مقدمة العلامة مفتي الديار المصرية علي جمعة لكتاب القول التمام
شبكة واحة العلوم الثقافية :: الساحات العلمية والثقافية والحوارية :: ساحة الفقه والعلوم والحوارات الشرعية
صفحة 1 من اصل 1
مقدمة العلامة مفتي الديار المصرية علي جمعة لكتاب القول التمام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فشتان ما بين الحديث عن الشيء، والحديث في الشيء، أما الحديث عن الشيء فهو الإكثار من ذكره، وكثرة الإشارة إليه، واستفاضة تداوله على الألسنة، وكثرة دورانه عليها، وهم في كل ذلك يذكرونه هكذا مجملا، مبهما، من غير كشف حقيقي عن ماهيته، ومكوناته.
وأما الحديث في الشيء فهو تعرض لذكر تفاصيله، وشرحٌ وتصويرٌ لمعالمه، ومكوناته، وسماته، ووصف تفصيلي واضح لما يتركب منه ذلك الشيء.
وقد يكون الحديث عن الشيء دعوة إليه، وحضاً عليه، وترغيباً فيه، وبياناً لمزاياه وفضله، أما الحديث في الشيء فهو خوض في بيان ماهيته، وتصوير دقيق لما يتركب منه، ومن ثم فإنه علمٌ مؤصّل، ووصفٌ مفصّل، ونقلٌ موثّق، وتحرير وتحليل، وفهمٌ مبنيٌّ على الأدوات والمناهج العلمية المنضبطة، مع تصور كلي يعين على فهم الجزئيات.
وقد كثر في العقود الأخيرة الكلام عن مذهب السلف الكرام رضي الله عنهم، وانتشر الكلام في ذلك انتشارا واسعا، وخرج من دائرة أهل العلم، إلى دائرة العامة، والثقافة الشائعة، وجرى لغط كثير، تحركت به عقائد العامة، مع أن التعرض لتحريك عقائد العامة شديد الخطورة، وقد نبه إلى خطورته حجة الإسلام الغزالي في كتاب: (إلجام العوام، عن علم الكلام)، والعلامة الشيخ إسماعيل الحامدي في: (شرح كبرى السنوسي)، لا سيما وقد استقرّت عقائدهم من قبل على يد العلماء الثقات المأمونين، الذين قضوا أعمارهم في خدمة علوم الشرع الشريف، طبقة من وراء طبقة، وتفانوا جميعا في ذلك، مع اتساع دوائر علومهم، وشدة تحقيقهم وتدقيقهم، وتمكنهم من العلوم، وامتلاكهم لنواصيها، ولم يخلُ قرنٌ ولا جيلٌ من العلماء النبلاء المرضيين، القائمين لله بالحجة، حتى قاموا بواجب زمانهم، جزاهم الله عن الأمة خير الجزاء.
والشاهد أنه كثر اللغط في الآونة الأخيرة والكلام عن هذه المسائل، واتجهت الأمور في كل ذلك اتجاها غير حميد، حيث وقع الصخب والتدافع، وتبادل الاتهامات، والطعن في العقائد، والتهجم على ما في الصدور، والعدوان على الأجيال السابقة لأمة الإسلام، مع سوء فهم، ومغالطة في تصوير عقائد السلف، وكل تلك الفئات ترفع راية مذهب السلف الكرام، رضي الله عنهم، وكل قبيل منها يدعي لنفسه الانتماء إليه.
فكان أكثر المتكلمين في ذلك يتحدثون عن مذهب السلف، لا فيه، وكانت السمة العامة لتلك المرحلة خروج سيل من الكتابات الإنشائية، والدراسات المتعجلة، التي تأثرت بالجو المشحون في هذه القضية، والتي تطنب في الدعوة إلى مذهب السلف، وتشرحه شرحا مشوها، غير مبني على علم وتأصيل، فأكثرها كتابات أدبية، ممتلئة بالإثارة والتشغيب والتهييج، مع أن العلم مبني على التفكر والهدوء، والخروج من دائرة الشغب، حتى يصفو الفكر للبحث العلمي الموصل إلى مرضاة الله تعالى، مع المعرفة بالمصادر، وكيفية جمع المادة العلمية، ثم كيفية تركيبها، ثم كيفية فهمها.
وقد قلَّت في أثناء ذلك كله الكتابات العلمية الرصينة المؤصلة، التي تتعرض لبيان ماهية مذهب السلف، وتصوره تصويرا دقيقا، مطابقا للواقع، وتشرح مكوناته ومعالمه، وتتوسع في تحرير المنقول، المشفوع بتحليلات المعقول، وتستفيد في كل ذلك من العلوم العقلية الدقيقة المحكمة، التي شيدها عباقرة الإسلام ونوابغه في باب علم الكلام.
ولا شك في أن جريان الأمور على هذا النسق المذكور يحتاج إلى جمهرة من الأعمال العلمية الناضجة، التي يصبر صاحبها على البحث والتنقيب والمناقشة والتعليل، حتى يخرج بكتابة علمية محررة، وبمثل ذلك ينفض اللغط والغبار الذي يثار هنا وهناك.
وبين أيدينا باكورة في هذا الباب، حيث إن هذا الكتاب: (القول التمام، بإثبات التفويض مذهبا للسلف الكرام)، لمؤلفه الشيخ البحاثة الشاب: سيف بن علي العصري، يمثل دراسة مهمة، في تصوير مذهب السلف، والكلام فيه، والاجتهاد في وصف مكوناته، وبيان ماهيته، وقد حفل كتابه بمناقشات، وتحليلات، مع دراسة مهمة جدا، قام فيها بعمل إحصائي، استقرائي، حشد فيه النقول من كلام مائة وأحد عشر عالما وإماما، من علماء الأمة، عبر أجيال مختلفة، وطبقات متفاوتة، وفترات زمنية متعددة، تلتقي كلها على توصيف دقيق لمذهب السلف، وتبين أنه قائم على تفويض معاني آيات الصفات، مع اللجوء إلى التأويل في موارد محددة، ومواضع معينة، بالإضافة إلى بحوث أخرى ضافية، ومناقشات جيدة، ودفع لشبهات تثار حول مفهوم التفويض.
ومن فوائد الكتاب أيضا الكشف عن جانب من جوانب أصالة مذهبي السادة الأشاعرة والماتريدية، وأنه معبر تعبيرا صحيحا عن عقائد السلف الكرام، قائم بخدمة تلك العقائد، والذب عنها، على النحو الذي قام به أيضا الأزهر الشريف عبر تاريخه الطويل، حيث تلقى المذهب المعتمد في باب العقائد، ونهض بخدمته وتعليمه، والإمعان في تقرير دلائله.
وأرى أن هذا الكتاب لبنة مهمة في سياق الدراسة العلمية الرصينة لهذه القضية، ينبغي أن تتبعه كتابات أخرى على نفس النهج، لإعادة شرح تلك البحوث الدقيقة، مع مناقشة ما يثار حولها من مشكلات وشبهات.
ولكي نقوم بواجب الوقت كما قام السابقون بواجب وقتهم، فلابد من التعرض للمسائل المثارة بالبيان والتوضيح، لا بالهجوم ولا بالدفاع، بل بالبيان المحض، القائم على توضيح الحقائق، وشرحها، وكشف اللثام عنها، مع الشرح والتوضيح للمصطلحات التي اختلت أو تشوهت دلالاتها، وإزالة الشبهات والإشكالات عنها، ولا يخلو ذلك من مناقشة حول المفاهيم والأطروحات الملتبسة أو المغلوطة، فيتم التفاعل معها بقصد بيان، ولابد في ذلك من أن يتمحض القصد للنصح للأمة، والحرص على المسلمين أجمعين، والكف عن النيل من عقائدهم، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فشتان ما بين الحديث عن الشيء، والحديث في الشيء، أما الحديث عن الشيء فهو الإكثار من ذكره، وكثرة الإشارة إليه، واستفاضة تداوله على الألسنة، وكثرة دورانه عليها، وهم في كل ذلك يذكرونه هكذا مجملا، مبهما، من غير كشف حقيقي عن ماهيته، ومكوناته.
وأما الحديث في الشيء فهو تعرض لذكر تفاصيله، وشرحٌ وتصويرٌ لمعالمه، ومكوناته، وسماته، ووصف تفصيلي واضح لما يتركب منه ذلك الشيء.
وقد يكون الحديث عن الشيء دعوة إليه، وحضاً عليه، وترغيباً فيه، وبياناً لمزاياه وفضله، أما الحديث في الشيء فهو خوض في بيان ماهيته، وتصوير دقيق لما يتركب منه، ومن ثم فإنه علمٌ مؤصّل، ووصفٌ مفصّل، ونقلٌ موثّق، وتحرير وتحليل، وفهمٌ مبنيٌّ على الأدوات والمناهج العلمية المنضبطة، مع تصور كلي يعين على فهم الجزئيات.
وقد كثر في العقود الأخيرة الكلام عن مذهب السلف الكرام رضي الله عنهم، وانتشر الكلام في ذلك انتشارا واسعا، وخرج من دائرة أهل العلم، إلى دائرة العامة، والثقافة الشائعة، وجرى لغط كثير، تحركت به عقائد العامة، مع أن التعرض لتحريك عقائد العامة شديد الخطورة، وقد نبه إلى خطورته حجة الإسلام الغزالي في كتاب: (إلجام العوام، عن علم الكلام)، والعلامة الشيخ إسماعيل الحامدي في: (شرح كبرى السنوسي)، لا سيما وقد استقرّت عقائدهم من قبل على يد العلماء الثقات المأمونين، الذين قضوا أعمارهم في خدمة علوم الشرع الشريف، طبقة من وراء طبقة، وتفانوا جميعا في ذلك، مع اتساع دوائر علومهم، وشدة تحقيقهم وتدقيقهم، وتمكنهم من العلوم، وامتلاكهم لنواصيها، ولم يخلُ قرنٌ ولا جيلٌ من العلماء النبلاء المرضيين، القائمين لله بالحجة، حتى قاموا بواجب زمانهم، جزاهم الله عن الأمة خير الجزاء.
والشاهد أنه كثر اللغط في الآونة الأخيرة والكلام عن هذه المسائل، واتجهت الأمور في كل ذلك اتجاها غير حميد، حيث وقع الصخب والتدافع، وتبادل الاتهامات، والطعن في العقائد، والتهجم على ما في الصدور، والعدوان على الأجيال السابقة لأمة الإسلام، مع سوء فهم، ومغالطة في تصوير عقائد السلف، وكل تلك الفئات ترفع راية مذهب السلف الكرام، رضي الله عنهم، وكل قبيل منها يدعي لنفسه الانتماء إليه.
فكان أكثر المتكلمين في ذلك يتحدثون عن مذهب السلف، لا فيه، وكانت السمة العامة لتلك المرحلة خروج سيل من الكتابات الإنشائية، والدراسات المتعجلة، التي تأثرت بالجو المشحون في هذه القضية، والتي تطنب في الدعوة إلى مذهب السلف، وتشرحه شرحا مشوها، غير مبني على علم وتأصيل، فأكثرها كتابات أدبية، ممتلئة بالإثارة والتشغيب والتهييج، مع أن العلم مبني على التفكر والهدوء، والخروج من دائرة الشغب، حتى يصفو الفكر للبحث العلمي الموصل إلى مرضاة الله تعالى، مع المعرفة بالمصادر، وكيفية جمع المادة العلمية، ثم كيفية تركيبها، ثم كيفية فهمها.
وقد قلَّت في أثناء ذلك كله الكتابات العلمية الرصينة المؤصلة، التي تتعرض لبيان ماهية مذهب السلف، وتصوره تصويرا دقيقا، مطابقا للواقع، وتشرح مكوناته ومعالمه، وتتوسع في تحرير المنقول، المشفوع بتحليلات المعقول، وتستفيد في كل ذلك من العلوم العقلية الدقيقة المحكمة، التي شيدها عباقرة الإسلام ونوابغه في باب علم الكلام.
ولا شك في أن جريان الأمور على هذا النسق المذكور يحتاج إلى جمهرة من الأعمال العلمية الناضجة، التي يصبر صاحبها على البحث والتنقيب والمناقشة والتعليل، حتى يخرج بكتابة علمية محررة، وبمثل ذلك ينفض اللغط والغبار الذي يثار هنا وهناك.
وبين أيدينا باكورة في هذا الباب، حيث إن هذا الكتاب: (القول التمام، بإثبات التفويض مذهبا للسلف الكرام)، لمؤلفه الشيخ البحاثة الشاب: سيف بن علي العصري، يمثل دراسة مهمة، في تصوير مذهب السلف، والكلام فيه، والاجتهاد في وصف مكوناته، وبيان ماهيته، وقد حفل كتابه بمناقشات، وتحليلات، مع دراسة مهمة جدا، قام فيها بعمل إحصائي، استقرائي، حشد فيه النقول من كلام مائة وأحد عشر عالما وإماما، من علماء الأمة، عبر أجيال مختلفة، وطبقات متفاوتة، وفترات زمنية متعددة، تلتقي كلها على توصيف دقيق لمذهب السلف، وتبين أنه قائم على تفويض معاني آيات الصفات، مع اللجوء إلى التأويل في موارد محددة، ومواضع معينة، بالإضافة إلى بحوث أخرى ضافية، ومناقشات جيدة، ودفع لشبهات تثار حول مفهوم التفويض.
ومن فوائد الكتاب أيضا الكشف عن جانب من جوانب أصالة مذهبي السادة الأشاعرة والماتريدية، وأنه معبر تعبيرا صحيحا عن عقائد السلف الكرام، قائم بخدمة تلك العقائد، والذب عنها، على النحو الذي قام به أيضا الأزهر الشريف عبر تاريخه الطويل، حيث تلقى المذهب المعتمد في باب العقائد، ونهض بخدمته وتعليمه، والإمعان في تقرير دلائله.
وأرى أن هذا الكتاب لبنة مهمة في سياق الدراسة العلمية الرصينة لهذه القضية، ينبغي أن تتبعه كتابات أخرى على نفس النهج، لإعادة شرح تلك البحوث الدقيقة، مع مناقشة ما يثار حولها من مشكلات وشبهات.
ولكي نقوم بواجب الوقت كما قام السابقون بواجب وقتهم، فلابد من التعرض للمسائل المثارة بالبيان والتوضيح، لا بالهجوم ولا بالدفاع، بل بالبيان المحض، القائم على توضيح الحقائق، وشرحها، وكشف اللثام عنها، مع الشرح والتوضيح للمصطلحات التي اختلت أو تشوهت دلالاتها، وإزالة الشبهات والإشكالات عنها، ولا يخلو ذلك من مناقشة حول المفاهيم والأطروحات الملتبسة أو المغلوطة، فيتم التفاعل معها بقصد بيان، ولابد في ذلك من أن يتمحض القصد للنصح للأمة، والحرص على المسلمين أجمعين، والكف عن النيل من عقائدهم، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
علي جمعة
مفتي الديار المصرية
الثلاثاء 25/ذو القعدة/1431هـ
الموافق 2/11/2010م
مفتي الديار المصرية
الثلاثاء 25/ذو القعدة/1431هـ
الموافق 2/11/2010م
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
مواضيع مماثلة
» ترجمة الدكتور على جمعة
» قراءة لكتاب هاروت وماروت
» القول الرصين، في كشف السرالدفين!!!!
» تعارض القول بعدم التفويض مع التنزيه والعقل
» قراءة نقدية لكتاب تجديد الخطاب السلفي
» قراءة لكتاب هاروت وماروت
» القول الرصين، في كشف السرالدفين!!!!
» تعارض القول بعدم التفويض مع التنزيه والعقل
» قراءة نقدية لكتاب تجديد الخطاب السلفي
شبكة واحة العلوم الثقافية :: الساحات العلمية والثقافية والحوارية :: ساحة الفقه والعلوم والحوارات الشرعية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى