جرائها ظاهريًّا وقوع خلل في وحدة الصف المسلم، ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يجهل النتائج الخطيرة التي تنتظر الصف المسلم من جراء الخروج... وقد كان من حقه أن يلغي ما استقر عليه الأمر نتيجة للشورى، ولكنه أمضاها وهو يدرك ما وراءها من الآلام والخسائر والتضحيات، لأن إقرار المبدأ وتعليم الجماعة وتربية الأمة أكبر من الخسائر الوقتية... ولقد كان من حق القيادة النبوية، أن تنبذ مبدأ الشورى كله بعد المعركة أمام ما أحدثته من انقسام في الصفوف في أحرج الظروف، وأمام النتائج المريرة التي انتهت إليها المعركة... ولكن الإسلام كان ينشئ أمة ويربيها ويعدّها لقيادة البشرية، وكان الله يعلم أن خير وسيلة لتربية الأمم وإعدادها للقيادة الرشيدة أن تربَّى بالشورى وأن تدرب على حمل التبعة مهما يكن الخطأ جسيمًا وذا نتائج مريرة، لتعرف كيف تصحح خطأها، وكيف تتحمل تبعات رأيها وتصرفها".
* إن الشورى في الإسلام مبدأ إنساني أولاً، واجتماعي وأخلاقي ثانيًا، ثم هي قاعدة دستورية لنظام الحكم، والشورى بمعناها الواسع الأعم تشمل جميع صور التشاور والتناصح والحوار الحر، ومبدأ الشورى يركز على أهمية الجهد الفكري الذي يجب على الجماعة أن تبذله قبل اتخاذ قرارها، وضرورة إتاحة الفرصة لجميع الأفراد للمشاركة في هذا الجهد العقلي والحوار الفكري، عن طريق المساهمة في حوار حر يدور بينهم على أساس المساواة والحرية الكاملة، وغاية الشورى هي تحقيق العدل وتنفيذ مقاصد الشريعة ومبادئها، ولذلك فإنها فرع من فروع الشريعة وتابعة لها، كما أن الشورى هي الشريان الذي تجري من خلاله أفكار الأمة وآراء أفرادها في جسم المجتمع، أما الشريعة بما تتضمنه من قيم ومبادئ فهي التي تصنع هذه الأفكار، وهي التي تطهرها وتنقيها وتجعلها صالحة.
* والشورى بمعنى التشاور الذي يؤدي إلى قرار صادر من الجماعة- بالإجماع أو الأغلبية- في شئونها العامة التي تختص وحدها بإصدار قرار بشأنها، وحكمها أنها ملزمة، وهذا هو رأي جمهور الفقهاء والعلماء، وهناك رأي آخر بأنها معلمة، والاختيار الفقهي لجماعة الإخوان المسلمين هو أن الشورى ملزمة.
ثانيًا: الشورى تطبيقًا وسلوكًا
وأسلوب تطبيق الشورى يتدرج إلى ثلاث مراحل هي:
مرحلة صنع القرار:
وهذه المرحلة يقوم بها أصحاب الرأي والمشورة في الجهة المنوط بها اتخاذ القرار، وفيها يكون على كل من ولي أمرًا من أمور المسلمين أن يتواضع عن موقع الرئاسة فيكون بين مستشاريه كواحد منهم، ويشعروا هم بهذا حتى يقدم كل منهم ما عنده من رأي وفكر واجتهاد.
وفي هذه المرحلة تطرح التصورات، وتمحص البدائل، وتساق الحجج، بما يناسب الموقف وبما يحقق المصلحة الشرعية، وفي هذا المجال تناقش الآراء وحيثياتها دون خشية صاحب الرأي ومقدم المشورة، وهذا يتطلب من أولي الأمر سعة الصدر ولين الجانب وإشاعة الطمأنينة في قلوبهم ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾ (آل عمران: من الآية 159)، وكما يتطلب أيضًا نزع الرهبة والخوف من قلوبهم بما يشحذ الهمم والطاقات في طرح الأفكار وإبداء الآراء ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ (آل عمران: من الآية 159).
فالجو الذي يجب أن يسود هو جو تأليف القلوب وتطييبها، كما يغلب عليه روح العفو والاستغفار الذي يستمر إلى ما بعد انتهاء مجلس التشاور، وهو عفو واستغفار عما يكون قد وقع فيه من لغو في القول أو الحديث دون قصد إساءة أو تجريح ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ (آل عمران: من الآية 159).
