الإحاطة والرّسوخ .. الخطاب السياسي المُبدّل (2) / يحي نعيم
صفحة 1 من اصل 1
الإحاطة والرّسوخ .. الخطاب السياسي المُبدّل (2) / يحي نعيم
ضعف الرّسوخ في العلم ومظاهره
(6) الخطاب السياسي المُبدّل [2]
المُتأمّل لأحوالِ العالم الإسلاميّ المعاصر, يجده مقطوع الصلة عما استعرضناه من مبادئ الخطاب السياسي المنزَّل, ويرى عجزًا مُدهشًا لدى الحركات الإسلاميَّة عن الإحاطة بهذه المبادئ, وتضمينها بقوة في مفردات الخطاب الإسلامي المعاصر. سواء في توجهها لجمهور الأمة بالتوعيَة والإصلاح, أو في توجهها لحكامها بالنصح والإرشاد والردع إذا ما تطلب الأمر.. فكيف غابت هذه المعاني؟ وكيف حُرّفت لدرجة القول بالتبديل؟ وكيف تأخرت في سلم الأولويات عند من وعاها من جماعات لتتصدر واجهة الخطاب القضايا الخلافيَّة المثيرة للجدل والبلبلة أو القضايا الفقهية التي طواها الزمان أو تفاصيل العقيدة التي يصعب علي العوام وجمهور الأمة إدراكها ناهيكم عن العمل بها؟!
بدأ التراجع في الخطاب السياسي المنزل مع انتهاء عهد الخلافة الراشدة وأواخر عهد معاوية رضي الله عنه, وامتد إلي سقوط الخلافة العثمانية, في تفاوت ملحوظ قربًا أو بُعدًا عن مفردات الخطاب الراشد المُنزل, حيث جرى في تلك المرحلة المعروفة بمرحلة الخطاب السياسي المؤوَّل الاستدلال بالنصوص علي غير الوجه الصحيح الذي أراده الله ورسوله, وبما خالف فهم الصحابة الأخيار وما كان عليه حالهم..
ملامح هذه المرحلة بإيجاز شديد هي:
مصادرة حق الأمة في اختيار الإمام وتحول الحكم من شورى إلي وراثة: “فبعد أن كان عمر رضي الله عنه يقول (الإمارة شورى بين المسلمين, من بايع رجل دون شورى المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه) وبعد أن كان علي كرم الله وجهه يقول (أيها الناس إنما الأمير من أمرتموه), إذا بالخطاب السياسي يتغير فيقول معاوية (من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر, فليطلع لنا قرنه, فلنحن أحق به ومن أبيه)!!”, “وتم اختزال معنى الشورى, فأصبحت الشورى قاصرة علي مشاركة الأمة الإمام الرأي, ثم تم اختزالها في استشارة أهل الحل والعقد دون شرط الالتزام بها, ثم تم اختزالها لتصبح غير واجبة, بل هي من الأمور المستحبة إن شاء الإمام فعلها وإن شاء تركها. وبالتالي صار من غير المقبول شرعًا أن تقاتل الأمة الإمام لمجرد تركه أمرًا مستحبًا”!, ولم يتوقف التأويل عند حد القول بجواز التوريث, بل تجاوزه للقبول بولاية المتغلب الذي يستولي علي السلطة بالقوة, بحجة مراعاة مصالح الأمة والمحافظة علي وحدتها!!
غياب دور الأمة في الرقابة على بيت المال.
تراجع دور الأمة في مواجهة الظلم والانحراف: “شهدت هذه المرحلة تراجعًا خطيرًا وكبيرًا في نقد انحراف السلطة وتقويمها”.. بعد نجاح السلطة في قمع معارضة الحسين عليه السلام وأهل العراق, وعبد الله بن الزبير بمكة, وبن الغسيل بالمدينة, وجيش القراء بالكوفة والموصل الذي خرج علي الحجاج بقيادة بن الأشعث, والذي ضم الأئمة الفقهاء: أنس بن مالك وسعيد بن جبير وعامر الشعبي والحسن البصري ومسلم بن يسار والنضر بن أنس بن مالك ومحمد بن سعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة وعبد الله بن مسعود وغيرهم..
بعد نجاح السلطة الجائرة في قمع هذه الحركات “شاع القول بالإرجاء والجبر من جهة, ووجوب السمع والطاعة للإمام الجائر من جهة أخرى, إذ أن الله هو الذي يسلطهم ولا يمكن رفع البلاء إلا بالدعاء وهذا هو القضاء الذي يجب التسليم له والصبر عليه”!.
“وقد كان الحسن البصري رحمه الله داعية هذا الفكر, فكان يقول إن الله يغير بالتوبة لا يغير بالسيف, وقد كان من قبل يرى بالخروج غير أن موقفه هذا رحمه الله جاء بعد هزيمة جيش القراء فيما يبدو”.
وعلى الرَّغم من أنَّ قيام الدولة العباسيَّة على أنقاض الدولة الأموية يُبطل نظريَّة الحسن البصري رحمه الله, ويثبت أنَّ الخلل لم يكن في مقاومة الظلم بل في ارتجاليَّة العمل وغياب التخطيط والتنظيم عن حركة القرَّاء, وهو الأمر الذي توفَّر للحركة العباسيَّة فكان النجاح حليفها.. على الرَّغم من ذلك فإنَّ أفكار الحسن البصري وجدت لها طريقًا للخلود وصولاً للحركات الإسلاميَّة المُعاصرة على نحوٍ ما نرى في تنظير بعضها الفكري!!
(6) الخطاب السياسي المُبدّل [2]
المُتأمّل لأحوالِ العالم الإسلاميّ المعاصر, يجده مقطوع الصلة عما استعرضناه من مبادئ الخطاب السياسي المنزَّل, ويرى عجزًا مُدهشًا لدى الحركات الإسلاميَّة عن الإحاطة بهذه المبادئ, وتضمينها بقوة في مفردات الخطاب الإسلامي المعاصر. سواء في توجهها لجمهور الأمة بالتوعيَة والإصلاح, أو في توجهها لحكامها بالنصح والإرشاد والردع إذا ما تطلب الأمر.. فكيف غابت هذه المعاني؟ وكيف حُرّفت لدرجة القول بالتبديل؟ وكيف تأخرت في سلم الأولويات عند من وعاها من جماعات لتتصدر واجهة الخطاب القضايا الخلافيَّة المثيرة للجدل والبلبلة أو القضايا الفقهية التي طواها الزمان أو تفاصيل العقيدة التي يصعب علي العوام وجمهور الأمة إدراكها ناهيكم عن العمل بها؟!
بدأ التراجع في الخطاب السياسي المنزل مع انتهاء عهد الخلافة الراشدة وأواخر عهد معاوية رضي الله عنه, وامتد إلي سقوط الخلافة العثمانية, في تفاوت ملحوظ قربًا أو بُعدًا عن مفردات الخطاب الراشد المُنزل, حيث جرى في تلك المرحلة المعروفة بمرحلة الخطاب السياسي المؤوَّل الاستدلال بالنصوص علي غير الوجه الصحيح الذي أراده الله ورسوله, وبما خالف فهم الصحابة الأخيار وما كان عليه حالهم..
ملامح هذه المرحلة بإيجاز شديد هي:
مصادرة حق الأمة في اختيار الإمام وتحول الحكم من شورى إلي وراثة: “فبعد أن كان عمر رضي الله عنه يقول (الإمارة شورى بين المسلمين, من بايع رجل دون شورى المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه) وبعد أن كان علي كرم الله وجهه يقول (أيها الناس إنما الأمير من أمرتموه), إذا بالخطاب السياسي يتغير فيقول معاوية (من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر, فليطلع لنا قرنه, فلنحن أحق به ومن أبيه)!!”, “وتم اختزال معنى الشورى, فأصبحت الشورى قاصرة علي مشاركة الأمة الإمام الرأي, ثم تم اختزالها في استشارة أهل الحل والعقد دون شرط الالتزام بها, ثم تم اختزالها لتصبح غير واجبة, بل هي من الأمور المستحبة إن شاء الإمام فعلها وإن شاء تركها. وبالتالي صار من غير المقبول شرعًا أن تقاتل الأمة الإمام لمجرد تركه أمرًا مستحبًا”!, ولم يتوقف التأويل عند حد القول بجواز التوريث, بل تجاوزه للقبول بولاية المتغلب الذي يستولي علي السلطة بالقوة, بحجة مراعاة مصالح الأمة والمحافظة علي وحدتها!!
غياب دور الأمة في الرقابة على بيت المال.
تراجع دور الأمة في مواجهة الظلم والانحراف: “شهدت هذه المرحلة تراجعًا خطيرًا وكبيرًا في نقد انحراف السلطة وتقويمها”.. بعد نجاح السلطة في قمع معارضة الحسين عليه السلام وأهل العراق, وعبد الله بن الزبير بمكة, وبن الغسيل بالمدينة, وجيش القراء بالكوفة والموصل الذي خرج علي الحجاج بقيادة بن الأشعث, والذي ضم الأئمة الفقهاء: أنس بن مالك وسعيد بن جبير وعامر الشعبي والحسن البصري ومسلم بن يسار والنضر بن أنس بن مالك ومحمد بن سعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة وعبد الله بن مسعود وغيرهم..
بعد نجاح السلطة الجائرة في قمع هذه الحركات “شاع القول بالإرجاء والجبر من جهة, ووجوب السمع والطاعة للإمام الجائر من جهة أخرى, إذ أن الله هو الذي يسلطهم ولا يمكن رفع البلاء إلا بالدعاء وهذا هو القضاء الذي يجب التسليم له والصبر عليه”!.
“وقد كان الحسن البصري رحمه الله داعية هذا الفكر, فكان يقول إن الله يغير بالتوبة لا يغير بالسيف, وقد كان من قبل يرى بالخروج غير أن موقفه هذا رحمه الله جاء بعد هزيمة جيش القراء فيما يبدو”.
وعلى الرَّغم من أنَّ قيام الدولة العباسيَّة على أنقاض الدولة الأموية يُبطل نظريَّة الحسن البصري رحمه الله, ويثبت أنَّ الخلل لم يكن في مقاومة الظلم بل في ارتجاليَّة العمل وغياب التخطيط والتنظيم عن حركة القرَّاء, وهو الأمر الذي توفَّر للحركة العباسيَّة فكان النجاح حليفها.. على الرَّغم من ذلك فإنَّ أفكار الحسن البصري وجدت لها طريقًا للخلود وصولاً للحركات الإسلاميَّة المُعاصرة على نحوٍ ما نرى في تنظير بعضها الفكري!!
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
مواضيع مماثلة
» الإحاطة والرّسوخ .. الخطاب السياسي المُبدّل (1) / يحي نعيم
» الإحاطة والرّسوخ.. الخطاب السياسي المُبدّل (3)/ يحي نعيم
» الإحاطة والرّسوخ.. الخطاب الإسلامي المشوَّه /يحي نعيم
» الإحاطة والرّسوخ.. ظاهرة الآبائية / يحي نعيم
» الإحاطة والرّسوخ.. الخلط بين الثوابت والمتغيرات/ يحي نعيم
» الإحاطة والرّسوخ.. الخطاب السياسي المُبدّل (3)/ يحي نعيم
» الإحاطة والرّسوخ.. الخطاب الإسلامي المشوَّه /يحي نعيم
» الإحاطة والرّسوخ.. ظاهرة الآبائية / يحي نعيم
» الإحاطة والرّسوخ.. الخلط بين الثوابت والمتغيرات/ يحي نعيم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى