شبكة واحة العلوم الثقافية
أسعدتنا زيارتك و أضاءت الدنيا بوجودك

أهلا بك فى شبكة واحة العلوم الثقافية

يسعدنا تواجدك معنا يدا بيد و قلبا بقلب

لنسبح معا فى سماء الإبداع

ننتظر دخولك الآن

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

شبكة واحة العلوم الثقافية
أسعدتنا زيارتك و أضاءت الدنيا بوجودك

أهلا بك فى شبكة واحة العلوم الثقافية

يسعدنا تواجدك معنا يدا بيد و قلبا بقلب

لنسبح معا فى سماء الإبداع

ننتظر دخولك الآن
شبكة واحة العلوم الثقافية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

هل التقريب بين السنة والشيعة.. ممكن؟!

اذهب الى الأسفل

هل التقريب بين السنة والشيعة.. ممكن؟!  Empty هل التقريب بين السنة والشيعة.. ممكن؟!

مُساهمة من طرف سامح عسكر الجمعة نوفمبر 05, 2010 3:32 pm

د. عبد الله النجار : كاتب ومفكر من مصر

نشر المقال في مجلة روز اليوسف بتاريخ 26/7/2003 الصفحة 80 تحت عنوان رؤية/ عائد من مؤتمر في ايران.لم يعد الوقت كما كان في الماضي يتسع لاستيعاب ركام الخلاف المذهبي أو اختلاف الرأي بين المسلمين، لأنهم كانوا بعيدين عن مرمى المخاطر، ولم تكن هناك كمائن تدبر لهم بليل، لإذلالهم، والاستيلاء على مقدراتهم وخيرات بلادهم، وربما لم تكن مطالب الحياة وضغوطها المادية، قد وصلت عند هؤلاء الذين يمثلون اليوم مصدر الخطر الأول للإسلام إلى الذروة التي دفعتهم الآن لكي يهيموا في الأرض على وجوههم مدججين بالأسلحة، كما تهيم الوحوش شارعة أنيابها في مناحي الغاپة بحثا عن فريسة، فكانوا في غنى على النطاق الأرضي الذي يقيمون عليه، وكان كل فريق من البشر مهموما بحاله، يعمل داخل أرض ، ويتعامل مع غيره معاملة الند لنده.

في مثل هذا الجو، يمكن أن يستوعب استقرار الأحوال ركام الخلاف في الراي، حتى لو احتد واشتد، لكنه يزيد الخلاف ولا يحد من أثره، ولهذا تضخم الخلاف بين أهل السنة والسنة حتى قرأنا ضمن فتاوى الإمام "محمد عبده"، فتوى عن حكم صلاة الشافعي خلف الحنفي، كما تضخم بين السنة والشيعة على نحو أكبر حتى أصبح المصدر الأول للعداء والخصومات، والدافع الأكبر للفتن والمواجهات، وإعلان الحروب بين الأمم، ولم يحظ خلاف مذهبي بالقسط الأوفر من الكره والعداء كما وصل الخلاف بين السنة والشيعة، إلى حد أن كل فريق منهم كان يرمي الآخر بالكفر والمروق من الملة، وما يتبع ذلك من استحلال الدماء واستباحة الحرمات، حتى صار ذلك سنة معروفة، وسلوكا معهودا لم تبدأ وطأته في الزوال إلا في عهد الخليفة الخامس "عمر بن عبد العزيز" رضي الله عنه، فقد كان الخطباء قبل ان يولىّ الخلافة يختمون خطبتهم بالدعاء على الإمام "علي" رضي الله عنه.. ويلعنونه على المنابر قبل أن ينزلوا عنها بلحظات ليصلوا بالمسلمين صلاة الجمعة، ولعن الإمام "علي" كان تجسيدا لعمق المأساة التي ولدها الخلاف في الرأي بين السنة والشيعة، لما للإمام "علي" عند الشيعة من مكانة تكاد ترقى عند بعض الغلاة منهم الى درجة النبوة حتى زعموا أن الوحي قد أخطأه، والمعتدلون منهم يشهدون في صلاتهم وعند كل اذان: ان عليا ولي الله، فإذا لعن من شأنه كذلك عند أهل مذهب معين، وفي مثل هذا الوقت والمكان المقدسين يكون ذلك دليلا على ان بين المذهبين ما هو أبعد من الخلاف، والصق بالعداء، وهذا ماكان.

فلما ولي "عمر بن عبد العزيز" الخلافة صعد المنبر، وختم خطبته بما اصبح سنة متبعة عنه إلى يومنا هذا، وهو قراءة الآية الكريمة: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون" ثم نزل من على المنبر لإمامة المصلين بعد الانتهاء من قراءتها، فظن الحاضرون أنه قد نسي المعهود، ولم يلعن "عليا" كما هو متبع، وصاحوا في وجهه السنة، السنة يا أمير المؤمنين، فتعجب لأنهم لم يفهموا دلالة الآية الكريمة التي تلاها على مسامعهم، وفيها ما يأمر بالعدل، وينهى عن الفحشاء والمنكر، وأنهى بذلك تلك العادة الحمقاء، فبدأت حدة الخلاف تخف وأخذ أسلوب الخلاف المذهبي يتشح بقدر من وقار التخاطب، وأدب التناول، لكن الخلاف وإن كانت حدة التعبير عنه قد خفت، إلا أنه ظل قابعا في أعماق النفوس على نحو يثير الشجن ويدعو إلى الحسرة ويدعو العقلاء إلى إيجاد مخرج يضع اختلاف الرأي في مساره الصحيح، وكان أن وجدت فكرة التقريب بين المذاهب الإسلامية، وأنشئت دار التقريب في القاهرة منذ العام 1947 لتكون منطلقا لتلك الفكرة - وقاعدة لها، يجتمع فيها اصحاب المذاهب المختلفة، ويلتقي المسلمون من بلادهم المتفرقة منها على مائدة العلم والفكر؛ حيث يجلس الحنفي بجانب المالكي والشافعي والحنبلي، بجانب الشيعي الإمامي والزيدي، يتحاورون ويتناقشون في مجلس علم وأدب وتصوف وفقه، تسودهم روح المحبة والمودة وزمالة التعليم والدراسة.

وكان في مقدمة المؤمنين بفكرة التقريب السيد محمد تقي الدين القمي، أحد كبار علماء الشيعة، وشيخ الأزهر الأسبق الشيخ محمد المراغي، والشيخ مصطفى عبد الرازق، وإن كان تأييدهما لفكرتها قد اقتصر على التأييد بالرأي والعلم فقط، ربما لأن مبدأ التطبيق لم يكن قد استوى على ساقه بعد، أما شيخ الأزهر الأسبق الشيخ عبد المجيد سليم فقد أسهم بكل طاقته وجهده في تأييدها ، وتابعه علماء أماجد وأئمة كبار من مصر وايران عاصروه أو حملوا الرسالة من بعده، منهم الشيخ علي الخفيف، والشيخ عبد العزيز عيسى، والشيخ محمد المدني والشيخ محمد الغزالي، والشيخ سيد سابق ومن الجانب الشيعي السيد محمد حسين الكاشف الغطاء والسيد شرف الدين الموسوي، والسيد محمد جواد مغنية، وصدر الدين شرف الدين وغيرهم.

وتولى رئاسة جماعة التقريب المصلح "محمد علي علوية باشا" وقد أيد تلك الجماعة الرئيس "محمد أنور السادات" وعاونها وقت أن كان مشرفا على المؤتمر الإسلامي بالقاهرة، قبل أن يكون رئيسا لمجلس الأمة، ثم رئيسا للجمهورية، وهو الذي ساعدها على إصدار أول مجلة لها وهي مجلة "رسالة الإسلام" ولم يبخل عليها بالمال والجهد الأدبي، والعون في كل مجال، وقد تبنت هذه المجلة فكرة التقريب وشحنت لها نخبة من الأقلام المشرعة القوية التي يحملها أعلام وأئمة لهم ذكرهم وصيتهم وشهرتهم من السنة والشيعة، كالشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء، والشيخ عبد الحليم كاشف الغطاء، والشيخ محمد رضا الشبيبي ، والشيخ محمد أپو زهرة، والدكتور محمد البهي، والشيخ محمد عبد الله وزاد والشيخ عبد المتعال الصعيدي، والدكتور أحمد أمين والدكتور علي عبد الواحد واقي، والأستاذ عباس محمود العقاد، والشيخ محمود فياض، وتولى رئاسة تحريرها الشيخ محمد المدني.

وفي أول مقال لشيخ الأزهر الأسبق الشيخ عبد المجيد سليم بعنوان "بيان للناس" قال: إن الأحكام نوعان، ثابتة وهذه يجب الإيمان بها، ولا يسوغ الاختلاف فيها، لأنها لا تتغير بتغير الأزمان والأمكنة.

والثاني أحكام اجتهادية مرتبطة بالمصالح التي تختلف باختلاف ظروفها، وهذه راجعة إلى الفهم والاستنباط، مما كان منها قطعي الثبوت والدلالة لا يجوز فيه الاختلاف كذلك. وما دون ذلك يسوغ فيه الاختلاف وهذا الاختلاف غير مذموم في الإسلام، مادام المختلفون مخلصين في بحثهم باذلين وسعهم في تعرف الحق واستبيانه، بل إنه يؤدي إلى كثير من مصالح الأمة، وقد كان أصحاب رسول الله(ص) وتابعوهم ، والأئمة عليهم الرضوان يختلفون. ويدفع بعضهم حجة بعض، ويجادلون بالتي هي أحسن، ويدعون إلى ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة، ولم نسمع أن احدا منهم رمى غيره بسوء، أو قذفه ببهتان، وهكذا ولدت فكرة التقريب ونمت شجرتها.

وممن ترسموا خطى شيخ الأزهر الأسبق المرحوم الشيخ عبد المجيد سليم الذي يعد أول من تبنى التقريب، هو الشيخ محمود شلتوت، حيث أخلص الفكرة، وآمن بها إيمانا لقي هوى في نفسه ورغبة في قلبه، وانطلق في دعوته لها بحماس يعضده أن الشيعة يبلغون أكثر من ستين مليون مسلم يقيمون في بلاد إسلامية كثيرة مثل إيران والعراق واليمن وسوريا ولبنان، والدول الخليجية وباكستان والهند، وهم يؤمنون بالله، وكتابه ورسوله واليوم الآخر ويؤدون أركان العبادات كما يؤديها أهل السنة، ولا يوجد بين الفريقين خلاف إلا في أمور فرعية لا يخرج صاحبها عن نطاق الإسلام، ومع ذلك ضخم الاستعمار تلك المسائل ليتمكن من تمزيق شمل المسلمين.

يقول الشيخ "شلتوت" رحمه الله: إنني لا أبيح لأحد تقليدي واتباعي دون أن ينظر ويعلم من أين قلت ما قلت فإن الدليل إذا استقام فهو عمدتي، والحديث إذا صح فهو مذهبي، ولقد أمنت بفكرة التقريب كمنهج قويم، وأسهمت منذ أول يوم في جماعتها، وفي وجوه نشاط دارها بأمور كثيرة. وأصدر فتوى بجواز التعبد على مذهب الشيعة وهو شيخ للأزهر، وبفضله وجد الفقه الشيعي طريقه إلى القوانين المصرية، سيما الأحوال الشخصية والوصية الواجبة والإجازة، والى الأزهر الشريف وكلياته، فاستقر في كلية الشريعة ليكون احد المذاهب المقارنة التي لا يكتمل البحث الا بها في مجال الرسائل العلمية التي تعد للحصول على درجتي التخصص "الماجستير" والعالمية "الدكتوراه" ، ومن أقواله: إن الحكمة، ضالة المؤمنين، فإذا وجدها على لسان كافر، فإن كفره لا يمنع من الانتفاع بها، والاستفادة منها، لأن الحق قائم بذاته، فما بالنا إذا كان الرأي صادرا عن مذهب من المذاهب الإسلامية التي تستمد أحكامها من مصادر التشريع الغراء.

وقد أدى اهتمام الشيخ "محمود شلتوت" بفكرة التقريب إلى أن يكون عند أهل السنة والشيعة رمزا من رموزها. واستحق أن تقيم له جمهورية إيران الإسلامية ملتقى دوليا لتكريمه مع الإمام البروجردي وتم توجيه الدعوة لهذا المتلقى للأزهر الشريف، الذي رشح خمسة عشر عالما من أعضاء مجمع البحوث الإسلامية برئاسة الشيخ "محمود عاشور" وكيل الأزهر، والدكتور محمد رجب البيومي، والشيخ علي فتح الله، والشيخ سيد وفاعجور، والدكتور محمد رافت عثمان والدكتور نصر فريد واصل مفتي الجمهورية السابق وقتئذ، والدكتور محمود عمارة والدكتور محمد إبراهيم الفيومي والدكتور محمد كمال إمام، وكاتب هذه الدراسة، وعقد اللقاء بايران ونزلنا بفندق "أزادي" الشهير بطهران، وبدأت جلسات الملتقى متتابعة، متلاحقة لا تسمح بالتقاط الأنفاس أو الراحة إلا في فترة النوم الليلية فقط، أما مدار اليوم فإنه مشحون بالجلسات واللقاءات والجولات.

بدأت الجلسة الافتتاحية برئاسة المرحوم سماحة آية الله الحكيم، رئيس الرئيس السابق للمجلس الإسلامي الأعلى للمجمع العالمي للتقريب بين المذهب الإسلامية،: وبدأت بتلاوة آي الذكر الحكيم ، ثم كلمة ترحيب ألقاها سماحة الشيخ محمد واعظ زاده الخراساني الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، ثم كلمة الافتتاح لسماحة آية الله هاشمي رفسنجاني رئيس الجمهورية السابق، ثم كلمة الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر.

ثم كلمة حفيد آية الله العظمى البروجردي السيد جواد العلوي البروجردي، ثم كلمة حجة الاسلام والمسلمين الشيخ علي الدواني، وهو مؤرخ معاصر.

بدأت الجلسة الأولى بعد استراحة وغداء برئاسة آية الله الشيخ التسخيري أحد علماء الشيعة المعروفين بمصر والعالم، وفي الجلسة المسائية دار محور الحديث عن الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب وتحدث فيها الأستاذ فهمي هويدي، والشيخ التسخيري.

ثم توالت الجلسات والكلمات والبحوث حول هذا المضمون من الوفد الأزهري، فتحدث الدكتور محمد إبراهيم الفيومي والدكتور نصر فريد واصل والدكتور محمد رأفت عثمان، وكاتب هذه السطور الذي كان قد أعد بحثا عن الإمام محمود شتلوت، وعنايته بالفقه المقارن والتقريب بين المذاهب والشيخ علي فتح الله، ومن الجانب الشيعي تحدث آية الله الشيخ عميد الزنجاني، والشيخ عبد الكريم بي آزار الشيرازي، وآية الله رضا الأستادي عضو مجلس صيانة الدستور، وآية الله الشيخ محمد واعظ زاده الخراساني، وآية الله الشيخ جعفر السبحاني أستاذ الحوزة العلمية بمدينة "قم" المقدسة، وآية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي الزعيم والمرجع الديني للشيعة الإمامية.

ولم تخرج محاور البحوث والكلمات عن دائرة الوحدة الإسلامية، وقضية فلسطين والتقريب بين المذاهب الإسلامية، وكيفية تفعيلها.

وقد لوحظ أن علماء الشيعة يتمتعون بعقلية منظمة، وحديثهم مرتب ترتيبا منطقيا ولغتهم هادئة، وأسلوبهم راق، وحجتهم حاضرة، ولهم فهم متميز وقدرة على الجدال والمناظرة ولغتهم العربية فصيحة سليمة يصعب أن تقع لمتحدث على خطأ نحوي، كما أن لهم صبرا على الدراسات النصية القديمة التي تقوم على دراسة المتون والحواشي، حتى أصبح لهم باع عريض في ذلك، ولم يقتصر تناولهم للعلوم الإسلامية التقليدية على مأثورات الأئمة السابقين من كبار فقهائهم، بل أضافوا إليها دراساتهم التأصيلية، حتى أنهم أبلغونا بأنهم قد قطعوا شوطا كبيرا في مجال الدراسة الأصولية المقارنة، التي تتناول مادة "أصول الفقه" بالمقارنة، وقد وصلنا نحن بالأزهر الشريف إلى الدراسات الفقهية المقارنة، أما الدراسات الأصولية المقارنة فلم نشرع فيها بعد، وإن كنا قد أعجبنا كثيرا بنشاط الشيعة الفقهي والعلمي في هذا المجال، وحبذا لو طبقناه في كلية الشريعة بجامعة الأزهر، وقد زرنا مرقد الإمام "الخميني " الذي يقع ضمن ساحة الشهداء في منطقة جنوب طهران بمسافة قصيرة، ويقوم على مرقده مسجد ضخم تعقد فيه اللقاءات السياسية العليا، وهو مجهز لذلك، والمرقد يتوافد عليه آلاف الشيعة يوميا من الرجال والنساء ، ومقامة عليه مقصورة ضخمة كتلك التي بمشهد الإمام الحسين والسيدة زينب رضي الله عنهما، وبها فتحة ترمى فيها الأوراق النقدية على غرار صناديق النذور في مساجد مصر، وعلى باب المسجد الذي يضم المرقد تمثال للإمام الخميني يظهر وجهه فيه غائرا، وليس مجسما على هيئة التماثيل التي نراها، ويضم موقع المرقد ومشهده الضخم ساحة الشهداء، وهي قبور عديدة للشهداء والموتى بنيت من الرخام الراقي باسلوب انيق، وكتبت عليها اسماء المتوفين ومقام على رأس القبر شاهد مرتفع بمستوى قامة الشخص واقفا يعلوه صندوق ذو واجهة زجاجية يمكن فتحها عند الحاجة، وتضم صورة أنيقة للمتوفى وهو في ريعان شبابه، وبعض الأشياء التي كان يحبها أو التي تذكر به، ومصحفا ، وربما نبذة عن حياته او على الأقل تاريخ مولده ووفاته، وقد دفن في ساحة الشهداء اعضاء مجلس الثورة الإسلامية الذين اغتيلوا جملة واحدة في أثناء اجتماع لهم ، حيث تتراص قبورهم متوالية باسلوب هندسي متشابه، تشكل كتابة أسماء الشهداء عليه منظرا خلابا، والإيرانيون اوفياء لموتاهم، حيث يزورون تلك القبور ويجلسون حول قبر ميتهم في صمت وحزن وإبتهال وبكاء، يدل على مدى التواصل العاطفي بين الأحياء والموتى عندهم.

كما زرنا، مدينة "قم" المقدسة التي تبعد عن طهران حوالي مائة وخمسين كيلومترا اذ توجد الحوزة العلمية، وهي أشبه بمدينة سكنية ضخمة بنيت على الطراز الفارسي، يتوسطها ميدان فسيح يجتازه طلاب العلم في التنقل الى جنبات المبنى التي تأخذ شكلا دائريا حوله، ومن أهم معالم الحوزة العلمية، مسجد السيدة "معصومة" بنت الإمام موسى بن الإمام جعفر الكاظم، بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام الباقر بن الإمام علي بن الإمام الباقر بن الإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن ابي طالب(ع).

ويعتبر هذا المسجد تحفة معمارية فريدة، وله باب ضخم من الفضة الخالصة وبداخله مقصورة كبيرة فوق مرقدها، ويتوافد لزيارتها أعداد غفيرة من الإيرانيين رجالا ونساء ويكاد يشبه مسجد السيدة "معصومة" الجامع الأزهر في عصوره الذهبية حيث يتجمع الطلاب في ساحات على هيئة حلقات حول شيوخهم واساتذتهم يراجعون عليهم الكتب القديمة، على نمط ماكان يجري في الأزهر سابقا، ومازال ذلك هو الأسلوب المتبع في الحوزة العلمية.

وتبلغ الحلقات العلمية أكثر من خمسين حلقة يتراوح عدد كل منها ما بين طالب او طالبين على الأقل، وعشرة طلاب أو عشرين على الأكثر، فإذا ما دخلت ساحة المسجد العلمية تكاد تسمع لطلاب العلم دويا كدوي النحل، وتجد اهتماما وإقبالا على العلم لا نظير له، وقد جلست بجانب طالب يقرأ على شيخ من كتاب، ولما تناولته منه وجدته: "نهاية السؤول في شرح منهاج الوصول إلى علم الأصول" للعالم المصري "جمال الدين عبد الرحيم الأبنوي الشافعي" المتوفي سنة 772هـ وهذا يدل على اهتمامهم بالدراسات وعدم التعصب لشيوخهم.

وبالجملة فإن الحوزة العلمية أشبه بموّلد علم، طلاب كثيرون وطالبات يغدون ويروحون في جد واهتمام انتقالا من مبنى إلى مبنى، ومن حلقة إلى حلقة، وتعتبر هي المركز العلمي الأكبر في إيران.

من معالم مدينة "قم" مكتبة "آية الله المرعشي" الذي يعد رمزا لحب الكتب والمخطوطات حتى إنهم يحكون عنه في حب الكتب والمخطوطات قصصا، منها أنه اشترى إحدى مخطوطاته بأجر صلاته أربع سنوات لدى أحد الأئمة، ويوجد بمكتبته التي بلغ من حبه لها انه اوصى بأن يدفن في مدخلها، فلا تكاد تضع قدميك على اعتابها حتى تفاجأ بأن قبره أمامك مباشرة، فلا تجد مفرا من أن تقرأ له الفاتحة، ويقال إنه سجن بسبب وقوفه ضد السفارة البريطانية ليمنعها من تهريب احد المخطوطات ، ويوجد بهذه المكتبة واحد وثلاثون الف مجلد، وخمسون الف كتاب كلها مخطوطات نادرة، وقد انشأ بها مركزا عالميا لترميم المخطوطات والكتب القديمة بأسلوب علمي فائق، ويضم هذا المركز خبراء من مختلف انحاء العالم في الكيمياء والعلوم وغيرهما من العلوم المتصلة بترميم المخطوطات بالمكتبة، ولأي جهة علمية تطلب منها ذلك.

ومن معالم إيران مدينة "طهران" التي تعتبر مثالا متميزا في فن المعمار، حيث تصطف الأشجار في الشوارع على الجانبين امام المحال التجارية، وبمحاذاة أعمدة الإنارة، فتختلط أنوارها بأوراق الأشجار في منظر بديع، وبين ارصفة المارة، ونهر الشارع من الجانبين توجد مسارات المياه العذبة التي تجري فيها مياه الثلوج القادمة من أعالي الجبال، عندما تذوب فتجري في تلك القنوات على جانبي الشارع تحت الأشجار، ومن أراد أن يمر على الرصيف عليه أن يجتاز معابر أنيقة مقامة بالتوالي على مسافة امتار وربما غطت تلك القنوات المائية في مساحة طويلة أمام بعض المحال التي تريد أن تسهل قدوم العملاء إليها.

وقد أحزننا أنهم يطلقون على أكبر شوارع طهران اسم قاتل المرحوم الرئيس محمد أنور السادات، وقد عبرنا عن حزننا لذلك، لكنهم وعدوا بالتغيير القريب ولا أدري أتم ذلك التغيير أم لا، والإيرانيون يحرصون على حماية ضيوفهم حرصا بالغا، فلا يتركونهم في أي توجه، حتى عند التسوق وفي الجولات الحرة تخوفا من أن يمسهم أذى او يعتدي عليهم احد، ولهم تحذيرات واضحة بذلك، فلا تستطيع أن تتجول حراً بإرادتك وكيفما تريد، بل بترتيب مسبق، وحراسة معدة سلفا، كما أنهم لا يحبون عيش الترف، فكل شيء بمقدار حتى في الفنادق الفاخرة ، وسيارات المواكب الرسمية أفخر من السيارات الشعبية عندنا قليلا، وهم يصلون الظهر والعصر جمعا وقصرا ركعتين كل يوم، ويجهرون بالقراءة فيهما ومن يبلّغ عن الإمام لا يصلي مع المصلين، بل يقف في مواجهتهم، وظهره للقبلة فإذا انتهى الإمام من القراءة يقول: الله أكبر ركوع، فيركع الإمام والمصلون، الله أكبر قيام، الله أكبر سجود، الله أكبر قيام الله أكبر سجود حتى تنتهي كل حركات الصلاة ، فإذا ما انتهى المصلون صلى هو.

وتقام صلاة الجمعةالرسمية في جامعة "طهران" حيث يخطب الجمعة فيها كبار قادة الدولة مثل رئيس الجمهورية، أو المرشد الديني أو رئيس مجلس صيانة الدستور السيد هاشمي رافسنجاني رئيس الجمهورية السابق وامثالهم، والمصلون يتجاوبون مع الخطيب عندما يتناول في خطبته أمرا سياسيا ، أو بين الرأي في موقف دولي، وهنا ترتفع الأصوات بالهتاف تأييدا له، وتعبيرا عن الرضا بما يقول كرغبة شعبية لهم.

وقد التقينا بالسيد محمد باقر الحكيم، وهو فقيه كبير واصولي له مؤلفات عظيمة في الفقه والأصول، وأهدانا عددا من تلك الكتب، كما التقينا بالسفير المصري "محمد رفاعة الطهطاوي " حفيد المفكر الإسلامي والعربي الكبير "رفاعة الطهطاوي" في مقر السفارة المصرية التي تحفل بالأركان ذات الموروثات الشعبية التقليدية، وبها عدد من السجاجيد الضخمة والنادرة، ولاتزال أطلقم الطعام بها تحمل التاج الملكي، وكان قد أعد للوفدين المصري والايراني عشاء بمقر السفارة، وهو على صلة وثيقة بقيادات ايران، ويحظى منهم بالاحترام الكامل والثقة الكبيرة لهمته ونشاطه واتقانه للتقاليد الدبلوماسية الناجحة.

كما زرنا جامعة الإمام الصادق بطهران وهي في مبناها أشبه بحديقة غناء تضم قصورا صغيرة هذه القصور هي الكليات ، فاذا خرج الطلاب منها او سعوا إليها ساروا بين تلك الحدائق الجميلة فتنشرح صدورهم للدروس وتجدد الهواء في صدورهم فتستيقظ عقولهم للبحث والتحصيل.

وقد لقينا ترحيبا بالغا من رئيسها سماحة آية الله مهدوي كني ، الذي ألقى كلمة ترحيبية كان فيها مثالا للإيرانيين في ترتيب الأفكار وسلاسة التناول وسلامة اللغة العربية، حتى يصعب عليك أن تقتفي لمتحدث منهم خطا لغويا أو نحويا، مع الأدب والهدوء والدبلوماسية في الحديث ، وهي ما تتألف من كلية العلوم الإسلامية والدعوة وكلية العلوم الإسلامية والحقوق ، وكلية العلوم الإسلامية والسياسة وكلية العلوم الإسلامية والاقتصاد، وكلية والعلوم الإسلامية والإدارة، ومعهد دراسات الثقافة والإعلام، ويوجد الى جانب قسم الطلاب "قسم للطالبات" وتضم الجامعة خدمات جامعية راقية مثل مركز الأپحاث والدراسات الإنسانية والمكتبة المركزية الحاسوب والمعلوماتية والإعلام ، ومحلة جامعية باسمها "صفحات جامعية" ومجلة "نداي صادق" للبنات ومجلة "فصلية الأبحاث".

ولهذه الجامعة صلة بالجامعات الإسلامية والعربية، كما أن لها صلة وثيقة بجامعة الأزهر، إذ تم إبرام اتفاق للتعاون بين الجامعتين في 28 نوفمبر 1999 ، يتكون من "15" مادة لتبادل الأساتذة والأبحاث والمؤلفات واللقاءات والاعتراف بالشهادات بين الجامعتين، وغير ذلك من أوجه التعاون العلمي، وهذا يدل على أن الخلاف بين المذهبين إنما هو خلاف صناعي ابتكره أعداء المسلمين للتفريق بينهم، وإذا كان للعداء الناجم عن الخلاف المذهبي، أو اختلاف الرأي متسع فيما مضى، فلم يعد له متسع اليوم، وليس أمام المسلمين إلا خيار واحد هو التعاون والتآلف والتآزر، وباختصار شديد، الوحدة التي أمر الله بها في كتابه وسنة نبيه(ص) والتي أثبتت الأيام أنه لا حياة للمسلمين بدونها.*

د. عبد الله النجار : كاتب ومفكر من مصر

المصدر: مجلة التقريب العدد 39





صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

هل التقريب بين السنة والشيعة.. ممكن؟!  Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28507
السٌّمعَة : 23
العمر : 44
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى