شبكة واحة العلوم الثقافية
أسعدتنا زيارتك و أضاءت الدنيا بوجودك

أهلا بك فى شبكة واحة العلوم الثقافية

يسعدنا تواجدك معنا يدا بيد و قلبا بقلب

لنسبح معا فى سماء الإبداع

ننتظر دخولك الآن

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

شبكة واحة العلوم الثقافية
أسعدتنا زيارتك و أضاءت الدنيا بوجودك

أهلا بك فى شبكة واحة العلوم الثقافية

يسعدنا تواجدك معنا يدا بيد و قلبا بقلب

لنسبح معا فى سماء الإبداع

ننتظر دخولك الآن
شبكة واحة العلوم الثقافية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

1.جواهر المعاني في حديث الولي :

اذهب الى الأسفل

1.جواهر المعاني في حديث الولي :  Empty 1.جواهر المعاني في حديث الولي :

مُساهمة من طرف عمرالحسني الجمعة أبريل 01, 2011 3:28 am

1.جواهر المعاني في حديث الولي :

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد و على آله و صحبه ، وبعد
نستانس هنا بفصول اوردها الشيخ عبد السلام ياسين عن بعض سلوك بعض الأولياء في كتابه التربوي الأحسان
1.سلوك الإمام الصادق
بسم الله الرحمن الرحيم. )أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون(. اللهم هذا الدعاء، وعليك الاستجابة، وهذا الجُهد، وعليك التُّكلان.
في هذا الفصل أورِدُ نماذج من الوصايا والتوجيهات السلوكية لبعض أئمة الطريق. أبدأُها بوصية للإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام علي زين العابدين بن الإمام الشهيد الحسين بن الإمام أمير المومنين علي. رضي الله عن السيدة فاطمة البتول وعن آل البيت المطهرين تطهيرا بإرادة خاصة وعناية مخصوصة من رب العزة جل وعلا.
إن كان في المسلمين أولياءُ فعليٌّ والأئمة الأطهار من ذريته بعد أبي بكر وعمر، ورضي الله عن أمير المومنين عثمان ثالث الخلفاء الراشدين. وواجبُ كل تقي ولي من أمة المصطفى جد الشرفاء أن يحب آل البيت عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: "أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي". رواه الترمذي والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنه وصححه السيوطي. ولقوله عليه الصلاة والسلام: "إني تارك فيكم ثَقَلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، من استمسك وأخذ به كان على الهدى، ومن أخطأ ضل. فخذوا بكتاب الله تعالى واستمسكوا به. وأهلَ بيتي. أُذَكِّرُكم الله في أهل بيتي! أُذَكِّرُكُمُ الله في أهل بيتي!" عزاه السيوطي في الجامع الصغير للإمام أحمد وعبد بن حميد ومسلم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه.
ومن بعد وصية رسول الله رحمة العالمين وتذكيره الله إيانا في أهل بيته نلتفت فنجد الأمر القرآني بوحدة الأمة، فيتعين علينا أن نلتمس جسورا لِلَمِّ شَعَثِ المسلمين من شيعة وسنة. وليس من جسر أشرف ولا أطهر ولا أمتن من محبة آل البيت والوفاء لآل البيت، السلام على آل البيت ورحمة الله تعالى وبركاته.
ما يرجح ميزان العبد المتقرب إلى الله عز وجل الموالي لأوليائه المعادي لأعدائه إن لم يكمِّل سلوكه بالسعي الجاد في ترجيح وحدة الأمة على شتاتها وترجيح جمعها على فرقتها. أهل السنة والجماعة طوائف منهم من يُسيء الظن بكل ما سُمِّيَ شيعة ويُفيض كراهيته على الصوفية لِمَا عَرَفَ من حب الأولياء الشديد لآل البيت. وإنك لتقرأ المطوَّلات من الكتب في صلة التشيع بالتصوف وصلتهما بالباطنية. وما هو إلا خَرْصٌ ورَهْصٌ.
ولئن كان ينتسب إلى الشيعة روافضُ، قاتلهم الله، يكرهون أبا بكر وعمر، ويفشو في عوام الشيعة داء التطرف الرفضيِّ الوبيل فليس الذنب ذنب الأئمة من آل البيت، حاشاهم. ولئن كان في علوم الشيعة ورواياتهم تقلُّص فمرجع ذلك إلى الإرهاب الأموي والعباسي الذي لاحق الأئمة المطهرين فاندسَّ شيعتهم بانفعال يفسره الاضطهاد، ويفسر هو نفورَهم من علومنا معشر أهل السنة والجماعة، الواسعة الكاملة.
هذا الإمام جعفر الصادق رأس المذهب الفقهي الجعفري الذي يعتمده الشيعة الإمامية كان علما مشارا إليه في الأمة، روى عنه أبو حنيفة في مسنده كما روى عن أبيه الإمام الباقر وتتلمذ لعمه الإمام زيد بن علي رأس المذهب الزيدي. كما تتلمذ لعبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط.
ولَنِعْمَ الشاهد بين أهل السنة والشيعة الإمام الأكبر أبو حنيفة الذي والى آل البيت وساندهم في قوماتهم على بني أمية وبني العباس. ساند الإمام زيدا في قومته، وساند محمدا النفس الزكية وأخاه إبراهيم في قومتهما حتى قال وقد سئل عن الجهاد مع النفس الزكية: "خروجه يُضاهي خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر"[1].
وما يزال أئمة الصوفية يحفظون عهد النبي صلى الله عليه وسلم في آل البيت ويعظمون الأئمة منهم تعظيما. قال الرفاعي: "إذا وعظتم الناس فإياكم والتصريح، وخذوا بالتلويح، فإن هناكَ رائحة السنة وشمَّةَ النفحة النبوية. وبها والله يُصلح الله القلوب"[2].
قلت: نهى معاصريه عن التصريح بلواعج حب آل البيت وفجائع التنكيل بآل البيت تَحَسُّباً للاضطهاد المستمر الذي مارسه ملوك بني العباس على آل البيت. ومع ذلك صرح رضي الله عنه فقال : «الحسين عليه السلام طلبَتْ بشريَّتُه حقها الشرعي الذي لا نزاعَ فيه، فغارت الربوبية، فرفعت روحه إلى مقعد صدق(...) فكانت شهادة الإمام رِفْعَةً له، وكان ظفَرُ أعداء الله خزيا لهم".
ونجد عند الإمام أحمد السرهندي حملاتٍ شعواء على الشيعه، وإشادَةً بمقام الخلفاء الراشدين قبل علي رضي الله عنهم أجمعين. ثم نجد عنده في آخر مكتوباته إخبارا فريدا من كشفه الخاص. يعطينا هذا الإخبار الكشفي جسرا إضافيا إلى جانب فَرْض حب آل البيت وفرض توحيد الأمة. وعلوم الكشف تسلَّم لصاحبها المعروف بالصدق ولا تكون شرعا لأحد.
فنستأنس بكشف الشيخ السرهندي حين كتب أن سلسلة السلوك الصوفي تبتدئ من أب الأشراف الإمام علي وتمتد عبر الأئمة من آل البيت إلى أن تنتهي إلى الشيخ عبد القادر الذي يَعتبره عُمْدَةَ الأولياء ويَعْسُوبهم، حتى إنه لا يعتبر نفسه إلا "نائباً مناب حضرة الشيخ قدس الله سره(...) كما قالوا: إن نور القمر مستفادٌ من نور الشمس"[3].
هذا الإمام العظيم عبد القادر أجمعت الأمة على توقيره، وشهد الكل بجلالة قدره: الصوفية والمحدثون الحنابلة، ابن تيمية ومن قبله وبعده، ثم هذا كشف محيي السنة أحمد السرهندي يربطه ربطا وثيقا بأئمة آل البيت. ومن آل البيت كان أئمة التربية مثل الشيخ عبد القادر والشيخ الرفاعي والشيخ أبو الحسن الشاذلي وكثير غيرهم. فالمرجو من الله جل شأنه أن ينفع الأمة بشمة نبوية ببركته على محمد وآل محمد حتى تتوحد الأمة على سنة محمد متجاوزة عصور الكدر والطائِفية. صلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
جاء الإمام جعفر الصادق زائرا المدينة المنورة في بعض تحركات آل البيت المراقبة فتوسل إلى لقائه رجل يُسمَّى عنوان كان من حلقة إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه. سأل الإمام زائره عن حاجته فقال: "سألت الله أن يُعَطِّفَ عليَّ قلبك ويرزُقَني من علمك". قال الإمام: "يا أبا عبد الله! ليس العلم بالتعلم، وإنما هو نور يقع في قلب من يريد الله تعالى أن يهديه".
قلت: يقصد الإمام علومَ الأولياء التي آلتُها القلب، لا علوم الرواية والدراية التي لا بد فيها من تعليم وتعلم ودراسة.
قال الإمام: "فإن أردت العلم فاطلب في نفسك أولا حقيقة العبودية. واطلب العلم باستعماله. واستفهم الله يُفهمك". قال المسترشد: وما العبودية؟ قال الإمام: "ثلاثة أشياء: أن لا يَرَى العبدُ لنفسه فيما خَوَّلَهُ اللهُ مِلْكاً، لأن العبيدَ لا يكون لهم مِلْكٌ. يرَوْن المالَ مالَ الله، يضعونه حيث أمرهم الله. ولا يدبر العبد لنفسه تدبيراً".
قلت: المقصود أن العبدَ الموفق لا يختار مع القدر الغالب شيئا بعد أن يتخذ كل الوسائل الشرعية للمقاصد الشرعية.
قال الإمام: "ويجعل اشتغاله فيما أمره الله به ونهاه عنه".
قال: "فإذا لم ير العبد لنفسه فيما خوَّله الله مِلكا هان عليه الإنفاق فيما أمره أن يُنفِق فيه. وإذا فوض العبد تدبير نفسه إلى مدبِّره هانت عليه مصائب الدنيا، وإذا اشتغل العبد بما أمره الله ونهاه لا يتفرغ إلى المِراء والمباهاة مع الناس".
قال: "فإذا أكرم الله العبد بهذه الثلاثة هانت عليه الدنيا وإبليسُ والخلقُ. لا يطلب الدنيا تكاثُرا وتفاخرا. ولايطلب ما عند الناس عزّاً وعُلُوا. ولا يدعُ أيامَه باطلا. فهذا أولُ درجة التُّقى".
قال المسترشد: يا أبا عبد الله، أوصني.
قال الإمام: "أوصيك بتسعة أشياء، فإنها وصيتي لمريدي الطريق إلى الله تعالى. أسأل الله أن يوفقك لاستعمالها".
قال: "ثلاثة منها في رياضة النفس، وثلاثة منها في الحِلْم، وثلاثة منها في العلم. فاحفظها، وإياك والتهاون فيها".
قال عنوان: ففرَّغت قلبي له.
قال الإمام: "أما اللواتي في الرياضة:
1- فإياك أن تأكل ما لا تشتهيه، فإنه يورث الحماقة والبلهَ.
2- ولا تأكل إلا عند الجوع.
3- وإذا أكلت فكل حلالا، وسم الله، واذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ملأ آدمي وعاءً شرا من بطنه، فإن كان ولا بد فثُلثٌ لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنَفَسِه".
قلت: الحديث "ما ملأ ابن آدم..." رواه أحمد والترمذي وابن ماجة والحاكم عن المقدام بن معديكرب بسند حسن.
قال الإمام: "وأما اللواتي في الحلم:
1- فمن قال لك: إن قلت واحدة سمعت عشرا. فقل له: إن قلت عشرا لم تسمع واحدة.
2- ومن شتمك فقل له: إن كنت صادقا فيما تقول فأسأل الله تعالى أن يغفر لي. وإن كنت كاذبا فيما تقول، فأسأل الله تعالى أن يغفر لك.
3- ومن توعدَّك بالخَنَا فعده بالنصيحة والدعاء".
قال الإمام: "وأما اللواتي في العلم:
1- فاسأل العلماء عما جهلت، وإياك أن تسألهم تَعَنُّتاً وتجربة.
2- إياك أن تعمل برأيك شيئا. وخُذْ بالاحتياط في جميع ما تجد إليه سبيلا". قلت: نهاه أن يعمل برأيه فيما لم يرد فيه نص قطعي من الدين فيحتاج لاجتهاد العلماء.
3- واهرُب من الفتيا هروبك من الأسد. ولا تجعل رقبتك للناس جسرا ". ثم قال الإمام: "قم عني يا أبا عبد الله فقد نصحت لك. ولا تُفسد عليَّ وِرْدي. فإني امرؤٌ ضنِينٌ بنفسي. والسلام على من اتبع الهدى".
قال ناصح لإخوانه، يذكرهم بربهم وبالمصير إليه:
عـامِـلْ بـذاتـك مـولىً أنـت صَـنْـعَـتُـه وعـامـل النـاس، إن عـامـلـت، بالعَـرَضِ
واسـتــرزق اللـه واســألـه فـإن لـه لـطـفـا يَكُـفُّـكَ عـن راضٍ ومـعـتــرض
يـا جـامـع المـال لم يُخْـلِلْ بـمـكـسـبـه وقـد أخـل بـمـسـنــون ومُـفْــتَــرَض
تـنـام مُـتَّـخِـمـاً حـرصـا ومَـنْـهَـمَـة وجـار بـيـتـك مَـطْـوِيٌّ على مَـضَـض
لا تـأمـن المـوت واحـذره فـبـطـشـتـه لم تَـقْـوَ يـومـا عليهـا نفـس مُـنْـتَـهِـض
تقـول في المـرض: الذكـرى تُـذَكِّـرُنَـا كـم مـيِّـتٍ قـد رأيـنــاه بـلا مــرض!
تـنـجـو السفـينُ ومـوجُ البحـر مُـرْتَـكِـمٌ وربمـا غَــرِقَـتْ فـي مَـأمَـنِ الـفُــرَض
فانْـبِـذْ بِدُنْـيـاك في ديـن خُلِـقْـت لَـهُ واقبض عنان الهوى ما اسطَـعْـتَ وانقبض
فـي كـل شـيء إذا فــارقـتـه عِــوَضٌ ولـيـس للـه إن فـارقـت مـن عِــوَضِ

وقلت:
أمْطَرَتْ رحمــةً سمــاءُ البَشــائِـرْ لعُبيــدٍ بالصِّــدقِ والعَــزْم سـائــرْ
أظمَــأ النَّفــسَ بالنَّـهــار وبـاتَـتْ حولَه النَّـاس نُوَّمــا وَهْوَ ســاهِــرْ
حَضَنَـتْـه الأمــلاكُ حَـفَّـتْــهُ باللُّــط ـفِ وَفضَّتْ عنهُ حِجَابَ السَّتَـائرْ




[1] انظر كتاب "أبو حنيفة" للشيخ أبي زهرة ص 180 وما بعدها.
[2] البرهان المؤيد ص 109.
[3] المكتوبات ج 3 ص 185.
2.سلوك الإمام الغزالي
بسم الله الرحمن الرحيم. )واستعينوا بالصبر والصلاة. وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون(. اللهم اجعل لي نورا في قلبي، ونورا في قبري، ونورا بين يدي، ونورا من خلفي، ونورا عن يميني ونورا عن شمالي، ونورا من فوقي ونورا من تحتي، ونورا في سمعي، ونورا في بصري، ونورا في شعري، ونورا في بشري، ونورا في لَحمي، ونورا في دمي، ونورا في عظامي، اللهم أعظِم لي نورا، وأعطني نورا، واجعل لي نورا.
سبق الغزاليَّ في مضمار السلوك أجيالٌ من الزهاد والصوفية في البصرة والكوفة والعراق وجبال لبنان، وكتب في "علوم الآخرة" قبله أمثال الحارث المحاسبي والحكيم الترمذي وخصوصا أبو طالب المكي. وسبقه إلى طرح الدنيا والإقبال على الله عز وجل أمثالُ إبراهيم بن أدهم الذي كان من أبناء الملوك فتزهد وتصوف وسلك طريق القوم حتى أصبح من المشار إليهم بينهم.
لكن امتازَ أبو حامد بأنه أول فقيه شهير طرح شهرته ودنياه الواسعة ودخل في صف القوم حتى تعلم علمهم، وهو الفارس المغوار الشديد الصولة، ثم خرج على الناس بفقه السلوك مقَعَّدا مرتبا. فَكان لكتاباته، ولا يزال، الأثر البالغ في تعليم الأجيال من بعده. خاصة لكتابه "الإحياء" الذي قيل عنه: "من لم يقرأ الإحياء فليس من الأحياء". واختلف بعض الناس في تقويم الإحياء، فأحرقه علماء المغرب بعد وصوله. ورد عليهم ابن السبكي بعد نحو قرن ونصف بعد أن رحب بعودة المغاربة إلى تبجيل كتب الغزالي فقال: "وأين نحن ومن فوقنا وفوقهم من فهم كلام الغزالي أو الوقوف على مرتبته في العلم والدين والتأله![1]. وقال: "لا يعرف أحد ممن جاء بعد الغزالي قدر الغزالي ولا مقدار علم الغزالي، إذ لم يجئ بعده مثله. ثم إن المُدَانِيَ له إنما يعرف قدره بقدر ما عنده، لا بقدر الغزالي في نفسه"[2].
ثم برز لمحاربة فكر الغزالي على مستوى عال من المبارزة شيخ الإسلام ابن تيمية، فكان جل ما أخذ عليه ورَدَّ مدسوسات دسها عليه الأعداء والحساد كما شكا الغزالي ذلك في إحدى رسائله فقال: "هاج حسد الحساد، ولم يجدوا أيَّ طعن مقبول غير أنهم لَبَّسوا الحق بالباطل وغيروا كلمات من كتاب "المنقذ من الضلال" وكتاب "مشكاة الأنوار"، وأدخلوا فيها كتاب كفر"[3].
كان الغزالي قبل خروجه في طلب شيخ يُسَلِّكه عالم خراسان والعراق. وكان له في بغدادَ صولة وجاه عظيمان. قال معاصره العارف به عبد الغافر الفارسي: "وعلت حِشْمَتُه (ثروته وأبهته ومكانته الاجتماعية) ودرجته في بغداد حتى كانت تغلب حشمته الأكابر والأمراء ودار الخلافة"[4]. ثم زهد في ذلك كله. قال: "وسلك طريق الزهد والمِثَالَة، وترك الحشمة، وطرح ما نال من الدرجة للاشتغال بأسباب التقوى وزاد الآخرة. فخرج عما كان فيه".
هذه الهجرة من الدنيا ورئاستها في طلب الله عز وجل هي بداية طريق كل صادق، يَجْفُل مما هو فيه ويَعَافُه وتستولي عليه فكرة الطلب. نقرأ هذه الخطوة في سلوك الغزالي العملي قبل أن نقرأها في مكتوباته. سَمِّها يقظة وإرادة.
الخطوة الثانية الضرورية هي طلب الدليل على الله عز وجل الولي المرشد. وقد خطاها الغزالي بنفسه قبل أن يكتبها. قال عبد الغافر: "وأخذ في مجاهدة النفس وتغيير الأخلاق وتحسين الشَّمائل(...) والانقياد لكل من يتوسم فيه أو يشُمُّ منه رائحة المعرفة أو التيقظ بشيء من أنوار المشاهدة".
تلا هذا الاختلاط بالصالحين، وقد تَزَيَّا بزِيِّهم الخشن بعد لباس "الحشمة" وجَهَازِها، البحْثُ عن رجل يَقتدي به ويُسَلِّكه، حتى لقي الشيخ الفارمدي. قال عبد الغافر: "فابتدأ بصحبة الفارمدي وأخذ منه استفتاح الطريقة، وامتثل ما كان يشير به عليه". والفارمدي تلميذ من تلامذة الأستاذ القُشيري الشيخ الجليل.
إن امتثال حجة الإسلام لشيخ الطريقة وبحثه عنه قبل ذلك هو في حد ذاته أكبر درس عمليٍّ لطلاب السلوك. فالصحبة هي نقطة البداية وشرط الاستفتاح. هي المفتاح وكفى. وهذا ما يؤكده أبو حامد رحمه الله في كتاباته بعد أن عاشه وسجله تاريخُهُ الحافل.
يحدد حجة الإسلام للشيخ المصحوب وظيفتين، ويشترط في أهليته شرطا أساسيا. الشرط الأساسي هو أن يكون الشيخ قد تعلم بالصحبة من شيخ أخذ عن شيخ صحب من صحب... إلى أن ينتهي السند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا شرط جوهري ينفيه ويتجاهله ويرفضه من لا يدري ولا يحِب أن يعترف بأنه لا يدري، ففاته نصف العلم، بل فاته العلم كله، والخير كله.
وهذا شرط يتبناه النصَّابون والدخلاء فينتسبون إلى سلسلة من سلاسل المشايخ تمريرا لبضاعتهم المزَوّرة. والمؤونة في هذا الانتساب يَسيرة، إذ ليس ثمة رواية تُنْتَقد ولا علم تجريح وتعديل وتاريخ كما هو الشأن في سند الحديث.
ثم إن من أهل النِّسْبَة الحقيقيين من يصحب عارفا وأصلا موصول السند، لكنه في نفسه يقصر عن مرتبة المشيخة التربوية. ولا يعرف كثير من الناس كيف يُمَيِّزُون بين الشيخ المربي الذي هو بغية الطالبين وكنز الأسرار وبين شيخ التبرك الذي جلس على السجادة بعد وفاة شيخه. وقد يكون هذا صاحب كشف وكرامات ويكون ذاك لا يظهر عليه شيء من ذلك، فينحاز الناس إلى المظهر وتروج الإجازات المكتوبة شيخا عن شيخ، والإذن الشفوي. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
لم يترك الغزالي سلسلة من المشايخ ترثه مثلما ترك المشايخ عبد القادر والرفاعي والشاذلي وغيرهم رضي الله عنهم. وإنما مدرسته وطريقته كتبه. ومن أجلة العلماء، كانوا ولا يزالون، من يعتقد أن التصوف السني يتلخص وينحصر في ترقيق القلوب بقراءة الكتب الجليلة مثل الإحياء. وهذا ما يُعارض وصية الإمام الغزالي وعمله، حين بحث عن شيخ، وحين امتثل، وحين صحب، وحين تأكدت لديه ضرورة الصحبة فكتب يقول: "شرط الشيخ الذي يصلح أن يكون نائبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون عالما(...). وكان قد تابع لشخص بصيرٍ تتسلسل متابعته إلى سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم"[5].
قال: "متابعة شخص". لم يقل: "متابعة كتاب". بعد هذا الشرط الأساسي في الشيخ المصحوب، وهو أن يكون "شخصا" تابع شخصا في تسلسل موصول، نَعْرِض للوظيفتين اللتين حددهما حجة الإسلام لشيخ التربية تُجَاهَ مريده.
أولهما أن يُعَرِّفَه بنفسه ومعايبها. وهذا مقدمة ضرورية لتطبيب الأمراض القلبية. قال رحمه الله: "يجلس (المريد) بين يدي شيخ بصير بعيوب النفس، مطَّلِع على خفايا الآفات. ويُحَكِّمه في نفسه، ويتبع إشارته في مجاهدته. وهذا شأن المريد مع شيخه، والتلميذ مع أستاذه. فَيُعَرِّفه شيخه وأستاذه عيوب نفسه، ويعرفه طريق علاجها. وهذا قد عزَّ في هذا الزمان وجوده"[6].
قلت: وهو في كل زمان عزيز، والكتب موجودة، والذاكرون المتبركون بالنسبة وفرة. والمفتاح يضعه الله عز وجل في يد من شاء. فقم من الليل وصل لربك وتضرع إليه: "يا رب من أصحب" كما أوصاك الناصح عبد القادر يأتِك رزقك.
الوظيفة الثانية للشيخ كما يراها حجة الإسلام رضي الله عنه هي وظيفة الدليل الخفير في عقبات الطريق ووُعورَتها، يحفظ السالك من صولة لصوص الطريق، ويُجِيزُه على أهوالها، كما يُطبِّب أمراضه النفسية، ويصفي رَيْنَهُ القلبِيَّ.
قال رحمه الله: "المريد يحتاج إلى شيخ وأستاذ يقتدي به لا محالة ليهدِيه إلى سواء السبيل. فإن سبيل الدين غامض، وسبل الشيطان كثيرة ظاهرة. فمن لم يكن له شيخ يهديه قاده الشيطان إلى طرقه لا محالة. فمن سلك سُبَل البوادي المُهْلِكة بغير خفير فقد خاطر بنفسه وأهلكها.(...) فمُعتصَم المريد بعد الشروط المذكورة شيخُه. فليتمسك به تمسك الأعمى على شاطئ النهر بالقائد بحيث يفوض أمره إليه بالكلية. ولا يخالفه في وِرْده ولا صَدَرِهِ ولا يُبْقِي في متابعته شيئا ولا يَذَر. وليعلم أن نفعه في خطإ شيخه لو أخطأ أكثر من نفعه في صواب نفسه لو أصاب. فإذا وجد مثل هذا المُعْتَصَم وجب على معتَصَمِه أن يَعْصِمَهُ ويحميَه بحصن حصين يدفع عنه قواطع الطريق"[7].
قال مستعصم بودادهم لا يسمع مقالة لائم عَذولٍ:
لا العَـذْل ينـفـعـه ولا استِـعْـبَـاره لَــذَّ الـغــرامُ لــه ولَــجَّ أُوَارُه
فـتجـنـبـوا تَـأنِـيـبَـه وتعـوّذوا مـن مثـل ما هُـتِـكَـتْ به أسـتـارُه
لـو كـان فـيـه للـغَـرامِ بَـِقـيَّــة أو لِلـتحـمُّــل ما بَـدت أســرارُه
فحضـوره غَيْبٌ على حكم الهَوَى فيما يُحِـبُّ وهكـذا اسـتـحـضـاره

وقال محب لهم، تابع مطاوع مشتاق:
قـطـعـت الأرض ذا سَيْرٍ حثيث كـلَـمْـعِ الـبـرق حبّـاً في التـلاقي
فـقـال ليَ العـذول، وقـد رآنـي سـبـوقـا بالمُـضَـمَّــرَةِ العِـتـاق
ركبـتَ على البراق؟ فقلت كل! اولكـني ركـبـت على اشـتـيـاقي

وقال ناصح باللجوء إلى طبهم، والوقوف ببابهم:
ما تقـبلـون لواعـظ نصحـا وهو الطبيب وأنتم الجرحى
يا راقـداً في ليـل غـفـلـتـه والشيْبُ قد أبدى له صُبحا
يا خاسـرا في بيـع صفقـتـه ضيعت رأس المـال والربحـا
إن أبعـدوك فَـقِـفْ ببـابهمُ مـتـضـرعا وسلهـم الصفْـحا

وقلت:
هَلْ مِن مَــلاذٍ عِـندكُــم لِمُطَــوَّحٍ هَجرَ الألِيفَ وهَامَ في التَّطـوَافِ؟
مِن خَلفِ أسْوار الغَوايَة جَـاءكم مِن كهـفِ غَفلتِـه، من الأحــلافِ
يَرجو يُصـافِحُ كَفَّ شمس هِـدايةٍ بَزغـتْ بأُفقِـكُـمُ علـى الأشـرافِ




[1] طبقات الشافعية ج 4 ص 129.
[2] المصدر السابق ص 106.
[3] رسائل حجة الإسلام ص 45.
[4] طبقات الشافعية ج 4 ص 107 وما بعدها.
[5] أيها الولد المحب ص 63.
[6] الإحياء ج 3 ص 55.
[7] المصدر السابق ص 65.
3.سلوك الإمام عبد القادر
بسم الله الرحمن الرحيم. )الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون(. سبحان الذي تعطَّف بالعز وقال به. سبحان الذي لَبِس المجد وتكرم به. سبحان الذي لا ينبغي التسبيح إلا له. سبحان ذي الفضل والنعم. سبحان ذي المجد والكرم. سبحان ذي الجلال والإكرام.
أخرج ابن ماجة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر. وإن من الناس مفاتيحَ للشر مغاليق للخير. فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه. وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه". الحديث ضعَّف سنده الحافظ الهيثمي، ومعناه صحيح لا سيما في موضوع الصحبة. وأئمة الحديث على أن الحديث الضعيف يستشهد به في فضائل الأعمال.
شاهِدُنا في الحديث أن الشيخ عبد القادر الذي لم يختلف عليه علماء الأمة من كل المذاهب والفنون والعصور وأجمع الكل على ولايته كان كغيره من أئمة الهدى مفتاحا للخير. وقد نقلنا كثيرا من كلامه الفريد في أسلوبه، وننقل هنا نبذة من بيانه لمبادئ السلوك يُعطي فيها الأهمية القصوى للصحبة، كما يعطيها الكمَّلُ الناصحون من الأولياء. وسبحان الله كيف أخذ المحدثون الحنابلة عن الإمام عبد القادر كل شيء إلا مسألة الصحبة التي لا يكادون يعيرونها اهتماما، ففاتهم الاستفتاح بالصحبة الشخصية، وفاتهم بفواتها البداية الصحيحة.
يتحدث الشيخ عبد القادر عن اليقظة القلبية التي هي الخطوة الأولى نحو الطريق، أي نحو الشيخ المربي، فيقول: "الذي يجب على المبتدئ في هذه الطريقة الاعتقاد الصحيح الذي هو الأساس. فيكون على عقيدة السلف الصالح، أهل السنة القديمة سنَّة النبيئين والمرسلين والصحابة والتابعين والأولياء والصديقين.
قال: "فعليه بالتمسك بالكتاب والسنة والعمل بهما أمرا ونهيا، أصلا وفرعا. فيجعلهما جناحَيْه يطير بهما في الطريق الواصل إلى الله عز وجل. ثم الصدقُ، ثم الاجتهاد، حتى يجد الهداية إليه والدليل، وقائدا يقوده، ثم مؤنسا يؤنسه، ومُستَراحا (يقول الغزالي: معتصَما) يستريح إليه في حالة إعيائه ونَصبه وظُلْمته عند ثوران شهواته ولذاته، وهَنَاتِ نفسه، وهواه المُضل، وطبعه المجبول على التَثَبُّط والتوقُّف عن السير في الطريق"[1].
قلت: بعد صدق العقيدة، والطريقُ إلى الله لا يدخلها إلا من كمل صدقُه، وصدقِ الاتِّباع، وصدقِ الطاعة لله ورسوله، وصدقِ الاجتهاد وهو صدق الطلب، يتعين على السالك أن يجد "دليلا" يكون في نفس الوقت قائدا ومؤنسا وملجأ يثق به السائر ويستريح إلى هديه ونصيحته وتوجيهه ليحميه من غوائل نفسه وميولها، ويعالج هَناتِها، ويقوِّم اعوجاجها مع الهوى، ويجدِّد إرادة السالك إن فَتَرَتْ، ويرفعَ همَّته إن خَمدت. نجد عند الشيخ عبد القادر نفس الاهتمام بتعريف النفس وتطبيب القلب والخفارة من أهوال الطريق، وهي الوظائف التي قرأناها عند حجة الإسلام.
ثم يبين الإمام عبد القادر أهمية صدق الطلب والصبر الطويل في الطريق، وذلك مما يؤكد أهمية الصحبة والرفقة والخفارة. قال رحمه الله: "ثم يجب عليه أن يُخْلِص مع الله عز وجل عهدا بأن لا يرفع قدما في طريقه إليه ولا يضعها إلا بالله ما لم يصل إلى الله. فلا ينصرفُ عن قصده بمَلامَة مُلِيمٍ لأن الصادقَ لا يرجع، ولا بوجود كرامة، فلا يقفُ معها ويرضى بها عن الله عزوجل عوضا"[2].
قلت: هذا الإخلاصُ في السير يُحَرِّرُه بعض المشايخ بالعهد والبيعة يأخذانهما على المريد ويُقيِّدانه بهما. وبعض المشايخ لا يفعلون ذلك لئلا يُصبح العهد المأخوذ على ضعفاء الإرادة، يعاهدون اليوم وينْقُضون غدا، هُزُؤا ولَعِبا. ومسألة أخذ العهد تعطيها بعضُ المدارس الصوفية صِبغةً احتفالية لها طقوسها. تجد هذا غالبا عند شيوخ التبرك الذين لم يبق لديهم من السلوك إلا الذكريات والشكليات. أما المشايخ المربون فحالهم تنهض بالصاحب الصادق، قلوبهم مغناطيس جلاب جذاب.
على أن المشايخ مجمعون على ضرورة فطام المريد عن رفقة السوء، وهي عدوَّة الصحبة في الله الأولى. قال الإمام عبد القادر: "ولا يُخالط (المريد) المقصِّرين والبَطَّالين أبناء قيلَ وقال، أعداءَ التكاليف، المدعين للإسلام والإيمان"[3].
وقلت: ومن المقصرين والبطالين الذين ترجع صحبتهم بالتثبيط والإفشال المتكلمون بغير علم ولا تثبُّت في الولاية، المشككون في طريقها. وإنَّ سُمَّ التشكيك، يمتصه طالب الطريق قبل أن تتمكن قدماه على الجادة، أفتك من كل آفة تتربص بالمريد في بدايته.
لهذا لم يأْلُ المشايخ العظام نُصحاً بالثبات مع الشيخ المربي إن عثر عليه، وهو البُغيَة النادرة العزيزة. قال الإمام عبد القادر: "فالواجب عليه تركُ مخالفة شيخه في الظاهر، وترك الاعتراض عليه في الباطن. فصاحبُ العصيان بظاهره تارك لأدبه، وصاحب الاعتراض بباطنه متعرض لعطبه.
قال: "بل يكون خصما على نفسه لشيخه أبدا. يكف نفسه ويزجُرُها عن مخالفته ظاهرا وباطنا، ويكثر قراءة قول الله عز وجل: ) رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًَ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ( (سورة الحشر، الآية: 10).
وزيادة في التثبت والتريُّث يوصي الإمام المريدَ بالتحري قبل أن يتَّهم شيخه. قال: "وإذا ظهر له من الشيخ ما يُكرَه في الشرع، استخبر عن ذلك بضرب المثل والإشارة، ولا يصرح به لئلا يَنْفِرَ به عليه. وإن رأَى فيه عيباً ستره عليه، ويعود بالتهمة على نفسه، ويتأول للشيخ في الشرع. فإن لم يجدْ له عذرا في الشرع استغفر للشيخ ودعا له بالتوفيق والعلم والتيقظ والعصمة والحمية"[4].
قلت: إن صحبة الناقص الدخيل في الطريق المتطفِّلِ المحتَرف وَبَالٌ من أصلها. لكنَّ السَّالكَ لا يميز بين الكامل والناقص، وقد تبهَره من الناقص كرامة أو كشف فيتخذه قدوة، ويتجنب الكاملَ الصامت. لهذا يوصي المشايخ العظام بالصبر مع المصحوب المتبوع ولو ظهرت فيه عيوب، فلا يغتَّر المريد بناموس من يظهر الكمالَ تَصَنُّعا، ولا يتعلق بمثاليةٍ تصوِّر له الوليَّ على صورة ملك كريم. فإن "قبة البشرية" مضروبة على الولي الكامل كما هي مضروبة على غيره، ولا تنبغي العصمة إلا للنبيئين والمرسلين.
قال الإمام: "ولا يعتقدُ فيه العصمة. ولا يخبر أحدا به"[5].
وشرح رحمه الله كيف يترقَّى الأولياء من درجة لدرجة، ومن حال إلى حال، ومن ولاية إلى ولاية. فَرُبَّ عيب اطلع عليه المريد من شيْخه أمسِ لم يكن إلا عن غفلة أو حدَثٍ أو ترَخُّصٍ شرعي ترقّى عنها الشيخ اليوم.
ومن وصايا الإمام للمريد بالصبر على بشرية الشيخ وخشونته قوله: "وإذا غضب الشيخ وعبس في وجهه أو ظهر منه نوع إعراض عنه لم ينقطع عنه، بل يُفتِّش باطنَه وما جرى منه من سوء أدب في حق الشيخ، أو التفريط فيما يعود إلى أمر الله عز وجل من ترك امتثال الأمر وارتكاب النهي. فليستغفر ربه عز وجل، وليتُبْ إليه، وليعزمْ على ترك المعاودة إليه. ثم يعتذِرُ إلى الشيخ ويتذَلَّلُ له ويتملَّقُه ويتحبَّب إليه بترك المخالفة في المستقبل، ويداوم على الموافقة له، ويواظب عليها"[6].
وبعد هذا يأتي الإمام عبد القادر بكلام لا يستسيغه عقلُ من لا يفهم مقاصد القوم. ويرفضه، خاصةً من كان شبَحُ الكفر والشرك هاجسَ يقظته ومنامه، يتصورهما في كل من خالف رأيه.
قال رحمه الله: "فيجعله وسيلةً وواسطة بينه وبين ربه عز وجل، وطريقا وسببا يتوصل به إليه.كمن يريد الدخول على ملك ولا معرفة له به، فإنه لا بد أن يصادق حاجبا من حجابه، أو واحدا من حواشيه وخواصه، ليبصِّره بسياسة الملك ودَأبه وعادته، ويتعلم الأدب بين يديه والمخاطبة له، وما يصلُح له من الهدايا والطرائف مما ليس مثلُها في خزانته. ومما يُؤْثِرُ الاستكثار منه"[7].
قلت: هذا ضرب مثل، ولله المثل الأعلى، لأصحاب الحس الكثيف والعقل السخيف ليتعلموا أن المقصود ليس اتخاذ الشيخ صنما كما يعبد المشركون أصنامهم ليقربوهم إلى الله زلفى في زعمهم الضال. لكن المقصود التأدُّب بأدب الشيخ مع الله عز وجل، والاقتداء به في آداب القلب كما نقتدي بالإمام في حركات الصلاة. وما قال أحد إن إمام الصلاة، وهو واسطة وضعها الشرع، صنمٌ حائل بيننا وبين القبلة. الشيخ قِبلة قلبية، ولا حاجة بنا إلى مثال حسيٍّ، ولا نجيد ضرب الأمثال كما يجيد الإمام رحمه الله.
قال: "فليات البيت من بابه. ولا يتَسَلَّقْ من ورائه من غير بابه، فيلامَ ويُهانَ، ولا يبلغَ الغرض من الملك ولا المقصود منه. ولكل داخل دهشةٌ لا بد من تذكُّر ومِنَّةٍ، ومن يأخذ بيده فيقعده موضع مِثْلِه، أو يشيرُ إليه بذلك لئلا تتطرق إليه المهانة، ولا يشار إليه بسوء الأدب والحماقة"[8].
قال مطيع لربه عز وجل، نذر عمْرَه للقرب منه:
إذا كنـت أعلم علمـا يقـينا بأن جميـع حياتي كسـاعَهْ
فـلِـمْ لا أكـون ضنيـنا بهـا وأجعلها في صلاح وطـاعه؟

وقال حكيم يعظ طويل اللسان قاصر الجنان:
يا خـاطـرا بالقـبـور منطـلـق لسـانه، قـف وقـوف مُـعْـتَـبـر
وسـلْ عن أحبـابك الذين ثَـوَوْا فيهـا تجاوبك ألـسـن الـعـبـر
ألم تـكـن تُـرْبـةٌ تُـبَـاشـرهـا نعـلاك مـعـدودة مـن البـشـر؟
بالأمـس كـنـا على مـنـاكـبهـا نـرفـل بـين المُـلاَءِ والحِـبَــر
واليـوم صـرنـا ببطـنهـا رممـا نـدرس بـين الصفـيح والعَـفَـر
أفٍّ لـدنـيـا مَـآلُ صـحـتـهـا وصفــوهـا للسَّـقـام والكــدر
أُخَـيَّ لا تـغـتَـرِرْ بزهـرتـهـا إن كمـونَ الحـيّات في الزهـر
فالخطب فوق الذي سمعت به وفـوقـه فـلـتـكـن عـلى حـذر
عند ورود الحمام ينكشـف الـ ـغِـطـاء، ليس العيان كالخـبر

وقلت:
يا عـابِـراً بِـديــار الـعُـمــر تَـقطَـعـهــا تَـعــدُو وتـلـهــجُ باللَّــذاتِ والصُّــورِ
هَـلاَّ اعتـبرتَ برحــلاَتٍ لمن سَبـقــوا أودَتْ بحشـدٍ غَفيــرٍ في هُـوى الحُفــرِ
هـلاَّ جعلتَ خطى الطَّاعـاتِ مَنْهجة إلى رِضى اللّه، يا مَغــرورُ، في السَّفــرِ




[1] الغنية ج 2 ص 163.
[2] الغنية ج 2 ص 163.
[3] المصدر السابق نفس الصفحة.
[4] الغنية ج 2 ص 164.
[5] المصدر السابق ص 163.
[6] الغنية ج 2 ص 163.
[7] المصدر السابق نفس الصفحة.
[8] المصدر السابق نفس الصفحة.
عمرالحسني
عمرالحسني
كـاتــــب
كـاتــــب

قلم مبدع
الديانه : الاسلام
البلد : المغرب
ذكر
عدد المساهمات : 1169
نقاط : 6486
السٌّمعَة : 12
متسامح

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى