د. مراد وهبة بين التقدمية والرجعية
صفحة 1 من اصل 1
د. مراد وهبة بين التقدمية والرجعية
منذ 10 سنوات تقريبا تعرفت على الدكتور مراد وهبة من خلال كتاباته وبالأخص ثلاثة كتب.."جرثومة التخلف –ملاك الحقيقة المطلقة – الأصولية والعلمانية"..وجدته رجلا فريدا ومفكرا قديرا، وقتها كنت منتظم في الجماعة وخشيت البوح بقناعاتي تجاهه، فما قرأته من أفكار تصادر التنظيم أو الدين الإسلامي في مجمله حسب قناعاتي يومها.
بعد عصر الثورات لم ألحظ نشاط الدكتور كما ينبغي لشرح ما يحدث وتوقعات المستقبل إلا أمرا واحدا هو التحذير من خطورة الجماعات الإسلامية ليس إلا، غفل عن أشياء أخرى مثلا أساليب الإدارة ومستقبل الشعوب مع البدائل وأمور الاقتصاد، وهل الجماعات نتيجة للفشل الإداري أم العكس؟..وهل ما يحدث يخدمهم بحق أم يقضي عليهم؟..وهل عصر التكنولوجيا الذي نعيشه لا زال مهتم بقيم الإسلاميين أم يركلهم بعيدا عن التاريخ؟..أم أن العرب بحاجة للاستبداد المستنير؟..ومن هو ذلك المستنير وماذا يفعل؟
بعد ثورة يونيو اتجه الدكتور لدعم النظام السياسي ولا زال على موقفه حتى الآن، فأشعل ذلك روحي النقدية بما أنني واقعي أردت محاكمة الواقع لأفكاره ليس إلا..أي هذا المقال ليس محاكمة شخصية أو فكرية للدكتور بقدر ما سيكون مجرد إرشادات وإضاءات
منذ 3 أشهر تقريبا حضرت ندوة للدكتور في منطقة العتبة، والحضور أشهرهم الفنان محمود حميدة والدكتورة منى أبو سنة، لم أشأ اختراق الندوة وتقديم مقترحات وأسئلة ..بل فضلت الاستماع بمنطق الشراء والمعرفة، عرفني بعض القراء في الندوة وتحدثت معهم في هوامشها بعد أفول الساعة، هنا فقط أستطيع تلخيص مجمل مشاهدتي للندوة والربط بينها وبين فكر الدكتور السياسي:
1 - يوجد اعتراض شبابي على عجز العلمانية في التواصل مع رجل الشارع، وللأسف لم أجد ردود مقنعة من الدكتور وضيوفه سوى مطالب التجديد والتنوير دون خطط تنفيذية على الأرض.
2 - الدكتور مراد وهبة يريد تغيير عقلية الشعوب بنظرية التأويل الرشدية التي استقاها من كتابه.."فصل المقال في ما بين الحكمة والشريعة من الاتصال".
3 - الدكتور يرى أن التأويل يلزمه معرفة القوى المحركة والسلطات الفاعلة أولا.
4 - الوسيلة الوحيدة عند مراد وهبة للتعامل مع رجل الشارع هي عن طريق اللغة والفكر.
5- الفنان محمود حميدة كان مجرد ميكروفون للدكتور لا يقول شئ من عنده ولا يمتعنا بأفكاره للتعرف عليه، فقط يكتفي بالتأييد دون شرح، وما ميزه فقط جُرأته في تحدي الأصوليين ولو كلفه ذلك الموت.
6 - الدكتورة منى أبو سنة كانت عنيفة مع منتقدي فكر الدكتور الذي يرونه عاجزا عن تقديم أي حلول بينما الوضع يسوء كل يوم، ولديها منطق واحد أن الدكتور مراد هو (المُعلّم المستنير) الذي لا ينبغي معارضته طالما أتينا هنا كضيوف.
لا أخفي شعوري بالضجر من أسلوب منى أبو سنة، وتحدثت مع أحد قرائي بعد الندوة عن ذلك، وقلت أن الاستفادة من المعلم لا تعني عبادته أو تحريم نقده، فاللفكر أصول أهمها.."الرأي والرأي الآخر"..وعلى من يضجر من النقد أن ينتهج أسلوب المشايخ أفضل ويتحدث باسم الدين والمقدس، أما هنا فقاعة فكر لا ينبغي فيها التقديس لأحد، والهم الأول يكون للإصلاح ورجل الشارع، بينما الندوة لم تقدم شئ للإصلاح الفعلي سوى كُليمات مللنا سماعها منذ عقود .
أعود لملامح الندوة ونقد الشباب – بحماسة- لعجز العلمانية في التواصل مع رجل الشارع، ورأيي في ذلك منذ سنوات أن الإصلاح الفكري حتى يصل لرجل الشارع لابد له من سلطة مستنيرة، فكرة أن يعمل تيار عقلي لاكتساب شعبية خارج أدوات السلطة هي فكرة خرافية جدا ولم تنجح عبر التاريخ، حتى فلاسفة عصر التنوير تكلموا في إطار نخبوي حتى اشتعلت ثوراتهم مدعمة بصراعات الحكام، وزادها اشتعالا صراعات العسكريين مع الكنائس، فالجيش الفرنسي نفسه كان معارضا للكنيسة، في وقت كانت فيه النخبة لا تجرؤ على المواجهة الصريحة، وزاد من نسبة نجاح تلك الثورات أخطاء اقتصادية وإدارية واجتماعية لرجال الكنائس، أي أن فكرة تكوين تيار شعبي ثوري ضد الكهنة بدون مساعدة السلطة..هي فكرة مستحيلة..ما بالك وهذه السلطة منتمية لخط الكهنة، هنا ستكون المهمة أعظم تحتاج فيها لقهر مستحيلين بدلا من واحد.
أقول ذلك لأن الدكتور مراد وهبة مؤيد للسيسي ويراه حاكما مستنيرا على غرار محمد علي وأتاتورك ورضا بلهوي، لكن الواقع على الأرض غير ذلك يادكتور مراد:
السيسي: تحالف مع مملكة الظلام في السعودية لإشعال حرب مذهبية في اليمن، كيف لنظام يحارب على أسس طائفية أن يفهم معنى التنوير، إن هذه الحرب بالذات كشفت لي طبيعة النظام قبل أن يطور ذلك بسياسات قمعية للفكر ولكافة المعارضين بعد ذلك ، بل لم يرتدع عن تلك الحرب المجنونة بعد انكشافها وظهور مساوئها وجرائمها في قتل عشرات الآلاف من الأبرياء وحصار 25 مليون إنسان وتهديد 7 مليون منهم بالمجاعة والأوبئة، كيف يتغافل الدكتور مراد عن هذه الكارثة؟..وهل نصح أركان النظام والحكومة بتبيان خطورة ما يحدث على الفكر أولا؟
معروف أن الفكر لا ينشط في أجواء الكراهية والحروب، أي لمصلحة الدكتور مراد وكافة التنويريين والنخب المثقفة أن تسكن كل حروب الشرق الأوسط وتهيئة الأجواء لحوار من التعايش يقطع دابر المتطرفين، فالإرهابيين – والفكر الأحادي- عموما ينشطون في بيئة المؤامرة ومجتمع الإقصاء والتهميش، ما بالك وهذا المجتمع وتلك البيئة لا زالت تعطي القداسة لرجال الدين.
كذلك فالسيسي: يسجن الإصلاحيين من المفكرين والأدباء بقانون سئ السمعة .."ازدراء الأديان"..كيف يكون الرجل إصلاحيا وهو يسجن إصلاحيين في مجال الفكر؟..هذه هي الخديعة بعينها، ولأن الدكتور قامة فكرية تدعو للحريات كان يجب عليه الدعوة لإلغاء ذلك وبدأ عصر حريات حقيقي..لكن لم يحدث بعد 4 سنوات من الحكم، و 4 سنوات من تأييد الدكتور نفسه لهذا الحاكم..
إن تحالف السيسي مع الأزهر والسلفيين لهو كارثة فكرية حطت على مصر، أعادت للدين مفهومه الخرافي وتفاسيره الإرهابية للواجهة بعد الأمل في انقضاء ذلك بعد إزاحة الإخوان، وسبق أن قلت بأن دعم السيسي للأزهر سيُعيد الأصوليين للمجتمع باختراق المؤسسات والإعلام...وربما الشارع لسبب بسيط، أن الأزهر فقد مكوّنه الأشعري الصوفي الذي ميز خطه طوال قرون، وبات متحدثا باسم السلفية السلفية مؤمنا بكل قيمها الرجعية، حتى هذا المُكوّن الأشعري الصوفي لا يصلح لإشعال نهضة..هذا خط أسطوري تكفيري إذا مس الآخر مقدساتهم وثوابتهم..ورأينا ماذا فعلوا مع إسلام بحيري وعبدالله نصر بمجرد نقد صحيح البخاري.
أصبح اعتماد النظام على الأزهر لقهر الخرافة هو الخرافة بعينها
كذلك : من أين يأتي الإصلاح يادكتور مراد في مجتمع فقير وخائف كالمجتمع المصري؟..ما تأثير الطوارئ والفقر على الدولة؟..رؤيتك في تأويل الواقع بمعرفة قوى السيطرة ينسفها الفقر والطوارئ معا، بيد أن الخوف والجوع كفيلان بتحقيق اللامركزية الفوضوية..بحيث كل إنسان ومواطن هو قوة بمفرده تحتاج فقط لتنظيم أو عود ثقاب لإشعال الفوضى، أرى هنا أن القيم العلمانية لم تعد سوى أسطورة في خيالات النخبة ليس لها نصيب واهتمام بين الأغلبية العظمى التي لن تتورع عن فعل الجريمة واصطياد فرائسها.
أعلم فكر مراد وهبة لعلاج ذلك ، وهو أن القضاء على الإسلام السياسي من معادلات النفوذ كافٍ لخصم رصيده شعبيا وبالتالي لا خوف من قوى فوضوية خاضعة لرجال الدين، أما الفوضويين الآخرين سواء كانوا اشتراكيين أو ليبراليين فمقدور عليهم، فرجل الشارع ليس مثقفا بل جاهلا تحركه مشاعر الدين والقومية..وأنا في هذا التشخيص أؤيد الدكتور..لكن أختلف معه في النتائج على الأرض بما يلي:
أولا: ليس فقط الإسلاميين والكهنة هم المتعصبين والدمويين، الحضارة الغربية نفسها بدأت بشكل أكثر دموية واستعباد شعوب أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، جعلوا أفريقيا مجرد غابة يصطادون منها البشر وبيعهم لحياة الأبيض، وفي هذا السلوك دلالة كبرى، أن أوروبا فعلت ذلك في عز مجدها التنويري، أي وارد أن يكون التنويري متعصب ودموي كالإسلامي بالضبط..وهذا يدفعنا للبحث عن هوية نظام سياسي واجتماعي ومنظومة فكرية تتجنب خطايا الإسلاميين والتنويريين معا.
تذكر أن أمريكا قتلت الملايين في فيتنام والعراق وأفغانستان وسوريا وأمريكا اللاتينية وآسيا بدعاوى التنوير، تذكروا أن بريطانيا العظمى في عز مجدها التنويري وفلسفتها التحليلية ارتكبت جريمة دنشواي وقتلت الملايين خلال حروب القرنين 19 و 20
التنوير هنا ليس جماعة أو حزب دكتور مراد، هذه حالة تُفرض على الشعب انقيادا لمبدأ (الحاجة) أي لو افتقر الشعب للتنوير ونجح أصحابه في إقناع المجتمع حكومة وشعبا بمبادئه..هذا هو النصر الكبير، تبقى بعد ذلك هذه القيم هي المحرك الأساسي للمجتمع والضابط الأصلي للحكومة في ترشيد سلوكها، وأحسب أن فكر الدكتور مراد وهبة يخلو من تصور تلك الحاجة الشبيهة بالعطش الذي يدفع صاحبه بحثا عن الماء..ثم بعدها يذهب لمصالحه، التنوير هنا مجرد وقود ليس إلا ، وبالتالي البحث عنه والاهتداء إليه لا يعني الكفاية..هناك مهمات إنسانية كبرى أعظم أهمية وهي كيفية تكوين مجتمع ديمقراطي رشيد البقاء فيه للأكفأ، وأظن أن منهجية الدكتور خلت من تلك الكيفية بدلالة دعمه للمستبد والحكم العسكري..الذي يعلم الدكتور جيدا أنه سئ
ثانيا: القمع والاستبداد يُشعِر المواطنين بالمهانة ، ولعجزهم عن رد كرامتهم يُصابون بالشلل الكلي ..ففي علم النفس يوجد مصطلح .."العجز المكتسب"..ومعناه أن تعرض الإنسان للقسوة والصدمات المتتالية والعذاب يجعل خوفه من الفشل هائلا جدا، بحيث يجبره على الاستكانة وفقدان الأمل والحركة والقدرة على الإبداع..هذا يفسر تخلف كل الدول المستبدة، فالاستبداد حقيقة يحكم مجموعات من العَجَزة.
تغيير الواقع السئ لن يحصل بمجموعات انهزامية اكتسبت عجزها في ظل الاستبداد العربي يادكتور مراد، هذا سيحصل بمجموعات أخرى شجاعة وحرة لا تعرف الاستسلام، وللأسف تلك المجموعات الآن مهاجرة لبلاد الغرب، والذي بقى في أرض العرب يكتسب عجزه تلقائيا ويتضخم بمرور الزمن، فلما الإصرار دعم ذلك الاستبداد ونحن نعلم عواقبه الوخيمة؟..لو كنت تقلد توماس هوبز ولا تستمع لنصائح جون لوك فالوضع مختلف، مصر ليست بريطانيا وأنظمة الحكم فيها عسكرية منذ 70 عام وشعبها 90% تحت خط الفقر، والمجتمع بالكامل أمي سهل الانقياد لسطوة رجال الدين والسياسة معا.
الشعوب يادكتور مراد يمكنها أن تعيش فقيرة، لكن لا يمكنها العيش بلا كرامة، وأحسب أن ثورات المصريين ضد الاستعمار لم تكن لأسباب اقتصادية ..بل لشعورهم بالمهانة ليس إلا، فبريطانيا الاستعمارية أنجزت مشاريع وتحديث في بنية مصر التحتية والصناعية والمالية لا تزال محل تقدير..لكن فكرة استعمارها للشعب وإذلاله وحرمانه من الفخر والزهو أثرت على معنوياته فتولد شعور قومي بضرورة رحيل المستعمر، ليس فقط في مصر..بل في كل الدول والشعوب المستعمَرة حدث نفس الشئ، وسلوك المستبد والمستعمِر واحد..كلاهما ينزعان من المواطن كرامته ومعنوياته بحيث يؤدي ذلك في النهاية لمجتمع فاشل غير قادر على الإبداع والحركة.
ثالثا: الأفكار الخرافية صعب السيطرة عليها في وجود الاستبداد السياسي يادكتور مراد ، فالاستبداد يزرع في النفس الخوف والكراهية وحب الذات..وكلها مشاعر منتجة للخرافة، أو بشكل آخر، نتائج الاستبداد هي المصنع الدائم للأفكار المنحرفة واللاعقلانية، أي أن فكرة الحاكم المستبد المعادي للخرافيين هي فكرة غير علمية ، الاستبداد نفسه خرافة..ويمكن الأصلح منها هي فكرة.."المستبد المستنير"..هنا شئ يعالج شئ، فالتنوير يقضي على مثالب الاستبداد..وانفتاحه يقضي على عُزلة القهر.
كذلك فالمبادئ التي تحكم الجيل الحالي للشباب مختلفة عن مبادئ الأجداد، هذا الجيل لا يعترف بسياسة الأمر الواقع أو الجمود بحجة الاستقرار، أو يُصبِح إمّعة لا يتصرف حسب قناعاته هو بل لمصالح الآخرين، هذا جيل نشاط ديناميكي يؤمن بالتطور في كل جوانب الحياة، وهذه صفة اكتسبها من التعليم الحديث..خصوصا في الغرب، ولأنه يرى انحطاط مجتمعه منذ زمن بعيد تولدت لديه روح ثورية تفكر بطريقة مستقلة..وهذا هو السبب لرفض شباب الثورة في السابق لأي نوع من الحكم سواء ديني أو عسكري لتساوي طبيعتهما معاً في النتائج.
بعد عصر الثورات لم ألحظ نشاط الدكتور كما ينبغي لشرح ما يحدث وتوقعات المستقبل إلا أمرا واحدا هو التحذير من خطورة الجماعات الإسلامية ليس إلا، غفل عن أشياء أخرى مثلا أساليب الإدارة ومستقبل الشعوب مع البدائل وأمور الاقتصاد، وهل الجماعات نتيجة للفشل الإداري أم العكس؟..وهل ما يحدث يخدمهم بحق أم يقضي عليهم؟..وهل عصر التكنولوجيا الذي نعيشه لا زال مهتم بقيم الإسلاميين أم يركلهم بعيدا عن التاريخ؟..أم أن العرب بحاجة للاستبداد المستنير؟..ومن هو ذلك المستنير وماذا يفعل؟
بعد ثورة يونيو اتجه الدكتور لدعم النظام السياسي ولا زال على موقفه حتى الآن، فأشعل ذلك روحي النقدية بما أنني واقعي أردت محاكمة الواقع لأفكاره ليس إلا..أي هذا المقال ليس محاكمة شخصية أو فكرية للدكتور بقدر ما سيكون مجرد إرشادات وإضاءات
منذ 3 أشهر تقريبا حضرت ندوة للدكتور في منطقة العتبة، والحضور أشهرهم الفنان محمود حميدة والدكتورة منى أبو سنة، لم أشأ اختراق الندوة وتقديم مقترحات وأسئلة ..بل فضلت الاستماع بمنطق الشراء والمعرفة، عرفني بعض القراء في الندوة وتحدثت معهم في هوامشها بعد أفول الساعة، هنا فقط أستطيع تلخيص مجمل مشاهدتي للندوة والربط بينها وبين فكر الدكتور السياسي:
1 - يوجد اعتراض شبابي على عجز العلمانية في التواصل مع رجل الشارع، وللأسف لم أجد ردود مقنعة من الدكتور وضيوفه سوى مطالب التجديد والتنوير دون خطط تنفيذية على الأرض.
2 - الدكتور مراد وهبة يريد تغيير عقلية الشعوب بنظرية التأويل الرشدية التي استقاها من كتابه.."فصل المقال في ما بين الحكمة والشريعة من الاتصال".
3 - الدكتور يرى أن التأويل يلزمه معرفة القوى المحركة والسلطات الفاعلة أولا.
4 - الوسيلة الوحيدة عند مراد وهبة للتعامل مع رجل الشارع هي عن طريق اللغة والفكر.
5- الفنان محمود حميدة كان مجرد ميكروفون للدكتور لا يقول شئ من عنده ولا يمتعنا بأفكاره للتعرف عليه، فقط يكتفي بالتأييد دون شرح، وما ميزه فقط جُرأته في تحدي الأصوليين ولو كلفه ذلك الموت.
6 - الدكتورة منى أبو سنة كانت عنيفة مع منتقدي فكر الدكتور الذي يرونه عاجزا عن تقديم أي حلول بينما الوضع يسوء كل يوم، ولديها منطق واحد أن الدكتور مراد هو (المُعلّم المستنير) الذي لا ينبغي معارضته طالما أتينا هنا كضيوف.
لا أخفي شعوري بالضجر من أسلوب منى أبو سنة، وتحدثت مع أحد قرائي بعد الندوة عن ذلك، وقلت أن الاستفادة من المعلم لا تعني عبادته أو تحريم نقده، فاللفكر أصول أهمها.."الرأي والرأي الآخر"..وعلى من يضجر من النقد أن ينتهج أسلوب المشايخ أفضل ويتحدث باسم الدين والمقدس، أما هنا فقاعة فكر لا ينبغي فيها التقديس لأحد، والهم الأول يكون للإصلاح ورجل الشارع، بينما الندوة لم تقدم شئ للإصلاح الفعلي سوى كُليمات مللنا سماعها منذ عقود .
أعود لملامح الندوة ونقد الشباب – بحماسة- لعجز العلمانية في التواصل مع رجل الشارع، ورأيي في ذلك منذ سنوات أن الإصلاح الفكري حتى يصل لرجل الشارع لابد له من سلطة مستنيرة، فكرة أن يعمل تيار عقلي لاكتساب شعبية خارج أدوات السلطة هي فكرة خرافية جدا ولم تنجح عبر التاريخ، حتى فلاسفة عصر التنوير تكلموا في إطار نخبوي حتى اشتعلت ثوراتهم مدعمة بصراعات الحكام، وزادها اشتعالا صراعات العسكريين مع الكنائس، فالجيش الفرنسي نفسه كان معارضا للكنيسة، في وقت كانت فيه النخبة لا تجرؤ على المواجهة الصريحة، وزاد من نسبة نجاح تلك الثورات أخطاء اقتصادية وإدارية واجتماعية لرجال الكنائس، أي أن فكرة تكوين تيار شعبي ثوري ضد الكهنة بدون مساعدة السلطة..هي فكرة مستحيلة..ما بالك وهذه السلطة منتمية لخط الكهنة، هنا ستكون المهمة أعظم تحتاج فيها لقهر مستحيلين بدلا من واحد.
أقول ذلك لأن الدكتور مراد وهبة مؤيد للسيسي ويراه حاكما مستنيرا على غرار محمد علي وأتاتورك ورضا بلهوي، لكن الواقع على الأرض غير ذلك يادكتور مراد:
السيسي: تحالف مع مملكة الظلام في السعودية لإشعال حرب مذهبية في اليمن، كيف لنظام يحارب على أسس طائفية أن يفهم معنى التنوير، إن هذه الحرب بالذات كشفت لي طبيعة النظام قبل أن يطور ذلك بسياسات قمعية للفكر ولكافة المعارضين بعد ذلك ، بل لم يرتدع عن تلك الحرب المجنونة بعد انكشافها وظهور مساوئها وجرائمها في قتل عشرات الآلاف من الأبرياء وحصار 25 مليون إنسان وتهديد 7 مليون منهم بالمجاعة والأوبئة، كيف يتغافل الدكتور مراد عن هذه الكارثة؟..وهل نصح أركان النظام والحكومة بتبيان خطورة ما يحدث على الفكر أولا؟
معروف أن الفكر لا ينشط في أجواء الكراهية والحروب، أي لمصلحة الدكتور مراد وكافة التنويريين والنخب المثقفة أن تسكن كل حروب الشرق الأوسط وتهيئة الأجواء لحوار من التعايش يقطع دابر المتطرفين، فالإرهابيين – والفكر الأحادي- عموما ينشطون في بيئة المؤامرة ومجتمع الإقصاء والتهميش، ما بالك وهذا المجتمع وتلك البيئة لا زالت تعطي القداسة لرجال الدين.
كذلك فالسيسي: يسجن الإصلاحيين من المفكرين والأدباء بقانون سئ السمعة .."ازدراء الأديان"..كيف يكون الرجل إصلاحيا وهو يسجن إصلاحيين في مجال الفكر؟..هذه هي الخديعة بعينها، ولأن الدكتور قامة فكرية تدعو للحريات كان يجب عليه الدعوة لإلغاء ذلك وبدأ عصر حريات حقيقي..لكن لم يحدث بعد 4 سنوات من الحكم، و 4 سنوات من تأييد الدكتور نفسه لهذا الحاكم..
إن تحالف السيسي مع الأزهر والسلفيين لهو كارثة فكرية حطت على مصر، أعادت للدين مفهومه الخرافي وتفاسيره الإرهابية للواجهة بعد الأمل في انقضاء ذلك بعد إزاحة الإخوان، وسبق أن قلت بأن دعم السيسي للأزهر سيُعيد الأصوليين للمجتمع باختراق المؤسسات والإعلام...وربما الشارع لسبب بسيط، أن الأزهر فقد مكوّنه الأشعري الصوفي الذي ميز خطه طوال قرون، وبات متحدثا باسم السلفية السلفية مؤمنا بكل قيمها الرجعية، حتى هذا المُكوّن الأشعري الصوفي لا يصلح لإشعال نهضة..هذا خط أسطوري تكفيري إذا مس الآخر مقدساتهم وثوابتهم..ورأينا ماذا فعلوا مع إسلام بحيري وعبدالله نصر بمجرد نقد صحيح البخاري.
أصبح اعتماد النظام على الأزهر لقهر الخرافة هو الخرافة بعينها
كذلك : من أين يأتي الإصلاح يادكتور مراد في مجتمع فقير وخائف كالمجتمع المصري؟..ما تأثير الطوارئ والفقر على الدولة؟..رؤيتك في تأويل الواقع بمعرفة قوى السيطرة ينسفها الفقر والطوارئ معا، بيد أن الخوف والجوع كفيلان بتحقيق اللامركزية الفوضوية..بحيث كل إنسان ومواطن هو قوة بمفرده تحتاج فقط لتنظيم أو عود ثقاب لإشعال الفوضى، أرى هنا أن القيم العلمانية لم تعد سوى أسطورة في خيالات النخبة ليس لها نصيب واهتمام بين الأغلبية العظمى التي لن تتورع عن فعل الجريمة واصطياد فرائسها.
أعلم فكر مراد وهبة لعلاج ذلك ، وهو أن القضاء على الإسلام السياسي من معادلات النفوذ كافٍ لخصم رصيده شعبيا وبالتالي لا خوف من قوى فوضوية خاضعة لرجال الدين، أما الفوضويين الآخرين سواء كانوا اشتراكيين أو ليبراليين فمقدور عليهم، فرجل الشارع ليس مثقفا بل جاهلا تحركه مشاعر الدين والقومية..وأنا في هذا التشخيص أؤيد الدكتور..لكن أختلف معه في النتائج على الأرض بما يلي:
أولا: ليس فقط الإسلاميين والكهنة هم المتعصبين والدمويين، الحضارة الغربية نفسها بدأت بشكل أكثر دموية واستعباد شعوب أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، جعلوا أفريقيا مجرد غابة يصطادون منها البشر وبيعهم لحياة الأبيض، وفي هذا السلوك دلالة كبرى، أن أوروبا فعلت ذلك في عز مجدها التنويري، أي وارد أن يكون التنويري متعصب ودموي كالإسلامي بالضبط..وهذا يدفعنا للبحث عن هوية نظام سياسي واجتماعي ومنظومة فكرية تتجنب خطايا الإسلاميين والتنويريين معا.
تذكر أن أمريكا قتلت الملايين في فيتنام والعراق وأفغانستان وسوريا وأمريكا اللاتينية وآسيا بدعاوى التنوير، تذكروا أن بريطانيا العظمى في عز مجدها التنويري وفلسفتها التحليلية ارتكبت جريمة دنشواي وقتلت الملايين خلال حروب القرنين 19 و 20
التنوير هنا ليس جماعة أو حزب دكتور مراد، هذه حالة تُفرض على الشعب انقيادا لمبدأ (الحاجة) أي لو افتقر الشعب للتنوير ونجح أصحابه في إقناع المجتمع حكومة وشعبا بمبادئه..هذا هو النصر الكبير، تبقى بعد ذلك هذه القيم هي المحرك الأساسي للمجتمع والضابط الأصلي للحكومة في ترشيد سلوكها، وأحسب أن فكر الدكتور مراد وهبة يخلو من تصور تلك الحاجة الشبيهة بالعطش الذي يدفع صاحبه بحثا عن الماء..ثم بعدها يذهب لمصالحه، التنوير هنا مجرد وقود ليس إلا ، وبالتالي البحث عنه والاهتداء إليه لا يعني الكفاية..هناك مهمات إنسانية كبرى أعظم أهمية وهي كيفية تكوين مجتمع ديمقراطي رشيد البقاء فيه للأكفأ، وأظن أن منهجية الدكتور خلت من تلك الكيفية بدلالة دعمه للمستبد والحكم العسكري..الذي يعلم الدكتور جيدا أنه سئ
ثانيا: القمع والاستبداد يُشعِر المواطنين بالمهانة ، ولعجزهم عن رد كرامتهم يُصابون بالشلل الكلي ..ففي علم النفس يوجد مصطلح .."العجز المكتسب"..ومعناه أن تعرض الإنسان للقسوة والصدمات المتتالية والعذاب يجعل خوفه من الفشل هائلا جدا، بحيث يجبره على الاستكانة وفقدان الأمل والحركة والقدرة على الإبداع..هذا يفسر تخلف كل الدول المستبدة، فالاستبداد حقيقة يحكم مجموعات من العَجَزة.
تغيير الواقع السئ لن يحصل بمجموعات انهزامية اكتسبت عجزها في ظل الاستبداد العربي يادكتور مراد، هذا سيحصل بمجموعات أخرى شجاعة وحرة لا تعرف الاستسلام، وللأسف تلك المجموعات الآن مهاجرة لبلاد الغرب، والذي بقى في أرض العرب يكتسب عجزه تلقائيا ويتضخم بمرور الزمن، فلما الإصرار دعم ذلك الاستبداد ونحن نعلم عواقبه الوخيمة؟..لو كنت تقلد توماس هوبز ولا تستمع لنصائح جون لوك فالوضع مختلف، مصر ليست بريطانيا وأنظمة الحكم فيها عسكرية منذ 70 عام وشعبها 90% تحت خط الفقر، والمجتمع بالكامل أمي سهل الانقياد لسطوة رجال الدين والسياسة معا.
الشعوب يادكتور مراد يمكنها أن تعيش فقيرة، لكن لا يمكنها العيش بلا كرامة، وأحسب أن ثورات المصريين ضد الاستعمار لم تكن لأسباب اقتصادية ..بل لشعورهم بالمهانة ليس إلا، فبريطانيا الاستعمارية أنجزت مشاريع وتحديث في بنية مصر التحتية والصناعية والمالية لا تزال محل تقدير..لكن فكرة استعمارها للشعب وإذلاله وحرمانه من الفخر والزهو أثرت على معنوياته فتولد شعور قومي بضرورة رحيل المستعمر، ليس فقط في مصر..بل في كل الدول والشعوب المستعمَرة حدث نفس الشئ، وسلوك المستبد والمستعمِر واحد..كلاهما ينزعان من المواطن كرامته ومعنوياته بحيث يؤدي ذلك في النهاية لمجتمع فاشل غير قادر على الإبداع والحركة.
ثالثا: الأفكار الخرافية صعب السيطرة عليها في وجود الاستبداد السياسي يادكتور مراد ، فالاستبداد يزرع في النفس الخوف والكراهية وحب الذات..وكلها مشاعر منتجة للخرافة، أو بشكل آخر، نتائج الاستبداد هي المصنع الدائم للأفكار المنحرفة واللاعقلانية، أي أن فكرة الحاكم المستبد المعادي للخرافيين هي فكرة غير علمية ، الاستبداد نفسه خرافة..ويمكن الأصلح منها هي فكرة.."المستبد المستنير"..هنا شئ يعالج شئ، فالتنوير يقضي على مثالب الاستبداد..وانفتاحه يقضي على عُزلة القهر.
كذلك فالمبادئ التي تحكم الجيل الحالي للشباب مختلفة عن مبادئ الأجداد، هذا الجيل لا يعترف بسياسة الأمر الواقع أو الجمود بحجة الاستقرار، أو يُصبِح إمّعة لا يتصرف حسب قناعاته هو بل لمصالح الآخرين، هذا جيل نشاط ديناميكي يؤمن بالتطور في كل جوانب الحياة، وهذه صفة اكتسبها من التعليم الحديث..خصوصا في الغرب، ولأنه يرى انحطاط مجتمعه منذ زمن بعيد تولدت لديه روح ثورية تفكر بطريقة مستقلة..وهذا هو السبب لرفض شباب الثورة في السابق لأي نوع من الحكم سواء ديني أو عسكري لتساوي طبيعتهما معاً في النتائج.
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
رد: د. مراد وهبة بين التقدمية والرجعية
يقف الدكتور مراد وهبة بين حالين تقدمي ورجعي، حتى الآن يميل للرجعية نوعا..ففي مقاله بالأهرام بتاريخ 1 أغسطس 2017 قال أنه اجتمع مع الشيخ أسامة الأزهري لدراسة عقد صالون.."فلسفي"..كي يمكنهم تغيير عقلية الإرهابي بالمواكبة مع تعليمات السيد الرئيس بالمواجهة الفكرية وعدم اقتصارها على الأمن.
والدكتور مراد يبدو أنه لا يعلم من هو أسامة الأزهري؟..هذا مُحدّث به لمحة أخلاقية ، لكن عقله لا زال مُفعما بخطايا التراث التي انعكست على فتاويه بتصحيح كل أحاديث الإسلام السياسي بداية من الخلافة إلى الرجم إلى الفرقة الناجية إلى الولاء والبراء إلى قتل المرتد والجزية..وغيرها، فارق أنه يميل للنهج المؤسسي للأزهر بطاعة الحاكم..والتأثر بالفتنة الطائفية الحالية بحصر الشيعة مع الإخوان في بوتقة واحدة، وما يجري على الإخوان يجري على 400 مليون شيعي حول العالم..وأظن أن هذه رؤية الأزهري ذكرها وهبة تلميحا أنه لم يبدي عنها أي اعتراض في انتظار التفصيل.
ظاهر لقاء الدكتور مراد مع أسامة الأزهري أنهما يتفقان على ضرورة خوض صراع طائفي مع الإخوان والشيعة معا، أما الباطن فلربما لم يُحسنا من إخراج هذا المؤتمر أو مقاله بشكل جيد يزيل هذا الغموض..بيد أنني أثق تمام الثقة في تسامح كلاهما، فالدكتور غني عن التعريف بتسامحه..ولم أقرأ لأسامة الأزهري بُعدا عنصريا..لكن حصرهم مذهب إسلامي كامل وملايين المنتسبين له مع تنظيم الإخوان لهو مجازفة كبيرة تنطوي عليها نتائج مخيفة.
بادئ ذي بدء هناك محطات يجب التوقف عندها:
أولا: الشيخ أسامة الأزهري من أهل الحديث..أي لا ينتمي للغة العقل الفلسفية التي يريد الدكتور مراد وهبه جذبه إليها ، فالمنطقة التي يقف فيها الدكتور مختلفة تماما عن منطقة أسامة..وهذا يلزمه تحرير المصطلحات أولا قبل الجلوس، أو التفاهم حول مصير مشترك يجمعهم إذا فشلوا في إقناع أي منهم بوجهة نظر الآخر.
الدكتور مراد ربما لم ينخرط في علم الحديث بما فيه الكفاية، هذا اتجاه قائم على التلقي والقبول النصي بمجرد السند، ودور العقل فقط داخل علوم الجرح والتعديل..حتى علم الدراية الحديثي أهمله المحدثون المعاصرون والشيخ أسامة منهم..أي لا فرصة للالتقاء الفكري أبدا..وهذا يفسر أنه وبعد 4 أشهر من عقد هذا اللقاء والتبشير بمؤتمرات أن لا نجد أي تقارب..فعلاما إذن كتب الدكتور وهبة مبشرا بمواجهة فكرية مع الإرهاب، إذا كان حليفك هو خصم فكيف تخوض معركة تعاني جبهتك فيها من التفكك؟
الإرهاب كما أوضح مليون مرة إسلام بحيري وغيره..وهنا كتبنا مئات المقالات و9 كتب وعدة لقاءات تلفزيونية يعيش على (التراث) بأجزائه الحديث والفقه والتفسير والفتاوى..هذا شكّل عقلية الأمة منذ قرون ، وفكرة القضاء على كل ذلك بلقاء فلسفي هو ضرب من (الوهم) وإذا كان متعمدا لغاية ما فهو نوع من (الخداع والجهل) إذ كيف يقوم الأزهري بدعم رؤية دكتور مراد الفلسفية وهو لم يتحرر بعد من التقليد وحل إشكاليات العقل مع النقل؟..هذا يحتاج لشروح إذا ما قدر لهم أن يجتمعوا، فمناقشة عابد الجابري لهذا التراث غنية..وردود طرابيشي عليه تزيد الأفق اتساعا.
ثانيا: التشيع ليس جماعة أو تنظيم يدعو لسيادة العالم، هذا شعور عاطفي بالولاء وحب آل البيت وما يتبعه من كراهية لخصومهم، فهو إذن مذهب (عاطفي) وليس (غرضي) كما هو الحال مع تنظيم الإخوان، فالأول يمكنه التعايش إذا ما لم تحاربه في عاطفته، أما الثاني فطموحه أسبق بالعدوان..وإرادة السيطرة فيه أسبق من التواضع، والانكفاء فيه ممنوع مذموم..إنك يمكن أن تتعامل مع شيعي دون يمسك بأذى ما دمت تحترم قناعاته بولاية آل البيت، أما الإخوان فلا ..هؤلاء طموحهم أسبق بالخلافة والأستاذية والشريعة، ونبذهم ليست دعوة لحربهم فمنهم مدنيون مسالمون.
أقول هذا كي ينتبه الدكتور مراد مع من يتكلم، هذا يتحدث مع شاب صغير السن.. قليل الخبرة ، وينتمي فكريا وماليا ووجدانيا لمؤسسة (سلطانية) وهي الأزهر، فلو كانت مصر في حلف سعودي ضد إيران والشيعة..فإذن يجري تفسير كل شئ وفق تلك المواجهة وحسب طبيعة الحلف ، هنا تورط سياسي وقع فيه الدكتور وهبة على الأقل كان يبدي تحفظا بالخلط أو أن يشرح دعوى الخوميني وتاريخه بأسلوب موضوعي غير منحاز، وأحسب هنا في هذا السياق أن تناول ثورة إيران حسب نتائجها يسهل الأمور أكثر على الباحث، وفي تقديري أن أسامة الأزهري لو يعلم دور حرب العراق وإيران في تثبيت دعائم حكم الخوميني - بعد مشاكل عديدة تعرض لها- ما قال هذا الكلام.
الشئ المشترك الذي يجمع الإخوان بالشيعة هو .."الإسلام السياسي"..مع الفارق بين مسمييه الخلافة والإمامة، ليس مجرد خلاف في المسمى فقط.. بل اختلاف في الطبيعة ونسق كلا الأمرين ووسائل كل منهم، وعلاقتهم بالآخر..أشياء كثيرة كان يجب على الأزهري ووهبة التحدث فيها قبل إطلاق هذا التعميم..مع العلم أن أسامة الأزهري يؤمن هو الآخر.."بالإسلام السياسي"..فالخليفة القُرَشي والمهدوية أصول سياسية عند الأشاعرة، وقد فصلها .."أبو الحسن المواردي"..الأشعري في كتابه .."الأحكام السلطانية"..الذي يُعد أول كتاب سياسي من نوعه في الفكر الإسلامي السني.
ثالثا: مسألة التقاء الفيلسوف مع المتدين يلزمه تعيين نسق كلٍ منهم أولا، فالواضح أن الدكتور مراد ينتمي للمدرسة الحداثية التقدمية..وهذه أدواتها تحليلية تجريبية، وهي مدرسة لا تلتقي مع الفكر الديني، بينما الشيخ أسامة ينتمي لمدرسة أهل الحديث..وهذه أدواتها نصوص وأحكام، كذلك فهي مدرسة لا تلتقي مع الحداثة بشئ اللهم إلا مصالح قد تجمع الطرفين معا..وهذا تفسيري الشخصي أن المصلحة فقط هي التي جمعت بين الرأيين - مراد وأسامة – في دعم خط الرئيس ودولة مع بعد يونيو.
أي لو كانت مثل هذه المؤاتمرات تهدف لدعم الرئيس شعبيا ونخبويا ستكون أوضح، أما لو كانت بعنوان.."التنوير وتحدياته"..فينبغي لكل منهم مناقشة الآخر وتقريب وجهات النظر معه قبل الإعلان، فعقل الشيخ أسامة بالذات تراثي لا يقبل مناقشة أي جزئية في دينه..أو التدين بشكل عام إلا إذا وافقت خطه المرسوم له في المذهب من نواحي الاتصال، فأسامة الأزهري لديه قاعدة لا بأس لها من التأويل الذي يمكنه من التواصل مع عقول فلسفية، لكن في النهاية محكوم بخط نهائي لا يحيد عنه ممثلا في قدسية أشخاص وكتب كالبخاري ومسلم والأئمة الأربعة، وبالتالي على من يريد معالجة فكر الإرهابي أن يستعين بمن هم داخل نسقه الفكري لكن لديهم قبول للتنازل ورفع القدسية والعصمة عن الأشخاص.
غاية أي حوار بين الأزهري والإرهابي سيكون في معضلة الدين والسياسة التي لم تُفصّل بشكل مقبول في الفكر السني، بيد أن كل منهم يفتقر للقاعدة والمرجعية الفكرية ذات الملمح السياسي، سيضطروا للانحياز إلى مذاهبهم الدينية في الأخير وزعاماتهم كرد فعل يميزهم، والمُلاحظ أن هذا يحدث في المناظرات العبثية التي تجري الآن في الإعلام المصري، كل منهم يفتقر لمرجعية فكرية لمادة النقاش ، في الأخير ينحازون إلى مذاهبهم وطُرق تناولهم لنفس المادة.. فتعلو أصواتهم وينتهي لقائهم بالشجار.
الدين في الأخير قضية شخصية يجب التفريق فيها بين الدين كونه ممارسة وبين كونه وظيفة، وما دام هو قضية شخصية إذن هو ممارسة سلوكية لا تعتمد جهة بعينها تنقله كوظيفة، وهذا استشكالي على الدكتور مراد وهبه أنه يتحالف – أو يتعاون – مع شيوخ ممثلين لمؤسسة دينية مهمتها الأولى نقل الدين من كونه سلوك إلى كونه وظيفة لغرض ما ، على الأقل لو بقي الأزهر كما نشأ (مؤسسة علمية) ما لامه أحد، لكن للأزهر عبر التاريخ - وإلى الآن- أدوار سياسية يقوم بها خدمة لنفسه فحسب، أي لا يمكن للأزهر أن يطمئن لمعارضة إصلاحية ومثقفين وفلاسفة أخذوا عليه مسلك جنوحه إلى السلطة، سينظر إليهم فورا كخونة وأعداء باعتبارهم مصدر للخطر عليه إذا ما قرر ولي أمرهم الانتقام.
إن هذا التحالف في الأخير يُنتج كيانا لا يؤمن بالحداثة كون الطرفين يعملان لمصلحة مستبد أولا، ولأنهما اجتمعا بغرض المواجهة الدينية ثانيا، وكذلك لعدم تحريرهم المشكلات الفكرية بينهم قبل الاجتماع ، فغاية ما حدث أن الأزهر استخدم اسم الدكتور مراد في تحويل الدين كوظيفة تخدم الحاكم، وليس مجرد سلوك شخصي كما هو مفترض، وهذه هي الآفة الكبرى لتلك المؤتمرات أن القائمين عليها تجمعهم الكراهية والانتقام قبل التعايش والاحتواء.
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
مواضيع مماثلة
» حمل كتاب " مراد وهبة كاهن أم فيلسوف؟"
» د.مراد وهبة: المثقفون خانوا السيسي والرئيس يروض الرأسمالية
» د.مراد وهبه
» الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي في حوار حول التكفير
» د.مراد وهبة: المثقفون خانوا السيسي والرئيس يروض الرأسمالية
» د.مراد وهبه
» الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي في حوار حول التكفير
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى