شبكة واحة العلوم الثقافية
أسعدتنا زيارتك و أضاءت الدنيا بوجودك

أهلا بك فى شبكة واحة العلوم الثقافية

يسعدنا تواجدك معنا يدا بيد و قلبا بقلب

لنسبح معا فى سماء الإبداع

ننتظر دخولك الآن

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

شبكة واحة العلوم الثقافية
أسعدتنا زيارتك و أضاءت الدنيا بوجودك

أهلا بك فى شبكة واحة العلوم الثقافية

يسعدنا تواجدك معنا يدا بيد و قلبا بقلب

لنسبح معا فى سماء الإبداع

ننتظر دخولك الآن
شبكة واحة العلوم الثقافية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

توظيف التأصيل الإسلامي لعلم النفس في تدريس مقررات علم النفس

اذهب الى الأسفل

توظيف التأصيل الإسلامي لعلم النفس في تدريس مقررات علم النفس Empty توظيف التأصيل الإسلامي لعلم النفس في تدريس مقررات علم النفس

مُساهمة من طرف سامح عسكر الخميس أكتوبر 20, 2011 9:24 am

مقدمة:
يواجهُ دارسو علم النفس ومُدرِّسوه من المسلمين تناقضاً معرفياً، فبعض مسلَّمات هذا العلم ونظرياته تصطدم مع هويتهم الإسلامية وما عرفوه من دين ربهم، وما عُلّموه من القرآن والسنة. وكثيراً ما واجه مدرسُ علم النفس سؤالاً -أو ربما اعتراضاً- من أحد طلابه يستفسر فيه عما يجده الطالب من تناقض بين ما يقرره المدَرِّس، وحكْم عرَفَه من الشريعة، أو آية من كتاب الله أو حديث من سنة المصطفى . وبعض من اشتغل بالتأصيل تحدثوا عن تجربتهم في ذلك، فذكروا أنهم عاشوا هذا التناقض والاضطراب المعرفي حينما كانوا طلاباً، وواجهوه –أيضاً- وهم مدرسون، أو أطباء معالجون، يمارسون علم النفس.
وباستقراء محاولات تأصيل علم النفس تأصيلاً إسلامياً ،يمكن تقسيمها في الجملة إلى ثلاثة أقسام:
1. علم التأصيل، وهو يبحث في نظرية المعرفة الإسلامية ومكوناتها وعلاقتها بعلم النفس، وأسس تأصيل علم النفس وبناء النظرية الإسلامية.
2. النظرية النفسية الإسلامية في مجالات علم النفس، بوصفها نظرية إسلامية في الشخصية أو النمو أو التعلم أو الإرشاد النفسي.
3. المزج بين علم النفس الغربي والمفاهيم الإسلامية، من خلال تدريس مقرر من مقررات علم النفس في صياغته الغربية.
ومن ناحية تاريخية نلاحظ أن النوع الثاني هو أول الأنواع الثلاثة نشوءاً، وأول من كتب فيه هو محمد قطب، حينما نشر كتابه (دراسات في النفس الإنسانية) عام 1964م. وقد سار على خطى محمد قطب سيد عثمان في كتابه (المسؤولية الاجتماعية) المنشور عام 1979م، وعبد العزيز النغيمشي في كتابه (علم النفس الدعويّ) المنشور عام 1415ﻫ. وكلُّ واحد من هؤلاء الثلاثة حاول صياغة نظرية في الشخصية من منظور إسلامي.
ونشأ بعد هذا النوع، أو مزامناً له، النوع الثالث، وهو محاولة بعض الباحثين الجمع بين معطيات علم النفس المعاصر، وما ورد في القرآن والسنة، ومن أبرز من قام بذلك محمد عثمان نجاتي في كتابيه: (القرآن وعلم النفس) و(الحديث النبوي وعلم النفس).
أما النوع الأول فبدأ الاهتمام به بعد عام 1400ﻫ. وكانت الكتابة فيه ذات مسارين: الأول: كتابات تناولت نظرية المعرفة الإسلامية بصورة عامة، وممن كتب في ذلك جعفر شيخ إدريس، وعبد الرحمن الزنيدي، وراجح الكردي. والمسار الثاني: كتابات تناولت تطبيق نظرية المعرفة الإسلامية في علم النفس أو في العلوم الاجتماعية عامة، وممن كتب في ذلك: إبراهيم رجب، وعبد الله الصبيح، وصالح الصنيع.
وتتمحور الدراسة حول النوع الثالث، وهو المزج بين علم النفس الغربي والمفاهيم الإسلامية، من خلال تدريس مقرر من مقررات علم النفس في صياغته الغربية، الذي ما زال بِكْراً، ولم يحظ بالتناول الكافي، سواء من ناحية التنظير ورسم معالمه أو من حيث نقد التجربة وتمحيصها. وتحاول الدراسة الإجابة على السؤال الآتي:
كيف يستطيع الباحث أن يوظف التأصيل الإسلامي لعلم النفس في تدريس مقررات علم النفس؟ وما أبرز الأخطاء التي وقع فيها من حاولوا ذلك؟
وسَيحاول الباحث أن يجيب عن هذا السؤال من خلال خبرته في تدريس مقررات التأصيل الإسلامي لعلم النفس واطّلاعه على محاولات المؤصِّلين وفق أربعة محاور، هي: شخصية المدرس، ومصادر التأصيل، وطريقة الباحثين في الجمع بين نصوص القرآن والسنة وقضايا علم النفس، وقواعد وتوجيهات في توظيف التأصيل في تدريس علم النفس.




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

توظيف التأصيل الإسلامي لعلم النفس في تدريس مقررات علم النفس Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28716
السٌّمعَة : 23
العمر : 45
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

توظيف التأصيل الإسلامي لعلم النفس في تدريس مقررات علم النفس Empty رد: توظيف التأصيل الإسلامي لعلم النفس في تدريس مقررات علم النفس

مُساهمة من طرف سامح عسكر الخميس أكتوبر 20, 2011 9:25 am

أولاً: شخصية المدرس
لا ينفصل التأصيل عن شخصية المدرس، فالمدرِّس لا بدّ أن يتصف بالمرونة الذهنية، فيتحرر من الإطار الفكري المهيمن في العلم في منظوره الغربي، ويتسع لإدراك مصادر أخرى للمعرفة، غير ما عهده، ويدرك إمكانية تفسير السلوك بنماذج أخرى لا يتسع لها الإطار المعرفي الغربي. والباحثُ ربما يصاب أحياناً بجمود أو تصلُّب ذهني، ويظن أنَّ هذا هو مقتضى البحث العلمي، فيرفض كل حلٍّ للمشكلة التي يبحثها خارج الإطار الذي يفكر من خلاله، بينما هو في الواقع يمارس نوعاً من التحيُّز كما يقول عبد الوهاب المسيري. وقد انتقد مالك بدري هذا الإطار المعرفي الذي يصيب صاحبَه بالجمود الذهني، وشبَّهَه بجُحْر الضبِّ، أخذاً من حديث الرسول ، الذي رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي ‏ ‏ ‏قال: "‏لتتبعُنَّ سَنَنَ من قبلكم، شبراً بشبرٍ وذراعاً بذراعٍ حتى، لو سلكوا جحر ضَبٍّ لسلكتموه، قلنا: يا رسول الله: ‏اليهود ‏والنصارى؟ ‏ ‏قال: فمَنْ!"
إنَّ هذا المنظور المتحيِّز يعترف فقط بالمنهج الحسي المادي في الاستدلال والمعرفة، ويرفض الاستشهاد بنصوص القرآن والسنة في معرض المعرفة العلمية، وهو في الحقيقة لا يعبر عن هوية الأمة المسلمة أو المجتمع العربي.
ولا خلاف بين الباحثين في أنَّ غاية البحث العلمي هي الوصول إلى الحقيقة، واكتشاف المعرفة، ويفترض أن كل ما أدى إلى ذلك فهو سبيل صحيح، ما دام يخلو من التناقض، ويستطيع كل أحد أن يتحقق منه. وقد كان المنهج العلمي الغربي يرفض ذلك، ويحصر سبيل المعرفة في المنهج التجريبي، أو منهج الملاحظة فقط، ويغلق على أتباعه مسالك المعرفة الأخرى؛ مما جعله يتحول –أحياناً- عند بعض الدارسين إلى مذهب إيديولوجيّ. وقد تنبه إرهارد فريتاج إلى هذه المعضلة في مقدمة كتابه (العقل الباطن)، حينما ناقش غفلتنا عن أهمية العقل الباطن، ولماذا لم نتنبَّه إلى أثره في أفكارنا، وعزا السبب إلى أنَّ "العلوم ذات الطبيعة الدنيوية بكل تعاليمها قد جعلت من الشاقِّ علينا أن نتقبل أيَّ توسع لوعينا خارج المجال الحالي للإدراك."
إذن، ما يمكن إدراكه واسع جداً، ولكن حال بيننا وبينه -كما يقول فريتاج- العلوم ذات الطبيعة الدنيوية؛ أي نظرية المعرفة السائدة في العلم حسب الرؤية الغربية في مرحلة من مراحل تطورها. ونحن لا يعنينا مفهوم العقل الباطن الذي يدافع عنه فريتاج، ولكن يعنينا ذلك التشكيل الذي تتشكل به أذهان بعض الباحثين نتيجة التأدلج بالمنهج التجريبي الحسي، فيرفضون أيَّ مدخل للمعرفة سوى هذا المدخل.
إنَّ هذه الأدلجة تحول بين الباحث، وإدراك ظاهرات أخرى قد يعجز المنهج التجريبي عن الإحاطة بها. وكانت هذه الأدلجة أظهر ما تكون في المدرسة السلوكية، التي رفضت دراسة أيِّ سلوك غير قابل للملاحظة المباشرة، فلم تدرس جميع العمليات الداخلية، كالمشاعر والعواطف والعمليات الذهنية، وفاتها بذلك كثير مما هو في الحقيقة ضمن موضوع علم النفس. وقد استدرك ذلك الاتجاه المعرفي على المدرسة السلوكية، ففتح بمرونته المنهجية مجالاً واسعاً من المعرفة النفسية.
إنَّ المذهب الحسي المادي في مناهج البحث بلغ غايته في الأدلجة على يد المدرسة الوضعية المنطقية، التي ظهرت في فيينا عام 1923م بزعامة موريس شليك M. Schlick، وهي ترفض كل عبارة لا يمكن التحقق منها، ولا تكتفي بنفي العلمية عنها، بل تنفي أن يكون لها معنى أصلاً.
وهذه المدرسة ما لبثت أن سقطت نتيجة لتطور مناهج البحث في الفيزياء، وتقدُّم فهمنا للمادة. ولهذا يقول (هايزنبيرج) أحد علماء الفيزياء: "إن الفلسفة الذرية المعاصرة قد نأتْ بالعلم عمّا كان يتسم به من اتجاه مادي في القرن التاسع عشر،" وسقطت –أيضاً- نتيجة للتطور في نظرية المعرفة، وكان لـ(كارل بوبر) إسهامٌ جليٌّ في تزييفها. ومن أجَلِّ أعماله أنه اقترح تصوراً مغايراً للوضعية المنطقية ظهر في كتابه "منطق الكشف العلمي"، وحرر الذهن من قيود الوضعية المنطقية. وكان من إضافات (بوبر) أن المعرفة يمكن الحصول عليها من أي مصدر، ولكنها لا تكون علماً إلا إذا أمكن التحقق منها من خلال ما سماه (بوبر) القابلية للدحض أو (للتكذيب) falsifiability، والتحقق من أي قضية لا يكون بتوافر الشواهد المؤيدة لها -كما كان يقرره منهج الاستقراء- بل بثباتها أمام الأدلة التي تنقضها.
إن هذا التطور في نظرية المعرفة يمكن أن يستفيد منه المؤصِّلُ فيتسع ذهنه ليدرك مصادر المعرفة المتعددة وطرق الاستدلال، ويتجاوز الإطار المعرفي السائد إلى إطار معرفي جديد. ومن مصادر المعرفة ما ورد في القرآن والسنة عن النفس والسلوك الإنساني، وقد تضمَّنا الإشارة إلى أنواعٍ من السلوك لم يدرسها علم النفس قطُّ، ومن ذلك أنواع من السلوك الديني: كالتوبة، وآثار العبادات كالصلاة والصوم والحج، وذكر الله سبحانه، وتلاوة القرآن.
إنَّ مدرِّس علم النفس حينما يتصف بالمرونة الذهنية، فيفكر خارج الإطار المعرفي، سوف يكتشف مصادر للمعرفة، وأنماطاً من السلوك، ونماذج لتفسير السلوك لم يكن ليهتدي إليها بعلم النفس التقليدي. إنَّ المرونة الذهنية هي السبيل للخلاص مما سماه مالك بدري "جُحْر الضَبّ".




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

توظيف التأصيل الإسلامي لعلم النفس في تدريس مقررات علم النفس Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28716
السٌّمعَة : 23
العمر : 45
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

توظيف التأصيل الإسلامي لعلم النفس في تدريس مقررات علم النفس Empty رد: توظيف التأصيل الإسلامي لعلم النفس في تدريس مقررات علم النفس

مُساهمة من طرف سامح عسكر الخميس أكتوبر 20, 2011 9:25 am

ثانياً: مصادر التأصيل
للتأصيل مصدر أساسي، وآخر فرعي رافد للمصدر الأساسي، والأول هو الكون(الطبيعة) والوحي، والثاني هو التراث النفسي في الحضارة الإسلامية، وفيما يأتي بيان لهما:
1. الوحي والكون (الطبيعة):
يُعدّ الوحي في التأصيل الإسلامي مصدراً أصيلاً ثابتاً للمعرفة مع الطبيعة. والمقصود بالوحي القرآن والسنة لا غير، وهذان المصدران (الوحي والكون/ الطبيعة) ليس بينهما تعارض، وكل منهما يؤيد الآخر، فالوحي هو كلام الله عزّ وجلّ الذي أوحاه إلى نبيه محمد ، والطبيعة خَلْق الله سبحانه المنظور، ولا يتصور أن يخالف كلامه سبحانه ما خلق، فهو عزّ وجلّ الذي خلق، وهو الذي أخبرنا كيف خلق، قال تعالى: ﮋﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﮊ (فصلت: 53).
ومن يرجع إلى القرآن والسنة عليه بأمور أهمها:
أ‌. جمع الآيات والأحاديث ذات العلاقة بموضوع واحد؛ كي يستطيع الجمع بينها، وإدراك ما تدل عليه، ومما يعين في ذلك كتاب "المعجم المفهرِس لألفاظ القرآن الكريم" لمحمد فؤاد عبد الباقي، وبعض البرامج الحاسوبية، وبعض المواقع في الشبكة العنكبوتية التي توفر محرك بحث يعين الباحثين على معرفة مواطن الآيات والأحاديث في كتب السنة.
ب‌. ينبغي للباحث أن يرجع إلى كتب التفسير المعتبرة التي فسَّرت القرآن، وحظيت بالقبول من عموم الأمة، وأشهر كتب التفسير: تفسير محمد بن جرير الطبري، وكذلك تفسير ابن كثير. وربما أخطأ بعض الباحثين فحاول تفسير الآية بما يتبادر إلى ذهنه، من غير رجوع إلى كتاب معتبرٍ في التفسير.
ت‌. على من يريد الاستدلال بالسنة في علم النفس أن يستدل بما ثبت في السنة، ويُعرِض عن الأحاديث الضعيفة والموضوعة. وعلماء الحديث عُنُوا –بحمد الله- ببيان الصحيح والضعيف والموضوع، ولهم كتب مدونة في ذلك. وثمة برامج حاسوبية كثيرة يسرت هذه المهمة. ومن الأخطاء التي وقع فيها بعض الباحثين استدلالهم بأحاديث ضعيفة أو موضوعة أو لا أصل لها، ومن الأمثلة على ذلك استدلال بعض الباحثين في أثر الوراثة على السلوك والشخصية بحديث "تخيروا لنطفكم فإنَّ العرق دسَّاس،" وحديث "إياكم وخضراء الدمن، قالوا: وما خضراء الدمن يا رسول الله؟ قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء،" وهذان الحديثان لم يثبتا عن رسول الله .
ومما يستدل به بعض الباحثين بعض الأحاديث التي وردت في شأن العقل، كحديث "أول ما خلق الله العقل،" قال عنه ابن تيمية في الفتاوى: حديث باطل. وقال ابن القيم في كتابه "المنار المنيف": "أحاديث العقل كلها كذب." والباحث ليس بحاجة إلى الأحاديث الضعيفة والموضوعة، فقد ورد في القرآن وصحيح السُّنة ما يغنيه عن ذلك.
2. تراث العلماء النفسي في الحضارة الإسلامية
للعلماء المسلمين تراث نفسي ضخم، يحتاج إلى جمع وتصنيف، وهو يمكن أن يكون مصدراً لمدرِّسي علم النفس، فيستشهدون به فيما يدرسونه من مقررات نفسية، ويوردونه ضمن ما يدرسونه من مفاهيم نفسية.
ومن الأخطاء التي وقع فيها بعض من درس التراث النفسي عند المسلمين، أنَّه قصَرَ دراسته للتراث النفسي على ما ورد عند الفارابي وابن سينا وابن رشد أو إخوان الصفا. وهؤلاء -في الحقيقة- يمثلون الاتجاه الفلسفي في التاريخ الإسلامي، وهم أقرب إلى تمثيل فلاسفة اليونان من تمثيل التراث الإسلامي كما ورد في القرآن والسنة. إنَّ دراسة التراث النفسي الإسلامي توجب علينا إعادة تصنيف التراث النفسي وفقاً لما ساد فيه من اتجاهات فكرية. وقد سبق للباحث أن تناول ذلك وصنف التراث النفسي إلى ثلاثة اتجاهات هي: الاتجاه الأثري، والاتجاه الصوفي، والاتجاه الفلسفي. ودراسة التراث النفسي في الحضارة الإسلامية بهذه الكيفية تجعل الدارس أقرب إلى فهمه واستيعابه.




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

توظيف التأصيل الإسلامي لعلم النفس في تدريس مقررات علم النفس Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28716
السٌّمعَة : 23
العمر : 45
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

توظيف التأصيل الإسلامي لعلم النفس في تدريس مقررات علم النفس Empty رد: توظيف التأصيل الإسلامي لعلم النفس في تدريس مقررات علم النفس

مُساهمة من طرف سامح عسكر الخميس أكتوبر 20, 2011 9:26 am

ثالثاً: طريقة الباحثين في الجمع بين نصوص القرآن والسُّنة وقضايا علم النفس
البحث في القرآن والسُّنة هو اجتهاد من الباحث في التعبير عن مراد الله عزّ وجلّ في القرآن، ومراد رسوله  في السنة، فيما يُبلِّغه عن ربه عزّ وجلّ. ولا يكون هذا إلا بالرجوع إلى اللغة التي نـزل بها القرآن وتكلم بها الرسول، وإلى فهم صحابته الذين تلقوا ذلك عنه. ومما يعين في ذلك معرفة دلالات المفردات والتراكيب اللغوية في وقت ظهور الرسالة. ولهذا نص علماء الشريعة على أن نصوص الوحي يفسر بعضها بعضاً، فالآية من القرآن ربما فسرتها آية أخرى، أو فسرتها السُّنة، ومن لم يكن على علم بذلك يحرم عليه تفسير القرآن. يقول ابن كثير رحمه الله: "فإن قال قائل: فما أحسنُ طرقِ التفسير؟ فالجواب: إن أصحَّ الطرق في ذلك أن يفسَّر القرآن بالقرآن، فما أُجِملَ في مكان فإنه قد فُسّر في موضع آخر، فإن أعياك ذلك فعليك بالسُّنة، فإنها شارحة للقرآن ومُوضِّحة له... إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك؛ لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح، لا سيما علماؤهم وكبراؤهم: كالأئمة الأربعة -الخلفاء الراشدين- وكعبد الله بن مسعود... فأما تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام لما رواه محمد بن جرير عن ابن عباس عن النبي  قال: (من قال في القرآن برأيه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار)."
ومن الأخطاء التي وقع فيها بعض الباحثين من المشتغلين بالتأصيل تفسير نصوص القرآن والسُّنة بالاصطلاحات الحادثة في علم النفس، فإذا وجدوا تشابهاً لفظياً، وهو ما يسمى بالاشتراك اللفظي، افترضوا الاتفاق في المعنى، فاستدلوا بالنص القرآني على معنى حادث أو نظرية انحسر تأييدها، واتجه العلماء إلى غيرها. ومن الأمثلة على ذلك ما وقع فيه من استدل على اللاشعور بقوله تعالى في سورة البقرة: ﮋﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮊ (البقرة: 11-12). فهؤلاء استدلوا بقوله تعالى "لا يشعرون" على مفهوم "اللاشعور" في نظرية التحليل النفسي. وهذا الاستدلال مُعارَض بقوله تعالى: ﮋﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮊ (البقرة: 9) فالله سبحانه أثبت لهم صفة المخادعة، وهي عمل متكرر مقصود ممن وقع منه. وبيَّن الله صورة من صور مخادعتهم فقال: ﮋﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﮊ (البقرة: 14) فهم على وعي تام بما يقومون به،كما أنهم على وعي تام بدوافع سلوكهم، وهي مخادعة المؤمنين. ولهذا قال الله تعالى: ﮋﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﮊ (البقرة: 16) ومن كان سلوكه لاشعورياً لا يوصف أنه اشترى الضلالة بالهدى. وفي سورة التوبة عرض الله عزّ وجلّ نوعاً آخر من سلوك المنافقين، وبيَّن دافعهم في السلوك، يقول تعالى: ﮋﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﮊ (التوبة: 42) فبُعد الشُّقة هو الذي دفعهم إلى الحلف كاذبين.
ويقول الله عزّ وجلّ مبيناً أنَّ جميع ما يضمره هؤلاء في قلوبهم معلوم لهم، بيِّنٌ عندهم، ويخشون أن ينـزل الله فيه قرآنا يفضحهم: ﮋﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮊ (التوبة: 64) والآية تؤكد أن هذا المستكنَّ في ضمائرهم معلوم عندهم، وهم يخشون أن يخرج إلى العلن فيعلمه الناس عنهم، فهو ليس خافياً لا يعلمونه كما تقرر نظرية التحليل النفسي عند فرويد.
ومدرِّس التأصيل يمكن أن يستدل بآية أو حديث على مفهوم ثابت ورد في علم النفس الحديث، ولكن من الخطأ أن يستدل بهما على نظرية. فيمكن الاستدلال بالقرآن والسُّنة على الحقائق، أما النظريات فهي متغيرة متطورة، ولا يصح إقحام نصوص القرآن والسُّنة لتأييد نظرية من النظريات. ولتوضيح ذلك أضرب مثلاً بنظرية الحاجات:
ثمّة فرق بين الحاجة، ونظرية الحاجات؛ فالباحث يمكن أن يستدل على أي حاجة من الحاجات، كحاجة الطعام والشراب والجنس؛ لأنِّ الحاجة ثابتة، ولكنَّه ينبغي أنْ لا يقع في خطأ فيستدل على نظرية الحاجات عند (ماسلو)؛ لأنَّ النظرية تفسير مفترض. ودارس علم النفس لن يجد خلافاً كبيراً بين الباحثين حول أهمية أي حاجة من الحاجات، ولكنه سوف يجد خلافاً بينهم حول نظرية (هرم الحاجات) لماسلو، وحول نماذج تفسير الحاجة والإشباع، كالذي نجده في أنموذج تفسير الإحباط عند دولارد وميللر.
في التصور الإسلامي الإنسان مأمور بإشباع حاجته بالحلال، فيأكل إذا جاع، ويشرب إذا عطش، ويؤدي حق بدنه عليه فيرتاح إذا تعب، قال تعالى: ﮋﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﮊ (الأعراف: 31)، ولكن الأنموذج الغربي في تفسير السلوك؛ هو أنَّ الإشباع يؤدي إلى السواء النفسي، وعدم الإشباع يؤدي إلى الإحباط أو عدم السواء، هو محلُّ لغط بين الباحثين الغربيين أنفسهم؛ فنظرية التعلم الاجتماعي والنظرية المعرفية أسقطتا أنموذج الإحباط الذي اقترحه دولارد وميللر. ودحض فيكتور فرانكل في كتابه "الإنسان يبحث عن المعنى" أنموذج ماسلو في إشباع الحاجات. ومما قرره (فرانكل) أنَّ السعي المستمر نحو الإشباع لا يورث إشباعاً، ولكنه يسبب عصاباً نفسياً.
إذن، نحن نستدل بالقرآن والسنة على الحقائق فقط، أما النظريات؛ فلأنَّها متغيرة، لا يمكن الاستدلال عليها.
التراث النفسي
من الضروري في دراسة التراث أن يدرسه الباحث كما يريده أصحابه، ويتجنب قراءته من خلال بعض النظريات النفسية المعاصرة، فيقدم العالمِ بوصفه سلوكياً أو جشطالتياً * أو معرفياً أو تحليلياً. إن قراءة تراث العالِم من خلال تصور آخر طارئ هو تحريف له، وإلغاء لمواطن الإبداع في التراث.
ومن الأمثلة المشهورة في ذلك دراسة فايز الحاج، التي قدم فيها أبا حامد الغزالي عالِماً سلوكياً شرطياً. ولا أشك في الدافع النبيل للدكتور فايز الحاج، فهو يريد أن يثبت أن نظرية الاقتران الشرطي لبافلوف سبق إليها الغزالي، ولكنه في خضم السباق جعلنا نقرأ بافلوف في الغزالي ولا نقرأ الغزالي كما هو على حقيقته.
إن أنموذج الاقتران الشرطي عند بافلوف يقضي بأن الحضور المتزامن لمثيرين أحدهما شرطي والآخر غير شرطي يعطي المثير الشرطي القدرة على استثارة الاستجابة، التي يمكن أن يثيرها المثير غير الشرطي. فالنظرية تشترط تزامنا،ً أو اقتراناً مادياً للمثيرين، بينما عند الغزالي لا يوجد شيء من ذلك ألبتة. نظرية سبق الوهم إلى العكس كما يراها الغزالي هي أن يرى الإنسان حبلاً، فيسبق إلى ذهنه صورة متخيلة، فيظن الحبل حية، فيهرب منه. وصورة الحية المتخيلة وأنها مؤذية من الممكن أن تنشأ من خبرة سابقة (حينما يكون الشخص ضحية للدغة الحية)، أو تنشأ من الملاحظة إذا رأى شخصاً آخر لدغته حية، ومما يذكره الغزالي أن الطفل الذي لم تلدغه الحية لا يهرب منها، ولكنه إذا رأى والده يهرب تعلَّم منه فهرب منها، لهرب والده، مقتدياً به. إذن الموقف التعليمي عند الغزالي غني جداً؛ إذ اجتمع فيه الملاحظة والتخيل والخبرة المباشرة، واختزاله في أنموذج المثير والاستجابة أو نظرية الاقتران الشرطي الكلاسيكي تشويه لما يحويه من غنى، وهو فهم له على غير وجهه.
ومن أمثلة الأخطاء في فهم التراث أن يجد الباحث اتفاقاً في اللفظ بين مصطلح تراثي وآخر نفسي معاصر، فيظن أنهما متفقان ومعناهما واحد، بينما الواقع خلاف ذلك، ومن الشواهد على ذلك الخلط بين مصطلح السلوك في علم النفس الحديث، ومصطلح السلوك عند ابن تيمية. فمصطلح السلوك في الدراسات النفسية الحديثة يعني: كل نشاط يصدر عن الإنسان أو الكائن الحي، أما عند ابن تيمية وعلماء الشريعة فيعني نوعاً محدداً من السلوك، وهو الأعمال التعبدية، وهو يُستخدم بديلاً لمصطلح التصوف.
إن تراث العلماء يمكن أن يذكر ضمن مقرر تاريخ علم النفس، كما يمكن أن يذكر بوصفه نموذجاً لتفسير السلوك ضمن ما يدرسه الطالب من نماذج مفسرة في علم النفس الحديث، فمثلاً لابن القيم رؤية في تطور السلوك من خاطرة في الذهن إلى أن يكون عادة، وبنى على هذا الأنموذج تصوراً في علاج السلوك وتعديله من خلال تصحيح الأفكار والمشاعر. فما ذكره ابن القيم يمكن أن يذكر مستقلاً في باب تعديل السلوك، ويدرسه الطلاب كما يدرسون أي تصور آخر مماثل في هذا الموضوع. كما يمكن أن يذكر هذا التراث بوصفه قراءات مساعدة؛ إذ يتصل الطلاب بتراث أمتهم، فلا يشعرون بالغربة ولا اضطراب الهوية.




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

توظيف التأصيل الإسلامي لعلم النفس في تدريس مقررات علم النفس Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28716
السٌّمعَة : 23
العمر : 45
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

توظيف التأصيل الإسلامي لعلم النفس في تدريس مقررات علم النفس Empty رد: توظيف التأصيل الإسلامي لعلم النفس في تدريس مقررات علم النفس

مُساهمة من طرف سامح عسكر الخميس أكتوبر 20, 2011 9:27 am

رابعاً: قواعد وتوجيهات في توظيف التأصيل في تدريس علم النفس
ثمة قواعد وتوجيهات تضبط عملية توظيف التأصيل في تدريس علم النفس، ومن أهمها:
1. الحذر من تحريف علم النفس أو تحريف الشريعة:
مدرِّس أي علم، سواء أكان علم النفس أم غيره لا بدّ من أن يحافظ على مفاهيم العلم الذي يدرسه ونظرياته كما يريدها أصحابها، وكما وردت في كتب العلم المعتبرة، فلا يُحرِّفها بحجة إبعاد الشناعة عنها وتيسير قبولها عند الطلاب. وبعض من اشتغل بالتأصيل وقع في المحظور؛ إذ صوّر بعض النظريات النفسية كأنها مستقاة من القرآن أو من السنة، غير معدِّل ما فيها من خطأ، ولا مصوِّباً ما فيها من انحراف، ولكنه أوهم القارئ بأنها نظريات إسلامية تستند إلى القرآن والسنة. وهذا ليس تأصيلاً، ولا يفيد علم النفس في شيء، فما هو إلا تحريف للآيات القرآنية والأحاديث النبوية. ومن الأمثلة على ذلك: ما قاله عزت الطويل: "ولسنا نرى في هذا الصدد أيَّ خلاف أو تباين بين ما ينادي به علماء النفس المحدثون وما يشير إليه القرآن العظيم، ألم يقصد باللاشعور النفس الأمارة بالسوء؟ أليس المقصود بمنطقة الشعور النفس المطمئنة؟ كما أن الأنا العليا ما هي إلا النفس اللوامة. ليس هناك تعارض إذن بين القرآن وعلم النفس في نظرة كل منهما إلى النفس البشرية، وإن كان الأول ذا نظرة فاحصة دقيقة تمتاز بالعمومية والشمول عن الثاني."
وهذا النص مليء بقضايا لا يقرّها العلم، ومنها أنه صوَّر أن نظرية التحليل النفسي هي علم النفس كله، وأن نظرة مدرسة التحليل النفسي إلى النفس تمثل علم النفس بكامله، وهذه دعوى لم يدَّعها فرويد نفسه.
وهذا مثال آخر، يقول نبيل السمالوطي: "وربما استقى فرويد هذه النظرية من التصور الإسلامي عن النفس الأمارة (الشهوية)، والنفس اللوامة (التي تحاول الرجوع للحق)، والنفس المطمئنة (أعلى مراتب السمو) ولكنه شوَّه هذه النظرية الإسلامية."
وهذه الدعوى التي ادعاها هذان الكاتبان وغيرهما رغم خلوها من دليل، لم تأت من فراغ، ولعلها نشأت من افتراض خاطئ وهو أن ما قرره علم النفس صواب، أو أنه لا يمكن تفسير السلوك خارج الأطر التي تبناها علم النفس الغربي. وهذا الافتراض هو نتيجة لغياب المرونة الذهنية، وبروز التصلب الذهني، مما سبق الإشارة إليهما في شخصية المدرس.
ويقعُ الباحثون في هذا النوع من الأخطاء، حينما يحاولون أن يستخدموا القرآن والسنة في تصديق نظرية من نظريات علم النفس، أو نماذج تفسير السلوك في علم النفس، وهذا العمل ينطلق من مفهوم خاطئ للنظرية والنماذج النفسية، فهو يفترض أن النظرية أو الأنموذج حقائق ثابتة. وهي لو كانت حقائق ثابتة لما سميت نظريات، وإنما هي محاولة من المنظِّر، يُفسِّر بها العلاقة بين مجموعة من العوامل المكونة لظاهرة من الظواهر، وحينما يجد المنظِّر تفسيراً آخر أولى من التفسير الذي أخذ به أول مرة، يتجاوزه إلى غيره مما هو أقدر منه على تفسير العلاقة. وممن ناقش مفهوم النظرية في علم النفس هال وليندزي في كتابهما المميز عن نظريات الشخصية، ومما ذكراه:
"النظرية هي فرضية غير مثبتة، أو تأمل (أو تخمين) حول الحقيقة لم يثبت بعد. وفي نظرنا: النظريات لا يمكن أن تكون حقاً أو باطلاً، على الرغم من أن تطبيقاتها أو ما اشتق منها يمكن أن يكون حقاً أو باطلاً.... النظرية هي مجموعة من الاعتقادات يصوغها المنظِّر. وتصور النظرية بأنها مجموعة من الاعتقادات يؤكد حقيقة أن النظريات ليست محددة من قبل الطبيعة، ولا المعلومات، ولا أي عملية محددة أخرى. وكما أن الخبرات والملاحظات ربما تقود الشاعر والروائي إلى صورة من الإبداع الفني، كذلك المعلومات الناتجة من التحري يمكن دمجها في مخططات تنظيرية متعددة غير متناهية. والمنظِّر حينما يختار خياراً محدداً ليمثل الحوادث التي هو مهتم بها، فهو في الواقع يمارس حرية في الاختيار المبدع.
النظرية إما أن تكون مفيدة أو غير مفيدة، وهذه الخصائص تعرف بمدى فاعلية النظرية في توليد تنبؤات أو افتراضات تتعلق بالحوادث المترابطة التي يظهر أنه يمكن التحقق منها. والنظرية يجب أن تتضمن مجموعة من الافتراضات المترابطة بصورة منتظمة وكذلك مجموعة من التعريفات التجريبية empirical definitions "
2. امتلاك رؤية نقدية يميز بها الباحث بين نظريات علم النفس:
ينبغي للباحث أن يمتلك رؤية نقدية يميز بها بين نظريات علم النفس: بين الصالح منها وغير الصالح، وبين ما يقبل وما لا يقبل. ومن المعايير التي تعين في ذلك ما ذكره مالك بدري؛ إذ يرى أن علم النفس ينقسم إلى ثلاثة أقسام: فلسفة، وعلم تجريبي، وفن، وما يقبل منها هو العلم التجريبي فقط، أما الفلسفة وبعض أساليب العلاج والممارسة التطبيقية فلا يحتاجها الباحث المسلم؛ لأنها قد تتنافى مع دينه.
3. الوعي بالأسس الفلسفية للنظريات النفسية:
على الرغم من تأكيد كثير من دارسي علم النفس ومؤرخيه على أن علم النفس استقل عن الفلسفة لما أنشأ (فونت) معمله في عام 1879م، إلا أن هذه الدعوى تحتاج إلى إعادة نظر. صحيح أنّ علم النفس استقل عن الفلسفة في مناهج البحث، ولكنه بقي مرتبطاً بها في التصورات الفكرية وفي نماذج تفسير السلوك، ولا توجد مدرسة من مدارس علم النفس إلا ولها ارتباط بمدرسة فلسفية في الغرب، أو هي مدرسة فلسفية بعينها، بل إن الإطار المعرفي الغربي الذي يهيمن على العلوم هو نتاج لتصور فلسفي مادي إلحادي. ومدرِّس علم النفس ينبغي أن يكون على وعي بالأسس الفلسفية التي تستند إليها مدارس علم النفس ونظرياته، والوعي بها يمده بالقدرة على نقدها، ومعرفة بدائل فلسفية أخرى. إنه يمنحه حرية في التفكير، ويطوّر عنده المرونة الذهنية، فلا يكون أسيراً لتصور محدد يرفض دراسة الجديد أو ما لا يعرفه.
4. وجود تصور عن طبيعة الإنسان:
من الضروري أن يعيَ مدرس علم النفس المسلم طبيعة الإنسان التي وردت إشارات إليها في القرآن والسنة، وهذه المعرفة سوف تعينه على تمييز النظريات المفسِّرة للسلوك أو للشخصية. ومن المفاهيم المهمة في ذلك مفهوم العبودية، فقد وردت آيات كثيرة تصف الإنسان بأنه عبد لله سبحانه، قال تعالى: ﮋﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﮊ (الذاريات: 56)، وقال: ﮋﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﮊ (الزمر: 53) وهذا المفهوم له شواهد وأدلة ظاهرة بيّنة في القرآن والسنة. وينبغي للباحث المسلم أن يقف عنده ويتأمله، فلعله يفتح له آفاقاً في فهم النفس البشرية. ومكان العبودية في حياة الناس يتفاوت تبعاً لتدينهم، ولكن لا يكاد يوجد أحد في الماضي تخلو حياته من العبودية والخضوع لذاتٍ عليا يشعر نحوها بالتقديس والتعظيم والخشوع. وفي العصر الحديث ظهرت موجة إلحاد، بلغت ذروتها في القرن التاسع عشر، ثم بدأت تتراجع في القرن العشرين، وظهرت أصوات باسم العلم تنادي بالإيمان بالله عزّ وجلّ.
والعبودية لها مكان مؤثر في حياة الإنسان، فالتحولات الكبرى في حياته مرتبطة بها ومستندة إليها، فالولادة والزواج والموت مرتبطة بها من خلال شعائر محددة. وهو في حال حاجته وضعفه يرجع إليها ويستمد قوته من ربه. وفي حياته العامة لا تكاد حياته تخلو من شعائر يتقرب بها إلى ربه في مواسم محددة.
وللعبودية في حياة المسلم المكان الأسمى، فزواجه عقد ديني، وإذا مات يخرج من هذه الحياة فيودَّع في قبره بشعائر دينية: الغسل، والكفن، والصلاة، والدفن في مقبرة للمسلمين. وهو في حياته يتعبد لله في اليوم خمس مرات، يتقرب فيها إلى الخالق بالصلاة، ويصوم شهر رمضان، ويتلو القرآن، ويذكر الله ويستغفره، ويذبح الذبيحة باسمه، ويبذل من وقته وماله وجهده لهي عزّ وجلّ، بل هو يشعر أن أعماله كلها لله؛ فمنه يستمد العون والتوفيق والهداية. وأجمل ما يوضح مكانة العبودية في حياة المسلم قول الله سبحانه: ﮋﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﮊ (الأنعام: 162-163). فالمسلم حياته لله، وموته أيضاً لله.
وقضية تشغل هذا الحيز من حياة الإنسان، سواء أكان مسلما أم غير مسلم، لا شك في أنها تؤثر في السلوك وتوجِّهه، ولا يمكن دراسة السلوك منفصلاً عنها.
5. وجود تصور عن طبيعة المجتمع:
تصور العلوم الاجتماعية العلاقة بين الناس في المجتمع على أنها صراع وسباق على المصالح، وهذا التصور منطلق من الفلسفة الفردية individualism التي سادت في الغرب. ففي دراسة لروبرتز وهيلسون تتبعا فيها التغير الثقافي في المجتمع الأمريكي من عام 1950م حتى عام 1985م، ظهر لهما أن ثقافة المجتمع الأمريكي تتجه إلى مزيد من الفردية، وذكرا أنَّ عدداً من الباحثين لاحظوا منذ منتصف السبعينيَّات أن ثقافة المجتمع الأمريكي تتجه إلى مزيد من الأنانيةselfishness أيضاً، وكذلك الانتقال من الإطار الاجتماعي social paradigm إلى الإطار الشخصي personal paradigm في هيكلة الرفاه structuring well-being. والانتقال من الإطار الاجتماعي إلى الإطار الشخصي ربما تضمن الفردية والأنانية معاً. وهذا التغير ليس مقصوراً على المجتمع الأمريكي، بل تشهدُ المجتمعات الأوربية تغيراً في هذا المسار كذلك، ولهذا أصبحت الفردية إحدى سمات المجتمعات الغربية.
وهذا التغير الثقافي ظهر في النظريات الاجتماعية المفسِّرة لحركة المجتمع، والنظريات النفسية المفسرة لسلوك الأفراد. ويفترض في مدرِّس علم النفس أن يكون على وعي بذلك، وحينما يتصف بالمرونة الذهنية سوف يكتشف صوراً من العلاقات بين أفراد المجتمع أهم من علاقة الصراع، وأعظم أثراً في سلوك أفراده. ومن هذه العلاقة التي وردت الإشارة إليها في القرآن والسنة علاقة التعاون أو الأخوة، وهذه أثبتها الله للمؤمنين حتى في حال الحرب والصراع، فقال تعالى: ﮋﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﮊ (الحجرات: 9-10) وعن ‏أبي هريرة ‏ ‏قال: قال رسول الله ‏: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لاَ يَخُونُهُ وَلاَ يَكْذِبُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، عِرْضُهُ وَمَالُهُ وَدَمُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْتَقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ."
‏والمتأمل يدرك أن علاقات التعاون بين أفراد المجتمع أسبق في نشأة المجتمع وتكوينه من علاقات الصراع والتنافس. وينبغي للباحث أن يلتفت إلى هذا المفهوم فيُفعِّلَهُ فيما يدرسه من مفاهيم عن النفس والمجتمع. وهو إن لم يستطع صياغة مفهوم مستقل عن التصور الغربي للسلوك والعلاقات الاجتماعية، فيمكنه أن يقدم مفهوم الأخوة بوصفه تصوراً آخر يضاف إلى تلك التصورات التي يتعلمها الطلاب. وممن تحدث عن هذا الموضوع ابن خلدون في مقدمته، حينما تحدث عن المجتمع، وأنه قائم على تعاون الناس فيما بينها. ويمكن دراسة تصور ابن خلدون جنباً إلى جنب مع التصورات الأخرى التي يدرسها الطالب في هذا المجال.
6. إدراك مقاصد الشريعة الكبرى:
الشريعة الإسلامية جاءت بحفظ مقاصد كبرى، وهذه المقاصد حددَّها عدد من العلماء في خمسة مقاصد، هي: حفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ الدين، وحفظ المال، وحفظ العرض. وعلم النفس، بل العلوم الاجتماعية عامة، ينبغي أن يتوخى بها من يدرسها تحقيق تلك المقاصد، أو مقاصد عليا مماثلة لها، أو قريبة منها. إن غياب مقاصد ما ندرسه من علوم عن ذهن الطالب، وأحياناً عن ذهنِ المدرس، يفقد تلك العلوم قيمتها في ذهن دارسيها، ويجعل منها علوماً غريبة على من يدرسها، من حيث مفاهيمها وأدواتها وغاياتها.
7. الأصل في الأفعال الإباحة:
هذه قاعدة شرعية أصولية، تفيد أن الأصل في تصرفات الناس وأعمالهم أنها مباحة في الشريعة، ولا تحريم إلا بدليلٍ من القرآن أو السنة. وهذه القاعدة مهمة لمدرِّس علم النفس وللباحث؛ لأنها تعينه في التعامل مع كمٍّ هائلٍ من البرامج العملية في تعديل السلوك، وتطوير مهارات الاتصال، وبناء الذات، فهذه كلها وفقاً للقاعدة مباحة ما لم تعارض نصاً شرعياً أو مقصداً من مقاصد الشريعة، ويستطيع الباحثُ أن يستفيد منها ويطبقها. وبعض من كتب في التأصيل ينطلق من خلاف القاعدة الشرعية، فلا يقبل أسلوباً من أساليب العلاج، أو برنامجاً من برامج تعديل السلوك، ما لم يرد له شاهد في القرآن والسنة. وهذا تضييق واسع، يصيب الباحث بحرج شديد؛ لمخالفته الأصل الشرعي، وهو قاعدة الإباحة المجمع عليها.
خاتمة:
موضوع تدريس علم النفس، وتوظيف التأصيل فيما يُدرِّسه المدرِّس من نظريات ومفاهيم نفسية، من الموضوعات المهمة التي لا يكاد يستغني عنها أحد من دارسي علم النفس ومدرِّسيه من المسلمين. وقد تناول الباحثُ هذا الموضوع في أربعة محاور هي: شخصية المدرِّس، ومصادر التأصيل، وطريقة الباحثين في الجمع بين نصوص القرآن والسُّنة وقضايا علم النفس، وبعض القواعد في توظيف التأصيل في تدريس علم النفس. وهذا الموضوع ما زالَ بحاجة إلى زيادة بحث. ومن القضايا المهمة التي تحتاج إلى بحث واستقصاء تجاربُ مدرِّسي التأصيل، ومَنْ كتب فيه، لمعرفة الطرق التي سلكوها في تأصيل مقرراتهم لتقويمها؛ فيستفاد مما فيها من صواب، ويُتجنَّب ما فيها من خطأ.

عبد الله بن ناصر الصبيح




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

توظيف التأصيل الإسلامي لعلم النفس في تدريس مقررات علم النفس Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28716
السٌّمعَة : 23
العمر : 45
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى