حوار الدكتور يوسف القرضاوي مع برنامج الشريعه والحياه حول اختلاف الفقهاء في الإسلام
شبكة واحة العلوم الثقافية :: الساحات العلمية والثقافية والحوارية :: ساحة الحوار الموضوعي بين الأديان
صفحة 1 من اصل 1
حوار الدكتور يوسف القرضاوي مع برنامج الشريعه والحياه حول اختلاف الفقهاء في الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله
هذا تفريغ لحوار الدكتور يوسف القرضاوي مع برنامج الشريعه والحياه علي قناه الجزيره الاخباريه القطريه، اللقاء كان منذ ثماني سنوات ولكنه كان لقاءا ممتعا،افاض فيخ شيخنا الجليل يوسف القرضاوي بدرر من التوجيهات والتعليمات التي يحتاجها كل دارس وكل فقيه، كان المذيع هو الاخ ما هر عبدالله، نترككم مع نص الحوار ومادته حول(اختلاف الفقهاء في الاسلام) نترككم مع نص الحوار
ماهر عبد الله: أعزائي المشاهدين، سلام من الله عليكم، ورحمته وبركاته،
وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من برنامج (الشريعة والحياة)، ويسعدنا أن
نستضيف فيها.. أن يعود فيها الأسد إلى عرينه، حيث -بعد إجازة طويلة- يعود
إلينا فضيلة العلامة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي الذي أرحب به باسمكم في
هذه الحلقة.
د. يوسف القرضاوي: شكراً يا أخ ماهر، بارك الله فيك.
ماهر عبد الله: لعلكم لاحظتم في الحلقات الماضية -أعزائي المشاهدين- كمية
الجدل التي تثور عندما يختلف المسلمون، وتختلف آراؤهم حول أي قضية من
القضايا، ورغم أن الخلاف الفقهي يعيش معنا منذ وفاة الرسول -صلى الله عليه
وسلم- مؤسس هذه الدعوة الإسلامية، إلا أن العقل المسلم يبدو أنه لم يتأقلم
بعد مع قضية الاختلاف، ومازال البعض يجد فيها حساسية شديدة.
هذا هو موضوع حوارنا مع فضيلة الشيخ القرضاوي لهذا اليوم، فضيلة الشيخ يعني
لنبدأ بالاعتراف أولاً أن الاختلاف حقيقة واقعة، لكن هل هو ظاهرة سلبية،
هذا الاختلاف الفقهي، والتعدد المذهبي؟
القرضاوي ينعى العلماء الراحلين
د. يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، ومن اتبع هداه، وبعد:
فقبل أن أجيب عن هذا السؤال أحب أن أقول كلمة عن عدد من علماء الإسلام
فقدناهم في هذه الفترة الماضية، ويبدو أن هذه السنة هي سنة موت العلماء،
لقد ودعنا عدداً من الأعلام الأفذاذ، ابتداءً بسماحة العلامة الشيخ عبد
العزيز بن باز، وبعده العلامة الأديب الشيخ علي الطنطاوي، وبعده العلامة
الفقيه الشيخ مصطفى الزرقا، وفي هذه الإجازة فقدت الأمة عدداً من العلماء
الأعلام منهم أخونا وصديقنا، وحبيبنا الشيخ مناع خليل القطان، الذي هاجر من
مصر إلى السعودية بأوائل الخمسينيات، واستوطن السعودية، وحمل .. جنسيتها،
وربى أجيالاً، وألَّف كتبا، وكان له تلاميذ ومريدون طوال هذه السنين، وترك
وراءه آثاراً علمية يشهد بها الكثيرون، وكان رجلاً من رجال الاعتدال
والتوازن في أفكاره، ومفاهيمه، وأحكامه، وفتاويه.
الشيخ مناع أعرفه معرفة جيدة، فقد سكنَّا معاً ثلاث سنوات في فترة الدراسة
في كلية أصول الدين، كنا نسكن معاً في شقة واحدة، وكان قبلي بسنتين، وتخرج
قبلي، ثم يسَّر الله له أن يذهب إلى المملكة السعودية، وهذا عافاه من محن
كثيرة ابتُلي بها إخوانه، وقد جربها هو قبلنا، وهو طالب في المرحلة
الثانوية وفي أوائل الكلية.
ذهب الشيخ مناع إلى ربه راضياً مرضياً -إن شاء الله- نحسبه كذلك، والله
حسيبه، ونسأل الله سبحانه وتعالى ألا يحرمنا أجره، وألا يفتننا بعده، وأن
يغفر لنا وله، وأن يخلفه في أهله وذريته بخير ما يخلف به عباده الصالحين.
وتُوفي بعد ذلك -في هذه المدة- سماحة الشيخ عطية محمد سالم، وهو من العلماء
الدعاة الذين كان لهم قدم راسخة في العلم، وباعٌ واسعٌ في الدعوة إلى
الله، وكانت له دروسه في المسجد النبوي والمسجد الحرام، وكان له تلاميذه،
وكان له مريدوه، وكان له –أيضاً- دروسه في إذاعة القرآن الكريم، فقدته
الأمة -أيضاً- خلال هذه الفترة القصيرة، وانتقل إلى رحمة الله -أيضاً- في
هذه المدة العالم الأديب الشاعر الكاتب الشيخ محمد المجدوب، وهو سوري عاش
في المدينة المنورة يُدرِّس ويربي الأجيال المسلمة من أنحاء العالم
الإسلامي في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، تخرجت على يديه أجيال،
شاء الله له أن ينتقل إلى جواره في هذه المدة.
وممن -أيضاً- ودعتهم الأمة في هذه الفترة الشيخ عثمان عبد العزيز من علماء
(كردستان)، ومن حملة الدعوة الإسلامية الذين زادوا عنها، ودافعوا عن
حرماتها، وحملوها إلى الناس عشرات السنين، أيضاً ودعناه في هذه الفترة، ومن
العلماء الذين ودعناهم في هذه الفترة الأخ العالم الأديب المحقق الدكتور
محمود الطناحي الذي كان له باع رحب في تحقيق التراث، هو وزميله الأخ
الدكتور عبد الفتاح الحلو، كلاهما انتقل إلى رحمة الله تبارك وتعالى.
هؤلاء في فترة وجيزة ودعتهم أمتنا، فنسأل الله -تبارك وتعالى- أن يغفر لهم،
ويرحمهم، ويتقبلهم في الصالحين، ويجزيهم خير ما يجزي به العلماء العاملين،
والدعاة الصادقين، ويخلفنا فيهم خيراً.
ماهر عبد الله: لعل هذه البداية والحديث عن فقد العلماء يكرس الحاجة للحديث
عن موضوع الاختلاف، لأنه مع وجود هذه الموسوعات التي انتقلت إلى رحمة الله
تعالى، كان ضيق الأفق هو الذي يسيطر –للأسف الشديد- على الحالة الإسلامية،
فنرجو الله الرحمة، بعد أن أخذ منا هؤلاء الموسوعات الفقهية والعلمية.
اختلاف المذاهب رحمة
نعود لفضيلة الشيخ يوسف القرضاوي، ونسأله عن موضوع الاختلاف الذي هو حقيقة
واقعة، هل هذا التعدد وهذا الاختلاف المذهبي والفقهي ظاهرة سلبية؟ أم يمكن
أن تكون ظاهرة إيجابية؟
د. يوسف القرضاوي: الأصل في هذا الاختلاف أنه ظاهرة صحية وإيجابية، بل هو
ظاهرة ضرورية، يعني لو نظرنا إلى الخلاف في حقيقته نجد أنه ضرورة، هو ضرورة
دينية، وضرورة لغوية، وضرورة بشرية، وضرورة كونية.
أما إنه ضرورة دينية فلأن الله تعالى لو أراد أن يجمع الناس كلهم على رأي
واحد لأنزل القرآن كله آيات محكمات، ولكن الله تعالى أخبرنا في كتابه أنه
أنزل هذا القرآن: (مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ
وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)، والمحكمات هي التي الواضحة الدلالة التي لا
يختلف الناس في معناها، والمتشابهات التي تحتمل أكثر من رأي، وأكثر من وجه،
فكون الله تعالى أنزل كتابه هكذا معناه أنه يريد أن يتيح للناس أن
يختلفوا، وإلا كان يمكن أن يكون الدين كله نصوصاً قطعية الثبوت، قطعية
الدلالة، ولكن عندنا السُّنَّة معظمها جمهرتها ظنية الثبوت، ومعظم القرآن
والسنة ظني الدلالة، وما دام هناك ظنية في الدلالة فلابد أن تختلف الأفهام.
ماهر عبد الله: لو أنا سألتك يعني إذا كان هذا حقيقة واقعة، وأنت تقول: إنه
ضرورة دينية، ولغوية، وثقافية، وهو يعيش معنا حقيقة منذ فجر الرسالة،
لماذا لم نعتد عليه؟ مازال البعض منا يستهجن أن يرى مسلماً آخر يصلي بطريقة
مغايرة، يتبع مذهباً مخالفاً لما اعتاد عليه، يعني لماذا لم نقبل هذه
الحقيقة في واقع ممارستنا للإسلام؟
د. يوسف القرضاوي: هذا يعني من ضيق الأفق، ومن سوء الفهم، يعني لو أردنا أن
ننظر إلى القرون الأولى، وهي خير قرون هذه الأمة كما عبر عنها الرسول -صلى
الله عليه وسلم- وجدناهم يقبلون هذا الاختلاف، ويسع بعضهم بعضاً، لم يضق
بعضهم ببعض بالخلاف.
الصحابة اختلفوا فيما بينهم، وصلَّى بعضهم وراء بعض، والتابعون اختلفوا،
وصلَّى بعضهم وراء بعض، اختلفوا في قضايا فقهية، و في قضايا -أحياناً-
اعتقاديه فرعية، ويعني أنت جاعل العنوان (الاختلاف الفقهي)، مع إنه أنا كنت
أود إن يكون الاختلاف العلمي، لأن الخلاف ليس في الفقه وحده، البعض يقول
لك: هؤلاء أشاعرة، وهؤلاء "ماسوجينية"، وهؤلاء سلفية، وهؤلاء.. فخلافات في
فروع العقائد حتى الخلاف في فروع العقائد لا ينبغي أن يمزق الأمة، يعني
يمكن أن نختلف.. تختلف آراؤنا ولا تختلف قلوبنا، يمكن أن يكون هناك اختلاف
مشروع، ولا يكون هناك تفرق ممنوع.
الاختلاف ليس من ورائه شر ولا ضرر، إنما الذي من ورائه شر التعادي والتفرق،
وهذا الذي حذر منه القرآن: (وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا
وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ
عَذَابٌ عَظِيمٌ)، فالتفرق والاختلاف والتنازع (وَلاَ تَنَازَعُوا
فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)، إنما أن يكون لي رأي ولك، هذا طبيعي
أنا بأقول ده ضرورة دينية، وضرورة لغوية مادام الدين نصوصاً، وهذه النصوص
من اللغة، واللغة فيها الحقيقة والمجاز، والصريح والكناية، والخاص والعام،
والمنطوق والمفهوم، وما يفهم بالعبارة، وما يفهم بالإشارة، فلابد للناس أن
يختلفوا، يعني ليس يعني من طبيعة الناس أن يتفقوا على فهم كل شيء، واحد
بيأخد الشيء على إنه مثلا الله تعالى يقول: (أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ
فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)، ابن عمر خد (أَوْ
لامَسْتُمُ) يعني لمس البشرة للبشرة، ابن عباس قال لا، اللمس والملامسة
والمس في القرآن كناية عن الجماع، ولكن الله كريم، يكني عما شاء بما شاء،
(إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ) فمعنى تمسوهن.. فمعنى
تمسوهن يعني تحط إيدك عليها كده؟ أو قال مثلاً مريم عليها السلام: (وَلَمْ
يَمْسَسْنِي بَشَرٌ)، كلها كناية عن الصلة الجنسية، فما دام الدين أصله
نصوص فلابد أن يختلف الناس في فهمها.
ماهر عبد الله: طب خليني أسألك أنا على..علىالاختلاف في فهمها، يعني ما
تفهمه أنت، ما يفهمه الفقيه الآخر، هل هو ملزم للناس؟ هل له طابع قدسي؟ أم
هو اجتهاد بشري بحت لا قدسية له؟
الاختلاف أمر شرعي وضرورة حياتية
د. يوسف القرضاوي: لأ.. هو ليس لرأي بشر يعني قدسية معينة من حيث إنه معصوم؟ لأ، لا عصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ماهر عبد الله: صلى الله عليه وسلم.
د. يوسف القرضاوي: الرسول هو الموحى إليه، (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى
إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى)، حتى إن الرسول -عليه الصلاة والسلام-
نفسه كان يجتهد أحياناً فيخطيء في اجتهاده، ولكن مزيته عن غيره من
المجتهدين أنه لا يقر على خطأ، إذا اجتهد في قضية فأخطأ نزل الوحي يصحح له
لأن الناس مطالبون أن يتبعوه (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ
أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)، (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ
عَنْهُ فَانتَهُوا)، فلا يمكن أن يُقر على خطأ أو باطل، فينزل القرآن
(وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ
وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ)، (عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ
لَهُمْ)، (لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ
أَزْوَاجِكَ).
فالاجتهاد حتى عند رسول الله -عليه الصلاة والسلام- فكل مجتهد.. هو وميزة
الإسلام إيه، إنه فتح باب الاجتهاد، ولعلنا يعني نقر.. يعني نعقد حلقة عن
قضية الاجتهاد، لأن دي قضية أساسية، أنه فتح باب الاجتهاد، وجعل للمجتهد إن
أصاب أجرين وإن أخطأ أجراً، يعني لم يكتف بأنه يعذر المخطئ، يعني كنا نقول
المخطئ معذور، لأ المخطئ مأجور، ولكن..
ماهر عبدالله: كافأه.
د.يوسف القرضاوي: كافأه بأجر واحد، وهو إنه تحرى، وبذل وسعه، وأعمل عقله، فلم يحرم من.. من الأجر.
فإذن أنا المجتهد ليس معصوماً، ولكن المسلم مطالب بأن يتبع أهل الذكر إذا
لم يكن هو من أهل الذكر، فلابد أن يسأل أهل الذكر عن مالا يعلم، يعني
الإنسان إذا لم يعلم شيئاً يجب أن يسأل غيره. النبي –عليه الصلاة والسلام-
حينما أفتى بعض الناس رجل أصابته جراحة ثم أصابته جنابة فسأل بعض الناس
فقالوا له: يجب أن تغتسل، فاغتسل -وبه هذه الجراحة-فتفاقم عليه الجرح فمات،
فلما بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "قتلوه قتلهم الله! هلا سألوا
إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العِيِّ السؤال، إنما كان يكفيه أن يعصب على جرحه
ويتيمم".
فشفاء العي السؤال.. الإنسان الذي لا يعلم عليه أن يسأل من يعلم، وعليه
وعلى الجاهل أن يتبع العالم، كما قال سيدنا إبراهيم لأبيه: (يَا أَبَتِ
إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ العِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي
أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِياًّ) من ليس عنده علم يتبع من عنده العلم.
ماهر عبد الله: طيب أولئك الذين يمتلكون العلم هل يمكن أن يعبروا عن الحق
بأكثر من وجه؟ يعني هذا الاختلاف قد يكون هو يعني تعبير عن صيغة صحيحة
واحدة، لكن أوجهها تختلف، وبالتالي هي تتساوى في المكانة، ويعني ما ذكرت من
قضية المس عند ابن عباس، وعند ابن عمر، يعني أليس هذا تعبيرين عن حقيقة عن
الصواب في كليهما؟
د. يوسف القرضاوي: هو هنا في قضية.. أولاً: ممكن أن يتعدد الصواب، يعني في
بعض القضايا يمكن أن يتعدد فيها الصواب، يعني النبي –عليه الصلاة
والسلام-يعني اختلف بعض الصحابة في قراءة القرآن الكريم، واشتكيا إلى النبي
–صلى الله عليه وسلم- فقال لهما "كلاكما محسن".. يعني أنت على صواب لأن دي
قراءة.. ودي قراءة، "لا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا"، فممكن
في بعض القضايا يمكن يكون فيها أكثر.. تقبل أكثر من وجه، والذي لا يقبل
أكثر من وجه يعني، الأصوليون –علماء أصول الفقه- مختلفون، هل الصواب –عند
الله- هو رأي واحد؟ أم يمكن أن يكون الصواب عند الله أكثر من رأي؟
بعض العلماء يقولون الصواب هو: ما وصل إليه المجتهد باجتهاده ورأيه، فما
وصل إليه هذا صواب، وما وصل إليه الآخر صواب كل.. هذا رأي، والرأي ودا
بيسموهم (المُصَوِّبَة)، يعني يعتبرون اجتهاد كل مجتهد مصيباً..
ماهر عبد الله: صواب.
د. يوسف القرضاوي: الآخرون يقولوا لك لأ، هو الصواب واحد، ولكن الآخر لا
يؤثم إذا خالفه أو خانه الوصول إلى صواب، لا يؤثم ولا يضلل، لأنه بذل جهده،
ويستدلون على ذلك بقوله تعالى: (فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ
آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً) اللي فهمها واحد هو سليمان وداود قضيا في
قضية، اللي فهم القضية وأفتى فيها بالصواب سليمان، وإن كان كل منهما أتاه
الله حكما، ودا الرأي الذي أعتقد إنه أرجح، إن هو الصواب واحد فقط، ولكن
الآخرون -وإن لم يصلوا إليه- هم غير مؤثمين، وغير مضللين، بل مأجورون عند
الله –تعالى- أجراً واحدا.
ماهر عبد الله: طب أنا.. لو سألتك إلى أي.. يعني الآن عندنا مجموعة من
المذاهب وعندنا آراء مختلفة، وإحنا اتفقنا إن.. متي يمكن لي أن أنكر على
مسلم ما أظن أنه خطأ، وهو طبعاً قطعاً يعتقد أنه صواب ولهذا اتبعه، يعني
لاحظنا في بعض الحلقات الماضية كان بعض الناس يستهجن بعض الاجتهادات لبعض
الأفاضل الذين استضفناهم، متى يجوز لي أن أنكر على مسلم رأياً فقهياً؟
اختلاف المجتهدين من أبواب التيسير في الشريعة
د. يوسف القرضاوي: إذا كان يعني هذا الرأي مخالفاً مخالفة قطعية لنص ثابت،
يعني هناك منطقتان في الإسلام: منطقة لا يجوز الاجتهاد فيها، منطقة مغلقة،
وهى منطقة القطعيات التي ثبتت الأحكام فيها بنصوص قطعية الثبوت قطعية
الدلالة، فدي إذا واحد اجتهد فيها وجاء واحد برأي، يقول لك لأ، الأنثى لا
ترث نصف الذكر الله تعالى يقول: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ)،
لأ.. يعني يخالف نص قرآني قطعي أقول له لأ، هذه الأشياء.. إنما إذا كانت
محتملة.. لا أنكر أنا لا أنكر على ابن عباس ولا أنكر على ابن عمر كل واحد،
فأنا آخذ ما يطمئن إليه قلبي.
أولاً: المجتهد لا يأخذ بقول أحد.. بقول أحد آخر، المجتهد يجب عليه أن يأخذ بقول نفسه.
ماهر عبد الله: لا يقلد.
د. يوسف القرضاوي: لا يقلد، يحرم عليه أن يقلد وأن يدع قوله لقول غيره،
حرام عليه هذا لا يجوز له، رأي اقتنع به ووصل إليه بعد أن أفرغ جهده، وبذل
وسعه، ووصل إلى هذا، هو يدين الله بهذا، والله سيسأله عن هذا، فلا يجوز
للمسلم أن يتنازل عن رأيه لإرضاء الناس هذا لا يجوز، إنما إذا كان يمكنه أن
يخرج من هذا الرأي، يعني العلماء دايماً قالوا: استحباب الخروج من الخلاف،
إذا قدرنا نخرج، فيه قضايا ممكن نخرج فيها من الخلاف، يعني افرض واحد
بيقول لك مثلاً لمس المرأة ينقض الوضوء، وواحد تاني بيقول مثلاً سيلان الدم
من الجسم أو الرعاف، أو كذا ينقض الوضوء، ممكن واحد بيقول مثلاً أكل لحم
الإبل أوالجذور ينقض الوضوء، إذا استطعت إنك في أي حاجة من دي تتوضأ يبقى
خرجت من الخلاف ووافقت الجميع.
إنما أحيانا لا يمكن، واحد يقول لك تقرأ البسملة عند الفاتحة، يقول لك لأ
لا تقرأها، واحد يقول لك أسر بها، واحد يقول لك اجهر بها، واحد يقول لك
اقرأ دعاء الاستفتاح والثاني يقول لأ، فمستحيل إنك توافق الجميع في هذا.
ماهر عبد الله: التساهل والتشدد، هل.. هل هذا مقياس للقبول أو عدمه؟ يعني
يتهم الشيخ الفلاني بأنه شيخ متساهل، يعني هل هذا مبرر لعدم الأخذ بأراءه؟
د.يوسف القرضاوي: لأ، هو ما هو التساهل؟ أصل فيه بعض الناس يعتبرون التيسير تهاوناً.
ماهر عبد الله: كنت قد سألت فضيلة الشيخ عن التشدد والتساهل هل هما معيار للحكم على جواز اتباع هذا العالم أو ذلك؟
د. يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم، هذه قضايا نسبية، ما معنى
التساهل؟ وما معنى التشدد؟ هناك أناس بطبيعتهم متشددون، وأناس بطبيعتهم
ميسرون، وقد عرف تراثنا الفقهي منذ عهد الصحابة شدائد ابن عمر، ورخص ابن
عباس، هذا يعني أمر معروف في تاريخ الفقه.
ابن عمر كان يبعد الأطفال عنه حتى لا يسيل لعابهم عليه، وابن عباس يضمهم
إليه ويقبلهم، ويقول هذه رياحين نشمها، ابن عمر كان يزاحم على الحجر الأسود
حتى يدمى في الطواف، حتى يجرح ويسيل منه الدم، فكانوا يقولون له:
لماذا..... اترك هذا للناس اللي جايين من أفريقيا، من بعيد يعني، يقول:
يعني هفت القلوب إليه فأحببت أن يكون فؤادي معه، رأي الناس يتزاحمون فاشتاق
يزاحم معهم، ابن عباس يقول: لا يؤذي ولا يُؤذَى، يعني نموذجان..
هذه طبيعة البشر، يعني البشر ليسوا يعني سواء.
حتى ممكن يكونوا أخوين زي سيدنا موسى وسيدنا هارون، سيدنا موسى قوى عنيف بطبيعته (فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ)..
ماهر عبد الله: فقتله.
د. يوسف القرضاوي: ولما جاء ووجد الناس عبدوا العجل وبتاع، ألقى الألواح
-ألواح التوراة- وأخذ برأس أخيه يجره إليه، وأخوه دا نبي ورسول مثله:
(قَالَ يَا بْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي إِنِّي
خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ
قَوْلِي)، فالناس حتى نجد الحسن والحسين، الحسن تنازل عن الخلافة بعد أن
بويع بها، وقال لمعاوية: خذها مش عايزها، وسمي هذا عام الجماعة، وجاءت في
الحديث الذي رواه البخاري "إن ابني هذا سيد سيصلح الله به"، والحسين راح
يطالب بهذا، وقتل هو وأهله واستشهد.. ويعني.
فالناس يختلفون في هذا، هناك المشدد وهناك الميسر، فليس معنى التيسير إن
هذا من قلة الدين كما يفهم بعض الناس إن دا شخص متهاون في دينه، لأ، شخص
اقتنع بهذا، لأن طبيعته التيسير يعني ما، فيه الناس كده.. وتجد، يعني..
وأنا أعرف بعض إخوانا هم مشددين لا يمكن إلا أن يكون كذلك، هذه طبيعته. أنا
ميسر أنا أقرب إلى ابن عباس منى إلى أيه إلى ابن عمر، ليس هذا تهاونا في
الدين، إنما هي طبيعة، أحب التيسير، وأرى إن الشريعة قامت على التيسير:
(يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ)، والرسول
-صلى الله عليه وسلم- قال: "يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا" فأنا
أيسر في الفتوى، وأبشر في الدعوة امتثالاً لتوجيه لرسول الله -صلى الله
عليه وسلم-
ماهر عبد الله: طيب خليني أسألك أنا سؤال له علاقة بهذا الموضوع، وإن كان
مش من صميم العلم والفقه تماماً، وهو أنه يعني أنا وأنت جئنا من بلدين
مختلفين، أنت عشت على ضفاف النيل، ونعيم مصر وما في مصر، وأنا عشت في بيئة
فلاحة لا فيها ماء، ولا فيها نهر، ولا قريبة حتى من البحر، لو إنساناً آخر
ثالث عاش في منطقة صحراوية لا يرى إلا الأرض والسماء، يعني ألا ينعكس هذا
على طبيعة فهمه للنصوص، على طبيعة تعامله مع القرآن الكريم، مع.. مع
الأحاديث النبوية، مع التراث الفقهي؟
د. يوسف القرضاوي: قطعاً يعني الإنسان ابن زمانه ومكانه، لا تستطيع أن تكلف
الإنسان في من عشرة قرون أن يكون هو إنسان اليوم، ولا تستطيع أن تكلف ابن
الصحراء أن يكون ابن الأرض الخضراء،كل واحد تؤثر عليه يعني بيئته، ولكن قد
يكون الشخصان من بيئة واحدة ومع هذا.. هذا فيه شدائد ابن عمر، وهذا فيه رخص
ابن عباس، ابن عباس وابن عمر نشئا في بيئة واحدة يعني وفي جو واحد ومع هذا
كل منهما له.. إنما البيئة لها آثارها.
قطعاً ابن حزم لو لم يكن يعني في الأندلس، وفي الحضارة الأندلسية، ولو لم يكن وزيراً وعاش في بيئة كذا، ما رأينا له الآراء التي..
ماهر عبد الله: الحضارية.
د. يوسف القرضاوي: رأيناها، مثلاً المرأة تتولى القضاء، وتتولى المناصب
الإدارية، وإباحة الغناء والموسيقى وكذا، يعني قطعاً، قالوا إن الإمام
الشافعي كان له رأي وله مذهب قبل أن يستقر في مصر، ومذهب بعد أن استقر في
مصر.
يعني قطعاً يعني البيئة لها آثارها، ليست البيئة فقط، يعني قطعاً هو بعد أن
كبرت سنه، ونضج اجتهاده وتفكيره غيَّر آراءه، سمع ما لم يكن قد سمع، كما
رأى ما لم يكن قد رأى فمؤثرات من ضمنها اختلاف البيئة.
ماهر عبد الله: البيئة.
د. يوسف القرضاوي: ولذلك تجد مثلاً علماء الحجاز ليسوا كعلماء العراق، لأن
العراق بيئة حضارية ورثت مَدَنِية الفرس، وعندهم مشكلات أيضاً ليست عند
المشكلات التي.. يعني الإنسان هو هكذا.. لا تستطيع أن نجعل مثلاً محمد بن
عبد الوهاب.. الإمام محمد بن عبد الوهاب، الإمام محمد رشيد رضا وكلاهما رجل
سلفي، وحريص على السلفية، ومدافع عنها، ولكن هذا نشأ في بيئة بدوية، وهذا
نشأ في بيئة حضارية.
يعني وأنا أرى كثيراً من إخواننا الذين مثلاً من بلاد الخليج، إذا ذهبوا
إلى أوروبا وأميركا، واختلطوا بالناس، ورأوا المشكلات الفكرية، والمشكلات
الأخلاقية، والمشكلات الاجتماعية، والمشكلات الحضارية، تعتورهم من يمين
وشمال وهذه، يعني أرى كثيراً منهم يغير فكره.
الإنسان ليس صخرة، وليس حجراً جلموداً، الإنسان يعني يتأثر كما يؤثر، فمن
أجل هذا إن الإنسان قد يتغير تفكيره بتغير البيئة التي يعيش فيها.
ماهر عبد الله: طب عند هذه النقطة اسمح لي أن نلجأ إلى إخوتنا المشاهدين، معنا الأخ خالد على من النرويج، الأخ خالد تفضل.
خالد علي: السلام عليكم ورحمه الله.
ماهر عبد الله: عليكم السلام.
د. يوسف القرضاوي: عليكم السلام ورحمة الله.
خالد علي: العفو ممكن أسأل الشيخ الفاضل سؤالين بالحقيقة.
ماهر عبد الله: اتفضل.
خالد علي: بالنسبة للاجتهاد هل هو الاجتهاد هو يعني إيجاد رأى شخصي أم هو
البحث والتمحيص في إيجاد الحكم الشرعي من القرآن والسنة؟ هذا أولاً، السؤال
الثاني: إذا ثبت نص في القرآن أو في السنة، هل من الممكن أن نتخذ رأي آخر،
يعني أو يتخذ أحد المشرعين رأيا آخر؟ يعني مثلاً بالنسبة إلى صلاة
التراويح، هل من الممكن أن تصلى جماعة؟ يعني من يقال أنه نعم البدعة؟ إذا
ممكن ها نقطة، والنقطة الأخرى في عدم توافر الماء بالنسبة إلى مثلاً عبد
الله بن عمر في حالة أنه إذا لم يتوفر الماء قال: لا تصلوا، قال: فما بالكم
بالتيمم؟! قال لو برد عليهم الماء يعني بالحقيقة شيء من هذا القبيل.. لو
برد عليهم الماء بحيث تيمموا أو استعانوا بالصلاة بالنسبة للوضوء.
ماهر عبد الله: طيب مشكور يا أخ خالد، معانا الأخ جمال السرحي من السعودية، أخ جمال اتفضل.
جمال السرحي: السلام عليكم.
ماهر عبد الله: وعليكم السلام ورحمه الله.
د. يوسف القرضاوي: وعليك السلام ورحمة الله.
جمال السرحي: مساكم الله بالخير.
د. يوسف القرضاوي: الله يمسيك بالخير يا أخي.
جمال السرحي: كيف حالك يا فضيلة الشيخ.
د. يوسف القرضاوي: بارك الله فيك يا أخي.
جمال السرحي: يا سيدي أنا بدي أسألك سؤال.
د.يوسف القرضاوي: تفضل.
جمال السرحي: ربنا -سبحانه وتعالى- لما أمر الملائكة تسجد لآدم، إبليس
طبعاً أبى ورفض، فلما ربنا طلعه من الجنة، قال له: (أَنظِرْنِي إِلَى
يَوْمِ يُبْعَثُونَ)، سؤالي، هل كان الشيطان يعلم إنه هذه ليست جنة الخلد؟
وإن فيه بعث، أم إنه كان يطلع على الغيب؟ أم يعني كيف إنه إلى يوم يبعثون
وكان لسه آدم لا أكل من الشجرة ولا يعني طلع منها؟
ماهر عبد الله: طيب مشكور يا أخ جمال، طيب فضيلة الشيخ السؤال الأول في
صميم موضوعنا هذا اليوم من الأخ خالد، مهمة الفقيه هي البحث عن رأى شخصي،
أم هي بحث علمي ممحص للنصوص ليصل إلى ما يريده الشارع؟
د. يوسف القرضاوي: لا، الفقيه لا يتبع الهوى، الفقيه الحقيقي ليس متبعاً
لهواه، أو يُكَوِّن آراء شخصية، الفقه يعني هو معرفة الأحكام الشرعية من
أدلتها التفصيلية، أدلتها التفصيلية اللي هي القرآن، السنة، الإجماع،
القياس، فيه أدلة شبه مجمع عليها، يعني وفيه أدلة مختلف فيها، مثل
الاستحسان، الاستصلاح، مراعاة العرف، أقوال الصحابة، شرع من قبلنا..إلى
آخره.
فالفقيه يحاول أن يأخذ الحكم من هذه الأدلة، ولكن هذه الأدلة تختلف فيها
الناس، يعني قد تكون اللفظة تحتمل يعني معنيين، زي آية (يَتَرَبَّصْنَ
بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) هل القرء هو الحيض أم القرء هو الطهر؟
يعني.. هو بيبحث في القرآن والسنة، وبعدين غير.. هناك يختلف الفقهاء في
الدلالات المختلفة، يعني واحد يأخذ الحديث بشروط معينة، والثاني يخالفه في
هذه الشروط -شروط قبول الحديث- يختلفون في قبول الرواة، هذا الراوي عنده
قوي، والتاني لأ الراوي دا عنده يعني ضعيف..
ماهر عبد الله [مقاطعاً]:إذا ثبت له بالنص..
د. يوسف القرضاوي [مستأنفاً]: استنى بس عليَّ.
ماهر عبد الله: اتفضل.
د. يوسف القرضاوي: وبعدين هناك غير العملية دي، هناك واحد يقول بالمصلحة
المرسلة، والثاني لا يقول بالمصلحة المرسلة، واحد يقول بالاستحسان والثاني
لا يقول بهذا، ويختلفون في الأصول نفسها، ثم من ناحية أخرى في الاتجاه،
واحد يأخذ بحرفية النص، والثاني يأخذ بمقصد النص، وهذا حدث في عصر الصحابة،
أو في عصر النبوة يعني حينما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد غزوة
الأحزاب: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا في بني
قريظة"، لأن بني قريظة المفروض كانوا يكونوا مع النبي ضد المغيرين حسب
المعاهدة اللي بينهم، فانضموا إلى المغيرين على المدينة ليستأصلوا
المسلمين؟
يعني خيانة كبرى، فكان لابد من تأديبهم، فقال.. على طول إلى أيه؟ إلى بني
قريظة "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا في بنى قريظة"
مشيوا الصحابة إلى بني قريظة، وجم في الطريق وجدوا الشمس بتِصفر وتتطيف
للغروب، فبعضهم قال: لأ، الرسول لم يرد منا أن نضيع الوقت، وإنما أراد منا
سرعة النهوض، فصلوا في الطريق، وجماعة قالوا: لا.. هو قال لا يصلين العصر
إلا في بني قريظة، فنحن لا نصلي إلا في بني قريظة، وإن وصلنا منتصف الليل،
فجماعة أخذوا بالفحوى، وجماعة أخذوا بالظاهر، يعني فلذلك سيظل الناس..
هذان.. هاتان المدرستان، مدرسة المقاصد، ومدرسة الظواهر، ستظل هاتان
المدرستان، هو فقيه مش.. إنما واحد بينظر إلى المقصد، وواحد بينظر إلى
اللفظ.
ماهر عبد الله: طب هذا بيدخلنا في السؤال الثاني: إذا ثبت النص يعني إنت
أجبت عليه جزئياً إذا ثبت النص هل يمكن أخذ رأي غيره أو يخالفه ظاهراً؟
د. يوسف القرضاوي: الرأي قد يمكن يخالفه ظاهراً، ولكن يحققه قصداً، يحقق
مقصد النص، وإن ظن الإنسان إنه هو خالف اللي ..ما هو ممكن الذين قالوا لا
نصلي إلا إذا وصلنا، يمكن أن يقول لك لأ.. خالفوا النص، وصلوا في الطريق،
لأ هو ما خالفوش حققوا روح النص، حققوا مقصد النص، فهذا.. فممكن بعض الناس
الذين يراعون هذه المقاصد يتهمون من الآخرين، أنا أسميهم الآن (الظاهرية
الجدد) يعني ابن حزم هذا إمام عظيم، ولكنه كان ظاهريا حرفياً، الحديث يقول
مثلاً "البكر تستأذن وإذنها صماتها"، يعني البكر تستحي، وقال يكفي إنها
تسكت وإحنا نقول أن السكوت علامة الأيه..
ماهر عبد الله: الرضا.
د. يوسف القرضاوي: الرضا، طيب لو قالت والله يا أبى إني موافقة على عبد
العزيز دا، ولا عبد الفتاح، ولا كذا أنا موافقة عليه، إن ابن حزم يقول لك
لأ العقد باطل، ليه؟ قال لك الحديث يقول: إذنها صماتها وهى اتكلمت.. يا أخي
دا من باب أولى يعني ..
ماهر عبد الله [مقاطعاً]: طيب خلينا نعود للإخوة المشاهدين مرة أخرى، معانا الأخ عبد الله الشرقي من السعودية، أخ عبد الله اتفضل.
عبد الله الشرقي: السلام عليكم ورحمة الله.
ماهر عبد الله: وعليكم السلام ورحمة الله.
د. يوسف القرضاوي: وعليكم السلام ورحمة الله.
عبد الله الشرقي: أمسي الشيخ يوسف بالخير، وأطلب منك يا أستاذ ماهر لو تصبر عليَّ بعض..
د. يوسف القرضاوي: حياك الله يا أخي.
ماهر عبد الله: اتفضل.
عبد الله الشرقي: قبل أن نتكلم في ها الموضوع ينبغي نحرر محل النزاع، يعني
فالموضوع المطروح عن الخلاف وآدابه، الأمور الخلافية كثيرة، هناك مسائل يسع
الخلاف فيها، وأخرى لا يسع الخلاف فيها، وإن كانت هذه المسائل قد اختلف
فيها الأئمة المتقدمون، يعني أضرب لك بعض الأمثلة: يعني في المسائل التي
يسع فيها الخلاف يعني هي مسائل اجتهادية، ووقائع نازلة معتمد فيها على
الكتاب، يعني الحكم المستنبط فيها يعتمد على الأدلة الشرعية.
يعني مثال: المسائل النازلة.. التأمين التجاري، والصور الفوتوغرافية، وما
إلى ذلك، هذه المسائل يعني مع وجود الخلاف لابد من اعتبار وجهه نظر المخالف
واحترامها، وإن كان إذا كان ولابد من هذا الشرط إذا كان اختيار.. اختيار
المخالف في هذا القول مبني على أسس علمية، وليس عن هوى وتشهِّي، وبسط
الأقوال أمامه، وانتقاء ما يشاء من الأقوال، وترك ما يشاء من الأقوال، يعني
هذا العمل هو الاختيار يعني بالتشهِّي وبالهوى لا يمكن أن يصدر عن عالم
يسأل الله الدار الآخرة.
ماهر عبد الله: نحن نفترض فيهم حسن النية.
عبد الله الشرقي: نعم.
ماهر عبد الله: نفترض في العلماء حسن النية حتى يثبت العكس.
عبد الله الشرقي: إي نعم، لكن أنا أتكلم عن بعض المشايخ، يقول نطرح المسائل
أمامنا، ونختار ما يوافق، المسألة ليست اختيار وهوى وتشهي، يعني إذا كان
الشيخ الذي يبسط الأقوال أمامه يختار منها ما يشاء، ويدع منها ما يشاء أي
فرق..؟ ما الفرق بينه وبين أي عامي آخر؟
العامي قد يستخرج المسائل كذلك من كتب يعني الكتب الخلاف، ويختار ما يشاء، ويدع ما يشاء، ما الفرق بينه وبين هذا العالم يعني؟!
ماهر عبد الله: طب أستاذ عبد الله موضوع السؤال.. السؤال؟
عبد الله الشرقي: يعني معذرة فيه نقطة أخرى، يعني هذه المسألة اللي هي
اختيار ما يشاء من أقوال، هذه المسألة حذر منها الأئمة يعني أنفسهم
المتقدمون، يعني الأوزاعي أُوثِرت عنه كلمة وهي جيدة في ها الموضوع، يعني
هذه المسألة تسمى عند الفقهاء تتبع الرخص، يعني إذا كان بالهوى والتشهي
سموه زندقة، يعني الشافعي والأوزاعي –رحمهم الله- يقول: "لو أن شخصاً أخذ
بقول العراق في النبيذ، وأخذ بقول أهل المدينة في السماع، وأخذ بقول أهل
مكة في الصرف، وأخذ بقول أهل الشام في طاعة الخلفاء، قد اجتمعت فيه أصول
الزندقة"، يعني المسألة.. لكن إذا كان العالم يختار هذا الحكم الشرعي، الذي
أَعْمل فيه اجتهاده هذا يعتبر وجهة نظر، لكن المسألة مسألة تشهي واختيار،
هذا لاشك أنها مسألة مرفوضة.
د. يوسف القرضاوي: أنا أريد أن أعلق على..
ماهر عبد الله: ماشي.. طيب يا أخ عبد الله مشكور، معنا الشيخ جميل.. جميل حليم من لبنان، الشيخ جميل اتفضل.
جميل حليم: ألو.
ماهر عبد الله: اتفضل.
جميل حليم: السلام عليكم.
ماهر عبد الله: وعليكم السلام.
د. يوسف القرضاوي: وعليكم السلام ورحمة الله.
جميل حليم: لو سمحت بالنسبة لموضوع اللي تتكلموا فيه -موضوع الخلافيات- فيه
قاعدة متفق عليها عند علماء الأصول، وهي أن المختلف فيه لا ينكر وإنما
ينكر المجمع عليه، فالخلافيات هذه المسائل بسيطة.
ماهر عبد الله: إنت عندك تلفزيون شيخ جميل، عندك تلفزيون في البيت .
جميل حليم: لكن الجريمة الكبرى والطامة العظمى أن يتصدر بعض من يدعي
المشيخة والعلم والإفتاء أو أنه مرجع أو أنه مؤلف في علوم الدين فيقول
المسائل.. ويدلي بفتاوي ما أنزل الله بها من سلطان تحت دعوى..
ماهر عبد الله [مقاطعاً]: يا أخ جميل..يا أخ جميل لو سمحت يا أخ جميل، لو سمحت توطي التلفزيون اللي عندك.
جميل حليم: الرأي بزعمي.
ماهر عبد الله: أخ جميل.
جميل حليم: لو سمحت يا أستاذ ماهر.
ماهر عبد الله: بس وطي التلفزيون اللي عندك حتى نسمعك.
جميل حليم: يعني كلمات قصيرة مختصرة.
ماهر عبد الله: اسمعني بس.. اصبر عليَّ يا أخ جميل، اصبر عليَّ، إحنا مش فاهمينك لأن التلفزيون عندك عالي ومشوش علينا فلو سمحت.
جميل حليم: ماشي الحال نرجع نعيد لو سمحت.
ماهر عبد الله: بس وطي لي إياه الله يخليك.
جميل حليم: نعم.. نعم فبنقول بالنسبة لموضوع الخلافيات هذا موضوع تكلم فيه
العلماء، علماء الأصول يقولوا: "إن المختلف فيه لا ينكر، ولكن ينكر المجمع
عليه" فالإنسان إذا أخذ بقول مجتهد معتبر لا حرج عليه بأنه أخذ بقول مجتهد
معتبر، ليس بقول عامي من عوام الناس، لكن الطامة الكبرى -يا أستاذ ماهر-
والبلية العظمى الخطيرة أن يتصدر بعض الناس ممن يدعون المشيخة والعلم أو
أنهم يكتبون في علوم الدين، ويفتون بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان تحت
عنوان أو عبارة بزعمهم حرية العقيدة، أو حرية الرأي، ومن ذلك منهم من يسمي
الله تعالى بالمصدر، أو بالعلة، أو بالعقل المدبر، أو بالقوة، أو ما شابه
ذلك من الألفاظ التي ما وردت لا في القرآن، ولا في السنة، ويقول أيضاً: إنه
يجوز -والعياذ بالله تعالى- أكل النجاسة إذا تحولت إلى شيء مثلاً: الخنزير
إذا تحول إلى ملح يقول يجوز أكله، كذلك يقول إن التبرك بآثار الصالحين
وبقبورهم، هما أوسع أبواب الإشراك بالله، ويقول إنه يجوز أكل الدجاجة
المخنوقة، وأكل اللحم الذي قتل بالصعق الكهربائي، ويقول أيضاً -والعياذ
بالله -إن الرسول -عليه والسلام- قال "كاد الفقر أن يكون كفرا"، وأباح
أشياء ما أنزل الله بها من سلطان، كأن تعطى الزكاة للكفار، أو أن يبنى بمال
الزكاة المساجد والمشاريع الخيرية، وهذه الكلمات موجودة في بعض الكتب
والمؤلفات.
وأنا -بكل صدق وإخلاص- أدعو الدكتور القرضاوي -الذي أمامك- للمناظرة
العلمية الهادفة، وأرجو من تليفزيون.. من قناتكم أن تحدد لنا الآن موعداً
للمناظرة العلمية الهادفة لينفضح أمر هذا الرجل الذي كثرت الفتاوي التي ما
أنزل الله بها من سلطان.
ماهر عبد الله: طيب يا أخ جميل مشكور جداً وأعتقد إنه..
جميل حليم [مقاطعاً]: أرجو أن لا تقطعوا المكالمة.. أرجو لا تقطعوا المكالمة.
ماهر عبد الله: أعطيتك الفرصة.
جميل حليم: لأن هذه الفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان، وفتاوى هذا الرجل
انتشرت في الشرق والغرب بالضلال والفساد، وهو يدعي أنه مرجعية، وأنه دكتور
علامة، وهو ليس فيه شيء من ذلك.
ماهر عبد الله: هذا رأيك وأنت حر فيه.. لك حرية الاختيار.. طيب مشكور يا أخ
جميل.. أنا أعتقد سنعود إلى السؤال الأول، السؤال الأول كان عن بعض
العلماء الذين يضعون يعني سأعود إلى هذا.. أعطيك الفرصة للرد.. يضع الآراء
أمامه وينزع منها ما يشاء، يعني هل هذه ظاهرة موجودة وإذا وقعت؟
مدى إجازة اتباع رخص المذاهب
د. يوسف القرضاوي: لا هو بيتكلم الأخ عن الذين يتتبعون الرخص، يتتبعون رخص
المذاهب، ومن تتبع الرخص فقد فسق، يعني هو.. أنا أتحدث عن من يرجح الرأي
بناء على اعتبارات شرعية، فهذا يمكن أن يوافق المالكي في بعض المسائل،
ويوافق الشافعي في بعض المسائل، ويوافق الحنبلي في بعض المسائل، مادام
مبنياً على دليل، إنما اللي بينكره الأخ -وأنا معه- إن هو الذي يتتبع يريد
الأسهل فقط، يعني ما يوافق مصلحته، أو ما يوافق هواه من المذاهب، يبحث إذا
المذهب دا بيبيح الربا، يأخذ الربا، لو المذهب دا بيبيح النبيذ يأخذ
النبيذ، لو المذهب دا يبيح الغناء يأخذ الغناء، فهو هذا أنا أرفض هذا.
ماهر عبد الله: طب هذا فيه مظنة المصلحة الشخصية، لو إحنا بنتحدث عن عالم
متجرد لا مصلحة له في هذه الفتوى، ويختار الأسهل للتسهيل على الناس.
د. يوسف القرضاوي: لأ أنا ما أخترش الأسهل، يختار الأقوى دليلاً، العالم
يختار الأرجح دليلاً، ما كان دليله راجحاً فهو يأخذ به، وافق أم خالف،
والأدلة كثيرة، ومن الأدلة أيضاً اللي ممكن تدخل في الاعتبار مراعاة تحقيق
مقاصد الشرع ومصالح الخلق، ودفع المفاسد عن الناس، وتحسين صورة الإسلام،
والنبي -عليه الصلاة والسلام- يعني في قضية الغناء يوم العيد قال "حتى يعلم
يهود أن في ديننا فسحة، وإني بعثت بحنيفية سمحة" يعني أراد أن يحسن صورة
الإسلام عند الآخرين، دي أيضاً من الأشياء التي يمكن أن تحدث إنما ليس..،
أنا مع الأخ في إنه لا يجوز للعالم أن يبحث فقط عن الأشياء اللي فيها تسهيل
أو فيها كذا، وإن كانت ضعيفة الدليل، أو لا دليل عليها أو كذا، هذا لا
أوافق عليه، أما أخونا هذا، فقد خلط الحابل بالنابل، والحق بالباطل، كلامه
الأولاني كلام جيد، إن العلماء قالوا: إنما ينكر المجمع عليه، حتى إن
الإمام الغزالي في كتابه الإحياء قال: إذا الإنسان أراد أن ينكر منكراً لا
يجوز أن ينكر إلا حراماً مجمعاً عليه، لا ينكر مكروهاً، ولا ينكر شيء خلاف
الأولى، ولا ينكر أمراً مختلفاً فيه.
قال لو واحداً -مثلاً- شافعي بيأكل شيء متروك التسمية، يعني الشافعية عندهم
التسمية على الذبيحة ليست فريضة، فلو فعل هذا لا ينكر هذا، هذا مذهبه،
سواء إن كان من المجتهدين أو من المقلدين، هذا مذهبه، لو وجد حنفياً أخذ
بيتاً أو أرضاً بشفعة الجوار هذا مذهبه، لا يعني ينكر عليه هذا الأمر.
فالإنكار إنما يكون في المسائل المجمع عليها، ولو فرض إن الإنسان له رأى
مخالف له أن ينكر، ولكن لا يغلظ في الإنكار، يكون رفيقاً فيما ينكره، لا
يكون عنيفاً، فإن الله يحب الرفق في الأمر كله، والله تعالى يقول لرسوله:
(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظاًّ غَلِيظَ
القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)، فأما الكلام اللي قاله الأخ فالأخ
يدل على إنه يعني الحقيقة عقله ملخبط يعني ما.
ماهر عبد الله: لا إحنا يكفينا بس أن نقول للشيخ جميل إن هذه طبيعة البرنامج، مش تحدي ومن يعني..
د. يوسف القرضاوي: لأ.. إحنا عاملين هذا.. هذا البرنامج علشان نخفف من
غُلَوَاء الخلاف، يقوم الأخ عايز ييجي يلقى قنبلة يفجر هذا الأمر، ويقول
كلامه ويقول: إباحة الزكاة للكفار، هذا كلام.. يعني جاب بعض كلام لم يفهمه
من كتبي، وأنا لا أقول شيئاً إلا بدليل، يعني أي شيء من هذا، و"كاد الفقر
أن يكون كفراً"، أنا لم أقل هذا.. هذا حديث ضعيف، وأنا بينت ضعفه في كتبي،
ولكن وردت أحاديث تستعيذ بالله من الكفر والفقر، فالفقر ممكن يؤدى إلى
الكفر بالفعل، وقد ورد عن سيدنا أبي ذر أنه قال "إذا ذهب الكفر إلى بلد..
ذهب الفقر إلى بلد قال له الكفر خذني معك"، فهذه يعني قضايا عجيبة، وأنا
لا.. لا أعرف الأخ ده، لم أسمع اسمه من قبل، ولكن أسأل الله أن يهديه ويصلح
حاله.
هذا تفريغ لحوار الدكتور يوسف القرضاوي مع برنامج الشريعه والحياه علي قناه الجزيره الاخباريه القطريه، اللقاء كان منذ ثماني سنوات ولكنه كان لقاءا ممتعا،افاض فيخ شيخنا الجليل يوسف القرضاوي بدرر من التوجيهات والتعليمات التي يحتاجها كل دارس وكل فقيه، كان المذيع هو الاخ ما هر عبدالله، نترككم مع نص الحوار ومادته حول(اختلاف الفقهاء في الاسلام) نترككم مع نص الحوار
ماهر عبد الله: أعزائي المشاهدين، سلام من الله عليكم، ورحمته وبركاته،
وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من برنامج (الشريعة والحياة)، ويسعدنا أن
نستضيف فيها.. أن يعود فيها الأسد إلى عرينه، حيث -بعد إجازة طويلة- يعود
إلينا فضيلة العلامة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي الذي أرحب به باسمكم في
هذه الحلقة.
د. يوسف القرضاوي: شكراً يا أخ ماهر، بارك الله فيك.
ماهر عبد الله: لعلكم لاحظتم في الحلقات الماضية -أعزائي المشاهدين- كمية
الجدل التي تثور عندما يختلف المسلمون، وتختلف آراؤهم حول أي قضية من
القضايا، ورغم أن الخلاف الفقهي يعيش معنا منذ وفاة الرسول -صلى الله عليه
وسلم- مؤسس هذه الدعوة الإسلامية، إلا أن العقل المسلم يبدو أنه لم يتأقلم
بعد مع قضية الاختلاف، ومازال البعض يجد فيها حساسية شديدة.
هذا هو موضوع حوارنا مع فضيلة الشيخ القرضاوي لهذا اليوم، فضيلة الشيخ يعني
لنبدأ بالاعتراف أولاً أن الاختلاف حقيقة واقعة، لكن هل هو ظاهرة سلبية،
هذا الاختلاف الفقهي، والتعدد المذهبي؟
القرضاوي ينعى العلماء الراحلين
د. يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، ومن اتبع هداه، وبعد:
فقبل أن أجيب عن هذا السؤال أحب أن أقول كلمة عن عدد من علماء الإسلام
فقدناهم في هذه الفترة الماضية، ويبدو أن هذه السنة هي سنة موت العلماء،
لقد ودعنا عدداً من الأعلام الأفذاذ، ابتداءً بسماحة العلامة الشيخ عبد
العزيز بن باز، وبعده العلامة الأديب الشيخ علي الطنطاوي، وبعده العلامة
الفقيه الشيخ مصطفى الزرقا، وفي هذه الإجازة فقدت الأمة عدداً من العلماء
الأعلام منهم أخونا وصديقنا، وحبيبنا الشيخ مناع خليل القطان، الذي هاجر من
مصر إلى السعودية بأوائل الخمسينيات، واستوطن السعودية، وحمل .. جنسيتها،
وربى أجيالاً، وألَّف كتبا، وكان له تلاميذ ومريدون طوال هذه السنين، وترك
وراءه آثاراً علمية يشهد بها الكثيرون، وكان رجلاً من رجال الاعتدال
والتوازن في أفكاره، ومفاهيمه، وأحكامه، وفتاويه.
الشيخ مناع أعرفه معرفة جيدة، فقد سكنَّا معاً ثلاث سنوات في فترة الدراسة
في كلية أصول الدين، كنا نسكن معاً في شقة واحدة، وكان قبلي بسنتين، وتخرج
قبلي، ثم يسَّر الله له أن يذهب إلى المملكة السعودية، وهذا عافاه من محن
كثيرة ابتُلي بها إخوانه، وقد جربها هو قبلنا، وهو طالب في المرحلة
الثانوية وفي أوائل الكلية.
ذهب الشيخ مناع إلى ربه راضياً مرضياً -إن شاء الله- نحسبه كذلك، والله
حسيبه، ونسأل الله سبحانه وتعالى ألا يحرمنا أجره، وألا يفتننا بعده، وأن
يغفر لنا وله، وأن يخلفه في أهله وذريته بخير ما يخلف به عباده الصالحين.
وتُوفي بعد ذلك -في هذه المدة- سماحة الشيخ عطية محمد سالم، وهو من العلماء
الدعاة الذين كان لهم قدم راسخة في العلم، وباعٌ واسعٌ في الدعوة إلى
الله، وكانت له دروسه في المسجد النبوي والمسجد الحرام، وكان له تلاميذه،
وكان له مريدوه، وكان له –أيضاً- دروسه في إذاعة القرآن الكريم، فقدته
الأمة -أيضاً- خلال هذه الفترة القصيرة، وانتقل إلى رحمة الله -أيضاً- في
هذه المدة العالم الأديب الشاعر الكاتب الشيخ محمد المجدوب، وهو سوري عاش
في المدينة المنورة يُدرِّس ويربي الأجيال المسلمة من أنحاء العالم
الإسلامي في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، تخرجت على يديه أجيال،
شاء الله له أن ينتقل إلى جواره في هذه المدة.
وممن -أيضاً- ودعتهم الأمة في هذه الفترة الشيخ عثمان عبد العزيز من علماء
(كردستان)، ومن حملة الدعوة الإسلامية الذين زادوا عنها، ودافعوا عن
حرماتها، وحملوها إلى الناس عشرات السنين، أيضاً ودعناه في هذه الفترة، ومن
العلماء الذين ودعناهم في هذه الفترة الأخ العالم الأديب المحقق الدكتور
محمود الطناحي الذي كان له باع رحب في تحقيق التراث، هو وزميله الأخ
الدكتور عبد الفتاح الحلو، كلاهما انتقل إلى رحمة الله تبارك وتعالى.
هؤلاء في فترة وجيزة ودعتهم أمتنا، فنسأل الله -تبارك وتعالى- أن يغفر لهم،
ويرحمهم، ويتقبلهم في الصالحين، ويجزيهم خير ما يجزي به العلماء العاملين،
والدعاة الصادقين، ويخلفنا فيهم خيراً.
ماهر عبد الله: لعل هذه البداية والحديث عن فقد العلماء يكرس الحاجة للحديث
عن موضوع الاختلاف، لأنه مع وجود هذه الموسوعات التي انتقلت إلى رحمة الله
تعالى، كان ضيق الأفق هو الذي يسيطر –للأسف الشديد- على الحالة الإسلامية،
فنرجو الله الرحمة، بعد أن أخذ منا هؤلاء الموسوعات الفقهية والعلمية.
اختلاف المذاهب رحمة
نعود لفضيلة الشيخ يوسف القرضاوي، ونسأله عن موضوع الاختلاف الذي هو حقيقة
واقعة، هل هذا التعدد وهذا الاختلاف المذهبي والفقهي ظاهرة سلبية؟ أم يمكن
أن تكون ظاهرة إيجابية؟
د. يوسف القرضاوي: الأصل في هذا الاختلاف أنه ظاهرة صحية وإيجابية، بل هو
ظاهرة ضرورية، يعني لو نظرنا إلى الخلاف في حقيقته نجد أنه ضرورة، هو ضرورة
دينية، وضرورة لغوية، وضرورة بشرية، وضرورة كونية.
أما إنه ضرورة دينية فلأن الله تعالى لو أراد أن يجمع الناس كلهم على رأي
واحد لأنزل القرآن كله آيات محكمات، ولكن الله تعالى أخبرنا في كتابه أنه
أنزل هذا القرآن: (مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ
وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)، والمحكمات هي التي الواضحة الدلالة التي لا
يختلف الناس في معناها، والمتشابهات التي تحتمل أكثر من رأي، وأكثر من وجه،
فكون الله تعالى أنزل كتابه هكذا معناه أنه يريد أن يتيح للناس أن
يختلفوا، وإلا كان يمكن أن يكون الدين كله نصوصاً قطعية الثبوت، قطعية
الدلالة، ولكن عندنا السُّنَّة معظمها جمهرتها ظنية الثبوت، ومعظم القرآن
والسنة ظني الدلالة، وما دام هناك ظنية في الدلالة فلابد أن تختلف الأفهام.
ماهر عبد الله: لو أنا سألتك يعني إذا كان هذا حقيقة واقعة، وأنت تقول: إنه
ضرورة دينية، ولغوية، وثقافية، وهو يعيش معنا حقيقة منذ فجر الرسالة،
لماذا لم نعتد عليه؟ مازال البعض منا يستهجن أن يرى مسلماً آخر يصلي بطريقة
مغايرة، يتبع مذهباً مخالفاً لما اعتاد عليه، يعني لماذا لم نقبل هذه
الحقيقة في واقع ممارستنا للإسلام؟
د. يوسف القرضاوي: هذا يعني من ضيق الأفق، ومن سوء الفهم، يعني لو أردنا أن
ننظر إلى القرون الأولى، وهي خير قرون هذه الأمة كما عبر عنها الرسول -صلى
الله عليه وسلم- وجدناهم يقبلون هذا الاختلاف، ويسع بعضهم بعضاً، لم يضق
بعضهم ببعض بالخلاف.
الصحابة اختلفوا فيما بينهم، وصلَّى بعضهم وراء بعض، والتابعون اختلفوا،
وصلَّى بعضهم وراء بعض، اختلفوا في قضايا فقهية، و في قضايا -أحياناً-
اعتقاديه فرعية، ويعني أنت جاعل العنوان (الاختلاف الفقهي)، مع إنه أنا كنت
أود إن يكون الاختلاف العلمي، لأن الخلاف ليس في الفقه وحده، البعض يقول
لك: هؤلاء أشاعرة، وهؤلاء "ماسوجينية"، وهؤلاء سلفية، وهؤلاء.. فخلافات في
فروع العقائد حتى الخلاف في فروع العقائد لا ينبغي أن يمزق الأمة، يعني
يمكن أن نختلف.. تختلف آراؤنا ولا تختلف قلوبنا، يمكن أن يكون هناك اختلاف
مشروع، ولا يكون هناك تفرق ممنوع.
الاختلاف ليس من ورائه شر ولا ضرر، إنما الذي من ورائه شر التعادي والتفرق،
وهذا الذي حذر منه القرآن: (وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا
وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ
عَذَابٌ عَظِيمٌ)، فالتفرق والاختلاف والتنازع (وَلاَ تَنَازَعُوا
فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)، إنما أن يكون لي رأي ولك، هذا طبيعي
أنا بأقول ده ضرورة دينية، وضرورة لغوية مادام الدين نصوصاً، وهذه النصوص
من اللغة، واللغة فيها الحقيقة والمجاز، والصريح والكناية، والخاص والعام،
والمنطوق والمفهوم، وما يفهم بالعبارة، وما يفهم بالإشارة، فلابد للناس أن
يختلفوا، يعني ليس يعني من طبيعة الناس أن يتفقوا على فهم كل شيء، واحد
بيأخد الشيء على إنه مثلا الله تعالى يقول: (أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ
فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)، ابن عمر خد (أَوْ
لامَسْتُمُ) يعني لمس البشرة للبشرة، ابن عباس قال لا، اللمس والملامسة
والمس في القرآن كناية عن الجماع، ولكن الله كريم، يكني عما شاء بما شاء،
(إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ) فمعنى تمسوهن.. فمعنى
تمسوهن يعني تحط إيدك عليها كده؟ أو قال مثلاً مريم عليها السلام: (وَلَمْ
يَمْسَسْنِي بَشَرٌ)، كلها كناية عن الصلة الجنسية، فما دام الدين أصله
نصوص فلابد أن يختلف الناس في فهمها.
ماهر عبد الله: طب خليني أسألك أنا على..علىالاختلاف في فهمها، يعني ما
تفهمه أنت، ما يفهمه الفقيه الآخر، هل هو ملزم للناس؟ هل له طابع قدسي؟ أم
هو اجتهاد بشري بحت لا قدسية له؟
الاختلاف أمر شرعي وضرورة حياتية
د. يوسف القرضاوي: لأ.. هو ليس لرأي بشر يعني قدسية معينة من حيث إنه معصوم؟ لأ، لا عصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ماهر عبد الله: صلى الله عليه وسلم.
د. يوسف القرضاوي: الرسول هو الموحى إليه، (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى
إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى)، حتى إن الرسول -عليه الصلاة والسلام-
نفسه كان يجتهد أحياناً فيخطيء في اجتهاده، ولكن مزيته عن غيره من
المجتهدين أنه لا يقر على خطأ، إذا اجتهد في قضية فأخطأ نزل الوحي يصحح له
لأن الناس مطالبون أن يتبعوه (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ
أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)، (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ
عَنْهُ فَانتَهُوا)، فلا يمكن أن يُقر على خطأ أو باطل، فينزل القرآن
(وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ
وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ)، (عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ
لَهُمْ)، (لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ
أَزْوَاجِكَ).
فالاجتهاد حتى عند رسول الله -عليه الصلاة والسلام- فكل مجتهد.. هو وميزة
الإسلام إيه، إنه فتح باب الاجتهاد، ولعلنا يعني نقر.. يعني نعقد حلقة عن
قضية الاجتهاد، لأن دي قضية أساسية، أنه فتح باب الاجتهاد، وجعل للمجتهد إن
أصاب أجرين وإن أخطأ أجراً، يعني لم يكتف بأنه يعذر المخطئ، يعني كنا نقول
المخطئ معذور، لأ المخطئ مأجور، ولكن..
ماهر عبدالله: كافأه.
د.يوسف القرضاوي: كافأه بأجر واحد، وهو إنه تحرى، وبذل وسعه، وأعمل عقله، فلم يحرم من.. من الأجر.
فإذن أنا المجتهد ليس معصوماً، ولكن المسلم مطالب بأن يتبع أهل الذكر إذا
لم يكن هو من أهل الذكر، فلابد أن يسأل أهل الذكر عن مالا يعلم، يعني
الإنسان إذا لم يعلم شيئاً يجب أن يسأل غيره. النبي –عليه الصلاة والسلام-
حينما أفتى بعض الناس رجل أصابته جراحة ثم أصابته جنابة فسأل بعض الناس
فقالوا له: يجب أن تغتسل، فاغتسل -وبه هذه الجراحة-فتفاقم عليه الجرح فمات،
فلما بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "قتلوه قتلهم الله! هلا سألوا
إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العِيِّ السؤال، إنما كان يكفيه أن يعصب على جرحه
ويتيمم".
فشفاء العي السؤال.. الإنسان الذي لا يعلم عليه أن يسأل من يعلم، وعليه
وعلى الجاهل أن يتبع العالم، كما قال سيدنا إبراهيم لأبيه: (يَا أَبَتِ
إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ العِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي
أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِياًّ) من ليس عنده علم يتبع من عنده العلم.
ماهر عبد الله: طيب أولئك الذين يمتلكون العلم هل يمكن أن يعبروا عن الحق
بأكثر من وجه؟ يعني هذا الاختلاف قد يكون هو يعني تعبير عن صيغة صحيحة
واحدة، لكن أوجهها تختلف، وبالتالي هي تتساوى في المكانة، ويعني ما ذكرت من
قضية المس عند ابن عباس، وعند ابن عمر، يعني أليس هذا تعبيرين عن حقيقة عن
الصواب في كليهما؟
د. يوسف القرضاوي: هو هنا في قضية.. أولاً: ممكن أن يتعدد الصواب، يعني في
بعض القضايا يمكن أن يتعدد فيها الصواب، يعني النبي –عليه الصلاة
والسلام-يعني اختلف بعض الصحابة في قراءة القرآن الكريم، واشتكيا إلى النبي
–صلى الله عليه وسلم- فقال لهما "كلاكما محسن".. يعني أنت على صواب لأن دي
قراءة.. ودي قراءة، "لا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا"، فممكن
في بعض القضايا يمكن يكون فيها أكثر.. تقبل أكثر من وجه، والذي لا يقبل
أكثر من وجه يعني، الأصوليون –علماء أصول الفقه- مختلفون، هل الصواب –عند
الله- هو رأي واحد؟ أم يمكن أن يكون الصواب عند الله أكثر من رأي؟
بعض العلماء يقولون الصواب هو: ما وصل إليه المجتهد باجتهاده ورأيه، فما
وصل إليه هذا صواب، وما وصل إليه الآخر صواب كل.. هذا رأي، والرأي ودا
بيسموهم (المُصَوِّبَة)، يعني يعتبرون اجتهاد كل مجتهد مصيباً..
ماهر عبد الله: صواب.
د. يوسف القرضاوي: الآخرون يقولوا لك لأ، هو الصواب واحد، ولكن الآخر لا
يؤثم إذا خالفه أو خانه الوصول إلى صواب، لا يؤثم ولا يضلل، لأنه بذل جهده،
ويستدلون على ذلك بقوله تعالى: (فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ
آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً) اللي فهمها واحد هو سليمان وداود قضيا في
قضية، اللي فهم القضية وأفتى فيها بالصواب سليمان، وإن كان كل منهما أتاه
الله حكما، ودا الرأي الذي أعتقد إنه أرجح، إن هو الصواب واحد فقط، ولكن
الآخرون -وإن لم يصلوا إليه- هم غير مؤثمين، وغير مضللين، بل مأجورون عند
الله –تعالى- أجراً واحدا.
ماهر عبد الله: طب أنا.. لو سألتك إلى أي.. يعني الآن عندنا مجموعة من
المذاهب وعندنا آراء مختلفة، وإحنا اتفقنا إن.. متي يمكن لي أن أنكر على
مسلم ما أظن أنه خطأ، وهو طبعاً قطعاً يعتقد أنه صواب ولهذا اتبعه، يعني
لاحظنا في بعض الحلقات الماضية كان بعض الناس يستهجن بعض الاجتهادات لبعض
الأفاضل الذين استضفناهم، متى يجوز لي أن أنكر على مسلم رأياً فقهياً؟
اختلاف المجتهدين من أبواب التيسير في الشريعة
د. يوسف القرضاوي: إذا كان يعني هذا الرأي مخالفاً مخالفة قطعية لنص ثابت،
يعني هناك منطقتان في الإسلام: منطقة لا يجوز الاجتهاد فيها، منطقة مغلقة،
وهى منطقة القطعيات التي ثبتت الأحكام فيها بنصوص قطعية الثبوت قطعية
الدلالة، فدي إذا واحد اجتهد فيها وجاء واحد برأي، يقول لك لأ، الأنثى لا
ترث نصف الذكر الله تعالى يقول: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ)،
لأ.. يعني يخالف نص قرآني قطعي أقول له لأ، هذه الأشياء.. إنما إذا كانت
محتملة.. لا أنكر أنا لا أنكر على ابن عباس ولا أنكر على ابن عمر كل واحد،
فأنا آخذ ما يطمئن إليه قلبي.
أولاً: المجتهد لا يأخذ بقول أحد.. بقول أحد آخر، المجتهد يجب عليه أن يأخذ بقول نفسه.
ماهر عبد الله: لا يقلد.
د. يوسف القرضاوي: لا يقلد، يحرم عليه أن يقلد وأن يدع قوله لقول غيره،
حرام عليه هذا لا يجوز له، رأي اقتنع به ووصل إليه بعد أن أفرغ جهده، وبذل
وسعه، ووصل إلى هذا، هو يدين الله بهذا، والله سيسأله عن هذا، فلا يجوز
للمسلم أن يتنازل عن رأيه لإرضاء الناس هذا لا يجوز، إنما إذا كان يمكنه أن
يخرج من هذا الرأي، يعني العلماء دايماً قالوا: استحباب الخروج من الخلاف،
إذا قدرنا نخرج، فيه قضايا ممكن نخرج فيها من الخلاف، يعني افرض واحد
بيقول لك مثلاً لمس المرأة ينقض الوضوء، وواحد تاني بيقول مثلاً سيلان الدم
من الجسم أو الرعاف، أو كذا ينقض الوضوء، ممكن واحد بيقول مثلاً أكل لحم
الإبل أوالجذور ينقض الوضوء، إذا استطعت إنك في أي حاجة من دي تتوضأ يبقى
خرجت من الخلاف ووافقت الجميع.
إنما أحيانا لا يمكن، واحد يقول لك تقرأ البسملة عند الفاتحة، يقول لك لأ
لا تقرأها، واحد يقول لك أسر بها، واحد يقول لك اجهر بها، واحد يقول لك
اقرأ دعاء الاستفتاح والثاني يقول لأ، فمستحيل إنك توافق الجميع في هذا.
ماهر عبد الله: التساهل والتشدد، هل.. هل هذا مقياس للقبول أو عدمه؟ يعني
يتهم الشيخ الفلاني بأنه شيخ متساهل، يعني هل هذا مبرر لعدم الأخذ بأراءه؟
د.يوسف القرضاوي: لأ، هو ما هو التساهل؟ أصل فيه بعض الناس يعتبرون التيسير تهاوناً.
ماهر عبد الله: كنت قد سألت فضيلة الشيخ عن التشدد والتساهل هل هما معيار للحكم على جواز اتباع هذا العالم أو ذلك؟
د. يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم، هذه قضايا نسبية، ما معنى
التساهل؟ وما معنى التشدد؟ هناك أناس بطبيعتهم متشددون، وأناس بطبيعتهم
ميسرون، وقد عرف تراثنا الفقهي منذ عهد الصحابة شدائد ابن عمر، ورخص ابن
عباس، هذا يعني أمر معروف في تاريخ الفقه.
ابن عمر كان يبعد الأطفال عنه حتى لا يسيل لعابهم عليه، وابن عباس يضمهم
إليه ويقبلهم، ويقول هذه رياحين نشمها، ابن عمر كان يزاحم على الحجر الأسود
حتى يدمى في الطواف، حتى يجرح ويسيل منه الدم، فكانوا يقولون له:
لماذا..... اترك هذا للناس اللي جايين من أفريقيا، من بعيد يعني، يقول:
يعني هفت القلوب إليه فأحببت أن يكون فؤادي معه، رأي الناس يتزاحمون فاشتاق
يزاحم معهم، ابن عباس يقول: لا يؤذي ولا يُؤذَى، يعني نموذجان..
هذه طبيعة البشر، يعني البشر ليسوا يعني سواء.
حتى ممكن يكونوا أخوين زي سيدنا موسى وسيدنا هارون، سيدنا موسى قوى عنيف بطبيعته (فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ)..
ماهر عبد الله: فقتله.
د. يوسف القرضاوي: ولما جاء ووجد الناس عبدوا العجل وبتاع، ألقى الألواح
-ألواح التوراة- وأخذ برأس أخيه يجره إليه، وأخوه دا نبي ورسول مثله:
(قَالَ يَا بْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي إِنِّي
خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ
قَوْلِي)، فالناس حتى نجد الحسن والحسين، الحسن تنازل عن الخلافة بعد أن
بويع بها، وقال لمعاوية: خذها مش عايزها، وسمي هذا عام الجماعة، وجاءت في
الحديث الذي رواه البخاري "إن ابني هذا سيد سيصلح الله به"، والحسين راح
يطالب بهذا، وقتل هو وأهله واستشهد.. ويعني.
فالناس يختلفون في هذا، هناك المشدد وهناك الميسر، فليس معنى التيسير إن
هذا من قلة الدين كما يفهم بعض الناس إن دا شخص متهاون في دينه، لأ، شخص
اقتنع بهذا، لأن طبيعته التيسير يعني ما، فيه الناس كده.. وتجد، يعني..
وأنا أعرف بعض إخوانا هم مشددين لا يمكن إلا أن يكون كذلك، هذه طبيعته. أنا
ميسر أنا أقرب إلى ابن عباس منى إلى أيه إلى ابن عمر، ليس هذا تهاونا في
الدين، إنما هي طبيعة، أحب التيسير، وأرى إن الشريعة قامت على التيسير:
(يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ)، والرسول
-صلى الله عليه وسلم- قال: "يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا" فأنا
أيسر في الفتوى، وأبشر في الدعوة امتثالاً لتوجيه لرسول الله -صلى الله
عليه وسلم-
ماهر عبد الله: طيب خليني أسألك أنا سؤال له علاقة بهذا الموضوع، وإن كان
مش من صميم العلم والفقه تماماً، وهو أنه يعني أنا وأنت جئنا من بلدين
مختلفين، أنت عشت على ضفاف النيل، ونعيم مصر وما في مصر، وأنا عشت في بيئة
فلاحة لا فيها ماء، ولا فيها نهر، ولا قريبة حتى من البحر، لو إنساناً آخر
ثالث عاش في منطقة صحراوية لا يرى إلا الأرض والسماء، يعني ألا ينعكس هذا
على طبيعة فهمه للنصوص، على طبيعة تعامله مع القرآن الكريم، مع.. مع
الأحاديث النبوية، مع التراث الفقهي؟
د. يوسف القرضاوي: قطعاً يعني الإنسان ابن زمانه ومكانه، لا تستطيع أن تكلف
الإنسان في من عشرة قرون أن يكون هو إنسان اليوم، ولا تستطيع أن تكلف ابن
الصحراء أن يكون ابن الأرض الخضراء،كل واحد تؤثر عليه يعني بيئته، ولكن قد
يكون الشخصان من بيئة واحدة ومع هذا.. هذا فيه شدائد ابن عمر، وهذا فيه رخص
ابن عباس، ابن عباس وابن عمر نشئا في بيئة واحدة يعني وفي جو واحد ومع هذا
كل منهما له.. إنما البيئة لها آثارها.
قطعاً ابن حزم لو لم يكن يعني في الأندلس، وفي الحضارة الأندلسية، ولو لم يكن وزيراً وعاش في بيئة كذا، ما رأينا له الآراء التي..
ماهر عبد الله: الحضارية.
د. يوسف القرضاوي: رأيناها، مثلاً المرأة تتولى القضاء، وتتولى المناصب
الإدارية، وإباحة الغناء والموسيقى وكذا، يعني قطعاً، قالوا إن الإمام
الشافعي كان له رأي وله مذهب قبل أن يستقر في مصر، ومذهب بعد أن استقر في
مصر.
يعني قطعاً يعني البيئة لها آثارها، ليست البيئة فقط، يعني قطعاً هو بعد أن
كبرت سنه، ونضج اجتهاده وتفكيره غيَّر آراءه، سمع ما لم يكن قد سمع، كما
رأى ما لم يكن قد رأى فمؤثرات من ضمنها اختلاف البيئة.
ماهر عبد الله: البيئة.
د. يوسف القرضاوي: ولذلك تجد مثلاً علماء الحجاز ليسوا كعلماء العراق، لأن
العراق بيئة حضارية ورثت مَدَنِية الفرس، وعندهم مشكلات أيضاً ليست عند
المشكلات التي.. يعني الإنسان هو هكذا.. لا تستطيع أن نجعل مثلاً محمد بن
عبد الوهاب.. الإمام محمد بن عبد الوهاب، الإمام محمد رشيد رضا وكلاهما رجل
سلفي، وحريص على السلفية، ومدافع عنها، ولكن هذا نشأ في بيئة بدوية، وهذا
نشأ في بيئة حضارية.
يعني وأنا أرى كثيراً من إخواننا الذين مثلاً من بلاد الخليج، إذا ذهبوا
إلى أوروبا وأميركا، واختلطوا بالناس، ورأوا المشكلات الفكرية، والمشكلات
الأخلاقية، والمشكلات الاجتماعية، والمشكلات الحضارية، تعتورهم من يمين
وشمال وهذه، يعني أرى كثيراً منهم يغير فكره.
الإنسان ليس صخرة، وليس حجراً جلموداً، الإنسان يعني يتأثر كما يؤثر، فمن
أجل هذا إن الإنسان قد يتغير تفكيره بتغير البيئة التي يعيش فيها.
ماهر عبد الله: طب عند هذه النقطة اسمح لي أن نلجأ إلى إخوتنا المشاهدين، معنا الأخ خالد على من النرويج، الأخ خالد تفضل.
خالد علي: السلام عليكم ورحمه الله.
ماهر عبد الله: عليكم السلام.
د. يوسف القرضاوي: عليكم السلام ورحمة الله.
خالد علي: العفو ممكن أسأل الشيخ الفاضل سؤالين بالحقيقة.
ماهر عبد الله: اتفضل.
خالد علي: بالنسبة للاجتهاد هل هو الاجتهاد هو يعني إيجاد رأى شخصي أم هو
البحث والتمحيص في إيجاد الحكم الشرعي من القرآن والسنة؟ هذا أولاً، السؤال
الثاني: إذا ثبت نص في القرآن أو في السنة، هل من الممكن أن نتخذ رأي آخر،
يعني أو يتخذ أحد المشرعين رأيا آخر؟ يعني مثلاً بالنسبة إلى صلاة
التراويح، هل من الممكن أن تصلى جماعة؟ يعني من يقال أنه نعم البدعة؟ إذا
ممكن ها نقطة، والنقطة الأخرى في عدم توافر الماء بالنسبة إلى مثلاً عبد
الله بن عمر في حالة أنه إذا لم يتوفر الماء قال: لا تصلوا، قال: فما بالكم
بالتيمم؟! قال لو برد عليهم الماء يعني بالحقيقة شيء من هذا القبيل.. لو
برد عليهم الماء بحيث تيمموا أو استعانوا بالصلاة بالنسبة للوضوء.
ماهر عبد الله: طيب مشكور يا أخ خالد، معانا الأخ جمال السرحي من السعودية، أخ جمال اتفضل.
جمال السرحي: السلام عليكم.
ماهر عبد الله: وعليكم السلام ورحمه الله.
د. يوسف القرضاوي: وعليك السلام ورحمة الله.
جمال السرحي: مساكم الله بالخير.
د. يوسف القرضاوي: الله يمسيك بالخير يا أخي.
جمال السرحي: كيف حالك يا فضيلة الشيخ.
د. يوسف القرضاوي: بارك الله فيك يا أخي.
جمال السرحي: يا سيدي أنا بدي أسألك سؤال.
د.يوسف القرضاوي: تفضل.
جمال السرحي: ربنا -سبحانه وتعالى- لما أمر الملائكة تسجد لآدم، إبليس
طبعاً أبى ورفض، فلما ربنا طلعه من الجنة، قال له: (أَنظِرْنِي إِلَى
يَوْمِ يُبْعَثُونَ)، سؤالي، هل كان الشيطان يعلم إنه هذه ليست جنة الخلد؟
وإن فيه بعث، أم إنه كان يطلع على الغيب؟ أم يعني كيف إنه إلى يوم يبعثون
وكان لسه آدم لا أكل من الشجرة ولا يعني طلع منها؟
ماهر عبد الله: طيب مشكور يا أخ جمال، طيب فضيلة الشيخ السؤال الأول في
صميم موضوعنا هذا اليوم من الأخ خالد، مهمة الفقيه هي البحث عن رأى شخصي،
أم هي بحث علمي ممحص للنصوص ليصل إلى ما يريده الشارع؟
د. يوسف القرضاوي: لا، الفقيه لا يتبع الهوى، الفقيه الحقيقي ليس متبعاً
لهواه، أو يُكَوِّن آراء شخصية، الفقه يعني هو معرفة الأحكام الشرعية من
أدلتها التفصيلية، أدلتها التفصيلية اللي هي القرآن، السنة، الإجماع،
القياس، فيه أدلة شبه مجمع عليها، يعني وفيه أدلة مختلف فيها، مثل
الاستحسان، الاستصلاح، مراعاة العرف، أقوال الصحابة، شرع من قبلنا..إلى
آخره.
فالفقيه يحاول أن يأخذ الحكم من هذه الأدلة، ولكن هذه الأدلة تختلف فيها
الناس، يعني قد تكون اللفظة تحتمل يعني معنيين، زي آية (يَتَرَبَّصْنَ
بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) هل القرء هو الحيض أم القرء هو الطهر؟
يعني.. هو بيبحث في القرآن والسنة، وبعدين غير.. هناك يختلف الفقهاء في
الدلالات المختلفة، يعني واحد يأخذ الحديث بشروط معينة، والثاني يخالفه في
هذه الشروط -شروط قبول الحديث- يختلفون في قبول الرواة، هذا الراوي عنده
قوي، والتاني لأ الراوي دا عنده يعني ضعيف..
ماهر عبد الله [مقاطعاً]:إذا ثبت له بالنص..
د. يوسف القرضاوي [مستأنفاً]: استنى بس عليَّ.
ماهر عبد الله: اتفضل.
د. يوسف القرضاوي: وبعدين هناك غير العملية دي، هناك واحد يقول بالمصلحة
المرسلة، والثاني لا يقول بالمصلحة المرسلة، واحد يقول بالاستحسان والثاني
لا يقول بهذا، ويختلفون في الأصول نفسها، ثم من ناحية أخرى في الاتجاه،
واحد يأخذ بحرفية النص، والثاني يأخذ بمقصد النص، وهذا حدث في عصر الصحابة،
أو في عصر النبوة يعني حينما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد غزوة
الأحزاب: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا في بني
قريظة"، لأن بني قريظة المفروض كانوا يكونوا مع النبي ضد المغيرين حسب
المعاهدة اللي بينهم، فانضموا إلى المغيرين على المدينة ليستأصلوا
المسلمين؟
يعني خيانة كبرى، فكان لابد من تأديبهم، فقال.. على طول إلى أيه؟ إلى بني
قريظة "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا في بنى قريظة"
مشيوا الصحابة إلى بني قريظة، وجم في الطريق وجدوا الشمس بتِصفر وتتطيف
للغروب، فبعضهم قال: لأ، الرسول لم يرد منا أن نضيع الوقت، وإنما أراد منا
سرعة النهوض، فصلوا في الطريق، وجماعة قالوا: لا.. هو قال لا يصلين العصر
إلا في بني قريظة، فنحن لا نصلي إلا في بني قريظة، وإن وصلنا منتصف الليل،
فجماعة أخذوا بالفحوى، وجماعة أخذوا بالظاهر، يعني فلذلك سيظل الناس..
هذان.. هاتان المدرستان، مدرسة المقاصد، ومدرسة الظواهر، ستظل هاتان
المدرستان، هو فقيه مش.. إنما واحد بينظر إلى المقصد، وواحد بينظر إلى
اللفظ.
ماهر عبد الله: طب هذا بيدخلنا في السؤال الثاني: إذا ثبت النص يعني إنت
أجبت عليه جزئياً إذا ثبت النص هل يمكن أخذ رأي غيره أو يخالفه ظاهراً؟
د. يوسف القرضاوي: الرأي قد يمكن يخالفه ظاهراً، ولكن يحققه قصداً، يحقق
مقصد النص، وإن ظن الإنسان إنه هو خالف اللي ..ما هو ممكن الذين قالوا لا
نصلي إلا إذا وصلنا، يمكن أن يقول لك لأ.. خالفوا النص، وصلوا في الطريق،
لأ هو ما خالفوش حققوا روح النص، حققوا مقصد النص، فهذا.. فممكن بعض الناس
الذين يراعون هذه المقاصد يتهمون من الآخرين، أنا أسميهم الآن (الظاهرية
الجدد) يعني ابن حزم هذا إمام عظيم، ولكنه كان ظاهريا حرفياً، الحديث يقول
مثلاً "البكر تستأذن وإذنها صماتها"، يعني البكر تستحي، وقال يكفي إنها
تسكت وإحنا نقول أن السكوت علامة الأيه..
ماهر عبد الله: الرضا.
د. يوسف القرضاوي: الرضا، طيب لو قالت والله يا أبى إني موافقة على عبد
العزيز دا، ولا عبد الفتاح، ولا كذا أنا موافقة عليه، إن ابن حزم يقول لك
لأ العقد باطل، ليه؟ قال لك الحديث يقول: إذنها صماتها وهى اتكلمت.. يا أخي
دا من باب أولى يعني ..
ماهر عبد الله [مقاطعاً]: طيب خلينا نعود للإخوة المشاهدين مرة أخرى، معانا الأخ عبد الله الشرقي من السعودية، أخ عبد الله اتفضل.
عبد الله الشرقي: السلام عليكم ورحمة الله.
ماهر عبد الله: وعليكم السلام ورحمة الله.
د. يوسف القرضاوي: وعليكم السلام ورحمة الله.
عبد الله الشرقي: أمسي الشيخ يوسف بالخير، وأطلب منك يا أستاذ ماهر لو تصبر عليَّ بعض..
د. يوسف القرضاوي: حياك الله يا أخي.
ماهر عبد الله: اتفضل.
عبد الله الشرقي: قبل أن نتكلم في ها الموضوع ينبغي نحرر محل النزاع، يعني
فالموضوع المطروح عن الخلاف وآدابه، الأمور الخلافية كثيرة، هناك مسائل يسع
الخلاف فيها، وأخرى لا يسع الخلاف فيها، وإن كانت هذه المسائل قد اختلف
فيها الأئمة المتقدمون، يعني أضرب لك بعض الأمثلة: يعني في المسائل التي
يسع فيها الخلاف يعني هي مسائل اجتهادية، ووقائع نازلة معتمد فيها على
الكتاب، يعني الحكم المستنبط فيها يعتمد على الأدلة الشرعية.
يعني مثال: المسائل النازلة.. التأمين التجاري، والصور الفوتوغرافية، وما
إلى ذلك، هذه المسائل يعني مع وجود الخلاف لابد من اعتبار وجهه نظر المخالف
واحترامها، وإن كان إذا كان ولابد من هذا الشرط إذا كان اختيار.. اختيار
المخالف في هذا القول مبني على أسس علمية، وليس عن هوى وتشهِّي، وبسط
الأقوال أمامه، وانتقاء ما يشاء من الأقوال، وترك ما يشاء من الأقوال، يعني
هذا العمل هو الاختيار يعني بالتشهِّي وبالهوى لا يمكن أن يصدر عن عالم
يسأل الله الدار الآخرة.
ماهر عبد الله: نحن نفترض فيهم حسن النية.
عبد الله الشرقي: نعم.
ماهر عبد الله: نفترض في العلماء حسن النية حتى يثبت العكس.
عبد الله الشرقي: إي نعم، لكن أنا أتكلم عن بعض المشايخ، يقول نطرح المسائل
أمامنا، ونختار ما يوافق، المسألة ليست اختيار وهوى وتشهي، يعني إذا كان
الشيخ الذي يبسط الأقوال أمامه يختار منها ما يشاء، ويدع منها ما يشاء أي
فرق..؟ ما الفرق بينه وبين أي عامي آخر؟
العامي قد يستخرج المسائل كذلك من كتب يعني الكتب الخلاف، ويختار ما يشاء، ويدع ما يشاء، ما الفرق بينه وبين هذا العالم يعني؟!
ماهر عبد الله: طب أستاذ عبد الله موضوع السؤال.. السؤال؟
عبد الله الشرقي: يعني معذرة فيه نقطة أخرى، يعني هذه المسألة اللي هي
اختيار ما يشاء من أقوال، هذه المسألة حذر منها الأئمة يعني أنفسهم
المتقدمون، يعني الأوزاعي أُوثِرت عنه كلمة وهي جيدة في ها الموضوع، يعني
هذه المسألة تسمى عند الفقهاء تتبع الرخص، يعني إذا كان بالهوى والتشهي
سموه زندقة، يعني الشافعي والأوزاعي –رحمهم الله- يقول: "لو أن شخصاً أخذ
بقول العراق في النبيذ، وأخذ بقول أهل المدينة في السماع، وأخذ بقول أهل
مكة في الصرف، وأخذ بقول أهل الشام في طاعة الخلفاء، قد اجتمعت فيه أصول
الزندقة"، يعني المسألة.. لكن إذا كان العالم يختار هذا الحكم الشرعي، الذي
أَعْمل فيه اجتهاده هذا يعتبر وجهة نظر، لكن المسألة مسألة تشهي واختيار،
هذا لاشك أنها مسألة مرفوضة.
د. يوسف القرضاوي: أنا أريد أن أعلق على..
ماهر عبد الله: ماشي.. طيب يا أخ عبد الله مشكور، معنا الشيخ جميل.. جميل حليم من لبنان، الشيخ جميل اتفضل.
جميل حليم: ألو.
ماهر عبد الله: اتفضل.
جميل حليم: السلام عليكم.
ماهر عبد الله: وعليكم السلام.
د. يوسف القرضاوي: وعليكم السلام ورحمة الله.
جميل حليم: لو سمحت بالنسبة لموضوع اللي تتكلموا فيه -موضوع الخلافيات- فيه
قاعدة متفق عليها عند علماء الأصول، وهي أن المختلف فيه لا ينكر وإنما
ينكر المجمع عليه، فالخلافيات هذه المسائل بسيطة.
ماهر عبد الله: إنت عندك تلفزيون شيخ جميل، عندك تلفزيون في البيت .
جميل حليم: لكن الجريمة الكبرى والطامة العظمى أن يتصدر بعض من يدعي
المشيخة والعلم والإفتاء أو أنه مرجع أو أنه مؤلف في علوم الدين فيقول
المسائل.. ويدلي بفتاوي ما أنزل الله بها من سلطان تحت دعوى..
ماهر عبد الله [مقاطعاً]: يا أخ جميل..يا أخ جميل لو سمحت يا أخ جميل، لو سمحت توطي التلفزيون اللي عندك.
جميل حليم: الرأي بزعمي.
ماهر عبد الله: أخ جميل.
جميل حليم: لو سمحت يا أستاذ ماهر.
ماهر عبد الله: بس وطي التلفزيون اللي عندك حتى نسمعك.
جميل حليم: يعني كلمات قصيرة مختصرة.
ماهر عبد الله: اسمعني بس.. اصبر عليَّ يا أخ جميل، اصبر عليَّ، إحنا مش فاهمينك لأن التلفزيون عندك عالي ومشوش علينا فلو سمحت.
جميل حليم: ماشي الحال نرجع نعيد لو سمحت.
ماهر عبد الله: بس وطي لي إياه الله يخليك.
جميل حليم: نعم.. نعم فبنقول بالنسبة لموضوع الخلافيات هذا موضوع تكلم فيه
العلماء، علماء الأصول يقولوا: "إن المختلف فيه لا ينكر، ولكن ينكر المجمع
عليه" فالإنسان إذا أخذ بقول مجتهد معتبر لا حرج عليه بأنه أخذ بقول مجتهد
معتبر، ليس بقول عامي من عوام الناس، لكن الطامة الكبرى -يا أستاذ ماهر-
والبلية العظمى الخطيرة أن يتصدر بعض الناس ممن يدعون المشيخة والعلم أو
أنهم يكتبون في علوم الدين، ويفتون بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان تحت
عنوان أو عبارة بزعمهم حرية العقيدة، أو حرية الرأي، ومن ذلك منهم من يسمي
الله تعالى بالمصدر، أو بالعلة، أو بالعقل المدبر، أو بالقوة، أو ما شابه
ذلك من الألفاظ التي ما وردت لا في القرآن، ولا في السنة، ويقول أيضاً: إنه
يجوز -والعياذ بالله تعالى- أكل النجاسة إذا تحولت إلى شيء مثلاً: الخنزير
إذا تحول إلى ملح يقول يجوز أكله، كذلك يقول إن التبرك بآثار الصالحين
وبقبورهم، هما أوسع أبواب الإشراك بالله، ويقول إنه يجوز أكل الدجاجة
المخنوقة، وأكل اللحم الذي قتل بالصعق الكهربائي، ويقول أيضاً -والعياذ
بالله -إن الرسول -عليه والسلام- قال "كاد الفقر أن يكون كفرا"، وأباح
أشياء ما أنزل الله بها من سلطان، كأن تعطى الزكاة للكفار، أو أن يبنى بمال
الزكاة المساجد والمشاريع الخيرية، وهذه الكلمات موجودة في بعض الكتب
والمؤلفات.
وأنا -بكل صدق وإخلاص- أدعو الدكتور القرضاوي -الذي أمامك- للمناظرة
العلمية الهادفة، وأرجو من تليفزيون.. من قناتكم أن تحدد لنا الآن موعداً
للمناظرة العلمية الهادفة لينفضح أمر هذا الرجل الذي كثرت الفتاوي التي ما
أنزل الله بها من سلطان.
ماهر عبد الله: طيب يا أخ جميل مشكور جداً وأعتقد إنه..
جميل حليم [مقاطعاً]: أرجو أن لا تقطعوا المكالمة.. أرجو لا تقطعوا المكالمة.
ماهر عبد الله: أعطيتك الفرصة.
جميل حليم: لأن هذه الفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان، وفتاوى هذا الرجل
انتشرت في الشرق والغرب بالضلال والفساد، وهو يدعي أنه مرجعية، وأنه دكتور
علامة، وهو ليس فيه شيء من ذلك.
ماهر عبد الله: هذا رأيك وأنت حر فيه.. لك حرية الاختيار.. طيب مشكور يا أخ
جميل.. أنا أعتقد سنعود إلى السؤال الأول، السؤال الأول كان عن بعض
العلماء الذين يضعون يعني سأعود إلى هذا.. أعطيك الفرصة للرد.. يضع الآراء
أمامه وينزع منها ما يشاء، يعني هل هذه ظاهرة موجودة وإذا وقعت؟
مدى إجازة اتباع رخص المذاهب
د. يوسف القرضاوي: لا هو بيتكلم الأخ عن الذين يتتبعون الرخص، يتتبعون رخص
المذاهب، ومن تتبع الرخص فقد فسق، يعني هو.. أنا أتحدث عن من يرجح الرأي
بناء على اعتبارات شرعية، فهذا يمكن أن يوافق المالكي في بعض المسائل،
ويوافق الشافعي في بعض المسائل، ويوافق الحنبلي في بعض المسائل، مادام
مبنياً على دليل، إنما اللي بينكره الأخ -وأنا معه- إن هو الذي يتتبع يريد
الأسهل فقط، يعني ما يوافق مصلحته، أو ما يوافق هواه من المذاهب، يبحث إذا
المذهب دا بيبيح الربا، يأخذ الربا، لو المذهب دا بيبيح النبيذ يأخذ
النبيذ، لو المذهب دا يبيح الغناء يأخذ الغناء، فهو هذا أنا أرفض هذا.
ماهر عبد الله: طب هذا فيه مظنة المصلحة الشخصية، لو إحنا بنتحدث عن عالم
متجرد لا مصلحة له في هذه الفتوى، ويختار الأسهل للتسهيل على الناس.
د. يوسف القرضاوي: لأ أنا ما أخترش الأسهل، يختار الأقوى دليلاً، العالم
يختار الأرجح دليلاً، ما كان دليله راجحاً فهو يأخذ به، وافق أم خالف،
والأدلة كثيرة، ومن الأدلة أيضاً اللي ممكن تدخل في الاعتبار مراعاة تحقيق
مقاصد الشرع ومصالح الخلق، ودفع المفاسد عن الناس، وتحسين صورة الإسلام،
والنبي -عليه الصلاة والسلام- يعني في قضية الغناء يوم العيد قال "حتى يعلم
يهود أن في ديننا فسحة، وإني بعثت بحنيفية سمحة" يعني أراد أن يحسن صورة
الإسلام عند الآخرين، دي أيضاً من الأشياء التي يمكن أن تحدث إنما ليس..،
أنا مع الأخ في إنه لا يجوز للعالم أن يبحث فقط عن الأشياء اللي فيها تسهيل
أو فيها كذا، وإن كانت ضعيفة الدليل، أو لا دليل عليها أو كذا، هذا لا
أوافق عليه، أما أخونا هذا، فقد خلط الحابل بالنابل، والحق بالباطل، كلامه
الأولاني كلام جيد، إن العلماء قالوا: إنما ينكر المجمع عليه، حتى إن
الإمام الغزالي في كتابه الإحياء قال: إذا الإنسان أراد أن ينكر منكراً لا
يجوز أن ينكر إلا حراماً مجمعاً عليه، لا ينكر مكروهاً، ولا ينكر شيء خلاف
الأولى، ولا ينكر أمراً مختلفاً فيه.
قال لو واحداً -مثلاً- شافعي بيأكل شيء متروك التسمية، يعني الشافعية عندهم
التسمية على الذبيحة ليست فريضة، فلو فعل هذا لا ينكر هذا، هذا مذهبه،
سواء إن كان من المجتهدين أو من المقلدين، هذا مذهبه، لو وجد حنفياً أخذ
بيتاً أو أرضاً بشفعة الجوار هذا مذهبه، لا يعني ينكر عليه هذا الأمر.
فالإنكار إنما يكون في المسائل المجمع عليها، ولو فرض إن الإنسان له رأى
مخالف له أن ينكر، ولكن لا يغلظ في الإنكار، يكون رفيقاً فيما ينكره، لا
يكون عنيفاً، فإن الله يحب الرفق في الأمر كله، والله تعالى يقول لرسوله:
(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظاًّ غَلِيظَ
القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)، فأما الكلام اللي قاله الأخ فالأخ
يدل على إنه يعني الحقيقة عقله ملخبط يعني ما.
ماهر عبد الله: لا إحنا يكفينا بس أن نقول للشيخ جميل إن هذه طبيعة البرنامج، مش تحدي ومن يعني..
د. يوسف القرضاوي: لأ.. إحنا عاملين هذا.. هذا البرنامج علشان نخفف من
غُلَوَاء الخلاف، يقوم الأخ عايز ييجي يلقى قنبلة يفجر هذا الأمر، ويقول
كلامه ويقول: إباحة الزكاة للكفار، هذا كلام.. يعني جاب بعض كلام لم يفهمه
من كتبي، وأنا لا أقول شيئاً إلا بدليل، يعني أي شيء من هذا، و"كاد الفقر
أن يكون كفراً"، أنا لم أقل هذا.. هذا حديث ضعيف، وأنا بينت ضعفه في كتبي،
ولكن وردت أحاديث تستعيذ بالله من الكفر والفقر، فالفقر ممكن يؤدى إلى
الكفر بالفعل، وقد ورد عن سيدنا أبي ذر أنه قال "إذا ذهب الكفر إلى بلد..
ذهب الفقر إلى بلد قال له الكفر خذني معك"، فهذه يعني قضايا عجيبة، وأنا
لا.. لا أعرف الأخ ده، لم أسمع اسمه من قبل، ولكن أسأل الله أن يهديه ويصلح
حاله.
عدل سابقا من قبل ابو عبدالرحمن في السبت ديسمبر 18, 2010 12:04 am عدل 2 مرات
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
رد: حوار الدكتور يوسف القرضاوي مع برنامج الشريعه والحياه حول اختلاف الفقهاء في الإسلام
أم الهدى: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ماهر عبد الله: وعليكم السلام.
أم الهدى: تحية أخي وللشيخ القرضاوي.
د. يوسف القرضاوي: حياك الله.
أم الهدى: معذرة يعني عندي نوع من الاستفسار في صلب موضوع الحلقة.
ماهر عبد الله: تفضلي.
أم الهدى: يعني تبعاً للمذهب الشيعي أو الجعفري، يعني هذا المذهب يتميز
بمدارسه، بحوزاته، بقياداته العلمية العملاقة، أيضا تميز بمؤلفاته الضخمة
والضاربة في جذور التاريخ في أسلوب البحث بكل أسس المنطق، وأسس القوة في
البحث عن الحجة والدليل الديني، لكن سؤالي: لماذا كثرت يعني شائعات قمة في
الشناعة عن هذا المذهب بالذات؟ وكلها لا تمت إلى صلب الحقيقة وروح الحقيقة
بأي صلة، ويعني أهل هذا المذهب براءاء منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
ماهر عبد الله: طيب أخت أم الهدى السؤال واضح ومشكورة جداً عليه، لكن نأخذ
مكالمة أخرى من الأخ عبادة عبد المجيد من فرنسا.. اتفضل يا أخ عبادة.
عبادة عبد المجيد: أهلاً وسهلاً.
ماهر عبد الله: أهلاً بك.
عبادة عبد المجيد: عندي سؤال لصحفي (الجزيرة)، هل الجزيرة تكلم أو تنادى
إلا على علماء الذي يسمون السلفيين أي الذين هم وهابية خوارج، أم هناك
علماء آخرين من فاس، ومن مدن أخرى، ولا تنادي لهم؟ فهناك دائماً نرى
القرضاوي، وأتباع الوهابية.
ماهر عبد الله: طيب يا سيدي مشكور جداً على كل على سؤالك، رغم إنه اتهام
بالخوارج، هذا اتهام مش سهل، نعود للسؤال الأول الأخت سألت -أم الهدى- عن
مذهب الشيعة تقول أن له تاريخ، يعني أعتقد ذكرت الاثنى عشرية تحديداً،
لماذا يستهدف هذا المذهب بالشائعات التي تقول أنه منها براء.
د. يوسف القرضاوي: شائعات مثل أيه؟
ماهر عبد الله: هي لم تحدد، لكن واضح إنه يعني مستهدف بالاستنكار.. بالرفض.. بأنه غير مقبول عموماً.
د. يوسف القرضاوي: أنا يعني شخصياً ممن ينادون بالتقريب بين أبناء الأمة
المسلمة، وأنه لا يستفيد من إيقاد الخلاف بينهم إلا أعداء الإسلام
والمسلمين، مهما كان بيننا وبين الشيعة من خلافات فهم من أبناء الأمة، حتى
الحديث الذي جاء في افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة يقول "تتفرق أمتي"
حتى هذه الفرق -ومع أنى لي تحفظ على هذا الحديث- ولكن اعتبر كل المختلفين
دولا من أبناء الأمة.
وأنا شاركت في ندوة التقريب بين المذاهب في الرباط منذ حوالي عدة سنوات،
وزرت إيران، وزرت مجمع التقريب بين المذاهب، ودافعت عن هؤلاء، الناس يقولون
إنهم لهم مصحف غير مصحف المسلمين، وقرآن غير قرآن المسلمين، يسمونه قرآن
فاطمة، فقلت لهم يا جماعة إحنا لم نر لهم غير هذا المصحف، هو الذي يطبعونه
في مطابعهم، ويحفظونه لأولادهم.
ومنذ يعني سنة ونصف زارنا هنا طفل إيراني يعني آية من آيات الله في حفظ
القرآن، وفهمه، وعمره ست سنوات، وهو الذي يقرؤونه في الإذاعات، وفي
التلفازات، ويستدلون به في العقائد، ويحتجون به في أحكام الفقه، فليس
عندهم، فيه كلام في بعض الكتب عندهم، إنه فيه مصحف كذا، ولما يجي المادح
هذا كلام..! إنما المصحف الموجود حالياً، هم يؤمنون بأن ما بين الدفتين
كلام الله، فأنا دافعت عن هؤلاء، فإذا كان هناك أناس يعني يخوضون فيما لا
يحسنون فلسنا مسؤولين عنهم.
ماهر عبد الله: يعني هو أعتقد يشفع لنا أمام الأخت أم الهدى مكالمة الأخ عن
علماء فاس الذي اتهم الشيخ بالوهابية والخارجية في وقت واحد، يعني كيف جمع
بين المسألتين؟ لا أدرى! لكن يا أخي الكريم أنا أقولك..
د. يوسف القرضاوي [مقاطعاً]: الاثنين يعني متناقضتين، يعني كيف الوهابيين..
بيكفروننا، والصوفيين يهاجموننا ولا ندري.. يعني الحقيقة إن أنا يعني هذه
مشكلة.. مشكلة الأمة الحقيقة، إن بعضها يهاجم بعض، مع أن الواجب أن نكرِّس
يعني جهودنا لمقاومة أعداء الأمة..
ضرورة اتحاد المسلمين والتقريب بين المذاهب وتفهم أسباب الخلاف
ماهر عبد الله [مقاطعاً]: اسمح لي.. اسمح لي بسؤالك عن حديث.. أليست هذه هي التي سماها رسول الله الحالقة، أي فساد ذات البين؟
د. يوسف القرضاوي: هي حالقة فعلاً، تحلق الدين، وليست تحلق الشعر، يعني نحن
نواجَه من الصهيونية العالمية، ومن الصليبية الغربية، ومن الوثنية
الشرقية، ومن الشيوعية الدولية، ومن كل الجهات تتربص بالمسلمين الدوائر،
وتكيد لهم كل الكيد، وتمكر بهم كل المكر، ومع هذا بعضنا يعني يحاول أن يضرب
بعض.
نحن يا أخي نختلف.. ما المانع أننا.. يختلف بعضنا مع بعض؟ ولكن نبقى أخوة،
يعني الذين اختلفوا في صلاة العصر في بني قريظة وجماعة صلوا في الطريق
وجماعة صلوا إنما، بعد ذلك وقف الجميع أمام بني قريظة صفاً واحداً، كما قال
الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ
صَفاًّ كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ)، يعني ساعة المعركة تنسى
الخلافات الجزئية، والمعارك الجانبية، ويقف الجميع صفاً واحداً.
ونحن في معركة والله معركة دينية، ومعركة فكرية، ومعركة سياسية، ومعركة
اقتصادية، ومعركة عسكرية مع أعداء الإسلام الذين يختلفون فيما بينهم
ويتفقون علينا، لأنهم بعضهم أولياء بعض كما قال الله تعالى، وكما قال
الإمام أحمد "الكفر كله ملة واحدة"، فآن لنا أن نعرف هذا الأمر بدل إن كل
واحد بس يهاجم الآخر يعني.
ماهر عبد الله: يعني لو الأخ بس عبادة عبد ال
المصدر: الجزيرة نت
ماهر عبد الله: وعليكم السلام.
أم الهدى: تحية أخي وللشيخ القرضاوي.
د. يوسف القرضاوي: حياك الله.
أم الهدى: معذرة يعني عندي نوع من الاستفسار في صلب موضوع الحلقة.
ماهر عبد الله: تفضلي.
أم الهدى: يعني تبعاً للمذهب الشيعي أو الجعفري، يعني هذا المذهب يتميز
بمدارسه، بحوزاته، بقياداته العلمية العملاقة، أيضا تميز بمؤلفاته الضخمة
والضاربة في جذور التاريخ في أسلوب البحث بكل أسس المنطق، وأسس القوة في
البحث عن الحجة والدليل الديني، لكن سؤالي: لماذا كثرت يعني شائعات قمة في
الشناعة عن هذا المذهب بالذات؟ وكلها لا تمت إلى صلب الحقيقة وروح الحقيقة
بأي صلة، ويعني أهل هذا المذهب براءاء منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
ماهر عبد الله: طيب أخت أم الهدى السؤال واضح ومشكورة جداً عليه، لكن نأخذ
مكالمة أخرى من الأخ عبادة عبد المجيد من فرنسا.. اتفضل يا أخ عبادة.
عبادة عبد المجيد: أهلاً وسهلاً.
ماهر عبد الله: أهلاً بك.
عبادة عبد المجيد: عندي سؤال لصحفي (الجزيرة)، هل الجزيرة تكلم أو تنادى
إلا على علماء الذي يسمون السلفيين أي الذين هم وهابية خوارج، أم هناك
علماء آخرين من فاس، ومن مدن أخرى، ولا تنادي لهم؟ فهناك دائماً نرى
القرضاوي، وأتباع الوهابية.
ماهر عبد الله: طيب يا سيدي مشكور جداً على كل على سؤالك، رغم إنه اتهام
بالخوارج، هذا اتهام مش سهل، نعود للسؤال الأول الأخت سألت -أم الهدى- عن
مذهب الشيعة تقول أن له تاريخ، يعني أعتقد ذكرت الاثنى عشرية تحديداً،
لماذا يستهدف هذا المذهب بالشائعات التي تقول أنه منها براء.
د. يوسف القرضاوي: شائعات مثل أيه؟
ماهر عبد الله: هي لم تحدد، لكن واضح إنه يعني مستهدف بالاستنكار.. بالرفض.. بأنه غير مقبول عموماً.
د. يوسف القرضاوي: أنا يعني شخصياً ممن ينادون بالتقريب بين أبناء الأمة
المسلمة، وأنه لا يستفيد من إيقاد الخلاف بينهم إلا أعداء الإسلام
والمسلمين، مهما كان بيننا وبين الشيعة من خلافات فهم من أبناء الأمة، حتى
الحديث الذي جاء في افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة يقول "تتفرق أمتي"
حتى هذه الفرق -ومع أنى لي تحفظ على هذا الحديث- ولكن اعتبر كل المختلفين
دولا من أبناء الأمة.
وأنا شاركت في ندوة التقريب بين المذاهب في الرباط منذ حوالي عدة سنوات،
وزرت إيران، وزرت مجمع التقريب بين المذاهب، ودافعت عن هؤلاء، الناس يقولون
إنهم لهم مصحف غير مصحف المسلمين، وقرآن غير قرآن المسلمين، يسمونه قرآن
فاطمة، فقلت لهم يا جماعة إحنا لم نر لهم غير هذا المصحف، هو الذي يطبعونه
في مطابعهم، ويحفظونه لأولادهم.
ومنذ يعني سنة ونصف زارنا هنا طفل إيراني يعني آية من آيات الله في حفظ
القرآن، وفهمه، وعمره ست سنوات، وهو الذي يقرؤونه في الإذاعات، وفي
التلفازات، ويستدلون به في العقائد، ويحتجون به في أحكام الفقه، فليس
عندهم، فيه كلام في بعض الكتب عندهم، إنه فيه مصحف كذا، ولما يجي المادح
هذا كلام..! إنما المصحف الموجود حالياً، هم يؤمنون بأن ما بين الدفتين
كلام الله، فأنا دافعت عن هؤلاء، فإذا كان هناك أناس يعني يخوضون فيما لا
يحسنون فلسنا مسؤولين عنهم.
ماهر عبد الله: يعني هو أعتقد يشفع لنا أمام الأخت أم الهدى مكالمة الأخ عن
علماء فاس الذي اتهم الشيخ بالوهابية والخارجية في وقت واحد، يعني كيف جمع
بين المسألتين؟ لا أدرى! لكن يا أخي الكريم أنا أقولك..
د. يوسف القرضاوي [مقاطعاً]: الاثنين يعني متناقضتين، يعني كيف الوهابيين..
بيكفروننا، والصوفيين يهاجموننا ولا ندري.. يعني الحقيقة إن أنا يعني هذه
مشكلة.. مشكلة الأمة الحقيقة، إن بعضها يهاجم بعض، مع أن الواجب أن نكرِّس
يعني جهودنا لمقاومة أعداء الأمة..
ضرورة اتحاد المسلمين والتقريب بين المذاهب وتفهم أسباب الخلاف
ماهر عبد الله [مقاطعاً]: اسمح لي.. اسمح لي بسؤالك عن حديث.. أليست هذه هي التي سماها رسول الله الحالقة، أي فساد ذات البين؟
د. يوسف القرضاوي: هي حالقة فعلاً، تحلق الدين، وليست تحلق الشعر، يعني نحن
نواجَه من الصهيونية العالمية، ومن الصليبية الغربية، ومن الوثنية
الشرقية، ومن الشيوعية الدولية، ومن كل الجهات تتربص بالمسلمين الدوائر،
وتكيد لهم كل الكيد، وتمكر بهم كل المكر، ومع هذا بعضنا يعني يحاول أن يضرب
بعض.
نحن يا أخي نختلف.. ما المانع أننا.. يختلف بعضنا مع بعض؟ ولكن نبقى أخوة،
يعني الذين اختلفوا في صلاة العصر في بني قريظة وجماعة صلوا في الطريق
وجماعة صلوا إنما، بعد ذلك وقف الجميع أمام بني قريظة صفاً واحداً، كما قال
الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ
صَفاًّ كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ)، يعني ساعة المعركة تنسى
الخلافات الجزئية، والمعارك الجانبية، ويقف الجميع صفاً واحداً.
ونحن في معركة والله معركة دينية، ومعركة فكرية، ومعركة سياسية، ومعركة
اقتصادية، ومعركة عسكرية مع أعداء الإسلام الذين يختلفون فيما بينهم
ويتفقون علينا، لأنهم بعضهم أولياء بعض كما قال الله تعالى، وكما قال
الإمام أحمد "الكفر كله ملة واحدة"، فآن لنا أن نعرف هذا الأمر بدل إن كل
واحد بس يهاجم الآخر يعني.
ماهر عبد الله: يعني لو الأخ بس عبادة عبد ال
المصدر: الجزيرة نت
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
مواضيع مماثلة
» رسالة دكتوراه ..أثر اختلاف المتون والأسانيد في اختلاف الفقهاء
» المرشد العام للإخوان يستقبل العلامة يوسف القرضاوي
» أسباب اختلاف الفقهاء
» الشيخ يوسف القرضاوي يدعوالي (تسليف الصوفية وتصويف السلفية)
» الاسلام يوحد بين الدين والعلم د.يوسف القرضاوي
» المرشد العام للإخوان يستقبل العلامة يوسف القرضاوي
» أسباب اختلاف الفقهاء
» الشيخ يوسف القرضاوي يدعوالي (تسليف الصوفية وتصويف السلفية)
» الاسلام يوحد بين الدين والعلم د.يوسف القرضاوي
شبكة واحة العلوم الثقافية :: الساحات العلمية والثقافية والحوارية :: ساحة الحوار الموضوعي بين الأديان
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى