التنديد بمن عدد التوحيد
2 مشترك
شبكة واحة العلوم الثقافية :: الساحات العلمية والثقافية والحوارية :: ساحة الفقه والعلوم والحوارات الشرعية
صفحة 1 من اصل 1
التنديد بمن عدد التوحيد
التنديد بمن عدد التوحيد إبطال محاولة التثليث في التوحيد والعقيدة الاسلامية
تأليف حسن بن علي السقاف القرشي الهاشمي الحسيني الشافعي دار الامام النووي
جميع الحقوق محفوظة الطبعة الثانية 1413 ه- 1992 م 214 حسن بن علي السقاف حسن التنديد بمن عدد التوحيد / حسن بن علي السقاف - عمان : دار الامام النووي ، 1991 . (72) ص . ا . أ (487 / 9 / 1991) . 1 . الاسلام - توحيد 2 . الاسلام - عقيدة أ . العنوان (تمت الفهرسة بمعرفة المكتبة الوطنية) دار الامام النووي عمان - الاردن - ص . ب 925393
مقدمة الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على عبده المصطفى ، سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه المنتخبين أهل الوفا ، ومن لهم اقتفى . أما بعد : فهذا جزء لطيف ، ومنار منيف ، أثبت فيه إبطال التثليث في تقسيم التوحيد إلى توحيد ألوهية وتوحيد ربوبية وتوحيد أسماء وصفات ، حيث انتشر هذا التقسيم في هذا الزمان ، وقد دعاني إلى ذلك ما رأيت من بعض من كتب في التوحيد والعقائد إثبات هذا الفرق واستساغته تقليدا من غير استبصار بحقيقة الامر والحال ، وخصوصا أن هذا التقسيم لا يعرف عند السلف البتة وإنما اخترع هذا التقسيم وانتشر بعد القرن السابع الهجري ، فأردت التنبيه عليه لئلا يغتر بهذا التقسيم أحد من طلاب العلم ، فنسأل الله تعالى لنا الاعانة ، فيما توخينا من الابانة .
ولا بد أيضا من التنبيه على القسم الثالث للتوحيد وهو : (توحيد الاسماء والصفات) وبيان المراد منه عند من يقول به في هذه الرسالة المختصرة وبالله تعالى التوفيق .
(فاعلم) : أن تقسيم التوحيد إلى هذه الاقسام الثلاث تقسيم غير صحيح ، تكلم به بعض متأخري المصنفين منهم صاحب شرح العقيدة الطحاوية ابن أبي العز المنسوب للحنفية خطأ الذي رد على صاحب الكتاب الاصلي الامام أبي جعفر الطحاوي الحنفي رحمه الله تعالى أثناء شرحه على كتابه - متن الطحاوية - في التوحيد فزيف ابن أبي العز بعض كلام الامام أبي جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى ، وظهر بثوب الدعوة إلى مذهب السلف الصالح ، فخالف حقيقة صريح الكتاب والسنة والاجماع وعقيدة أهل السنة والجماعة الوارد في كلام الامام أبي جعفر الطحاوي ، وظن الساعون في نشر هذا الشرح للطحاوية والمروجون له أنهم يستطيعون أن يقنعوا الناس بأنه يمثل عقيدة الاسلام الحقة حيث ستروا وغطوا ما لم يعجبهم من عقيدة الطحاوي رحمه الله تعالى وهي العقيدة المتفق على قبولها وصحتها والتى تمثل عقيدة أهل الحق من أهل القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية بهذا الشرح المشحون بالاخطاء والمغالطات المختلفة المتنوعة ! ! ، وكما قيل : لا يضر الفضل إقلال كما لا يضر الشمس إطباق الطفل وقد نص ابن أبي العز في شرحه المذكور على هذا التقسيم فقال (1) : (فان التوحيد يتضمن ثلاث أنواع : أحدهما الكلام في الصفات ، والثاني : توحيد الربوبية ، وبيان أن الله وحده خالق كل شئ ، والثالث : توحيد الالهية وهو استحقاقه سبحانه وتعالى أن يعبد وحده لا شريك له) ا ه. فلنبدأ بإثبات تحقيق عدم وجود هذا التقسيم وتفنيد هذه العبارة فنقول وبالله تعالى التوفيق .
تمهيد لقد أرسل الله تعالى سيدنا محمدا ص بكلمة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وحث عليها ووعد قائلها ومعتقدها الجنة ، وقد وردت بذلك الايات والاخبار الصحيحة ، منها قول الله تعالى : * (فاعلم أنه لا إله إلا الله) * محمد : 19 ، ومنها قوله : * (ومن لم يؤمن بالله ورسوله فانا أعتدنا للكافرين سعيرا) * الفتح : 13 ، وقال النبي ص : (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته (2) ألقاها إلى مريم وروح منه (3) ، والجنة حق والنار حق ، أدخله الله الجنة على ما كان من عمل) رواه البخاري (6 / 474 فتح) ومسلم (1 / 57 برقم 46) . وقال ص : (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله) رواه البخاري (1 / 75 فتح) ومسلم (1 / 53 برقم 36) . فمن هذه الايات الكريمة والاحاديث الشريفة يتضح وضوحا جليا أن الله سبحانه بين لنا أن التوحيد هو (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ، ولم يذكر
(2) معنى (وكلمته ألقاها إلى مريم) أي : بشارته أرسلها بواسطة الملك إلى السيدة مريم . (3) معنى (وروح منه) أي : منه خلقا وتكوينا ، لا جزءا كما تعتقد النصارى . (*)
الله تعالى في كتابه ، ولا النبي ص في سنته أن التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام توحيد ربوبية وتوحيد ألوهية وتوحيد أسماء وصفات ، بل لم ينطق بهذا التقسيم أحد من الصحابة ، بل ولا أحد من التابعين ، بل ولا أحد من السلف الصالح رضي الله عن الجميع . بل إن هذا التقسيم بدعة خلفية مذمومة حدثت في القرن الثامن الهجري ، أي بعد زمن النبي ص بنحو ثمانمائة سنة ، ولم يقل بهذا التقسيم أحد من قبل ، والهدف من هذا التقسيم عند من قال به هو تشبيه المؤمنين الذين لا يسيرون على منهج المتمسلفين بالكفار ، بل تكفيرهم بدعوى أنهم وحدوا توحيد ربوبية كسائر الكفار بزعمهم ! ! ولم يوحدوا توحيد ألوهية - وهو توحيد العبادة الذين يدعونه - وبذلك كفروا المتوسلين بالانبياء عليهم الصلاة والسلام أو بالاولياء وكفروا أيضا كثيرا ممن يخالفهم في أمور كثيرة يرون الصواب أو الحق على خلافها ، وكل ذلك سببه ذلك الحراني ، وعلى ذلك سار شارح الطحاوية ابن أبى العز الملقب بالحنفي فخالف الامام الحافظ الطحاوي الحنفي في عقيدته في مواضع عديدة ! منها أن صاحب المتن الامام الطحاوي ينفي الحد عن الله سبحانه والشارح يرد عليه فيثبت الحد ! ومنها أن صاحب المتن ينفي الجهة وينزه الله سبحانه أن يوصف بها والشارح يرد عليه فيثبتها ! حتى قال العلامة علي القاري الحنفي عن شارحها ابن أبي العز في شرح الفقه الاكبر ص (172) بأنه : (صاحب مذهب باطل ، تابع لطائفة من المبتدعة) . ولا بد أن نبطل هذا التقسيم للتوحيد في هذه المقدمة الصغيرة المتواضعة باختصار تلخيصا للبحث الذي تحويه هذه الرسالة التي سنسلك فيها طريقة :
خير الكلام ما قل ودل ، فنقول وبالله تعالى التوفيق : (أولا) : لا يعرف في الشرع اطلاق اسم موحد على من كفر ولو بجزء من العقيدة الاسلامية وذلك بنص الكتاب والسنة ، بل لا يجوز أن نقول الشرع ما لم يقل ولم يرد ، فلا يحل لنا أن نطلق على من كان يقر بوجود الله ويدرك أنه هو الا له المستحق للعبادة دون أن يذعن ويدخل في هذا الدين بأنه موحد ، بل نطلق عليه أنه كافر ، بدليل قول الله تعالى : * (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار) * الزمر : 3 . فقد وصفهم الله تعالى بالكذب وبالكفر ، بل وصفهم بصيغة مبالغة وهى : (كفار) كما تقول : ضارب وضراب . فكيف يقال إنهم موحدون توحيد ربوبية والله تعالى وصفهم بالكفر صراحة ؟ ! ! (ثانيا) : هؤلاء الكفار الذين كانوا يقولون فيما وصفهم الله تعالى بقوله : * (ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن الله) * الزمر : 38 ولقمان : 25 ، والذين كانوا يقولون : * (ما نعبدهم الا ليقربونا إلى الله زلفى) * الزمر : 3 ، ما كانوا يقرون بتوحيد ربوبية لو سلمنا جدلا بقسم توحيد الربوبية ، وما كانوا يقرون بوجود الله تعالى ، ولذلك أدلة سأوردها الان إن شاء الله تعالى ، وإنما قالوا ذلك عند محاججة النبي ومجادلته إياهم وإفحامه لهم بالادلة التي تثبت وجود الله تعالى وتبطل إلهية ما يعبدون من دون الله سبحانه .
فالله سبحانه وتعالى أمر نبيه ص أن يجادلهم ويناقشهم في عقيدتهم وباقي أمورهم الفاسدة ليثبت لهم الحق قائلا له : * (وجادلهم بالتي هي أحسن) * النحل : 125 ، فلما كان ص يثبت لهم وجود الله ووحدانيته وأن لا إله إلا هو سبحانه ويلزمهم بترك عبادة هذه الاصنام التي كانوا يعبدونها ويسجدون لها من دون الله ، كانوا يتحرجون ولا يعرفون بماذا سيجيبون فكانوا يقولون عند سؤال النبي ص لهم : من خلق السموات والارض ؟ : الله . وكانوا يتحججون قائلين * (ما نعبدهم) * أي هذه الاوثان * (إلا ليقربونا إلى الله زلفى) * . وهذا كذب صريح منهم لانهم ما كانوا يعتقدون بوجود الله الذي خلق السموات والارض البتة بدليل أن الله أمرهم في القرآن الكريم أن يتفكروا في خلق السموات والارض ليعرفوا أن لها إلها خلقها وأوجدها فيؤمنوا به ، قال تعالى : * (أفلا ينظرون إلى الابل كيف خلقت ، والى السماء كيف رفعت ، والى الجبال كيف نصبت ، وإلى الارض كيف سطحت ، فذكر إنما أنت مذكر ، لست عليهم بمصيطر) * الغاشية : 17 - 22 ، وقال تعالى : * (وإلهكم إله واحد ، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ، إن في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الارض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والارض لايات لقوم يعقلون) * البقرة : 163 - 164 . فكانوا يردون ما جاء في صدر هذه الايات الشريفة قائلين : * (أجعل الالهة إلها واحدا إن هذا لشئ عجاب) * ص : 5 ، ولو كانوا مقرين بأن الله سبحانه هو خالق السموات والارض وما فيهن ، لما ذكر الله لهم تلك الايات الامرة
بالتفكر في الابل كيف خلقت وفي الجبال كيف نصبت وفي الارض كيف سطحت وفي السماء كيف رفعت . فقولهم عند سؤال النبي لهم وقت إلزامهم الحجة في المناظرة : من خلق السموات والارض ؟ ! فيقولون : الله . وقولهم * (ما نعبدهم الا ليقربونا إلى الله زلفى) * ما هو إلا كذب وكفر بنص القرآن الكريم ، حيث قال الله تعالى في آخر الاية : * (ان الله لا يهدي من هو كاذب كفار) * الزمر : 3 ، كما قال سبحانه * (يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم) * التوبة : 8 . فلا يحل ولا يجوز لانسان أن يستنبط بعد هذا البيان من الايتين * (ما نعبدهم . .) * و * (ولئن سألتهم . .) * أنهم كانوا موحدين توحيدا يسمى توحيد ربوبية ، بل هذا استنباط معارض لنص القرآن الذي حكم عليهم بالكفر بل بالمبالغة بالكفر ، ومنه يتبين أنه استنباط سطحي سخيف لا يقول به الا من لم يتعمق في فهم آيات القرآن الكريم وسنة النبي ص وقواعد علم التوحيد المبنية على الكتاب والسنة الصحيحة ، والذي يؤكد ذلك : (ثالثا) : أن أولئك الكفار اشتهر عنهم أنهم كانوا يعبدون تلك الاصنام ويحجون لها ويتقربون إليها * (واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون) * يس : 74 ، * (أفرأيتم اللات والعزى ، ومنوة الثالثة الاخرى) * النجم : 19 - 20 . بل واشتهر عنهم أنهم كانوا يقولون : ما هي إلا أرحام تدفع وأرض تبلع وما يهلكنا إلا الدهر . قال الله تعالى مخبرا لنا عنهم * (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا
وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون) * (4) الجاثية : 24 . بل قال للنبي ص أحدهم : * (من يحي العظام وهي رميم) * يس : 78 ، فرد الله عليه * (قل يحيها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم) * يس : 79 . فهل يجوز لنا بعد هذا أن نصف من لا يقر بأن الله خالق ومحيي بأنه موحد توحيد ربوبية والله تعالى يقول عنه : * (إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار) * ؟ ! الزمر : 3 . بل بلغ من كفرهم ما أخبر الله تعالى عنهم في كتابه العزيز إذ قال * (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا : وما الرحمن ؟ أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا) * الفرقان : 60 ، فهل هؤلاء يقولون بوجود الرحمن الرحيم ؟ ! ! ولو كانوا يقرون أن الله هو الخالق لما قال الله لهم : * (وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض) * المؤمنون : 91 ، وعبر بالاله أيضا ولم يعبر بالرب إشارة الى أنهم لا يوحدون لا الرب ولا الاله ولان الرب هو الاله ، والاله هو الرب . (رابعا) : ابن تيمية الذي اخترع تقسيم التوحيد الى ألوهية وربوبية يقول إن المشركين كانوا يقرون بتوحيد الربوبية دون توحيد الالوهية وأن المسلمين
(4) والحق والواقع أن من ثلث التوحيد وقسمه إلى ثلاثة أقسام أبطل - سواء قصد أم لا - وألغى مثل هذه الايات الثابتة كالجبال في كتاب الله تعالى زيادة على قصده الباطل من هذا التقسيم الذي فيه عدة مخالفات ومحظورات شرعية ! ! فالله تعالى المستعان ! ! (*)
الذين يخالفونه في آرائه كذلك وحدوا ربوبية ولم يوحدوا ألوهية ، فهو يكفرهم بذلك ، وهذا مراده من هذا التقسيم . قال في كتابه (منهاج السنة) (2 / 62) بعد أن دمج وخلط بعض أئمة الاسلام كالسهروردي (5) وأبي حامد الرازي والامدي وغيرهم بمن يخالفهم في آرئهم من الفلاسفة كأرسطو طاليس والفارابي وابن سينا ما نصه : (دخلوا في بعض الباطل المبدع ، وأخرجوا من التوحيد ما هو منه كتوحيد الالهية وإثبات حقائق أسماء الله ولم يعرفوا من التوحيد إلا توحيد الربوبية وهو الاقرار بان الله خالق كل شئ وهذا التوحيد كان يقر به المشركون الذين قال الله عنهم : * (ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن الله) * . .) . وهذه مغالطة منه وتلبيس ، وهو كلام غلط كما بينا . وهل يعقل عاقل أو يقول إنسان بأن فرعون الذي كان من جملة المشركين كان يوحد ربوبية ولا يوحد ألوهية ؟ ! . وهو الذي يقول * (ما علمت لكم من إله غيري) * القصص : 38 ، كما أنه هو القائل * (أنا ربكم الاعلى) * النازعات : 24 ولو كان يقر بالربوبية لما قال : * (أنا ربكم الاعلى) * ، بل لقال : (أنا الهكم الاعلى) .
(5) علما بأن السهروردي من علماء أهل السنة والجماعة ، وعنه ينقل أكابر الائمة وعلماء الاسلام العقيدة ، فالامام الحافظ ابن حجر العسقلاني ينقل عنه في الفتح (13 / 390 سلفية دار المعرفة) مذهب السلف الصالح في الصفات ويقول عقب ذلك : قال الطيبي : هذا هو المذهب المعتمد وبه يقول السلف الصالح اه. (*)
ولو تذكر ابن تيمية قول الله تعالى في سورة الاعراف : * (قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون) * الاعراف : 76 ، وقول سيدنا يوسف عليه السلام * (ءأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) * يوسف : 39 ، وقول سيدنا ابراهيم عليه السلام * (أإفكا آلهة دون الله تريدون) * الصافات : 86 ، مع قول الله عزوجل * (واتخذوا من دون الله آلهة) * يس : 74 ، وقول الكفار حينما دعاهم الرسول ص الى كلمة التوحيد * (أجعل الالهة إلها واحدا) * ص : 5 لاستحى أن يفوه بذلك ! ومن هذا الايضاح والبيان يتبين بطلان تقسيم التوحيد إلى هذه الاقسام ، بل يتضح أن هذا التقسيم يعارض القرآن وعقيدة الاسلام ، فلا يصح أن يقال : هذا تقسيم تعليمي ، بل يجب أن يقال هذا تقسيم مغلوط معارض للقرآن الكريم . ويجب أن يعلم كل أحد أن شرح الطحاوية يحوى هذا الخطأ وهذه الاغلاط المتناقضة ، وأن التعويل على مثل هذا الكتاب واعتماد تدريسه ما هو إلا خطأ جسيم لم يتنبه له كثير من المدرسين والطلاب فاحذروه واتقوه وإني لكم منه نذير مبين .
[ تنبيه ] : اعلم أن متن الطحاوية وهو الكتاب الذي صنفه الامام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى ، كتاب صحيح مستقيم من أحسن كتب العقيدة التي تمثل اعتقاد السلف الصالح ، ولانه أيضا - أعني الطحاوي - ذكر في مقدمة ذلك الكتاب أنه عقيدة الامام الاعظم أبو حنيفة رضي الله عنه وصاحبيه محمد بن الحسن والقاضي أبو يوسف رحمهما الله تعالى .
وأما شرحه المنتشر في الاسواق لابن أبي العز ففيه أمور كثيرة مخالفة للكتاب الاصلي - متن الطحاوية - ، وفيه أيضا عقائد فاسدة كإثبات قدم العالم بالنوع وتسلسل الحوادث الى غير أول (6) ، وإثبات الحد لذات الله تعالى (7) ، وإثبات الحرف والصوت لكلامه سبحانه (8) وقيام الحوادث بذات الله سبحانه (9) إلى غير ذلك من أخطاء جسيمة ، وأغلاط أليمة ، فتنبهوا .
فصل هام بيان أن من اعترف بوجود الله ولم يوحده فهو كافر إجماعا ولا يسمى موحدا توحيد ربوبية بنص القرآن الكريم وتنزلا مع بعض أصحاب العقول ذات التفكير السطحي الضحل وعلى سبيل الجدل المنصوص على جوازه في القرآن الكريم بقوله تعالى : * (وجادلهم بالتي هي أحسن) * أقول : هب أن هناك قسما من الجاهليين أو من أي طائفة من طوائف الكفار فيها أشخاص يقرون ويعترفون في غير مجال المضايقة في المناظرة ، بأن الله هو الخالق المحي المميت ، فإن هذا الاقرار منهم أو هذه المعرفة لا تجعل صاحبها يسمى أو يطلق عليه مؤمنا أو موحدا لا شرعا ولا لغة ولا عرفا البتة ، أما شرعا فلادلة منها قوله تعالى : * (ألا لله الدين الخالص ، والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار) * الزمر : 3 ، فقد صرح هذا النص لنا بأن الواحد من أولئك مع قوله : (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) وتسليمنا جدلا بأنه مقر بقلبه بأنه معترف بوجود الله ! ! وهو ما يسميه الخصم (توحيد الربوبية) ومع ذلك كله أطلق عليه الله تعالى في كتابه كما ترون بأنه * (كاذب كفار) * .
وأما اللغة والعرف فلم يرد عن سيدنا رسول الله ص في سنته الواسعة أنه سماهم موحدين للربوبية ، ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنه قال في حقهم أو عنهم (إيمان دون إيمان) مثل ما نقل عن بعضهم كابن عباس رضي الله تعالى عنهما وغيره أنه قال في بعض الامور (كفر دون كفر) وهذا مما يؤكد لنا ويدل بأن اللغة التي كان ص وأصحابه ينطقون بها والعرف الذي كان سائدا بينهم يمنعان إطلاق موحد أو توحيد ربوبية على ذلك الانسان .
ثم إن الايمان والتوحيد والعقيدة هو (ما وقر في القلب وصدقه العمل) وتعريف الايمان والتوحيد واضح من حديث سيدنا جبريل في السؤال عنه الذي رواه مسلم ، وظاهر في كتب التوحيد التي نصت على أن الايمان أو الدخول في التوحيد هو (الاتيان بالشهادتين لسانا مع الاقرار القلبي بكل ما جاء عن الله تعالى ورسوله مع الاذعان) فأين ذلك من ذا ، وبذلك اتضح جليا بطلان ما ذهب إليه المخالف وادعاه ، والله الموفق .
وأما القسم الثالث من التوحيد وهو ما سموه بتوحيد الاسماء والصفات فقد أشار إليه وذكره ابن تيمية في منهاج سنته (2 / 62) باسم (إثبات حقائق أسماء الله وصفاته) والمراد من هذا القسم إثبات التشبيه والتجسيم وبيان أنه غير مذموم ، ولا تستعجب أخي القارئ من ذلك ، واصبر فإنني سأنقل لك ذلك من كتب ابن تيمية مثبتا رقم المجلد والصحيفة . قال ابن تيمية في كتابه التأسيس (1 / 101) : (وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا قول أحد من سلف الامة وأئمتها أنه ليس بجسم وأن صفاته ليست أجساما وأعراضا ؟ ! فنفي المعاني الثابتة بالشرع والعقل بنفي ألفاظ لم ينف معناها شرع ولا عقل ، جهل وضلال) اه. وابن تيمية يقول كما هو ثابت عنه في كتبه وكما هو مشهور : (لا نصف الله إلا بما وصف به نفسه) ! ! فنقول له : إذا كنت لا تصف الله إلا بما وصف به نفسه فلماذا تثبت استقرار الله تعالى عما تقول على ظهر بعوضة وتجوزه ، هل هذا هو توحيد الاسماء والصفات أيها الشيخ الحراني ؟ ! وهل هذا مما وصف الله به نفسه ؟ !
قال ابن تيمية في كتابه (التأسيس في رد أساس التقديس) (1 / 568) : (ولو قد شاء - الله - لاستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيته فكيف على عرش عظيم) اه. فهل من التوحيد الخالص أيها الشيخ الحراني ويا من تتعصبون لارائه الشاذة أن تجوزوا استقرار رب العالمين سبحانه وتعالى عما تصفون على ظهر ذبابة أو بعوضة ؟ ! ولقد استحى عباد الاوثان والمشركون أن يصفوا آلهتهم بذلك ! ! وهل من توحيد الاسماء والصفات إثبات الحركة لله تعالى كما يقول ابن تيمية في كتابه (موافقة صريح المعقول) (2 / 4) على هامش منهاج سنته وقد نسب ذلك لاهل الحديث والسلف زورا ؟ ! ! وأين وصف الله تعالى نفسه في كتابه بلفظ الحركة ؟ ! وابن تيمية يقول في كتابه التأسيس (1 / 101) : (وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا قول أحد من سلف الامة وأئمتها أنه ليس بجسم وأن صفاته ليست أجساما وأعراضا) اه. ونقول له : بل في كتاب الله وفي سنة رسول الله وفي كلام السلف نفي لذلك ، قال تعالى : * (ليس كمثله شئ) * الشورى : 11 ، وقال * (ولم يكن له كفوا أحد) * الاخلاص : 4 ، وهذا نص صريح في القرآن في تنزيه الله عن الجسمية والتركيب لان الجسم له مكافئ ومماثل ، ولا يصح أن يقال فيه * (ولم يكن له كفوا أحد) * .
وأما السنة : فقد روى الامام الحاكم في المستدرك (2 / 540) عن أبى بن كعب رضى الله عنه : (أن المشركين قالوا : يا محمد أنسب لنا ربك . فأنزل الله عزوجل : * (قل هو الله أحد * الله الصمد) * قال : الصمد الذى : * (لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) * ، لانه ليس شئ يولد الا سيموت ، وليس شئ يموت الا سيورث وان الله لا يموت ولا يورث ، * (ولم يكن له كفوا أحد) * قال : لم يكن له شبيه ولا عدل وليس كمثله شئ) .
قال الحاكم : (صحيح الاسناد ولم يخرجاه) وقال الذهبي : (صحيح) وسكت عليه الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) (13 / 356) . قلت : وهو صحيح . وسيأتى بعد صحيفة ان شاء الله تعالى عن الامام أبى حنيفة ذم التشبيه ، وذكر الحافظ البيهقى في كتابه مناقب الامام أحمد الذى هو من أئمة السلف ورؤساء المحدثين رضى الله عنه ما نصه : (أنكر أحمد على من قال بالجسم وقال ان الاسماء مأخوذة من الشريعة واللغة ، وأهل اللغة وضعوا هذا الاسم على ذى طول وعرض وسمك وتركيب وصورة وتأليف والله سبحانه خارج عن ذلك كله ، فلم يجز أن يسمى جسما لخروجه عن معنى الجسمية ولم يجئ في الشريعة ذلك فبطل) . انتهى بحروفه .
وهذا الكلام من الامام أحمد ينسف كلام ابن تيمية نسفا ، وابن القيم تلميذ ابن تيمية يثبت في كتاب (بدائع الفوائد) (4 / 39) أن الله يجلس على العرش ، ويجلس بجنبه سيدنا محمد ص وهذا هو المقام المحمود (10) ! ويثبت في كتابه (الصواعق المرسلة) أن لله ساقين ، وأنه إذا لم يذكر الله في كتابه إلا ساقا واحدة فهذا لا ينفي أنه ليس له ساق أخرى فيقول ما نصه : (هب أنه سبحانه أخبر أنه يكشف عن ساق واحدة هي صفة ، فمن أين في ظاهر القرآن أنه ليس له سبحانه الا تلك الصفة الواحدة ؟ (11) وأنت لو سمعت قائلا يقول : كشفت عن عيني وأبديت عن ركبتي وعن ساقي هل يفهم منه أنه ليس له إلا ذلك الواحد فقط ؟) اه. فانظر الى هذا التجسيم الصريح وإلى هذا الهراء والهذيان ص (31 - 32) من (مختصر الصواعق المرسلة) (طبع مكتبة الرياض الحديثة) وانظر كتاب (الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة) لابن القيم (1 / 245 طبع دار العاصمة الرياض) وابن القيم متعصب لذلك وسائر على قاعدة شيخه الحراني التي أسسها له في كتابه التأسيس (1 / 109) حيث قال هناك : (وإذا كان كذلك فاسم المشبهة ليس له ذكر بذم في الكتاب والسنة ولا كلام أحد من الصحابة والتابعين) ا ه! ! .
قلت : ليس كذلك ! ! وأبسط مثال لهدم هذا الكلام غير ما تقدم قبل قليل أن الحافظ الذهبي . ذكر في (سير أعلام النبلاء) (7 / 202) نقلا عن الامام أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه قال :
(10) مع أنه ثبت في الصحيحين تفسير المقام المحمود بالشفاعة وارجع إلى تعليقنا على كتاب الحافظ ابن الجوزي رحمه الله تعالى (دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه) ص 127 التعليق رقم (53) . (11) أعوذ بالله تعالى من هذا الهذيان ! ! ! (*)
(أتانا من المشرق رأيان خبيثان : جهم معطل ، ومقاتل مشبه) اه. فخذ مجدك في التجسيم يا ابن القيم ! ! ولا يهمنك المعارضون من أهل السنة ! ! الذين تلقبهم بالجهمية والمعطلة ! ! وقد أثبت ابن القيم أيضا جنبا لله تعالى عما يقول ! ! واستنبط ذلك من قوله تعالى * (يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله) * الزمر : 56 ، ففي (الصواعق المرسلة) (1 / 250) و (مختصر الصواعق) للموصلي (1 / 33) ما نصه : (هب أن القرآن دل على إثبات جنب هو صفة ، فمن أين لك ظاهره أو باطنه على أنه جنب واحد وشق واحد ؟ ومعلوم أن إطلاق مثل هذا لا يدل على أنه شق واحد ، كما قال النبي ص لعمران بن حصين : (صل قائما فان لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب) وهذا لا يدل على أنه ليس للمرء إلا جنب واحد) . اه! ! ! قلت : وهل يصح قياس الله سبحانه وتعالى بعمران بن حصين وتشبيهه به ؟ ! وهل يقول أحد من الموحدين أن لله جنبا ؟ ! . والله ما الاتيان بمثل هذا الكلام في الصفات إلا رجوع للوثنية الاولى ف* (سبحان ربك رب العزة عما يصفون) * الصافات : 180 ! ! ! ! وامام ابن تيمية وقدوته في هذه الطامات هو أبو يعلى الحنبلي (12) الذي كان يقول : (ألزموني ما شئتم إلا اللحية والعورة) أي في صفات الله تعالى ! ! كما
(12) وقد رد على أبي يعلى هذا الحافظ ابن الجوزي في كتابه المشهور (دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه) وقد حققناه وعلقنا عليه وقدمنا له ما يشفي غليل طالب الحق . (*)
نقل ذلك ابن العربي المالكي في كتابه (العواصم) (2 / 283) وهذا هو توحيد الاسماء والصفات الذي يريدونه والذي يحاولون إثباته وقد أثبتوا هذا التقسيم ليقولوا للناس : إن هذه الصفات التي أثبتناها من أنكر منها شيئا فتوحيده ناقص وغير صحيح ، ويلزم من ذلك أن يكون كافرا ، ليهاب الناس من إنكار هذه الصفات التي ابتدعوها وأطلقوها على الله تعالى خشية أن لا يكونوا قد وحدوا توحيد الاسماء والصفات . فتأمل . وكتاب أبى يعلى في الصفات المسمى ب(ابطال التأويل) فيه من الطامات والعجائب ما يكفي لاي لبيب أن يحكم على مصنفه أنه ليس معه من الاسلام خبر كما قال الحافظ ابن الجوزي في كتابه (دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه) ، ولا معه من تنزيه الله شئ معتبر ، وقد طبع حديثا جزء منه ، بتحقيق أحد البسطاء ، وهو دليل قاطع عند أي قارى لبيب على الوثنية التي يدعو إليها هؤلاء باسم : توحيد الاسماء والصفات .
[ تنبيه مهم جدا ] : ومما يدل على أن هؤلاء المتمسلفين أتباع ابن تيمية وابن القيم مجسمة أيضا يسيرون على نفس نهج شيخيهما ، مؤلفاتهم المطبوعة والتي تثبت ذلك ، منها كتاب طبع حديثا لمتمسلف سلفي يدعى (عبد الله بن محمد الدويش) اسم الكتاب (المورد الزلال في التنبيه على أخطاء الظلال) يسفه فيه الشيخ (سيد قطب) ويصفه بالابتداع وأنه جهمي أشعري معتزلي واليك بعض ما يقول هذا المتمسلف :
1 - يقول ص (10) ما نصه : (فقد عاب - سيد قطب - قول أهل السنة والجماعة وهذا هو مسلك أهل البدع من الجهمية والمعتزلة وسيجئ من كلامه ما يبين أنه سلك مسلكهم) . اه. 2 - ويقول ص (19) ما نصه : (وأقول قوله - سيد قطب - في التوجه إلى الله الذي لا يتحيز في مكان ، هذا قول أهل البدع كالجهمية والمعتزلة والاشاعرة ، وأما أهل السنة والجماعة فلا يصفون الله إلا بما وصف به نفسه . .) .
ثم قال بعد ذلك بخمسة أسطر في نفس الصحيفة ذاما أهل البدع بنظره ما نصه : (ومقصودهم بها نفي الصفات كالجسم والتحيز . .) . اهفهو يرى تبعا لابن تيمية وابن القيم أن من صفات الله تعالى الجسم والتحيز ، وأن كلام سيد قطب والاشاعرة الذين ينزهون الله عن التحيز والمكان ويقولون * (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) * الشورى : 11 ، مبتدعة جهميون ، فالله حسيبه وحسيب هذه الطائفة . وقد قال الامام الحافظ القرطبي في كتابه (التذكار) في شأن المجسمه ص (208) : (والصحيح القول بتكفيرهم إذ لا فرق بينهم وبين عباد الاصنام والصور) اه. وكذلك قال الامام النووي رحمه الله تعالى في (المجموع) شرح المهذب (4 / 253) .
بل أجمعت الامة على تكفير المجسمة كما هو معلوم . 3 - صاحب كتاب (المورد الزلال في التنبيه على أخطاء الظلال) متمسلف سلفي يرى تضليل كل من خالف مشربهم ، يدل على ذلك أنه يقول ص (13) : (وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب إمام هذه الدعوة قدس الله روحه . .) ! ! ! وأنه حيثما ذكر ابن تيمية وصفه بشيخ الاسلام دون باقي العلماء ، فليتدبر أولو الابصار وليستيقظ النائمون . [ تكميل ] : يجدر بنا في هذا المقام أن نلفت نظر أهل العلم إلى ان ابن أبى العز المنسوب للحنفية ، صاحب شرح الطحاوية الذي خالف عقيدة الامام الحافظ الطحاوي ونصوصه قائل بالتفريق بين توحيد الالوهية والربوبية ، وأن المكتب الاسلامي الذي طبع ذلك الشرح بتوضيح الشاويش مديره ، وتخريج الالباني إمامه وشيخه سابقا ! ! قد وضعوا صورة بعض صفحات مخطوطة شرح الطحاوية (الباطل) وتعمدوا أن تكون تلك الصفحات هي التي ذكر فيها توحيد الالوهية وتوحيد الربوبية (انظر ص 64 من الطبعة الثامنة) ، ثم إن موضحها الشاويش ، ومحققها ! ! ومخرج أحاديثها ! ! الالباني وضع على الغلاف الداخلي كلام الامام الحافظ السبكي في قوله عن عقيدة الطحاوي : (جمهور المذاهب الاربعة على الحق يقرون عقيدة الطحاوي التي تلقاها العلماء سلفا وخلفا بالقبول) ليوهما البسطاء أن هذا الثناء من الامام الحافظ السبكي يشمل أيضا شرحها الذي صنفه ابن أبي العز المنسوب للحنفية ، والحق خلاف ذلك وهذا منهما تدليس وقلب للحقائق من أوجه :
(الاول) : أن هذا الشرح كتب بعد وفاة الامام السبكي .
(الثاني) : أن الامام السبكي رحمه الله تعالى لا قيمة لكلامه عند هؤلاء المتمسلفين لانه أشعري العقيدة ، ولانه لا يحب ابن تيمية ويعرف حقيقة أمره وفداحة غلطه وهو محذر منه . فإيرادهما لكلام الامام الحافظ السبكي هنا هو لايهام البسطاء والمبتدئين وأنصاف المتعلمين أن الامام السبكي يثني على هذا الشرح الذي صنفه ابن أبي العز الملئ بمخالفات عقيدة الاسلام ، كقدم العالم بالنوع ، وإثبات حوادث لا أول لها ، وقيام الحوادث بذات الله تعالى وإثبات الحد له تعالى والجهة وغير ذلك ، وفعلا انطلى هذا التمويه على كثير من الناس وراج الكتاب بسبب ذلك وخصوصا :
(الثالث) : أن الناشر - الشاويش - قام بأمر شيخه ! وإمامه ! سابقا ! ! الالباني بالتلاعب في ص (5) من الطبعة الثامنة في الحاشية حيث لم ينقل كلام الامام الحافظ السبكي بتمامه وبحروفه بل حرفه وحذف منه ما سيكون وبالا عليه عند الله تعالى ، ولننقل ما ذكره الناشر هناك ، ثم نردفه بكلام الامام السبكي من كتابه معيد النعم : قال الناشر (13) : كلمة العلامة السبكي في كتابه (معيد النعم) هي : (وهذه المذاهب الاربعة - ولله تعالى الحمد - في العقائد واحدة ، إلا من لحق منها بأهل الاعتزال والتجسيم ، وإلا فجمهورها على الحق يقرون عقيدة أبي جعفر الطحاوي التي تلقاها العلماء سلفا وخلفا بالقبول) اه.
(13) وبصراحة لا يحمل إثم هذا العمل الناشر فحسب إنما يحمل إثم ذلك شيخه المتناقض ! الذي كان يملي على الناشر هذه الافكار . (*)
تأليف حسن بن علي السقاف القرشي الهاشمي الحسيني الشافعي دار الامام النووي
جميع الحقوق محفوظة الطبعة الثانية 1413 ه- 1992 م 214 حسن بن علي السقاف حسن التنديد بمن عدد التوحيد / حسن بن علي السقاف - عمان : دار الامام النووي ، 1991 . (72) ص . ا . أ (487 / 9 / 1991) . 1 . الاسلام - توحيد 2 . الاسلام - عقيدة أ . العنوان (تمت الفهرسة بمعرفة المكتبة الوطنية) دار الامام النووي عمان - الاردن - ص . ب 925393
مقدمة الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على عبده المصطفى ، سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه المنتخبين أهل الوفا ، ومن لهم اقتفى . أما بعد : فهذا جزء لطيف ، ومنار منيف ، أثبت فيه إبطال التثليث في تقسيم التوحيد إلى توحيد ألوهية وتوحيد ربوبية وتوحيد أسماء وصفات ، حيث انتشر هذا التقسيم في هذا الزمان ، وقد دعاني إلى ذلك ما رأيت من بعض من كتب في التوحيد والعقائد إثبات هذا الفرق واستساغته تقليدا من غير استبصار بحقيقة الامر والحال ، وخصوصا أن هذا التقسيم لا يعرف عند السلف البتة وإنما اخترع هذا التقسيم وانتشر بعد القرن السابع الهجري ، فأردت التنبيه عليه لئلا يغتر بهذا التقسيم أحد من طلاب العلم ، فنسأل الله تعالى لنا الاعانة ، فيما توخينا من الابانة .
ولا بد أيضا من التنبيه على القسم الثالث للتوحيد وهو : (توحيد الاسماء والصفات) وبيان المراد منه عند من يقول به في هذه الرسالة المختصرة وبالله تعالى التوفيق .
(فاعلم) : أن تقسيم التوحيد إلى هذه الاقسام الثلاث تقسيم غير صحيح ، تكلم به بعض متأخري المصنفين منهم صاحب شرح العقيدة الطحاوية ابن أبي العز المنسوب للحنفية خطأ الذي رد على صاحب الكتاب الاصلي الامام أبي جعفر الطحاوي الحنفي رحمه الله تعالى أثناء شرحه على كتابه - متن الطحاوية - في التوحيد فزيف ابن أبي العز بعض كلام الامام أبي جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى ، وظهر بثوب الدعوة إلى مذهب السلف الصالح ، فخالف حقيقة صريح الكتاب والسنة والاجماع وعقيدة أهل السنة والجماعة الوارد في كلام الامام أبي جعفر الطحاوي ، وظن الساعون في نشر هذا الشرح للطحاوية والمروجون له أنهم يستطيعون أن يقنعوا الناس بأنه يمثل عقيدة الاسلام الحقة حيث ستروا وغطوا ما لم يعجبهم من عقيدة الطحاوي رحمه الله تعالى وهي العقيدة المتفق على قبولها وصحتها والتى تمثل عقيدة أهل الحق من أهل القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية بهذا الشرح المشحون بالاخطاء والمغالطات المختلفة المتنوعة ! ! ، وكما قيل : لا يضر الفضل إقلال كما لا يضر الشمس إطباق الطفل وقد نص ابن أبي العز في شرحه المذكور على هذا التقسيم فقال (1) : (فان التوحيد يتضمن ثلاث أنواع : أحدهما الكلام في الصفات ، والثاني : توحيد الربوبية ، وبيان أن الله وحده خالق كل شئ ، والثالث : توحيد الالهية وهو استحقاقه سبحانه وتعالى أن يعبد وحده لا شريك له) ا ه. فلنبدأ بإثبات تحقيق عدم وجود هذا التقسيم وتفنيد هذه العبارة فنقول وبالله تعالى التوفيق .
تمهيد لقد أرسل الله تعالى سيدنا محمدا ص بكلمة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وحث عليها ووعد قائلها ومعتقدها الجنة ، وقد وردت بذلك الايات والاخبار الصحيحة ، منها قول الله تعالى : * (فاعلم أنه لا إله إلا الله) * محمد : 19 ، ومنها قوله : * (ومن لم يؤمن بالله ورسوله فانا أعتدنا للكافرين سعيرا) * الفتح : 13 ، وقال النبي ص : (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته (2) ألقاها إلى مريم وروح منه (3) ، والجنة حق والنار حق ، أدخله الله الجنة على ما كان من عمل) رواه البخاري (6 / 474 فتح) ومسلم (1 / 57 برقم 46) . وقال ص : (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله) رواه البخاري (1 / 75 فتح) ومسلم (1 / 53 برقم 36) . فمن هذه الايات الكريمة والاحاديث الشريفة يتضح وضوحا جليا أن الله سبحانه بين لنا أن التوحيد هو (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ، ولم يذكر
(2) معنى (وكلمته ألقاها إلى مريم) أي : بشارته أرسلها بواسطة الملك إلى السيدة مريم . (3) معنى (وروح منه) أي : منه خلقا وتكوينا ، لا جزءا كما تعتقد النصارى . (*)
الله تعالى في كتابه ، ولا النبي ص في سنته أن التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام توحيد ربوبية وتوحيد ألوهية وتوحيد أسماء وصفات ، بل لم ينطق بهذا التقسيم أحد من الصحابة ، بل ولا أحد من التابعين ، بل ولا أحد من السلف الصالح رضي الله عن الجميع . بل إن هذا التقسيم بدعة خلفية مذمومة حدثت في القرن الثامن الهجري ، أي بعد زمن النبي ص بنحو ثمانمائة سنة ، ولم يقل بهذا التقسيم أحد من قبل ، والهدف من هذا التقسيم عند من قال به هو تشبيه المؤمنين الذين لا يسيرون على منهج المتمسلفين بالكفار ، بل تكفيرهم بدعوى أنهم وحدوا توحيد ربوبية كسائر الكفار بزعمهم ! ! ولم يوحدوا توحيد ألوهية - وهو توحيد العبادة الذين يدعونه - وبذلك كفروا المتوسلين بالانبياء عليهم الصلاة والسلام أو بالاولياء وكفروا أيضا كثيرا ممن يخالفهم في أمور كثيرة يرون الصواب أو الحق على خلافها ، وكل ذلك سببه ذلك الحراني ، وعلى ذلك سار شارح الطحاوية ابن أبى العز الملقب بالحنفي فخالف الامام الحافظ الطحاوي الحنفي في عقيدته في مواضع عديدة ! منها أن صاحب المتن الامام الطحاوي ينفي الحد عن الله سبحانه والشارح يرد عليه فيثبت الحد ! ومنها أن صاحب المتن ينفي الجهة وينزه الله سبحانه أن يوصف بها والشارح يرد عليه فيثبتها ! حتى قال العلامة علي القاري الحنفي عن شارحها ابن أبي العز في شرح الفقه الاكبر ص (172) بأنه : (صاحب مذهب باطل ، تابع لطائفة من المبتدعة) . ولا بد أن نبطل هذا التقسيم للتوحيد في هذه المقدمة الصغيرة المتواضعة باختصار تلخيصا للبحث الذي تحويه هذه الرسالة التي سنسلك فيها طريقة :
خير الكلام ما قل ودل ، فنقول وبالله تعالى التوفيق : (أولا) : لا يعرف في الشرع اطلاق اسم موحد على من كفر ولو بجزء من العقيدة الاسلامية وذلك بنص الكتاب والسنة ، بل لا يجوز أن نقول الشرع ما لم يقل ولم يرد ، فلا يحل لنا أن نطلق على من كان يقر بوجود الله ويدرك أنه هو الا له المستحق للعبادة دون أن يذعن ويدخل في هذا الدين بأنه موحد ، بل نطلق عليه أنه كافر ، بدليل قول الله تعالى : * (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار) * الزمر : 3 . فقد وصفهم الله تعالى بالكذب وبالكفر ، بل وصفهم بصيغة مبالغة وهى : (كفار) كما تقول : ضارب وضراب . فكيف يقال إنهم موحدون توحيد ربوبية والله تعالى وصفهم بالكفر صراحة ؟ ! ! (ثانيا) : هؤلاء الكفار الذين كانوا يقولون فيما وصفهم الله تعالى بقوله : * (ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن الله) * الزمر : 38 ولقمان : 25 ، والذين كانوا يقولون : * (ما نعبدهم الا ليقربونا إلى الله زلفى) * الزمر : 3 ، ما كانوا يقرون بتوحيد ربوبية لو سلمنا جدلا بقسم توحيد الربوبية ، وما كانوا يقرون بوجود الله تعالى ، ولذلك أدلة سأوردها الان إن شاء الله تعالى ، وإنما قالوا ذلك عند محاججة النبي ومجادلته إياهم وإفحامه لهم بالادلة التي تثبت وجود الله تعالى وتبطل إلهية ما يعبدون من دون الله سبحانه .
فالله سبحانه وتعالى أمر نبيه ص أن يجادلهم ويناقشهم في عقيدتهم وباقي أمورهم الفاسدة ليثبت لهم الحق قائلا له : * (وجادلهم بالتي هي أحسن) * النحل : 125 ، فلما كان ص يثبت لهم وجود الله ووحدانيته وأن لا إله إلا هو سبحانه ويلزمهم بترك عبادة هذه الاصنام التي كانوا يعبدونها ويسجدون لها من دون الله ، كانوا يتحرجون ولا يعرفون بماذا سيجيبون فكانوا يقولون عند سؤال النبي ص لهم : من خلق السموات والارض ؟ : الله . وكانوا يتحججون قائلين * (ما نعبدهم) * أي هذه الاوثان * (إلا ليقربونا إلى الله زلفى) * . وهذا كذب صريح منهم لانهم ما كانوا يعتقدون بوجود الله الذي خلق السموات والارض البتة بدليل أن الله أمرهم في القرآن الكريم أن يتفكروا في خلق السموات والارض ليعرفوا أن لها إلها خلقها وأوجدها فيؤمنوا به ، قال تعالى : * (أفلا ينظرون إلى الابل كيف خلقت ، والى السماء كيف رفعت ، والى الجبال كيف نصبت ، وإلى الارض كيف سطحت ، فذكر إنما أنت مذكر ، لست عليهم بمصيطر) * الغاشية : 17 - 22 ، وقال تعالى : * (وإلهكم إله واحد ، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ، إن في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الارض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والارض لايات لقوم يعقلون) * البقرة : 163 - 164 . فكانوا يردون ما جاء في صدر هذه الايات الشريفة قائلين : * (أجعل الالهة إلها واحدا إن هذا لشئ عجاب) * ص : 5 ، ولو كانوا مقرين بأن الله سبحانه هو خالق السموات والارض وما فيهن ، لما ذكر الله لهم تلك الايات الامرة
بالتفكر في الابل كيف خلقت وفي الجبال كيف نصبت وفي الارض كيف سطحت وفي السماء كيف رفعت . فقولهم عند سؤال النبي لهم وقت إلزامهم الحجة في المناظرة : من خلق السموات والارض ؟ ! فيقولون : الله . وقولهم * (ما نعبدهم الا ليقربونا إلى الله زلفى) * ما هو إلا كذب وكفر بنص القرآن الكريم ، حيث قال الله تعالى في آخر الاية : * (ان الله لا يهدي من هو كاذب كفار) * الزمر : 3 ، كما قال سبحانه * (يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم) * التوبة : 8 . فلا يحل ولا يجوز لانسان أن يستنبط بعد هذا البيان من الايتين * (ما نعبدهم . .) * و * (ولئن سألتهم . .) * أنهم كانوا موحدين توحيدا يسمى توحيد ربوبية ، بل هذا استنباط معارض لنص القرآن الذي حكم عليهم بالكفر بل بالمبالغة بالكفر ، ومنه يتبين أنه استنباط سطحي سخيف لا يقول به الا من لم يتعمق في فهم آيات القرآن الكريم وسنة النبي ص وقواعد علم التوحيد المبنية على الكتاب والسنة الصحيحة ، والذي يؤكد ذلك : (ثالثا) : أن أولئك الكفار اشتهر عنهم أنهم كانوا يعبدون تلك الاصنام ويحجون لها ويتقربون إليها * (واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون) * يس : 74 ، * (أفرأيتم اللات والعزى ، ومنوة الثالثة الاخرى) * النجم : 19 - 20 . بل واشتهر عنهم أنهم كانوا يقولون : ما هي إلا أرحام تدفع وأرض تبلع وما يهلكنا إلا الدهر . قال الله تعالى مخبرا لنا عنهم * (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا
وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون) * (4) الجاثية : 24 . بل قال للنبي ص أحدهم : * (من يحي العظام وهي رميم) * يس : 78 ، فرد الله عليه * (قل يحيها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم) * يس : 79 . فهل يجوز لنا بعد هذا أن نصف من لا يقر بأن الله خالق ومحيي بأنه موحد توحيد ربوبية والله تعالى يقول عنه : * (إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار) * ؟ ! الزمر : 3 . بل بلغ من كفرهم ما أخبر الله تعالى عنهم في كتابه العزيز إذ قال * (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا : وما الرحمن ؟ أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا) * الفرقان : 60 ، فهل هؤلاء يقولون بوجود الرحمن الرحيم ؟ ! ! ولو كانوا يقرون أن الله هو الخالق لما قال الله لهم : * (وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض) * المؤمنون : 91 ، وعبر بالاله أيضا ولم يعبر بالرب إشارة الى أنهم لا يوحدون لا الرب ولا الاله ولان الرب هو الاله ، والاله هو الرب . (رابعا) : ابن تيمية الذي اخترع تقسيم التوحيد الى ألوهية وربوبية يقول إن المشركين كانوا يقرون بتوحيد الربوبية دون توحيد الالوهية وأن المسلمين
(4) والحق والواقع أن من ثلث التوحيد وقسمه إلى ثلاثة أقسام أبطل - سواء قصد أم لا - وألغى مثل هذه الايات الثابتة كالجبال في كتاب الله تعالى زيادة على قصده الباطل من هذا التقسيم الذي فيه عدة مخالفات ومحظورات شرعية ! ! فالله تعالى المستعان ! ! (*)
الذين يخالفونه في آرائه كذلك وحدوا ربوبية ولم يوحدوا ألوهية ، فهو يكفرهم بذلك ، وهذا مراده من هذا التقسيم . قال في كتابه (منهاج السنة) (2 / 62) بعد أن دمج وخلط بعض أئمة الاسلام كالسهروردي (5) وأبي حامد الرازي والامدي وغيرهم بمن يخالفهم في آرئهم من الفلاسفة كأرسطو طاليس والفارابي وابن سينا ما نصه : (دخلوا في بعض الباطل المبدع ، وأخرجوا من التوحيد ما هو منه كتوحيد الالهية وإثبات حقائق أسماء الله ولم يعرفوا من التوحيد إلا توحيد الربوبية وهو الاقرار بان الله خالق كل شئ وهذا التوحيد كان يقر به المشركون الذين قال الله عنهم : * (ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن الله) * . .) . وهذه مغالطة منه وتلبيس ، وهو كلام غلط كما بينا . وهل يعقل عاقل أو يقول إنسان بأن فرعون الذي كان من جملة المشركين كان يوحد ربوبية ولا يوحد ألوهية ؟ ! . وهو الذي يقول * (ما علمت لكم من إله غيري) * القصص : 38 ، كما أنه هو القائل * (أنا ربكم الاعلى) * النازعات : 24 ولو كان يقر بالربوبية لما قال : * (أنا ربكم الاعلى) * ، بل لقال : (أنا الهكم الاعلى) .
(5) علما بأن السهروردي من علماء أهل السنة والجماعة ، وعنه ينقل أكابر الائمة وعلماء الاسلام العقيدة ، فالامام الحافظ ابن حجر العسقلاني ينقل عنه في الفتح (13 / 390 سلفية دار المعرفة) مذهب السلف الصالح في الصفات ويقول عقب ذلك : قال الطيبي : هذا هو المذهب المعتمد وبه يقول السلف الصالح اه. (*)
ولو تذكر ابن تيمية قول الله تعالى في سورة الاعراف : * (قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون) * الاعراف : 76 ، وقول سيدنا يوسف عليه السلام * (ءأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) * يوسف : 39 ، وقول سيدنا ابراهيم عليه السلام * (أإفكا آلهة دون الله تريدون) * الصافات : 86 ، مع قول الله عزوجل * (واتخذوا من دون الله آلهة) * يس : 74 ، وقول الكفار حينما دعاهم الرسول ص الى كلمة التوحيد * (أجعل الالهة إلها واحدا) * ص : 5 لاستحى أن يفوه بذلك ! ومن هذا الايضاح والبيان يتبين بطلان تقسيم التوحيد إلى هذه الاقسام ، بل يتضح أن هذا التقسيم يعارض القرآن وعقيدة الاسلام ، فلا يصح أن يقال : هذا تقسيم تعليمي ، بل يجب أن يقال هذا تقسيم مغلوط معارض للقرآن الكريم . ويجب أن يعلم كل أحد أن شرح الطحاوية يحوى هذا الخطأ وهذه الاغلاط المتناقضة ، وأن التعويل على مثل هذا الكتاب واعتماد تدريسه ما هو إلا خطأ جسيم لم يتنبه له كثير من المدرسين والطلاب فاحذروه واتقوه وإني لكم منه نذير مبين .
[ تنبيه ] : اعلم أن متن الطحاوية وهو الكتاب الذي صنفه الامام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى ، كتاب صحيح مستقيم من أحسن كتب العقيدة التي تمثل اعتقاد السلف الصالح ، ولانه أيضا - أعني الطحاوي - ذكر في مقدمة ذلك الكتاب أنه عقيدة الامام الاعظم أبو حنيفة رضي الله عنه وصاحبيه محمد بن الحسن والقاضي أبو يوسف رحمهما الله تعالى .
وأما شرحه المنتشر في الاسواق لابن أبي العز ففيه أمور كثيرة مخالفة للكتاب الاصلي - متن الطحاوية - ، وفيه أيضا عقائد فاسدة كإثبات قدم العالم بالنوع وتسلسل الحوادث الى غير أول (6) ، وإثبات الحد لذات الله تعالى (7) ، وإثبات الحرف والصوت لكلامه سبحانه (8) وقيام الحوادث بذات الله سبحانه (9) إلى غير ذلك من أخطاء جسيمة ، وأغلاط أليمة ، فتنبهوا .
فصل هام بيان أن من اعترف بوجود الله ولم يوحده فهو كافر إجماعا ولا يسمى موحدا توحيد ربوبية بنص القرآن الكريم وتنزلا مع بعض أصحاب العقول ذات التفكير السطحي الضحل وعلى سبيل الجدل المنصوص على جوازه في القرآن الكريم بقوله تعالى : * (وجادلهم بالتي هي أحسن) * أقول : هب أن هناك قسما من الجاهليين أو من أي طائفة من طوائف الكفار فيها أشخاص يقرون ويعترفون في غير مجال المضايقة في المناظرة ، بأن الله هو الخالق المحي المميت ، فإن هذا الاقرار منهم أو هذه المعرفة لا تجعل صاحبها يسمى أو يطلق عليه مؤمنا أو موحدا لا شرعا ولا لغة ولا عرفا البتة ، أما شرعا فلادلة منها قوله تعالى : * (ألا لله الدين الخالص ، والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار) * الزمر : 3 ، فقد صرح هذا النص لنا بأن الواحد من أولئك مع قوله : (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) وتسليمنا جدلا بأنه مقر بقلبه بأنه معترف بوجود الله ! ! وهو ما يسميه الخصم (توحيد الربوبية) ومع ذلك كله أطلق عليه الله تعالى في كتابه كما ترون بأنه * (كاذب كفار) * .
وأما اللغة والعرف فلم يرد عن سيدنا رسول الله ص في سنته الواسعة أنه سماهم موحدين للربوبية ، ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنه قال في حقهم أو عنهم (إيمان دون إيمان) مثل ما نقل عن بعضهم كابن عباس رضي الله تعالى عنهما وغيره أنه قال في بعض الامور (كفر دون كفر) وهذا مما يؤكد لنا ويدل بأن اللغة التي كان ص وأصحابه ينطقون بها والعرف الذي كان سائدا بينهم يمنعان إطلاق موحد أو توحيد ربوبية على ذلك الانسان .
ثم إن الايمان والتوحيد والعقيدة هو (ما وقر في القلب وصدقه العمل) وتعريف الايمان والتوحيد واضح من حديث سيدنا جبريل في السؤال عنه الذي رواه مسلم ، وظاهر في كتب التوحيد التي نصت على أن الايمان أو الدخول في التوحيد هو (الاتيان بالشهادتين لسانا مع الاقرار القلبي بكل ما جاء عن الله تعالى ورسوله مع الاذعان) فأين ذلك من ذا ، وبذلك اتضح جليا بطلان ما ذهب إليه المخالف وادعاه ، والله الموفق .
وأما القسم الثالث من التوحيد وهو ما سموه بتوحيد الاسماء والصفات فقد أشار إليه وذكره ابن تيمية في منهاج سنته (2 / 62) باسم (إثبات حقائق أسماء الله وصفاته) والمراد من هذا القسم إثبات التشبيه والتجسيم وبيان أنه غير مذموم ، ولا تستعجب أخي القارئ من ذلك ، واصبر فإنني سأنقل لك ذلك من كتب ابن تيمية مثبتا رقم المجلد والصحيفة . قال ابن تيمية في كتابه التأسيس (1 / 101) : (وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا قول أحد من سلف الامة وأئمتها أنه ليس بجسم وأن صفاته ليست أجساما وأعراضا ؟ ! فنفي المعاني الثابتة بالشرع والعقل بنفي ألفاظ لم ينف معناها شرع ولا عقل ، جهل وضلال) اه. وابن تيمية يقول كما هو ثابت عنه في كتبه وكما هو مشهور : (لا نصف الله إلا بما وصف به نفسه) ! ! فنقول له : إذا كنت لا تصف الله إلا بما وصف به نفسه فلماذا تثبت استقرار الله تعالى عما تقول على ظهر بعوضة وتجوزه ، هل هذا هو توحيد الاسماء والصفات أيها الشيخ الحراني ؟ ! وهل هذا مما وصف الله به نفسه ؟ !
قال ابن تيمية في كتابه (التأسيس في رد أساس التقديس) (1 / 568) : (ولو قد شاء - الله - لاستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيته فكيف على عرش عظيم) اه. فهل من التوحيد الخالص أيها الشيخ الحراني ويا من تتعصبون لارائه الشاذة أن تجوزوا استقرار رب العالمين سبحانه وتعالى عما تصفون على ظهر ذبابة أو بعوضة ؟ ! ولقد استحى عباد الاوثان والمشركون أن يصفوا آلهتهم بذلك ! ! وهل من توحيد الاسماء والصفات إثبات الحركة لله تعالى كما يقول ابن تيمية في كتابه (موافقة صريح المعقول) (2 / 4) على هامش منهاج سنته وقد نسب ذلك لاهل الحديث والسلف زورا ؟ ! ! وأين وصف الله تعالى نفسه في كتابه بلفظ الحركة ؟ ! وابن تيمية يقول في كتابه التأسيس (1 / 101) : (وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا قول أحد من سلف الامة وأئمتها أنه ليس بجسم وأن صفاته ليست أجساما وأعراضا) اه. ونقول له : بل في كتاب الله وفي سنة رسول الله وفي كلام السلف نفي لذلك ، قال تعالى : * (ليس كمثله شئ) * الشورى : 11 ، وقال * (ولم يكن له كفوا أحد) * الاخلاص : 4 ، وهذا نص صريح في القرآن في تنزيه الله عن الجسمية والتركيب لان الجسم له مكافئ ومماثل ، ولا يصح أن يقال فيه * (ولم يكن له كفوا أحد) * .
وأما السنة : فقد روى الامام الحاكم في المستدرك (2 / 540) عن أبى بن كعب رضى الله عنه : (أن المشركين قالوا : يا محمد أنسب لنا ربك . فأنزل الله عزوجل : * (قل هو الله أحد * الله الصمد) * قال : الصمد الذى : * (لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) * ، لانه ليس شئ يولد الا سيموت ، وليس شئ يموت الا سيورث وان الله لا يموت ولا يورث ، * (ولم يكن له كفوا أحد) * قال : لم يكن له شبيه ولا عدل وليس كمثله شئ) .
قال الحاكم : (صحيح الاسناد ولم يخرجاه) وقال الذهبي : (صحيح) وسكت عليه الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) (13 / 356) . قلت : وهو صحيح . وسيأتى بعد صحيفة ان شاء الله تعالى عن الامام أبى حنيفة ذم التشبيه ، وذكر الحافظ البيهقى في كتابه مناقب الامام أحمد الذى هو من أئمة السلف ورؤساء المحدثين رضى الله عنه ما نصه : (أنكر أحمد على من قال بالجسم وقال ان الاسماء مأخوذة من الشريعة واللغة ، وأهل اللغة وضعوا هذا الاسم على ذى طول وعرض وسمك وتركيب وصورة وتأليف والله سبحانه خارج عن ذلك كله ، فلم يجز أن يسمى جسما لخروجه عن معنى الجسمية ولم يجئ في الشريعة ذلك فبطل) . انتهى بحروفه .
وهذا الكلام من الامام أحمد ينسف كلام ابن تيمية نسفا ، وابن القيم تلميذ ابن تيمية يثبت في كتاب (بدائع الفوائد) (4 / 39) أن الله يجلس على العرش ، ويجلس بجنبه سيدنا محمد ص وهذا هو المقام المحمود (10) ! ويثبت في كتابه (الصواعق المرسلة) أن لله ساقين ، وأنه إذا لم يذكر الله في كتابه إلا ساقا واحدة فهذا لا ينفي أنه ليس له ساق أخرى فيقول ما نصه : (هب أنه سبحانه أخبر أنه يكشف عن ساق واحدة هي صفة ، فمن أين في ظاهر القرآن أنه ليس له سبحانه الا تلك الصفة الواحدة ؟ (11) وأنت لو سمعت قائلا يقول : كشفت عن عيني وأبديت عن ركبتي وعن ساقي هل يفهم منه أنه ليس له إلا ذلك الواحد فقط ؟) اه. فانظر الى هذا التجسيم الصريح وإلى هذا الهراء والهذيان ص (31 - 32) من (مختصر الصواعق المرسلة) (طبع مكتبة الرياض الحديثة) وانظر كتاب (الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة) لابن القيم (1 / 245 طبع دار العاصمة الرياض) وابن القيم متعصب لذلك وسائر على قاعدة شيخه الحراني التي أسسها له في كتابه التأسيس (1 / 109) حيث قال هناك : (وإذا كان كذلك فاسم المشبهة ليس له ذكر بذم في الكتاب والسنة ولا كلام أحد من الصحابة والتابعين) ا ه! ! .
قلت : ليس كذلك ! ! وأبسط مثال لهدم هذا الكلام غير ما تقدم قبل قليل أن الحافظ الذهبي . ذكر في (سير أعلام النبلاء) (7 / 202) نقلا عن الامام أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه قال :
(10) مع أنه ثبت في الصحيحين تفسير المقام المحمود بالشفاعة وارجع إلى تعليقنا على كتاب الحافظ ابن الجوزي رحمه الله تعالى (دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه) ص 127 التعليق رقم (53) . (11) أعوذ بالله تعالى من هذا الهذيان ! ! ! (*)
(أتانا من المشرق رأيان خبيثان : جهم معطل ، ومقاتل مشبه) اه. فخذ مجدك في التجسيم يا ابن القيم ! ! ولا يهمنك المعارضون من أهل السنة ! ! الذين تلقبهم بالجهمية والمعطلة ! ! وقد أثبت ابن القيم أيضا جنبا لله تعالى عما يقول ! ! واستنبط ذلك من قوله تعالى * (يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله) * الزمر : 56 ، ففي (الصواعق المرسلة) (1 / 250) و (مختصر الصواعق) للموصلي (1 / 33) ما نصه : (هب أن القرآن دل على إثبات جنب هو صفة ، فمن أين لك ظاهره أو باطنه على أنه جنب واحد وشق واحد ؟ ومعلوم أن إطلاق مثل هذا لا يدل على أنه شق واحد ، كما قال النبي ص لعمران بن حصين : (صل قائما فان لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب) وهذا لا يدل على أنه ليس للمرء إلا جنب واحد) . اه! ! ! قلت : وهل يصح قياس الله سبحانه وتعالى بعمران بن حصين وتشبيهه به ؟ ! وهل يقول أحد من الموحدين أن لله جنبا ؟ ! . والله ما الاتيان بمثل هذا الكلام في الصفات إلا رجوع للوثنية الاولى ف* (سبحان ربك رب العزة عما يصفون) * الصافات : 180 ! ! ! ! وامام ابن تيمية وقدوته في هذه الطامات هو أبو يعلى الحنبلي (12) الذي كان يقول : (ألزموني ما شئتم إلا اللحية والعورة) أي في صفات الله تعالى ! ! كما
(12) وقد رد على أبي يعلى هذا الحافظ ابن الجوزي في كتابه المشهور (دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه) وقد حققناه وعلقنا عليه وقدمنا له ما يشفي غليل طالب الحق . (*)
نقل ذلك ابن العربي المالكي في كتابه (العواصم) (2 / 283) وهذا هو توحيد الاسماء والصفات الذي يريدونه والذي يحاولون إثباته وقد أثبتوا هذا التقسيم ليقولوا للناس : إن هذه الصفات التي أثبتناها من أنكر منها شيئا فتوحيده ناقص وغير صحيح ، ويلزم من ذلك أن يكون كافرا ، ليهاب الناس من إنكار هذه الصفات التي ابتدعوها وأطلقوها على الله تعالى خشية أن لا يكونوا قد وحدوا توحيد الاسماء والصفات . فتأمل . وكتاب أبى يعلى في الصفات المسمى ب(ابطال التأويل) فيه من الطامات والعجائب ما يكفي لاي لبيب أن يحكم على مصنفه أنه ليس معه من الاسلام خبر كما قال الحافظ ابن الجوزي في كتابه (دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه) ، ولا معه من تنزيه الله شئ معتبر ، وقد طبع حديثا جزء منه ، بتحقيق أحد البسطاء ، وهو دليل قاطع عند أي قارى لبيب على الوثنية التي يدعو إليها هؤلاء باسم : توحيد الاسماء والصفات .
[ تنبيه مهم جدا ] : ومما يدل على أن هؤلاء المتمسلفين أتباع ابن تيمية وابن القيم مجسمة أيضا يسيرون على نفس نهج شيخيهما ، مؤلفاتهم المطبوعة والتي تثبت ذلك ، منها كتاب طبع حديثا لمتمسلف سلفي يدعى (عبد الله بن محمد الدويش) اسم الكتاب (المورد الزلال في التنبيه على أخطاء الظلال) يسفه فيه الشيخ (سيد قطب) ويصفه بالابتداع وأنه جهمي أشعري معتزلي واليك بعض ما يقول هذا المتمسلف :
1 - يقول ص (10) ما نصه : (فقد عاب - سيد قطب - قول أهل السنة والجماعة وهذا هو مسلك أهل البدع من الجهمية والمعتزلة وسيجئ من كلامه ما يبين أنه سلك مسلكهم) . اه. 2 - ويقول ص (19) ما نصه : (وأقول قوله - سيد قطب - في التوجه إلى الله الذي لا يتحيز في مكان ، هذا قول أهل البدع كالجهمية والمعتزلة والاشاعرة ، وأما أهل السنة والجماعة فلا يصفون الله إلا بما وصف به نفسه . .) .
ثم قال بعد ذلك بخمسة أسطر في نفس الصحيفة ذاما أهل البدع بنظره ما نصه : (ومقصودهم بها نفي الصفات كالجسم والتحيز . .) . اهفهو يرى تبعا لابن تيمية وابن القيم أن من صفات الله تعالى الجسم والتحيز ، وأن كلام سيد قطب والاشاعرة الذين ينزهون الله عن التحيز والمكان ويقولون * (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) * الشورى : 11 ، مبتدعة جهميون ، فالله حسيبه وحسيب هذه الطائفة . وقد قال الامام الحافظ القرطبي في كتابه (التذكار) في شأن المجسمه ص (208) : (والصحيح القول بتكفيرهم إذ لا فرق بينهم وبين عباد الاصنام والصور) اه. وكذلك قال الامام النووي رحمه الله تعالى في (المجموع) شرح المهذب (4 / 253) .
بل أجمعت الامة على تكفير المجسمة كما هو معلوم . 3 - صاحب كتاب (المورد الزلال في التنبيه على أخطاء الظلال) متمسلف سلفي يرى تضليل كل من خالف مشربهم ، يدل على ذلك أنه يقول ص (13) : (وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب إمام هذه الدعوة قدس الله روحه . .) ! ! ! وأنه حيثما ذكر ابن تيمية وصفه بشيخ الاسلام دون باقي العلماء ، فليتدبر أولو الابصار وليستيقظ النائمون . [ تكميل ] : يجدر بنا في هذا المقام أن نلفت نظر أهل العلم إلى ان ابن أبى العز المنسوب للحنفية ، صاحب شرح الطحاوية الذي خالف عقيدة الامام الحافظ الطحاوي ونصوصه قائل بالتفريق بين توحيد الالوهية والربوبية ، وأن المكتب الاسلامي الذي طبع ذلك الشرح بتوضيح الشاويش مديره ، وتخريج الالباني إمامه وشيخه سابقا ! ! قد وضعوا صورة بعض صفحات مخطوطة شرح الطحاوية (الباطل) وتعمدوا أن تكون تلك الصفحات هي التي ذكر فيها توحيد الالوهية وتوحيد الربوبية (انظر ص 64 من الطبعة الثامنة) ، ثم إن موضحها الشاويش ، ومحققها ! ! ومخرج أحاديثها ! ! الالباني وضع على الغلاف الداخلي كلام الامام الحافظ السبكي في قوله عن عقيدة الطحاوي : (جمهور المذاهب الاربعة على الحق يقرون عقيدة الطحاوي التي تلقاها العلماء سلفا وخلفا بالقبول) ليوهما البسطاء أن هذا الثناء من الامام الحافظ السبكي يشمل أيضا شرحها الذي صنفه ابن أبي العز المنسوب للحنفية ، والحق خلاف ذلك وهذا منهما تدليس وقلب للحقائق من أوجه :
(الاول) : أن هذا الشرح كتب بعد وفاة الامام السبكي .
(الثاني) : أن الامام السبكي رحمه الله تعالى لا قيمة لكلامه عند هؤلاء المتمسلفين لانه أشعري العقيدة ، ولانه لا يحب ابن تيمية ويعرف حقيقة أمره وفداحة غلطه وهو محذر منه . فإيرادهما لكلام الامام الحافظ السبكي هنا هو لايهام البسطاء والمبتدئين وأنصاف المتعلمين أن الامام السبكي يثني على هذا الشرح الذي صنفه ابن أبي العز الملئ بمخالفات عقيدة الاسلام ، كقدم العالم بالنوع ، وإثبات حوادث لا أول لها ، وقيام الحوادث بذات الله تعالى وإثبات الحد له تعالى والجهة وغير ذلك ، وفعلا انطلى هذا التمويه على كثير من الناس وراج الكتاب بسبب ذلك وخصوصا :
(الثالث) : أن الناشر - الشاويش - قام بأمر شيخه ! وإمامه ! سابقا ! ! الالباني بالتلاعب في ص (5) من الطبعة الثامنة في الحاشية حيث لم ينقل كلام الامام الحافظ السبكي بتمامه وبحروفه بل حرفه وحذف منه ما سيكون وبالا عليه عند الله تعالى ، ولننقل ما ذكره الناشر هناك ، ثم نردفه بكلام الامام السبكي من كتابه معيد النعم : قال الناشر (13) : كلمة العلامة السبكي في كتابه (معيد النعم) هي : (وهذه المذاهب الاربعة - ولله تعالى الحمد - في العقائد واحدة ، إلا من لحق منها بأهل الاعتزال والتجسيم ، وإلا فجمهورها على الحق يقرون عقيدة أبي جعفر الطحاوي التي تلقاها العلماء سلفا وخلفا بالقبول) اه.
(13) وبصراحة لا يحمل إثم هذا العمل الناشر فحسب إنما يحمل إثم ذلك شيخه المتناقض ! الذي كان يملي على الناشر هذه الافكار . (*)
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
رد: التنديد بمن عدد التوحيد
والامام السبكي يقول حقيقة في كتابه (معيد النعم) ص (62) من طبعة مؤسسة الكتب الثقافية الطبعة الاولى (1986) ما نصه : (وهؤلاء الحنفية والشافعية والمالكية وفضلاء الحنابلة - ولله الحمد - في العقائد يد واحدة كلهم على رأي أهل السنة والجماعة ، يدينون الله تعالى بطريق شيخ السنة أبى الحسن الاشعري رحمه الله ، لا يحيد عنها إلا رعاع من الحنفية والشافعية ، لحقوا بأهل الاعتزال ورعاع من الحنابلة لحقوا بأهل التجسيم ، وبرأ الله المالكية فلم نر مالكيا إلا أشعريا عقيدة ، وبالجملة عقيدة الاشعري هي ما تضمنته عقيدة أبي جعفر الطحاوي التي تلقاها علماء المذاهب بالقبول ورضوها عقيدة . . .) اه.
فتأمل بالله عليك كلام الناشر الذي زور كلام الامام الحافظ السبكي وحرفه ، ثم انظر وتأمل في كلام الامام السبكي الحقيقي الذي نقلته لك من كتابه (معيد النعم) لتدرك أن هؤلاء المتمسلفين محرفون محترفون عاثوا في كتب التراث وعبارات علماء الاسلام فسادا وإفسادا (!) . (الرابع) : والذي يؤكد أنهم محرفون محترفون وخصوصا ناشر الطحاوية وكذلك مخرج أحاديثها ! ! المتناقض ! ! أن الناشر الشاويش حقق بزعمه كتاب (الرد الوافر) لابن ناصر الدين الدمشقي الذي رد فيه على الامام العلامة العلاء البخاري رحمه الله تعالى ، ونقل الشاويش في مقدمة تحقيقه للكتاب المذكور ترجمة العلاء البخاري وأفرط في ذمه ! ونقل جزءا من ترجمته من كتاب (الضوء اللامع) للحافظ السخاوي فحرف في النقل حيث قال واصفا العلامة العلاء البخاري بقوله : (وكان شديد الالتصاق بالحكام) ! ! !
علما بأن الكلام الاصلي في كتاب (الضوء اللامع) (9 / 291) للسخاوي هو : (وإذا حضر عنده أعيان الدولة بالغ في وعظهم والاغلاظ عليهم بل ويراسل السلطان معهم بما هو أشد في الاغلاظ ويحضه على إزالة أشياء من المظالم) اهفتأمل كيف ققلب (وكان شديد الاغلاظ على الحكام) 180 درجة رأسا على عقب فقال : (كان شديد الالتصاق بهم) فالله تعالى المستعان ! ! .
وقد راجعت الشاويش بهذه المسألة وأثبث له أن هذا العمل دال على الخيانة وفقدان الامانة العلمية فوعد بالتراجع وتصحيح عبارة (كان شديد الالتصاق بالحكام) في الطبعة الجديدة ونحن بالانتظار(14) .
وسنعقد الان إن شاء الله تعالى فصلين : الاول : في إبطال تقسيم
(14) وقد رأيت حديثا الطبعة الجديدة ولم أر فيها تراجعا إلى الحق وهذا مما يدل على إصرار أهل هذه النحلة على الباطل ! ! ومن تحريف المتمسلفين أيضا وعياثهم في كتب العلماء وتراث الامة فسادا أنهم قاموا بطباعة كتاب (الاذكار) للامام النووي طبعة جديدة وهي طبعة (دار الهدى !) الرياض ، بإشراف (إدارة هيئة البحوث والدعوة والارشاد) 1409 ه، فبدلوا في كلام الامام النووي ، وحرفوا منه قسما كما حذفوا منه ما لم يمكنهم تحريفه مما لا يوافق أهواءهم ومشربهم ! وذلك في كتاب الحج من (الاذكار) في فصل ما يتعلق بزيارة سيدنا محمد ص والذي يتحمل جل المسؤولية في ذلك أمام الله تعالى هو عبد القادر الارنأووط الذي حقق الكتاب وخرج أحاديثه وعلق عليه كما هو ثابت على غلاف الكتاب وقد انغر بهذا الشخص (الالباني المشرب) السلفي العقيدة بعض المغفلين لما يظهر لهم من حلاوة لسان كما جاء * (يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم) * ومثله مضارعة الاخر . (*)
التوحيد إلى ربوبية وألوهية ، والثاني : في إبطال القسم الثالث وهو توحيد الاسماء والصفات منبهين على المحاذير والاخطار من هذا التقسيم فنقول :
فصل في إبطال تقسيم التوحيد الى ربوبية وألوهية إعلم أن العبادة شرعا هي غاية الخضوع والتذلل لمن يعتقد الخاضع فيه أوصاف الربوبية ، وأما في اللغة فالعبادة هي الطاعة ، والعبودية هي الخضوع والذل ، فالعبادة شرعا غير العبادة لغة ، فلا يقال لمن خضع وذل لانسان إنه عبده شرعا وهذا شئ لا يختلف فيه إثنان ، فمن تذلل عند قبر نبي أو ولي وتوسل به لا يقال إنه عبده من دون الله تعالى ، لان مجرد النداء والاستغاثة والخوف والرجاء لا يسمى عبادة شرعا ولو سمي عبادة لغة ودليل ذلك أمور منها :
الصلاة ، فالصلاة في اللغة هي التضرع والدعاء ، وأما شرعا واصطلاحا فهي أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم ، فليس كل دعاء صلاة ، ولا يقال لمن دعا فلانا بمعنى أنه طلب من فلان شيئا أنه صلى له فكذلك العبادة . وأما الدعاء فليس جميعه عبادة إلا إذا دعونا من نعتقد فيه صفات الربوبية أو صفة واحدة منها ، فقول النبي ص : (الدعاء هو العبادة) كما رواه الحاكم وغيره بأسانيد صحيحة (15) ليس معناه أن كل دعاء عبادة ، كما سيتضح بعد قليل إن شاء الله تعالى ، وإنما يكون الدعاء عبادة إذا كان لله أو لمن يعتقد الداعي ان للمدعو صفة من صفات الربوبية ، وقال بعض العلماء كما نقل المناوي في الفيض (3 / 540) : (إن معنى حديث (الدعاء هو العبادة) أي أن الدعاء هو من أعظم العبادة ، فهو كخبر (الحج عرفة) أي ركنه الاكبر ، فالدعاء له عدة معان منها النداء ، والنداء ليس عبادة وهذا المعنى موجود بكثرة في كلام العرب وفي القرآن الكريم فمن شواهده في كلام العرب قول الشاعر وهو : دثار بن شيبان النمري : فقلت ادعي وأدعو ان أندى لصوت أن ينادي داعيان وهذا البيت من شواهد النحاة على نصب المضارع بعد الواو بعد الامر ، كما صرح به الاشموني وغيره عند قول صاحب الالفية : والواو كالفا إن تفد مفهوم مع كلا تكن جلدا وتظهر الجزع ومعنى قوله ادعي نادي فهو خطاب لانثى وهي حليلة لدثار ومعنى أدعو أنادي أنا ، ومعنى إن أندى أي أن أبعد وأرفع للصوت أن ينادي داعيان أي
(15) رواه الامام أحمد (4 / 271) وابن أبي شيبة (7 / 23 الفكر) وأبو داود (2 / 77 برقم 1479) والترمذي (5 / 375 برقم 3247) وقال : حسن صحيح . والنسائي في الكبرى (6 / 450) وابن ماجه (2 / 1258) وأبو نعيم في الحلية (8 / 120) والطبراني في (معجمه الصغير (2 / 208 الروض الداني) والطبري في تفسيره (مجلد 12 / جزء 24 / ص 78) وابن حبان في صحيحه (2 / 124 دار الفكر) والحاكم في (المستدرك) (1 / 491) وصححه وأقره الذهبي وهو كما قالا . (*)مناديان فظهر من هذا البيت أن الدعاء عند العرب يأتي بمعنى النداء .
وأما في القرآن فمنه قوله تعالى : * (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) * النور : 63 ، أي لا تجعلوا نداءه بينكم كما ينادي بعضكم بعضا ، باسمه الذي سماه به أبوه ، فلا تقولوا يا محمد ولكن قولوا يا نبي الله ، ويا رسول الله ، مع التوقير والتعظيم والصوت المخفوض لقوله تعالى : * (ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون) * الحجرات : 2 . ويأتي الدعاء بمعنى العبادة وهو موجود في كلام العرب وفي القرآن الذي نزل بلغتهم الفصيحة ، ومنه قوله تعالى : * (والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير) * فاطر : 13 ، أي والذين تعبدون من دونه ، وكقوله تعالى أيضا : * (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك) * يونس : 106 ، أي ولا تعبد من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك .
وللدعاء معنى آخر أيضا وهو الاستعانة نحو قوله تعالى : * (وادعوا شهداءكم) * البقرة : 23 ، ومن معانيه أيضا السؤال كقوله تعالى : * (أدعوني أستجب لكم) * غافر : 60 ، ومن معانيه أيضا الثناء كقوله تعالى : * (ادعوا الله أو ادعوا الرحمن) * الاسراء : 110 ، ومن معانيه أيضا التسمية كقوله تعالى : * (ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها) * الاعراف : 180 ، أي سموه بها ، إلى غير ذلك من المعاني .
فاتضح أن مجرد النداء أو الاستغاثة أو الاستعانة أو الخوف أو الرجاء أو التوسل أو التذلل لا يسمى عبادة ، فقد يتذلل الولد لابيه والجندي لقائده ويخافه ويرجو منه أشياء فلا يسمى ذلك عبادة له باتفاق العقلاء ، وليس مجرد النداء عبادة ، ولو كان هذا النداء لاموات ، ففي الصحيحين : (أن النبي ص قال لاهل البئر واسمها القليب ، التي ألقي فيها جماعة من الكفار في بدر : (هل وجدتم ما وعدكم الله ورسوله حقا فإني قد وجدت ما وعدني الله حقا) ، خاطب النبي كفار قليب بدر ، قال عمر : يا رسول الله كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها ، قال : ما أنتم بأسمع لما أقول منهم غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا على شيئا) رواه البخاري (7 / 301 فتح) ومسلم (4 / 2203) . وليس التوسل عبادة للمتوسل به إلى الله ، فقد علم رسول الله ص الاعمى أن يقول : (اللهم إني أتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة ، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي لتقضى . .) الحديث وهو صحيح مشهور بين أهل العلم ، رواه الترمذي (5 / 569) والبيهقي في (دلائل النبوة) (6 / 166 - 168) والحاكم (1 / 313) وصححه على شرطهما وأقره الذهبي وغيرهم بأسانيد صحيحة .
كما أن الاستغاثة أيضا بمخلوق ليست عبادة له كما ثبت في الصحيحين (أن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الاذن فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد ص فيشفع ليقضى بين الخلق) انظر فتح الباري (3 / 338) ، فما زعمه الجهلة أن كل نداء للميت عبادة له فهو من التخبط في الجهل القبيح . وملخص ما مر أن العبادة في اللغة هي مطلق الطاعة والخضوع لاي أحد كان بخلاف العبادة في اصطلاح الشرع فهي غاية التذلل والخضوع لمن يعتقد الخاضع له بعض صفات الربوبية ، فإذا فهمت ذلك علمت يقينا أن من أطاع أحدا وخضع له لا لاعتقاده أن له بعض صفات الربوبية لا يسمى عابدا له شرعا وإن كان الخضوع والتذلل لغير الله تعالى قد يحرم في بعض صوره كما إذا كان لغني لاجل غناه ، لكنه لا يسمى عبادة شرعا ، ولا يكون صاحبه مشركا ، كما أفاد ذلك العلامة محمد حبيب الله الشنقيطي في زاد المسلم .
ويوضح ذلك أيضا أن نقول : إن العبادة شرعا معناها الاتيان بأقصى الخضوع قلبا وقالبا ، فهي إذن نوعان قلبية وقالبية ، (فالقلبية) : هي اعتقاد الربوبية أو خصيصة من خصائصها كالاستقلال بالنفع أو الضر ونفوذ المشيئة لمن اعتقد فيه ذلك ، (والقالبية) : هي الاتيان بأنواع الخضوع الظاهرية من قيام وركوع وسجود وغيرها مع ذلك الاعتقاد القلبي ، فإن أتى بواحد منها بدون ذلك الاعتقاد لم يكن ذلك الخضوع عبادة شرعا ولو كان سجودا ، وإنما قال العلماء بكفر من سجد للصنم لانه أمارة وعلامة على ذلك الاعتقاد ، لا لانه كفر من حيث ذاته ، إذ لو كان كفرا لذاته - السجود - لما حل في شريعة قط ، وقد حل كما هو معلوم في آيات كثيرة ، فكيف حل وهو كفر ، والله لا يأمر بالفحشاء ، قال تعالى : * (إن الله لا يأمر بالفحشاء) * الاعراف : 27 .
فقد كان كما هو معلوم السجود لغير الله عزوجل على وجه التحية والتكريم مشروعا في الشرائع السابقة وإنما حرم في هذه الشريعة ، فمن فعله لاحد تحية وإعظاما من غير أن يعتقد فيه ربوبية كان آثما بذلك السجود ، ولا يكون به كافرا إلا إذا قارنه اعتقاد الربوبية للمسجود له ، ويرشدك الى ذلك قوله عز وجل في سيدنا يعقوب نبي الله عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وامرأته وبنيه حين دخلوا على سيدنا يوسف * (وخروا له سجدا) * يوسف : 100 ، قال ابن كثير في تفسيرها :
(أي سجد له أبواه وإخوته الباقون وكانوا أحد عشر رجلا ، وقد كان هذا سائغا في شرائعهم ، إذا سلموا على الكبير يسجدون له ، لم يزل هذا جائزا من لدن آدم إلى شريعة عيسى عليه الصلاة والسلام ، فحرم هذا في هذه الملة) ا هالمقصود منه . ويوضح ذلك أيضا أمره عزوجل الملائكة بالسجود لادم ، فكان سجودهم له عليه الصلاة والسلام عبادة للامر عزوجل ، وإكراما لآدم عليه الصلاة والسلام .
ومن هنا نعلم أن تعظيم الكعبة بالطواف حولها وتعظيم الحجر الاسود باستلامه وتقبيله والسجود عليه ليس عبادة شرعا للبيت ولا للحجر ، وإنما هو عبادة للامر بذلك سبحانه وتعالى ، الذي اعتقد الطائف بالبيت ربوبيته سبحانه ، فليس كل تعظيم لشئ عبادة له شرعا ، حتى يكون شركا ، بل منه ما يكون واجبا أو مندوبا إذا كان مأمورا به أو مرغبا فيه ، ومنه ما يكون مكروها أو محرما ، ومنه ما يكون مباحا ، ولا يكون التعظيم لشئ شركا حتى يقترن معه اعتقاد ربوبية ذلك الشئ ، أو خصيصة من خصائصها ، فكل من عظم شيئا فلا يعتبر في الشرع عابدا له إلا إذا اعتقد فيه ذلك الاعتقاد ، وقد استقر في عقول بني آدم ما داموا على سلامة الفطرة أن من ثبتت له الربوبية فهو للعبادة مستحق ، ومن انتفت عنه الربوبية فهو غير مستحق للعبادة ، فثبوت الربوبية واستحقاق العبادة متلازمان فيما شرع الله في شرائعه وفيما وضع في عقول الناس ، وعلى أساس اعتقاد الشركة في الربوبية بنى المشركون استحقاق العبادة لمن اعتقدوهم أربابا من دون الله تعالى ، ومتى انهدم هذا الاساس من نفوسهم تبعه ما بني عليه من استحقاق غير الله للعبادة ، ولا يسلم المشرك بانفراد الله تعالى باستحقاق العبادة حتى يسلم بانفراده عزوجل بالربوبية ، وما دام في نفسه اعتقاد الربوبية لغيره عزوجل استتبع ذلك الاعتقاد في هذا الغير الاستحقاق للعبادة ولذلك كان من الواضح عند أولي الالباب أن توحيد الربوبية وتوحيد الالوهية شئ واحد ولا فرق بينهما وهما متلازمان لا ينفك أحدهما عن الاخر في الوجود وفي الاعتقاد ، وتقسيم التوحيد الى توحيد ألوهية وربوبية باطل ، كما سيتبين الان إن شاء الله تعالى ، فمن اعترف أنه لا رب إلا الله كان معترفا بأنه لا يستحق العبادة غيره ، ومن أقر بأنه لا يستحق العبادة غيره كان مذعنا بأنه لا رب سواه ، وهذا هو معنى لا إله إلا الله في قلوب جميع المسلمين ، ولذلك نرى القرآن في كثير من المواضع يكتفي بأحدهما عن الاخر ، ويرتب اللوازم المستحيلة على انتفاء أي واحد منهما ليستدل بانتفائها على ثبوته فانظر إلى قوله تعالى : * (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) * الانبياء : 22 ، وقوله تعالى : * (وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض) * المؤمنون : 91 ، حيث عبر بالاله ولم يعبر بالرب .
وكذلك في الميثاق الاول ، قال سبحانه : * (ألست بربكم) * الاعراف : 172 ، ولم يقل بالهكم ، واستفاض عن رسول الله ص : أن الملكين يقولان للميت في قبره : (من ريك ؟) ويكتفيان بالسؤال عن توحيد الربوبية ، ويكون جوابه بقوله : (الله ربي) ، كافيا ، ولا يقولان له إنما عرفت توحيد الربوبية واعترفت به فقط ، ولم تعترف بتوحيد الالوهية ، ولا يقولان له ليس توحيد الربوبية كافيا في الايمان . وهذا خليل الله سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام يقول لذلك الجبار : * (ربى الذي يحيى ويميت) * البقرة : 258 ، فيجادله بأنه كذلك يحيي ويميت ، الى أن حاجه خليل الله بما يكذب دعوى ربوبيته فتندحض دعوى استحقاقه للعبادة . ويثبت أنه لا فرق بين توحيد الالوهية والربوبية أيضا أن الله تعالى حكى عن فرعون أنه قال مرة : * (ما علمت لكم من إله غيري) * القصص : 38 ، ومرة أخرى : * (أنا ربكم الاعلى) * النازعات : 24 ، فاتضح أن الاله هو الرب ، والرب هو الاله ولا فرق .
وبالجملة فقد أومأ القرآن الكريم والسنة المستفيضة الى تلازم توحيد الربوبية والالوهية وأن ذلك مما قرره رب العالمين ، واكتفى سبحانه من عبده بأحدهما عن صاحبه ، لوجود هذا التلازم ، وكذلك اكتفى به الملائكة المقربون عند السؤال ، وفهم الناس هذا التلازم حتى الفراعنة الكافرون بداهة ، ولم يقل أحد من السلف ولا من الصحابة ولا من التابعين بالفرق ، وأن هناك توحيد ألوهية يغاير توحيد الربوبية ، ولم ينقل ذلك التفريق عن واحد منهم فضلا عن نقله من الكتاب أو السنة ، حتى ابتدع وتكلم بذلك بعض أهل القرن الثامن الهجري ، ولا عبرة بذلك قطعا ، فما هذا الهذيان بهذا التقسيم الذى يفتريه أولئك المبتدعة الخراصون ، فيرمون المسلمين بأنهم قائلون بتوحيد الربوبية دون توحيد العبادة - أي الالوهية - وأنه لا يكفي المسلمين توحيد الربوبية في إخراجهم من الكفر وإدخالهم في الاسلام .
وينبغي لفت النظر أيضا الى قوله تعالى : * (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا . .) * فصلت : 30 ، وهى في موضعين من كتاب الله تعالى ، ولم يقل إلهنا بل قال - ربنا الله - ، وقول رسول الله ص لمن سأله عن وصية جامعة : (قل ربى الله ثم استقم) ، ولم يقل له : قل إلهي الله ثم استقم ، فاكتفى بتوحيد الربوبية في النجاة والفوز لاستلزامه وعدم تغايره لتوحيد الالوهية ، وهذا بشهادة الله ورسوله كما ترى ، فمن رافقه التوفيق وفارقه الخذلان ونظر في المسألة نظر الباحث المنصف علم يقينا علما لا تخالطه ريبة أن مسمى العبادة شرعا لا يدخل فيه شئ مما عداه ، كالتوسل والاستغاثة وغيرهما ، بل لا يشتبه بالعبادة أصلا ، فإن كل ما يدل على التعظيم لا يكون من العبادة إلا إذا اقترن به اعتقاد الربوبية لذلك المعظم أو صفة من صفاتها الخاصة بها .
ألا ترى الجندي يقوم بين يدي رئيسه ساعة وساعات إحتراما له وتأدبا معه ، فلا يكون هذا القيام عبادة لرئيسه لا شرعا ولا لغة ، ويقوم المصلى بين يدي ربه في صلاته بضع دقائق قدر قراءة الفاتحة ونحوها ، فيكون هذا القيام عبادة شرعا ، وسر ذلك أن هذا القيام وإن قلت مسافته مقترنا باعتقاد القائم ربوبية من قام له . ولم يأت عن واحد من الائمة الاربعة أو غيرهم من أئمة السلف ، ولا عن أتباع التابعين ، ولا عن التابعين ولا عن الصحابة ، ولا عن رسول الله ص في سنته الواسعة في الصحاح والسنن والمسانيد والمعاجم وغيرها أن التوحيد ينقسم الى توحيد ربوبية والى توحيد الوهية ، وأن من لم يعرف توحيد الالوهية لا يعتد بمعرفته لتوحيد الربوبية .
وأما قوله تعالى : * (ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن الله) * الزمر : 38 وقوله تعالى : * (قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون الله) * . . المؤفون : 86 - 87 ، معناه أنهم يقولون ذلك إذا سألتهم عند ظهور الحجج القاطعات عليهم والايات البينات ، وذلك مجرد قول بألسنتهم وليس ذلك في قلوبهم ، لانهم ما كانوا يقرون بوجود الخالق خلافا لمن زعم أنهم كانوا موحدين توحيد ربوبية ، وخلافا لمن زعم أن الرسل لم يبعثوا إلا لتوحيد الالوهية ، وهو إفراد الله بالعبادة وأن توحيد الربوبية يعرفه المشركون والمسلمون مستدلا بقوله تعالى : * (ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن الله) * لقمان : 25 ، فهذا الزعم لا شك أنه باطل لان هذا الزاعم لبس على البسطاء معنى الاية أو لم يفهمها هو ! ! وقد بينا معناها ، : أنهم أقروا بألسنتهم فقط ، لذلك قال الله تعالى : * (ولئن سألتهم من خلق السموات والارض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون) * العنكبوت : 61 ، معناه كما قال القرطبي في التفسير (13 / 161) : (أي كيف يكفرون بتوحيدي وينقلبون عن عبادتي ، معناه : أنهم يقولون ذلك بألسنتهم فقط عند إقامة الحجج عليهم وهم في الحقيقة لا يقولون بذلك) . وأيضا قال الله تعالى : * (ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الارض بعد موتها) * العنكبوت : 63 ، قال الامام القرطبي : أي جدبها وقحط أهلها * (ليقولن الله) * أي فإذا أقررتم بذلك فلم تشركون به وتنكرون الاعادة * (قل الحمد لله) * أي على ما أوضح من الحجج والبراهين على قدرته * (بل أكثرهم لا يعقلون) * انتهى من القرطبي .
فإذا تنبهت لمعنى هذه الايات وأمثالها عرفت بأنها ليست دليلا على أنهم كانوا يقرون بتوحيد الربوبية كما يتوهم بعض الناس ، لان القرآن وواقع هؤلاء الكفار يبين أنهم كانوا ينكرون الخالق وينكرون السجود له ، كما سيأتي الان إن شاء الله تعالى في ذكر الايات الموضحة لذلك ، وكانوا ينكرون البعث ويعتقدون التأثير والتدبير لغير الله فيقولون : (أمطرنا بنوء كذا ونوء كذا) ولو كانوا يقرون بتوحيد الربوبية كما زعم الخراصون لما قال لهم المولى سبحانه : * (يا أيها الناس أعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم) * البقرة : 21 ، بل كان اللازم أن يقول لهم : - أعبدوا الهكم - ، وقال تعالى : * (ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه) * . . الاية البقرة : 258 ، وكان اللازم على زعم من قال : إن النمرود كان يعرف توحيد الربوبية ويجهل توحيد الالوهية ، أن يقول الله تعالى - ألم تر الى الذي حاج إبراهيم في إلهه - وكان اللازم على زعمهم أن يقول الله تعالى بدل قوله : * (ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) * الانعام : 1 ، أن يقول : - بالههم يعدلون - ولكن ذلك فاسد لانهم لم يكونوا مقرين ، ودليل ذلك قوله تعالى : * (وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهى رميم ، قل يحييها الذي أنشأها أول مرة) * يس 78 - 79 ، وقوله تعالى : * (ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبأ في السموات والارض) * النمل : 25 ، وقوله تعالى : * (وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربى) * الرعد : 30 ، فأما هم فلم يجعلوه ربا ، وقال تعالى : * (ءأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) * يوسف : 39 ، وقال تعالى : * (ولا تسبوا الذين يدعون) * - أي يعبدون - * (من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) * الانعام : 108 ، وقد اشتهر إنكارهم للبعث أشد الانكار ، وأنهم ما يهلكهم إلا الدهر ، وقد اشتهر ذلك في أقوالهم وأشعارهم ، حتى قال أحدهم : أشاب الصغير وأفنى الكبير كر الغداة ومر العشي واشتهر عنهم أنهم كانوا يقولون : ما هي إلا أرحام تدفع وأرض تبلع ، فهل يقول عاقل في هؤلاء مع هذا الكفر الصريح أنهم موحدون توحيد الربوبية ؟ ! ولو كانوا يقرون بتوحيد الربوبية عند إقامة الحجة عليهم ، فإن مجرد الاقرار به لا يسمى توحيدا عند علماء المسلمين ، ولو كان الاقرار بالربوبية توحيدا كما زعم الخراصون لكان تصديق عتاة قريش النبي ص وتكذيبهم بآيات الله تعالى توحيدا ، ولا يقول بهذا عاقل ، قال تعالى : * (فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) * الانعام : 33 ، ولو كان الاقرار بالربوبية توحيدا كما زعموا لكان علم عاد بالخالق مع تكذيبهم آياته ورسوله هودا عليه السلام لما هددهم بالعذاب توحيدا زاجرا لهم عن قولهم ، كما أخبر الله عنهم : * (من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون) * فصلت : 15 ، ولا يقول بهذا عاقل ، أيقول عاقل في فرعون الذي قال * (أنا ربكم الاعلى) * النازعات : 24 ، وقال * (يا أيها الملا ما علمت لكم من اله غيري) * القصص : 38 ، وقوله * (لئن اتخذت إله غيري لاجعلنك من المسجونين) * الشعراء : 29 ، مع قوله : * (إن رسولكم الذي أرسل اليكم لمجنون) * الشعراء : 27 ، لما أجابه سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام عن سؤاله عن حقيقة رب العالمين قائلا له : * (قال رب السموات والارض وما بينهما إن كنتم موقنين) * الشعراء : 24 ، وقوله له أيضا : * (ربكم ورب آبائكم الاولين) * الشعراء : 26 ، فهل يقال بعد هذا : إن فرعون كان يعرف توحيد الربوبية ويجهل توحيد الالوهية ؟ ! فهذا التقسيم للتوحيد باطل غير صحيح ، وكل من قال به مخطئ .
وأما معنى قوله تعالى : * (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) * يوسف : 106 ، فمعناه وما يؤمن أكثرهم بالله في إقرارهم بوجود الخالق عند إقامة الحجة والبراهين عليهم تكذبه قلوبهم ويكذبه واقعهم ، فإيمانهم أمامكم عند إقامة الحجة والبرهان على وجود الله تعالى بألسنتهم غير معتبر ولا مقبول عند الله تعالى * (يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم) * التوبة : 8 ، فهم كاذبون باتخاذهم آلهة يعبدونها غير الله ، أو باتخاذهم الاحبار والرهبان أربابا ، أو اعتقادهم الولد له سبحانه والتعبير في هذه الآية في جانب شركهم بالجملة الاسمية الدالة على الثبوت والدوام الواقعة حالا لازمة ، والتعبير في جانب إيمانهم أي إقرارهم بالجملة الفعلية الدالة على التجدد دليل لغوي على أن شركهم دائم مستمر ، وأن إقرارهم بوجود الخالق الرازق المحي المميت مع ارتكابهم ما ينافي ذلك الاقرار من أقوالهم وأفعالهم وعبادتهم لغير الله تعالى كما قال تعالى : * (واتخذوا من دون الله آلهة) * يس : 74 ، لا يكون توحيدا ولا إيمانا لغة ولا شرعا ، لان الايمان في اللغة هو التصديق بالقلب مطلقا ، وفي الشرع تصديق النبي ص فيما علم مجيئه به بالضرورة ، فقولهم عند إقامة الحجة عليهم : * (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) * الزمر : 3 ، كذب منهم ليبرئوا أنفسهم ، والله تعالى بين أنهم كاذبون إذ قال كما في آخر هذه الآية : * (إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار) * الزمر : 3 .
فصل في إبطال القسم الثالث من التقسيم المزعوم وهو توحيد الاسماء والصفات إعلم يرحمك الله تعالى أن أهل السنة والجماعة بما فيهم الاشاعرة والماتريدية يثبتون لله من الصفات ما أثبت لنفسه ، وما يشوشه المجسمة عليهم من أنهم معطلة وجهمية تشويش فارغ لا قيمة له بعد التمحيص العلمي والتدقيق (16) . فأهل السنة يثبتون لله العلم والقدرة والارداة والمشيئة والرحمة والحياة والسمع والبصر والكلام وغير ذلك من الصفات ، وينزهون الله سبحانه عما لا يليق به ، ولا يطلقون بعض الالفاظ والاضافات الواردة في الكتاب والسنة والتي لا يراد منها حقيقتها صفات لله تعالى ، لان نفس القواعد التي أسستها آيات القرآن المحكمة وأحاديث النبي ص ترفض ذلك ، فمثلا لا يثبتون صفة النسيان مع أن لفظ النسيان ورد مضافا لله تعالى في القرآن ، قال تعالى :
(16) والمؤمن لا ينغر بالشعارات ولا بالاشاعات ، وانما يتثبت من كل أمر يسمعه ويمحص ويبحث بنفسه ، وأسأل الله أن لا ينطبق فينا نحن الامة الاسلامية قول أحد أعدائنا فينا : هذه أمة تسمع ولا تقرأ ! (*)
* (نسوا الله فنسيهم) * التوبة : 67 ، فلم يصفوا الله بذلك - أعني النسيان - لان الله تعالى يقول أيضا : * (وما كان ربك نسيا) * مريم : 64 ، وكذلك لفظ الهرولة والضحك والمرض والجوع وردت في أحاديث لا يجوز لاي عاقل أن يطلقها صفات على الله سبحانه ، فالحديث الصحيح الذي فيه : (ومن أتاني ماشيا أتيته هرولة) لا نثبت به صفة الهرولة لله سبحانه التي معناها الحقيقي في اللغة المشي السريع ، بل يعرف جميع العقلاء ويدركون بأن المراد بذلك هو المعنى المجازي في اللغة وهو : (من أطاعني وتقرب إلى تقربت إليه بإكرامه والانعام عليه أكثر وأسرع) . وكذلك ما جاء في الحديث القدسي الصحيح : (عبدي مرضت فلم تعدني . .) الحديث رواه مسلم (4 / 1990 برقم 2569) ، لا نقول أن الله أثبت لنفسه مرضا وأضافه إليه فنحن نثبت له صفة المرض ، بل لا يقول بهذا عاقل ، وقد أرشد الحديث أن الصفة هي للعبد ، وإنما صرفنا تلك الصفة من أن نعدها من صفات الله ، قواعد التنزيه المأخوذة من الكتاب والسنة الناصة على أنه سبحانه * (ليس كمثله شئ) * .
والضحك كذلك لا يليق أن يطلق حقيقة على الله وإنما يطلق على سبيل المجاز ، وتأويله عند أهل العلم الرضا أو الرحمة ، فإذا ورد في حديث أن الله يضحك الى فلان فالمراد به أنه يرضى عنه ويرحمه وهكذا ، فهناك قواعد وأصول لا بد أن نرجع إليها ضبطها أهل العلم من الائمة الراسخين الربانيين وقد عرضناها وبيناها في التعليق على (دفع شبه التشبيه) . روى الامام البيهقي في كتاب (الاسماء والصفات) (ص 298) (17) أن الامام
(17) بتحقيق الامام المحدث الكوثري عليه الرحمة والرضوان ، طبعة دار إحياء = (*)
البخاري رحمه الله تعالى أول الضحك بالرحمة ، وهذا هو نهج السلف والمحدثين والبخاري بلا شك من أئمة المحدثين ومن أهل القرون الثلاث ، قرون السلف المشهود لها بالخيرية .
= التراث . (تنبيه) : لقد طبع كتاب (الاسماء والصفات) للحافظ البيهقى الذي قدم له وعلق عليه الامام المحدث الكوثري رحمه الله تعالى طبعتين جديدتين ، إحداهما : قد حذف منها كتاب (فرقان القرآن) للشيخ العزامي رحمه الله تعالى كما حذف منها مقدمة العلامة الكوثري ، والثانية : طبعة بصف جديد لم يكتب عليها أن التعليقات التي عليها هي للعلامة الكوثري ، ثم رأيت طبعة ثالثة : بصف وتنضيد جديد أيضا حذفت منها تعليقات المحدث الكوثري ، ثم رأيت من يحيك هذا التلاعب من تجار الكتب قد طبعوا كتابا آخر سموه (الاسماء والصفات) بشكل وبحجم كتاب (الاسماء والصفات) للحافظ البيهقي ، ولكنه باسم ابن تيمية الحراني ، ليضللوا القارئ المبتدئ عن كتاب الحافظ البيهقي بشكل عام ! ! ويبعدوه عن تعليقات ومقدمه العلامة المحدث محمد زاهد الكوثري بشكل خاص ! ! فلتكونوا جميعا على علم تام بهذا التلاعب المشين ! ! وهذه المؤامرات الخبيثة .
ثم اعلموا أنه ليس لابن تيمية كتاب يسمى (الاسماء والصفات) كما أنه ليس له كتاب يسمى (دقائق التفسير) (6 مجلدات نفخ طباعي) كما بينا ذلك في تعليقنا على (دفع شبه التشبيه) (ص 51) وإنما ذهب المفتونون بالشيخ الحراني وعشاقه والمروجون لاقواله الخاطئة إلى - فتاواه - المباركة ! ! فاستخرجوا منها الكلام على مسائل الصفات ! ! فجمعوها وطبعوها باسم جديد ! ! خداعا ! ! وتمويها ! ! وليكثروا مصنفات الشيخ الحراني في أعين المغفلين من السذج أو القراء البسطاء ! ! فالله تعالى حسيبهم ! ! (*)
فرع التأويل من منهج السلف يشيع المجسمة والمشبهة أن مذهب السلف عدم التأويل وإمرار النصوص واعتقاد حقيقة ظواهرها ، وأن مذهب الخلف وعلى رأسهم الاشاعرة هو تأويل الصفات والتعطيل . وهذه إشاعة لا أصل لها من الصحة البتة ، وقد انغر بها كثير من الناس ، بل كثير من أهل العلم فظنوا صحتها ، والصواب أن السلف بما فيهم الصحابة والتابعون كانوا يؤولون كثيرا من الالفاظ التي لا يراد منها إثبات صفات لله تعالى ، وتفسير الامام الحافظ ابن جرير السلفي (توفي 310 ه) أكبر برهان على ذلك فقد أورد الحافظ ابن جرير الطبري في تفسيره وروى بأسانيده عن سيدنا ابن عباس تأويل (الساق) الواردة في قول الله تعالى : * (يوم يكشف عن ساق) * القلم : 42 ، بالشدة ، لان العرب تقول كشفت الحرب عن ساقها أي اشتدت . كما نقل الحافظ ابن جرير تأويل النسيان بالترك ، انظر تفسير الطبري (مجلد 5 / جزء 8 ص 201 - 202) ونقل تأويل قوله تعالى : * (والسماء بنيناها بأيد) * الذاريات : 47 ، أي بنيناها بقوة انظر (27 / 7) من تفسيره (18) .
(18) (الايد) : في اللغة جمع يد وهي الكف ، وليس كما يشيع بعضهم باطلا بتلبيس = (*)
وهذه التأويلات منقولة عن سيدنا ابن عباس وعن مجاهد وقتادة والحسن ومنصور وابن زيد وغيرهم من أعلام السلف الصالح رضى الله عنهم ، وكلها تشهد بكذب من قال إن السلف لم يؤول أحد منهم ولم يكن التأويل من منهجهم وإنما هو عند الخلف والاشاعرة المعطلة الجهميين ، كبرت كلمة تخرج من أفواههم يطمسون بها الحق والحقائق ، وينصرون بها آرائهم الخاطئة المغلوطة .
والتأويل أيضا ثابت عن الامام أحمد ثبوت الشمس في رابعة النهار وهو من أعلام السلف وأئمة المحدثين ، وإليه تظهر المجسمة الانتساب وهو مؤول وقد بينا ذلك في مقدمتنا لكتاب الحافظ ابن الجوزي (دفع شبه التشبيه) .
أول الامام أحمد قوله تعالى : * (وجاء ربك) * الفجر : 22 ، أنه جاء ثوابه ، كما ثبت عنه بإسناد صحيح ، انظر البداية والنهاية لابن كثير (10 / 327) . وهناك تأويلات أخرى كثيرة وردت عن الامام أحمد لا أريد الاطالة بذكرها ، ذكرت بعضها في كتابي (الادلة المقومة لاعوجاجات المجسمة) فلتراجع وكل ذلك يثبت بطلان وتهافت قول من قال : إن الاشاعرة والخلف معطلة لانهم أولوا ، والسلف لم يؤولوا بل اثبتوا لله تعالى ما أثبت لنفسه .
فتأمل بالله عليك كلام الناشر الذي زور كلام الامام الحافظ السبكي وحرفه ، ثم انظر وتأمل في كلام الامام السبكي الحقيقي الذي نقلته لك من كتابه (معيد النعم) لتدرك أن هؤلاء المتمسلفين محرفون محترفون عاثوا في كتب التراث وعبارات علماء الاسلام فسادا وإفسادا (!) . (الرابع) : والذي يؤكد أنهم محرفون محترفون وخصوصا ناشر الطحاوية وكذلك مخرج أحاديثها ! ! المتناقض ! ! أن الناشر الشاويش حقق بزعمه كتاب (الرد الوافر) لابن ناصر الدين الدمشقي الذي رد فيه على الامام العلامة العلاء البخاري رحمه الله تعالى ، ونقل الشاويش في مقدمة تحقيقه للكتاب المذكور ترجمة العلاء البخاري وأفرط في ذمه ! ونقل جزءا من ترجمته من كتاب (الضوء اللامع) للحافظ السخاوي فحرف في النقل حيث قال واصفا العلامة العلاء البخاري بقوله : (وكان شديد الالتصاق بالحكام) ! ! !
علما بأن الكلام الاصلي في كتاب (الضوء اللامع) (9 / 291) للسخاوي هو : (وإذا حضر عنده أعيان الدولة بالغ في وعظهم والاغلاظ عليهم بل ويراسل السلطان معهم بما هو أشد في الاغلاظ ويحضه على إزالة أشياء من المظالم) اهفتأمل كيف ققلب (وكان شديد الاغلاظ على الحكام) 180 درجة رأسا على عقب فقال : (كان شديد الالتصاق بهم) فالله تعالى المستعان ! ! .
وقد راجعت الشاويش بهذه المسألة وأثبث له أن هذا العمل دال على الخيانة وفقدان الامانة العلمية فوعد بالتراجع وتصحيح عبارة (كان شديد الالتصاق بالحكام) في الطبعة الجديدة ونحن بالانتظار(14) .
وسنعقد الان إن شاء الله تعالى فصلين : الاول : في إبطال تقسيم
(14) وقد رأيت حديثا الطبعة الجديدة ولم أر فيها تراجعا إلى الحق وهذا مما يدل على إصرار أهل هذه النحلة على الباطل ! ! ومن تحريف المتمسلفين أيضا وعياثهم في كتب العلماء وتراث الامة فسادا أنهم قاموا بطباعة كتاب (الاذكار) للامام النووي طبعة جديدة وهي طبعة (دار الهدى !) الرياض ، بإشراف (إدارة هيئة البحوث والدعوة والارشاد) 1409 ه، فبدلوا في كلام الامام النووي ، وحرفوا منه قسما كما حذفوا منه ما لم يمكنهم تحريفه مما لا يوافق أهواءهم ومشربهم ! وذلك في كتاب الحج من (الاذكار) في فصل ما يتعلق بزيارة سيدنا محمد ص والذي يتحمل جل المسؤولية في ذلك أمام الله تعالى هو عبد القادر الارنأووط الذي حقق الكتاب وخرج أحاديثه وعلق عليه كما هو ثابت على غلاف الكتاب وقد انغر بهذا الشخص (الالباني المشرب) السلفي العقيدة بعض المغفلين لما يظهر لهم من حلاوة لسان كما جاء * (يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم) * ومثله مضارعة الاخر . (*)
التوحيد إلى ربوبية وألوهية ، والثاني : في إبطال القسم الثالث وهو توحيد الاسماء والصفات منبهين على المحاذير والاخطار من هذا التقسيم فنقول :
فصل في إبطال تقسيم التوحيد الى ربوبية وألوهية إعلم أن العبادة شرعا هي غاية الخضوع والتذلل لمن يعتقد الخاضع فيه أوصاف الربوبية ، وأما في اللغة فالعبادة هي الطاعة ، والعبودية هي الخضوع والذل ، فالعبادة شرعا غير العبادة لغة ، فلا يقال لمن خضع وذل لانسان إنه عبده شرعا وهذا شئ لا يختلف فيه إثنان ، فمن تذلل عند قبر نبي أو ولي وتوسل به لا يقال إنه عبده من دون الله تعالى ، لان مجرد النداء والاستغاثة والخوف والرجاء لا يسمى عبادة شرعا ولو سمي عبادة لغة ودليل ذلك أمور منها :
الصلاة ، فالصلاة في اللغة هي التضرع والدعاء ، وأما شرعا واصطلاحا فهي أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم ، فليس كل دعاء صلاة ، ولا يقال لمن دعا فلانا بمعنى أنه طلب من فلان شيئا أنه صلى له فكذلك العبادة . وأما الدعاء فليس جميعه عبادة إلا إذا دعونا من نعتقد فيه صفات الربوبية أو صفة واحدة منها ، فقول النبي ص : (الدعاء هو العبادة) كما رواه الحاكم وغيره بأسانيد صحيحة (15) ليس معناه أن كل دعاء عبادة ، كما سيتضح بعد قليل إن شاء الله تعالى ، وإنما يكون الدعاء عبادة إذا كان لله أو لمن يعتقد الداعي ان للمدعو صفة من صفات الربوبية ، وقال بعض العلماء كما نقل المناوي في الفيض (3 / 540) : (إن معنى حديث (الدعاء هو العبادة) أي أن الدعاء هو من أعظم العبادة ، فهو كخبر (الحج عرفة) أي ركنه الاكبر ، فالدعاء له عدة معان منها النداء ، والنداء ليس عبادة وهذا المعنى موجود بكثرة في كلام العرب وفي القرآن الكريم فمن شواهده في كلام العرب قول الشاعر وهو : دثار بن شيبان النمري : فقلت ادعي وأدعو ان أندى لصوت أن ينادي داعيان وهذا البيت من شواهد النحاة على نصب المضارع بعد الواو بعد الامر ، كما صرح به الاشموني وغيره عند قول صاحب الالفية : والواو كالفا إن تفد مفهوم مع كلا تكن جلدا وتظهر الجزع ومعنى قوله ادعي نادي فهو خطاب لانثى وهي حليلة لدثار ومعنى أدعو أنادي أنا ، ومعنى إن أندى أي أن أبعد وأرفع للصوت أن ينادي داعيان أي
(15) رواه الامام أحمد (4 / 271) وابن أبي شيبة (7 / 23 الفكر) وأبو داود (2 / 77 برقم 1479) والترمذي (5 / 375 برقم 3247) وقال : حسن صحيح . والنسائي في الكبرى (6 / 450) وابن ماجه (2 / 1258) وأبو نعيم في الحلية (8 / 120) والطبراني في (معجمه الصغير (2 / 208 الروض الداني) والطبري في تفسيره (مجلد 12 / جزء 24 / ص 78) وابن حبان في صحيحه (2 / 124 دار الفكر) والحاكم في (المستدرك) (1 / 491) وصححه وأقره الذهبي وهو كما قالا . (*)مناديان فظهر من هذا البيت أن الدعاء عند العرب يأتي بمعنى النداء .
وأما في القرآن فمنه قوله تعالى : * (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) * النور : 63 ، أي لا تجعلوا نداءه بينكم كما ينادي بعضكم بعضا ، باسمه الذي سماه به أبوه ، فلا تقولوا يا محمد ولكن قولوا يا نبي الله ، ويا رسول الله ، مع التوقير والتعظيم والصوت المخفوض لقوله تعالى : * (ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون) * الحجرات : 2 . ويأتي الدعاء بمعنى العبادة وهو موجود في كلام العرب وفي القرآن الذي نزل بلغتهم الفصيحة ، ومنه قوله تعالى : * (والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير) * فاطر : 13 ، أي والذين تعبدون من دونه ، وكقوله تعالى أيضا : * (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك) * يونس : 106 ، أي ولا تعبد من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك .
وللدعاء معنى آخر أيضا وهو الاستعانة نحو قوله تعالى : * (وادعوا شهداءكم) * البقرة : 23 ، ومن معانيه أيضا السؤال كقوله تعالى : * (أدعوني أستجب لكم) * غافر : 60 ، ومن معانيه أيضا الثناء كقوله تعالى : * (ادعوا الله أو ادعوا الرحمن) * الاسراء : 110 ، ومن معانيه أيضا التسمية كقوله تعالى : * (ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها) * الاعراف : 180 ، أي سموه بها ، إلى غير ذلك من المعاني .
فاتضح أن مجرد النداء أو الاستغاثة أو الاستعانة أو الخوف أو الرجاء أو التوسل أو التذلل لا يسمى عبادة ، فقد يتذلل الولد لابيه والجندي لقائده ويخافه ويرجو منه أشياء فلا يسمى ذلك عبادة له باتفاق العقلاء ، وليس مجرد النداء عبادة ، ولو كان هذا النداء لاموات ، ففي الصحيحين : (أن النبي ص قال لاهل البئر واسمها القليب ، التي ألقي فيها جماعة من الكفار في بدر : (هل وجدتم ما وعدكم الله ورسوله حقا فإني قد وجدت ما وعدني الله حقا) ، خاطب النبي كفار قليب بدر ، قال عمر : يا رسول الله كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها ، قال : ما أنتم بأسمع لما أقول منهم غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا على شيئا) رواه البخاري (7 / 301 فتح) ومسلم (4 / 2203) . وليس التوسل عبادة للمتوسل به إلى الله ، فقد علم رسول الله ص الاعمى أن يقول : (اللهم إني أتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة ، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي لتقضى . .) الحديث وهو صحيح مشهور بين أهل العلم ، رواه الترمذي (5 / 569) والبيهقي في (دلائل النبوة) (6 / 166 - 168) والحاكم (1 / 313) وصححه على شرطهما وأقره الذهبي وغيرهم بأسانيد صحيحة .
كما أن الاستغاثة أيضا بمخلوق ليست عبادة له كما ثبت في الصحيحين (أن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الاذن فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد ص فيشفع ليقضى بين الخلق) انظر فتح الباري (3 / 338) ، فما زعمه الجهلة أن كل نداء للميت عبادة له فهو من التخبط في الجهل القبيح . وملخص ما مر أن العبادة في اللغة هي مطلق الطاعة والخضوع لاي أحد كان بخلاف العبادة في اصطلاح الشرع فهي غاية التذلل والخضوع لمن يعتقد الخاضع له بعض صفات الربوبية ، فإذا فهمت ذلك علمت يقينا أن من أطاع أحدا وخضع له لا لاعتقاده أن له بعض صفات الربوبية لا يسمى عابدا له شرعا وإن كان الخضوع والتذلل لغير الله تعالى قد يحرم في بعض صوره كما إذا كان لغني لاجل غناه ، لكنه لا يسمى عبادة شرعا ، ولا يكون صاحبه مشركا ، كما أفاد ذلك العلامة محمد حبيب الله الشنقيطي في زاد المسلم .
ويوضح ذلك أيضا أن نقول : إن العبادة شرعا معناها الاتيان بأقصى الخضوع قلبا وقالبا ، فهي إذن نوعان قلبية وقالبية ، (فالقلبية) : هي اعتقاد الربوبية أو خصيصة من خصائصها كالاستقلال بالنفع أو الضر ونفوذ المشيئة لمن اعتقد فيه ذلك ، (والقالبية) : هي الاتيان بأنواع الخضوع الظاهرية من قيام وركوع وسجود وغيرها مع ذلك الاعتقاد القلبي ، فإن أتى بواحد منها بدون ذلك الاعتقاد لم يكن ذلك الخضوع عبادة شرعا ولو كان سجودا ، وإنما قال العلماء بكفر من سجد للصنم لانه أمارة وعلامة على ذلك الاعتقاد ، لا لانه كفر من حيث ذاته ، إذ لو كان كفرا لذاته - السجود - لما حل في شريعة قط ، وقد حل كما هو معلوم في آيات كثيرة ، فكيف حل وهو كفر ، والله لا يأمر بالفحشاء ، قال تعالى : * (إن الله لا يأمر بالفحشاء) * الاعراف : 27 .
فقد كان كما هو معلوم السجود لغير الله عزوجل على وجه التحية والتكريم مشروعا في الشرائع السابقة وإنما حرم في هذه الشريعة ، فمن فعله لاحد تحية وإعظاما من غير أن يعتقد فيه ربوبية كان آثما بذلك السجود ، ولا يكون به كافرا إلا إذا قارنه اعتقاد الربوبية للمسجود له ، ويرشدك الى ذلك قوله عز وجل في سيدنا يعقوب نبي الله عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وامرأته وبنيه حين دخلوا على سيدنا يوسف * (وخروا له سجدا) * يوسف : 100 ، قال ابن كثير في تفسيرها :
(أي سجد له أبواه وإخوته الباقون وكانوا أحد عشر رجلا ، وقد كان هذا سائغا في شرائعهم ، إذا سلموا على الكبير يسجدون له ، لم يزل هذا جائزا من لدن آدم إلى شريعة عيسى عليه الصلاة والسلام ، فحرم هذا في هذه الملة) ا هالمقصود منه . ويوضح ذلك أيضا أمره عزوجل الملائكة بالسجود لادم ، فكان سجودهم له عليه الصلاة والسلام عبادة للامر عزوجل ، وإكراما لآدم عليه الصلاة والسلام .
ومن هنا نعلم أن تعظيم الكعبة بالطواف حولها وتعظيم الحجر الاسود باستلامه وتقبيله والسجود عليه ليس عبادة شرعا للبيت ولا للحجر ، وإنما هو عبادة للامر بذلك سبحانه وتعالى ، الذي اعتقد الطائف بالبيت ربوبيته سبحانه ، فليس كل تعظيم لشئ عبادة له شرعا ، حتى يكون شركا ، بل منه ما يكون واجبا أو مندوبا إذا كان مأمورا به أو مرغبا فيه ، ومنه ما يكون مكروها أو محرما ، ومنه ما يكون مباحا ، ولا يكون التعظيم لشئ شركا حتى يقترن معه اعتقاد ربوبية ذلك الشئ ، أو خصيصة من خصائصها ، فكل من عظم شيئا فلا يعتبر في الشرع عابدا له إلا إذا اعتقد فيه ذلك الاعتقاد ، وقد استقر في عقول بني آدم ما داموا على سلامة الفطرة أن من ثبتت له الربوبية فهو للعبادة مستحق ، ومن انتفت عنه الربوبية فهو غير مستحق للعبادة ، فثبوت الربوبية واستحقاق العبادة متلازمان فيما شرع الله في شرائعه وفيما وضع في عقول الناس ، وعلى أساس اعتقاد الشركة في الربوبية بنى المشركون استحقاق العبادة لمن اعتقدوهم أربابا من دون الله تعالى ، ومتى انهدم هذا الاساس من نفوسهم تبعه ما بني عليه من استحقاق غير الله للعبادة ، ولا يسلم المشرك بانفراد الله تعالى باستحقاق العبادة حتى يسلم بانفراده عزوجل بالربوبية ، وما دام في نفسه اعتقاد الربوبية لغيره عزوجل استتبع ذلك الاعتقاد في هذا الغير الاستحقاق للعبادة ولذلك كان من الواضح عند أولي الالباب أن توحيد الربوبية وتوحيد الالوهية شئ واحد ولا فرق بينهما وهما متلازمان لا ينفك أحدهما عن الاخر في الوجود وفي الاعتقاد ، وتقسيم التوحيد الى توحيد ألوهية وربوبية باطل ، كما سيتبين الان إن شاء الله تعالى ، فمن اعترف أنه لا رب إلا الله كان معترفا بأنه لا يستحق العبادة غيره ، ومن أقر بأنه لا يستحق العبادة غيره كان مذعنا بأنه لا رب سواه ، وهذا هو معنى لا إله إلا الله في قلوب جميع المسلمين ، ولذلك نرى القرآن في كثير من المواضع يكتفي بأحدهما عن الاخر ، ويرتب اللوازم المستحيلة على انتفاء أي واحد منهما ليستدل بانتفائها على ثبوته فانظر إلى قوله تعالى : * (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) * الانبياء : 22 ، وقوله تعالى : * (وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض) * المؤمنون : 91 ، حيث عبر بالاله ولم يعبر بالرب .
وكذلك في الميثاق الاول ، قال سبحانه : * (ألست بربكم) * الاعراف : 172 ، ولم يقل بالهكم ، واستفاض عن رسول الله ص : أن الملكين يقولان للميت في قبره : (من ريك ؟) ويكتفيان بالسؤال عن توحيد الربوبية ، ويكون جوابه بقوله : (الله ربي) ، كافيا ، ولا يقولان له إنما عرفت توحيد الربوبية واعترفت به فقط ، ولم تعترف بتوحيد الالوهية ، ولا يقولان له ليس توحيد الربوبية كافيا في الايمان . وهذا خليل الله سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام يقول لذلك الجبار : * (ربى الذي يحيى ويميت) * البقرة : 258 ، فيجادله بأنه كذلك يحيي ويميت ، الى أن حاجه خليل الله بما يكذب دعوى ربوبيته فتندحض دعوى استحقاقه للعبادة . ويثبت أنه لا فرق بين توحيد الالوهية والربوبية أيضا أن الله تعالى حكى عن فرعون أنه قال مرة : * (ما علمت لكم من إله غيري) * القصص : 38 ، ومرة أخرى : * (أنا ربكم الاعلى) * النازعات : 24 ، فاتضح أن الاله هو الرب ، والرب هو الاله ولا فرق .
وبالجملة فقد أومأ القرآن الكريم والسنة المستفيضة الى تلازم توحيد الربوبية والالوهية وأن ذلك مما قرره رب العالمين ، واكتفى سبحانه من عبده بأحدهما عن صاحبه ، لوجود هذا التلازم ، وكذلك اكتفى به الملائكة المقربون عند السؤال ، وفهم الناس هذا التلازم حتى الفراعنة الكافرون بداهة ، ولم يقل أحد من السلف ولا من الصحابة ولا من التابعين بالفرق ، وأن هناك توحيد ألوهية يغاير توحيد الربوبية ، ولم ينقل ذلك التفريق عن واحد منهم فضلا عن نقله من الكتاب أو السنة ، حتى ابتدع وتكلم بذلك بعض أهل القرن الثامن الهجري ، ولا عبرة بذلك قطعا ، فما هذا الهذيان بهذا التقسيم الذى يفتريه أولئك المبتدعة الخراصون ، فيرمون المسلمين بأنهم قائلون بتوحيد الربوبية دون توحيد العبادة - أي الالوهية - وأنه لا يكفي المسلمين توحيد الربوبية في إخراجهم من الكفر وإدخالهم في الاسلام .
وينبغي لفت النظر أيضا الى قوله تعالى : * (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا . .) * فصلت : 30 ، وهى في موضعين من كتاب الله تعالى ، ولم يقل إلهنا بل قال - ربنا الله - ، وقول رسول الله ص لمن سأله عن وصية جامعة : (قل ربى الله ثم استقم) ، ولم يقل له : قل إلهي الله ثم استقم ، فاكتفى بتوحيد الربوبية في النجاة والفوز لاستلزامه وعدم تغايره لتوحيد الالوهية ، وهذا بشهادة الله ورسوله كما ترى ، فمن رافقه التوفيق وفارقه الخذلان ونظر في المسألة نظر الباحث المنصف علم يقينا علما لا تخالطه ريبة أن مسمى العبادة شرعا لا يدخل فيه شئ مما عداه ، كالتوسل والاستغاثة وغيرهما ، بل لا يشتبه بالعبادة أصلا ، فإن كل ما يدل على التعظيم لا يكون من العبادة إلا إذا اقترن به اعتقاد الربوبية لذلك المعظم أو صفة من صفاتها الخاصة بها .
ألا ترى الجندي يقوم بين يدي رئيسه ساعة وساعات إحتراما له وتأدبا معه ، فلا يكون هذا القيام عبادة لرئيسه لا شرعا ولا لغة ، ويقوم المصلى بين يدي ربه في صلاته بضع دقائق قدر قراءة الفاتحة ونحوها ، فيكون هذا القيام عبادة شرعا ، وسر ذلك أن هذا القيام وإن قلت مسافته مقترنا باعتقاد القائم ربوبية من قام له . ولم يأت عن واحد من الائمة الاربعة أو غيرهم من أئمة السلف ، ولا عن أتباع التابعين ، ولا عن التابعين ولا عن الصحابة ، ولا عن رسول الله ص في سنته الواسعة في الصحاح والسنن والمسانيد والمعاجم وغيرها أن التوحيد ينقسم الى توحيد ربوبية والى توحيد الوهية ، وأن من لم يعرف توحيد الالوهية لا يعتد بمعرفته لتوحيد الربوبية .
وأما قوله تعالى : * (ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن الله) * الزمر : 38 وقوله تعالى : * (قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون الله) * . . المؤفون : 86 - 87 ، معناه أنهم يقولون ذلك إذا سألتهم عند ظهور الحجج القاطعات عليهم والايات البينات ، وذلك مجرد قول بألسنتهم وليس ذلك في قلوبهم ، لانهم ما كانوا يقرون بوجود الخالق خلافا لمن زعم أنهم كانوا موحدين توحيد ربوبية ، وخلافا لمن زعم أن الرسل لم يبعثوا إلا لتوحيد الالوهية ، وهو إفراد الله بالعبادة وأن توحيد الربوبية يعرفه المشركون والمسلمون مستدلا بقوله تعالى : * (ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن الله) * لقمان : 25 ، فهذا الزعم لا شك أنه باطل لان هذا الزاعم لبس على البسطاء معنى الاية أو لم يفهمها هو ! ! وقد بينا معناها ، : أنهم أقروا بألسنتهم فقط ، لذلك قال الله تعالى : * (ولئن سألتهم من خلق السموات والارض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون) * العنكبوت : 61 ، معناه كما قال القرطبي في التفسير (13 / 161) : (أي كيف يكفرون بتوحيدي وينقلبون عن عبادتي ، معناه : أنهم يقولون ذلك بألسنتهم فقط عند إقامة الحجج عليهم وهم في الحقيقة لا يقولون بذلك) . وأيضا قال الله تعالى : * (ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الارض بعد موتها) * العنكبوت : 63 ، قال الامام القرطبي : أي جدبها وقحط أهلها * (ليقولن الله) * أي فإذا أقررتم بذلك فلم تشركون به وتنكرون الاعادة * (قل الحمد لله) * أي على ما أوضح من الحجج والبراهين على قدرته * (بل أكثرهم لا يعقلون) * انتهى من القرطبي .
فإذا تنبهت لمعنى هذه الايات وأمثالها عرفت بأنها ليست دليلا على أنهم كانوا يقرون بتوحيد الربوبية كما يتوهم بعض الناس ، لان القرآن وواقع هؤلاء الكفار يبين أنهم كانوا ينكرون الخالق وينكرون السجود له ، كما سيأتي الان إن شاء الله تعالى في ذكر الايات الموضحة لذلك ، وكانوا ينكرون البعث ويعتقدون التأثير والتدبير لغير الله فيقولون : (أمطرنا بنوء كذا ونوء كذا) ولو كانوا يقرون بتوحيد الربوبية كما زعم الخراصون لما قال لهم المولى سبحانه : * (يا أيها الناس أعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم) * البقرة : 21 ، بل كان اللازم أن يقول لهم : - أعبدوا الهكم - ، وقال تعالى : * (ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه) * . . الاية البقرة : 258 ، وكان اللازم على زعم من قال : إن النمرود كان يعرف توحيد الربوبية ويجهل توحيد الالوهية ، أن يقول الله تعالى - ألم تر الى الذي حاج إبراهيم في إلهه - وكان اللازم على زعمهم أن يقول الله تعالى بدل قوله : * (ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) * الانعام : 1 ، أن يقول : - بالههم يعدلون - ولكن ذلك فاسد لانهم لم يكونوا مقرين ، ودليل ذلك قوله تعالى : * (وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهى رميم ، قل يحييها الذي أنشأها أول مرة) * يس 78 - 79 ، وقوله تعالى : * (ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبأ في السموات والارض) * النمل : 25 ، وقوله تعالى : * (وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربى) * الرعد : 30 ، فأما هم فلم يجعلوه ربا ، وقال تعالى : * (ءأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) * يوسف : 39 ، وقال تعالى : * (ولا تسبوا الذين يدعون) * - أي يعبدون - * (من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) * الانعام : 108 ، وقد اشتهر إنكارهم للبعث أشد الانكار ، وأنهم ما يهلكهم إلا الدهر ، وقد اشتهر ذلك في أقوالهم وأشعارهم ، حتى قال أحدهم : أشاب الصغير وأفنى الكبير كر الغداة ومر العشي واشتهر عنهم أنهم كانوا يقولون : ما هي إلا أرحام تدفع وأرض تبلع ، فهل يقول عاقل في هؤلاء مع هذا الكفر الصريح أنهم موحدون توحيد الربوبية ؟ ! ولو كانوا يقرون بتوحيد الربوبية عند إقامة الحجة عليهم ، فإن مجرد الاقرار به لا يسمى توحيدا عند علماء المسلمين ، ولو كان الاقرار بالربوبية توحيدا كما زعم الخراصون لكان تصديق عتاة قريش النبي ص وتكذيبهم بآيات الله تعالى توحيدا ، ولا يقول بهذا عاقل ، قال تعالى : * (فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) * الانعام : 33 ، ولو كان الاقرار بالربوبية توحيدا كما زعموا لكان علم عاد بالخالق مع تكذيبهم آياته ورسوله هودا عليه السلام لما هددهم بالعذاب توحيدا زاجرا لهم عن قولهم ، كما أخبر الله عنهم : * (من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون) * فصلت : 15 ، ولا يقول بهذا عاقل ، أيقول عاقل في فرعون الذي قال * (أنا ربكم الاعلى) * النازعات : 24 ، وقال * (يا أيها الملا ما علمت لكم من اله غيري) * القصص : 38 ، وقوله * (لئن اتخذت إله غيري لاجعلنك من المسجونين) * الشعراء : 29 ، مع قوله : * (إن رسولكم الذي أرسل اليكم لمجنون) * الشعراء : 27 ، لما أجابه سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام عن سؤاله عن حقيقة رب العالمين قائلا له : * (قال رب السموات والارض وما بينهما إن كنتم موقنين) * الشعراء : 24 ، وقوله له أيضا : * (ربكم ورب آبائكم الاولين) * الشعراء : 26 ، فهل يقال بعد هذا : إن فرعون كان يعرف توحيد الربوبية ويجهل توحيد الالوهية ؟ ! فهذا التقسيم للتوحيد باطل غير صحيح ، وكل من قال به مخطئ .
وأما معنى قوله تعالى : * (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) * يوسف : 106 ، فمعناه وما يؤمن أكثرهم بالله في إقرارهم بوجود الخالق عند إقامة الحجة والبراهين عليهم تكذبه قلوبهم ويكذبه واقعهم ، فإيمانهم أمامكم عند إقامة الحجة والبرهان على وجود الله تعالى بألسنتهم غير معتبر ولا مقبول عند الله تعالى * (يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم) * التوبة : 8 ، فهم كاذبون باتخاذهم آلهة يعبدونها غير الله ، أو باتخاذهم الاحبار والرهبان أربابا ، أو اعتقادهم الولد له سبحانه والتعبير في هذه الآية في جانب شركهم بالجملة الاسمية الدالة على الثبوت والدوام الواقعة حالا لازمة ، والتعبير في جانب إيمانهم أي إقرارهم بالجملة الفعلية الدالة على التجدد دليل لغوي على أن شركهم دائم مستمر ، وأن إقرارهم بوجود الخالق الرازق المحي المميت مع ارتكابهم ما ينافي ذلك الاقرار من أقوالهم وأفعالهم وعبادتهم لغير الله تعالى كما قال تعالى : * (واتخذوا من دون الله آلهة) * يس : 74 ، لا يكون توحيدا ولا إيمانا لغة ولا شرعا ، لان الايمان في اللغة هو التصديق بالقلب مطلقا ، وفي الشرع تصديق النبي ص فيما علم مجيئه به بالضرورة ، فقولهم عند إقامة الحجة عليهم : * (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) * الزمر : 3 ، كذب منهم ليبرئوا أنفسهم ، والله تعالى بين أنهم كاذبون إذ قال كما في آخر هذه الآية : * (إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار) * الزمر : 3 .
فصل في إبطال القسم الثالث من التقسيم المزعوم وهو توحيد الاسماء والصفات إعلم يرحمك الله تعالى أن أهل السنة والجماعة بما فيهم الاشاعرة والماتريدية يثبتون لله من الصفات ما أثبت لنفسه ، وما يشوشه المجسمة عليهم من أنهم معطلة وجهمية تشويش فارغ لا قيمة له بعد التمحيص العلمي والتدقيق (16) . فأهل السنة يثبتون لله العلم والقدرة والارداة والمشيئة والرحمة والحياة والسمع والبصر والكلام وغير ذلك من الصفات ، وينزهون الله سبحانه عما لا يليق به ، ولا يطلقون بعض الالفاظ والاضافات الواردة في الكتاب والسنة والتي لا يراد منها حقيقتها صفات لله تعالى ، لان نفس القواعد التي أسستها آيات القرآن المحكمة وأحاديث النبي ص ترفض ذلك ، فمثلا لا يثبتون صفة النسيان مع أن لفظ النسيان ورد مضافا لله تعالى في القرآن ، قال تعالى :
(16) والمؤمن لا ينغر بالشعارات ولا بالاشاعات ، وانما يتثبت من كل أمر يسمعه ويمحص ويبحث بنفسه ، وأسأل الله أن لا ينطبق فينا نحن الامة الاسلامية قول أحد أعدائنا فينا : هذه أمة تسمع ولا تقرأ ! (*)
* (نسوا الله فنسيهم) * التوبة : 67 ، فلم يصفوا الله بذلك - أعني النسيان - لان الله تعالى يقول أيضا : * (وما كان ربك نسيا) * مريم : 64 ، وكذلك لفظ الهرولة والضحك والمرض والجوع وردت في أحاديث لا يجوز لاي عاقل أن يطلقها صفات على الله سبحانه ، فالحديث الصحيح الذي فيه : (ومن أتاني ماشيا أتيته هرولة) لا نثبت به صفة الهرولة لله سبحانه التي معناها الحقيقي في اللغة المشي السريع ، بل يعرف جميع العقلاء ويدركون بأن المراد بذلك هو المعنى المجازي في اللغة وهو : (من أطاعني وتقرب إلى تقربت إليه بإكرامه والانعام عليه أكثر وأسرع) . وكذلك ما جاء في الحديث القدسي الصحيح : (عبدي مرضت فلم تعدني . .) الحديث رواه مسلم (4 / 1990 برقم 2569) ، لا نقول أن الله أثبت لنفسه مرضا وأضافه إليه فنحن نثبت له صفة المرض ، بل لا يقول بهذا عاقل ، وقد أرشد الحديث أن الصفة هي للعبد ، وإنما صرفنا تلك الصفة من أن نعدها من صفات الله ، قواعد التنزيه المأخوذة من الكتاب والسنة الناصة على أنه سبحانه * (ليس كمثله شئ) * .
والضحك كذلك لا يليق أن يطلق حقيقة على الله وإنما يطلق على سبيل المجاز ، وتأويله عند أهل العلم الرضا أو الرحمة ، فإذا ورد في حديث أن الله يضحك الى فلان فالمراد به أنه يرضى عنه ويرحمه وهكذا ، فهناك قواعد وأصول لا بد أن نرجع إليها ضبطها أهل العلم من الائمة الراسخين الربانيين وقد عرضناها وبيناها في التعليق على (دفع شبه التشبيه) . روى الامام البيهقي في كتاب (الاسماء والصفات) (ص 298) (17) أن الامام
(17) بتحقيق الامام المحدث الكوثري عليه الرحمة والرضوان ، طبعة دار إحياء = (*)
البخاري رحمه الله تعالى أول الضحك بالرحمة ، وهذا هو نهج السلف والمحدثين والبخاري بلا شك من أئمة المحدثين ومن أهل القرون الثلاث ، قرون السلف المشهود لها بالخيرية .
= التراث . (تنبيه) : لقد طبع كتاب (الاسماء والصفات) للحافظ البيهقى الذي قدم له وعلق عليه الامام المحدث الكوثري رحمه الله تعالى طبعتين جديدتين ، إحداهما : قد حذف منها كتاب (فرقان القرآن) للشيخ العزامي رحمه الله تعالى كما حذف منها مقدمة العلامة الكوثري ، والثانية : طبعة بصف جديد لم يكتب عليها أن التعليقات التي عليها هي للعلامة الكوثري ، ثم رأيت طبعة ثالثة : بصف وتنضيد جديد أيضا حذفت منها تعليقات المحدث الكوثري ، ثم رأيت من يحيك هذا التلاعب من تجار الكتب قد طبعوا كتابا آخر سموه (الاسماء والصفات) بشكل وبحجم كتاب (الاسماء والصفات) للحافظ البيهقي ، ولكنه باسم ابن تيمية الحراني ، ليضللوا القارئ المبتدئ عن كتاب الحافظ البيهقي بشكل عام ! ! ويبعدوه عن تعليقات ومقدمه العلامة المحدث محمد زاهد الكوثري بشكل خاص ! ! فلتكونوا جميعا على علم تام بهذا التلاعب المشين ! ! وهذه المؤامرات الخبيثة .
ثم اعلموا أنه ليس لابن تيمية كتاب يسمى (الاسماء والصفات) كما أنه ليس له كتاب يسمى (دقائق التفسير) (6 مجلدات نفخ طباعي) كما بينا ذلك في تعليقنا على (دفع شبه التشبيه) (ص 51) وإنما ذهب المفتونون بالشيخ الحراني وعشاقه والمروجون لاقواله الخاطئة إلى - فتاواه - المباركة ! ! فاستخرجوا منها الكلام على مسائل الصفات ! ! فجمعوها وطبعوها باسم جديد ! ! خداعا ! ! وتمويها ! ! وليكثروا مصنفات الشيخ الحراني في أعين المغفلين من السذج أو القراء البسطاء ! ! فالله تعالى حسيبهم ! ! (*)
فرع التأويل من منهج السلف يشيع المجسمة والمشبهة أن مذهب السلف عدم التأويل وإمرار النصوص واعتقاد حقيقة ظواهرها ، وأن مذهب الخلف وعلى رأسهم الاشاعرة هو تأويل الصفات والتعطيل . وهذه إشاعة لا أصل لها من الصحة البتة ، وقد انغر بها كثير من الناس ، بل كثير من أهل العلم فظنوا صحتها ، والصواب أن السلف بما فيهم الصحابة والتابعون كانوا يؤولون كثيرا من الالفاظ التي لا يراد منها إثبات صفات لله تعالى ، وتفسير الامام الحافظ ابن جرير السلفي (توفي 310 ه) أكبر برهان على ذلك فقد أورد الحافظ ابن جرير الطبري في تفسيره وروى بأسانيده عن سيدنا ابن عباس تأويل (الساق) الواردة في قول الله تعالى : * (يوم يكشف عن ساق) * القلم : 42 ، بالشدة ، لان العرب تقول كشفت الحرب عن ساقها أي اشتدت . كما نقل الحافظ ابن جرير تأويل النسيان بالترك ، انظر تفسير الطبري (مجلد 5 / جزء 8 ص 201 - 202) ونقل تأويل قوله تعالى : * (والسماء بنيناها بأيد) * الذاريات : 47 ، أي بنيناها بقوة انظر (27 / 7) من تفسيره (18) .
(18) (الايد) : في اللغة جمع يد وهي الكف ، وليس كما يشيع بعضهم باطلا بتلبيس = (*)
وهذه التأويلات منقولة عن سيدنا ابن عباس وعن مجاهد وقتادة والحسن ومنصور وابن زيد وغيرهم من أعلام السلف الصالح رضى الله عنهم ، وكلها تشهد بكذب من قال إن السلف لم يؤول أحد منهم ولم يكن التأويل من منهجهم وإنما هو عند الخلف والاشاعرة المعطلة الجهميين ، كبرت كلمة تخرج من أفواههم يطمسون بها الحق والحقائق ، وينصرون بها آرائهم الخاطئة المغلوطة .
والتأويل أيضا ثابت عن الامام أحمد ثبوت الشمس في رابعة النهار وهو من أعلام السلف وأئمة المحدثين ، وإليه تظهر المجسمة الانتساب وهو مؤول وقد بينا ذلك في مقدمتنا لكتاب الحافظ ابن الجوزي (دفع شبه التشبيه) .
أول الامام أحمد قوله تعالى : * (وجاء ربك) * الفجر : 22 ، أنه جاء ثوابه ، كما ثبت عنه بإسناد صحيح ، انظر البداية والنهاية لابن كثير (10 / 327) . وهناك تأويلات أخرى كثيرة وردت عن الامام أحمد لا أريد الاطالة بذكرها ، ذكرت بعضها في كتابي (الادلة المقومة لاعوجاجات المجسمة) فلتراجع وكل ذلك يثبت بطلان وتهافت قول من قال : إن الاشاعرة والخلف معطلة لانهم أولوا ، والسلف لم يؤولوا بل اثبتوا لله تعالى ما أثبت لنفسه .
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
رد: التنديد بمن عدد التوحيد
غريب أن (الايد) في اللغة لا تطلق إلا على القوة ، ليصلوا إلى أن ابن عباس لم يؤول في هذه الاية ، فهؤلاء تكذبهم قواميس اللغة ، ففي القاموس المحيط للمجد الفيروز أبادي في مادة (يدي) يقول : اليد : الكف ، أو من أطراف الاصابع الى الكتف ، جمعها : أيد ويدي . اه. فتأمل . ويكذبهم قبل ذلك القرآن الكريم فإن الله سبحانه يقول في كتابه : * (أم لهم أيد يبطشون بها) * الاعراف : 195 .
(*)
فرح كشف حقيقة قول من قال لا نصف الله الا بما وصف به نفسه ، ونثبت لله ما أثبت لنفسه إن ابن تيمية إمام هذه الطائفة ، يقول بهذا الكلام ويدعو الى توحيد الاسماء والصفات ثم نراه يثبت لله ما لم يثبته الله لنفسه ويصف الله بما لا يليق به سبحانه ، ويسير معه تلامذته وأتباعه على ذلك . نرى ابن تيمية يثبت لله الحركة والجلوس والاستقرار على ظهر بعوضة والحد و . . . . ، ويثبت لله سبحانه صفات بأحاديث موضوعة أو إسرائيليات من ذلك أنه أثبت أن الله سبحانه يتكلم بصوت يشبه صوت الرعد (19) بل يقول بجواز إطلاق أن الله جسم (20) ، بل يقول بأن التجسيم والتشبيه غير مذمومين ، لا في الكتاب ولا في السنة ، ولا عند السلف الصالح كما تقدم ، وهو غير صادق في ذلك ، فيقول في كتابه (بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية) (1 / 109) ما نصه :
(19) انظر كتابه موافقة صريح المعقول المطبوع على هامش منهاج السنة (2 / 151) . (20) منهاج السنة (1 / 180) والتأسيس (1 / 101) . (*)
(فاسم المشبهة ليس له ذكر بذم في الكتاب والسنة ولا كلام أحد من الصحابة والتابعين) . اه. ويقول في كتابه التأسيس (1 / 101) ما نصه : (وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا قول أحد من سلف الامة وأئمتها أنه ليس بجسم) . اه. ويقول في كتابه التأسيس ايضا (1 / 568) : (ولو قد شاء - الله - لاستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيته فكيف على عرش عظيم) . اه. ويثبت ابن تيمية في التأسيس والموافقة (2 / 29) : الحد لله تعالى والحد لمكان الله تعالى ، علما بأن لفظة (حد) لم ترد في الكتاب ولا في السنة ، فأين قوله : لا نصف الله الا بما وصف به نفسه ؟ ! بل يقول هناك في الموافقة (2 / 29) بكفر من لا يقول بالحد لله تعالى وهو بنظره جاحد بآيات الله كافر بالتنزيل فيقول ما نصه : (فهذا كله وما أشبهه شواهد ودلائل على الحد ، ومن لم يعترف به فقد كفر بتنزيل الله وجحد آيات الله) . اه. فالمسلمين جميعا الذين لا يعتقدون بعقيدته هذه التي لم ترد بالكتاب والسنة كفار بنظره ، حتى تلميذه الحافظ الذهبي الذي يقول في كتابه (ميزان الاعتدال) (3 / 507) إن الاشتغال بمسألة الحد اشتغال بفضول الكلام والذي يقول في (سير أعلام النبلاء) (16 / 27) : (وتعالى الله أن يحد أو يوصف إلا بما وصف به نفسه . . .) ، وكذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني الذي نفى الحد عن الله تعالى في (لسان الميزان) (5 / 114) يكون كافرا على قاعدة ابن تيمية هذه ! ! ومعاذ الله ، والمسلمون قبل ابن تيمية بقرون اتفقوا على تنزيه الله تعالى عن الحد ونقل ذلك الاتفاق جماعة من الائمة والعلماء ، قال الامام الاستاذ أبو منصور البغدادي الذي يعول على كلامه الحافظ ابن حجر وأمثاله من العلماء في كتابه (الفرق بين الفرق) (ص 332 بتحقيق محمد محي الدين عبد الحميد) ما نصه : (وقالوا - أي أهل السنة مجمعين - بنفي النهاية والحد عن صانع العالم . .) اه.
فمما قدمته ووضحته ودللت عليه يتضح ما هو توحيد الاسماء والصفات عند من يدعو إليه ، وأن ذلك مجرد الدعوة الى تجسيم الله تعالى وتشبيهه بخلقه ووصفه بما لم يصف به نفسه ، أو اطلاق بعض الالفاظ الواردة في الكتاب والسنة والتي لم يقصد منها أنها صفات على الله وحملها على أنها صفات حقيقية لله تعالى ، وإشاعة أن التأويل بدعة مذمومة وأن الاشاعرة وغيرهم فرق ضالة لانهم عطلوا صفات الله تعالى بزعمهم ، وكل ذلك باطل لا أصل له .
وتتميما للبحث لا بد من أن نتكلم عن أصل أكبر فرقة قديمة من فرق المجسمة هي الكرامية وبيان بعض آرائها في الصفات التي توافق ما يدعو إليه ابن تيمية وأتباعه ، وخصوصا أن ابن تيمية يثني عليها في منهاج السنة (1 / 181) ويعتبرها من أكابر نظار المسلمين (21) ، ثم نعرض نماذج من كتاب (شرح
(21) لا يقال عن شخص من نظار المسلمين إلا إذا كان صحيح العقيدة مستقيما غير مطعون فيه ، فإذا كان كذلك وكان مبرزا في التأليف والتصنيف قوي الحجة شجى في حلوق أعداء الاسلام والفرق الاسلامية الضالة فيقال عنه حينئذ إنه = (*)
= من نظار المسلمين ، وأجلب لك على هذا مثال واضح محسوس : ذكر الحافظ الذهي في ترجمة أبو محمد بن كلاب في (سير أعلام النبلاء) (11 / 175) ما نصه : (وقال بعض من لا يعلم : إنه ابتدع ما ابتدعه ليدس دين النصارى في ملتنا وإنه أرضى أخته بذلك ، وهذا باطل ، والرجل أقرب المتكلمين الى السنة ، بل هو في مناظريهم) اه. وقال المعلق على كلام الذهبي هذا في (سير أعلام النبلاء) (11 / 175) : (كان إمام أهل السنة في عصره ، وإليه مرجعها ، وقد وصفه إمام الحرمين ت 478 هفي كتابه (الارشاد) ص (119) : بأنه من أصحابنا .
وقال السبكي في (طبقاته) : أحد أئمة المتكلمين . وابن تيمية يمدحه في غير ما موضع في كتابه (منهاج السنة) وفي مجموعة رسائله ومسائله ، ويعده من حذاق المثبتة وأئمتهم ، ويرى أنه شارك الامام أحمد وغيره من أئمة السلف في الرد على مقالات الجهمية ، وحين تكلم أبو الحسن الاشعري في كتابه (مقالات الاسلاميين) 1 / 189 ، 299 عن أصحابه ، ذكر أنهم يقولون بأكثر مما ذكرناه عن أهل السنة) اهكلام المعلق . قلت : بل ذكر الحافظ أن الامام البخاري كان على مذهبه في علم الكلام حيث قال في الفتح (1 / 423) : (مع أن البخاري في جميع ما يورده من تفسير الغريب إنما ينقله عن أهل ذلك الفن كأبي عبيد والنضر بن شميل والفراء وغيرهم ، وأما المباحث الفقهية فغالبها مستمدة له من الشافعي وأبي عبيد وأمثالهما ، وأما المسائل الكلامية فأكثرها من الكرابيسي وابن كلاب ونحوهما) اه. ولنعد إلى ما بدأنا به ولنتذكر أن النظار أو نظار المسلمين هم أكابر العلماء المتخصصين في الرد على المبتدعة ، وهم : أهل التأمل وتقليب البصر والبصيرة وأهل التفحص في مسائل العلم ، وابن تيمية الحراني يعطي هذا اللقب للكرامية الجهلاء الذين أجمعت الامة على كفرهم كما نص على ذلك الامام البغدادي في كتابه (الفرق) (ص 215 بتحقيق محمد محي الدين) فيقول ابن تيمية في (منهاج سنته) (1 / 181) .
= (*) العقيدة الطحاوية) لابن أبي العز المنسوب للحنفية خطأ والحنفية منه براء ، لان ذلك الكتاب كتاب خطير يحوي على كثير من العقائد الفاسدة التي سأذكر بعضها إن شاء الله تعالى ، والذى ينبغي أن يحذره المدرسون وطلاب العلم ويعلموا بأن ابن أبي العز شارحها يرد على صاحب العقيدة الطحاوية الامام أبي جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى ، فأقول : إمام الكرامية الذين يثني عليهم ابن تيمية هو محمد بن كرام السجزي المجسم صاحب العقائد الوثنية المشهورة في كتب الفرق ، واليك نبذة عن هذا الامام المقتفى ! ! لتكون على بينة منه ومن ضلالات عقائده : قال الامام عبد القاهر البغدادي في أصول الدين ص (337) : (وأما جسمية خراسان من الكرامية فتكفيرهم واجب لقولهم : بأن الله تعالى له حد ونهاية من جهة السفل ومنها يماس عرشه ، ولقولهم : بأن الله تعالى محل للحوادث) . اه. وقال الامام البغدادي أيضا في الفرق بين الفرق (22) : (فصل في ذكر مقالات الكرامية ، وبيان أوصافها : الكرامية بخراسان ثلاثة أصناف ، وهذه الفرق الثلاث لا يكفر بعضها بعضا وإن أكفرها سائر
= (كما قال ذلك من قال من الكرامية وغيرهم من نظار المسلمين) اه. فكأنه يقول : كما قال ذلك من قال من الشافعية وغيرهم من فقهاء المسلمين ، فتأمل ! ! وهل يعتبر من نظار المسلمين من يقول : بأن الله له حد وأنه جسم جالس على العرش مماس له وأن الحوادث تقوم بذاته ؟ فتدبروا يا أولي الابصار ! (22) انظر كتاب (الفرق بين الفرق) لعبد القاهر البغدادي (ص 337) بتحقيق محمد محي الدين عبد الحميد . (*)
الفرق ، فلهذا عددناها فرقة واحدة ، وزعيمها المعروف محمد بن كرام . . وضلالات أتباعه . . نذكر منها المشهور ، الذي هو بالقبح مذكور ، فمنها : أن ابن كرام دعا أتباعه الى تجسيم معبوده ، وزعم أنه جسم له حد ونهاية من تحته والجهة التي منها يلاقي عرشه ، وقد ذكر ابن كرام في كتابه - أيضا - أن الله تعالى مماس لعرشه ، وأن العرش مكان له ، وأبدل أصحابه لفظة المماسة بلفظ الملاقاة منه للعرش . . واختلف أصحابه في معنى الاستواء المذكور في قوله تعالى : * (الرحمن على العرش استوى) * طه : 5 ، فمنهم من زعم : أن كل العرش مكان له ، وأنه لو خلق بإزاء العرش عروشا موازية لعرشه لصارت العروش كلها مكانا له ، ومنهم من قال : إنه لا يزيد على عرشه في جهة المماسة ، ولا يفضل منه شئ على العرش ، وزعم ابن كرام وأتباعه أن معبودهم محل للحوادث) اه. وقد نقل أيضا الشيخ علي القاري في شرح المشكاة (2 / 137) : إجماع السلف والخلف على أن من اعتقد أن الله تعالى في جهة فهو كافر كما صرح به العراقي وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأبو الحسن الاشعري والباقلاني . اهولا يخفى أن اعتقاد الجهة نوع من التجسيم . وقال الامام القرطبي في التذكار صحيفة (208) : ا (والصحيح القول بتكفيرهم - المجسمة - إذ لا فرق بينهم وبين عباد الاصنام والصور) اه. وجزم الامام النووي في المجموع (4 / 253) بتكفير المجسمة وهو مذهب الشافعي رحمه الله . وأما رد الامام أحمد رضى الله تعالى عنه على المجسمة والمشبهة فمنقول في (دفع شبه التشبيه) لابن الجوزي الحنبلي ، وكتاب (مرهم العلل المعضلة) لليافعي بتوسع . والامام الطحاوي الذي أرادوا أن يشوهوا عقيدته يقول في أولها : (اعتقاد أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن) وهؤلاء من أئمة السلف كما لا يخفى ثم قال فيها : (وتعالى الله عن الحدود والغايات والاركان والاعضاء والادوات ، لا تحويه الجهات الست كسائر المبدعات) اه(23) . أقول : وقد اتضح بهذا كله مذهب أهل السنة والجماعة واتضح أيضا حكمهم على أهل الزيغ من المشبهة والمجسمة ، وأن أصل التشبيه والتجسيم أسسه في هذه الامة ابن كرام السجستاني صاحب العقائد الزائغة ، وأن الامة أكفرته وكفرت من قال بمقالاته المنحرفة ، وأن من جملة مقالاته الكفرية : قوله بالحد في حق الله تعالى ، وقوله بالجسمية لله تعالى ، وأن الله تعالى يماس عرشه من جهة السفل لانه فوق العرش ، ويجدر التنبيه هنا على أن أهل السنة يقولون بأن الله تعالى فوق العرش لكن فوقية من جهة المعنى لا من جهة الحس (24) ، أي أن الله تعالى فوق خلقه فوقية قهر وربوبية على عبودية ، * (وهو القاهر فوق عباده) * الانعام : 61 ، وقد أجمع أهل السنة على تنزيه الباري سبحانه عن المكان كما هو معلوم ، لكن ابن كرام قال بالفوقية الحسية والمكانية ، فأكفره أهل السنة
(23) انظر شرح العقيدة الطحاوبة لابن أبي العز ، بتخريج الالباني ، وتوضيح الشاويش (ص 238) الطبعة الثامنة . (24) قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في الفتح 6 / 136 : (لان وصفه تعالى بالعلو من جهة المعنى ، والمستحيل كون ذلك من جهة الحس) اهفانظره . (*)
ومن تبعه على ذلك ، ثم قال : إن الله تعالى محل للحوادث ، أي جوز قيام الحوادث بذات الله سبحانه ، تعالى الله عن هذا الكفر الصريح * (سبحان ربك رب العزة عما يصفون) * ومرادنا من ذلك كله بيان ان أدعياء توحيد الاسماء والصفات قائلون بذلك ومنهم فضيلة العلامة ابن أبى العز صاحب شرح الطحاوية ، وإليك إثبات ذلك :
1 - أما قول شارح الطحاوية المشار إليه بحوادث لا أول لها ، أو بقدم نوع الحوادث والمخلوقات ففي صحيفة (129 من الطبعة الثامنة) : (فالحاصل أن نوع الحوادث هل يمكن دوامها في المستقبل والماضي أم لا ؟ أو في المستقبل فقط ؟ أو الماضي فقط ؟ فيه ثلاثة أقوال معروفة لاهل النظر من المسلمين وغيرهم : أضعفها قول من يقول : لا يمكن دوامها لا في الماضي ولا في المستقبل ، كقول جهم بن صفوان وأبي الهذيل العلاف .
وثانيها قول من يقول : يمكن دوامها في المستقبل دون الماضي ، كقول كثير من أهل الكلام ومن وافقهم من الفقهاء وغيرهم .
والثالث : قول من يقول : يمكن دوامها في الماضي والمستقبل كما يقوله أئمة الحديث) اه. فانظر كيف نسب الكفر الصريح الى أهل الحديث فقال إنهم يقولون إن الحوادث وهي المخلوقات يمكن أن تكون دائمة في الماضي ، معناه قديمة النوع حادثة الافراد وأهل الحديث برآء من ذلك بلا شك ، وقد نص القرآن الكريم على بطلان ذلك في آيات كثيرة كما لا يخفى ، وكذا السنة المطهرة نص فيها سيدنا رسول الله ص على بطلان ذلك ، ففي البخاري : (كان الله ولم يكن شئ غيره) (25) وأجمعت الامة على أن الحوادث قبل حدوثها لم تكن أشياء ولا أعيان ، كما نقل ذلك الاستاذ أبو منصور البغدادي في الفرق (26) وقال الاستاذ أبو منصور أيضا : (وقد زعم البصريون من القدرية أن الجواهر والاعراض كانت قبل حدوثها جواهر وأعراضا ، وقول هؤلاء يؤدي الى القول بقدم العالم ، والقول الذي يؤدي الى الكفر كفر في نفسه) اهيعني أن القول بقدم الحوادث لا شك أنه كفر . وكذلك نص على هذا الاجماع المؤيد بقول الله تعالى * (هو الاول) * ابن حزم في كتابه مراتب الاجماع ، حيث قال في آخره : (باب من الاجماع في الاعتقادات ، يكفر من خالفه بإجماع : اتفقوا أن الله عزوجل وحده لا شريك له خالق كل شئ غيره ، وأنه تعالى لم يزل وحده ولا شئ غيره معه ، ثم خلق الاشياء كلها كما شاء ، وأن النفس مخلوقة ، والعرش مخلوق ، والعالم كله مخلوق) اه(27) .
ثم بعد هذا كله أحكم على ابن أبي العز المنسوب لاهل الاثبات ولاهل الحديث غلطا ولمن تبعه وقال بمقالته ونشر كتابه بين العامة وخرج أحاديثه مادحا كتابه بما تراه مناسبا ، ولا سيما إذا عرفت أيضا أنه قال صحيفة 133 من
(25) انظر فتح الباري (13 / 410) . (26) انظر الفرق بين الفرق (ص 332) وانظر أيضا : (ص 328) . (27) انظر مراتب الاجماع المطبوع مع نقد مراتب الاجماع (ص 167) . (*)
شرح الطحاوية الطبعة الثامنة بتخريج الالباني وتوضيح الشاويش : (والقول بان الحوادث لها أول ، يلزم منه التعطيل قبل ذلك وأن الله سبحانه وتعالى لم يزل غير فاعل ثم صار فاعلا) اه. نعوذ بالله تعالى من هذا الهذيان ما أشنعه ، ومن هذا الرجل ما أجرأه ، وكيف يشنع على المتكلمين ثم يأتي بأصول الشناعات ! ! ! . ثم هو رد صريح الكتاب والسنة والاجماع ، وتأول لذلك بالباطل كما ترى ، فأين ذهب ذمه للتأويل وللمتكلمين ولعلم الكلام الذي تشدق به أول ما يقرب من عشرين صحيفة من كتابه وحيثما سنحت الفرص ، لكن كما قالوا : رمتني بدائها وانسلت . ثم انظر الى قوله صحيفة (135) من الطبعة الثامنة مبرهنا على حوادث لا أول لها ، رادا رواية (كان الله ولم يكن شئ معه) ورواية (ولم يكن شئ غيره) مثبتا رواية (ولم يكن شئ قبله) ليستدل بها على حوادث لا أول لها حيث قال : (وقد أجابهم النبي ص - أي الاشعريين - عن بدء هذا العالم الموجود لا عن جنس المخلوقات ، لانهم لم يسألوه عنه) اهيعني أنه قبل هذا العالم الموجود الان كان هناك عالم آخر ، يعني أن العالم قديم النوع أزلي ، حادث الافراد ، وهى مقالة متأخري الفلاسفة ، وقد قال العلماء سابقا : بثلاثة كفر الفلاسفة العدا في نفيها وهى حقيقا مثبته علم بجزئي حدوث عوالم حشر لاجساد وكانت ميته ونكتفي بهذا القدر الذي ذكرناه من الكلام على نقطة حوادث لا أول لها ، ولنعرض أمرا آخر من تلك الطامات فنقول :
2 - قال ابن أبي العز في شرحه مثبتا أن كلام الله تعالى حروف وأصوات ، وأن الله تعالى يتكلم إذا شاء ويسكت متى شاء وهو المفهوم من كلام فضيلة الشارح ، ومن اللازم القريب لكلامه (28) : (إن الله تعالى لم يزل متكلما إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء ، وهو يتكلم به بصوت يسمع ، وأن نوع الكلام قديم وإن لم يكن الصوت المعين قديما ، وهذا المأثور عن أئمة الحديث والسنة) اه(29) وفى هذا الكلام الخطير والفلسفة الزائدة في الخوض في ذات الله تعالى وصفاته التي يذم بها هؤلاء علماء الكلام ، إثبات قيام الحوادث بذات الله تعالى عما يقولون ، وقد تقرر عند أهل العلم أن ما قام به الحادث فهو حادث ، وقد كفرت علماء الاسلام الكرامية لامور منها هذا القول كما نقلناه فيما مضى أول هذه العجالة ، وقد أثبت ذلك ابن أبي العز وحاول الدفاع عنه ، فقال صحيفة 177 منها : (فإذا قالوا لنا : فهذا يلزم أن تكون الحوادث قامت به ، قلنا : هذا القول مجمل ، ومن أنكر قبلكم قيام الحوادث بهذا المعنى به تعالى من الائمة ؟ ونصوص القرآن والسنة تتضمن ذلك ، ونصوص الائمة أيضا مع صريح العقل) . اهويكفي في رد ذلك عرضه للقارئ (30) .
(28) بل صرح بذلك - أي بصفة السكوت - ابن تيمية إمامه ، أنظر الموافقة على هامش منهاجه (2 / 38) . (29) انظر شرح الطحاوية (ص 169) واعلم أن أئمة الحديث والسنة براء من هذا كالذي قبله ، وهو رميهم وتهمتهم بأنهم يقولون بحوادث لا أول لها . (30) علما بأن هذا النص منقول من منهاج السنة (1 / 224) فشرح العقيدة الطحاوية هي تلخيص ل(منهاج السنة) ول(موافقة مريح المعقول) للشيخ الحراني ! ! ولذلك يركزون عليها ويحرصون على نشرها ! ! (*)
واستدل لهذه العقيدة الفاسدة بحديث موضوع فقال صحيفة (170) : (قال رسول الله ص : (بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع نور ، فرفعوا أبصارهم ، فإذا الرب جل جلاله قد اشرف عليهم من فوقهم ، فقال : السلام عليكم يا أهل الجنة ، وهو قول الله تعالى : * (سلام قولا من رب رحيم) * فلا يلتفتون إلى شئ مما هم فيه من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم ، وتبقى بركته ونوره) رواه ابن ماجه) اه. قلت : في إسناده أبو عاصم العباداني واسمه عبد الله بن عبيد الله ، قال عنه الذهبي في الميزان 2 / 458 / 4437 : (واه) . وهو واعظ زاهد إلا أنه قدري اه. وقال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (3 / 314) : (وأورد له العقيلي عن روايته عن الفضل الرقاشي عن ابن المنكدر عن جابر : (بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع نور) الحديث ، وقال لا يتابع عليه ولا يعرف الا به) اه، وانظر الضعفاء الكبير للعقيلي (2 / 274) ، وأما الفضل الرقاشي الذي يروي عنه أبو عاصم فهو منكر الحديث كما قال الحافظ في التقريب : (برقم 5413) ، وفي الكامل في الضعفاء لابن عدي (6 / 2039) : (قال البخاري عن ابن عيينه ليس أهلا أن يروى عنه) اه، ولذلك أورد هذا الحديث ابن الجوزي في الموضوعات وقال : (الفضل رجل سوء) اه، فانظر كيف استدل ابن أبي العز على عقيدته بهذا الحديث والله تعالى المستعان ، ولم أذكر جميع بلياته في هذا الباب وإنما أشرت إلى بعضها وإن سنح الوقت مستقبلا سأذكرها جميعا وأرد عليها إن شاء سبحانه ، وفيما ذكرنا الان كفاية .
3 - قال ابن أبي العز مثبتا الحد لذات الله سبحانه وتعالى عن هذا الهذيان صحيفة (219) ما نصه : (فالحد بهذا المعنى لا يجوز أن يكون فيه منازعة في الامر أصلا ، فإنه ليس وراء نفيه إلا نفي وجود الرب ونفي حقيقته (31) اه. فإنه بهذه العبارة أثبت الحد لذات الله تعالى ، فقال بما قال أهل الزيغ من قبل : (من نفى الحد عن الله تعالى أخبر بعدم الرب سبحانه) ، وهؤلاء الاصل عندهم الجسمية ، فلما تخيلوا أن المولى سبحانه عما يتخيلون جسما أجروا عليه أحكام الاجسام ، فالجسم متى لم يكن له حد كان عدما وكذلك تخيلوا الباري سبحانه . وقولهم لاهل السنة : (إنكم إذا نفيتم الحد ساويتم ربكم بالشئ المعدوم) ، تكفل برده الحافظ ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان (5 / 114) حيث بين أن قول المجسمة هذا قول نازل ساقط لا عبرة به فقال : (وقوله (قال له النافي ساويت ربك بالشئ المعدوم إذ المعدوم لا حد له) نازل ، فإنا لا نسلم أن القول بعدم الحد يفضي إلى مساواته بالمعدوم بعد تحقق وجوده) اه. وقدمنا في أول هذه الرسالة تكفير الامة للمجسمة ولابن كرام في قوله
(31) علما بأن الطحاوي في المتن يقول : (وتعالى عن الحدود والغايات) والالباني يحاول أن يشكك في كلام الطحاوي هذا في تعليقاته على الطحاوية ص (29) نقلا عن ابن مانع فيقول بأنه لا يستبعد أن يكون هذا مدسوسا على الطحاوي . وهذا تشكيك فارغ باطل لا التفات إليه ، وإذا كان هذا حقا فمتن الطحاوية وشرحه لا يستبعد أيضا أن يكون بجملته مدسوسا من أعداء الاسلام . . الخ . (*)
بالحد ، وقال الامام أبو منصور البغدادي في كتابه الفرق 332 : (إن أهل السنة اتفقوا على نفي النهاية والحد عن صانع العالم خلافا للهشامية والكرامية المجسمة) اه. وكلام ابن أبي العز قبل العبارة التي نقلناها وبعدها كله تمويه على الناس لترويج بضاعته وإقناع المغفلين بها ، فهو تارة يكذب على الامام عبد الله بن المبارك : فينقل عنه زورا أنه قال بالحد ، ولو قال به فهو مردود عليه (32) ، لان الكفر كفر كائنا من كان الناطق به والزيغ زيغ كائنا ما كان مصدره ، وليس في الاسلام دين يختلف باختلاف الاشخاص فالايمان إيمان مطلقا والكفر كفر مطلقا ، فما جاء في الكتاب والسنة ثبوته مجملا أو مفصلا أثبتناه وما نفاه الكتاب أو السنة مجملا أو مفصلا نفيناه ، والمعصوم هو السنة والاجماع كما هو مقرر عند أهل السنة ، وتارة ينفي ابن أبي العز الحد ، محتجا بأن للحد معاني كثيرة ، كقوله (ص 219) : (وأما الحد بمعنى العلم والقول ، وهو أن يحده العباد ، فهذا منتف بلا منازعة بين أهل السنة) اه. فانظر إلى هذا الروغان ما أشنعه وأقبحه ، فلم هذا التخبط وهذه الفلسفة التي لا معنى لها ؟ ! لا شك أن ذلك كله لقلب الحقائق ، ولترويج عقيدة الزيغ وإقناع الناس بها ، وأهل السنة والجماعة عندما أجمعوا على نفي الحد عن الباري سبحانه وأكفروا من قال به لم يقل أحد منهم من أثبت الحد بمعنى كذا جاز ، ومن أثبته بمعنى كذا لم يجز ، وإنما قالوا : (وأما جسمية
(32) أو هو مؤول كما ذكره البيهقي في الاسماء والصفات ص 427 بتحقيق الامام المحدث الكوثري اه. وقد بينت ذلك بوضوح في رسالتي (التنبيه والرد على معتقد قدم العالم والحد) . (*)
خراسان من الكرامية فتكفيرهم واجب ، لقولهم بأن الله تعالى له حد ونهاية . .) الخ كما قدمناه أول هذه الرسالة فانظره . 4 - وأما مسألة الجهة فابن أبي العز ممن يقول بها ويقاتل من أجلها قتال مستميت ، فانظر إلى الروغان حيث قال صحيفة (221) من شرح الطحاوية : (وأما لفظ الجهة ، فقد يراد به ما هو موجود ، وقد يراد به ما هو معدوم ، ومن المعلوم أنه لا موجود إلا الخالق والمخلوق) اه. فانظر كيف قاس الخالق على المخلوق ، ومعنى كلامه : أي كما أن المخلوق في جهة فكذا الخالق في جهة بجامع الوجود لكل منهما ، ولا شك أن هذا قياس وثني فاسد قطعا . ثم قال ابن أبي العز في نفس الصحيفة ما نصه : (وإن أريد بالجهة أمر عدمي ، وهو ما فوق العالم ، فليس هناك إلا الله وحده ، فإذا قيل إنه في جهة بهذا الاعتبار فهو صحيح) اه. فقد قرر بأن الله تعالى في جهة ما فوق العالم ، وهذا المكان الذي عينه للمولى سبحانه وتعالى عن هذيانه ، سماه بالمكان العدمي أو بالامر العدمي ، وإني استغرب جدا كيف يكون لمعبوده مكان يشار إليه بالاصبع كما جاء في حديث الجارية الذي يتشدقون به ثم كيف يكون هذا المكان عدما ؟ وهل يشار للعدم ؟ ! .
ولا يخفاك أخي المؤمن أن أهل السنة أجمعوا على تنزيه الله تعالى عن المكان لدلالة الكتاب والسنة المصرحة بذلك . وقد نص ابن أبي العز في سلسلة أغلاطه أيضا زيادة في نغمة طنبوره في رأس صحيفة (221) : أن الجهات لا نهاية لها . اهومعنى ذلك أنه لا حد لها ، فجعل للخالق حدا ونزه المخلوق عن الحد فسبحان قاسم العقول الوهاب ! ! مع أن أهل السنة كما قال الامام البغدادي في الفرق ص (330) : (أجمعوا على أن الارض متناهية الاطراف من الجهات كلها ، وكذلك السماء متناهية الاقطار من الجهات الست ، خلاف قول الدهرية) اه. ثم اعترض ! ! ! على الامام الطحاوي في تنزيهه الله تعالى عن الجهات فقال (ص 221) : (لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات ، هو حق ، باعتبار انه لا يحيط به شئ من مخلوقاته) اه. فأول كلام الشيخ حسب مراده ، لينفي أن الشيخ الطحاوي يقول بهذا ! ! فاعترض عليه لينفي ما تبقى من احتمال ذلك على زعمه فقال في نفس الصحيفة : (لكن بقي في كلامه شيئان أحدهما : إن إطلاق مثل هذا اللفظ مع ما فيه من الاجمال والاحتمال كان تركه أولى ، وإلا تسلط عليه وألزم بالتناقض في إثبات الاحاطة والفوقية ونفي جهة العلو) اه! ! واليك بعض عقائد الكرامية أيضا المندرجة في كلام ابن أبى العز في شرح الطحاوية : 5 - قال صحيفة (282) : (فكيف يستبعد العقل مع ذلك أنه يدنو سبحانه من بعض أجزاء العالم وهو على عرشه فوق سمواته ؟ أو يدني إليه من يشاء خلقه ؟ فمن نفى ذلك لم يقدره حق قدره) اه.
6 - قوله صحيفة (286) : (الثاني عشر : التصريح بنزوله كل ليلة إلى السماء الدنيا ، والنزول المعقول عند جميع الامم إنما يكون من علو إلى سفل ، الثالث عشر : الاشارة إليه حسا الى العلو ، كما أشار إليه من هو أعلم بربه) اه. وذكر قبل ذلك وبعده أدلة بزعمه دالة على هذا العلو الحسي ، والمعبر عنه أحيانا بفوق وبذاته وبجهة السماء . . الخ . ولا أدري أين ذهب بقول الله تعالى : * (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعاني) * البقرة : 186 ، وبقوله تعالى : * (ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون) * الواقعة : 85 ، وقوله : * (وهو معكم أين ما كنتم) * الحديد : 4 ، وقوله : * (وهو الله في السموات والارض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون) * الانعام : 3 ، وقوله : * (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) * ق : 16 ، وغير ذلك من الايات (33) ، ومن الحديث قوله ص : (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) رواه مسلم (1 / 350) ، وقوله أيضا : (اللهم أنت الصاحب في السفر وأنت الخليفة في الاهل) رواه الترمذي (5 / 497) وقال : حديث حسن صحيح اهوغير ذلك من الاحاديث الصحيحة . وإذا كان يؤول هذه النصوص الموهمة للحلول فما أجدره أيضا أن يؤول تلك النصوص الموهمة للتجسيم وتشبيه الله تعالى بخلقه ، عند المغفلين الذين
(33) وإذا كانت تلك الايات التي أوردها قرآنا وهذه الايات أيضا قرآنا فما الذي أوجب اعتقاد ظاهر تلك دون هذه ؟ ! (*)
لا يعرفون أصول عقيدة الاسلام التي منها تنزيه الله سبحانه عن مشابهة خلقه ، المعبر عنها بقول العلماء : كل ما خطر ببالك فالله تعالى بخلاف ذلك ، المأخوذ من قوله سبحانه : * (ليس كمثله شئ) * الشورى : 11 ، ومن قوله : * (ولم يكن له كفوا أحد) * الاخلاص : 4 ، ومن قوله : * (أفمن يخلق كمن لا يخلق) * النحل : 17 .
7 - والقول بالجهة والفوقية الحسية يفضي إلى القول بأنه خارج العالم على العرش بذاته كما يقول أهل التجسيم ، أو داخل العالم في السماء حسا لا معنى كما يقول الحلوليون وكلا القولين باطل ، فقد أجمع أهل السنة على أن الله تعالى منزه عن المكان يعني أنه لا تعين له جهة كالمخلوق فيقال إنه مستقر فيها وحال بها فقول الحلولية : إنه في كل مكان باطل ، وقول المجسمة : إنه فوق العالم خارج عنه فوق العرش باطل أيضا ، لان هذا يلزم منه وصفه سبحانه بالاتصال أو الانفصال ووصفه بأنه خارج أو داخل العالم ، وكل ذلك باطل لانهم بنوا ذلك على ما أصلوه وهو الجسمية ، فوصفوه بأنه خارج العالم ، لتثبيت عقيدة الزيغ واقناع الناس بها ولذلك صرح أهل السنة والجماعة بان الله سبحانه لا يوصف بأنه خارج العالم ولا داخله لان هذا نوع من إدراك الخالق والله سبحانه لا يحيط به أو يدركه أحد من خلقه ، وهؤلاء يريدون أن يدركوه وأن يعينوا له مكانا ف* (سبحان ربك رب العزة عما يصفون) * لذلك قال ابن أبى العز في شرحه (ص 222) : (ولا نظن بالشيخ - يعني الطحاوي - رحمه الله أنه ممن يقول إن الله تعالى ليس داخل العالم ولا خارجه بنفي التعيينين) اه. واليك بعض أقوال علماء الاسلام في ذلك :
. ق
ال الامام الغزالي رحمه الله تعالى : (الله تعالى مقدس عن المكان ، ومنزه عن الاقطار والجهات ، وأنه ليس داخل العالم ولا خارجه ، ولا هو متصل بالعالم ولا هو منفصل عنه ، قد حير عقول أقوام حتى أنكروه إذ لم يطيقوا سماعه ومعرفته) اهالاحياء (4 / 434) (34) . . وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري) (1 / 220 - 221) : (فإن إدراك العقول لاسرار الربوبية قاصر فلا يتوجه على حكمه لم ولا كيف ، كما لا يتوجه عليه في وجوده أين وحيث) اه. . وقال إمام الحرمين في (الارشاد) ص (61) : (ثم نقول : إن سميتم الباري تعالى جسما وأثبتم له حقائق الاجسام ، فقد تعرضتم لامرين : إما نقض دلالة حدث الجواهر ، فإن مبناها على قبولها للتأليف والمماسة والمباينة - أي الانفصال - وإما تطردوها وتقضوا بقيام دلالة الحدث في وجود الصانع ، وكلاهما خروج عن الدين ، وانسلال عن ربقة المسلمين) اه. . وقال الامام الحافظ البيهقي في (الاسماء والصفات) ص 410 : (والقديم سبحانه عال على عرشه لا قاعد ولا قائم ولا مماس ولا مباين عن العرش ، يريد به مباينة الذات التي هي بمعنى الاعتزال أو التباعد ، لان المماسة والمباينة التي هي ضدها والقيام والقعود من أوصاف الاجسام ، والله عز وجل أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فلا يجوز عليه ما يجوز على الاجسام تبارك وتعالى) اه.
(34) وانظر أيضا شرح الاحياء للزبيدي 10 / 181 . (*)
وقال الامام أبو المظفر الاسفراييني في التبصير (97 بتحقيق الامام الكوثري) : (وأن تعلم أن الحركة والسكون ، والذهاب والمجئ ، والكون في المكان ، والاجتماع والافتراق ، والقرب والبعد من طريق المسافة والاتصال والانفصال ، والحجم والجرم ، والجثة والصورة والحيز والمقدار والنواحي والاقطار والجوانب والجهات كلها لا تجوز عليه تعالى لان جميعها يوجب الحد والنهاية) اه. وقال الامام النووي في الروضة (10 / 64) ما نصه : (من اعتقد قدم العالم ، أو حدوث الصانع ، أو نفى ما هو ثابت للقديم بالاجماع ، أو حدوث الصانع ، أو نفى ما هو ثابت للقديم بالاجماع ، ككونه عالما قادرا ، أو أثبت ما هو منفي عنه بالاجماع كالالوان ، أو أثبت له الاتصال والانفصال كان كافرا) اه. وقال الامام المحدث ملا علي القاري في (شرح الفقة الاكبر) مشنعا على ابن أبي العز هذا ، شارح الطحاوية ومشوهها ما نصه (ص 172) : (والحاصل أن الشارح يقول بعلو المكان مع نفي التشبيه وتبع فيه طائفة من أهل البدع) . . الخ اه. فانظره . وقال العلامة القاري أيضا صحيفة 172 : (ومن الغريب أنه استدل على مذهبه الباطل برفع الايدي في الدعاء إلى السماء) اه. وقد عرضنا البعض اليسير مما في شرح الطحاوية من أخطاء مستشنعة مرفوضة في عقيدة الاسلام ، محذرين لطلاب العلم والمدرسين في شتى المجالات من تدريسها ودراستها وتقريرها على الطلاب وموافقة ما فيها من
الخطأ من باب قول النبي ص : (الدين النصيحة) وأرجو أن يعرف أهل العلم وطلابه ما هو المراد من توحيد الاسماء والصفات عند من يدعو إليه ، وأن المراد منه عند ، هؤلاء المتمسلفين ما رأينا من التجسيم وإقامة الوثنية التي حاربها الاسلام وجاء بهدمها .
وأن يدركوا ما كتبناه وقررناه من الادلة الواضحة في إبطال تقسيم التوحيد الى ربوبية وألوهية وليكن هذا آخر كتابنا (التنديد بمن عدد التوحيد) فنسأله سبحانه حسن الختام والحمد لله رب العالمين ، وكان الفراغ من تصنيف أصل هذه الرسالة غير ما ألحقته بها 5 / ربيع الاول / 1407 ه.
(*)
فرح كشف حقيقة قول من قال لا نصف الله الا بما وصف به نفسه ، ونثبت لله ما أثبت لنفسه إن ابن تيمية إمام هذه الطائفة ، يقول بهذا الكلام ويدعو الى توحيد الاسماء والصفات ثم نراه يثبت لله ما لم يثبته الله لنفسه ويصف الله بما لا يليق به سبحانه ، ويسير معه تلامذته وأتباعه على ذلك . نرى ابن تيمية يثبت لله الحركة والجلوس والاستقرار على ظهر بعوضة والحد و . . . . ، ويثبت لله سبحانه صفات بأحاديث موضوعة أو إسرائيليات من ذلك أنه أثبت أن الله سبحانه يتكلم بصوت يشبه صوت الرعد (19) بل يقول بجواز إطلاق أن الله جسم (20) ، بل يقول بأن التجسيم والتشبيه غير مذمومين ، لا في الكتاب ولا في السنة ، ولا عند السلف الصالح كما تقدم ، وهو غير صادق في ذلك ، فيقول في كتابه (بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية) (1 / 109) ما نصه :
(19) انظر كتابه موافقة صريح المعقول المطبوع على هامش منهاج السنة (2 / 151) . (20) منهاج السنة (1 / 180) والتأسيس (1 / 101) . (*)
(فاسم المشبهة ليس له ذكر بذم في الكتاب والسنة ولا كلام أحد من الصحابة والتابعين) . اه. ويقول في كتابه التأسيس (1 / 101) ما نصه : (وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا قول أحد من سلف الامة وأئمتها أنه ليس بجسم) . اه. ويقول في كتابه التأسيس ايضا (1 / 568) : (ولو قد شاء - الله - لاستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيته فكيف على عرش عظيم) . اه. ويثبت ابن تيمية في التأسيس والموافقة (2 / 29) : الحد لله تعالى والحد لمكان الله تعالى ، علما بأن لفظة (حد) لم ترد في الكتاب ولا في السنة ، فأين قوله : لا نصف الله الا بما وصف به نفسه ؟ ! بل يقول هناك في الموافقة (2 / 29) بكفر من لا يقول بالحد لله تعالى وهو بنظره جاحد بآيات الله كافر بالتنزيل فيقول ما نصه : (فهذا كله وما أشبهه شواهد ودلائل على الحد ، ومن لم يعترف به فقد كفر بتنزيل الله وجحد آيات الله) . اه. فالمسلمين جميعا الذين لا يعتقدون بعقيدته هذه التي لم ترد بالكتاب والسنة كفار بنظره ، حتى تلميذه الحافظ الذهبي الذي يقول في كتابه (ميزان الاعتدال) (3 / 507) إن الاشتغال بمسألة الحد اشتغال بفضول الكلام والذي يقول في (سير أعلام النبلاء) (16 / 27) : (وتعالى الله أن يحد أو يوصف إلا بما وصف به نفسه . . .) ، وكذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني الذي نفى الحد عن الله تعالى في (لسان الميزان) (5 / 114) يكون كافرا على قاعدة ابن تيمية هذه ! ! ومعاذ الله ، والمسلمون قبل ابن تيمية بقرون اتفقوا على تنزيه الله تعالى عن الحد ونقل ذلك الاتفاق جماعة من الائمة والعلماء ، قال الامام الاستاذ أبو منصور البغدادي الذي يعول على كلامه الحافظ ابن حجر وأمثاله من العلماء في كتابه (الفرق بين الفرق) (ص 332 بتحقيق محمد محي الدين عبد الحميد) ما نصه : (وقالوا - أي أهل السنة مجمعين - بنفي النهاية والحد عن صانع العالم . .) اه.
فمما قدمته ووضحته ودللت عليه يتضح ما هو توحيد الاسماء والصفات عند من يدعو إليه ، وأن ذلك مجرد الدعوة الى تجسيم الله تعالى وتشبيهه بخلقه ووصفه بما لم يصف به نفسه ، أو اطلاق بعض الالفاظ الواردة في الكتاب والسنة والتي لم يقصد منها أنها صفات على الله وحملها على أنها صفات حقيقية لله تعالى ، وإشاعة أن التأويل بدعة مذمومة وأن الاشاعرة وغيرهم فرق ضالة لانهم عطلوا صفات الله تعالى بزعمهم ، وكل ذلك باطل لا أصل له .
وتتميما للبحث لا بد من أن نتكلم عن أصل أكبر فرقة قديمة من فرق المجسمة هي الكرامية وبيان بعض آرائها في الصفات التي توافق ما يدعو إليه ابن تيمية وأتباعه ، وخصوصا أن ابن تيمية يثني عليها في منهاج السنة (1 / 181) ويعتبرها من أكابر نظار المسلمين (21) ، ثم نعرض نماذج من كتاب (شرح
(21) لا يقال عن شخص من نظار المسلمين إلا إذا كان صحيح العقيدة مستقيما غير مطعون فيه ، فإذا كان كذلك وكان مبرزا في التأليف والتصنيف قوي الحجة شجى في حلوق أعداء الاسلام والفرق الاسلامية الضالة فيقال عنه حينئذ إنه = (*)
= من نظار المسلمين ، وأجلب لك على هذا مثال واضح محسوس : ذكر الحافظ الذهي في ترجمة أبو محمد بن كلاب في (سير أعلام النبلاء) (11 / 175) ما نصه : (وقال بعض من لا يعلم : إنه ابتدع ما ابتدعه ليدس دين النصارى في ملتنا وإنه أرضى أخته بذلك ، وهذا باطل ، والرجل أقرب المتكلمين الى السنة ، بل هو في مناظريهم) اه. وقال المعلق على كلام الذهبي هذا في (سير أعلام النبلاء) (11 / 175) : (كان إمام أهل السنة في عصره ، وإليه مرجعها ، وقد وصفه إمام الحرمين ت 478 هفي كتابه (الارشاد) ص (119) : بأنه من أصحابنا .
وقال السبكي في (طبقاته) : أحد أئمة المتكلمين . وابن تيمية يمدحه في غير ما موضع في كتابه (منهاج السنة) وفي مجموعة رسائله ومسائله ، ويعده من حذاق المثبتة وأئمتهم ، ويرى أنه شارك الامام أحمد وغيره من أئمة السلف في الرد على مقالات الجهمية ، وحين تكلم أبو الحسن الاشعري في كتابه (مقالات الاسلاميين) 1 / 189 ، 299 عن أصحابه ، ذكر أنهم يقولون بأكثر مما ذكرناه عن أهل السنة) اهكلام المعلق . قلت : بل ذكر الحافظ أن الامام البخاري كان على مذهبه في علم الكلام حيث قال في الفتح (1 / 423) : (مع أن البخاري في جميع ما يورده من تفسير الغريب إنما ينقله عن أهل ذلك الفن كأبي عبيد والنضر بن شميل والفراء وغيرهم ، وأما المباحث الفقهية فغالبها مستمدة له من الشافعي وأبي عبيد وأمثالهما ، وأما المسائل الكلامية فأكثرها من الكرابيسي وابن كلاب ونحوهما) اه. ولنعد إلى ما بدأنا به ولنتذكر أن النظار أو نظار المسلمين هم أكابر العلماء المتخصصين في الرد على المبتدعة ، وهم : أهل التأمل وتقليب البصر والبصيرة وأهل التفحص في مسائل العلم ، وابن تيمية الحراني يعطي هذا اللقب للكرامية الجهلاء الذين أجمعت الامة على كفرهم كما نص على ذلك الامام البغدادي في كتابه (الفرق) (ص 215 بتحقيق محمد محي الدين) فيقول ابن تيمية في (منهاج سنته) (1 / 181) .
= (*) العقيدة الطحاوية) لابن أبي العز المنسوب للحنفية خطأ والحنفية منه براء ، لان ذلك الكتاب كتاب خطير يحوي على كثير من العقائد الفاسدة التي سأذكر بعضها إن شاء الله تعالى ، والذى ينبغي أن يحذره المدرسون وطلاب العلم ويعلموا بأن ابن أبي العز شارحها يرد على صاحب العقيدة الطحاوية الامام أبي جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى ، فأقول : إمام الكرامية الذين يثني عليهم ابن تيمية هو محمد بن كرام السجزي المجسم صاحب العقائد الوثنية المشهورة في كتب الفرق ، واليك نبذة عن هذا الامام المقتفى ! ! لتكون على بينة منه ومن ضلالات عقائده : قال الامام عبد القاهر البغدادي في أصول الدين ص (337) : (وأما جسمية خراسان من الكرامية فتكفيرهم واجب لقولهم : بأن الله تعالى له حد ونهاية من جهة السفل ومنها يماس عرشه ، ولقولهم : بأن الله تعالى محل للحوادث) . اه. وقال الامام البغدادي أيضا في الفرق بين الفرق (22) : (فصل في ذكر مقالات الكرامية ، وبيان أوصافها : الكرامية بخراسان ثلاثة أصناف ، وهذه الفرق الثلاث لا يكفر بعضها بعضا وإن أكفرها سائر
= (كما قال ذلك من قال من الكرامية وغيرهم من نظار المسلمين) اه. فكأنه يقول : كما قال ذلك من قال من الشافعية وغيرهم من فقهاء المسلمين ، فتأمل ! ! وهل يعتبر من نظار المسلمين من يقول : بأن الله له حد وأنه جسم جالس على العرش مماس له وأن الحوادث تقوم بذاته ؟ فتدبروا يا أولي الابصار ! (22) انظر كتاب (الفرق بين الفرق) لعبد القاهر البغدادي (ص 337) بتحقيق محمد محي الدين عبد الحميد . (*)
الفرق ، فلهذا عددناها فرقة واحدة ، وزعيمها المعروف محمد بن كرام . . وضلالات أتباعه . . نذكر منها المشهور ، الذي هو بالقبح مذكور ، فمنها : أن ابن كرام دعا أتباعه الى تجسيم معبوده ، وزعم أنه جسم له حد ونهاية من تحته والجهة التي منها يلاقي عرشه ، وقد ذكر ابن كرام في كتابه - أيضا - أن الله تعالى مماس لعرشه ، وأن العرش مكان له ، وأبدل أصحابه لفظة المماسة بلفظ الملاقاة منه للعرش . . واختلف أصحابه في معنى الاستواء المذكور في قوله تعالى : * (الرحمن على العرش استوى) * طه : 5 ، فمنهم من زعم : أن كل العرش مكان له ، وأنه لو خلق بإزاء العرش عروشا موازية لعرشه لصارت العروش كلها مكانا له ، ومنهم من قال : إنه لا يزيد على عرشه في جهة المماسة ، ولا يفضل منه شئ على العرش ، وزعم ابن كرام وأتباعه أن معبودهم محل للحوادث) اه. وقد نقل أيضا الشيخ علي القاري في شرح المشكاة (2 / 137) : إجماع السلف والخلف على أن من اعتقد أن الله تعالى في جهة فهو كافر كما صرح به العراقي وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأبو الحسن الاشعري والباقلاني . اهولا يخفى أن اعتقاد الجهة نوع من التجسيم . وقال الامام القرطبي في التذكار صحيفة (208) : ا (والصحيح القول بتكفيرهم - المجسمة - إذ لا فرق بينهم وبين عباد الاصنام والصور) اه. وجزم الامام النووي في المجموع (4 / 253) بتكفير المجسمة وهو مذهب الشافعي رحمه الله . وأما رد الامام أحمد رضى الله تعالى عنه على المجسمة والمشبهة فمنقول في (دفع شبه التشبيه) لابن الجوزي الحنبلي ، وكتاب (مرهم العلل المعضلة) لليافعي بتوسع . والامام الطحاوي الذي أرادوا أن يشوهوا عقيدته يقول في أولها : (اعتقاد أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن) وهؤلاء من أئمة السلف كما لا يخفى ثم قال فيها : (وتعالى الله عن الحدود والغايات والاركان والاعضاء والادوات ، لا تحويه الجهات الست كسائر المبدعات) اه(23) . أقول : وقد اتضح بهذا كله مذهب أهل السنة والجماعة واتضح أيضا حكمهم على أهل الزيغ من المشبهة والمجسمة ، وأن أصل التشبيه والتجسيم أسسه في هذه الامة ابن كرام السجستاني صاحب العقائد الزائغة ، وأن الامة أكفرته وكفرت من قال بمقالاته المنحرفة ، وأن من جملة مقالاته الكفرية : قوله بالحد في حق الله تعالى ، وقوله بالجسمية لله تعالى ، وأن الله تعالى يماس عرشه من جهة السفل لانه فوق العرش ، ويجدر التنبيه هنا على أن أهل السنة يقولون بأن الله تعالى فوق العرش لكن فوقية من جهة المعنى لا من جهة الحس (24) ، أي أن الله تعالى فوق خلقه فوقية قهر وربوبية على عبودية ، * (وهو القاهر فوق عباده) * الانعام : 61 ، وقد أجمع أهل السنة على تنزيه الباري سبحانه عن المكان كما هو معلوم ، لكن ابن كرام قال بالفوقية الحسية والمكانية ، فأكفره أهل السنة
(23) انظر شرح العقيدة الطحاوبة لابن أبي العز ، بتخريج الالباني ، وتوضيح الشاويش (ص 238) الطبعة الثامنة . (24) قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في الفتح 6 / 136 : (لان وصفه تعالى بالعلو من جهة المعنى ، والمستحيل كون ذلك من جهة الحس) اهفانظره . (*)
ومن تبعه على ذلك ، ثم قال : إن الله تعالى محل للحوادث ، أي جوز قيام الحوادث بذات الله سبحانه ، تعالى الله عن هذا الكفر الصريح * (سبحان ربك رب العزة عما يصفون) * ومرادنا من ذلك كله بيان ان أدعياء توحيد الاسماء والصفات قائلون بذلك ومنهم فضيلة العلامة ابن أبى العز صاحب شرح الطحاوية ، وإليك إثبات ذلك :
1 - أما قول شارح الطحاوية المشار إليه بحوادث لا أول لها ، أو بقدم نوع الحوادث والمخلوقات ففي صحيفة (129 من الطبعة الثامنة) : (فالحاصل أن نوع الحوادث هل يمكن دوامها في المستقبل والماضي أم لا ؟ أو في المستقبل فقط ؟ أو الماضي فقط ؟ فيه ثلاثة أقوال معروفة لاهل النظر من المسلمين وغيرهم : أضعفها قول من يقول : لا يمكن دوامها لا في الماضي ولا في المستقبل ، كقول جهم بن صفوان وأبي الهذيل العلاف .
وثانيها قول من يقول : يمكن دوامها في المستقبل دون الماضي ، كقول كثير من أهل الكلام ومن وافقهم من الفقهاء وغيرهم .
والثالث : قول من يقول : يمكن دوامها في الماضي والمستقبل كما يقوله أئمة الحديث) اه. فانظر كيف نسب الكفر الصريح الى أهل الحديث فقال إنهم يقولون إن الحوادث وهي المخلوقات يمكن أن تكون دائمة في الماضي ، معناه قديمة النوع حادثة الافراد وأهل الحديث برآء من ذلك بلا شك ، وقد نص القرآن الكريم على بطلان ذلك في آيات كثيرة كما لا يخفى ، وكذا السنة المطهرة نص فيها سيدنا رسول الله ص على بطلان ذلك ، ففي البخاري : (كان الله ولم يكن شئ غيره) (25) وأجمعت الامة على أن الحوادث قبل حدوثها لم تكن أشياء ولا أعيان ، كما نقل ذلك الاستاذ أبو منصور البغدادي في الفرق (26) وقال الاستاذ أبو منصور أيضا : (وقد زعم البصريون من القدرية أن الجواهر والاعراض كانت قبل حدوثها جواهر وأعراضا ، وقول هؤلاء يؤدي الى القول بقدم العالم ، والقول الذي يؤدي الى الكفر كفر في نفسه) اهيعني أن القول بقدم الحوادث لا شك أنه كفر . وكذلك نص على هذا الاجماع المؤيد بقول الله تعالى * (هو الاول) * ابن حزم في كتابه مراتب الاجماع ، حيث قال في آخره : (باب من الاجماع في الاعتقادات ، يكفر من خالفه بإجماع : اتفقوا أن الله عزوجل وحده لا شريك له خالق كل شئ غيره ، وأنه تعالى لم يزل وحده ولا شئ غيره معه ، ثم خلق الاشياء كلها كما شاء ، وأن النفس مخلوقة ، والعرش مخلوق ، والعالم كله مخلوق) اه(27) .
ثم بعد هذا كله أحكم على ابن أبي العز المنسوب لاهل الاثبات ولاهل الحديث غلطا ولمن تبعه وقال بمقالته ونشر كتابه بين العامة وخرج أحاديثه مادحا كتابه بما تراه مناسبا ، ولا سيما إذا عرفت أيضا أنه قال صحيفة 133 من
(25) انظر فتح الباري (13 / 410) . (26) انظر الفرق بين الفرق (ص 332) وانظر أيضا : (ص 328) . (27) انظر مراتب الاجماع المطبوع مع نقد مراتب الاجماع (ص 167) . (*)
شرح الطحاوية الطبعة الثامنة بتخريج الالباني وتوضيح الشاويش : (والقول بان الحوادث لها أول ، يلزم منه التعطيل قبل ذلك وأن الله سبحانه وتعالى لم يزل غير فاعل ثم صار فاعلا) اه. نعوذ بالله تعالى من هذا الهذيان ما أشنعه ، ومن هذا الرجل ما أجرأه ، وكيف يشنع على المتكلمين ثم يأتي بأصول الشناعات ! ! ! . ثم هو رد صريح الكتاب والسنة والاجماع ، وتأول لذلك بالباطل كما ترى ، فأين ذهب ذمه للتأويل وللمتكلمين ولعلم الكلام الذي تشدق به أول ما يقرب من عشرين صحيفة من كتابه وحيثما سنحت الفرص ، لكن كما قالوا : رمتني بدائها وانسلت . ثم انظر الى قوله صحيفة (135) من الطبعة الثامنة مبرهنا على حوادث لا أول لها ، رادا رواية (كان الله ولم يكن شئ معه) ورواية (ولم يكن شئ غيره) مثبتا رواية (ولم يكن شئ قبله) ليستدل بها على حوادث لا أول لها حيث قال : (وقد أجابهم النبي ص - أي الاشعريين - عن بدء هذا العالم الموجود لا عن جنس المخلوقات ، لانهم لم يسألوه عنه) اهيعني أنه قبل هذا العالم الموجود الان كان هناك عالم آخر ، يعني أن العالم قديم النوع أزلي ، حادث الافراد ، وهى مقالة متأخري الفلاسفة ، وقد قال العلماء سابقا : بثلاثة كفر الفلاسفة العدا في نفيها وهى حقيقا مثبته علم بجزئي حدوث عوالم حشر لاجساد وكانت ميته ونكتفي بهذا القدر الذي ذكرناه من الكلام على نقطة حوادث لا أول لها ، ولنعرض أمرا آخر من تلك الطامات فنقول :
2 - قال ابن أبي العز في شرحه مثبتا أن كلام الله تعالى حروف وأصوات ، وأن الله تعالى يتكلم إذا شاء ويسكت متى شاء وهو المفهوم من كلام فضيلة الشارح ، ومن اللازم القريب لكلامه (28) : (إن الله تعالى لم يزل متكلما إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء ، وهو يتكلم به بصوت يسمع ، وأن نوع الكلام قديم وإن لم يكن الصوت المعين قديما ، وهذا المأثور عن أئمة الحديث والسنة) اه(29) وفى هذا الكلام الخطير والفلسفة الزائدة في الخوض في ذات الله تعالى وصفاته التي يذم بها هؤلاء علماء الكلام ، إثبات قيام الحوادث بذات الله تعالى عما يقولون ، وقد تقرر عند أهل العلم أن ما قام به الحادث فهو حادث ، وقد كفرت علماء الاسلام الكرامية لامور منها هذا القول كما نقلناه فيما مضى أول هذه العجالة ، وقد أثبت ذلك ابن أبي العز وحاول الدفاع عنه ، فقال صحيفة 177 منها : (فإذا قالوا لنا : فهذا يلزم أن تكون الحوادث قامت به ، قلنا : هذا القول مجمل ، ومن أنكر قبلكم قيام الحوادث بهذا المعنى به تعالى من الائمة ؟ ونصوص القرآن والسنة تتضمن ذلك ، ونصوص الائمة أيضا مع صريح العقل) . اهويكفي في رد ذلك عرضه للقارئ (30) .
(28) بل صرح بذلك - أي بصفة السكوت - ابن تيمية إمامه ، أنظر الموافقة على هامش منهاجه (2 / 38) . (29) انظر شرح الطحاوية (ص 169) واعلم أن أئمة الحديث والسنة براء من هذا كالذي قبله ، وهو رميهم وتهمتهم بأنهم يقولون بحوادث لا أول لها . (30) علما بأن هذا النص منقول من منهاج السنة (1 / 224) فشرح العقيدة الطحاوية هي تلخيص ل(منهاج السنة) ول(موافقة مريح المعقول) للشيخ الحراني ! ! ولذلك يركزون عليها ويحرصون على نشرها ! ! (*)
واستدل لهذه العقيدة الفاسدة بحديث موضوع فقال صحيفة (170) : (قال رسول الله ص : (بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع نور ، فرفعوا أبصارهم ، فإذا الرب جل جلاله قد اشرف عليهم من فوقهم ، فقال : السلام عليكم يا أهل الجنة ، وهو قول الله تعالى : * (سلام قولا من رب رحيم) * فلا يلتفتون إلى شئ مما هم فيه من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم ، وتبقى بركته ونوره) رواه ابن ماجه) اه. قلت : في إسناده أبو عاصم العباداني واسمه عبد الله بن عبيد الله ، قال عنه الذهبي في الميزان 2 / 458 / 4437 : (واه) . وهو واعظ زاهد إلا أنه قدري اه. وقال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (3 / 314) : (وأورد له العقيلي عن روايته عن الفضل الرقاشي عن ابن المنكدر عن جابر : (بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع نور) الحديث ، وقال لا يتابع عليه ولا يعرف الا به) اه، وانظر الضعفاء الكبير للعقيلي (2 / 274) ، وأما الفضل الرقاشي الذي يروي عنه أبو عاصم فهو منكر الحديث كما قال الحافظ في التقريب : (برقم 5413) ، وفي الكامل في الضعفاء لابن عدي (6 / 2039) : (قال البخاري عن ابن عيينه ليس أهلا أن يروى عنه) اه، ولذلك أورد هذا الحديث ابن الجوزي في الموضوعات وقال : (الفضل رجل سوء) اه، فانظر كيف استدل ابن أبي العز على عقيدته بهذا الحديث والله تعالى المستعان ، ولم أذكر جميع بلياته في هذا الباب وإنما أشرت إلى بعضها وإن سنح الوقت مستقبلا سأذكرها جميعا وأرد عليها إن شاء سبحانه ، وفيما ذكرنا الان كفاية .
3 - قال ابن أبي العز مثبتا الحد لذات الله سبحانه وتعالى عن هذا الهذيان صحيفة (219) ما نصه : (فالحد بهذا المعنى لا يجوز أن يكون فيه منازعة في الامر أصلا ، فإنه ليس وراء نفيه إلا نفي وجود الرب ونفي حقيقته (31) اه. فإنه بهذه العبارة أثبت الحد لذات الله تعالى ، فقال بما قال أهل الزيغ من قبل : (من نفى الحد عن الله تعالى أخبر بعدم الرب سبحانه) ، وهؤلاء الاصل عندهم الجسمية ، فلما تخيلوا أن المولى سبحانه عما يتخيلون جسما أجروا عليه أحكام الاجسام ، فالجسم متى لم يكن له حد كان عدما وكذلك تخيلوا الباري سبحانه . وقولهم لاهل السنة : (إنكم إذا نفيتم الحد ساويتم ربكم بالشئ المعدوم) ، تكفل برده الحافظ ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان (5 / 114) حيث بين أن قول المجسمة هذا قول نازل ساقط لا عبرة به فقال : (وقوله (قال له النافي ساويت ربك بالشئ المعدوم إذ المعدوم لا حد له) نازل ، فإنا لا نسلم أن القول بعدم الحد يفضي إلى مساواته بالمعدوم بعد تحقق وجوده) اه. وقدمنا في أول هذه الرسالة تكفير الامة للمجسمة ولابن كرام في قوله
(31) علما بأن الطحاوي في المتن يقول : (وتعالى عن الحدود والغايات) والالباني يحاول أن يشكك في كلام الطحاوي هذا في تعليقاته على الطحاوية ص (29) نقلا عن ابن مانع فيقول بأنه لا يستبعد أن يكون هذا مدسوسا على الطحاوي . وهذا تشكيك فارغ باطل لا التفات إليه ، وإذا كان هذا حقا فمتن الطحاوية وشرحه لا يستبعد أيضا أن يكون بجملته مدسوسا من أعداء الاسلام . . الخ . (*)
بالحد ، وقال الامام أبو منصور البغدادي في كتابه الفرق 332 : (إن أهل السنة اتفقوا على نفي النهاية والحد عن صانع العالم خلافا للهشامية والكرامية المجسمة) اه. وكلام ابن أبي العز قبل العبارة التي نقلناها وبعدها كله تمويه على الناس لترويج بضاعته وإقناع المغفلين بها ، فهو تارة يكذب على الامام عبد الله بن المبارك : فينقل عنه زورا أنه قال بالحد ، ولو قال به فهو مردود عليه (32) ، لان الكفر كفر كائنا من كان الناطق به والزيغ زيغ كائنا ما كان مصدره ، وليس في الاسلام دين يختلف باختلاف الاشخاص فالايمان إيمان مطلقا والكفر كفر مطلقا ، فما جاء في الكتاب والسنة ثبوته مجملا أو مفصلا أثبتناه وما نفاه الكتاب أو السنة مجملا أو مفصلا نفيناه ، والمعصوم هو السنة والاجماع كما هو مقرر عند أهل السنة ، وتارة ينفي ابن أبي العز الحد ، محتجا بأن للحد معاني كثيرة ، كقوله (ص 219) : (وأما الحد بمعنى العلم والقول ، وهو أن يحده العباد ، فهذا منتف بلا منازعة بين أهل السنة) اه. فانظر إلى هذا الروغان ما أشنعه وأقبحه ، فلم هذا التخبط وهذه الفلسفة التي لا معنى لها ؟ ! لا شك أن ذلك كله لقلب الحقائق ، ولترويج عقيدة الزيغ وإقناع الناس بها ، وأهل السنة والجماعة عندما أجمعوا على نفي الحد عن الباري سبحانه وأكفروا من قال به لم يقل أحد منهم من أثبت الحد بمعنى كذا جاز ، ومن أثبته بمعنى كذا لم يجز ، وإنما قالوا : (وأما جسمية
(32) أو هو مؤول كما ذكره البيهقي في الاسماء والصفات ص 427 بتحقيق الامام المحدث الكوثري اه. وقد بينت ذلك بوضوح في رسالتي (التنبيه والرد على معتقد قدم العالم والحد) . (*)
خراسان من الكرامية فتكفيرهم واجب ، لقولهم بأن الله تعالى له حد ونهاية . .) الخ كما قدمناه أول هذه الرسالة فانظره . 4 - وأما مسألة الجهة فابن أبي العز ممن يقول بها ويقاتل من أجلها قتال مستميت ، فانظر إلى الروغان حيث قال صحيفة (221) من شرح الطحاوية : (وأما لفظ الجهة ، فقد يراد به ما هو موجود ، وقد يراد به ما هو معدوم ، ومن المعلوم أنه لا موجود إلا الخالق والمخلوق) اه. فانظر كيف قاس الخالق على المخلوق ، ومعنى كلامه : أي كما أن المخلوق في جهة فكذا الخالق في جهة بجامع الوجود لكل منهما ، ولا شك أن هذا قياس وثني فاسد قطعا . ثم قال ابن أبي العز في نفس الصحيفة ما نصه : (وإن أريد بالجهة أمر عدمي ، وهو ما فوق العالم ، فليس هناك إلا الله وحده ، فإذا قيل إنه في جهة بهذا الاعتبار فهو صحيح) اه. فقد قرر بأن الله تعالى في جهة ما فوق العالم ، وهذا المكان الذي عينه للمولى سبحانه وتعالى عن هذيانه ، سماه بالمكان العدمي أو بالامر العدمي ، وإني استغرب جدا كيف يكون لمعبوده مكان يشار إليه بالاصبع كما جاء في حديث الجارية الذي يتشدقون به ثم كيف يكون هذا المكان عدما ؟ وهل يشار للعدم ؟ ! .
ولا يخفاك أخي المؤمن أن أهل السنة أجمعوا على تنزيه الله تعالى عن المكان لدلالة الكتاب والسنة المصرحة بذلك . وقد نص ابن أبي العز في سلسلة أغلاطه أيضا زيادة في نغمة طنبوره في رأس صحيفة (221) : أن الجهات لا نهاية لها . اهومعنى ذلك أنه لا حد لها ، فجعل للخالق حدا ونزه المخلوق عن الحد فسبحان قاسم العقول الوهاب ! ! مع أن أهل السنة كما قال الامام البغدادي في الفرق ص (330) : (أجمعوا على أن الارض متناهية الاطراف من الجهات كلها ، وكذلك السماء متناهية الاقطار من الجهات الست ، خلاف قول الدهرية) اه. ثم اعترض ! ! ! على الامام الطحاوي في تنزيهه الله تعالى عن الجهات فقال (ص 221) : (لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات ، هو حق ، باعتبار انه لا يحيط به شئ من مخلوقاته) اه. فأول كلام الشيخ حسب مراده ، لينفي أن الشيخ الطحاوي يقول بهذا ! ! فاعترض عليه لينفي ما تبقى من احتمال ذلك على زعمه فقال في نفس الصحيفة : (لكن بقي في كلامه شيئان أحدهما : إن إطلاق مثل هذا اللفظ مع ما فيه من الاجمال والاحتمال كان تركه أولى ، وإلا تسلط عليه وألزم بالتناقض في إثبات الاحاطة والفوقية ونفي جهة العلو) اه! ! واليك بعض عقائد الكرامية أيضا المندرجة في كلام ابن أبى العز في شرح الطحاوية : 5 - قال صحيفة (282) : (فكيف يستبعد العقل مع ذلك أنه يدنو سبحانه من بعض أجزاء العالم وهو على عرشه فوق سمواته ؟ أو يدني إليه من يشاء خلقه ؟ فمن نفى ذلك لم يقدره حق قدره) اه.
6 - قوله صحيفة (286) : (الثاني عشر : التصريح بنزوله كل ليلة إلى السماء الدنيا ، والنزول المعقول عند جميع الامم إنما يكون من علو إلى سفل ، الثالث عشر : الاشارة إليه حسا الى العلو ، كما أشار إليه من هو أعلم بربه) اه. وذكر قبل ذلك وبعده أدلة بزعمه دالة على هذا العلو الحسي ، والمعبر عنه أحيانا بفوق وبذاته وبجهة السماء . . الخ . ولا أدري أين ذهب بقول الله تعالى : * (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعاني) * البقرة : 186 ، وبقوله تعالى : * (ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون) * الواقعة : 85 ، وقوله : * (وهو معكم أين ما كنتم) * الحديد : 4 ، وقوله : * (وهو الله في السموات والارض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون) * الانعام : 3 ، وقوله : * (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) * ق : 16 ، وغير ذلك من الايات (33) ، ومن الحديث قوله ص : (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) رواه مسلم (1 / 350) ، وقوله أيضا : (اللهم أنت الصاحب في السفر وأنت الخليفة في الاهل) رواه الترمذي (5 / 497) وقال : حديث حسن صحيح اهوغير ذلك من الاحاديث الصحيحة . وإذا كان يؤول هذه النصوص الموهمة للحلول فما أجدره أيضا أن يؤول تلك النصوص الموهمة للتجسيم وتشبيه الله تعالى بخلقه ، عند المغفلين الذين
(33) وإذا كانت تلك الايات التي أوردها قرآنا وهذه الايات أيضا قرآنا فما الذي أوجب اعتقاد ظاهر تلك دون هذه ؟ ! (*)
لا يعرفون أصول عقيدة الاسلام التي منها تنزيه الله سبحانه عن مشابهة خلقه ، المعبر عنها بقول العلماء : كل ما خطر ببالك فالله تعالى بخلاف ذلك ، المأخوذ من قوله سبحانه : * (ليس كمثله شئ) * الشورى : 11 ، ومن قوله : * (ولم يكن له كفوا أحد) * الاخلاص : 4 ، ومن قوله : * (أفمن يخلق كمن لا يخلق) * النحل : 17 .
7 - والقول بالجهة والفوقية الحسية يفضي إلى القول بأنه خارج العالم على العرش بذاته كما يقول أهل التجسيم ، أو داخل العالم في السماء حسا لا معنى كما يقول الحلوليون وكلا القولين باطل ، فقد أجمع أهل السنة على أن الله تعالى منزه عن المكان يعني أنه لا تعين له جهة كالمخلوق فيقال إنه مستقر فيها وحال بها فقول الحلولية : إنه في كل مكان باطل ، وقول المجسمة : إنه فوق العالم خارج عنه فوق العرش باطل أيضا ، لان هذا يلزم منه وصفه سبحانه بالاتصال أو الانفصال ووصفه بأنه خارج أو داخل العالم ، وكل ذلك باطل لانهم بنوا ذلك على ما أصلوه وهو الجسمية ، فوصفوه بأنه خارج العالم ، لتثبيت عقيدة الزيغ واقناع الناس بها ولذلك صرح أهل السنة والجماعة بان الله سبحانه لا يوصف بأنه خارج العالم ولا داخله لان هذا نوع من إدراك الخالق والله سبحانه لا يحيط به أو يدركه أحد من خلقه ، وهؤلاء يريدون أن يدركوه وأن يعينوا له مكانا ف* (سبحان ربك رب العزة عما يصفون) * لذلك قال ابن أبى العز في شرحه (ص 222) : (ولا نظن بالشيخ - يعني الطحاوي - رحمه الله أنه ممن يقول إن الله تعالى ليس داخل العالم ولا خارجه بنفي التعيينين) اه. واليك بعض أقوال علماء الاسلام في ذلك :
. ق
ال الامام الغزالي رحمه الله تعالى : (الله تعالى مقدس عن المكان ، ومنزه عن الاقطار والجهات ، وأنه ليس داخل العالم ولا خارجه ، ولا هو متصل بالعالم ولا هو منفصل عنه ، قد حير عقول أقوام حتى أنكروه إذ لم يطيقوا سماعه ومعرفته) اهالاحياء (4 / 434) (34) . . وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري) (1 / 220 - 221) : (فإن إدراك العقول لاسرار الربوبية قاصر فلا يتوجه على حكمه لم ولا كيف ، كما لا يتوجه عليه في وجوده أين وحيث) اه. . وقال إمام الحرمين في (الارشاد) ص (61) : (ثم نقول : إن سميتم الباري تعالى جسما وأثبتم له حقائق الاجسام ، فقد تعرضتم لامرين : إما نقض دلالة حدث الجواهر ، فإن مبناها على قبولها للتأليف والمماسة والمباينة - أي الانفصال - وإما تطردوها وتقضوا بقيام دلالة الحدث في وجود الصانع ، وكلاهما خروج عن الدين ، وانسلال عن ربقة المسلمين) اه. . وقال الامام الحافظ البيهقي في (الاسماء والصفات) ص 410 : (والقديم سبحانه عال على عرشه لا قاعد ولا قائم ولا مماس ولا مباين عن العرش ، يريد به مباينة الذات التي هي بمعنى الاعتزال أو التباعد ، لان المماسة والمباينة التي هي ضدها والقيام والقعود من أوصاف الاجسام ، والله عز وجل أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فلا يجوز عليه ما يجوز على الاجسام تبارك وتعالى) اه.
(34) وانظر أيضا شرح الاحياء للزبيدي 10 / 181 . (*)
وقال الامام أبو المظفر الاسفراييني في التبصير (97 بتحقيق الامام الكوثري) : (وأن تعلم أن الحركة والسكون ، والذهاب والمجئ ، والكون في المكان ، والاجتماع والافتراق ، والقرب والبعد من طريق المسافة والاتصال والانفصال ، والحجم والجرم ، والجثة والصورة والحيز والمقدار والنواحي والاقطار والجوانب والجهات كلها لا تجوز عليه تعالى لان جميعها يوجب الحد والنهاية) اه. وقال الامام النووي في الروضة (10 / 64) ما نصه : (من اعتقد قدم العالم ، أو حدوث الصانع ، أو نفى ما هو ثابت للقديم بالاجماع ، أو حدوث الصانع ، أو نفى ما هو ثابت للقديم بالاجماع ، ككونه عالما قادرا ، أو أثبت ما هو منفي عنه بالاجماع كالالوان ، أو أثبت له الاتصال والانفصال كان كافرا) اه. وقال الامام المحدث ملا علي القاري في (شرح الفقة الاكبر) مشنعا على ابن أبي العز هذا ، شارح الطحاوية ومشوهها ما نصه (ص 172) : (والحاصل أن الشارح يقول بعلو المكان مع نفي التشبيه وتبع فيه طائفة من أهل البدع) . . الخ اه. فانظره . وقال العلامة القاري أيضا صحيفة 172 : (ومن الغريب أنه استدل على مذهبه الباطل برفع الايدي في الدعاء إلى السماء) اه. وقد عرضنا البعض اليسير مما في شرح الطحاوية من أخطاء مستشنعة مرفوضة في عقيدة الاسلام ، محذرين لطلاب العلم والمدرسين في شتى المجالات من تدريسها ودراستها وتقريرها على الطلاب وموافقة ما فيها من
الخطأ من باب قول النبي ص : (الدين النصيحة) وأرجو أن يعرف أهل العلم وطلابه ما هو المراد من توحيد الاسماء والصفات عند من يدعو إليه ، وأن المراد منه عند ، هؤلاء المتمسلفين ما رأينا من التجسيم وإقامة الوثنية التي حاربها الاسلام وجاء بهدمها .
وأن يدركوا ما كتبناه وقررناه من الادلة الواضحة في إبطال تقسيم التوحيد الى ربوبية وألوهية وليكن هذا آخر كتابنا (التنديد بمن عدد التوحيد) فنسأله سبحانه حسن الختام والحمد لله رب العالمين ، وكان الفراغ من تصنيف أصل هذه الرسالة غير ما ألحقته بها 5 / ربيع الاول / 1407 ه.
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
رد: التنديد بمن عدد التوحيد
جزاكم الله خيرا أستاذنا
لنا عودة للقراءة المتأنية
ولمزيد من التوضيح والتعليقات يرجى النظر فى هذا الرابط
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
لنا عودة للقراءة المتأنية
ولمزيد من التوضيح والتعليقات يرجى النظر فى هذا الرابط
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت
هانى الإخوانى- المراقب العام
-
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
عدد المساهمات : 1177
نقاط : 6704
السٌّمعَة : 17
العمر : 41
العمل/الترفيه :
شبكة واحة العلوم الثقافية :: الساحات العلمية والثقافية والحوارية :: ساحة الفقه والعلوم والحوارات الشرعية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى