الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي في حوار حول التكفير
شبكة واحة العلوم الثقافية :: الساحات العلمية والثقافية والحوارية :: ساحة الحوار الموضوعي بين الأديان
صفحة 1 من اصل 1
الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي في حوار حول التكفير
الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي الفقيه المعروف والعالم الموسوعي ، وصاحب موسوعة الفقه الإسلامي وأدلته (فقه مقارن) وموسوعة التفسير المنير ، ورئيس قسم الفقه ومذاهبه في جامعة دمشق ، يلقي بعض الأضواء على مسائل تتصل بالواقع الإسلامي في حوارنا معه . وهذا نص الحوار :
- تظهر بين فينة وأخرى في الساحة الإسلامية مشكلة تكفير بعض المسلمين لبعض آخر منهم، وقد أدى هذا إلى جدل عريض واتهامات متبادلة. وقد لوحظ في غمرة هذا الجدل غياب البحث في ضوابط التكفير من الوجهة الشرعية، فما هي ضوابط التكفير وأسبابه ، ومن الذي يملك الحق الشرعي في إطلاق صفة الكفر أو الردة على الناس؟
لا يصح بحال من الأحوال اتهام مسلم يشهد بالشهادتين بالكفر، مادام لا يستحل حراما، ولا يحرم حلالاً، ولا ينكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة (أي بالبداهة) مثل فريضة الصلاة والزكاة والصوم والحج، وتحريم الخمر والزنا والربا والسرقة وغيرها من أكل أموال الناس بالباطل. ولا يُحكم على مسلم بالردة أو الكفر إلا بالرجوع عن دين الإسلام إلى دائرة الكفر، سواء كانت الدائرة في نطاق الملل الأخرى غير السماوية مثل إنكار وجود الله تعالى أو نفي الإيمان بالرسالة أو النبوة والرسل، أو تكذيب رسول أو استباحة حرام بالإجماع كالزنا واللواط وشرب الخمر وبقية المسكرات والظلم ، أو تحريم حلال بالإجماع كالبيع والزواج ، أو نفي وجوب مُجمَع عليه كنفي ركعة من ركعات الصلوات الخمس المفروضة أو اعتقاد ما ليس بواجب بالإجماع كزيادة ركعة من الصلاة المفروضة أو وجوب صوم شيء من شهر غير رمضان أو عزم على الكفر غدًا أو بعده أو تردد فيه.
ولا يصح تكفير الدولة لأنها شخص معنوي ولا يحكم على حاكم بالكفر إلا بإعلان الكفر صراحة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم : " إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه حجة وبرهان " . أي كفراً صريحاً ظاهراً مكشوفاً.
ولا يحق لأحد إعلان تكفير مسلم إلا برؤيته الكفر الصراح منه ، أو بإعلان قاض عدل ثقة أمين في دينه وعلمه. لذا لا يقبل من أحد قوله: إن فلاناً كافر أو زنديق أو مرتد حتى يقوم الدليل الواضح على كفره. أما مجرد مخالفته غيره في الرأي الذي لا يصادم إجماع الأمة الصريح فلا يعد كفراً.
وإذا لم يظهر الكفر صراحة يترك الأمر إلى الله عز وجل عالم الغيب والشهادة والمطلع على ما في القلوب.
ومن المعلوم أن المرتد تجب استتابته ومحاكمته أمام حاكم أو قاض، ولا يصح اتهام أحد بالكفر إلا بعد محاكمته على قوله أو عبارات كتبه أو مؤلفاته منعًا من خسارة مسلم أو التورط في أمر متروك إدراك حقيقته إلى الله عز وجل.
- الديمقراطية ( حكم الشعب نفسه بنفسه ولنفسه ) إحدى المقولات الأشهر في العالم اليوم، وقد اختلفت آراء العلماء والمفكرين المسلمين حول موضوع الديمقراطية، فما هو موقفكم من الديمقراطية وهل من بديل لها؟
الديمقراطية التي تعني حكم الشعب بالشعب هو اصطلاح إغريقي قديم، ويلتقي نظام الإسلام السياسي مع مبدأ الديمقراطية في قيام الإسلام على مبدأ الشورى والعدل والمساواة بين الناس في الحقوق والواجبات ، وهذه مبادئ الديمقراطية الإسلامية، ويخالف الإسلام الديمقراطية في أن التشريع أو التقنين لا سلطان عليه لأحد إلا اتفاق ممثلي الشعب في المجالس النيابية، فإذا أصدر البرلمان قانوناً مخالفاً لنظام الشريعة ظهر التعارض بين الإسلام والديمقراطية، لكن أغلب ما يصدر عن البرلمانات الحالية قوانين تنظيمية أو إدارية كخطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية والتربوية، فمثلاً قانون التأمينات الاجتماعية للعمال والموظفين لا يتصادم مع الإسلام، وكذا قانون التقاعد وقانون الخدمة العسكرية وقانون تطوير الصناعة أو التجارة أو الزراعة ونحو ذلك مما لا يصادم الشريعة الإسلامية، فهذه القوانين جائزة وتظل هناك فروق ثلاثة بين الإسلام والديمقراطية وهي التي تجعلنا لا نقرها وهي:
1- إن الديمقراطية تقترن بفكرة القومية الضيقة أو العنصرية وتعتمد على نزعة التعصب أو العصبية، أما الإسلام فلا يقر الانغلاق القومي، والأمة بمفهومه تعتمد على رابطة العقيدة الإسلامية التي لا يحدها إقليم معين، أما إن كانت النزعة الضيقة في الدولة الإقليمية منفتحة متسامحة وهي مجرد خطة استراتيجية لتجميع القوى بدءاً بالأخ والجار مثلاً فلا مانع منها.
2- إن هدف الديمقراطية مادي دنيوي بحت يقصد منها إسعاد أمة أو شعب بعينه من الناحية الاقتصادية فقط، أما الإسلام فله هدف مزدوج روحي أخروي ودنيوي مادي فيلتقي عنصرا المادة والروح ومنها القيم الإنسانية والأخلاقية لإيجاد المواطن الصالح في الدنيا والآخرة.
3- إن سلطة الأمة في الأنظمة الديمقراطية مطلقة فهي صاحبة السيادة وما يتفق عليه ممثلوها يصبح قانوناً واجب النفاذ حتى لو صادم الدين أو الأخلاق أو عارض المصالح الإنسانية العامة، أما سلطة الأمة في الإسلام فمقصورة على تقرير الأنظمة التطبيقية في ظل النظام الإسلامي دون مخالفة لأي نظام منه، وهذا أخطر الفروق وهو الذي يجعلنا نقول: إن الديمقراطية بالمفهوم الغربي الحديث أو القديم لا تلتقي مع الإسلام.
يرى بعض المفكرين ضرورة تجديد الفكر الإسلامي.. هل توافقون على هذه الفكرة وما هو إطار التجديد الذي ترونه؟
إن بنية الفكر الإسلامي تقوم بصفة دائمة على الإصلاح الجذري والتقدم الشامل لكل شؤون الحياة السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهذه أصول ذات صفة دائمة لا تحتاج لتجديد أو تقويم أو تصحيح.
فإن كان الهدف من تجديد الفكر الإسلامي هو التحرر أو الانعتاق من الأصول الدينية والأخلاقية والإنسانية فهذا أمر مرفوض، وإن كان الهدف من تجديد الفكر التحرك في إطار شرع الله ودينه لإصلاح اعوجاج الأمة أو المجتمع أو الدولة أو من أجل تطبيق النظام الأصوب فهذا لا مانع منه شريطة أن يظل التجديد في إطار الأهداف التشريعية العامة فهذا التجديد من أجل التخلص من أمراض التخلف والتمزق والضياع والتشتت ومن أجل إثبات الذات والاعتماد على النفس والثقة بمقدراتنا هو ظاهرة صحية مقبولة. أما التجديد الذي يراد به الهدم والتخريب والخروج من مقاييس الدين أو الشريعة فهو منبوذ، لأنه وإن سمي تجديداً فهو تخريب كتجديد تركيا على يد أتاتورك بهدم الأصول الإسلامية وفرض العلمانية أو اللادينية ومعاداة كل ما هو إسلامي فهذا كفر وردة وخلل في الفكر فهو وإن سمي تجديداً فهو تخريب قطعاً.
من المسائل المهمة المطروحة أمام الحركة الإسلامية مسألة الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب هل ترون إمكانية فعلية لقيام هذه الوحدة وما هي التحديات التي تحول دونها؟
الحركة الإسلامية تتطلب ثلاثة أمور:
(1) الالتزام الواعي بمعطيات الإسلام.
(2) العلم الدقيق بمفاهيم الإسلام الصحيحة ومتطلبات العصر الحديث.
(3) وحدة الصف الإسلامي.
فإذا قامت الحركة الإسلامية على مجرد العاطفة الإسلامية أو المحبة وحدها دون العلم بأحكام الشريعة كلها، أو كان هناك جهل بالإسلام وبظروف العصر، أو بقي دعاة الحركة الإسلامية منقسمين ممزقين لاختلافات فرعية أو جانبية فإنه لن تنجح هذه الحركة.
وقد أثبتت أحداث الخمسين سنة الأخيرة فشل هذه الحركة لتخليها عن هذه الأصول الثلاثة، ولا يمكن للحركة الإسلامية أن تقاوم التحديات أو التيارات القوية ضدها إلا بتخطيط دقيق وترشيد سديد ووعي صحيح ودراسة متأنية لكل تحرك أو اتخاذ موقف إزاء مشكلة معينة.
والتحديات كثيرة خارجية وداخلية لأن عداوة الإسلام ومحاولة إبعاد تطبيق شريعته بين الناس لها أصداء على كل شيء من الداخل والخارج.
والتغلب على هذه التحديات يتطلب صبراً وسعة أفق وتعاوناً مع كل الجبهات التي تعمل لخير الإسلام والمسلمين، وإذا لم يتحقق التعاون بين المخلصين للإسلام فيصعب التوصل إلى تحقيق النجاح المطلوب.
إنه مع الأسف الشديد أصبح العمل الوحدوي الإسلامي صعب المنال، وصعب التطبيق، بسبب انكماش وانغلاق الجماعات الإسلامية في كل بلد على نفسها دون تنسيق مع غيرها.
ما هو موقفكم من الدعوة إلى الحوار بين الأديان، وهل ترون أن لهذا الحوار حدوداً يجب أن يقف عندها؟
لقد اشتركت في ألوان متعددة من الحوار السني الشيعي والإسلامي المسيحي ، سواء مع المنتمين للكنيسة الغربية أو الكاثوليكية في روما أم المنتمين للكنيسة الشرقية في مصر وإنطاكية وسائر بلاد المشرق الأرثوذكسي ، وكان الحوار مقصوراً على بعض الجوانب أو المواقف السياسية والدينية من الإلحاد والعلمانية أو الصهيونية في فلسطين، وقد اتفقنا مع المتحاورين على وحدة القضية المصلحية العربية أو الدينية ضد الإلحاد وضد تهويد المناطق العربية في فلسطين.
أما إن كان الهدف من الحوار الديني استغلال الجانب الإسلامي للاعتراف بصحة ما عليه غير المسلمين من عقائد وأوضاع فهذا عمل خائب أو فاشل يجب الحذر منه.
وإنني مع الحوار في الجانب المناوئ للإلحاد أو المهدد لمصالح أمتنا وحقوقها في فلسطين وغيرها من البلاد المعتدى عليها.
ولست مع الحوار الذي يعني صهر الأديان وتوحيدها في مفهوم عقدي واحد ينافي أصول الدين الإلهي الحق القائم على التوحيد الإلهي والعدل والمودة والمساواة وإحقاق الحق وإبطال الباطل.
هل من كلمة تتوجهون بها إلى شباب ودعاة المسلمين في العالم؟
كلمتي الخالصة لكل العاملين في الحقل الدعوي الإسلامي أن يتجنبوا الخلافات الجزئية مثل خلاف المذهبية واللامذهبية ... وأن يتجهوا للعمل صفاً واحداً في حقل الدعوة الإسلامية الكبرى في أصول الاعتقاد الأساسية وتبيان محاسن الإسلام ونزعته الإنسانية المترفعة عن أوضار المصالح المادية والعمل على إفهام الآخرين نزعة الإسلام السلمية الخيرة نحو شعوب الأرض قاطبة وتبيان الغايات الطيبة للإخاء الإسلامي والفرائض الإسلامية وتجنب المحظورات الإسلامية فالواجب إذاً العناية بالأصول وبإدخال الناس في الإسلام وإقناعهم به، وترك الخلاف في الفروع.
إن مما يحز في النفس أن يستعمل سلاح السنة والبدعة لتنفير الداخلين في الإسلام عنه وخاصة في بلاد الغرب وحتى في البلاد الإسلامية، أما في الغرب فالخسارة محققة حيث يخسر الجانبان ويغلق المركز الإسلامي كما حصل فعلاً في بعض البلاد الغربية، وأما في البلاد العربية فالخسارة أيضاً محققة حيث يقوم الشجار والنزاع ويتفرق المصلون من المسجد الواحد وقلوبهم متنافرة متحاسدة متباغضة لا يصلي أحدهم خلف الآخر، ولهذا فعلى الدعاة أن يعلنوا إخاءهم على أنهم صف واحد، وعليهم التزام القرآن وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة، وإن الداعية المخلص غير المشبوه هو الذي يجمع الناس على فهم كتاب الله وسنة نبيه ويحرص على رابطة الأخوة الإسلامية وحسن الظن والتقوى بالمسلمين دون تورط في التكفير وإساءة الظن بالآخرين.
المصدر: الشبكة الإسلامية
- تظهر بين فينة وأخرى في الساحة الإسلامية مشكلة تكفير بعض المسلمين لبعض آخر منهم، وقد أدى هذا إلى جدل عريض واتهامات متبادلة. وقد لوحظ في غمرة هذا الجدل غياب البحث في ضوابط التكفير من الوجهة الشرعية، فما هي ضوابط التكفير وأسبابه ، ومن الذي يملك الحق الشرعي في إطلاق صفة الكفر أو الردة على الناس؟
لا يصح بحال من الأحوال اتهام مسلم يشهد بالشهادتين بالكفر، مادام لا يستحل حراما، ولا يحرم حلالاً، ولا ينكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة (أي بالبداهة) مثل فريضة الصلاة والزكاة والصوم والحج، وتحريم الخمر والزنا والربا والسرقة وغيرها من أكل أموال الناس بالباطل. ولا يُحكم على مسلم بالردة أو الكفر إلا بالرجوع عن دين الإسلام إلى دائرة الكفر، سواء كانت الدائرة في نطاق الملل الأخرى غير السماوية مثل إنكار وجود الله تعالى أو نفي الإيمان بالرسالة أو النبوة والرسل، أو تكذيب رسول أو استباحة حرام بالإجماع كالزنا واللواط وشرب الخمر وبقية المسكرات والظلم ، أو تحريم حلال بالإجماع كالبيع والزواج ، أو نفي وجوب مُجمَع عليه كنفي ركعة من ركعات الصلوات الخمس المفروضة أو اعتقاد ما ليس بواجب بالإجماع كزيادة ركعة من الصلاة المفروضة أو وجوب صوم شيء من شهر غير رمضان أو عزم على الكفر غدًا أو بعده أو تردد فيه.
ولا يصح تكفير الدولة لأنها شخص معنوي ولا يحكم على حاكم بالكفر إلا بإعلان الكفر صراحة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم : " إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه حجة وبرهان " . أي كفراً صريحاً ظاهراً مكشوفاً.
ولا يحق لأحد إعلان تكفير مسلم إلا برؤيته الكفر الصراح منه ، أو بإعلان قاض عدل ثقة أمين في دينه وعلمه. لذا لا يقبل من أحد قوله: إن فلاناً كافر أو زنديق أو مرتد حتى يقوم الدليل الواضح على كفره. أما مجرد مخالفته غيره في الرأي الذي لا يصادم إجماع الأمة الصريح فلا يعد كفراً.
وإذا لم يظهر الكفر صراحة يترك الأمر إلى الله عز وجل عالم الغيب والشهادة والمطلع على ما في القلوب.
ومن المعلوم أن المرتد تجب استتابته ومحاكمته أمام حاكم أو قاض، ولا يصح اتهام أحد بالكفر إلا بعد محاكمته على قوله أو عبارات كتبه أو مؤلفاته منعًا من خسارة مسلم أو التورط في أمر متروك إدراك حقيقته إلى الله عز وجل.
- الديمقراطية ( حكم الشعب نفسه بنفسه ولنفسه ) إحدى المقولات الأشهر في العالم اليوم، وقد اختلفت آراء العلماء والمفكرين المسلمين حول موضوع الديمقراطية، فما هو موقفكم من الديمقراطية وهل من بديل لها؟
الديمقراطية التي تعني حكم الشعب بالشعب هو اصطلاح إغريقي قديم، ويلتقي نظام الإسلام السياسي مع مبدأ الديمقراطية في قيام الإسلام على مبدأ الشورى والعدل والمساواة بين الناس في الحقوق والواجبات ، وهذه مبادئ الديمقراطية الإسلامية، ويخالف الإسلام الديمقراطية في أن التشريع أو التقنين لا سلطان عليه لأحد إلا اتفاق ممثلي الشعب في المجالس النيابية، فإذا أصدر البرلمان قانوناً مخالفاً لنظام الشريعة ظهر التعارض بين الإسلام والديمقراطية، لكن أغلب ما يصدر عن البرلمانات الحالية قوانين تنظيمية أو إدارية كخطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية والتربوية، فمثلاً قانون التأمينات الاجتماعية للعمال والموظفين لا يتصادم مع الإسلام، وكذا قانون التقاعد وقانون الخدمة العسكرية وقانون تطوير الصناعة أو التجارة أو الزراعة ونحو ذلك مما لا يصادم الشريعة الإسلامية، فهذه القوانين جائزة وتظل هناك فروق ثلاثة بين الإسلام والديمقراطية وهي التي تجعلنا لا نقرها وهي:
1- إن الديمقراطية تقترن بفكرة القومية الضيقة أو العنصرية وتعتمد على نزعة التعصب أو العصبية، أما الإسلام فلا يقر الانغلاق القومي، والأمة بمفهومه تعتمد على رابطة العقيدة الإسلامية التي لا يحدها إقليم معين، أما إن كانت النزعة الضيقة في الدولة الإقليمية منفتحة متسامحة وهي مجرد خطة استراتيجية لتجميع القوى بدءاً بالأخ والجار مثلاً فلا مانع منها.
2- إن هدف الديمقراطية مادي دنيوي بحت يقصد منها إسعاد أمة أو شعب بعينه من الناحية الاقتصادية فقط، أما الإسلام فله هدف مزدوج روحي أخروي ودنيوي مادي فيلتقي عنصرا المادة والروح ومنها القيم الإنسانية والأخلاقية لإيجاد المواطن الصالح في الدنيا والآخرة.
3- إن سلطة الأمة في الأنظمة الديمقراطية مطلقة فهي صاحبة السيادة وما يتفق عليه ممثلوها يصبح قانوناً واجب النفاذ حتى لو صادم الدين أو الأخلاق أو عارض المصالح الإنسانية العامة، أما سلطة الأمة في الإسلام فمقصورة على تقرير الأنظمة التطبيقية في ظل النظام الإسلامي دون مخالفة لأي نظام منه، وهذا أخطر الفروق وهو الذي يجعلنا نقول: إن الديمقراطية بالمفهوم الغربي الحديث أو القديم لا تلتقي مع الإسلام.
يرى بعض المفكرين ضرورة تجديد الفكر الإسلامي.. هل توافقون على هذه الفكرة وما هو إطار التجديد الذي ترونه؟
إن بنية الفكر الإسلامي تقوم بصفة دائمة على الإصلاح الجذري والتقدم الشامل لكل شؤون الحياة السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهذه أصول ذات صفة دائمة لا تحتاج لتجديد أو تقويم أو تصحيح.
فإن كان الهدف من تجديد الفكر الإسلامي هو التحرر أو الانعتاق من الأصول الدينية والأخلاقية والإنسانية فهذا أمر مرفوض، وإن كان الهدف من تجديد الفكر التحرك في إطار شرع الله ودينه لإصلاح اعوجاج الأمة أو المجتمع أو الدولة أو من أجل تطبيق النظام الأصوب فهذا لا مانع منه شريطة أن يظل التجديد في إطار الأهداف التشريعية العامة فهذا التجديد من أجل التخلص من أمراض التخلف والتمزق والضياع والتشتت ومن أجل إثبات الذات والاعتماد على النفس والثقة بمقدراتنا هو ظاهرة صحية مقبولة. أما التجديد الذي يراد به الهدم والتخريب والخروج من مقاييس الدين أو الشريعة فهو منبوذ، لأنه وإن سمي تجديداً فهو تخريب كتجديد تركيا على يد أتاتورك بهدم الأصول الإسلامية وفرض العلمانية أو اللادينية ومعاداة كل ما هو إسلامي فهذا كفر وردة وخلل في الفكر فهو وإن سمي تجديداً فهو تخريب قطعاً.
من المسائل المهمة المطروحة أمام الحركة الإسلامية مسألة الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب هل ترون إمكانية فعلية لقيام هذه الوحدة وما هي التحديات التي تحول دونها؟
الحركة الإسلامية تتطلب ثلاثة أمور:
(1) الالتزام الواعي بمعطيات الإسلام.
(2) العلم الدقيق بمفاهيم الإسلام الصحيحة ومتطلبات العصر الحديث.
(3) وحدة الصف الإسلامي.
فإذا قامت الحركة الإسلامية على مجرد العاطفة الإسلامية أو المحبة وحدها دون العلم بأحكام الشريعة كلها، أو كان هناك جهل بالإسلام وبظروف العصر، أو بقي دعاة الحركة الإسلامية منقسمين ممزقين لاختلافات فرعية أو جانبية فإنه لن تنجح هذه الحركة.
وقد أثبتت أحداث الخمسين سنة الأخيرة فشل هذه الحركة لتخليها عن هذه الأصول الثلاثة، ولا يمكن للحركة الإسلامية أن تقاوم التحديات أو التيارات القوية ضدها إلا بتخطيط دقيق وترشيد سديد ووعي صحيح ودراسة متأنية لكل تحرك أو اتخاذ موقف إزاء مشكلة معينة.
والتحديات كثيرة خارجية وداخلية لأن عداوة الإسلام ومحاولة إبعاد تطبيق شريعته بين الناس لها أصداء على كل شيء من الداخل والخارج.
والتغلب على هذه التحديات يتطلب صبراً وسعة أفق وتعاوناً مع كل الجبهات التي تعمل لخير الإسلام والمسلمين، وإذا لم يتحقق التعاون بين المخلصين للإسلام فيصعب التوصل إلى تحقيق النجاح المطلوب.
إنه مع الأسف الشديد أصبح العمل الوحدوي الإسلامي صعب المنال، وصعب التطبيق، بسبب انكماش وانغلاق الجماعات الإسلامية في كل بلد على نفسها دون تنسيق مع غيرها.
ما هو موقفكم من الدعوة إلى الحوار بين الأديان، وهل ترون أن لهذا الحوار حدوداً يجب أن يقف عندها؟
لقد اشتركت في ألوان متعددة من الحوار السني الشيعي والإسلامي المسيحي ، سواء مع المنتمين للكنيسة الغربية أو الكاثوليكية في روما أم المنتمين للكنيسة الشرقية في مصر وإنطاكية وسائر بلاد المشرق الأرثوذكسي ، وكان الحوار مقصوراً على بعض الجوانب أو المواقف السياسية والدينية من الإلحاد والعلمانية أو الصهيونية في فلسطين، وقد اتفقنا مع المتحاورين على وحدة القضية المصلحية العربية أو الدينية ضد الإلحاد وضد تهويد المناطق العربية في فلسطين.
أما إن كان الهدف من الحوار الديني استغلال الجانب الإسلامي للاعتراف بصحة ما عليه غير المسلمين من عقائد وأوضاع فهذا عمل خائب أو فاشل يجب الحذر منه.
وإنني مع الحوار في الجانب المناوئ للإلحاد أو المهدد لمصالح أمتنا وحقوقها في فلسطين وغيرها من البلاد المعتدى عليها.
ولست مع الحوار الذي يعني صهر الأديان وتوحيدها في مفهوم عقدي واحد ينافي أصول الدين الإلهي الحق القائم على التوحيد الإلهي والعدل والمودة والمساواة وإحقاق الحق وإبطال الباطل.
هل من كلمة تتوجهون بها إلى شباب ودعاة المسلمين في العالم؟
كلمتي الخالصة لكل العاملين في الحقل الدعوي الإسلامي أن يتجنبوا الخلافات الجزئية مثل خلاف المذهبية واللامذهبية ... وأن يتجهوا للعمل صفاً واحداً في حقل الدعوة الإسلامية الكبرى في أصول الاعتقاد الأساسية وتبيان محاسن الإسلام ونزعته الإنسانية المترفعة عن أوضار المصالح المادية والعمل على إفهام الآخرين نزعة الإسلام السلمية الخيرة نحو شعوب الأرض قاطبة وتبيان الغايات الطيبة للإخاء الإسلامي والفرائض الإسلامية وتجنب المحظورات الإسلامية فالواجب إذاً العناية بالأصول وبإدخال الناس في الإسلام وإقناعهم به، وترك الخلاف في الفروع.
إن مما يحز في النفس أن يستعمل سلاح السنة والبدعة لتنفير الداخلين في الإسلام عنه وخاصة في بلاد الغرب وحتى في البلاد الإسلامية، أما في الغرب فالخسارة محققة حيث يخسر الجانبان ويغلق المركز الإسلامي كما حصل فعلاً في بعض البلاد الغربية، وأما في البلاد العربية فالخسارة أيضاً محققة حيث يقوم الشجار والنزاع ويتفرق المصلون من المسجد الواحد وقلوبهم متنافرة متحاسدة متباغضة لا يصلي أحدهم خلف الآخر، ولهذا فعلى الدعاة أن يعلنوا إخاءهم على أنهم صف واحد، وعليهم التزام القرآن وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة، وإن الداعية المخلص غير المشبوه هو الذي يجمع الناس على فهم كتاب الله وسنة نبيه ويحرص على رابطة الأخوة الإسلامية وحسن الظن والتقوى بالمسلمين دون تورط في التكفير وإساءة الظن بالآخرين.
المصدر: الشبكة الإسلامية
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
مواضيع مماثلة
» حوار الدكتور يوسف القرضاوي مع برنامج الشريعه والحياه حول اختلاف الفقهاء في الإسلام
» د. مراد وهبة بين التقدمية والرجعية
» حمل كتاب " مراد وهبة كاهن أم فيلسوف؟"
» الخوارج الجدد التكفير والهجره
» التكفير والهوية والمواطنة/ محمد بن جماعة
» د. مراد وهبة بين التقدمية والرجعية
» حمل كتاب " مراد وهبة كاهن أم فيلسوف؟"
» الخوارج الجدد التكفير والهجره
» التكفير والهوية والمواطنة/ محمد بن جماعة
شبكة واحة العلوم الثقافية :: الساحات العلمية والثقافية والحوارية :: ساحة الحوار الموضوعي بين الأديان
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى