الصحبة والصحابة بين الإطلاق اللغوي والتخصيص الشرعي - حسن بن فرحان المالكي
شبكة واحة العلوم الثقافية :: الساحات العلمية والثقافية والحوارية :: ساحة الحوار الموضوعي بين الأديان
صفحة 1 من اصل 1
الصحبة والصحابة بين الإطلاق اللغوي والتخصيص الشرعي - حسن بن فرحان المالكي
المقدمة
بسم الله،
مبحث (الصحابة) من المباحث والموضوعات ذات الأهمية البالغة في التراث والفكر الإسلامي قديماً وحديثاً؛ لما يترتب عليه من قضايا فقهية وحديثية وعقدية، وجوانب أخرى تتصل بالجانب السياسي والشوروي في الفكر الإسلامي، إضافة لقضايا أخرى ذات صلة وثيقة بهذا الجانب.
ومن خلال اهتمامي بهذا الموضوع، رأيت أن موضوع (الصحبة والصحابة) من أكبر الموضوعات أهمية، وأشدها حرجاً، عند كثير من مفكري الإسلام، بل عند سائر المهتمين بالإسلام ودراسته من غير المسلمين.
وقد استعرض علماء المسلمين الأوائل كثيراً من سير الصحابة وأخبارهم وفضائلهم، مع نقد من ارتد منهم أو نجم عنه نفاق أو ظلم واستبدّ أو ارتكب أحد المحظورات الشرعية الكبرى (كبائر الذنوب).
ولعل أول من أفرد (الصحابة) بمؤلف هو الإمام البخاري، صاحب الصحيح (256هـ) في كتابه تاريخ الصحابة (لعله التاريخ المطبوع باسم التاريخ الأوسط وقد طبع باسم التاريخ الصغير أيضاً)، وإن كان قد سبقه من تحدث عن الصحابة ضمن تواريخهم وكتبهم التي وضعوها في التراجم كابن سعد (ت230هـ) في الطبقات الكبرى والإمام علي بن المديني (234هـ) في كتابه (تسمية من نزل من الصحابة في سائر البلدان –مفقود)، ثم وخليفة بن خياط شيخ البخاري (240هـ) في تاريخه المسمى (تاريخ خليفة بن خياط)، وابن أبي خيثمة (234هـ) في تاريخه (وهو مفقود وقد طبع منه جزء صغير)، وغيرهم ممن أدخل تراجم الصحابة في تراجم غيرهم من التابعين فمن بعدهم.
وتبع الإمام البخاري في إفراد الصحابة بالتأليف جماعة من علماء الحديث والتراجم، فصنف فيهم الحافظ البرقي (270هـ)، ثم ألف الإمام الترمذي (279هـ) كتاب (تسمية أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم) –وهو مطبوع-، ثم ألف أبو بكر بن أبي خيثمة (279هـ) كتاباً بعنوان (تاريخ الصحابة)، ثم عبدان المروزي (293هـ) في كتابه (تاريخ الصحابة)، ثم محمد بن عبد الله الحضرمي المعروف بمطيَّن (ت 297هـ) في كتابه (الصحابة وهو مفقود)، ثم الإمام أبو منصور الباوردي (310هـ) في كتابه (تاريخ الصحابة)، ثم أبو بكر بن أبي داود (316هـ)، ثم عبد الله بن محمد البغوي (317هـ) في كتابه (معجم الصحابة)، ثم العقيلي محمد بن عمر (322هـ) في كتابه (الصحابة)، ثم خيثمة بن سليمان (343هـ) في كتابه (فضائل الصحابة)، ثم ابن قانع (351هـ) في كتابه (معجم الصحابة –مطبوع-)، ثم الإمام ابن السكن (353هـ) في كتابه (أسماء الصحابة)، ثم الإمام ابن حبان –صاحب الصحيح- (354هـ) في كتابه (أسماء الصحابة)، ثم ابن القطان (360هـ) في كتابه (أسماء الصحابة) أيضاً، وللطبراني (360هـ) (المعجم الكبير في أحاديث الصحابة -مطبوع)، ولابن عدي (365هـ) كتاب (أسماء الصحابة) أيضاً، ثم ابن مندة (390هـ) في كتابه (معرفة الصحابة)، ثم ألف الإسماعيلي (396هـ) (معجم الصحابة)، وكذلك فعل أحمد الهمداني (398هـ)، ثم أبو نعيم الأصبهاني (430هـ) في كتاب (معرفة الصحابة -مطبوع-)، ولابن حزم الأندلسي (456هـ) كتاب مختصر في (أسماء الصحابة)، ثم جاء الإمام ابن عبد البر (463هـ) في كتابه (الاستيعاب في أسماء الأصحاب -مطبوع أكثر من طبعة-) فجمع ما تشتت عند غيره، وكتابه من أشهر وأفضل الكتب المؤلفة في تاريخ الصحابة وأخبارهم، وله ميزة أخرى في صراحته والتزامه المنهج الإسلامي الصحيح في نقد بعض من وصف بالصحبة إذا صدرت منه مخالفة شرعية من ظلم أو فسق وما إلى ذلك، فابن عبد البر يجعل الشرع فوق الصحابي، فلذلك نجد بعض المتحفظين من الناس نقد كتاب ابن عبد البر لوضوحه في هذا الجانب، ولا ريب أن ابن عبد البر أقرب للمنهج الإسلامي من كل من نقده، لأن هؤلاء الناقدين يجعلون تاريخ الصحابة سابقهم ولاحقهم تاريخاً مقدساً، بينما ابن عبد البر يجعل القداسة للإسلام نفسه، وعلى هذا فلا نحمل الإسلام أخطاء الصحابة أو غيرهم.
ثم جاء بعد ابن عبد البر الحافظ ابن عساكر (571هـ) فصنف (معجم الصحابة)، ثم جاء الحافظ عز الدين ابن الأثير (630هـ) ليؤلف كتاباً جامعاً أسماه (أسد الغابة في معرفة الصحابة)، استدرك فيه بعض التراجم على من سبقه وأدخل فيه استدراكات ابن فتحون (520هـ) على ابن عبد البر، واستدراكات أبي موسى المديني (581هـ) على ابن مندة.
ثم جاء الذهبي (748هـ) في كتابه (تجريد أسماء الصحابة)، ثم كان آخر المشهورين من المؤلفين في تراجم الصحابة هو الحافظ ابن حجر العسقلاني (852هـ) في كتابه المشهور (الإصابة في تمييز الصحابة) الذي جمع فيه ما لم يجمعه غيره بفضل اطلاعه على مؤلفات من سبقه والإفادة منها، وقد دفعه حب الاستدراك على من سبقه أن أدخل في الصحابة من ليس منهم، أو لم يقم دليل على صحبته ولا لقياه النبي (صلى الله عليه وسلم)، ولا رؤيته له، وذلك عندما قَعَّد قواعد غير صحيحة، ومن أبرزها أن أمراء الفتوحات الإسلامية لم يكونوا إلا من الصحابة لأنهم في ذلك الزمن –زمن الفتوحات الأولى- لا يؤمرون إلا الصحابة، وأنه لم يبق أحد من قريش ولا ثقيف إلا شهد حجة الوداع مع النبي (صلى الله عليه وسلم)، وعلى هذا فهم صحابة كلهم، وأن كل مولود في عهد النبوة في المدينة يكون من صغار الصحابة، وما إلى ذلك من القواعد المحتملة التي لا يصح تعميمها على كثير من الناس الذين أوردهم الحافظ رحمه الله في كتاب الإصابة.
كانت هذه أبرز المؤلفات التي أفردت في تراجم الصحابة جملة، وعلى هذا فلم أذكر المؤلفات في فضائل الصحابة، ولا المؤلفات في تراجم الخلفاء الأربعة، أو تراجم العشرة، أو تراجم زوجات النبي (صلى الله عليه وسلم)، أو المؤلفات في تراجم أفراد من الصحابة، ولا المؤلفات في مجتهدي الصحابة وفقهائهم، ونحو ذلك مما يطول بنا ذكره.
ولم يطبع من الكتب المتقدم ذكرها إلا القليل، لعل أشهرها الاستيعاب لابن عبد البر، وأسد الغابة لابن الأثير، والإصابة لابن حجر، فلا يكاد يرجع الباحثون عند ترجمة الصحابي إلى غير هذه الكتب الثلاثة، وقد يقتصر بعضهم على الأخير، بحكم قوة جمعه واستدراكاته على من سبقه.
وقد طبع حديثاً بعض هذه المؤلفات ككتاب ابن قانع وأبي نعيم.
وموضوع الصحابة كما تقدم من الموضوعات ذات الأهمية القصوى عند المسلمين في القديم والحديث؛ لاختلاف المسلمين في تعريف الصحابي، وعدالة الصحابة، وفضلهم، وما إلى ذلك، وكان لهذا الاختلاف الدور الأساس في نشوء التيارات الفكرية الإسلامية الأولى، وظهور الفرق الإسلامية من القرن الأول، وقد استمر الاختلاف بينها إلى يومنا هذا.
وكانت السياسة تلعب أيضاً الدور الأكبر في توسيع الفجوة بين علماء المسلمين وعوامهم، ولم يكن الساسة يشتهون الفرقة بين المسلمين لمجرد الإفساد بينهم، ولكن كانت لهم مصالح في تأييد هذه الجماعة أو تلك، ومنها إظهار الحاكم نفسه بمظهر الحريص على سلامة العقيدة والحامي لها ضد الطوائف الأخرى.
فلذلك شكَّل مغفلو الصالحين والعوام الساعد الأيمن لكل سلطة تستغل هذه القضية على مر التاريخ، سواءً كان هؤلاء من السنة أو الشيعة أو المعتزلة أو النواصب أو الخوارج ولعل الخوارج أخف هؤلاء استغلالاً للسلطة.
وقضية (الصحابة) من القضايا المستثمرة في تصفية الخصوم، أو كبتهم، أو التضييق عليهم، أو التشكيك في عقائدهم، وتنفير الناس عنهم، وعن علمهم، دون النظر إلى حججهم وأدلتهم.
فإنه تكفي عبارة (فلان يطعن في الصحابة) للقضاء على كل إبداع بحثي عند أهل السنة، كما تكفي عبارة (فلان يثني على أعداء أهل البيت) للقضاء على الإبداع نفسه عند الشيعة.
والسنة والشيعة يشكلان أهم فرقتين إسلاميتين من حيث الانتشار، وكثرة الإنتاج الفكري، مع تقدم زمانهما من أيام الخلافة الراشدة، بل جذورهما الأولى تمتد من عهد النبوة.
ولهذا كله رأيت أن موضوع (الصحابة) يحتاج من وقت لآخر لجهود الباحثين المنصفين سواءً من السنة أو الشيعة أو المعتزلة أو الزيدية أو الإباضية، أو النواصب، وهذه الفرق هي تقريباً الفرق الممثلة للإسلام في هذا العصر.
نعم إن الجميع بحاجة إلى حوار، وبحث طويل المدى، لا يكفي فيه مجرد الالتقاء ونقل التشويهات المتبادلة، وإنما يحتاج لبحث هادئ نزيه منصف، بعيد عن كل مصادرة للآراء الأخرى؛ ما دام أن تلك الآراء تدعي الالتزام بالمنهج العلمي.
وهذا البحث المنصف المطلوب من هؤلاء لا بد فيه من ترك التقليد جانباً، والتحلي بالاجتهاد؛ لأن التقليد من أكبر أسباب تفرق المسلمين، ولا يمكن لأي حوار أو بحث أن يؤتي ثمرته؛ ما دام التقليد راسخاً عند هذه الطوائف أو عند كثير ممن يدعي تمثيلها.
وبحكم انتمائي لأهل السنة، لا يجعلني أتعصب لمؤلفاتهم وعلمائهم، فأولئك العلماء من السلف كانوا ينهوننا عن التقليد، فإذا كانوا ينهوننا صادقين فلماذا لا نلتزم بنصيحتهم؟ وإذا كانوا ينهوننا كاذبين فلماذا نتخذهم قدوة؟.
على أية حال: كنت ولا زلت من المهتمين بالتاريخ الإسلامي في صدره الأول (السيرة النبوية وتاريخ الخلفاء الراشدين) وهذا الاهتمام دفعني للتعرف على المصطلحات التي لها علاقة مباشرة ومؤثرة بتلك الفترة.
ومن أبرز المصطلحات ذات التأثير على الفكر الإسلامي والتاريخ الإسلامي وتفسيره مصطلح (الصحبة والصحابة).
فالمصطلح الشائع عند كثير من الفقهاء والمحدثين المتأخرين في كون الصحابي يطلق على (كل من رأى النبي (صلى الله عليه وسلم) أو لقيه من المسلمين)، مصطلح فيه من التجوز الشيء الكثير، وهذا التجوز كان له أثر سيئ على قراءة المسلمين لتاريخ السيرة النبوية وتاريخ القرن الأول.
وسوء القراءة هذه كان لها أثر على الجانب الفقهي والحديثي والأخلاقي عند المسلمين، فاختلطت أمور كثيرة في هذه الجوانب نتيجة تعميم مصطلح (الصحبة)، مع التباين الكبير بين مصطلح الصحبة التي أثنى عليها القرآن الكريم والسنة النبوية، وبين الصحبة العامة التي ليس فيها ثناء ولا مديح وإنما كان إطلاقها لغوياً.
فالصحبة الشرعية لا يصح إطلاقها إلا في المهاجرين والأنصار ومن في حكمهم من مواليهم وحلفائهم والمستضعفين ونحو ذلك، أما الأعراب والطلقاء (مسلمو فتح مكة) والوفود وغيرهم، فليسوا صحابة من الناحية الشرعية وإن كانوا صحابة من الناحية اللغوية، وعلى هذا فلم ترد في حقهم تلك الآيات الكريمة من الثناء على من كانوا مع النبي (صلى الله عليه وسلم) أو على المهاجرين والأنصار وما أشبه ذلك كما سيأتي).
حقاً إن تعميم فضل الصحبة ومنزلتها على كل من لقي النبي (صلى الله عليه وسلم) من المسلمين أدى إلى اختلاف بين كثير من الفرق الإسلامية ولا زال الاختلاف بينها إلى يومنا هذا، إذ أدى هذا التعميم في المديح إلى تعميم فرق أخرى كالشيعة لنصوص أخرى في الذم وأصبح الناجون عندهم أفراداً قلائل.
ولتحديد مفهوم الصحبة يجب علينا أن نفرق بين المصطلحات الشرعية والمصطلحات العرفية والمصطلحات اللغوية ، إلا إذا تطابقت أو توافقت.
فاللغة أوسع دائرة لدخول المجاز والمشترك اللفظي فيها ثم تأتي دائرة العرف إذ يشترط فيه إلى جانب الحقيقة اللغوية أن يضاف إليه عرف الناس فما تعارف الناس عليه من قولهم: فلان صاحب فلان أو من أصحابه فهو صاحبٌ عرفاً والعرف يتضمن الحقيقة اللغوية لا الشرعية، ثم أخص الدوائر هنا التعريف الشرعي؛ لأنه أكثر تحديداً، ولذلك فالشرع يحكم على العرف واللغة، والعرف لا يحكم إلا على اللغة، واللغة لا تحكم على الشرع ولا على العرف وإنما فيها الحقيقة والمجاز.
حملوا الكتاب من على هذه الروابط
http://almaliky.org/download.php?action=download&fileid=8
http://ia700507.us.archive.org/19/items/FarhanMaliki/sahaba.pdf
http://www.4shared.com/office/RdJbZAmC/______.html
بسم الله،
مبحث (الصحابة) من المباحث والموضوعات ذات الأهمية البالغة في التراث والفكر الإسلامي قديماً وحديثاً؛ لما يترتب عليه من قضايا فقهية وحديثية وعقدية، وجوانب أخرى تتصل بالجانب السياسي والشوروي في الفكر الإسلامي، إضافة لقضايا أخرى ذات صلة وثيقة بهذا الجانب.
ومن خلال اهتمامي بهذا الموضوع، رأيت أن موضوع (الصحبة والصحابة) من أكبر الموضوعات أهمية، وأشدها حرجاً، عند كثير من مفكري الإسلام، بل عند سائر المهتمين بالإسلام ودراسته من غير المسلمين.
وقد استعرض علماء المسلمين الأوائل كثيراً من سير الصحابة وأخبارهم وفضائلهم، مع نقد من ارتد منهم أو نجم عنه نفاق أو ظلم واستبدّ أو ارتكب أحد المحظورات الشرعية الكبرى (كبائر الذنوب).
ولعل أول من أفرد (الصحابة) بمؤلف هو الإمام البخاري، صاحب الصحيح (256هـ) في كتابه تاريخ الصحابة (لعله التاريخ المطبوع باسم التاريخ الأوسط وقد طبع باسم التاريخ الصغير أيضاً)، وإن كان قد سبقه من تحدث عن الصحابة ضمن تواريخهم وكتبهم التي وضعوها في التراجم كابن سعد (ت230هـ) في الطبقات الكبرى والإمام علي بن المديني (234هـ) في كتابه (تسمية من نزل من الصحابة في سائر البلدان –مفقود)، ثم وخليفة بن خياط شيخ البخاري (240هـ) في تاريخه المسمى (تاريخ خليفة بن خياط)، وابن أبي خيثمة (234هـ) في تاريخه (وهو مفقود وقد طبع منه جزء صغير)، وغيرهم ممن أدخل تراجم الصحابة في تراجم غيرهم من التابعين فمن بعدهم.
وتبع الإمام البخاري في إفراد الصحابة بالتأليف جماعة من علماء الحديث والتراجم، فصنف فيهم الحافظ البرقي (270هـ)، ثم ألف الإمام الترمذي (279هـ) كتاب (تسمية أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم) –وهو مطبوع-، ثم ألف أبو بكر بن أبي خيثمة (279هـ) كتاباً بعنوان (تاريخ الصحابة)، ثم عبدان المروزي (293هـ) في كتابه (تاريخ الصحابة)، ثم محمد بن عبد الله الحضرمي المعروف بمطيَّن (ت 297هـ) في كتابه (الصحابة وهو مفقود)، ثم الإمام أبو منصور الباوردي (310هـ) في كتابه (تاريخ الصحابة)، ثم أبو بكر بن أبي داود (316هـ)، ثم عبد الله بن محمد البغوي (317هـ) في كتابه (معجم الصحابة)، ثم العقيلي محمد بن عمر (322هـ) في كتابه (الصحابة)، ثم خيثمة بن سليمان (343هـ) في كتابه (فضائل الصحابة)، ثم ابن قانع (351هـ) في كتابه (معجم الصحابة –مطبوع-)، ثم الإمام ابن السكن (353هـ) في كتابه (أسماء الصحابة)، ثم الإمام ابن حبان –صاحب الصحيح- (354هـ) في كتابه (أسماء الصحابة)، ثم ابن القطان (360هـ) في كتابه (أسماء الصحابة) أيضاً، وللطبراني (360هـ) (المعجم الكبير في أحاديث الصحابة -مطبوع)، ولابن عدي (365هـ) كتاب (أسماء الصحابة) أيضاً، ثم ابن مندة (390هـ) في كتابه (معرفة الصحابة)، ثم ألف الإسماعيلي (396هـ) (معجم الصحابة)، وكذلك فعل أحمد الهمداني (398هـ)، ثم أبو نعيم الأصبهاني (430هـ) في كتاب (معرفة الصحابة -مطبوع-)، ولابن حزم الأندلسي (456هـ) كتاب مختصر في (أسماء الصحابة)، ثم جاء الإمام ابن عبد البر (463هـ) في كتابه (الاستيعاب في أسماء الأصحاب -مطبوع أكثر من طبعة-) فجمع ما تشتت عند غيره، وكتابه من أشهر وأفضل الكتب المؤلفة في تاريخ الصحابة وأخبارهم، وله ميزة أخرى في صراحته والتزامه المنهج الإسلامي الصحيح في نقد بعض من وصف بالصحبة إذا صدرت منه مخالفة شرعية من ظلم أو فسق وما إلى ذلك، فابن عبد البر يجعل الشرع فوق الصحابي، فلذلك نجد بعض المتحفظين من الناس نقد كتاب ابن عبد البر لوضوحه في هذا الجانب، ولا ريب أن ابن عبد البر أقرب للمنهج الإسلامي من كل من نقده، لأن هؤلاء الناقدين يجعلون تاريخ الصحابة سابقهم ولاحقهم تاريخاً مقدساً، بينما ابن عبد البر يجعل القداسة للإسلام نفسه، وعلى هذا فلا نحمل الإسلام أخطاء الصحابة أو غيرهم.
ثم جاء بعد ابن عبد البر الحافظ ابن عساكر (571هـ) فصنف (معجم الصحابة)، ثم جاء الحافظ عز الدين ابن الأثير (630هـ) ليؤلف كتاباً جامعاً أسماه (أسد الغابة في معرفة الصحابة)، استدرك فيه بعض التراجم على من سبقه وأدخل فيه استدراكات ابن فتحون (520هـ) على ابن عبد البر، واستدراكات أبي موسى المديني (581هـ) على ابن مندة.
ثم جاء الذهبي (748هـ) في كتابه (تجريد أسماء الصحابة)، ثم كان آخر المشهورين من المؤلفين في تراجم الصحابة هو الحافظ ابن حجر العسقلاني (852هـ) في كتابه المشهور (الإصابة في تمييز الصحابة) الذي جمع فيه ما لم يجمعه غيره بفضل اطلاعه على مؤلفات من سبقه والإفادة منها، وقد دفعه حب الاستدراك على من سبقه أن أدخل في الصحابة من ليس منهم، أو لم يقم دليل على صحبته ولا لقياه النبي (صلى الله عليه وسلم)، ولا رؤيته له، وذلك عندما قَعَّد قواعد غير صحيحة، ومن أبرزها أن أمراء الفتوحات الإسلامية لم يكونوا إلا من الصحابة لأنهم في ذلك الزمن –زمن الفتوحات الأولى- لا يؤمرون إلا الصحابة، وأنه لم يبق أحد من قريش ولا ثقيف إلا شهد حجة الوداع مع النبي (صلى الله عليه وسلم)، وعلى هذا فهم صحابة كلهم، وأن كل مولود في عهد النبوة في المدينة يكون من صغار الصحابة، وما إلى ذلك من القواعد المحتملة التي لا يصح تعميمها على كثير من الناس الذين أوردهم الحافظ رحمه الله في كتاب الإصابة.
كانت هذه أبرز المؤلفات التي أفردت في تراجم الصحابة جملة، وعلى هذا فلم أذكر المؤلفات في فضائل الصحابة، ولا المؤلفات في تراجم الخلفاء الأربعة، أو تراجم العشرة، أو تراجم زوجات النبي (صلى الله عليه وسلم)، أو المؤلفات في تراجم أفراد من الصحابة، ولا المؤلفات في مجتهدي الصحابة وفقهائهم، ونحو ذلك مما يطول بنا ذكره.
ولم يطبع من الكتب المتقدم ذكرها إلا القليل، لعل أشهرها الاستيعاب لابن عبد البر، وأسد الغابة لابن الأثير، والإصابة لابن حجر، فلا يكاد يرجع الباحثون عند ترجمة الصحابي إلى غير هذه الكتب الثلاثة، وقد يقتصر بعضهم على الأخير، بحكم قوة جمعه واستدراكاته على من سبقه.
وقد طبع حديثاً بعض هذه المؤلفات ككتاب ابن قانع وأبي نعيم.
وموضوع الصحابة كما تقدم من الموضوعات ذات الأهمية القصوى عند المسلمين في القديم والحديث؛ لاختلاف المسلمين في تعريف الصحابي، وعدالة الصحابة، وفضلهم، وما إلى ذلك، وكان لهذا الاختلاف الدور الأساس في نشوء التيارات الفكرية الإسلامية الأولى، وظهور الفرق الإسلامية من القرن الأول، وقد استمر الاختلاف بينها إلى يومنا هذا.
وكانت السياسة تلعب أيضاً الدور الأكبر في توسيع الفجوة بين علماء المسلمين وعوامهم، ولم يكن الساسة يشتهون الفرقة بين المسلمين لمجرد الإفساد بينهم، ولكن كانت لهم مصالح في تأييد هذه الجماعة أو تلك، ومنها إظهار الحاكم نفسه بمظهر الحريص على سلامة العقيدة والحامي لها ضد الطوائف الأخرى.
فلذلك شكَّل مغفلو الصالحين والعوام الساعد الأيمن لكل سلطة تستغل هذه القضية على مر التاريخ، سواءً كان هؤلاء من السنة أو الشيعة أو المعتزلة أو النواصب أو الخوارج ولعل الخوارج أخف هؤلاء استغلالاً للسلطة.
وقضية (الصحابة) من القضايا المستثمرة في تصفية الخصوم، أو كبتهم، أو التضييق عليهم، أو التشكيك في عقائدهم، وتنفير الناس عنهم، وعن علمهم، دون النظر إلى حججهم وأدلتهم.
فإنه تكفي عبارة (فلان يطعن في الصحابة) للقضاء على كل إبداع بحثي عند أهل السنة، كما تكفي عبارة (فلان يثني على أعداء أهل البيت) للقضاء على الإبداع نفسه عند الشيعة.
والسنة والشيعة يشكلان أهم فرقتين إسلاميتين من حيث الانتشار، وكثرة الإنتاج الفكري، مع تقدم زمانهما من أيام الخلافة الراشدة، بل جذورهما الأولى تمتد من عهد النبوة.
ولهذا كله رأيت أن موضوع (الصحابة) يحتاج من وقت لآخر لجهود الباحثين المنصفين سواءً من السنة أو الشيعة أو المعتزلة أو الزيدية أو الإباضية، أو النواصب، وهذه الفرق هي تقريباً الفرق الممثلة للإسلام في هذا العصر.
نعم إن الجميع بحاجة إلى حوار، وبحث طويل المدى، لا يكفي فيه مجرد الالتقاء ونقل التشويهات المتبادلة، وإنما يحتاج لبحث هادئ نزيه منصف، بعيد عن كل مصادرة للآراء الأخرى؛ ما دام أن تلك الآراء تدعي الالتزام بالمنهج العلمي.
وهذا البحث المنصف المطلوب من هؤلاء لا بد فيه من ترك التقليد جانباً، والتحلي بالاجتهاد؛ لأن التقليد من أكبر أسباب تفرق المسلمين، ولا يمكن لأي حوار أو بحث أن يؤتي ثمرته؛ ما دام التقليد راسخاً عند هذه الطوائف أو عند كثير ممن يدعي تمثيلها.
وبحكم انتمائي لأهل السنة، لا يجعلني أتعصب لمؤلفاتهم وعلمائهم، فأولئك العلماء من السلف كانوا ينهوننا عن التقليد، فإذا كانوا ينهوننا صادقين فلماذا لا نلتزم بنصيحتهم؟ وإذا كانوا ينهوننا كاذبين فلماذا نتخذهم قدوة؟.
على أية حال: كنت ولا زلت من المهتمين بالتاريخ الإسلامي في صدره الأول (السيرة النبوية وتاريخ الخلفاء الراشدين) وهذا الاهتمام دفعني للتعرف على المصطلحات التي لها علاقة مباشرة ومؤثرة بتلك الفترة.
ومن أبرز المصطلحات ذات التأثير على الفكر الإسلامي والتاريخ الإسلامي وتفسيره مصطلح (الصحبة والصحابة).
فالمصطلح الشائع عند كثير من الفقهاء والمحدثين المتأخرين في كون الصحابي يطلق على (كل من رأى النبي (صلى الله عليه وسلم) أو لقيه من المسلمين)، مصطلح فيه من التجوز الشيء الكثير، وهذا التجوز كان له أثر سيئ على قراءة المسلمين لتاريخ السيرة النبوية وتاريخ القرن الأول.
وسوء القراءة هذه كان لها أثر على الجانب الفقهي والحديثي والأخلاقي عند المسلمين، فاختلطت أمور كثيرة في هذه الجوانب نتيجة تعميم مصطلح (الصحبة)، مع التباين الكبير بين مصطلح الصحبة التي أثنى عليها القرآن الكريم والسنة النبوية، وبين الصحبة العامة التي ليس فيها ثناء ولا مديح وإنما كان إطلاقها لغوياً.
فالصحبة الشرعية لا يصح إطلاقها إلا في المهاجرين والأنصار ومن في حكمهم من مواليهم وحلفائهم والمستضعفين ونحو ذلك، أما الأعراب والطلقاء (مسلمو فتح مكة) والوفود وغيرهم، فليسوا صحابة من الناحية الشرعية وإن كانوا صحابة من الناحية اللغوية، وعلى هذا فلم ترد في حقهم تلك الآيات الكريمة من الثناء على من كانوا مع النبي (صلى الله عليه وسلم) أو على المهاجرين والأنصار وما أشبه ذلك كما سيأتي).
حقاً إن تعميم فضل الصحبة ومنزلتها على كل من لقي النبي (صلى الله عليه وسلم) من المسلمين أدى إلى اختلاف بين كثير من الفرق الإسلامية ولا زال الاختلاف بينها إلى يومنا هذا، إذ أدى هذا التعميم في المديح إلى تعميم فرق أخرى كالشيعة لنصوص أخرى في الذم وأصبح الناجون عندهم أفراداً قلائل.
ولتحديد مفهوم الصحبة يجب علينا أن نفرق بين المصطلحات الشرعية والمصطلحات العرفية والمصطلحات اللغوية ، إلا إذا تطابقت أو توافقت.
فاللغة أوسع دائرة لدخول المجاز والمشترك اللفظي فيها ثم تأتي دائرة العرف إذ يشترط فيه إلى جانب الحقيقة اللغوية أن يضاف إليه عرف الناس فما تعارف الناس عليه من قولهم: فلان صاحب فلان أو من أصحابه فهو صاحبٌ عرفاً والعرف يتضمن الحقيقة اللغوية لا الشرعية، ثم أخص الدوائر هنا التعريف الشرعي؛ لأنه أكثر تحديداً، ولذلك فالشرع يحكم على العرف واللغة، والعرف لا يحكم إلا على اللغة، واللغة لا تحكم على الشرع ولا على العرف وإنما فيها الحقيقة والمجاز.
حملوا الكتاب من على هذه الروابط
http://almaliky.org/download.php?action=download&fileid=8
http://ia700507.us.archive.org/19/items/FarhanMaliki/sahaba.pdf
http://www.4shared.com/office/RdJbZAmC/______.html
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
مواضيع مماثلة
» فضيلة الشيخ حسن فرحان المالكي، يكشف سرأبوبكروعمر.
» (هنيئا للشيعة) بقلم الكاتب السعودي د.حسن فرحان المالكي
» المجاز اللغوي
» مكانة الأمازيغية من التعدد اللغوي بالمغرب-العلوي رشيد
» حسن المالكي حديث الغدير:
» (هنيئا للشيعة) بقلم الكاتب السعودي د.حسن فرحان المالكي
» المجاز اللغوي
» مكانة الأمازيغية من التعدد اللغوي بالمغرب-العلوي رشيد
» حسن المالكي حديث الغدير:
شبكة واحة العلوم الثقافية :: الساحات العلمية والثقافية والحوارية :: ساحة الحوار الموضوعي بين الأديان
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى