المعلل

وهو الحديث الذي اطلع فيه على علّة تقدح في صحته مع أن ظاهره السلامة منها.

فالعلة: عبارة عن سبب خفيّ قادح في صحة الحديث.



وهو ثلاثة أقسام:



أ‌- المعلّ في السند:

وهو الأكثر كالتعليل بالوقف والإرسال، فقد تكون العلة قادحة في السند وقادحة في المتن بأن كان لا يعرف إلا من راوٍ واحد ثم ظهرت فيه علة كالاضطراب أو الانقطاع أو وقف المرفوع.



مثال: حديث ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن ابيه عن ابي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (من جلس مجلساً كثر فيه لغطه فقال قبل ان يقوم: سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إلا غفر له ما كان في مجلسه).



هذا حديث ظاهره الصحة، لكن فيه علة خفية قادحة في السند.

فالصواب فيه: ما رواه وهيب بن خالد الباهلي عن سهيل عن عون بن عبد الله عن عتبة بن مسعود من قوله: فلا يعرف لموسى سماع من سهيل.



وقد رفع المتن الى النبي صلى الله عليه وسلم وهو من كلام عون بن عبد الله.

وقد تكون العلة الواقعة في الإسناد غير قادحة في المتن ويكون المتن صحيحاً.



أمثلة:

(1) حديث يعلى بن عبيد عن الثوري عن عمرو بن دينار عن ابن عمر مرفوعاً: " البيِّعان بالخيار ".

فقد وهم يعلى على سفيان الثوري في قوله "عمرو بن دينار" إنما هو "عبد الله بن دينار".

فهذا المتن صحيح وإن كان في الإسناد علة الغلط. لأن كلاً من "عمرو بن دينار" و "عبد الله بن دينار" ثقة.

فإبدال ثقة بثقة لا يضرّ صحة المتن، وإن كان سياق الإسناد خطأ.

(2) حديث ابن جريج – عن عمران بن أبي أنس عن مالك بن أوس بن الحدثان عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " في الإبل صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي البر صدقته ".

فهذا إسناد ظاهره الصحة حتى اغترّ بظاهره الحاكم النيسابوري فصحّحه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

وهذا التصحيح فيه نظر، فان الترمذي رواه في كتاب "العلل الكبير" ثم قال: سألت محمد بن إسماعيل

' يعني البخاري ' عن هذا الحديث فقال: ابن جريج لم يسمع من عمران ابن أبي أنس. لكن هذا الإعلال للسند لا يقدح في صحة المتن لأنه ورد من طريق أخرى صحيحة.

من رواية سعيد بن سلم قال: حدثنا عمران بن أبي أنس عن مالك بن أوس عن أبي ذر … إلى آخره.

فصحّ المتن لثبوته من طريق ثانية صحيحة.



ب‌- المعلّ في المتن:

مثل حديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الطيرة من الشرك، وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل ".

فالظاهر ان هذا الحديث صحيح سنداً ومتناً. الا ان الصحيح ان العلة كامنة في متنه. " وما منا إلا " فهي من كلام ابن مسعود، وليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم . فقد رواه غير واحد عن ابن مسعود بدون هذه الزيادة " وما منا إلا ".



ت‌- ت- المعلّ في السند والمتن:

ما أخرجه النسائي وابن ماجه من حديث بقية عن يونس عن الزهري عن سالم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أدرك ركعة من صلاة الجمعة وغيرها فقد أدرك ).

قال أبو حاتم: هذا خطأ في المتن والإسناد.

إنما هو الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أدرك من صلاة ركعة فقد أدركها ".

وأما قوله " من صلاة الجمعة" فليس هذا في الحديث. فوقع الوهم في السند والمتن. والحديث مروي من أوجه كثيرة في الصحيحين وغيرهما على خلاف حديث بقية بن يونس وهو دليل العلة في هذا الحديث.



كيف نعرف العلة ؟ ومن هم الذين يعرفونها ؟



تعرف العلة بأمور منها:

1) تفرّد الراوي

2) مخالفة غيره له

3) قرائن أخرى تنضم إلى ما تقدّم



ومعرفة علل الحديث من أجلِّ علوم الحديث وأدقّها. لأنه يحتاج إلى كشف العلل الغامضة الخفية ولا يضطلع بهذه المهمة إلا الجهابذة الكبار في علوم الحديث.

ولا يقوى على معرفة العلل إلا أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب والمتمرسون والمتبحرون في الحديث وعلومه، ويكون عملهم وشغلهم الشاغل وطعامهم ومنامهم وقيامهم وقعودهم.

ولهذا لم يخض غماره إلا القليل من الأئمة لأنه يجب أيضا أن يتصفوا بصفات فطرية كالذكاء والفطنة وسرعة البديهة والحس المرهف والربط بين الدقائق. فهم كالصيارفة الذين يميزون بين الدنانير الأصلية والمزيفة.