مرحلة اتخاذ القرار:
وهذه المرحلة يقوم بها أولو الأمر وأصحاب الرأي والمشورة في المستويات المختلفة، ويكون لأولي الأمر أحد احتمالين:
- إما أن يكون رأي أولي الأمر موافقًا لرأي أغلبية المشاركين، فيكون هذا هو القرار الذي يجب اتباعه.
- وإما أن تميل الأغلبية إلى رأي يخالف رأي أولي الأمر، فيكون القرار على مقتضى رأي الأغلبية، ولا يجوز الاحتجاج بأن أولي الأمر يملكون رؤية أوسع، إذ كانت لديهم الفرصة لوضع كل الحقائق والمعلومات أمام من يشاورهم.
ولعل هذا هو الذي يوافق السنة العملية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد: لما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسيرة قريش لقتاله، حتى بلغوا مسافة خمسة أميال من المدينة، بعث من تحسس الأخبار، كي لا يتخذ القرار إلا على معلومات مؤكدة، ثم استشار أهل الرأي فانقسموا إلى قسمين:
- البعض أشار بالتحصن بالمدينة وقتال العدو فيها، كعادة أهلها من قبل، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يميل إلى هذا الرأي.
- البعض الآخر أشار بالخروج لملاقاة العدو ردعًا له، وإظهارًا لشوكة المسلمين، وقد تغلب هذا الرأي في النهاية.
فكان أن اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قراره على مقتضى ما أشارت به الأغلبية، رغم مخالفتها لما كان يراه، ولقد سار الخلفاء الراشدون من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر الشورى على نفس النهج.
مرحلة تنفيذ القرار:
- وهي المرحلة التي تلي اتخاذ القرار، وفيها يكون أولو الأمر وأصحاب الرأي والمشورة قد استنفدوا جهودهم، وأخذوا بالأسباب، وأدوا كل ما هو مطلوب منهم، فيتوكلون على الله لأن النتائج والأقدار بيده سبحانه لا شريك له، وليس لنا إلا اتخاذ الأسباب، وقد تم ذلك في المرحلتين السابقتين، فلا يجوز العودة لفتح باب الشورى أو مناقشة أي جانب من جوانب الموضوع، إذ على الجميع أن يتوجهوا مباشرةً إلى وضع القرار موضع التنفيذ مستعينين بالله مطيعين لما يأمر به متخذ القرار ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ (آل عمران: من الآية 159)، ولعل خير مثال على ذلك هو ما حدث بعد اتخاذ الرسول صلى الله عليه وسلم القرار بالخروج لملاقاة الكفار عند جبل أحد، وانصرف بعدها للاستعداد للمعركة دون أن يلتفت إلى قولهم (ما كان لنا يا رسول الله أن نخالفك، فاصنع ما بدا لك، وما كان لنا أن نستكرهك، والأمر إلى الله ثم إليك)، وكان قوله صلى الله عليه وسلم "وما ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه"، ولقد سئل صلى الله عليه وسلم عن العزم فقال مشاورة أهل الرأي ثم اتباعهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأبي بكر وعمر "لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما".
- ولقد أصبحت الشورى أمرًا مستقرًا لدى المسلمين، ففيما رواه سعيد بن المسيب عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: (قلت يا رسول الله، الأمر ينزل بنا لم ينزل فيه قرآن، ولم تمض فيه منك سنة قال:"اجمعوا له العالمين من المؤمنين فاجعلوه شورى بينكم، ولا تقضوا فيه برأي واحد").. ومن أقوال الإمام علي رضي الله عنه: (في الشورى سبع خصال: استنباط الصواب- واكتساب الرأي- والتحصن من السقطة- وحرز من الملامة- ونجاة من الندامة- وألفة القلوب- واتباع الأثر).
ثالثًا: إشكاليات في تطبيق الشورى
ومما سبق تتضح لنا معالم الشورى فقهًا وتطبيقًا، وقد يظهر لنا أثناء الممارسة والتطبيق بعض الإشكاليات التي قد يطرحها البعض، وتحتاج منا إلى تذكير وتأكيد لما يجب أن تكون عليه ممارسة الشورى حتى تبقى على أصالتها وعراقتها، ومن هذه الإشكاليات:
هل يجب على جميع الأفراد الالتزام بما انتهت إليه الشورى من قرار؟
الاختيار الفقهي للجماعة بأن الشورى ملزمة، والالتزام بالشورى يعني أنه متى صدر القرار بالشورى فإنه يصبح ملزمًا للكافة، بمن فيهم أولو الأمر الذين يتولون سلطة التنفيذ، إذ إن مهمتهم الأولى تكون تنفيذ قرارات الشورى والالتزام بها، ووجب على جميع الأفراد أن يلزموا قرارات الشورى، ويعمل الجميع على تنفيذها دون تردد أو إبطاء، وكل إخلال من أي فرد بهذا الالتزام يترتب عليه إخلال بمقصد الشورى، ولا يعقل أن تكون الشورى ملزمة لأولي الأمر وغير ملزمة لكافة الأفراد، وكما يقول الإمام حسن البنا: (وأريد بالطاعة إنفاذ الأمر في التو واللحظة، في العسر واليسر، في المنشط والمكره، في غير معصية)، فالطاعة تكون واجبةً بعد أخذ الشورى.
أليس من حق الأقلية أن تتبنى وجهة نظرها وتعمل على طرحها على عموم الأفراد دون التقييد برأي الأغلبية وما انتهت إليه الشورى من قرارات؟
الشورى تسمح بتعدد الآراء ووجهات النظر في مرحلة دراسة وصناعة القرار، ويتم هذا وفق أسس ونظم ولوائح تنظم ذلك كله، ولكن بعد مرحلة اتخاذ القرار يلتزم الجميع بالقرار سواء من كان يؤيد أو من كان يعارض، ويعمل الجميع على تنفيذ القرار بتجرد كامل دون هوى في النفس أو إعجاب كل ذي رأي برأيه، ويحرص الجميع على وحدة الصف وتماسكه دون تنازع يؤدي إلى الفشل أو الفرقة، والكل يعلم أن درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة، والاجتماع على المفضول خير من التفرق على الأفضل.
ما المانع أن يكون هناك أجنحة أو تيارات متعددة داخل الجماعة الواحدة؟
عندما تكون هناك جماعة قامت وتسعى لتحقيق غاية وأهداف محددة، وتعمل وفق وسائل ومسارات وآليات محددة، ولديها من السياسات والضوابط والنظم واللوائح التي تعمل بها، مما يجعل الطريق واضحًا أمام كل من ارتضى أن يعمل من خلالها، ولذا وجب على الجميع أن يلتزموا بمنهجها ونظمها دون إخلال بها أو انحراف عنها، وكيف تكون جماعة هدفها نبيل وغايتها سامية وبنيانها متين، وليس متحققًا فيها وحدة التصور، ووحدة الفكر، ووحدة العمل التي تعمل على نجاح أهدافها وتحقيق غايتها، ولا يمنع هذا من وجود تنوع في الآراء ووجهات النظر التي تساهم في دراسة واتخاذ القرارات بشكل فعال، ولكن أثناء تنفيذ القرار يصبح الجميع على قلب ورأي واحد، وهذا هو كمال وتمام الطاعة.
إخواني الأحباب:
إن ممارسة الشورى والالتزام بضوابطها وآدابها تحتاج منا إلى فهم ووعي، كما تحتاج منا إلى الشجاعة والقدرة على ضبط النفس، وكما يقول الإمام البنا رحمه الله: (وأعظم الشجاعة الاعتراف بالخطأ والإنصاف من النفس)، وهي أيضًا تحتاج منا إلى الصبر الجميل وسعة الصدر حتى تؤتي الشورى ثمارها ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)﴾ (آل عمران)، (وما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمرهم) "الإمام النسفي".
نسأل الله العظيم أن يلهمنا رشدنا، ويهدي لنا أنفسنا، ويحفظ لنا وحدتنا وترابطنا فهي سر قوتنا.
بقلم: د. محيي حامد
في بداية الحديث عن الشورى أوجز ما أقره فقهاء وعلماء الأمة وقادته من المصلحين في مفهوم الشورى وحكمها، ثم نتعرض بعد ذلك إلى ممارسة الشورى وبعض إشكاليات التطبيق للوصول إلى ممارسة صحيحة للشورى في المستويات المختلفة.
أولاً: الشورى فقهًا ومفهومًا
* فالشورى مبدأ قرآني، وأصل عام شامل لجميع شئون المجتمع، ولقد تميزت شريعتنا بأنها تربط الشورى بالعقيدة والعبادة إذ قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38)﴾ (الشورى)، ولقد جاءت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لتبين الممارسة العملية للشورى، فالشورى هي تداول وتقليب الآراء بين مجموعة معينة في موضوع معين للوصول إلى رأي يتم الاجتماع عليه أو يحوز الأغلبية ويصبح ملزمًا للجميع، فأي قرار يتخذ ينبغي أن يكون نتاج الشورى، لعموم قول الله تعالى ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾، لما تسمح به الشورى من تنوع في الآراء التي تعرض قبل حسم الأمر واتخاذ القرار ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ (آل عمران: من الآية 159).
* ويقول صاحب الظلال الشهيد سيد قطب في قوله تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾: ".. لقد جاء هذا النص عقب وقوع نتائج للشورى، تبدو في ظاهرها خطيرة مريرة، فقد كان من جرائها ظاهريًّا وقوع خلل في وحدة الصف المسلم، ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يجهل النتائج الخطيرة التي تنتظر الصف المسلم من جراء الخروج... وقد كان من حقه أن يلغي ما استقر عليه الأمر نتيجة للشورى، ولكنه أمضاها وهو يدرك ما وراءها من الآلام والخسائر والتضحيات، لأن إقرار المبدأ وتعليم الجماعة وتربية الأمة أكبر من الخسائر الوقتية... ولقد كان من حق القيادة النبوية، أن تنبذ مبدأ الشورى كله بعد المعركة أمام ما أحدثته من انقسام في الصفوف في أحرج الظروف، وأمام النتائج المريرة التي انتهت إليها المعركة... ولكن الإسلام كان ينشئ أمة ويربيها ويعدّها لقيادة البشرية، وكان الله يعلم أن خير وسيلة لتربية الأمم وإعدادها للقيادة الرشيدة أن تربَّى بالشورى وأن تدرب على حمل التبعة مهما يكن الخطأ جسيمًا وذا نتائج مريرة، لتعرف كيف تصحح خطأها، وكيف تتحمل تبعات رأيها وتصرفها".
* إن الشورى في الإسلام مبدأ إنساني أولاً، واجتماعي وأخلاقي ثانيًا، ثم هي قاعدة دستورية لنظام الحكم، والشورى بمعناها الواسع الأعم تشمل جميع صور التشاور والتناصح والحوار الحر، ومبدأ الشورى يركز على أهمية الجهد الفكري الذي يجب على الجماعة أن تبذله قبل اتخاذ قرارها، وضرورة إتاحة الفرصة لجميع الأفراد للمشاركة في هذا الجهد العقلي والحوار الفكري، عن طريق المساهمة في حوار حر يدور بينهم على أساس المساواة والحرية الكاملة، وغاية الشورى هي تحقيق العدل وتنفيذ مقاصد الشريعة ومبادئها، ولذلك فإنها فرع من فروع الشريعة وتابعة لها، كما أن الشورى هي الشريان الذي تجري من خلاله أفكار الأمة وآراء أفرادها في جسم المجتمع، أما الشريعة بما تتضمنه من قيم ومبادئ فهي التي تصنع هذه الأفكار، وهي التي تطهرها وتنقيها وتجعلها صالحة.
* والشورى بمعنى التشاور الذي يؤدي إلى قرار صادر من الجماعة- بالإجماع أو الأغلبية- في شئونها العامة التي تختص وحدها بإصدار قرار بشأنها، وحكمها أنها ملزمة، وهذا هو رأي جمهور الفقهاء والعلماء، وهناك رأي آخر بأنها معلمة، والاختيار الفقهي لجماعة الإخوان المسلمين هو أن الشورى ملزمة.
ثانيًا: الشورى تطبيقًا وسلوكًا
وأسلوب تطبيق الشورى يتدرج إلى ثلاث مراحل هي:
مرحلة صنع القرار:
وهذه المرحلة يقوم بها أصحاب الرأي والمشورة في الجهة المنوط بها اتخاذ القرار، وفيها يكون على كل من ولي أمرًا من أمور المسلمين أن يتواضع عن موقع الرئاسة فيكون بين مستشاريه كواحد منهم، ويشعروا هم بهذا حتى يقدم كل منهم ما عنده من رأي وفكر واجتهاد.
وفي هذه المرحلة تطرح التصورات، وتمحص البدائل، وتساق الحجج، بما يناسب الموقف وبما يحقق المصلحة الشرعية، وفي هذا المجال تناقش الآراء وحيثياتها دون خشية صاحب الرأي ومقدم المشورة، وهذا يتطلب من أولي الأمر سعة الصدر ولين الجانب وإشاعة الطمأنينة في قلوبهم ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾ (آل عمران: من الآية 159)، وكما يتطلب أيضًا نزع الرهبة والخوف من قلوبهم بما يشحذ الهمم والطاقات في طرح الأفكار وإبداء الآراء ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ (آل عمران: من الآية 159).
فالجو الذي يجب أن يسود هو جو تأليف القلوب وتطييبها، كما يغلب عليه روح العفو والاستغفار الذي يستمر إلى ما بعد انتهاء مجلس التشاور، وهو عفو واستغفار عما يكون قد وقع فيه من لغو في القول أو الحديث دون قصد إساءة أو تجريح ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ (آل عمران: من الآية 159).
مرحلة اتخاذ القرار:
وهذه المرحلة يقوم بها أولو الأمر وأصحاب الرأي والمشورة في المستويات المختلفة، ويكون لأولي الأمر أحد احتمالين:
- إما أن يكون رأي أولي الأمر موافقًا لرأي أغلبية المشاركين، فيكون هذا هو القرار الذي يجب اتباعه.
- وإما أن تميل الأغلبية إلى رأي يخالف رأي أولي الأمر، فيكون القرار على مقتضى رأي الأغلبية، ولا يجوز الاحتجاج بأن أولي الأمر يملكون رؤية أوسع، إذ كانت لديهم الفرصة لوضع كل الحقائق والمعلومات أمام من يشاورهم.
ولعل هذا هو الذي يوافق السنة العملية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد: لما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسيرة قريش لقتاله، حتى بلغوا مسافة خمسة أميال من المدينة، بعث من تحسس الأخبار، كي لا يتخذ القرار إلا على معلومات مؤكدة، ثم استشار أهل الرأي فانقسموا إلى قسمين:
- البعض أشار بالتحصن بالمدينة وقتال العدو فيها، كعادة أهلها من قبل، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يميل إلى هذا الرأي.
- البعض الآخر أشار بالخروج لملاقاة العدو ردعًا له، وإظهارًا لشوكة المسلمين، وقد تغلب هذا الرأي في النهاية.
فكان أن اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قراره على مقتضى ما أشارت به الأغلبية، رغم مخالفتها لما كان يراه، ولقد سار الخلفاء الراشدون من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر الشورى على نفس النهج.
مرحلة تنفيذ القرار:
- وهي المرحلة التي تلي اتخاذ القرار، وفيها يكون أولو الأمر وأصحاب الرأي والمشورة قد استنفدوا جهودهم، وأخذوا بالأسباب، وأدوا كل ما هو مطلوب منهم، فيتوكلون على الله لأن النتائج والأقدار بيده سبحانه لا شريك له، وليس لنا إلا اتخاذ الأسباب، وقد تم ذلك في المرحلتين السابقتين، فلا يجوز العودة لفتح باب الشورى أو مناقشة أي جانب من جوانب الموضوع، إذ على الجميع أن يتوجهوا مباشرةً إلى وضع القرار موضع التنفيذ مستعينين بالله مطيعين لما يأمر به متخذ القرار ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ (آل عمران: من الآية 159)، ولعل خير مثال على ذلك هو ما حدث بعد اتخاذ الرسول صلى الله عليه وسلم القرار بالخروج لملاقاة الكفار عند جبل أحد، وانصرف بعدها للاستعداد للمعركة دون أن يلتفت إلى قولهم (ما كان لنا يا رسول الله أن نخالفك، فاصنع ما بدا لك، وما كان لنا أن نستكرهك، والأمر إلى الله ثم إليك)، وكان قوله صلى الله عليه وسلم "وما ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه"، ولقد سئل صلى الله عليه وسلم عن العزم فقال مشاورة أهل الرأي ثم اتباعهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأبي بكر وعمر "لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما".
- ولقد أصبحت الشورى أمرًا مستقرًا لدى المسلمين، ففيما رواه سعيد بن المسيب عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: (قلت يا رسول الله، الأمر ينزل بنا لم ينزل فيه قرآن، ولم تمض فيه منك سنة قال:"اجمعوا له العالمين من المؤمنين فاجعلوه شورى بينكم، ولا تقضوا فيه برأي واحد").. ومن أقوال الإمام علي رضي الله عنه: (في الشورى سبع خصال: استنباط الصواب- واكتساب الرأي- والتحصن من السقطة- وحرز من الملامة- ونجاة من الندامة- وألفة القلوب- واتباع الأثر).
ثالثًا: إشكاليات في تطبيق الشورى
ومما سبق تتضح لنا معالم الشورى فقهًا وتطبيقًا، وقد يظهر لنا أثناء الممارسة والتطبيق بعض الإشكاليات التي قد يطرحها البعض، وتحتاج منا إلى تذكير وتأكيد لما يجب أن تكون عليه ممارسة الشورى حتى تبقى على أصالتها وعراقتها، ومن هذه الإشكاليات:
هل يجب على جميع الأفراد الالتزام بما انتهت إليه الشورى من قرار؟
الاختيار الفقهي للجماعة بأن الشورى ملزمة، والالتزام بالشورى يعني أنه متى صدر القرار بالشورى فإنه يصبح ملزمًا للكافة، بمن فيهم أولو الأمر الذين يتولون سلطة التنفيذ، إذ إن مهمتهم الأولى تكون تنفيذ قرارات الشورى والالتزام بها، ووجب على جميع الأفراد أن يلزموا قرارات الشورى، ويعمل الجميع على تنفيذها دون تردد أو إبطاء، وكل إخلال من أي فرد بهذا الالتزام يترتب عليه إخلال بمقصد الشورى، ولا يعقل أن تكون الشورى ملزمة لأولي الأمر وغير ملزمة لكافة الأفراد، وكما يقول الإمام حسن البنا: (وأريد بالطاعة إنفاذ الأمر في التو واللحظة، في العسر واليسر، في المنشط والمكره، في غير معصية)، فالطاعة تكون واجبةً بعد أخذ الشورى.
أليس من حق الأقلية أن تتبنى وجهة نظرها وتعمل على طرحها على عموم الأفراد دون التقييد برأي الأغلبية وما انتهت إليه الشورى من قرارات؟
الشورى تسمح بتعدد الآراء ووجهات النظر في مرحلة دراسة وصناعة القرار، ويتم هذا وفق أسس ونظم ولوائح تنظم ذلك كله، ولكن بعد مرحلة اتخاذ القرار يلتزم الجميع بالقرار سواء من كان يؤيد أو من كان يعارض، ويعمل الجميع على تنفيذ القرار بتجرد كامل دون هوى في النفس أو إعجاب كل ذي رأي برأيه، ويحرص الجميع على وحدة الصف وتماسكه دون تنازع يؤدي إلى الفشل أو الفرقة، والكل يعلم أن درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة، والاجتماع على المفضول خير من التفرق على الأفضل.
ما المانع أن يكون هناك أجنحة أو تيارات متعددة داخل الجماعة الواحدة؟
عندما تكون هناك جماعة قامت وتسعى لتحقيق غاية وأهداف محددة، وتعمل وفق وسائل ومسارات وآليات محددة، ولديها من السياسات والضوابط والنظم واللوائح التي تعمل بها، مما يجعل الطريق واضحًا أمام كل من ارتضى أن يعمل من خلالها، ولذا وجب على الجميع أن يلتزموا بمنهجها ونظمها دون إخلال بها أو انحراف عنها، وكيف تكون جماعة هدفها نبيل وغايتها سامية وبنيانها متين، وليس متحققًا فيها وحدة التصور، ووحدة الفكر، ووحدة العمل التي تعمل على نجاح أهدافها وتحقيق غايتها، ولا يمنع هذا من وجود تنوع في الآراء ووجهات النظر التي تساهم في دراسة واتخاذ القرارات بشكل فعال، ولكن أثناء تنفيذ القرار يصبح الجميع على قلب ورأي واحد، وهذا هو كمال وتمام الطاعة.
إخواني الأحباب:
إن ممارسة الشورى والالتزام بضوابطها وآدابها تحتاج منا إلى فهم ووعي، كما تحتاج منا إلى الشجاعة والقدرة على ضبط النفس، وكما يقول الإمام البنا رحمه الله: (وأعظم الشجاعة الاعتراف بالخطأ والإنصاف من النفس)، وهي أيضًا تحتاج منا إلى الصبر الجميل وسعة الصدر حتى تؤتي الشورى ثمارها ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)﴾ (آل عمران)، (وما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمرهم) "الإمام النسفي".
نسأل الله العظيم أن يلهمنا رشدنا، ويهدي لنا أنفسنا، ويحفظ لنا وحدتنا وترابطنا فهي سر قوتنا.
<br>
كاره اليهود- عضو مشارك
-
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
عدد المساهمات : 98
نقاط : 5183
السٌّمعَة : 0
رد: الشورى فقها وتطبيقا ..!!
علي فكرة أخي كاره اليهود فيه نقطة التباس في فهم الديمقراطية، هي السبب في فهمها بطريقة خاطئة، دائما ما تلتبس هذه النقطة علي السلفيين والعلمانيين علي السواء
ربما نعود إليها لاحقا
تحياتي
ربما نعود إليها لاحقا
تحياتي
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
رد: الشورى فقها وتطبيقا ..!!
اذا كان الامر يتعلق بالشورى الاسلامية (مجلس متخصص) كما هو واضح من المقال ، فمن المهم والأهم الاجابة على الاسئلة التالية:
من هم اعضاء الشورى ؟
ومن يعطيهم صفتهم ؟
من يختارهم ؟
وما هو عددهم ؟
هل هم مستقلون برأيهم .. واذا كانوا كذلك ، ما هو نفوذهم لكي يضمنوا استقلالهم
وما هو موقع مجلسهم ضمن مؤسسات الدولة ؟
هل هو حكم .. أم تحكيم
و هنا لا أقصد شورى الاخوان المسلمين وانما مجلس الشورى في الدولة المنشودة
<br>
ahmed alhaj- كـاتــــب
-
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
عدد المساهمات : 88
نقاط : 5088
السٌّمعَة : 6
رد: الشورى فقها وتطبيقا ..!!
حياكم الله اخى الحبيب أحمد
تحية لك اخى من عند الله مباركة واعتذر على تأخرى يعلم الله قدر الأشغال
هذه الأيام بالذات
ما طرحت من أسئلة اخى الحبيب تحتاج لكلمات كثيرة جدا للإجابة عنها
ولكن اجمالا فمن اهم صفات اهل الشورى
العلم، الأمانة، والخبرة
فمن لا يعلم أو لا يؤمن أو ليس من ذوى الخبرة فكيف يكون من اهل الشورى وبين يديه مقاليد الأمر
أخى الحبيب أورع من تحدث عن الشورى وآلية تطبيقها العلامة الدكتور الصلابى فى كتابه القيم الشورى فريضة اسلامية
وهذا هو رابطه اخى الحبيب
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
راجعه وان أردت دردشة علمية فحيا هلا بها
وحتى ذلك دمت تقيا يا صاحبى
أخوك المحب
كاره ليهود
تحية لك اخى من عند الله مباركة واعتذر على تأخرى يعلم الله قدر الأشغال
هذه الأيام بالذات
ما طرحت من أسئلة اخى الحبيب تحتاج لكلمات كثيرة جدا للإجابة عنها
ولكن اجمالا فمن اهم صفات اهل الشورى
العلم، الأمانة، والخبرة
فمن لا يعلم أو لا يؤمن أو ليس من ذوى الخبرة فكيف يكون من اهل الشورى وبين يديه مقاليد الأمر
أخى الحبيب أورع من تحدث عن الشورى وآلية تطبيقها العلامة الدكتور الصلابى فى كتابه القيم الشورى فريضة اسلامية
وهذا هو رابطه اخى الحبيب
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
راجعه وان أردت دردشة علمية فحيا هلا بها
وحتى ذلك دمت تقيا يا صاحبى
أخوك المحب
كاره ليهود
<br>
كاره اليهود- عضو مشارك
-
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
عدد المساهمات : 98
نقاط : 5183
السٌّمعَة : 0
شبكة واحة العلوم الثقافية :: الساحات العلمية والثقافية والحوارية :: ساحة الفقه والعلوم والحوارات الشرعية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى