الوجود الإسلامي في الأمريكتين قبل كريستوف كولومبوس. للدكتور علي الكتاني
صفحة 1 من اصل 1
الوجود الإسلامي في الأمريكتين قبل كريستوف كولومبوس. للدكتور علي الكتاني
الوجود الإسلامي في الأمريكتين قبل كريستوف كولومب
للدكتور علي الكتاني
هذه محاضرة قيمة جدا، ألقاها الأستاذ الدكتور علي بن المنتصر الكتاني، في جمعية الشرفاء الكتانيين بالرباط سنة 1421-2000، حول الوجود الإسلامي في القارتين الأميركيتين قبل كريستوف كولومب بمئات السنين، وفضح كذبة ادعاء الأوروبيين اكتشافها. فرغتها من شريط صوتي، والآن أنزلها ليستفيد منها الجميع، مع تعليقات الدكاترة الحضور، والتي بها إثراء كبير للموضوع.
وقبل البداية في المحاضرة أنقل ترجمة لصاحب المحاضرة - والدنا رحمه الله تعالى - عن كتابي "منطق الأواني"، مع بعض الزيادات اقتضاها المقام:
علي بن المنتصر الكتاني
ومنهم: والدنا محمد علي بن محمد المنتصر بالله بن محمد الزمزمي بن محمد بن جعفر بن إدريس بن الطائع بن إدريس بن محمد الزمزمي بن محمد الفضيل بن العربي بن محمد بن علي الجامع: العلامة التقني المؤرخ، مقعد علم الطاقة الشمسية، ورائد علم الأقليات الإسلامية في العالم، الإمام المصلح المجدد، الموسوعة المتنقلة والأمة في رجل.
ولد في مدينة فاس بالمغرب بتاريخ فجر يوم السبت 6 رمضان عام 1360 الموافق27 /9/1941، تربى التربية الدينية على والده وفي الكتاب، ونال شهادتي البكالوريا بكلا اللغتين العربية والفرنسية من مدارس دمشق عام1379، وتحصل على دبلوم الهندسة الكهربائية من معهد البولي تكنيك بجامعة لوزان – سويسرا أوائل عام1383، ثم تابع دراسته في لوزان في الطاقة النووية لمدة ستة شهور، ودرّس فترة في المدرسة المحمدية للمهندسين بالرباط – المغرب، وتحصل على شهادة الدكتوراه متخصصا في الطاقة من جامعة كارنيجي بمدينة بيتسبرغ – ولاية بنسلفانيا – الولايات المتحدة الأميركية عام 1385/ 1976 وهو لما يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره، في موضوع: الذبذبات في مادة البلازما.
ثم التحق مدرسا في عدة جامعات أمريكية وعربية؛ كجامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية، ومعهد ماساشيوستس للتكنولوجيا M.I.T، بالولايات المتحدة الأميركية، وجامعة الملك عبد العزيز بالرياض، وجامعة الملك فهد للعلوم والتقنية بالظهران والتي كان أحد مؤسسيها، كلاهما بالمملكة العربية السعودية، وتحصل على رتبة أستاذ ذي كرسي عام 1972 وهو لما يتجاوز 31 عاما.
وكذلك عمل أستاذا زائرا في مختلف جامعات العالم في مجال الطاقة والعلوم والتكنولوجيا، وكان له الفضل في تأسيس علم هندسة البلازما Plasma Engineering وألف في مجاله عدة كتب؛ خاصة كتابه بنفس الاسم والذي يعد مرجعا علميا ودراسيا في مختلف جامعات أميركا و أوروبا، وألف كتاب: التحويل المباشر للطاقة Direct Energy Conversion والذي بدوره يدرس في عدة جامعات عالمية بأمريكا وأوروبا.
واستطاع بفضل هذين الكتابين وعشرات الدراسات العلمية الأكاديمية أن يؤسس لعلم الطاقة الشمسية، ويفلسف لعلم الطاقات المتجددة؛ من طاقة مياه وطاقة رياح، ليصبح والد هذا المجال عالميا، وتصبح دراساته اتجاها علميا رائدا في مختلف معاهد العالم بخصوص الطاقات المتجددة؛ خاصة الطاقة الشمسية، وتعتمد في مختلف مجالات البحث العلمي، حيث مقصده منها: إيجاد بديل للطاقات الملوثة للبيئة مثل البترول والغاز الطبيعي.
وأنجز في هذا المجال عدة إنجازات هامة؛ منها مؤتمر الطاقة الشمسية المنعقد في الظهران عام 1975 – 1395 والذي يعتبر أكبر مؤتمر للطاقة الشمسية يقام في العالم الثالث، حضره أكثر من 300 عالم وباحث عالميين، قدموا مئات البحوث الهامة في مجال الطاقة الشمسية، وعين الدكتور علي الكتاني رئيسا لهذا المؤتمر، والذي ألف حوله كتاب: الطاقة الشمسية والتطورHeliotechnique and Development باللغة الإنجليزية، بالاشتراك مع الدكتور جوزيف سوسو، في مجلدين ضخمين، 1800 صفحة.
ومن إنجازاته العلمية: مشروع دوحة سلوى؛ الذي يؤمن الطاقة الكهربائية لجميع دول الخليج العربي بتكلفة زهيدة جدا، مستغلة بذلك طاقة الرياح والشمس والماء، وألف في موضوعه بحثا هاما قدمه يدا بيد للملك السعودي الراحل فيصل بن عبد العزيز آل سعود. وعلى ضوئه تم بناء الجسر الشهير بين المملكة العربية السعودية والبحرين.
كما شغل الدكتور الكتاني عضوا ورئيسا لعدة المنظمات العلمية العالمية، منها تعاونية البحر الأبيض المتوسط للطاقة الشمسية؛ التي كان نائبا لرئيسها، واتحاد مراكز الأبحاث العالمي الذي كان عضوا به. كما أنجز بحثا مطولا حول الطاقة في العالم العربي بطلب من منظمة الأوبك. طبع في الكويت، وهيأ دراسة حول الطاقة في الدول النامية هو وتسعة يعدون أكبر علماء الطاقة في العالم بطلب من هيئة الأمم المتحدة، طبعت ضمن منشورات المنظمة المذكورة.
أما بخصوص التكنولوجيا على مستوى العالم الإسلامي؛ فقد قام بالتنسيق بين مختلف دول العالم الإسلامي بخصوص العلوم والتكنولوجيا والتنمية من خلال وظيفته مديرا عاما للمؤسسة الإسلامية للعلوم والتكنولوجيا والتنمية التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، والني مقرها بجدة بالمملكة العربية السعودية في الفترة بين عامي 1401 – 1408 (1981 – 1987 )، وعمل على تأسيس عدة جامعات ومعاهد علمية في العالم الإسلامي، وبعث عشرات المنح الدراسية للدول المتطورة صناعيا من أجل النهوض بالمستوى العلمي للمجتمع الإسلامي.
وأنجز عدة أبحاث علمية فاعلة؛ منها: دليل الجامعات الإسلامية، بالإنجليزي، ودليل الأكاديميات والمعاهد العلمية بالعالم الإسلامي، بالإنجليزي، كلاهما طبع في حوالي 500 صفحة، كما قام في هذا المضمار بالمشاركة والإعداد لعشرات المؤتمرات على المستوى الإسلامي، خاصة: مؤتمر التكنولوجيا في العالم الإسلامي المنعقد بعمان عام 1405 – 1985، وصدرت من خلال ذلك عدة أبحاث هامة في مجال العلوم والتقنية والتنمية، على المستوى الإسلامي.
وتعرف من خلال ذلك على مجموعة من قادة وزعماء الدول الإسلامية؛ خاصة الرئيسين المجاهدين الشهيدين ضياء الحق رئيس باكستان، وطرغد أوزال رئيس تركيا، ورئيس وزراء سرواك داتو باتنجي، ورئيس وزراء ماليزيا محاضر، وسمو الأمير الحسن بن طلال ولي عهد الأردن سابقا... وغيرهم من زعماء المنظمات الدولية والإسلامية الذين وجد في التعامل معهم دفعا لمشروعه الإسلامي الرائد على مستوى التكنولوجيا والتنمية، والدعوة الإسلامية بين الأقليات المسلمة في العالم.
ونتج عن جهوده في المؤسسة الإسلامية للعلوم والتكنولوجيا والتنمية؛ تأسيسه للأكاديمية الإسلامية للعلوم والتي مقرها بعمان – الأردن، وذلك عام 1407 – 1987، والتي تضم كبار علماء المسلمين في مستوى العلوم والتكنولوجيا، والتي تولى منصب أمينها العام ونائب رئيسها، وهي تقوم بإعداد مؤتمرات دورية تخـص العلوم والتقنية في العالم الإسلامي، ومن أهم الدراسات التي أصدرتها الأكاديمية بإشراف وإنجاز الدكتور الكتاني: الصحة والتغذية والتنمية في العالم الإسلامي. باللغة الإنجليزية.
كما عمل من خلال عضويته في منظمة العواصم والمدن الإسلامية - والتي مقرها بجدة بالمملكة العربية السعودية - على ضم دولتين من دول أميركا اللاتينية لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وهما: غوييانا وترنداد، وذلك من خلال نشاطاته المتواصلة في مجال الدعوة إلى الله تعالى في تلك القارة، وما كان له من علاقة وطيدة بعدة دول بها على المستويين الشعبي والقيادي، كما عمل على إدخال مدن غير إسلامية ولكن لها تاريخ إسلامي عريق في منظمة المدن والعواصم الإسلامية التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
أما على مستوى الأقليات الإسلامية؛ فقد عمل الدكتور الكتاني على تجديد الدعوة الإسلامية في العالم غير الإسلامي، حيث ابتدأ اعتناؤه بها منذ دخوله الجامعة بلوزان ثم الولايات المتحدة، وبها أسس عدة مراكز إسلامية، ثم عند مقامه بالمملكة العربية السعودية قام بإعطاء النصائح لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة لكي تقوم بمسح عام للأقليات الإسلامية بالعالم يتبعه مساندة علمية مدروسة لهذه الأقليات، وكان أول ما صنفه كتاب: المسلمون في المعسكر الشيوعي.
ثم قام عام 1393 – 1973 بجرد عام للمسلمين في أوروبا وأمريكا باسم رابطة العالم الإسلامي، وفلسف لعلم الأقليات الإسلامية في عدة من كتبه؛ أهمها: المسلمون في أوروبا وأمريكا في مجلدين، والأقليات الإسلامية في العالم اليوم. باللغة الإنجليزيةMuslim Minorities in The World Today وآخر مختصر باللغة العربية، وكلا الكتابين يعتبر أهم مرجع في بابهما لا يستغني عنهما باحث في الأقليات الإسلامية، بل الكتاب الثاني يدرس في عدة جامعات ومعاهد إسلامية عالمية؛كالجامعة الإسلامية بباكستان، والمراكز الإسلامية في أمريكا وأستراليا.كما أنجز بالتعاون مع الأستاذ أحمد مختار امبو: موسوعة الأقليات الإسلامية في العالم في عدة مجلدات. باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، علاوة على عشرات الأبحاث والمؤلفات التي ألفها في هذا المجال.
إضافة إلى عشرات بل مئات الجمعيات والمراكز الإسلامية التي أسسها في مختلف دول القارات الخمس، وكان له الفضل في إدخال الإسلام إلى عدة مناطق في العالم فقد منها أو لم يوجد قط، خاصة في نيوزلندا وكاليدونيا الجديدة، الذين يعتبر أول من أوجد الإسلام بهما، كذا عشرات المؤتمرات التي أسسها أو شارك فيها بخصوص الأقليات الإسلامية في العالم، والدروس التي ألقاها في مختلف الجامعات والمراكز الإسلامية العالمية التي كانت تستدعيه لإلقاء دروس تنظيمية وتفقيهية في مجال الدعوة الإسلامية في العالم غير الإسلامي، حتى تخرج على يديه مئات الدعاة من مختلف دول العالم، كما نظم جميع الجمعيات الإسلامية في أستراليا تحت اسم: إتحاد الجمعيات الإسلامية في أستراليا. والذي يضم الآن أكثر من 800 ألف مسلم. ليكون عدد من أسلم على يديه أو تنظم من مسلمي العالم أكثر من مليوني مسلم.
وإذا ذكر الإسلام في الأندلس(إسبانيا) – فلا يمكن أن يغفل عنه الدكتور علي الكتاني، الذي كان أحد أول من أدخل الإسلام إلى تلك الربوع المسلوبة، وقد ابتدأ نشاطه الإسلامي بها منذ عام 1393 – 1973، وتكثف منذ عام 1400 – 1980، حيث عمل على استرجاع مسجد القاضي أبي عثمان الشهير بقرطبة، ثم أسس عدة مراكز إسلامية بقرطبة ومالقة وغيرهما، ثم أسس الجماعة الإسلامية بالأندلس، وقام عن طريقها بإنشاء عدة فروع للجماعة بمختلف المدن الكبرى لمنطقة الأندلس بإسبانيا، ودخل الإسبان على يديه للإسلام أفواجا.
وأقام عدة مؤتمرات إسلامية؛ منها: أعوام 1404، 1405، 1406، وعمل على ربط أندلسيي المهجر المسلمين بأندلسيي الداخل، وإرسال عدة بعثات من مسلمي الأندلس إلى مختلف الجامعات الإسلامية لتعلم اللغة العربية والفقه الإسلامي.
كما فلسف للقومية الأندلسية الإسلامية الحديثة في عدة مؤلفات ومحاضرات ومقالات، خاصة كتابيه: إنبعاث الإسلام في الأندلس. في 560 صفحة، طبعة الجامعة الإسلامية بباكستان، والصحوة الإسلامية في الأندلس اليوم: جذورها ومسارها. طبع ضمن منشورات كتاب الأمة بقطر.
ثم - وطبقا لنظريته في توطين الإسلام في الأراضي المتواجد بها – أسس أول جامعة إسلامية بأوروبا الغربية منذ سقوط غرناطة؛ وهي: جامعة ابن رشد الإسلامية بقرطبة. وعين رئيسا لها، لتفتح الباب لعدة جامعات إسلامية شارك في تأسيسها في أوروبا الغربية، سواء بفرنسا أو هولندا أو بلجيكا، حتى تأسست كنفدرالية اتحاد الجامعات الإسلامية بأوروبا، ليكون مجددا ورائدا في هذا المجال.
وعمل من خلال هذه الجامعة التي بذل فيها ماله وعمره وجهده إلى أن توفي بها شهيدا – رحمه الله تعالى – على نشر الوعي الإسلامي بين الإسبان، وإحياء لغة الألخاميادو ( الأعجمية ) – وهي: اللغة اللاتينية المحلية المكتوبة بالحروف العربية، حيث أول حروف كتبت بها اللهجات اللاتينية غير الفصحى كانت الحروف العربية – ومعلوم ما في إحياء مثل هذه الثقافة من معنى، خاصة في دول ترمي إلى العودة إلى ثقافتها الأصيلة، والتميز عن الدول المجاورة لها.
كان الدكتور الكتاني واسع الثقافة، لا تتحدث في فن إلا ويدلو بدلوه فيه، يتقن اللغات: العربية والإنجليزية والفرنسية والإسبانية، تأليفا ومحاضرة وخطابة ومطالعة، وله معرفة وإلمام بخمس لغات أخر؛ هي: الأمازيغية، والألمانية، والبرتغالية، والإيطالية، والسويدية. لا يكاد يترك المطالعة والكتابة، قوي الهمة شديد الغيرة على الإسلام وقضاياه. وكان فاعلا منجزا، له قدرة هائلة على الابتكار وصنع النظريات، مع الهمة العالية في تطبيق وشرح وتوضيح أفكاره ونظرياته.
أقام عدة مؤتمرات وشارك في عشرات الندوات بخصوص أوضاع المسلمين في مختلف دول العالم، وكان له دور رائد في التوعية الدينية ببلاده المغرب، وكذلك المشاركة في الجمعيات الخيرية، بل أسس: مؤسسة الإغاثة الإسلامية في المغرب، بالتعاون مع هيأة الإغاثة الإسلامية في جدة – المملكة العربية السعودية، والتي عملت على كفالة عشرات الأيتام والأرامل بالمغرب، كما كان عضوا في مؤسسة آل البيت ومنتدى الفكر العربي بعمان – الأردن، بل كان عضوا في الأمانة العامة لهذا الأخير. وأسس عدة جمعيات تعاونية وثقافية؛ منها: جمعية الشرفاء الكتانيين للثقافة والتعاون. وبالرغم من كل هذه المجهودات وهذا النفوذ؛ كان غاية في التواضع وهضم النفس.
ترك ما يزيد عن مائتي مؤلف وتحقيق؛ منها سوى ما ذكرنا: الشجرة الكتانية ( في النسب الكتاني ) في مجلد ضخم. خ، موسوعة التراجم الكتانية. خ، الشرفاء الكتانيون في الماضي والحاضر. ط، مجموعة كبرى من الأبحاث في خصوص علم الطاقة باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية، موسوعة المقالات المكتوبة حول الإسلام بالأندلس منذ عام: 1980 – 2000. خ، العلامة المجاهد محمد إبراهيم بن أحمد الكتاني – حياة علم وجهاد. ط، جمع وتحقيق وتذييل كتاب جده الإمام محمد الزمزمي الكتاني: عقد الزمرد والزبرجد في سيرة الابن والوالد والجد (حياتي) 3 مجلدات، والذي هوتاريخ للشرق الأوسط في القرن الرابع عشر الهجري. خ، تحقيق رحلة ابن بطوطة في مجلــدين. ط، تحـــقيق كتاب نظم الدر واللآل في شرفاء عقبة ابن صوال ( الكتانيين) للعلامة الطالب ابن الحاج. ط، جمع وتحقيق ديوان العلامة عبد الرحمن بن جعفر الكتاني. خ، موسوعة الشعر الأندلسي المضمن للكلمات العامية. جزأين. خ، المنتقى من الشعر الكتاني جزأين. خ، مجموعة كبرى من الأبحاث بخصوص الأقليات الإسلامية في العالم. مجموعة من الأبحاث الفكرية والدعوية... وغير ذلك كثير.
كما أجيز في الرواية من طرف العديد من العلماء؛ كجده العلامة السيد محمد الزمزمي الكتاني رحمه الله، والشيخ محمد عبد الرشيد النعماني رحمه الله تعالى، وغيرهما. واستجازه جمع من أهل العلم وطلبته. أذكر منهم: أبناءه الحسن والحسين وحمزة، والشيخ الشريف حاتم العوني، والأخ محمد رجب مسامبا، وغيرهم.
كما تلقى عدة جائزات تقديرية علمية وفكرية من مختلف الجامعات والمعاهد والمنظمات الإسلامية والعالمية، واختير ضمن تراجم كتاب العباقرة في القرن العشرين الميلادي: The International Who’s Who of Intellectuals، أحد بضع وثلاثين عالما فقط، واختاره مركز التراجم الأمريكي الذي يعنى بتراجم نبغاء الألفية الميلادية الثانية: American Biographical Institute.
توفي رحمه الله تعالى بقرطبة – إسبانبا، فجأة وفي ظروف غامضة وهو مستعد للرجوع لبلاده المغرب، سحر ليلة الثلاثاء 15 محرم الحرام عام 1422 الموافق 10 أبريل عام 2001، بعد تهديدات بالقتل كان تلقاها من اليمين المتطرف النصراني، من أجل نشاطه الإسلامي الكبير في إسبانيا وأوروبا، ونقل جثمانه من الغد للرباط – المغرب، حيث شيع جثمانه في جنازة مهيبة ظهر يوم الخميس الموالي، ليدفن في مقبرة الشهداء. رحمه الله وجعل نزله الفردوس الأعلى بمنه وكرمه.
المصدر
ملتقى أهل الحديث
"نفيس جدا": الوجود الإسلامي في الأمريكتين قبل كريستوف كولومب. للدكتور علي الكتاني - ملتقى أهل الحديث
للدكتور علي الكتاني
هذه محاضرة قيمة جدا، ألقاها الأستاذ الدكتور علي بن المنتصر الكتاني، في جمعية الشرفاء الكتانيين بالرباط سنة 1421-2000، حول الوجود الإسلامي في القارتين الأميركيتين قبل كريستوف كولومب بمئات السنين، وفضح كذبة ادعاء الأوروبيين اكتشافها. فرغتها من شريط صوتي، والآن أنزلها ليستفيد منها الجميع، مع تعليقات الدكاترة الحضور، والتي بها إثراء كبير للموضوع.
وقبل البداية في المحاضرة أنقل ترجمة لصاحب المحاضرة - والدنا رحمه الله تعالى - عن كتابي "منطق الأواني"، مع بعض الزيادات اقتضاها المقام:
علي بن المنتصر الكتاني
ومنهم: والدنا محمد علي بن محمد المنتصر بالله بن محمد الزمزمي بن محمد بن جعفر بن إدريس بن الطائع بن إدريس بن محمد الزمزمي بن محمد الفضيل بن العربي بن محمد بن علي الجامع: العلامة التقني المؤرخ، مقعد علم الطاقة الشمسية، ورائد علم الأقليات الإسلامية في العالم، الإمام المصلح المجدد، الموسوعة المتنقلة والأمة في رجل.
ولد في مدينة فاس بالمغرب بتاريخ فجر يوم السبت 6 رمضان عام 1360 الموافق27 /9/1941، تربى التربية الدينية على والده وفي الكتاب، ونال شهادتي البكالوريا بكلا اللغتين العربية والفرنسية من مدارس دمشق عام1379، وتحصل على دبلوم الهندسة الكهربائية من معهد البولي تكنيك بجامعة لوزان – سويسرا أوائل عام1383، ثم تابع دراسته في لوزان في الطاقة النووية لمدة ستة شهور، ودرّس فترة في المدرسة المحمدية للمهندسين بالرباط – المغرب، وتحصل على شهادة الدكتوراه متخصصا في الطاقة من جامعة كارنيجي بمدينة بيتسبرغ – ولاية بنسلفانيا – الولايات المتحدة الأميركية عام 1385/ 1976 وهو لما يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره، في موضوع: الذبذبات في مادة البلازما.
ثم التحق مدرسا في عدة جامعات أمريكية وعربية؛ كجامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية، ومعهد ماساشيوستس للتكنولوجيا M.I.T، بالولايات المتحدة الأميركية، وجامعة الملك عبد العزيز بالرياض، وجامعة الملك فهد للعلوم والتقنية بالظهران والتي كان أحد مؤسسيها، كلاهما بالمملكة العربية السعودية، وتحصل على رتبة أستاذ ذي كرسي عام 1972 وهو لما يتجاوز 31 عاما.
وكذلك عمل أستاذا زائرا في مختلف جامعات العالم في مجال الطاقة والعلوم والتكنولوجيا، وكان له الفضل في تأسيس علم هندسة البلازما Plasma Engineering وألف في مجاله عدة كتب؛ خاصة كتابه بنفس الاسم والذي يعد مرجعا علميا ودراسيا في مختلف جامعات أميركا و أوروبا، وألف كتاب: التحويل المباشر للطاقة Direct Energy Conversion والذي بدوره يدرس في عدة جامعات عالمية بأمريكا وأوروبا.
واستطاع بفضل هذين الكتابين وعشرات الدراسات العلمية الأكاديمية أن يؤسس لعلم الطاقة الشمسية، ويفلسف لعلم الطاقات المتجددة؛ من طاقة مياه وطاقة رياح، ليصبح والد هذا المجال عالميا، وتصبح دراساته اتجاها علميا رائدا في مختلف معاهد العالم بخصوص الطاقات المتجددة؛ خاصة الطاقة الشمسية، وتعتمد في مختلف مجالات البحث العلمي، حيث مقصده منها: إيجاد بديل للطاقات الملوثة للبيئة مثل البترول والغاز الطبيعي.
وأنجز في هذا المجال عدة إنجازات هامة؛ منها مؤتمر الطاقة الشمسية المنعقد في الظهران عام 1975 – 1395 والذي يعتبر أكبر مؤتمر للطاقة الشمسية يقام في العالم الثالث، حضره أكثر من 300 عالم وباحث عالميين، قدموا مئات البحوث الهامة في مجال الطاقة الشمسية، وعين الدكتور علي الكتاني رئيسا لهذا المؤتمر، والذي ألف حوله كتاب: الطاقة الشمسية والتطورHeliotechnique and Development باللغة الإنجليزية، بالاشتراك مع الدكتور جوزيف سوسو، في مجلدين ضخمين، 1800 صفحة.
ومن إنجازاته العلمية: مشروع دوحة سلوى؛ الذي يؤمن الطاقة الكهربائية لجميع دول الخليج العربي بتكلفة زهيدة جدا، مستغلة بذلك طاقة الرياح والشمس والماء، وألف في موضوعه بحثا هاما قدمه يدا بيد للملك السعودي الراحل فيصل بن عبد العزيز آل سعود. وعلى ضوئه تم بناء الجسر الشهير بين المملكة العربية السعودية والبحرين.
كما شغل الدكتور الكتاني عضوا ورئيسا لعدة المنظمات العلمية العالمية، منها تعاونية البحر الأبيض المتوسط للطاقة الشمسية؛ التي كان نائبا لرئيسها، واتحاد مراكز الأبحاث العالمي الذي كان عضوا به. كما أنجز بحثا مطولا حول الطاقة في العالم العربي بطلب من منظمة الأوبك. طبع في الكويت، وهيأ دراسة حول الطاقة في الدول النامية هو وتسعة يعدون أكبر علماء الطاقة في العالم بطلب من هيئة الأمم المتحدة، طبعت ضمن منشورات المنظمة المذكورة.
أما بخصوص التكنولوجيا على مستوى العالم الإسلامي؛ فقد قام بالتنسيق بين مختلف دول العالم الإسلامي بخصوص العلوم والتكنولوجيا والتنمية من خلال وظيفته مديرا عاما للمؤسسة الإسلامية للعلوم والتكنولوجيا والتنمية التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، والني مقرها بجدة بالمملكة العربية السعودية في الفترة بين عامي 1401 – 1408 (1981 – 1987 )، وعمل على تأسيس عدة جامعات ومعاهد علمية في العالم الإسلامي، وبعث عشرات المنح الدراسية للدول المتطورة صناعيا من أجل النهوض بالمستوى العلمي للمجتمع الإسلامي.
وأنجز عدة أبحاث علمية فاعلة؛ منها: دليل الجامعات الإسلامية، بالإنجليزي، ودليل الأكاديميات والمعاهد العلمية بالعالم الإسلامي، بالإنجليزي، كلاهما طبع في حوالي 500 صفحة، كما قام في هذا المضمار بالمشاركة والإعداد لعشرات المؤتمرات على المستوى الإسلامي، خاصة: مؤتمر التكنولوجيا في العالم الإسلامي المنعقد بعمان عام 1405 – 1985، وصدرت من خلال ذلك عدة أبحاث هامة في مجال العلوم والتقنية والتنمية، على المستوى الإسلامي.
وتعرف من خلال ذلك على مجموعة من قادة وزعماء الدول الإسلامية؛ خاصة الرئيسين المجاهدين الشهيدين ضياء الحق رئيس باكستان، وطرغد أوزال رئيس تركيا، ورئيس وزراء سرواك داتو باتنجي، ورئيس وزراء ماليزيا محاضر، وسمو الأمير الحسن بن طلال ولي عهد الأردن سابقا... وغيرهم من زعماء المنظمات الدولية والإسلامية الذين وجد في التعامل معهم دفعا لمشروعه الإسلامي الرائد على مستوى التكنولوجيا والتنمية، والدعوة الإسلامية بين الأقليات المسلمة في العالم.
ونتج عن جهوده في المؤسسة الإسلامية للعلوم والتكنولوجيا والتنمية؛ تأسيسه للأكاديمية الإسلامية للعلوم والتي مقرها بعمان – الأردن، وذلك عام 1407 – 1987، والتي تضم كبار علماء المسلمين في مستوى العلوم والتكنولوجيا، والتي تولى منصب أمينها العام ونائب رئيسها، وهي تقوم بإعداد مؤتمرات دورية تخـص العلوم والتقنية في العالم الإسلامي، ومن أهم الدراسات التي أصدرتها الأكاديمية بإشراف وإنجاز الدكتور الكتاني: الصحة والتغذية والتنمية في العالم الإسلامي. باللغة الإنجليزية.
كما عمل من خلال عضويته في منظمة العواصم والمدن الإسلامية - والتي مقرها بجدة بالمملكة العربية السعودية - على ضم دولتين من دول أميركا اللاتينية لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وهما: غوييانا وترنداد، وذلك من خلال نشاطاته المتواصلة في مجال الدعوة إلى الله تعالى في تلك القارة، وما كان له من علاقة وطيدة بعدة دول بها على المستويين الشعبي والقيادي، كما عمل على إدخال مدن غير إسلامية ولكن لها تاريخ إسلامي عريق في منظمة المدن والعواصم الإسلامية التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
أما على مستوى الأقليات الإسلامية؛ فقد عمل الدكتور الكتاني على تجديد الدعوة الإسلامية في العالم غير الإسلامي، حيث ابتدأ اعتناؤه بها منذ دخوله الجامعة بلوزان ثم الولايات المتحدة، وبها أسس عدة مراكز إسلامية، ثم عند مقامه بالمملكة العربية السعودية قام بإعطاء النصائح لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة لكي تقوم بمسح عام للأقليات الإسلامية بالعالم يتبعه مساندة علمية مدروسة لهذه الأقليات، وكان أول ما صنفه كتاب: المسلمون في المعسكر الشيوعي.
ثم قام عام 1393 – 1973 بجرد عام للمسلمين في أوروبا وأمريكا باسم رابطة العالم الإسلامي، وفلسف لعلم الأقليات الإسلامية في عدة من كتبه؛ أهمها: المسلمون في أوروبا وأمريكا في مجلدين، والأقليات الإسلامية في العالم اليوم. باللغة الإنجليزيةMuslim Minorities in The World Today وآخر مختصر باللغة العربية، وكلا الكتابين يعتبر أهم مرجع في بابهما لا يستغني عنهما باحث في الأقليات الإسلامية، بل الكتاب الثاني يدرس في عدة جامعات ومعاهد إسلامية عالمية؛كالجامعة الإسلامية بباكستان، والمراكز الإسلامية في أمريكا وأستراليا.كما أنجز بالتعاون مع الأستاذ أحمد مختار امبو: موسوعة الأقليات الإسلامية في العالم في عدة مجلدات. باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، علاوة على عشرات الأبحاث والمؤلفات التي ألفها في هذا المجال.
إضافة إلى عشرات بل مئات الجمعيات والمراكز الإسلامية التي أسسها في مختلف دول القارات الخمس، وكان له الفضل في إدخال الإسلام إلى عدة مناطق في العالم فقد منها أو لم يوجد قط، خاصة في نيوزلندا وكاليدونيا الجديدة، الذين يعتبر أول من أوجد الإسلام بهما، كذا عشرات المؤتمرات التي أسسها أو شارك فيها بخصوص الأقليات الإسلامية في العالم، والدروس التي ألقاها في مختلف الجامعات والمراكز الإسلامية العالمية التي كانت تستدعيه لإلقاء دروس تنظيمية وتفقيهية في مجال الدعوة الإسلامية في العالم غير الإسلامي، حتى تخرج على يديه مئات الدعاة من مختلف دول العالم، كما نظم جميع الجمعيات الإسلامية في أستراليا تحت اسم: إتحاد الجمعيات الإسلامية في أستراليا. والذي يضم الآن أكثر من 800 ألف مسلم. ليكون عدد من أسلم على يديه أو تنظم من مسلمي العالم أكثر من مليوني مسلم.
وإذا ذكر الإسلام في الأندلس(إسبانيا) – فلا يمكن أن يغفل عنه الدكتور علي الكتاني، الذي كان أحد أول من أدخل الإسلام إلى تلك الربوع المسلوبة، وقد ابتدأ نشاطه الإسلامي بها منذ عام 1393 – 1973، وتكثف منذ عام 1400 – 1980، حيث عمل على استرجاع مسجد القاضي أبي عثمان الشهير بقرطبة، ثم أسس عدة مراكز إسلامية بقرطبة ومالقة وغيرهما، ثم أسس الجماعة الإسلامية بالأندلس، وقام عن طريقها بإنشاء عدة فروع للجماعة بمختلف المدن الكبرى لمنطقة الأندلس بإسبانيا، ودخل الإسبان على يديه للإسلام أفواجا.
وأقام عدة مؤتمرات إسلامية؛ منها: أعوام 1404، 1405، 1406، وعمل على ربط أندلسيي المهجر المسلمين بأندلسيي الداخل، وإرسال عدة بعثات من مسلمي الأندلس إلى مختلف الجامعات الإسلامية لتعلم اللغة العربية والفقه الإسلامي.
كما فلسف للقومية الأندلسية الإسلامية الحديثة في عدة مؤلفات ومحاضرات ومقالات، خاصة كتابيه: إنبعاث الإسلام في الأندلس. في 560 صفحة، طبعة الجامعة الإسلامية بباكستان، والصحوة الإسلامية في الأندلس اليوم: جذورها ومسارها. طبع ضمن منشورات كتاب الأمة بقطر.
ثم - وطبقا لنظريته في توطين الإسلام في الأراضي المتواجد بها – أسس أول جامعة إسلامية بأوروبا الغربية منذ سقوط غرناطة؛ وهي: جامعة ابن رشد الإسلامية بقرطبة. وعين رئيسا لها، لتفتح الباب لعدة جامعات إسلامية شارك في تأسيسها في أوروبا الغربية، سواء بفرنسا أو هولندا أو بلجيكا، حتى تأسست كنفدرالية اتحاد الجامعات الإسلامية بأوروبا، ليكون مجددا ورائدا في هذا المجال.
وعمل من خلال هذه الجامعة التي بذل فيها ماله وعمره وجهده إلى أن توفي بها شهيدا – رحمه الله تعالى – على نشر الوعي الإسلامي بين الإسبان، وإحياء لغة الألخاميادو ( الأعجمية ) – وهي: اللغة اللاتينية المحلية المكتوبة بالحروف العربية، حيث أول حروف كتبت بها اللهجات اللاتينية غير الفصحى كانت الحروف العربية – ومعلوم ما في إحياء مثل هذه الثقافة من معنى، خاصة في دول ترمي إلى العودة إلى ثقافتها الأصيلة، والتميز عن الدول المجاورة لها.
كان الدكتور الكتاني واسع الثقافة، لا تتحدث في فن إلا ويدلو بدلوه فيه، يتقن اللغات: العربية والإنجليزية والفرنسية والإسبانية، تأليفا ومحاضرة وخطابة ومطالعة، وله معرفة وإلمام بخمس لغات أخر؛ هي: الأمازيغية، والألمانية، والبرتغالية، والإيطالية، والسويدية. لا يكاد يترك المطالعة والكتابة، قوي الهمة شديد الغيرة على الإسلام وقضاياه. وكان فاعلا منجزا، له قدرة هائلة على الابتكار وصنع النظريات، مع الهمة العالية في تطبيق وشرح وتوضيح أفكاره ونظرياته.
أقام عدة مؤتمرات وشارك في عشرات الندوات بخصوص أوضاع المسلمين في مختلف دول العالم، وكان له دور رائد في التوعية الدينية ببلاده المغرب، وكذلك المشاركة في الجمعيات الخيرية، بل أسس: مؤسسة الإغاثة الإسلامية في المغرب، بالتعاون مع هيأة الإغاثة الإسلامية في جدة – المملكة العربية السعودية، والتي عملت على كفالة عشرات الأيتام والأرامل بالمغرب، كما كان عضوا في مؤسسة آل البيت ومنتدى الفكر العربي بعمان – الأردن، بل كان عضوا في الأمانة العامة لهذا الأخير. وأسس عدة جمعيات تعاونية وثقافية؛ منها: جمعية الشرفاء الكتانيين للثقافة والتعاون. وبالرغم من كل هذه المجهودات وهذا النفوذ؛ كان غاية في التواضع وهضم النفس.
ترك ما يزيد عن مائتي مؤلف وتحقيق؛ منها سوى ما ذكرنا: الشجرة الكتانية ( في النسب الكتاني ) في مجلد ضخم. خ، موسوعة التراجم الكتانية. خ، الشرفاء الكتانيون في الماضي والحاضر. ط، مجموعة كبرى من الأبحاث في خصوص علم الطاقة باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية، موسوعة المقالات المكتوبة حول الإسلام بالأندلس منذ عام: 1980 – 2000. خ، العلامة المجاهد محمد إبراهيم بن أحمد الكتاني – حياة علم وجهاد. ط، جمع وتحقيق وتذييل كتاب جده الإمام محمد الزمزمي الكتاني: عقد الزمرد والزبرجد في سيرة الابن والوالد والجد (حياتي) 3 مجلدات، والذي هوتاريخ للشرق الأوسط في القرن الرابع عشر الهجري. خ، تحقيق رحلة ابن بطوطة في مجلــدين. ط، تحـــقيق كتاب نظم الدر واللآل في شرفاء عقبة ابن صوال ( الكتانيين) للعلامة الطالب ابن الحاج. ط، جمع وتحقيق ديوان العلامة عبد الرحمن بن جعفر الكتاني. خ، موسوعة الشعر الأندلسي المضمن للكلمات العامية. جزأين. خ، المنتقى من الشعر الكتاني جزأين. خ، مجموعة كبرى من الأبحاث بخصوص الأقليات الإسلامية في العالم. مجموعة من الأبحاث الفكرية والدعوية... وغير ذلك كثير.
كما أجيز في الرواية من طرف العديد من العلماء؛ كجده العلامة السيد محمد الزمزمي الكتاني رحمه الله، والشيخ محمد عبد الرشيد النعماني رحمه الله تعالى، وغيرهما. واستجازه جمع من أهل العلم وطلبته. أذكر منهم: أبناءه الحسن والحسين وحمزة، والشيخ الشريف حاتم العوني، والأخ محمد رجب مسامبا، وغيرهم.
كما تلقى عدة جائزات تقديرية علمية وفكرية من مختلف الجامعات والمعاهد والمنظمات الإسلامية والعالمية، واختير ضمن تراجم كتاب العباقرة في القرن العشرين الميلادي: The International Who’s Who of Intellectuals، أحد بضع وثلاثين عالما فقط، واختاره مركز التراجم الأمريكي الذي يعنى بتراجم نبغاء الألفية الميلادية الثانية: American Biographical Institute.
توفي رحمه الله تعالى بقرطبة – إسبانبا، فجأة وفي ظروف غامضة وهو مستعد للرجوع لبلاده المغرب، سحر ليلة الثلاثاء 15 محرم الحرام عام 1422 الموافق 10 أبريل عام 2001، بعد تهديدات بالقتل كان تلقاها من اليمين المتطرف النصراني، من أجل نشاطه الإسلامي الكبير في إسبانيا وأوروبا، ونقل جثمانه من الغد للرباط – المغرب، حيث شيع جثمانه في جنازة مهيبة ظهر يوم الخميس الموالي، ليدفن في مقبرة الشهداء. رحمه الله وجعل نزله الفردوس الأعلى بمنه وكرمه.
المصدر
ملتقى أهل الحديث
"نفيس جدا": الوجود الإسلامي في الأمريكتين قبل كريستوف كولومب. للدكتور علي الكتاني - ملتقى أهل الحديث
عدل سابقا من قبل ابو عبدالرحمن في الجمعة ديسمبر 31, 2010 9:42 pm عدل 1 مرات
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
رد: الوجود الإسلامي في الأمريكتين قبل كريستوف كولومبوس. للدكتور علي الكتاني
الوجود الإسلامي في الأمريكتين قبل كريستوف كولومبس
محاضرة للأستاذ الدكتور علي بن المنتصر الكتاني رحمه الله:
الموضوع حقيقة في غاية الأهمية، وشيق جدا، وأنا ابتدأت في التعرف عليه منذ كنت مقيما في أميركا. وبصفة عامة؛ فالتاريخ – كما يقول الأميركان أنفسهم – هو قصة المنتصرين: "History is a story of the rankers"، معناها: أنه عندما نسمع باكتشاف أميركا من طرف كريستوف كولومب، لولا أن بعد اكتشاف أميركا أصبح الأوروبيون بصفة عامة هم المهيمنين على العالم؛ لكانت قصة اكتشاف أميركا من طرف الأوروبيين خرافة بديهة. لأنه لم يكتشفها كريستوف كولومب، بل كانت معروفة من لدن كثير من الشعوب، خاصة الشعوب الإسلامية.
وعرضي هذا سوف أبنيه على ثلاثة كتيبات:
الكتاب الأول: كتاب مهم جدا في طريق الصدور، والذي عندي هو نسخة عنه من الإنترنت، مكتوبة بالإسبانية: "Africa versus America"، وكتبته لويزا إيزابيل أل فيريس دو توليدو، "Luiza Isabel al ferris Do Tolido"، وهي دوقة مدينة سيدونسا "Cedonia"، وهي سليلة إحدى أكبر العائلات الإسبانية، ولا زالت تعيش في قصرها قريبا من مدينة سان لوقا دو باراميدا "San Luca De Paramida"، قرب نهر الوادي الكبير في الأندلس، وعندها مكتبة ووثائق فريدة من نوعها، بصفة عامة، عن تاريخ الأندلس، وبصفة خاصة عن الوجود الإسلامي في أمريكا قبل كريستوف كولومب، لأن أجدادها كانوا حكام إسبانيا وكانوا جنرالات في الجيش الإسباني، وكانوا حكام الأندلس وأميرالات البحرية الإسبانية. فالوثائق التي في ملكها تعتبر هامة جدا.
والكتاب الثاني: هو مجموعة مقالات استكتبتها أنا والدكتور مختار امبو بتمويل من رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، ضمن موسوعة عن الوجود الإسلامي في العالم اليوم، مجلدان منها عن الإسلام في أمريكا. أول مقال فيها كتبه عبد الله الحكيم كويك، وهو أمريكي مسلم، أستاذ في جامعة طورنطو، وله تاريخ نضالي في أمريكا. كان من مجموعة بلاك تايغرز "Black Tigers"، وكان من المشهورين. ومقالاته هاته عن الإسلام في أمريكا قبل كريستوف كولومب، وهي مقالات موثقة ومهمة جدا.
الكتاب الثالث: مهم جدا، بالإنجليزي، واسمه الميلنجر "The Malingers"، اسم إذا رآه شخص لا يعيره اهتماما، يسمونهم أحيانا "The white of the Appalachians"، جبال الأبالاش، تقع في شرق الولايات المتحدة، وبها سكان يسمونهم "ميلونجونز"، أحدهم اسمه: "براند كينيدي" "Brand Kennedy"، كتب كتابا عن أصول الميلونجونس بتمويل من جامعة فرجينيا الغربية، وتبين أن أصولهم إسلامية من أندلسيي البرتغال، وبقيت فيهم عادات إسلامية إلى الآن، ومن أهم الشخصيات التي تنتمي إلى هذه الطبقة من الناس: "أبراهام لينكولن"، "Abraham Lincoln"، وتحرير أبراهام لينكولن للعبيد كان انتقاما للأندلس من النصارى بطريقة غير مباشرة، إذ إن التاريخ لا يمسح بهذه السهولة.
بهذه المقدمة الشيقة أريد أن ألخص لكم أهم نقاط محاضرتي، وهي:
أولا: ما هي البراهين التي تثبت الوجود الإسلامي في أمريكا قبل كريستوف كولومب؟.
ثانيا: هل هذا الوجود قبل كريستوف كولومب مازالت له آثار إلى الآن، أم مسحت؟. وهذا السؤال ناتج عن اهتمامي بمستقبل الإسلام حول العالم، وهو ما أسميه: "Residual Islam around the world"، توجد شعوب بأكملها وهي من بقايا الإسلام في مختلف بقاع القارات الخمس، ومعنى ذلك: أن رجوع الإسلام إليهم يعتبر من أسهل ما يكون، ونأتي بأمثلة عن أمريكا.
بعد هذه المقدمة أريد أن أرجع إلى القول بأن اكتشاف أميركا من قبل كرستوف كولومب إنما هو كذبة صريحة، لأن الآن هناك براهين مستفيضة بأن الإسكندنافيين وصلوا إلى أمريكا ألف عام قبل كريستوف كولومب، مثال ذلك تول هايير داليدا "Toll Hoyer Da lida"، الذي كما تعرفون خرج من مدينة آسفي بالمغرب بباخرة صفها بورق البردي "Papyrus"، وقطع المحيط إلى أميركا بسهولة، وبرهن بذلك أن قدماء المصريين ذهبوا كذلك إلى أميريكا.
إذا؛ فالعلاقات مع أميركا كانت متواصلة قبل الإسلام وبعده، وبصفة خاصة بعد الإسلام من طرف الشعوب الإسلامية. إذن فإن لفظة "اكتشاف"، كلمة تعتبر خرافة مرت علينا ونعلمها لأطفالها، وهذا الذي سأذكره لا يعلّم لأحد في المدارس الإسلامية ولا في غيرها، إذ إن معظم الوثائق الباقية هي الآن في الغرب، ومع الأسف الشديد فوثائقنا العربية ليس عندنا منها شيء، لأن باحثينا لم يبحثوا، ولو بحثوا لوجدوا.
طبعا؛ سيجد الباحث صعوبة في البحث، لأنه في الوثائق القديمة لن يقولوا "القارة الأمريكية"، إذ أنه لم يكن تقسيم القارات سابقا إلى قارات كما نقسمها الآن، ففي الماضي كانوا يقسمون العالم إلى مناخ، مناخ كذا وكذا. فعندما يتكلمون عن إفريقيا يتكلمون عن مناخها، ويعدون أمريكا من إفريقيا.
سأقسم حديثي عن الوجود الإسلامي في أمريكا قبل كريستوف كولومب إلى منطقتين اثنتين:
فالأولى: من المغرب والأندلس.
الثانية: من إفريقيا العربية الإسلامية، وكلها إسلامية طبعا.
محاضرة للأستاذ الدكتور علي بن المنتصر الكتاني رحمه الله:
الموضوع حقيقة في غاية الأهمية، وشيق جدا، وأنا ابتدأت في التعرف عليه منذ كنت مقيما في أميركا. وبصفة عامة؛ فالتاريخ – كما يقول الأميركان أنفسهم – هو قصة المنتصرين: "History is a story of the rankers"، معناها: أنه عندما نسمع باكتشاف أميركا من طرف كريستوف كولومب، لولا أن بعد اكتشاف أميركا أصبح الأوروبيون بصفة عامة هم المهيمنين على العالم؛ لكانت قصة اكتشاف أميركا من طرف الأوروبيين خرافة بديهة. لأنه لم يكتشفها كريستوف كولومب، بل كانت معروفة من لدن كثير من الشعوب، خاصة الشعوب الإسلامية.
وعرضي هذا سوف أبنيه على ثلاثة كتيبات:
الكتاب الأول: كتاب مهم جدا في طريق الصدور، والذي عندي هو نسخة عنه من الإنترنت، مكتوبة بالإسبانية: "Africa versus America"، وكتبته لويزا إيزابيل أل فيريس دو توليدو، "Luiza Isabel al ferris Do Tolido"، وهي دوقة مدينة سيدونسا "Cedonia"، وهي سليلة إحدى أكبر العائلات الإسبانية، ولا زالت تعيش في قصرها قريبا من مدينة سان لوقا دو باراميدا "San Luca De Paramida"، قرب نهر الوادي الكبير في الأندلس، وعندها مكتبة ووثائق فريدة من نوعها، بصفة عامة، عن تاريخ الأندلس، وبصفة خاصة عن الوجود الإسلامي في أمريكا قبل كريستوف كولومب، لأن أجدادها كانوا حكام إسبانيا وكانوا جنرالات في الجيش الإسباني، وكانوا حكام الأندلس وأميرالات البحرية الإسبانية. فالوثائق التي في ملكها تعتبر هامة جدا.
والكتاب الثاني: هو مجموعة مقالات استكتبتها أنا والدكتور مختار امبو بتمويل من رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، ضمن موسوعة عن الوجود الإسلامي في العالم اليوم، مجلدان منها عن الإسلام في أمريكا. أول مقال فيها كتبه عبد الله الحكيم كويك، وهو أمريكي مسلم، أستاذ في جامعة طورنطو، وله تاريخ نضالي في أمريكا. كان من مجموعة بلاك تايغرز "Black Tigers"، وكان من المشهورين. ومقالاته هاته عن الإسلام في أمريكا قبل كريستوف كولومب، وهي مقالات موثقة ومهمة جدا.
الكتاب الثالث: مهم جدا، بالإنجليزي، واسمه الميلنجر "The Malingers"، اسم إذا رآه شخص لا يعيره اهتماما، يسمونهم أحيانا "The white of the Appalachians"، جبال الأبالاش، تقع في شرق الولايات المتحدة، وبها سكان يسمونهم "ميلونجونز"، أحدهم اسمه: "براند كينيدي" "Brand Kennedy"، كتب كتابا عن أصول الميلونجونس بتمويل من جامعة فرجينيا الغربية، وتبين أن أصولهم إسلامية من أندلسيي البرتغال، وبقيت فيهم عادات إسلامية إلى الآن، ومن أهم الشخصيات التي تنتمي إلى هذه الطبقة من الناس: "أبراهام لينكولن"، "Abraham Lincoln"، وتحرير أبراهام لينكولن للعبيد كان انتقاما للأندلس من النصارى بطريقة غير مباشرة، إذ إن التاريخ لا يمسح بهذه السهولة.
بهذه المقدمة الشيقة أريد أن ألخص لكم أهم نقاط محاضرتي، وهي:
أولا: ما هي البراهين التي تثبت الوجود الإسلامي في أمريكا قبل كريستوف كولومب؟.
ثانيا: هل هذا الوجود قبل كريستوف كولومب مازالت له آثار إلى الآن، أم مسحت؟. وهذا السؤال ناتج عن اهتمامي بمستقبل الإسلام حول العالم، وهو ما أسميه: "Residual Islam around the world"، توجد شعوب بأكملها وهي من بقايا الإسلام في مختلف بقاع القارات الخمس، ومعنى ذلك: أن رجوع الإسلام إليهم يعتبر من أسهل ما يكون، ونأتي بأمثلة عن أمريكا.
بعد هذه المقدمة أريد أن أرجع إلى القول بأن اكتشاف أميركا من قبل كرستوف كولومب إنما هو كذبة صريحة، لأن الآن هناك براهين مستفيضة بأن الإسكندنافيين وصلوا إلى أمريكا ألف عام قبل كريستوف كولومب، مثال ذلك تول هايير داليدا "Toll Hoyer Da lida"، الذي كما تعرفون خرج من مدينة آسفي بالمغرب بباخرة صفها بورق البردي "Papyrus"، وقطع المحيط إلى أميركا بسهولة، وبرهن بذلك أن قدماء المصريين ذهبوا كذلك إلى أميريكا.
إذا؛ فالعلاقات مع أميركا كانت متواصلة قبل الإسلام وبعده، وبصفة خاصة بعد الإسلام من طرف الشعوب الإسلامية. إذن فإن لفظة "اكتشاف"، كلمة تعتبر خرافة مرت علينا ونعلمها لأطفالها، وهذا الذي سأذكره لا يعلّم لأحد في المدارس الإسلامية ولا في غيرها، إذ إن معظم الوثائق الباقية هي الآن في الغرب، ومع الأسف الشديد فوثائقنا العربية ليس عندنا منها شيء، لأن باحثينا لم يبحثوا، ولو بحثوا لوجدوا.
طبعا؛ سيجد الباحث صعوبة في البحث، لأنه في الوثائق القديمة لن يقولوا "القارة الأمريكية"، إذ أنه لم يكن تقسيم القارات سابقا إلى قارات كما نقسمها الآن، ففي الماضي كانوا يقسمون العالم إلى مناخ، مناخ كذا وكذا. فعندما يتكلمون عن إفريقيا يتكلمون عن مناخها، ويعدون أمريكا من إفريقيا.
سأقسم حديثي عن الوجود الإسلامي في أمريكا قبل كريستوف كولومب إلى منطقتين اثنتين:
فالأولى: من المغرب والأندلس.
الثانية: من إفريقيا العربية الإسلامية، وكلها إسلامية طبعا.
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
رد: الوجود الإسلامي في الأمريكتين قبل كريستوف كولومبوس. للدكتور علي الكتاني
المنطقة الأولى: المغرب والأندلس
أولا؛ القرائن والآثار الموجودة الآن في هذا الوقت، الكلمات، والآثار اللغوية: ففي لغة الهنود الحمر هناك كلمات عربية وأمازيغية بكثرة، ولا يمكن أن تكون موجودة إلا بسبب وجود عربي أو أمازيغي قديم هناك، القرائن التاريخية التي جاءت في الكتب القديمة – العربية وغير العربية – والآثار الموجودة إلى الآن رغم المجهود الكبير الذي عمل عليه الإسبان، بعد كريستوف كولومب لمسح أي أثر للإسلام أو الوجود الإسلامي في القارة الأميريكية، وذلك طبعا لتحريف التاريخ.
العرب قديما كانوا يسمون المحيط الأطلسي بحر الظلمات. إذا نظرنا إلى القرائن الأركيويوجية (الأثرية)، نجد أنه اكتشفت كتابات كوفية في أميريكا الجنوبية بالعربية، فمن أوصلها إلى هناك؟. واكتشفوا في عدة أماكن كنوزا تحوي عملات ذهبية رومانية وأخرى إسلامية. وفي العادة إذا اكتشف كنز في محل ما فإن تاريخ ضرب العملة الذي فيه يعتبر تاريخ وصول الكنز إلى المحل المذكور، وذلك طبيعي في البحث العلمي. وآخر عملة اكتشفوها كانت للقرن الثامن الميلادي، أي أن ثمة باخرة إسلامية وصلت في القرن الثامن الميلادي إلى ذلك المحل وتركت ذهبها هناك.
دعنا نقارن ما ذكرناه - وما وهو إلا غيض من فيض أمثلة أخرى كثيرة - بما جاء في بعض أمهات الكتب العربية. مثلا: أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي؛ ذكر في كتابه "مروج الذهب ومعادن الجوهر" المكتوب عام 956 ميلادية، أن أحد المغامرين من قرطبة اسمه الخشخاش بن سعيد بن الأسود، عبر بحر الظلمات مع جماعة من أصحابه إلى أن وصل إلى الأرض وراء بحر الظلمات، ورجع سنة 889م، ربما من قرأ هذا الكلام في زمنه اعتبر المؤلف مخرفا، وهنا عندي قطعة من كلام المسعودي ربما أترجمها لكم لاحقا، وهو كلام متعلق بمغامرة الخشخاش.
وقال الخشخاش لما عاد من رحلته بأنه وجد أناسا في الأرض التي وصلها، ووصفهم، بل لما رسم المسعودي خريطة للعالم، رسم بعد بحر الظلمات أرضا سماها: الأرض المجهولة. فيكون رسم أرضا هناك ولم يدّع أنه ليس بعد بحر الظلمات أي أرض، كما كان يدعيه الأوروبيون في خرائطهم وكتبهم.
أي إنه في القرن التاسع الميلادي كان المسلمون يعرفون أن ثمة أرضا وراء بحر الظلمات، وليست هي الهند كما ادعاه كريستوف كولومب، والذي ذهب إلى تلك الأرض وعاد وعاش ومات، وهو يظن أنه إنما ذهب إلى الهند، لم يظن قط أنه اكتشف أرضا جديدة. ولذلك فإلى يومنا هذا بكل جهل يسمي الأوروبيون أمريكا بالهند الغربية "L’Inde Occidental. West India".
وثمة وثيقة تاريخية أخرى عندنا في التاريخ العربي؛ وهي قصة ذكرها عمر بن القوطية، وهي حديثه عن رحلة ابن فروخ الأندلسي عام 999م، ومما يظهر من كلامه: أن ابن فروخ لم يصل إلى أمريكا، غير أنه زار جزر كناريا "Canaries"، في المحيط الأطلسي، وقطع منها إلى جزر أخرى في المحيط الأطلسي، ووصف أهالي كناريا ثم عاد إلى الأندلس.
وثمة قصة مفصلة أكثر من جميع ما ذكرت، وربما يعرفها جميعنا، وهي قصة الشريف الإدريسي الذي عاش في القرن الثاني عشر الميلادي بين 1099-1180م، والذي كان من سبتة، شريفا حمّوديا إدريسيا، وكان هو العالم الجغرافي الذي اصطفاه "روجر"، الملك النورماندي لصقلية، الذي كان يعد من الملوك الصقليين المتفتحين تجاه الإسلام، ولم يضطهد المسلمين عندما احتل النورمانديون صقلية وأخذوها من أيديهم.
ففي كتابه "الممالك والمسالك" جاء بقصة الشباب المغرورين؛ وهم: جماعة خرجوا ببواخر من إشبونة "Lisbon"، وكانت في يد المسلمين وقتها، وقطع هؤلاء المغامرون بحر الظلمات، ورجع بعضهم، وذكروا قصتهم وأنهم وصلوا إلى أرض وصفوها ووصفوا ملوكها. والغريب في الأمر أنهم ذكروا أنهم وجدوا أناسا يتكلمون بالعربية هناك.
وإذا كان أناس يتكلمون بالعربية هناك فهذا دليل على أن أناسا كثيرين وصلوا قبلهم إلى هناك، حتى تعلم أهلها العربية ليكونوا ترجمانا بينهم وبين الملوك المحليين، وعلى أنه كان هناك وجود إسلامي في ذلك التاريخ على تلك الأرض. الوصف الذي أعطاه هؤلاء المغامرون يظهر أنه وصف للجزر الكارابية، كوبا أو إسبانيولا، أو غيرهما من جزر البحر.
وهناك أمثلة أخرى في اللغة وغيرها. فأعطي في اللغة أمثلة كذلك: فالأوروبيون رسموا خريطة لأمريكا، ومنها خريطة لفلوريدا، وذلك عام 1564م، ذكروا فيها مدنا ذات أسماء توجد في الأندلس والمغرب. ولكي تكون أسماء عربية هناك، فبالضروري كانت هجرة عربية قبل المائة أو المائتي عام على الأقل. مثلا: في الخارطة هناك مدينة ميارقة، وواضح أنها تحريف لميورقة، وهي جزيرة من الجزر الشرقية المسماة الآن بالبليار، ومدينة اسمها كاديكا، وهي تحريف لقادس الواقعة جنوب الأندلس. وأخرى اسمها "مارّاكو" تساوي: مراكش...إلخ.
دوقة مدينة سيدونيا، بناء على وثائقها كتبت كتابا في غاية الأهمية على إثر تشجيع مني، حيث إنني في دراساتي عن الموريسكيين اكتشفت شيئا غريبا جدا، ما هو؟.
اكتشفت بأنه عام 1644م، قامت مؤامرة في الأندلس لتحريرها من إسبانيا، وإعادة الدولة الإسلامية فيها، دخلت في هذه المؤامرة فئات أربع:
أولا: ملك البرتغال، وذلك أول استقلالها الذي كانت أضاعته من قبل بعد هزيمتها في معركة واد المخازن، وانضمت إلى إسبانيا، وفي عام 1644م، أعادت استقلالها.
ثانيا: شخصية من ولاية المرية اسمه "طاهر الحر"، لم تعط الوثائق اسمه النصراني، وهو ينسب نفسه إلى بيت بني الأحمر. ثار هو وجماعة معه.
ثالثا: موريسكيو الرباط، في الوثائق المغربية يظنون بأنهم أرادوا التعاون مع النصارى، غير أنهم في الحقيقة أرادوا تحرير الأندلس، حيث كان المقرر أن يدخلوا مصب الوادي الكبير ببواخر ويحتلوا إشبيلية.
رابعها: وهذا هو الشاهد عندنا: دوق مدينة سيدونيا، والذي كان الحاكم باسم ملك إسبانيا على منطقة الأندلس. فكيف دوق مدينة سيدونيا الذي يمثل السلطة النصرانية (المسيحية) على الأندلس يقوم بمؤامرة من أجل تحرير الأندلس؟. لم أفهم ذلك!!!.
فلما التقيت الدوقة الحالية لمدينة سيدونيا استدعتني في شاطوها (قصرها) قرب مدينة سان لوقا دو باراميدا، قرب مصب الوادي الكبير، فقلت لها: "ما سبب ذلك؟!". وإذا بجوابها كان أغرب مما كنت أتوقع، حيث أجابتني: "بديهي؛ لأن أصلنا – عائلة دوق مدينة سيدونيا – مسلمون، بل أكثر من ذلك أننا كنا مسلمين سرا". وقالت لي: "تعال أريك في قصرنا؛ كنت أدق حائطا وعندما أسقطته وجدت أسفله مسجدا داخل القصر"، وفعلا صليت – أنا المحاضر – في ذلك المسجد داخل القصر. فإذن؛ هذا الدوق - رحمه الله - قام بمجهود كبير لتحرير الأندلس.
والأهمية في دوقة مدينة سيدونيا؛ أن عندها مكتبة فاخرة مليئة بالوثائق منذ ثلاثمائة وأربعمائة وخمسمائة عام، من ضمنها وثائق مسلمي أميركا الجنوبية!، والبرهان على الوجود الإسلامي في أميريكا قبل أربعمائة عام من كريستوف كولومب. وأخبرتني أنها خائفة من أنها إذا ماتت – وهي تبلغ حوالي سبعين عاما – من أن تسرق وثائقها وتعدم، لأنها تقول بأنه: "لا ثقة في نصارى إسبانيا إلى يومنا هذا"، وهي تقول بأنه: "إلى يومنا هذا يعدمون الوثائق التاريخية المضادة لخرافاتهم التاريخية التي يحبون إقناع الناس بها".
قلت لها: "اكتبي كتابا وضعي هذه الوثائق فيه"، فكان ذلك السبب الأساس لكتابتها هذا الكتاب، فهذا الكتاب الذي سمته: "من إفريقيا إلى أميركا"، كتاب وثائقي رائع، موثق بالوثائق التي عندهم في مكتبة دوق مدينة سيدونيا، هذا الكتاب صدر في هذا الشهر (نهاية سنة 2000)، ومن الضروري أن يترجم للعربية، وإلى لغات أخرى، حيث هو مكتوب باللغة الإسبانية.
ومن المسائل المهمة التي لا نعرفها معاشر المغاربة، أن ياسين والد عبد الله بن ياسين – مؤسس دولة المرابطين – قطع المحيط الأطلسي وذهب إلى المناطق شمال البرازيل، وغينيا، ونشر فيها الإسلام. ذهب إلى هناك مع جماعات من أتباعه، وأسس منطقة كبيرة كانت تابعة للدولة المرابطية. أي: إن الدولة المرابطية لم تكن في شمال إفريقيا والأندلس والبرتغال فحسب، وإنما كانت أيضا فيما يسمى الآن شمال البرازيل وغينيا، وهذا موثق بالوثائق التي تملكها الدوقة المذكورة.
وفعلا، وإلى يومنا هذا؛ هناك مدن وقرى في تلك المناطق اسمها: فاس، مراكش، تلمسان، سلا...وقد كنت أظن أن تلك الأسماء جاءت مع الرحالة الإسبان، غير أنها قالت لي: "لا؛ بل كانت قبل مجيء الإسبان، إنما كانت مع وجود المسلمين قبل أربعمائة عام من كريستوف كولومب".
إذا؛ بصفة عامة وبتلخيص شديد: العلاقات بين المغرب والأندلس، وما يسمى اليوم بأميريكا كانت متواصلة، وحسب معظم العلماء؛ فالآن – سواء من الطرف الإسباني أو من الطرف الأميركي – فإنهم يعتقدون أن قبل كريستوف كولومب كان الإسلام منتشرا في شمال أمريكا وفي جنوبها، وأن أول عمل قام به كونكيسادور "Conquistador" – الإسبان النصارى – هو متابعة هجومهم على الإسلام الذي كان في الأندلس، بالقضاء على الإسلام والقضاء على الوثائق التي تبرهن أي وجود إسلامي في تلك القارة.
ورغم هذا المجهود الكبير لم يستطيعوا القضاء على كل شيء.
أولا؛ القرائن والآثار الموجودة الآن في هذا الوقت، الكلمات، والآثار اللغوية: ففي لغة الهنود الحمر هناك كلمات عربية وأمازيغية بكثرة، ولا يمكن أن تكون موجودة إلا بسبب وجود عربي أو أمازيغي قديم هناك، القرائن التاريخية التي جاءت في الكتب القديمة – العربية وغير العربية – والآثار الموجودة إلى الآن رغم المجهود الكبير الذي عمل عليه الإسبان، بعد كريستوف كولومب لمسح أي أثر للإسلام أو الوجود الإسلامي في القارة الأميريكية، وذلك طبعا لتحريف التاريخ.
العرب قديما كانوا يسمون المحيط الأطلسي بحر الظلمات. إذا نظرنا إلى القرائن الأركيويوجية (الأثرية)، نجد أنه اكتشفت كتابات كوفية في أميريكا الجنوبية بالعربية، فمن أوصلها إلى هناك؟. واكتشفوا في عدة أماكن كنوزا تحوي عملات ذهبية رومانية وأخرى إسلامية. وفي العادة إذا اكتشف كنز في محل ما فإن تاريخ ضرب العملة الذي فيه يعتبر تاريخ وصول الكنز إلى المحل المذكور، وذلك طبيعي في البحث العلمي. وآخر عملة اكتشفوها كانت للقرن الثامن الميلادي، أي أن ثمة باخرة إسلامية وصلت في القرن الثامن الميلادي إلى ذلك المحل وتركت ذهبها هناك.
دعنا نقارن ما ذكرناه - وما وهو إلا غيض من فيض أمثلة أخرى كثيرة - بما جاء في بعض أمهات الكتب العربية. مثلا: أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي؛ ذكر في كتابه "مروج الذهب ومعادن الجوهر" المكتوب عام 956 ميلادية، أن أحد المغامرين من قرطبة اسمه الخشخاش بن سعيد بن الأسود، عبر بحر الظلمات مع جماعة من أصحابه إلى أن وصل إلى الأرض وراء بحر الظلمات، ورجع سنة 889م، ربما من قرأ هذا الكلام في زمنه اعتبر المؤلف مخرفا، وهنا عندي قطعة من كلام المسعودي ربما أترجمها لكم لاحقا، وهو كلام متعلق بمغامرة الخشخاش.
وقال الخشخاش لما عاد من رحلته بأنه وجد أناسا في الأرض التي وصلها، ووصفهم، بل لما رسم المسعودي خريطة للعالم، رسم بعد بحر الظلمات أرضا سماها: الأرض المجهولة. فيكون رسم أرضا هناك ولم يدّع أنه ليس بعد بحر الظلمات أي أرض، كما كان يدعيه الأوروبيون في خرائطهم وكتبهم.
أي إنه في القرن التاسع الميلادي كان المسلمون يعرفون أن ثمة أرضا وراء بحر الظلمات، وليست هي الهند كما ادعاه كريستوف كولومب، والذي ذهب إلى تلك الأرض وعاد وعاش ومات، وهو يظن أنه إنما ذهب إلى الهند، لم يظن قط أنه اكتشف أرضا جديدة. ولذلك فإلى يومنا هذا بكل جهل يسمي الأوروبيون أمريكا بالهند الغربية "L’Inde Occidental. West India".
وثمة وثيقة تاريخية أخرى عندنا في التاريخ العربي؛ وهي قصة ذكرها عمر بن القوطية، وهي حديثه عن رحلة ابن فروخ الأندلسي عام 999م، ومما يظهر من كلامه: أن ابن فروخ لم يصل إلى أمريكا، غير أنه زار جزر كناريا "Canaries"، في المحيط الأطلسي، وقطع منها إلى جزر أخرى في المحيط الأطلسي، ووصف أهالي كناريا ثم عاد إلى الأندلس.
وثمة قصة مفصلة أكثر من جميع ما ذكرت، وربما يعرفها جميعنا، وهي قصة الشريف الإدريسي الذي عاش في القرن الثاني عشر الميلادي بين 1099-1180م، والذي كان من سبتة، شريفا حمّوديا إدريسيا، وكان هو العالم الجغرافي الذي اصطفاه "روجر"، الملك النورماندي لصقلية، الذي كان يعد من الملوك الصقليين المتفتحين تجاه الإسلام، ولم يضطهد المسلمين عندما احتل النورمانديون صقلية وأخذوها من أيديهم.
ففي كتابه "الممالك والمسالك" جاء بقصة الشباب المغرورين؛ وهم: جماعة خرجوا ببواخر من إشبونة "Lisbon"، وكانت في يد المسلمين وقتها، وقطع هؤلاء المغامرون بحر الظلمات، ورجع بعضهم، وذكروا قصتهم وأنهم وصلوا إلى أرض وصفوها ووصفوا ملوكها. والغريب في الأمر أنهم ذكروا أنهم وجدوا أناسا يتكلمون بالعربية هناك.
وإذا كان أناس يتكلمون بالعربية هناك فهذا دليل على أن أناسا كثيرين وصلوا قبلهم إلى هناك، حتى تعلم أهلها العربية ليكونوا ترجمانا بينهم وبين الملوك المحليين، وعلى أنه كان هناك وجود إسلامي في ذلك التاريخ على تلك الأرض. الوصف الذي أعطاه هؤلاء المغامرون يظهر أنه وصف للجزر الكارابية، كوبا أو إسبانيولا، أو غيرهما من جزر البحر.
وهناك أمثلة أخرى في اللغة وغيرها. فأعطي في اللغة أمثلة كذلك: فالأوروبيون رسموا خريطة لأمريكا، ومنها خريطة لفلوريدا، وذلك عام 1564م، ذكروا فيها مدنا ذات أسماء توجد في الأندلس والمغرب. ولكي تكون أسماء عربية هناك، فبالضروري كانت هجرة عربية قبل المائة أو المائتي عام على الأقل. مثلا: في الخارطة هناك مدينة ميارقة، وواضح أنها تحريف لميورقة، وهي جزيرة من الجزر الشرقية المسماة الآن بالبليار، ومدينة اسمها كاديكا، وهي تحريف لقادس الواقعة جنوب الأندلس. وأخرى اسمها "مارّاكو" تساوي: مراكش...إلخ.
دوقة مدينة سيدونيا، بناء على وثائقها كتبت كتابا في غاية الأهمية على إثر تشجيع مني، حيث إنني في دراساتي عن الموريسكيين اكتشفت شيئا غريبا جدا، ما هو؟.
اكتشفت بأنه عام 1644م، قامت مؤامرة في الأندلس لتحريرها من إسبانيا، وإعادة الدولة الإسلامية فيها، دخلت في هذه المؤامرة فئات أربع:
أولا: ملك البرتغال، وذلك أول استقلالها الذي كانت أضاعته من قبل بعد هزيمتها في معركة واد المخازن، وانضمت إلى إسبانيا، وفي عام 1644م، أعادت استقلالها.
ثانيا: شخصية من ولاية المرية اسمه "طاهر الحر"، لم تعط الوثائق اسمه النصراني، وهو ينسب نفسه إلى بيت بني الأحمر. ثار هو وجماعة معه.
ثالثا: موريسكيو الرباط، في الوثائق المغربية يظنون بأنهم أرادوا التعاون مع النصارى، غير أنهم في الحقيقة أرادوا تحرير الأندلس، حيث كان المقرر أن يدخلوا مصب الوادي الكبير ببواخر ويحتلوا إشبيلية.
رابعها: وهذا هو الشاهد عندنا: دوق مدينة سيدونيا، والذي كان الحاكم باسم ملك إسبانيا على منطقة الأندلس. فكيف دوق مدينة سيدونيا الذي يمثل السلطة النصرانية (المسيحية) على الأندلس يقوم بمؤامرة من أجل تحرير الأندلس؟. لم أفهم ذلك!!!.
فلما التقيت الدوقة الحالية لمدينة سيدونيا استدعتني في شاطوها (قصرها) قرب مدينة سان لوقا دو باراميدا، قرب مصب الوادي الكبير، فقلت لها: "ما سبب ذلك؟!". وإذا بجوابها كان أغرب مما كنت أتوقع، حيث أجابتني: "بديهي؛ لأن أصلنا – عائلة دوق مدينة سيدونيا – مسلمون، بل أكثر من ذلك أننا كنا مسلمين سرا". وقالت لي: "تعال أريك في قصرنا؛ كنت أدق حائطا وعندما أسقطته وجدت أسفله مسجدا داخل القصر"، وفعلا صليت – أنا المحاضر – في ذلك المسجد داخل القصر. فإذن؛ هذا الدوق - رحمه الله - قام بمجهود كبير لتحرير الأندلس.
والأهمية في دوقة مدينة سيدونيا؛ أن عندها مكتبة فاخرة مليئة بالوثائق منذ ثلاثمائة وأربعمائة وخمسمائة عام، من ضمنها وثائق مسلمي أميركا الجنوبية!، والبرهان على الوجود الإسلامي في أميريكا قبل أربعمائة عام من كريستوف كولومب. وأخبرتني أنها خائفة من أنها إذا ماتت – وهي تبلغ حوالي سبعين عاما – من أن تسرق وثائقها وتعدم، لأنها تقول بأنه: "لا ثقة في نصارى إسبانيا إلى يومنا هذا"، وهي تقول بأنه: "إلى يومنا هذا يعدمون الوثائق التاريخية المضادة لخرافاتهم التاريخية التي يحبون إقناع الناس بها".
قلت لها: "اكتبي كتابا وضعي هذه الوثائق فيه"، فكان ذلك السبب الأساس لكتابتها هذا الكتاب، فهذا الكتاب الذي سمته: "من إفريقيا إلى أميركا"، كتاب وثائقي رائع، موثق بالوثائق التي عندهم في مكتبة دوق مدينة سيدونيا، هذا الكتاب صدر في هذا الشهر (نهاية سنة 2000)، ومن الضروري أن يترجم للعربية، وإلى لغات أخرى، حيث هو مكتوب باللغة الإسبانية.
ومن المسائل المهمة التي لا نعرفها معاشر المغاربة، أن ياسين والد عبد الله بن ياسين – مؤسس دولة المرابطين – قطع المحيط الأطلسي وذهب إلى المناطق شمال البرازيل، وغينيا، ونشر فيها الإسلام. ذهب إلى هناك مع جماعات من أتباعه، وأسس منطقة كبيرة كانت تابعة للدولة المرابطية. أي: إن الدولة المرابطية لم تكن في شمال إفريقيا والأندلس والبرتغال فحسب، وإنما كانت أيضا فيما يسمى الآن شمال البرازيل وغينيا، وهذا موثق بالوثائق التي تملكها الدوقة المذكورة.
وفعلا، وإلى يومنا هذا؛ هناك مدن وقرى في تلك المناطق اسمها: فاس، مراكش، تلمسان، سلا...وقد كنت أظن أن تلك الأسماء جاءت مع الرحالة الإسبان، غير أنها قالت لي: "لا؛ بل كانت قبل مجيء الإسبان، إنما كانت مع وجود المسلمين قبل أربعمائة عام من كريستوف كولومب".
إذا؛ بصفة عامة وبتلخيص شديد: العلاقات بين المغرب والأندلس، وما يسمى اليوم بأميريكا كانت متواصلة، وحسب معظم العلماء؛ فالآن – سواء من الطرف الإسباني أو من الطرف الأميركي – فإنهم يعتقدون أن قبل كريستوف كولومب كان الإسلام منتشرا في شمال أمريكا وفي جنوبها، وأن أول عمل قام به كونكيسادور "Conquistador" – الإسبان النصارى – هو متابعة هجومهم على الإسلام الذي كان في الأندلس، بالقضاء على الإسلام والقضاء على الوثائق التي تبرهن أي وجود إسلامي في تلك القارة.
ورغم هذا المجهود الكبير لم يستطيعوا القضاء على كل شيء.
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
رد: الوجود الإسلامي في الأمريكتين قبل كريستوف كولومبوس. للدكتور علي الكتاني
المنطقة الثانية: علاقة الدولة العثمانية وإفريقيا مع أميركا
الآن نرى علاقة الدولة العثمانية مع أميركا قبل كريستوف كولومب، وسأكمل بذكر علاقات الممالك الإسلامية في إفريقيا الغربية مع أمريكا قبل كريستوف كولومب.
عام 1929م، اكتشفت خريطة للمحيط الأطلسي رسمها بيري محيي الدين رايس، الذي كان رئيس البحرية العثمانية في وقته، وذلك سنة 919 هـ/ أي: حوالي: 1510-1515م، الخريطة الموجودة الآن: الغريب فيها أنها تعطي خريطة شواطيء أمريكا بتفصيل متناه غير معروف في ذلك الوقت بالتأكيد، بل ليس الشواطيء فقط، بل أتى بأنهار وأماكن لم يكتشفها الأوروبيون إلا أعوام: 1540-1560م، فهذا يعني – وكما ذكر بيري رايس – بأن هذه الخريطة مبنية على حوالي تسعين خريطة له وللبحارين الأندلسيين والمغاربة الذين قدموا قبله، فسواء هو أو المسلمون قبله سيكونون عرفوا قطعا تلك المناطق، وعرفوا اسمها قبل الأوروبيين.
ومن ضمن المسائل في هذه الخريطة التي تدل على تقدمهم على الأوروبيين بكثير في معرفتهم بالقارة الأمريكية: أنهم أظهروا جزرا في المحيط الأطلسي لم يكن يعرفها الأوروبيون، بما فيها: جزر الرأس الأخضر "Cap Verde"، وماديرا، وجزر الأزور، وبما فيهم جزر كناريا بالتفصيل، التي كنا نسميها "جزر الخالدات". والغريب في الأمر أنه أظهر بالتفصيل جبال الأنتس التي هي جبال تشيلي غرب قارة جنوب أميركا، التي لم يصلها الأوروبيون إلا عام 1527م، وأظهر أنهارا في كولومبيا، ونهر الأمازون بالتفصيل، ومصبه الذيْن لم يكونا معروفين عند الأوروبيين ولا موجودين في خرائطهم. وأظهر نهر الأمازون بالتفصيل، بحيث رسم في مصب النهر المذكور بوضوح جزيرة يسمونها الآن "ماراجو"، وهي الآن موجودة في الخريطة الحالية التي ما وصلها الأوروبيون إلا آخر القرن السادس عشر.
من بعد ذلك هناك خريطة للحاج أحمد العثماني عام 1559م، وهي تدل كذلك على معرفة واضحة بالقارة الأميركية متفوقة على معرفة الأوروبيين. والحقيقة أن الرعب الكبير الذي كان للأوروبيين في القرن السادس عشر أن تحتل الدولة العثمانية أمريكا وتطردهم منها كان هاجسهم، ونذكر أنه في القرن السادس عشر كان الوجود الإسلامي ما يزال في إسبانيا، كان الموريسكيون مضطهدين محاربين، بيد أنهم كانوا ما يزالون مقاومين.
أما الأفارقة؛ فكما قلت لكم: أظهر تول هايير داليدا عام 1969م، بالرحلة التي قام بها من مدينة آسفي المغربية إلى البحر الكاريبي أنه بالإمكان أن يكون قدماء المصريين قد أبحروا إلى أمريكا. لماذا؟. لأنهم وجدوا تشابها كبيرا بين حضارة الأزتك والحضارة المصرية.
وفعلا؛ يظهر أن أول من قطع البحر من مسلمي إفريقيا الغربية كانوا من مملكة مالي، لأن شهاب الدين العمري قال في كتاب "مسالك الأبصار وممالك الأمصار" بأن سلطان مالي من سموسة (كلمة غير واضحة) لما ذهب للحج عام 1327م، ذهب يوزع الذهب في طريقه لحد أن ثمن الذهب رخص في مصر بسبب ما وزعه من الذهب، وأخبر بأن سلفه أنشأ مائتي سفينة وقطع المحيط الأطلسي نحو الضفة الأخرى وأنابه عليه في حكم مالي ولم يعد قط. وبذلك بقي هو في الملك.
ووُجدت كتابات في البيرو والبرازيل وجنوب الولايات المتحدة تدل على الوجود الإفريقي من كتابات إما بالحروف الإفريقية بلغة الماندينك؛ وهي لغة لشعب كله مسلم الآن، يسمونهم: "الفلان"، أو بحروف كوفية عربية. وكذلك تركت اللغة المانديكية آثارا لها في الهنود الحمر إلى يومنا هذا.
والحقيقة؛ انتشر المانديك من البحر الكاريبي إلى شمال وجنوب الأمريكتين، وهناك قبائل هندية إلى يومنا هذا مازالت تكتب بحروف لغة الماندينك.
هل طمس الإسبان جميع الوجود الإسلامي والوجود المانديكي وآثارهم ولم يبق من ذلك شيء؟!، هذا كثير، ولا يمكن. فإذا رجعنا إلى كتابات المكتشفين الأوروبيين الأوائل بمن فيهم كريستوف كولومب؛ نجد بأنهم ذكروا الوجود الإسلامي في أميريكا.
فمثلا؛ في كتاب كتبه ليون فيرنيل عام 1920م، وكان أستاذا في جامعة هارفرد، اسم الكتاب "إفريقيا واكتشاف أمريكا"، "Africa and the discovery of America"، يقول فيه: "إن كريستوف كولومب كان واعيا الوعي الكامل بالوجود الإسلامي في أمريكا"، وركز في براهينه على براهين زراعية ولغوية وثقافية، وقال بأن المانديك بصفة خاصة انتشروا في وسط وشمال أمريكا، وتزاوجوا مع قبيلتين من قبائل الهنود الحمر، وهما: "إيروكوا" و"الكونكير" في شمال أمريكا، وانتشروا - كما ذكر - في البحر الكاريبي جنوب أمريكا، وشمالا حتى وصلوا إلى جهات كندا.
بل وذكر كريستوف كولومب نفسه بأنه وجد أفارقة في أمريكا. وكان يظن بأنهم من السكان الأصليين، ولكن لا يوجد سكان أصليون جنوز في أمريكا. فمن أين أتوا؟!.
"جيم كوفين" كاتب فرنسي ذكر في كتابه "بربر أمريكا"، "Les Berberes d’Amerique"، بأنه كانت تسكن في أمريكا قبيلة اسمها "المامي"، "Almami"، وهي كلمة معروفة في إفريقيا الغربية معناها: "الإمام"، وهي تقال عن زعماء المسلمين، وذكر بأن أكثريتهم كانت في الهندوراس في أمريكا الوسطى، وذلك قبل كريستوف كولومب.
كذلك في كتاب "التاريخ القديم لاحتلال المكسيك"، "Historia Antigua de la conquesta de Mexico"، لمانويل إيروسكو إيبيرا، قال: "كانت أمريكا الوسطى والبرازيل بصفة خاصة، مستعمرات لشعوب سود جاؤوا من إفريقيا وانتشروا في أمريكا الوسطى والجنوبية والشمالية".
كما اكتشف الراهب فرانسسكو كارسيس، عام 1775م قبيلة من السود مختلطة مع الهنود الحمر في نيوميكسيكو في الولايات المتحدة الأمريكية "المكسيك الجديدة"، واكتشف تماثيل تظهر في الخريطة المرفقة تدل دلالة كاملة بأنها للسود. وبما أنه لا يوجد في أمريكا سود، إذًا كانوا قادمين من إفريقيا.
وزيادة على كل ما ذكر، هناك آثار للوجود الإفريقي الإسلامي في أمريكا، في شيئين هامين: تجارة الذهب الإفريقي، وتجارة القطن، قبل كولومبوس. ومعروف أن التجارة مع المغرب وإفريقيا كانت كلها على الذهب عبر الصحراء. وسيدي مولاي أحمد الذهبي السعدي – والذي لا يعجبني كثيرا – قطع الصحراء إلى تومبوكتو لضرب دولة إسلامية مسكينة كي ينهب ذهبها ويسكت طلبات المغاربة الذين كانوا يطالبونه بتحرير الموريسكيين في الأندلس.
من السهل معرفة الذهب الإفريقي في أي مكان كان، لأنه يرتكز على التحليل التالي: لكل 32قسمة من الذهب يوجد 18 من الذهب، و6 من الفضة، و8 أقسام نحاس، وهذه التركيبة من الذهب تدل على أن أصله إفريقي، وخاصة منذ القرن الثالث عشر. وجد هذا الذهب عند الهنود الحمر بأمريكا.
ولكن هناك قرائن أكثر من القرائن المبنية على الذهب؛ هناك قرائن لغوية، وقرائن شهود عيان.
القرائن اللغوية: أن الكلمات التي تطلق باللغة العربية، أو اللغات الإفريقية على النقود، هي شبيهة بالكلمات التي تستعمل من طرف قبائل الهنود الحمر، وهذه الكلمات لا يمكن أن تكون جاءت عن طريق الغزوين الإسباني أو الأوروبي.
فمثلا: بالعربية: غنى، وغنية، وغنيمة. أصبحت بلغة الهنود الحمر: "غواني" "Guani"، معناها: الذهب. كلمة كنقود، ونقية، ونحاس، أصبحت بلغتهم: "نيكاي"، بمعنى: حلي من ذهب. كلمة "التبر"، صارت: "توب"، أي: الذهب. وكذلك لقبا للملك من ملوكهم. أي: أن هذه الكلمات العربية لا يمكن أن تصل إليهم لولا وجود عربي هناك.
تجارة القطن مهمة كذلك؛ لأنه لم يكن قطن في أمريكا، بل جاء من إفريقيا الغربية، وتعجب كولومب نفسه في كتاباته حيث قال: "إن الهنود الحمر يلبسون لباسا قطنيا شبيها باللباس الذي تلبسه النساء الغرناطيات المسلمات". وابنه أكد ذلك الكلام كذلك.
والغريب في الأمر – وهو ما سأفصله من بعد إن شاء الله – أن قبيلة موجودة الآن في أمريكا الوسطى اسمها: "كاليفونا" “Galifona” في غواتيمالا، يسمونهم: "الهنود الحمر السود"، لأنهم هنود حمر غير أنهم سود الألوان، وهم من بقايا المسلمين الماندينكا الذين كانوا هناك، وكثير من عاداتهم لا زالت عادات إسلامية إلى الآن. سأتكلم عن هذا عند حديثي عن بقايا هذه الشعوب، ماذا فُعل بها، وكيف كان مصيرها؟.
وقال "مييرا موس" في مقال في جريدة اسمها: "ديلي كلاريون"، "Daily Clarion"، في "بيليز"، وهي إحدى الجمهوريات الصغيرة الموجودة في أميريكا الوسطى، بتاريخ عام 1946م: "عندما اكتشف كريستوف كولومب الهند الغربية، أي: البحر الكاريبي، عام 1493م، وجد جنسا من البشر أبيض اللون، خشن الشعر، اسمهم: "الكاريب"، كانوا مزارعين، وصيادين في البحر، وكانوا شعبا موحدا ومسالما، يكرهون التعدي والعنف، وكان دينهم: الإسلام، ولغتهم: العربية!". هكذا قال.
نحن في المدرسة لا يعلموننا هذا الشيء، يقولون: "كان الكاريب وانقرضوا". لم ينقرضوا؛ بل أفنوهم!!. أفنوهم!. وإلى هذا اليوم تسمى تلك الجزر بالكاريبي، في البحر الكاريبي، سميت عليهم.
والذين بقوا – وذلك لمخالطتهم للهنود الحمر – هم: "الكاليفونا"، وقد بقوا إلى يومنا هذا في أمريكا الوسطى، ولا شك أن أصولهم إسلامية، لأن الكثير من العادات الإسلامية لا زالت فيهم.
أين هي هذه الشعوب الآن؟.
كثير من الشباب المسلم أنشأ علاقات مع الكاليفونا، وكثير منهم رجع إلى الإسلام، وأصبحت مساجد كثيرة تظهر في تلك الشواطيء بين هؤلاء الكاليفونا.
أما هؤلاء الميلونجونس، والذين هم مهاجرون من البرتغال في أوائل القرن السادس عشر؛ فقد هربوا من محاكم التفتيش إلى البرازيل، فلما جاء البرتغاليون واحتلوا البرازيل؛ تابعتهم محاكم التفتيش، فركبوا البواخر وهربوا إلى أمريكا الشمالية، قبل أن يصلها الإنجليز، واختلطوا مع قبائل الهنود الحمر. غير أن الإنجليز لما عادوا عاملوهم معاملة الهنود الحمر، قتلا وإبادة، فهربوا إلى جبال الأبالاش. واحد منهم اسمه: "بروند كينيدي"، "Brand Kennedy"، أخذ تمويلا من جامعة فرجينيا الغربية "West Virginia"، لدراسة أصول هؤلاء القبائل، ومن أين أتوا، لأنه واحد منهم.
وبدءا من دراسة عاداتهم؛ اكتشف بأن أصولهم - كما ذكرت - من المسلمين الأندلسيين. والغريب في الأمر أن التاريخ مخيف، فأي شعب يُضطهد إلا وينتقم لنفسه بطريقة من الطرق:
أحد زعماء الولايات المتحدة، الذي هو سليل هذا الشعب، هو "أبراهام لينكولن"، انظر إلى صورته وصورة أفراد الميلونجونز كيف يشبههم، وبذلك يظهر بأن الجذور في تحرير السود هي كأنه يحرر نفسه، فانتقم بتلك الطريقة من النصارى البيض.
وهذا الذي أهداني هذا الكتاب نفسه، والذي هو أستاذ في جامعة طورنطو”Toronto”، أصله كذلك: من جهة ينتمي للميلونجونس، ومن الجهة الأخرى للزنوج.
وخلاصة الأمر التي أردت أن أقولها بعد هذا التقديم الذي إنما أردت منه أن أفتح شهيتكم الفكرية: أن هذا المجال – ومع الأسف الشديد – نحن المغاربة نعاني من خصاص تجاهه، بالرغم من أننا نحن المعنيين بالأمر، وبهذه الحركة، تجاه أميركا الجنوبية، نعاني من نقص كبير في جامعاتنا، كيف نبحث في تراثنا عن هذا الشيء؟. ضروري أنه عندنا وثائق في هذا الشأن، وبالطبع لن يسموها بأمريكا، لأنه لم يكن ذلك الوقت شيء اسمه "أمريكا"، كان لها اسم آخر بلا شك، ما هو بالضبط؟. لا ندري. لكن كان من الممكن أن نبحث في وثائقنا لنعرف هذه العلاقة التي كانت تربطنا بأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية قبل كريستوف كولومب.
والموضوع الثاني: أنه بصفة عامة، وخاصة ما يخص التاريخ، يجب أن نعتمد على أنفسنا لمعرفة جذورنا. أنا أذكر أنه عندما كنت صغيرا كانوا يعلمونني في المدرسة الفرنسية بأن العرب ليس لهم تاريخ، وذلك ليحطمونا، لأن الشعب الذي لا تاريخ له لا هوية له، شعب فاقد لذكراه التاريخية. ولولا أن الوالد رحمه الله كان ينبهني بأن تاريخنا كذا وكذا، وكان لأمتنا من المفاخر كذا وكذا، لكبرت وعندي مركبات نقص فظيعة.
وإحدى الأسلحة القوية للشعوب المتغطرسة التي تريد أن تمحو وجود الشعوب المستضعفة الأخرى: هي تحريف التاريخ. ولذلك فإنه من العار علينا أن نعتمد في اكتشاف تاريخنا، أو تاريخ الإسلام، أو تاريخ المغاربة، أو غيره...على الوثائق الغربية، وإن كنا نحمد الله على بقاء آثار إسلامية في الغرب مثل ما عند دوقة مدينة سيدونيا، والتي أخرجت وثائقها وبرهنت على الوجود الإسلامي أربعمائة وخمسمائة عام في أمريكا الجنوبية قبل كريستوف كولومب. أو يأتي واحد مثل "براند كينيدي"، ليثبت بأن شعبا كاملا من أمريكا الشمالية ذو أصول إسلامية.
وبهذا أريد أن أوصي توصية واحدة؛ وهي: أنه واجب علينا أن نربط علاقات مع هؤلاء الناس، ونحيي الأبحاث في هذا المجال. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
-انتهت المحاضرة المباركة، ويليها تعقيبات الأساتذة الحضور بإذنه تعالى-
الآن نرى علاقة الدولة العثمانية مع أميركا قبل كريستوف كولومب، وسأكمل بذكر علاقات الممالك الإسلامية في إفريقيا الغربية مع أمريكا قبل كريستوف كولومب.
عام 1929م، اكتشفت خريطة للمحيط الأطلسي رسمها بيري محيي الدين رايس، الذي كان رئيس البحرية العثمانية في وقته، وذلك سنة 919 هـ/ أي: حوالي: 1510-1515م، الخريطة الموجودة الآن: الغريب فيها أنها تعطي خريطة شواطيء أمريكا بتفصيل متناه غير معروف في ذلك الوقت بالتأكيد، بل ليس الشواطيء فقط، بل أتى بأنهار وأماكن لم يكتشفها الأوروبيون إلا أعوام: 1540-1560م، فهذا يعني – وكما ذكر بيري رايس – بأن هذه الخريطة مبنية على حوالي تسعين خريطة له وللبحارين الأندلسيين والمغاربة الذين قدموا قبله، فسواء هو أو المسلمون قبله سيكونون عرفوا قطعا تلك المناطق، وعرفوا اسمها قبل الأوروبيين.
ومن ضمن المسائل في هذه الخريطة التي تدل على تقدمهم على الأوروبيين بكثير في معرفتهم بالقارة الأمريكية: أنهم أظهروا جزرا في المحيط الأطلسي لم يكن يعرفها الأوروبيون، بما فيها: جزر الرأس الأخضر "Cap Verde"، وماديرا، وجزر الأزور، وبما فيهم جزر كناريا بالتفصيل، التي كنا نسميها "جزر الخالدات". والغريب في الأمر أنه أظهر بالتفصيل جبال الأنتس التي هي جبال تشيلي غرب قارة جنوب أميركا، التي لم يصلها الأوروبيون إلا عام 1527م، وأظهر أنهارا في كولومبيا، ونهر الأمازون بالتفصيل، ومصبه الذيْن لم يكونا معروفين عند الأوروبيين ولا موجودين في خرائطهم. وأظهر نهر الأمازون بالتفصيل، بحيث رسم في مصب النهر المذكور بوضوح جزيرة يسمونها الآن "ماراجو"، وهي الآن موجودة في الخريطة الحالية التي ما وصلها الأوروبيون إلا آخر القرن السادس عشر.
من بعد ذلك هناك خريطة للحاج أحمد العثماني عام 1559م، وهي تدل كذلك على معرفة واضحة بالقارة الأميركية متفوقة على معرفة الأوروبيين. والحقيقة أن الرعب الكبير الذي كان للأوروبيين في القرن السادس عشر أن تحتل الدولة العثمانية أمريكا وتطردهم منها كان هاجسهم، ونذكر أنه في القرن السادس عشر كان الوجود الإسلامي ما يزال في إسبانيا، كان الموريسكيون مضطهدين محاربين، بيد أنهم كانوا ما يزالون مقاومين.
أما الأفارقة؛ فكما قلت لكم: أظهر تول هايير داليدا عام 1969م، بالرحلة التي قام بها من مدينة آسفي المغربية إلى البحر الكاريبي أنه بالإمكان أن يكون قدماء المصريين قد أبحروا إلى أمريكا. لماذا؟. لأنهم وجدوا تشابها كبيرا بين حضارة الأزتك والحضارة المصرية.
وفعلا؛ يظهر أن أول من قطع البحر من مسلمي إفريقيا الغربية كانوا من مملكة مالي، لأن شهاب الدين العمري قال في كتاب "مسالك الأبصار وممالك الأمصار" بأن سلطان مالي من سموسة (كلمة غير واضحة) لما ذهب للحج عام 1327م، ذهب يوزع الذهب في طريقه لحد أن ثمن الذهب رخص في مصر بسبب ما وزعه من الذهب، وأخبر بأن سلفه أنشأ مائتي سفينة وقطع المحيط الأطلسي نحو الضفة الأخرى وأنابه عليه في حكم مالي ولم يعد قط. وبذلك بقي هو في الملك.
ووُجدت كتابات في البيرو والبرازيل وجنوب الولايات المتحدة تدل على الوجود الإفريقي من كتابات إما بالحروف الإفريقية بلغة الماندينك؛ وهي لغة لشعب كله مسلم الآن، يسمونهم: "الفلان"، أو بحروف كوفية عربية. وكذلك تركت اللغة المانديكية آثارا لها في الهنود الحمر إلى يومنا هذا.
والحقيقة؛ انتشر المانديك من البحر الكاريبي إلى شمال وجنوب الأمريكتين، وهناك قبائل هندية إلى يومنا هذا مازالت تكتب بحروف لغة الماندينك.
هل طمس الإسبان جميع الوجود الإسلامي والوجود المانديكي وآثارهم ولم يبق من ذلك شيء؟!، هذا كثير، ولا يمكن. فإذا رجعنا إلى كتابات المكتشفين الأوروبيين الأوائل بمن فيهم كريستوف كولومب؛ نجد بأنهم ذكروا الوجود الإسلامي في أميريكا.
فمثلا؛ في كتاب كتبه ليون فيرنيل عام 1920م، وكان أستاذا في جامعة هارفرد، اسم الكتاب "إفريقيا واكتشاف أمريكا"، "Africa and the discovery of America"، يقول فيه: "إن كريستوف كولومب كان واعيا الوعي الكامل بالوجود الإسلامي في أمريكا"، وركز في براهينه على براهين زراعية ولغوية وثقافية، وقال بأن المانديك بصفة خاصة انتشروا في وسط وشمال أمريكا، وتزاوجوا مع قبيلتين من قبائل الهنود الحمر، وهما: "إيروكوا" و"الكونكير" في شمال أمريكا، وانتشروا - كما ذكر - في البحر الكاريبي جنوب أمريكا، وشمالا حتى وصلوا إلى جهات كندا.
بل وذكر كريستوف كولومب نفسه بأنه وجد أفارقة في أمريكا. وكان يظن بأنهم من السكان الأصليين، ولكن لا يوجد سكان أصليون جنوز في أمريكا. فمن أين أتوا؟!.
"جيم كوفين" كاتب فرنسي ذكر في كتابه "بربر أمريكا"، "Les Berberes d’Amerique"، بأنه كانت تسكن في أمريكا قبيلة اسمها "المامي"، "Almami"، وهي كلمة معروفة في إفريقيا الغربية معناها: "الإمام"، وهي تقال عن زعماء المسلمين، وذكر بأن أكثريتهم كانت في الهندوراس في أمريكا الوسطى، وذلك قبل كريستوف كولومب.
كذلك في كتاب "التاريخ القديم لاحتلال المكسيك"، "Historia Antigua de la conquesta de Mexico"، لمانويل إيروسكو إيبيرا، قال: "كانت أمريكا الوسطى والبرازيل بصفة خاصة، مستعمرات لشعوب سود جاؤوا من إفريقيا وانتشروا في أمريكا الوسطى والجنوبية والشمالية".
كما اكتشف الراهب فرانسسكو كارسيس، عام 1775م قبيلة من السود مختلطة مع الهنود الحمر في نيوميكسيكو في الولايات المتحدة الأمريكية "المكسيك الجديدة"، واكتشف تماثيل تظهر في الخريطة المرفقة تدل دلالة كاملة بأنها للسود. وبما أنه لا يوجد في أمريكا سود، إذًا كانوا قادمين من إفريقيا.
وزيادة على كل ما ذكر، هناك آثار للوجود الإفريقي الإسلامي في أمريكا، في شيئين هامين: تجارة الذهب الإفريقي، وتجارة القطن، قبل كولومبوس. ومعروف أن التجارة مع المغرب وإفريقيا كانت كلها على الذهب عبر الصحراء. وسيدي مولاي أحمد الذهبي السعدي – والذي لا يعجبني كثيرا – قطع الصحراء إلى تومبوكتو لضرب دولة إسلامية مسكينة كي ينهب ذهبها ويسكت طلبات المغاربة الذين كانوا يطالبونه بتحرير الموريسكيين في الأندلس.
من السهل معرفة الذهب الإفريقي في أي مكان كان، لأنه يرتكز على التحليل التالي: لكل 32قسمة من الذهب يوجد 18 من الذهب، و6 من الفضة، و8 أقسام نحاس، وهذه التركيبة من الذهب تدل على أن أصله إفريقي، وخاصة منذ القرن الثالث عشر. وجد هذا الذهب عند الهنود الحمر بأمريكا.
ولكن هناك قرائن أكثر من القرائن المبنية على الذهب؛ هناك قرائن لغوية، وقرائن شهود عيان.
القرائن اللغوية: أن الكلمات التي تطلق باللغة العربية، أو اللغات الإفريقية على النقود، هي شبيهة بالكلمات التي تستعمل من طرف قبائل الهنود الحمر، وهذه الكلمات لا يمكن أن تكون جاءت عن طريق الغزوين الإسباني أو الأوروبي.
فمثلا: بالعربية: غنى، وغنية، وغنيمة. أصبحت بلغة الهنود الحمر: "غواني" "Guani"، معناها: الذهب. كلمة كنقود، ونقية، ونحاس، أصبحت بلغتهم: "نيكاي"، بمعنى: حلي من ذهب. كلمة "التبر"، صارت: "توب"، أي: الذهب. وكذلك لقبا للملك من ملوكهم. أي: أن هذه الكلمات العربية لا يمكن أن تصل إليهم لولا وجود عربي هناك.
تجارة القطن مهمة كذلك؛ لأنه لم يكن قطن في أمريكا، بل جاء من إفريقيا الغربية، وتعجب كولومب نفسه في كتاباته حيث قال: "إن الهنود الحمر يلبسون لباسا قطنيا شبيها باللباس الذي تلبسه النساء الغرناطيات المسلمات". وابنه أكد ذلك الكلام كذلك.
والغريب في الأمر – وهو ما سأفصله من بعد إن شاء الله – أن قبيلة موجودة الآن في أمريكا الوسطى اسمها: "كاليفونا" “Galifona” في غواتيمالا، يسمونهم: "الهنود الحمر السود"، لأنهم هنود حمر غير أنهم سود الألوان، وهم من بقايا المسلمين الماندينكا الذين كانوا هناك، وكثير من عاداتهم لا زالت عادات إسلامية إلى الآن. سأتكلم عن هذا عند حديثي عن بقايا هذه الشعوب، ماذا فُعل بها، وكيف كان مصيرها؟.
وقال "مييرا موس" في مقال في جريدة اسمها: "ديلي كلاريون"، "Daily Clarion"، في "بيليز"، وهي إحدى الجمهوريات الصغيرة الموجودة في أميريكا الوسطى، بتاريخ عام 1946م: "عندما اكتشف كريستوف كولومب الهند الغربية، أي: البحر الكاريبي، عام 1493م، وجد جنسا من البشر أبيض اللون، خشن الشعر، اسمهم: "الكاريب"، كانوا مزارعين، وصيادين في البحر، وكانوا شعبا موحدا ومسالما، يكرهون التعدي والعنف، وكان دينهم: الإسلام، ولغتهم: العربية!". هكذا قال.
نحن في المدرسة لا يعلموننا هذا الشيء، يقولون: "كان الكاريب وانقرضوا". لم ينقرضوا؛ بل أفنوهم!!. أفنوهم!. وإلى هذا اليوم تسمى تلك الجزر بالكاريبي، في البحر الكاريبي، سميت عليهم.
والذين بقوا – وذلك لمخالطتهم للهنود الحمر – هم: "الكاليفونا"، وقد بقوا إلى يومنا هذا في أمريكا الوسطى، ولا شك أن أصولهم إسلامية، لأن الكثير من العادات الإسلامية لا زالت فيهم.
أين هي هذه الشعوب الآن؟.
كثير من الشباب المسلم أنشأ علاقات مع الكاليفونا، وكثير منهم رجع إلى الإسلام، وأصبحت مساجد كثيرة تظهر في تلك الشواطيء بين هؤلاء الكاليفونا.
أما هؤلاء الميلونجونس، والذين هم مهاجرون من البرتغال في أوائل القرن السادس عشر؛ فقد هربوا من محاكم التفتيش إلى البرازيل، فلما جاء البرتغاليون واحتلوا البرازيل؛ تابعتهم محاكم التفتيش، فركبوا البواخر وهربوا إلى أمريكا الشمالية، قبل أن يصلها الإنجليز، واختلطوا مع قبائل الهنود الحمر. غير أن الإنجليز لما عادوا عاملوهم معاملة الهنود الحمر، قتلا وإبادة، فهربوا إلى جبال الأبالاش. واحد منهم اسمه: "بروند كينيدي"، "Brand Kennedy"، أخذ تمويلا من جامعة فرجينيا الغربية "West Virginia"، لدراسة أصول هؤلاء القبائل، ومن أين أتوا، لأنه واحد منهم.
وبدءا من دراسة عاداتهم؛ اكتشف بأن أصولهم - كما ذكرت - من المسلمين الأندلسيين. والغريب في الأمر أن التاريخ مخيف، فأي شعب يُضطهد إلا وينتقم لنفسه بطريقة من الطرق:
أحد زعماء الولايات المتحدة، الذي هو سليل هذا الشعب، هو "أبراهام لينكولن"، انظر إلى صورته وصورة أفراد الميلونجونز كيف يشبههم، وبذلك يظهر بأن الجذور في تحرير السود هي كأنه يحرر نفسه، فانتقم بتلك الطريقة من النصارى البيض.
وهذا الذي أهداني هذا الكتاب نفسه، والذي هو أستاذ في جامعة طورنطو”Toronto”، أصله كذلك: من جهة ينتمي للميلونجونس، ومن الجهة الأخرى للزنوج.
وخلاصة الأمر التي أردت أن أقولها بعد هذا التقديم الذي إنما أردت منه أن أفتح شهيتكم الفكرية: أن هذا المجال – ومع الأسف الشديد – نحن المغاربة نعاني من خصاص تجاهه، بالرغم من أننا نحن المعنيين بالأمر، وبهذه الحركة، تجاه أميركا الجنوبية، نعاني من نقص كبير في جامعاتنا، كيف نبحث في تراثنا عن هذا الشيء؟. ضروري أنه عندنا وثائق في هذا الشأن، وبالطبع لن يسموها بأمريكا، لأنه لم يكن ذلك الوقت شيء اسمه "أمريكا"، كان لها اسم آخر بلا شك، ما هو بالضبط؟. لا ندري. لكن كان من الممكن أن نبحث في وثائقنا لنعرف هذه العلاقة التي كانت تربطنا بأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية قبل كريستوف كولومب.
والموضوع الثاني: أنه بصفة عامة، وخاصة ما يخص التاريخ، يجب أن نعتمد على أنفسنا لمعرفة جذورنا. أنا أذكر أنه عندما كنت صغيرا كانوا يعلمونني في المدرسة الفرنسية بأن العرب ليس لهم تاريخ، وذلك ليحطمونا، لأن الشعب الذي لا تاريخ له لا هوية له، شعب فاقد لذكراه التاريخية. ولولا أن الوالد رحمه الله كان ينبهني بأن تاريخنا كذا وكذا، وكان لأمتنا من المفاخر كذا وكذا، لكبرت وعندي مركبات نقص فظيعة.
وإحدى الأسلحة القوية للشعوب المتغطرسة التي تريد أن تمحو وجود الشعوب المستضعفة الأخرى: هي تحريف التاريخ. ولذلك فإنه من العار علينا أن نعتمد في اكتشاف تاريخنا، أو تاريخ الإسلام، أو تاريخ المغاربة، أو غيره...على الوثائق الغربية، وإن كنا نحمد الله على بقاء آثار إسلامية في الغرب مثل ما عند دوقة مدينة سيدونيا، والتي أخرجت وثائقها وبرهنت على الوجود الإسلامي أربعمائة وخمسمائة عام في أمريكا الجنوبية قبل كريستوف كولومب. أو يأتي واحد مثل "براند كينيدي"، ليثبت بأن شعبا كاملا من أمريكا الشمالية ذو أصول إسلامية.
وبهذا أريد أن أوصي توصية واحدة؛ وهي: أنه واجب علينا أن نربط علاقات مع هؤلاء الناس، ونحيي الأبحاث في هذا المجال. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
-انتهت المحاضرة المباركة، ويليها تعقيبات الأساتذة الحضور بإذنه تعالى-
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
رد: الوجود الإسلامي في الأمريكتين قبل كريستوف كولومبوس. للدكتور علي الكتاني
التعقيبات على المحاضرة
مداخلة رئيس الجلسة الدكتور أسامة بن الناصر الكتاني
أشكر الدكتور سيدي علي على أن حظانا بالاستمتاع بهذه الذخيرة الحية من المعلومات الوافرة والغزيرة، حول موضوع يعد من أندر الموضوعات، ومعلوماته من أندر المعلومات، ويتفضل المناقش الأول عمي مولاي إدريس للمناقشة:
مناقشة العلامة الدكتور إدريس ابن الشيخ محمد بن جعفر الكتاني
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد أشرف المخلوقين وعلى آله وصحبه أجمعين.
مع الأسف أنني لم أحضر بداية العرض، ولكن كنت تحدثت مع مولاي علي في هذا الموضوع عدة مرات، وأعجبت حقيقة باهتمامه وتتبعه لكل المراجع والمصادر التي تعين على هذا الكشف، لأنه – وبالنسبة للشعب المغربي والعالم العربي كله، وبالنسبة للجامعات وشُعب التاريخ والجغرافيا – هذا ميدان يكاد يكون مجهولا. وكما تعلمون؛ فالوالد – رحمه الله – في "السلوة"، وفي تاريخ مولاي إدريس، وفي غيرهما من مؤلفاته، وغيره من المغاربة كلهم تأسفوا لكون المغاربة ومؤرخيهم بصفة خاصة، لا يعتبرون بكتابة التاريخ. هذا نقص قديم. ومع الأسف أن هذا النقص ازداد تعمقا في عهد الاستقلال وإنشاء الجامعات وشعب التاريخ والجغرافيا.
وأنا منذ عشرين سنة كنت أتساءل وأستغرب من شعبة التاريخ والجغرافيا ومن أساتذتها الذين هم مختصون؛ ما ذا كتبوا؟، وماذا أحيوا؟، وماذا نشروا فيما يتعلق بتاريخ المغرب على الأقل؟. في حين أننا نجد أساتذة شرقيين، سوريين ومصريين وفلسطينيين، جاؤوا للمغرب كأساتذة فقط أو زوار، وأعجبوا، وكتبوا مؤلفات عن المرابطين والموحدين، وتاريخ المغرب باختصار، ولكن أساتذة التاريخ الرسميين الذين هم في الجامعات وكليات الآداب أهملوا - حقيقة - ذلك، بحيث كم من مشارقة – سواء سفارات أو إسلاميين – يطلبون مني إعطاءهم تاريخا للمغرب مختصرا ومبوبا ومحللا، فلما أبحث لا أكاد أجد سوى كتب مدرسية في التاريخ، هزيلة، ولا أجد للمؤرخين المغاربة إعادة كتابة التاريخ، فأحرى بالنسبة لهذا الموضوع.
وباختصار؛ أعتبر أنه لحسن الحظ أن أحد الشرفاء الكتانيين الباحثين العلماء اهتم بهذا الموضوع، ولذلك أقترح أن يطبع هذا العرض في كراسة، وأن نقيم ندوة ثقافية تاريخية علمية في إحدى القاعات الكبيرة، أو في "نادي الفكر الإسلامي" – ولكن القاعة صغيرة! – وأن نستدعي الصحفيين والسفراء المعتدّين بمثل هذا الموضوع، وأن نستدعي أساتذة شعب التاريخ في الرباط والدار البيضاء لقربهما على الأقل، وأن نستدعي بعض المهتمين في لجان الحركة الإسلامية لتقديم عرض لكل هذه الوثائق، مصحوب بكراسة مطبوعة فيها خلاصة هذا العرض، لتسهيل التعريف بهذا التاريخ للصحفيين حتى ينشروه، لإثارة اهتمام أساتذة التاريخ المغاربة به، لاستدعاء – أيضا – أساتذة الجامعات بتطوان والشمال، والذين يهتمون بتاريخ الأندلس.
فمن حسن الحظ ربما جمعية الأسرة الكتانية كانت لها الأسبقية في عرض هذا الموضوع، وهو حري بمثل هذه الأسبقية، ليكون أعضاء الأسرة والمثقفون والعلماء على علم به، وحتى يساهموا هم كذلك في هذه الندوة الثقافية التاريخية العلمية، عندما يقيمونها في أقرب وقت عندما يكون ذلك الكتيب جاهزا.
كلمة الدكتور عمر بن إدريس الكتاني
أنا كذلك أشكر سيدي علي على هذا العرض القيم، وعلى تلك المعلومات التي – في الحقيقة – استفردنا بها – أعتقد – على المستوى العالمي، لأن هذا الموضوع جديد على جميع المستويات.
أنا أقول: بأنه يجب إنشاء خلية بحث، لأن هذا الموضوع كبير ومهم جدا، ولماذا لا تنشأ خلية بحث بمساعدة أساتذة جامعيين مهتمين من إسبانيا ومن أمريكا اللاتينية، وأن يتعاونوا كلهم على كشف المعطيات والمعلومات والوثائق؟.(قال الدكتور علي: وأميركا الشمالية كذلك). ولا شك أنها ستثير الاهتمام والفضول من الباحثين، حتى إذا لم يكونوا مسلمين.
إذا كانت معطيات أصلية موجودة فمعنى ذلك: أنه توجد معطيات غير مكتشفة حتى الآن، ولا شك أن باحثين نزهاء مؤرخين - حتى من أمريكا اللاتينية - سيكون عندهم اهتمام بهذا الجانب، لأن الباحثين النزهاء لا شك من وجودهم في جامعات تلك الدول.
والجاليات الإسلامية في تلك الدول يمكن أن تكتشفهم وتربط علائق بهم، إما بواسطة الإنترنيت أو غيره، وتنشيء خلية بحث تستمر في هذا الموضوع.
وحتى في الولايات المتحدة يمكن أن يقوم أناس بهذا الجانب، وخصوصا أن الجديد في البحث العلمي هو: علاقة الهنود الحمر بالقبائل المسلمة، وعلاقة الأفارقة – كذلك – بالمسلمين الأفارقة في القارة الأمريكية.
فهذه الثلاثية مهمة جدا، ولا شك أنها ستثير عدة وحدات للبحث.
أما على مستوى المغرب: فتساؤلي هو: اكتشاف هذه القارة؛ هل الوثائق العربية الموجودة لحد الآن لم تذكر بشكل بارز هذه الرحلات التي اخترقت بحر الظلمات وبقيت مسألة مجهولة أو شبه مجهولة؟، لماذا هذه الوثائق الموجودة في العالم العربي لم تثر هذه المسألة التي تكلمنا فيها؟. هل وقع تدمير لتلك الوثائق على مستوى الأندلس، ولم تنتشر في باقي الدول العربية؟. وهذا احتمال كبير؛ لأن أغلب الوثائق الموجودة ضمن هذا الإطار وقع القضاء عليها على مستوى الأندلس، وما وصل العالم العربي سوى الفتات.
ولكن مستوى هذا الاكتشاف لم يكن له صدى في العالم العربي. أنا أتساءل: ما هي الأسباب والاحتمالات التي تجعل من هذا الاكتشاف الكبير، وخصوصا مع وجود عدة قرون من العلاقات مع الأفارقة والشمال إفريقيين كذلك، ولم يبق أثر ذلك بشكل كبير، حتى وإن كان اسم أميركا اللاتينية غير معروف في ذلك الوقت؟. هذا هو سؤالي.
تدخل الدكتورة نزهة ابن الخياط الزكاري
في الحقيقة؛ بالإضافة إلى ما قاله سيدي عمر، وما قاله خالي مولاي إدريس، بضرورة إقامة ندوة على المستوى الوطني، ضرورة خلق خلية للبحث في الميدان، أنا أقول: بأن هناك عدة خلايا في البحث في ميادين وتاريخ "المورو"، وهي موجودة في تونس وموجودة في المغرب، وأنا أعرف المجموعة التي تقوم بها، ومن المفروض أن تنشر بوابة على الإنترنيت - كما قال سيدي عمر - يكفي أن نبدأ وأن نعلن عن وجود مجموعة تهتم بهذا الموضوع حتى يتصل بهذه البوابة جميع من يهتم بهذا الأمر على مدى أربع وعشرين ساعة، أو ثمانية وأربعين ساعة فقط.
إذا: خلية بحث وخلق بوابة، ثم ندوة ندولية – بالإضافة إلى ذلك. في انتظار تكوين خلية بحث، نعمل على ندوة دولية تجمع على مستوى العالم كله، وبالخصوص معاهد الدراسات الإسلامية، ونحن نعرف أن معاهد الدراسات الإسلامية - بالخصوص الموجودة في ألمانيا - تضم أناسا لهم نوع من الموضوعية. طبعا؛ ربما يكونون من محبي الإسلام أو غيرهم، غير أنهم معروفون بالنسبة للأجناس الأخرى، كالفرنسيين مثلا، لهم نوع من الموضوعية.
إذا؛ أنا لا أشك في هذه المعاهد أنها إذا دخلت ستجعل هذا الموضوع فاعلا، إذن: ندوة على مستوى المغرب، ندوة على المستوى الدولي، خلق بوابة على الإنترنيت، بحيث تظهر وجود مهتمين في المغرب، ومن هم. تعطى ملخصا لما قيل الآن، ما قاله الدكتور يمكن أن ينشأ له ملخص في صفحتين، ويعطى كخطوة أولى، وهو سيجلب الناس الذين يهتمون بهذا الموضوع في العالم كله...وشكرا.
تدخل الدكتور حمزة بن علي الكتاني
نشكر والدنا الدكتور المحاضر على ما أفادنا به من معلومات، كما نشكر الأساتذة المتدخلين، ولكن عندي بعض الإضافات الطفيفة:
ذلك أني قرأت سنة 1994م، بحثا كتبه الدكتور علي مروة، وهو باحث لبناني يدرس في بعض جامعات نيويورك، كتب هذا البحث بمناسبة مرور خمسمائة عام على اكتشاف أمريكا على حسب دعوى الغرب، وهو في عشر صفحات بالإنجليزية. ومضمنه: أن كريستوف كولومب لم يكن أول من اكتشف أمريكا، إنما كان المسلمون قبله منذ القرن الثامن الميلادي، ومن ضمن هذه الإضافات التي ذكرها: نقول عن كتاب "مروج الذهب" للمسعودي، والتي تنص على علاقات بين المممالك الإسلامية في وسط إفريقيا وبين المسلمين في أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية.
وكذلك نقل من رحلة كريستوف كولومب التي كتبها بعد رحلته، بعض الآثار الإسلامية، وبعض المعالم الإسلامية التي شاهدها، ومن ذلك: أنه عندما اقترب إلى كوبا وجد مسجدا مبنيا على تل من تلالها، ووصف ذلك المسجد. وهذا يدل على أنه حتى في كتبهم – الغربيين – أنفسهم كانت هذه المسألة عندهم معروفة.
ومن المفيد في هذا البحث: أنه نقل عن حوالي ثلاثين مرجعا، وتلك المراجع أغلبها كتبت في أمريكا وفي أوروبا، أغلبها وهو حوالي تسعين في المائة منها، أحدها مقال في بعض الجرائد الغربية يقول: "لست أنت أول من اكتشف أمريكا يا كولومبوس". كما نص المقال على وجود جامعات إسلامية في أمريكا الشمالية قبل كولومب، وهذه المعلومة تجعلنا نتساءل: ما هو التراث العلمي والفقهي والتاريخي والمذهبي الذي أنتجته تلك الجامعات، وأين هو؟.
ومن ضمن المسائل المفيدة: أن العبيد وما كان من محنتهم بعد القرن الخامس عشر الميلادي، كان عندما قامت الحرب الصليبية ضد الممالك الإسلامية في إفريقيا، وكان أغلب العبيد الذين رحّلوا إلى أمريكا الشمالية والجنوبية من المسلمين، وهم حوالي 84 في المائة، وكان فيهم علماء، وكان فيهم شعراء. والآن توجد عدة جمعيات تجمع التراث الذي وجدوه مخبأ مما كتبه هؤلاء العبيد، فيه من الشعر، ومن الكتابات الدينية، وعندنا صور لبعض المخطوطات من البرازيل، وهي بالخط العربي الكوفي الإفريقي.
وهذا المجال – وهو الحروب الصليبية الأمريكية ضد المسلمين في إفريقيا – يا حبذا أن يبحث كذلك، إما ضمن الجمعية أو خارجها.
تدخل الدكتور المهدي الحلو
أنا أضيف رأيي إلى اقتراح مولاي إدريس ومن بعده، وهذا سيزيدك – الدكتور علي – شغلا على شغلك، لأن هذا الذي ذكرت لنا إنما هو من الفرضيات، لأن قولك بأن العرب اكتشفوا أمريكا قبل كريستوف كولومب بستمائة سنة (قال الدكتور علي: عفوا؛ كلمة "اكتشفوا" الغها من كلامك، أنا إنما قلت: تواجدوا). نعم: أقصد: تواجدوا.
ولكن الأعمال التي أطلبها منك حتى يكون لكلامك هوامش قوية:
- فالسؤال الأول: من أول من ذهب من العرب لأمريكا وكيف ذهب، ومتى ذهب؟. وكيف انتشر الإسلام في أمريكا؟، بحيث إن كلامك اعتمد على أنه: إذا وجدنا آثارا فذلك حجة.
- كيف عندما جاء كريستوف كولومب، وجاء مع قوم من أوروبا أواخر القرن الخامس عشر، كيف تمكنوا من محو هذا التواجد الإسلامي؟، ثم الآن وبعد 1492م، وهذا هو السؤال الذي أعتقد أنه مهم، لأنه لا يحيلنا فقط على هذا التاريخ، إنما يحيلنا كذلك على المستقبل، وأنا أعتقد أن المستقبل – في بعض الحالات – أهم من الماضي، مع أن معرفة التاريخ مهمة، لأنها تعتبر الأساس في مستقبلنا.
والتاريخ فعلا مهم، فقد ذكروا بأن هذا الرجل جاء واكتشف أمريكا – زعما – عام 1492م، ثم جاءت الساكنة الأوروبية شمالا وجنوبا أواسط القرن الثامن عشر، وأنه خلال قرنين من الزمان خلقت هذه القارة أقوى قوة سياسية واقتصادية استراتيجية وعسكرية على المستوى العالمي.
كيف أننا نحن الدول الإسلامية والعربية، وكانت عندنا الإمكانيات، ونحن من بين الأوائل ممن ذهب إلى تلك القارة، بين القرنين 8، و15م، كيف تخلينا أصلا عن كل تواجد لنا في تلك المنطقة، وسمحنا لأوروبا أن تكون هي المسيطرة على العالم انطلاقا من ذلك؟. وأعتقد أن هذا أكثر أهمية، حيث التاريخ يعطينا إشكالية أننا – كعرب ومسلمين – منذ كنا من الأوائل الذين اكتشفوا تلك القارة حتى أصبحنا اليوم في موقع التبعية بشكل أو بآخر لهم.
مداخلة رئيس الجلسة الدكتور أسامة بن الناصر الكتاني
أشكر الدكتور سيدي علي على أن حظانا بالاستمتاع بهذه الذخيرة الحية من المعلومات الوافرة والغزيرة، حول موضوع يعد من أندر الموضوعات، ومعلوماته من أندر المعلومات، ويتفضل المناقش الأول عمي مولاي إدريس للمناقشة:
مناقشة العلامة الدكتور إدريس ابن الشيخ محمد بن جعفر الكتاني
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد أشرف المخلوقين وعلى آله وصحبه أجمعين.
مع الأسف أنني لم أحضر بداية العرض، ولكن كنت تحدثت مع مولاي علي في هذا الموضوع عدة مرات، وأعجبت حقيقة باهتمامه وتتبعه لكل المراجع والمصادر التي تعين على هذا الكشف، لأنه – وبالنسبة للشعب المغربي والعالم العربي كله، وبالنسبة للجامعات وشُعب التاريخ والجغرافيا – هذا ميدان يكاد يكون مجهولا. وكما تعلمون؛ فالوالد – رحمه الله – في "السلوة"، وفي تاريخ مولاي إدريس، وفي غيرهما من مؤلفاته، وغيره من المغاربة كلهم تأسفوا لكون المغاربة ومؤرخيهم بصفة خاصة، لا يعتبرون بكتابة التاريخ. هذا نقص قديم. ومع الأسف أن هذا النقص ازداد تعمقا في عهد الاستقلال وإنشاء الجامعات وشعب التاريخ والجغرافيا.
وأنا منذ عشرين سنة كنت أتساءل وأستغرب من شعبة التاريخ والجغرافيا ومن أساتذتها الذين هم مختصون؛ ما ذا كتبوا؟، وماذا أحيوا؟، وماذا نشروا فيما يتعلق بتاريخ المغرب على الأقل؟. في حين أننا نجد أساتذة شرقيين، سوريين ومصريين وفلسطينيين، جاؤوا للمغرب كأساتذة فقط أو زوار، وأعجبوا، وكتبوا مؤلفات عن المرابطين والموحدين، وتاريخ المغرب باختصار، ولكن أساتذة التاريخ الرسميين الذين هم في الجامعات وكليات الآداب أهملوا - حقيقة - ذلك، بحيث كم من مشارقة – سواء سفارات أو إسلاميين – يطلبون مني إعطاءهم تاريخا للمغرب مختصرا ومبوبا ومحللا، فلما أبحث لا أكاد أجد سوى كتب مدرسية في التاريخ، هزيلة، ولا أجد للمؤرخين المغاربة إعادة كتابة التاريخ، فأحرى بالنسبة لهذا الموضوع.
وباختصار؛ أعتبر أنه لحسن الحظ أن أحد الشرفاء الكتانيين الباحثين العلماء اهتم بهذا الموضوع، ولذلك أقترح أن يطبع هذا العرض في كراسة، وأن نقيم ندوة ثقافية تاريخية علمية في إحدى القاعات الكبيرة، أو في "نادي الفكر الإسلامي" – ولكن القاعة صغيرة! – وأن نستدعي الصحفيين والسفراء المعتدّين بمثل هذا الموضوع، وأن نستدعي أساتذة شعب التاريخ في الرباط والدار البيضاء لقربهما على الأقل، وأن نستدعي بعض المهتمين في لجان الحركة الإسلامية لتقديم عرض لكل هذه الوثائق، مصحوب بكراسة مطبوعة فيها خلاصة هذا العرض، لتسهيل التعريف بهذا التاريخ للصحفيين حتى ينشروه، لإثارة اهتمام أساتذة التاريخ المغاربة به، لاستدعاء – أيضا – أساتذة الجامعات بتطوان والشمال، والذين يهتمون بتاريخ الأندلس.
فمن حسن الحظ ربما جمعية الأسرة الكتانية كانت لها الأسبقية في عرض هذا الموضوع، وهو حري بمثل هذه الأسبقية، ليكون أعضاء الأسرة والمثقفون والعلماء على علم به، وحتى يساهموا هم كذلك في هذه الندوة الثقافية التاريخية العلمية، عندما يقيمونها في أقرب وقت عندما يكون ذلك الكتيب جاهزا.
كلمة الدكتور عمر بن إدريس الكتاني
أنا كذلك أشكر سيدي علي على هذا العرض القيم، وعلى تلك المعلومات التي – في الحقيقة – استفردنا بها – أعتقد – على المستوى العالمي، لأن هذا الموضوع جديد على جميع المستويات.
أنا أقول: بأنه يجب إنشاء خلية بحث، لأن هذا الموضوع كبير ومهم جدا، ولماذا لا تنشأ خلية بحث بمساعدة أساتذة جامعيين مهتمين من إسبانيا ومن أمريكا اللاتينية، وأن يتعاونوا كلهم على كشف المعطيات والمعلومات والوثائق؟.(قال الدكتور علي: وأميركا الشمالية كذلك). ولا شك أنها ستثير الاهتمام والفضول من الباحثين، حتى إذا لم يكونوا مسلمين.
إذا كانت معطيات أصلية موجودة فمعنى ذلك: أنه توجد معطيات غير مكتشفة حتى الآن، ولا شك أن باحثين نزهاء مؤرخين - حتى من أمريكا اللاتينية - سيكون عندهم اهتمام بهذا الجانب، لأن الباحثين النزهاء لا شك من وجودهم في جامعات تلك الدول.
والجاليات الإسلامية في تلك الدول يمكن أن تكتشفهم وتربط علائق بهم، إما بواسطة الإنترنيت أو غيره، وتنشيء خلية بحث تستمر في هذا الموضوع.
وحتى في الولايات المتحدة يمكن أن يقوم أناس بهذا الجانب، وخصوصا أن الجديد في البحث العلمي هو: علاقة الهنود الحمر بالقبائل المسلمة، وعلاقة الأفارقة – كذلك – بالمسلمين الأفارقة في القارة الأمريكية.
فهذه الثلاثية مهمة جدا، ولا شك أنها ستثير عدة وحدات للبحث.
أما على مستوى المغرب: فتساؤلي هو: اكتشاف هذه القارة؛ هل الوثائق العربية الموجودة لحد الآن لم تذكر بشكل بارز هذه الرحلات التي اخترقت بحر الظلمات وبقيت مسألة مجهولة أو شبه مجهولة؟، لماذا هذه الوثائق الموجودة في العالم العربي لم تثر هذه المسألة التي تكلمنا فيها؟. هل وقع تدمير لتلك الوثائق على مستوى الأندلس، ولم تنتشر في باقي الدول العربية؟. وهذا احتمال كبير؛ لأن أغلب الوثائق الموجودة ضمن هذا الإطار وقع القضاء عليها على مستوى الأندلس، وما وصل العالم العربي سوى الفتات.
ولكن مستوى هذا الاكتشاف لم يكن له صدى في العالم العربي. أنا أتساءل: ما هي الأسباب والاحتمالات التي تجعل من هذا الاكتشاف الكبير، وخصوصا مع وجود عدة قرون من العلاقات مع الأفارقة والشمال إفريقيين كذلك، ولم يبق أثر ذلك بشكل كبير، حتى وإن كان اسم أميركا اللاتينية غير معروف في ذلك الوقت؟. هذا هو سؤالي.
تدخل الدكتورة نزهة ابن الخياط الزكاري
في الحقيقة؛ بالإضافة إلى ما قاله سيدي عمر، وما قاله خالي مولاي إدريس، بضرورة إقامة ندوة على المستوى الوطني، ضرورة خلق خلية للبحث في الميدان، أنا أقول: بأن هناك عدة خلايا في البحث في ميادين وتاريخ "المورو"، وهي موجودة في تونس وموجودة في المغرب، وأنا أعرف المجموعة التي تقوم بها، ومن المفروض أن تنشر بوابة على الإنترنيت - كما قال سيدي عمر - يكفي أن نبدأ وأن نعلن عن وجود مجموعة تهتم بهذا الموضوع حتى يتصل بهذه البوابة جميع من يهتم بهذا الأمر على مدى أربع وعشرين ساعة، أو ثمانية وأربعين ساعة فقط.
إذا: خلية بحث وخلق بوابة، ثم ندوة ندولية – بالإضافة إلى ذلك. في انتظار تكوين خلية بحث، نعمل على ندوة دولية تجمع على مستوى العالم كله، وبالخصوص معاهد الدراسات الإسلامية، ونحن نعرف أن معاهد الدراسات الإسلامية - بالخصوص الموجودة في ألمانيا - تضم أناسا لهم نوع من الموضوعية. طبعا؛ ربما يكونون من محبي الإسلام أو غيرهم، غير أنهم معروفون بالنسبة للأجناس الأخرى، كالفرنسيين مثلا، لهم نوع من الموضوعية.
إذا؛ أنا لا أشك في هذه المعاهد أنها إذا دخلت ستجعل هذا الموضوع فاعلا، إذن: ندوة على مستوى المغرب، ندوة على المستوى الدولي، خلق بوابة على الإنترنيت، بحيث تظهر وجود مهتمين في المغرب، ومن هم. تعطى ملخصا لما قيل الآن، ما قاله الدكتور يمكن أن ينشأ له ملخص في صفحتين، ويعطى كخطوة أولى، وهو سيجلب الناس الذين يهتمون بهذا الموضوع في العالم كله...وشكرا.
تدخل الدكتور حمزة بن علي الكتاني
نشكر والدنا الدكتور المحاضر على ما أفادنا به من معلومات، كما نشكر الأساتذة المتدخلين، ولكن عندي بعض الإضافات الطفيفة:
ذلك أني قرأت سنة 1994م، بحثا كتبه الدكتور علي مروة، وهو باحث لبناني يدرس في بعض جامعات نيويورك، كتب هذا البحث بمناسبة مرور خمسمائة عام على اكتشاف أمريكا على حسب دعوى الغرب، وهو في عشر صفحات بالإنجليزية. ومضمنه: أن كريستوف كولومب لم يكن أول من اكتشف أمريكا، إنما كان المسلمون قبله منذ القرن الثامن الميلادي، ومن ضمن هذه الإضافات التي ذكرها: نقول عن كتاب "مروج الذهب" للمسعودي، والتي تنص على علاقات بين المممالك الإسلامية في وسط إفريقيا وبين المسلمين في أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية.
وكذلك نقل من رحلة كريستوف كولومب التي كتبها بعد رحلته، بعض الآثار الإسلامية، وبعض المعالم الإسلامية التي شاهدها، ومن ذلك: أنه عندما اقترب إلى كوبا وجد مسجدا مبنيا على تل من تلالها، ووصف ذلك المسجد. وهذا يدل على أنه حتى في كتبهم – الغربيين – أنفسهم كانت هذه المسألة عندهم معروفة.
ومن المفيد في هذا البحث: أنه نقل عن حوالي ثلاثين مرجعا، وتلك المراجع أغلبها كتبت في أمريكا وفي أوروبا، أغلبها وهو حوالي تسعين في المائة منها، أحدها مقال في بعض الجرائد الغربية يقول: "لست أنت أول من اكتشف أمريكا يا كولومبوس". كما نص المقال على وجود جامعات إسلامية في أمريكا الشمالية قبل كولومب، وهذه المعلومة تجعلنا نتساءل: ما هو التراث العلمي والفقهي والتاريخي والمذهبي الذي أنتجته تلك الجامعات، وأين هو؟.
ومن ضمن المسائل المفيدة: أن العبيد وما كان من محنتهم بعد القرن الخامس عشر الميلادي، كان عندما قامت الحرب الصليبية ضد الممالك الإسلامية في إفريقيا، وكان أغلب العبيد الذين رحّلوا إلى أمريكا الشمالية والجنوبية من المسلمين، وهم حوالي 84 في المائة، وكان فيهم علماء، وكان فيهم شعراء. والآن توجد عدة جمعيات تجمع التراث الذي وجدوه مخبأ مما كتبه هؤلاء العبيد، فيه من الشعر، ومن الكتابات الدينية، وعندنا صور لبعض المخطوطات من البرازيل، وهي بالخط العربي الكوفي الإفريقي.
وهذا المجال – وهو الحروب الصليبية الأمريكية ضد المسلمين في إفريقيا – يا حبذا أن يبحث كذلك، إما ضمن الجمعية أو خارجها.
تدخل الدكتور المهدي الحلو
أنا أضيف رأيي إلى اقتراح مولاي إدريس ومن بعده، وهذا سيزيدك – الدكتور علي – شغلا على شغلك، لأن هذا الذي ذكرت لنا إنما هو من الفرضيات، لأن قولك بأن العرب اكتشفوا أمريكا قبل كريستوف كولومب بستمائة سنة (قال الدكتور علي: عفوا؛ كلمة "اكتشفوا" الغها من كلامك، أنا إنما قلت: تواجدوا). نعم: أقصد: تواجدوا.
ولكن الأعمال التي أطلبها منك حتى يكون لكلامك هوامش قوية:
- فالسؤال الأول: من أول من ذهب من العرب لأمريكا وكيف ذهب، ومتى ذهب؟. وكيف انتشر الإسلام في أمريكا؟، بحيث إن كلامك اعتمد على أنه: إذا وجدنا آثارا فذلك حجة.
- كيف عندما جاء كريستوف كولومب، وجاء مع قوم من أوروبا أواخر القرن الخامس عشر، كيف تمكنوا من محو هذا التواجد الإسلامي؟، ثم الآن وبعد 1492م، وهذا هو السؤال الذي أعتقد أنه مهم، لأنه لا يحيلنا فقط على هذا التاريخ، إنما يحيلنا كذلك على المستقبل، وأنا أعتقد أن المستقبل – في بعض الحالات – أهم من الماضي، مع أن معرفة التاريخ مهمة، لأنها تعتبر الأساس في مستقبلنا.
والتاريخ فعلا مهم، فقد ذكروا بأن هذا الرجل جاء واكتشف أمريكا – زعما – عام 1492م، ثم جاءت الساكنة الأوروبية شمالا وجنوبا أواسط القرن الثامن عشر، وأنه خلال قرنين من الزمان خلقت هذه القارة أقوى قوة سياسية واقتصادية استراتيجية وعسكرية على المستوى العالمي.
كيف أننا نحن الدول الإسلامية والعربية، وكانت عندنا الإمكانيات، ونحن من بين الأوائل ممن ذهب إلى تلك القارة، بين القرنين 8، و15م، كيف تخلينا أصلا عن كل تواجد لنا في تلك المنطقة، وسمحنا لأوروبا أن تكون هي المسيطرة على العالم انطلاقا من ذلك؟. وأعتقد أن هذا أكثر أهمية، حيث التاريخ يعطينا إشكالية أننا – كعرب ومسلمين – منذ كنا من الأوائل الذين اكتشفوا تلك القارة حتى أصبحنا اليوم في موقع التبعية بشكل أو بآخر لهم.
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
رد: الوجود الإسلامي في الأمريكتين قبل كريستوف كولومبوس. للدكتور علي الكتاني
مداخلة الدكتور نجيب بن محمد الفاطمي الكتاني
في الحقيقة هذا عرض شيق وقيم، الذي أقامه الدكتور سيدي علي، وأنا أشاطر الرأي الدكتور مولاي إدريس، لأن هذا الكلام – في الحقيقة – شيء لا نعرفه، وفوجئنا به، وبما أننا فوجيئنا به، إذا؛ فالغالب أن المغاربة ككل، أو الناس على الصعيد العالمي، هم أيضا ستكون لديهم مفاجأة. إذا كانت هناك ندوة أو محاضرة في هذا الشأن.
ولكن الذي أريد أن أضيفه هو: هل يمكن إذا قررنا – نحن الجمعية – أن نقوم بنشاط علمي ونقيم محاضرة أو عدة محاضرات، أن نستدعي كاتبة هذا الكتاب (الدكتور علي: نعم، نعم)، ولو أنها كما قلتم مسنة؟. (الدكتور علي: نعم، وكذلك صاحب المقال من الممكن أن يأتي)، نعم وذلك لإثراء هذا الموضوع، لأنها مادام أنها ألفت هذا الكتاب، إذن؛ لقد قامت ببحوثات عدة في هذا الميدان، فيمكنها أن تساعد – خاصة وأنها أوروبية وأجنبية – (الدكتور علي: نعم وهي تتكلم الفرنسية بطلاقة)، نعم، إذا؛ أظن أن ما ذكروه من الممكن أن يحصل، وفكرة فتح بوابة في الإنترنيت كذلك مهمة جدا، لأنها تجعلنا نعمم هذا الموضوع، وأن لا يبقى مقتصرا على الصعيدين الوطني أو المحلي، ولكن يصبح له صدى عالمي مشهور، وشكرا.
مداخلة الأستاذ عبد الله الكامل بن الطيب الكتاني
أشكر ابن العم الدكتور سيدي علي على هذه المسامرة الطريفة، التي أضافت إلى معلوماتنا التاريخية معلومات مهمة في ميدان ربما كنا نجهله تمام الجهل، وإن كان لوالدكم المرحوم سيدي المنتصر – رحمه الله – منذ سنوات عديدة شغف بهذا الموضوع، وأذكر أنه كتب عنه في بعض المجلات المشرقية والمغربية، كما تحدث عن الفتية المغرورين في مجالسه.
فهذه بداية كانت تراود كثيرا من الباحثين، ومن علماء المسلمين، تعويضا عما يفقده المسلمون من مكانة في العالم اليوم. وبغض النظر عن هذا الجانب العاطفي، هناك جانب علمي ينبغي أن يتخذ المسار العلمي الذي تتخذه جميع البحوث ابتعادا عن المسائل الصحفية ومسائل الندوات، لأن الحقائق العلمية لا تنشر بالصحافة أو الإنترنيت أو بالدعاية، هذه مسائل حديثة لترويج فكرة سياسية أو لبيع منتوج أو لغير ذلك.
أما المسائل العلمية {وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}، الحقائق العلمية، لا يمكن أن تمحى، لا يمكن أن يمحوها لا الإنترنيت ولا أكثر من الإنترنيت، فالإنترنيت موجة مارة وستأتي بعد الإنترنيت موجة أهم، واكتشافات تدهش العالم كما يتوقعه العلماء.
لنعد إلى موضوع التاريخ: هناك تاريخ حقيقي وتاريخ مفترى، وكثير من حقائق التاريخ لم يعرفها أي أحد، فالتاريخ الذي نعرفه هو الذي يدرسه العلماء، لأن التاريخ بيد من؟، بيد السلطة، التاريخ الذي نعرفه هو التاريخ الرسمي، كم من أشياء نعيشها اليوم، وعاصرناها وعرفناها، في سنوات قليلة، كل واحد عمره خمسون سنة، ثلاثون سنة، أربعون سنة، فهناك حقائق تاريخية لا تجد لها صدى لا في الصحافة ولا في الميديا ولا في الإنترنت ولا في التاريخ، ولكن الذي بقى هو التاريخ الرسمي الذي يكتبه الممولون الساهرون، الحريصون على تحويل ذلك التاريخ وإظهاره للعالم كحقائق ثابتة وحقائق دائمة.
ولذلك؛ فقضية وجود المسلمين في أمريكا ووجود غير المسلمين قبل الفراعنة كذلك، هي مسائل لم تكن وراءها مصلحة، ولم تكن وراءهم سلطة، لم يكن وراءهم تاريخ رسمي يشجع، ولذلك يلفت النظر إلى أن قضية كريستوف كولومب ثبتت لأنه كانت وراءه سلطة، كان ممولا. وهو نفسه لم يكن يعرف أنه سيكتشف أمريكا، ذهب في مهمة سياسية رسمية لكتابة تاريخ جديد، وكتب ذلك التاريخ.
ولذلك فإن بحث الدكتور لننظر كيف نريده؟، هل نريده تاريخا علميا، أو تاريخا سياسيا؟. إن كان تاريخا سياسيا فليس هذا من شأننا، لسنا بسياسيين ولسنا بسلطويين، لا مغاربة ولا أندلسيين ولا إسبانيين ولا غير ذلك، فمن مصلحة أصحاب التاريخ وأصحاب السلطة أن عندهم وسائل ليكتبوا هذا التاريخ، نحن إذا أردنا أن نسير كعلماء فلنتخذ هذه الطريقة التي قامت بها هذه الدوقة الإسبانية حيث كتبت هذا الكتاب ومولته بطريقتها الهادئة، فنحن أيضا نبحث في هذا الطريق، ونضعه في السوق العلمية، وللعلماء أن يقرروا.
تعقيب المحاضر الدكتور علي الكتاني
في الحقيقة أنا شخصيا اهتمامي بتاريخ الوجود الإسلامي في القارة الأميركية وغيرها، هو سند لمستقبل الوجود الإسلامي في القارة الأميركية، وأعطي بعض المعلومات التي هي نتيجة للتقديم الذي قدمته:
ذلك أن صديقا عراقيا أتاني بمخطوطة بالعربية وجدها في مكتبة بألمانيا، وذلك طبقا لما يعرفه عني من الاهتمام بأمريكا والإسلام بها، والمخطوطة تأتي في مائة وعشرين صفحة، بخط عربي مشرقي جميل، وكتبها رجل اسمه "كذا البغدادي"، الذي كان إمام البحرية العثمانية في إصطنبول، أصله من بغداد وكان يعيش في سوريا، وعين إماما للبحرية العثمانية. هذا الرجل خرج في مهمة بحرية من إصطنبول للبصرة، وبالطبع لم تكن وقتئذ قناة السويس، فالطريق من إصطنبول إلى البصرة بحرا، كان عليه أن يقطع من أجلها البحر الأبيض المتوسط مارا بجبل طارق والمحيط الأطلسي، عائدا من طريق رأس الرجاء الصالح إلى المحيط الهندي، ثم خليج فارس أو الخليج العربي، إلى البصرة.
ولما وصلوا إلى المحيط الأطلسي أرسلتهم التيارات البحرية إلى ريو ديجانيرو، في البرازيل، قال وهو يتحدث في كتابه المشوق جدا أنه خرج من الشارع للسفينة، وإذا بأناس ينادونه: "السلام عليكم" فظنهم يستهزئون به. وفي قصة طويلة، اكتشف وجود جماعة إسلامية سرية، وقرر البقاء ثمة، فبقي عاما بينهم، مارا من بلاد لأخرى، وقد سماها، وأعطى تفصيلا عن طريقة عيش هذه الجماعات الإسلامية السرية.
هذا الكتاب أعطيته لإحدى طالباتي في جامعة ابن رشد الإسلامية في قرطبة للحصول على الإجازة (البكالوريوس) وترجمته من العربية للإسبانية، وهي برتغالية، وقد وعدتني أنها ستترجمه إلى لغتها البرتغالية.
وهذا يعني أن هذا الوجود الإسلامي بقي متواصلا ولم يمح، وأنا – والحمد لله – وفقني الله، لأنني بالنسبة للمنطقة شمال البرازيل وغينيا، والتي كانت تابعة للدولة المرابطية، والتي فيها دولتان مستقلتان من غير البرازيل، وهما: سورينام وغويانا، غوينا كانت إنجليزية، وسورينام كانت هولندية، وغويانا الفرنسية ما زالت إلى الآن مستعمرة فرنسية، أدخلت إلى منظمة المؤتمر الإسلامي اثنين منهما، وترينيداد في الطريق، حيث أقنعتهم بالانضمام إلى تلك المنظمة، فسورينام ليس فيها سوى خمسة وثلاثين في المائة من المسلمين، وغويانا أدخلتها كذلك عضوا في منظمة المؤتمر الإسلامي، وهناك احتمال دخول ثلاث أو أربع دول أخرى من تلك المنطقة إلى منظمة المؤتمر الإسلامي.
أحبت هذه المنطقة الإسلام، وصدر كتاب في غويانا كنت اطلعت عليه، اسمه: "الجذور العميقة" "Deep Roots"، وهو يتحدث عن وجود الأفارقة في أميركا قبل كريستوف كولومب، والذي أحب التنويه به: أن هذا الأمر هناك أناس كثر متحمسون له، والدوقة نفسها مستعدة لإعطاء جناح في قصرها لإنشاء مدرسة في العلاقات بين الأندلس وأمريكا الجنوبية قبل كريستوف كولومب.
والذي أريد ذكره هو: أن مشكلتنا هي مشكلة البحث العلمي، سواء في الهندسة، أو في التاريخ، فإنه ضعيف في بلادنا مع الأسف الشديد، وربما السبب في ذلك هو عدم ثقتنا في أنفسنا، فنظن صعوبة الدخول إلى مجالات صعبة خطيرة كهذه، فيضحك علينا الناس، أو نخطيء في آرائنا، أو غير ذلك!.
ولكن الأمريكان والأوروبيين – وخاصة الأمريكان – بحثوا في هذا الأمر، وباستطاعتي كتابة لائحة تضم عشرين كتابا ألف في هذا الموضوع، والآن هناك تراث في ذلك باللغة الإنجليزية وغيرها. فلماذا لا نكتب نحن العرب؟. لا أدري، لا أدري!!..
عندنا في تراثنا إشارات عديدة، ذكرت بعضها في كلمتي هذه، في "مروج الذهب"، عند الشريف الإدريسي...إلخ، وإذا فرّغنا طلبة للبحث في هذا التراث سيجدونه، لأن الكثير من المحلات التي نقرأ أنها في إفريقيا ليست في إفريقيا بل هي في أمريكا في الحقيقة، فلم يكن اسمها أمريكا، الجميع كان يدعى إفريقيا، لأن المؤرخين والجغرافيين قديما لم يكونوا يقسمون العالم إلى قارات بل إلى مناخات، ولذلك يمكن أن نحسب أمريكا الجنوبية على إفريقيا.
فأنا يسعدني - كما ذكرتم - إقامة ندوة في هذا الأمر، وقد فكرت في ذلك: أن نقيم مؤتمرا دوليا ولا نأتي بهذين الباحثين فقط، دوقة مدينة سيدونيا وعبد الحكيم كويك، بل نأتي بالعشرات من المختصين في هذا المجال، ومعظمهم – مع الأسف الشديد – ليسوا عربا ولا مسلمين، ولكن عندهم الجرأة العلمية والكفاءة ليقولوا ما يعرفونه حقيقة، لا يهم ما يكون دينهم، ولو وجدنا من يمول هذا المؤتمر فبكل فرح.
أنا كل ما يهمني في هذا الأمر شخصيا، وأقصد بشخصيا كل عربي ومسلم يهمه إشعاع أمته:
النقطة الأولى: يجب أن نعرف تاريخنا حقيقة، كيف نحن المغاربة لا نعرف أن دولتنا المرابطية نصفها كان في إفريقيا وأوروبا، والنصف الآخر كان في أمريكا ولا علم لنا به؟!. حتى أحتاج أن تأتيني دوقة الإسبان وتعطيني الوثائق مبرهنة على وجود الدولة المرابطية هناك في غويانا. وأنا متأكد تأكدا كاملا أن ذلك موجود في وثائقنا غير أننا لم نعرف قراءتها، لأن وصولنا إلى ذلك التاريخ كأننا نحل اللغة الهيروكليفية، فيجب أن تفهم، فربما تظن أنه يتحدث عن السودان وهو في ذلك الوقت يتحدث عن أمريكا!.
وبالمثال؛ في وثيقة: "جاء إلى مدينتين فوق الجبال: واحدة اسمها سلا، والأخرى: الرباط، على بعد خمسمائة كلم"، فالبديهة أن هذه ليست الرباط وسلا التي نعرفها، إنما بديهة أنها محل آخر. فالقاريء يجب أن يقرأ بوعي، فهو يتحدث عن سلا والرباط التين في البرازيل واللتين أسسهما أولئك، فربما تكون كثير من القصص المكتوبة بهذه الطريقة، نظنها تتحدث عن مناطق معينة وليس الأمر كذلك. وإذا وقعنا على تناقض قلنا: هذا إنما خبط. لا؛ لا تقل: إنه خبط، بل فتش عن سبب الاختلاف. فيجب أن يكون عندنا الوعي العلمي عند قراءة تاريخنا.
النقطة الثانية: وهي فظيعة ومرعبة عند رؤيتها، ذلك أنه لا يمكن القضاء على شعب من الشعوب. أنا عندما أرى أبراهام لينكولن انتقم للأندلس باسم تحرير السود في أميركا لأن أصله – فيما اكتُشف بعد – أندلسي، هذا شيء مرعب، إذن؛ لا يمكن أن تُقتل أمة من الأمم، وكذلك هذا الوجود بالرغم من أنه لم يبق منه سوى بقايا، فإنه كذلك الرماد الذي يحيى. وبرهان ذلك: أنني أنا شخصيا صليت وراء إمام من الهنود الحمر في غويانا، ربما هذا من سلالتهم، ربما هؤلاء الشباب الذين يذهبون لأمريكا الوسطى إلى تلك القبيلة يدخلون أهلها للإسلام، لأنه من السهولة إدخالهم للإسلام..
فأنا شخصيا كنت في منطقة أخرى، وذلك في زيلاندا الجديدة "New Zeeland"، في المحيط الهادي، وتعمدت أن ألتقي بزعماء "الماورين" الكبار وشيوخهم، وهم - "الماوري" - سكان نيوزيلندا الأصليون، وقلت لهم: "عدوا المسلمين المتواجدين هنا ضيوفكم، وليسوا ضيوف ضيوف الأوروبيين البيض، هم ضيوفكم، فقط لونهم أبيض، ولكنهم مسلمون"، وأنشأنا علاقة بينهم, والشاهد عندنا: أن زعيمهم قال لي: "الذي نعتقده هو أن أصلنا من المشرق"، بل فهمت منه أنه يريد القول بأن أصلهم من بلاد عربية.
صحيح هذا أو ليس بصحيح، المهم أنه ممكن إنشاء علاقات والبناء عليها بخصوص نشر الإسلام بينهم، نحن مقصرون تقصيرا شديدا، وأقول: "نحن" أي: المسلمين، عندنا إمكانيات كبيرة لربط العلاقات مع شعوب الأرض، سواء أوروبا أو أمريكا أو غيرها، خاصة الشعوب الأصلية، بيد أننا معرضون عن ذلك.
فعلا؛ نحن "مازوشيّون": نحب أن نؤذى ونضطهد، ثم نبكي، ونقول: "هؤلاء آذونا"، سواء اليهود أو النصارى أو غيرهم، ونحن في إمكاننا أن نقلب الدنيا إذا أردنا، فقط بالتي هي أحسن.
فالآن – مثلا – الإمكانية التي عند هذه الدوقة ليست عند الحكومات المغربية كلها، عندها إمكانية، وهي مستعدة لبذل مالها وبيتها وكل شيء، ولكن لماذا؟. لأنها تنتمي إلينا، تنتمي إلينا، تشعر بأن أصلها مسلم، وعندها وثائق، وعندها إمكانية، وعندها حرية. ومثلها كثير في أمريكا الشمالية والجنوبية وأوروبا.
فلو أنشأنا جمعية للدراسات التاريخية الأمريكية الأوروبية، أو أي شيء بهذا المعنى؛ يا ما يمكن أن نفعله وننتجه، ولكن تبقى المشكلة دائما هي: من أين التمويل؟.
نحن الدول النامية – مع الأسف الشديد – ونحن من المغطوسين فيها، لا نعطي قيمة للبحث، ولا نموله، دول أخرى تعطي قيمة للبحث واحدا في المائة من مدخولها للبحث العلمي، أو ثلاثة في المائة، أما نحن؛ فإذا أعطينا 1*6-10 ، فنعم ما فعلنا. ليس عندنا بحث علمي لا في الفيزياء ولا في الكيمياء، ولا في التاريخ، ولا في الجغرافيا، ولا في أي شيء...
أما بالنسبة للمغرب كمغرب؛ فنحن يجب أن نعرف جذورنا وتاريخنا، لا نعرف ذلك جيدا، وتوجد مجالات كثيرة للبحث فيه، وأعيد وأكرر: يجب أن نقرأ كتبنا القديمة بعيون جديدة، لنجيد فهمها، لأننا إذا لم نفهمها؛ لم نستفد شيئا، وبالتأكيد يمكن أن نجد معلومات كثيرة جديدة أكثر من هذه المعلومات. وأنا إنما أتطفل لأنني مهندس كهربائي، فأنا فضولي فقط، ها. ها. ها.
انتهت المحاضرة المباركة، ونسأل الله أن يرحم مؤلفها وينفع بعلمه بمنه تعالى وكرمه
نرجو من جميع الواقفين على هذه المحاضرة نشرها قدر المستطاع، أو ترجمتها للغات العالمية، ليعم النفع بها جميع العالم، ومن استطاع تفعيل توصياتها فله الأجر عند الله تعالى بما لا يقدره غير الله
حمل المحاضرة من المشاركة رقم 23 بالرابط الذى نقلتها منه
"نفيس جدا": الوجود الإسلامي في الأمريكتين قبل كريستوف كولومب. للدكتور علي الكتاني - ملتقى أهل الحديث
في الحقيقة هذا عرض شيق وقيم، الذي أقامه الدكتور سيدي علي، وأنا أشاطر الرأي الدكتور مولاي إدريس، لأن هذا الكلام – في الحقيقة – شيء لا نعرفه، وفوجئنا به، وبما أننا فوجيئنا به، إذا؛ فالغالب أن المغاربة ككل، أو الناس على الصعيد العالمي، هم أيضا ستكون لديهم مفاجأة. إذا كانت هناك ندوة أو محاضرة في هذا الشأن.
ولكن الذي أريد أن أضيفه هو: هل يمكن إذا قررنا – نحن الجمعية – أن نقوم بنشاط علمي ونقيم محاضرة أو عدة محاضرات، أن نستدعي كاتبة هذا الكتاب (الدكتور علي: نعم، نعم)، ولو أنها كما قلتم مسنة؟. (الدكتور علي: نعم، وكذلك صاحب المقال من الممكن أن يأتي)، نعم وذلك لإثراء هذا الموضوع، لأنها مادام أنها ألفت هذا الكتاب، إذن؛ لقد قامت ببحوثات عدة في هذا الميدان، فيمكنها أن تساعد – خاصة وأنها أوروبية وأجنبية – (الدكتور علي: نعم وهي تتكلم الفرنسية بطلاقة)، نعم، إذا؛ أظن أن ما ذكروه من الممكن أن يحصل، وفكرة فتح بوابة في الإنترنيت كذلك مهمة جدا، لأنها تجعلنا نعمم هذا الموضوع، وأن لا يبقى مقتصرا على الصعيدين الوطني أو المحلي، ولكن يصبح له صدى عالمي مشهور، وشكرا.
مداخلة الأستاذ عبد الله الكامل بن الطيب الكتاني
أشكر ابن العم الدكتور سيدي علي على هذه المسامرة الطريفة، التي أضافت إلى معلوماتنا التاريخية معلومات مهمة في ميدان ربما كنا نجهله تمام الجهل، وإن كان لوالدكم المرحوم سيدي المنتصر – رحمه الله – منذ سنوات عديدة شغف بهذا الموضوع، وأذكر أنه كتب عنه في بعض المجلات المشرقية والمغربية، كما تحدث عن الفتية المغرورين في مجالسه.
فهذه بداية كانت تراود كثيرا من الباحثين، ومن علماء المسلمين، تعويضا عما يفقده المسلمون من مكانة في العالم اليوم. وبغض النظر عن هذا الجانب العاطفي، هناك جانب علمي ينبغي أن يتخذ المسار العلمي الذي تتخذه جميع البحوث ابتعادا عن المسائل الصحفية ومسائل الندوات، لأن الحقائق العلمية لا تنشر بالصحافة أو الإنترنيت أو بالدعاية، هذه مسائل حديثة لترويج فكرة سياسية أو لبيع منتوج أو لغير ذلك.
أما المسائل العلمية {وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}، الحقائق العلمية، لا يمكن أن تمحى، لا يمكن أن يمحوها لا الإنترنيت ولا أكثر من الإنترنيت، فالإنترنيت موجة مارة وستأتي بعد الإنترنيت موجة أهم، واكتشافات تدهش العالم كما يتوقعه العلماء.
لنعد إلى موضوع التاريخ: هناك تاريخ حقيقي وتاريخ مفترى، وكثير من حقائق التاريخ لم يعرفها أي أحد، فالتاريخ الذي نعرفه هو الذي يدرسه العلماء، لأن التاريخ بيد من؟، بيد السلطة، التاريخ الذي نعرفه هو التاريخ الرسمي، كم من أشياء نعيشها اليوم، وعاصرناها وعرفناها، في سنوات قليلة، كل واحد عمره خمسون سنة، ثلاثون سنة، أربعون سنة، فهناك حقائق تاريخية لا تجد لها صدى لا في الصحافة ولا في الميديا ولا في الإنترنت ولا في التاريخ، ولكن الذي بقى هو التاريخ الرسمي الذي يكتبه الممولون الساهرون، الحريصون على تحويل ذلك التاريخ وإظهاره للعالم كحقائق ثابتة وحقائق دائمة.
ولذلك؛ فقضية وجود المسلمين في أمريكا ووجود غير المسلمين قبل الفراعنة كذلك، هي مسائل لم تكن وراءها مصلحة، ولم تكن وراءهم سلطة، لم يكن وراءهم تاريخ رسمي يشجع، ولذلك يلفت النظر إلى أن قضية كريستوف كولومب ثبتت لأنه كانت وراءه سلطة، كان ممولا. وهو نفسه لم يكن يعرف أنه سيكتشف أمريكا، ذهب في مهمة سياسية رسمية لكتابة تاريخ جديد، وكتب ذلك التاريخ.
ولذلك فإن بحث الدكتور لننظر كيف نريده؟، هل نريده تاريخا علميا، أو تاريخا سياسيا؟. إن كان تاريخا سياسيا فليس هذا من شأننا، لسنا بسياسيين ولسنا بسلطويين، لا مغاربة ولا أندلسيين ولا إسبانيين ولا غير ذلك، فمن مصلحة أصحاب التاريخ وأصحاب السلطة أن عندهم وسائل ليكتبوا هذا التاريخ، نحن إذا أردنا أن نسير كعلماء فلنتخذ هذه الطريقة التي قامت بها هذه الدوقة الإسبانية حيث كتبت هذا الكتاب ومولته بطريقتها الهادئة، فنحن أيضا نبحث في هذا الطريق، ونضعه في السوق العلمية، وللعلماء أن يقرروا.
تعقيب المحاضر الدكتور علي الكتاني
في الحقيقة أنا شخصيا اهتمامي بتاريخ الوجود الإسلامي في القارة الأميركية وغيرها، هو سند لمستقبل الوجود الإسلامي في القارة الأميركية، وأعطي بعض المعلومات التي هي نتيجة للتقديم الذي قدمته:
ذلك أن صديقا عراقيا أتاني بمخطوطة بالعربية وجدها في مكتبة بألمانيا، وذلك طبقا لما يعرفه عني من الاهتمام بأمريكا والإسلام بها، والمخطوطة تأتي في مائة وعشرين صفحة، بخط عربي مشرقي جميل، وكتبها رجل اسمه "كذا البغدادي"، الذي كان إمام البحرية العثمانية في إصطنبول، أصله من بغداد وكان يعيش في سوريا، وعين إماما للبحرية العثمانية. هذا الرجل خرج في مهمة بحرية من إصطنبول للبصرة، وبالطبع لم تكن وقتئذ قناة السويس، فالطريق من إصطنبول إلى البصرة بحرا، كان عليه أن يقطع من أجلها البحر الأبيض المتوسط مارا بجبل طارق والمحيط الأطلسي، عائدا من طريق رأس الرجاء الصالح إلى المحيط الهندي، ثم خليج فارس أو الخليج العربي، إلى البصرة.
ولما وصلوا إلى المحيط الأطلسي أرسلتهم التيارات البحرية إلى ريو ديجانيرو، في البرازيل، قال وهو يتحدث في كتابه المشوق جدا أنه خرج من الشارع للسفينة، وإذا بأناس ينادونه: "السلام عليكم" فظنهم يستهزئون به. وفي قصة طويلة، اكتشف وجود جماعة إسلامية سرية، وقرر البقاء ثمة، فبقي عاما بينهم، مارا من بلاد لأخرى، وقد سماها، وأعطى تفصيلا عن طريقة عيش هذه الجماعات الإسلامية السرية.
هذا الكتاب أعطيته لإحدى طالباتي في جامعة ابن رشد الإسلامية في قرطبة للحصول على الإجازة (البكالوريوس) وترجمته من العربية للإسبانية، وهي برتغالية، وقد وعدتني أنها ستترجمه إلى لغتها البرتغالية.
وهذا يعني أن هذا الوجود الإسلامي بقي متواصلا ولم يمح، وأنا – والحمد لله – وفقني الله، لأنني بالنسبة للمنطقة شمال البرازيل وغينيا، والتي كانت تابعة للدولة المرابطية، والتي فيها دولتان مستقلتان من غير البرازيل، وهما: سورينام وغويانا، غوينا كانت إنجليزية، وسورينام كانت هولندية، وغويانا الفرنسية ما زالت إلى الآن مستعمرة فرنسية، أدخلت إلى منظمة المؤتمر الإسلامي اثنين منهما، وترينيداد في الطريق، حيث أقنعتهم بالانضمام إلى تلك المنظمة، فسورينام ليس فيها سوى خمسة وثلاثين في المائة من المسلمين، وغويانا أدخلتها كذلك عضوا في منظمة المؤتمر الإسلامي، وهناك احتمال دخول ثلاث أو أربع دول أخرى من تلك المنطقة إلى منظمة المؤتمر الإسلامي.
أحبت هذه المنطقة الإسلام، وصدر كتاب في غويانا كنت اطلعت عليه، اسمه: "الجذور العميقة" "Deep Roots"، وهو يتحدث عن وجود الأفارقة في أميركا قبل كريستوف كولومب، والذي أحب التنويه به: أن هذا الأمر هناك أناس كثر متحمسون له، والدوقة نفسها مستعدة لإعطاء جناح في قصرها لإنشاء مدرسة في العلاقات بين الأندلس وأمريكا الجنوبية قبل كريستوف كولومب.
والذي أريد ذكره هو: أن مشكلتنا هي مشكلة البحث العلمي، سواء في الهندسة، أو في التاريخ، فإنه ضعيف في بلادنا مع الأسف الشديد، وربما السبب في ذلك هو عدم ثقتنا في أنفسنا، فنظن صعوبة الدخول إلى مجالات صعبة خطيرة كهذه، فيضحك علينا الناس، أو نخطيء في آرائنا، أو غير ذلك!.
ولكن الأمريكان والأوروبيين – وخاصة الأمريكان – بحثوا في هذا الأمر، وباستطاعتي كتابة لائحة تضم عشرين كتابا ألف في هذا الموضوع، والآن هناك تراث في ذلك باللغة الإنجليزية وغيرها. فلماذا لا نكتب نحن العرب؟. لا أدري، لا أدري!!..
عندنا في تراثنا إشارات عديدة، ذكرت بعضها في كلمتي هذه، في "مروج الذهب"، عند الشريف الإدريسي...إلخ، وإذا فرّغنا طلبة للبحث في هذا التراث سيجدونه، لأن الكثير من المحلات التي نقرأ أنها في إفريقيا ليست في إفريقيا بل هي في أمريكا في الحقيقة، فلم يكن اسمها أمريكا، الجميع كان يدعى إفريقيا، لأن المؤرخين والجغرافيين قديما لم يكونوا يقسمون العالم إلى قارات بل إلى مناخات، ولذلك يمكن أن نحسب أمريكا الجنوبية على إفريقيا.
فأنا يسعدني - كما ذكرتم - إقامة ندوة في هذا الأمر، وقد فكرت في ذلك: أن نقيم مؤتمرا دوليا ولا نأتي بهذين الباحثين فقط، دوقة مدينة سيدونيا وعبد الحكيم كويك، بل نأتي بالعشرات من المختصين في هذا المجال، ومعظمهم – مع الأسف الشديد – ليسوا عربا ولا مسلمين، ولكن عندهم الجرأة العلمية والكفاءة ليقولوا ما يعرفونه حقيقة، لا يهم ما يكون دينهم، ولو وجدنا من يمول هذا المؤتمر فبكل فرح.
أنا كل ما يهمني في هذا الأمر شخصيا، وأقصد بشخصيا كل عربي ومسلم يهمه إشعاع أمته:
النقطة الأولى: يجب أن نعرف تاريخنا حقيقة، كيف نحن المغاربة لا نعرف أن دولتنا المرابطية نصفها كان في إفريقيا وأوروبا، والنصف الآخر كان في أمريكا ولا علم لنا به؟!. حتى أحتاج أن تأتيني دوقة الإسبان وتعطيني الوثائق مبرهنة على وجود الدولة المرابطية هناك في غويانا. وأنا متأكد تأكدا كاملا أن ذلك موجود في وثائقنا غير أننا لم نعرف قراءتها، لأن وصولنا إلى ذلك التاريخ كأننا نحل اللغة الهيروكليفية، فيجب أن تفهم، فربما تظن أنه يتحدث عن السودان وهو في ذلك الوقت يتحدث عن أمريكا!.
وبالمثال؛ في وثيقة: "جاء إلى مدينتين فوق الجبال: واحدة اسمها سلا، والأخرى: الرباط، على بعد خمسمائة كلم"، فالبديهة أن هذه ليست الرباط وسلا التي نعرفها، إنما بديهة أنها محل آخر. فالقاريء يجب أن يقرأ بوعي، فهو يتحدث عن سلا والرباط التين في البرازيل واللتين أسسهما أولئك، فربما تكون كثير من القصص المكتوبة بهذه الطريقة، نظنها تتحدث عن مناطق معينة وليس الأمر كذلك. وإذا وقعنا على تناقض قلنا: هذا إنما خبط. لا؛ لا تقل: إنه خبط، بل فتش عن سبب الاختلاف. فيجب أن يكون عندنا الوعي العلمي عند قراءة تاريخنا.
النقطة الثانية: وهي فظيعة ومرعبة عند رؤيتها، ذلك أنه لا يمكن القضاء على شعب من الشعوب. أنا عندما أرى أبراهام لينكولن انتقم للأندلس باسم تحرير السود في أميركا لأن أصله – فيما اكتُشف بعد – أندلسي، هذا شيء مرعب، إذن؛ لا يمكن أن تُقتل أمة من الأمم، وكذلك هذا الوجود بالرغم من أنه لم يبق منه سوى بقايا، فإنه كذلك الرماد الذي يحيى. وبرهان ذلك: أنني أنا شخصيا صليت وراء إمام من الهنود الحمر في غويانا، ربما هذا من سلالتهم، ربما هؤلاء الشباب الذين يذهبون لأمريكا الوسطى إلى تلك القبيلة يدخلون أهلها للإسلام، لأنه من السهولة إدخالهم للإسلام..
فأنا شخصيا كنت في منطقة أخرى، وذلك في زيلاندا الجديدة "New Zeeland"، في المحيط الهادي، وتعمدت أن ألتقي بزعماء "الماورين" الكبار وشيوخهم، وهم - "الماوري" - سكان نيوزيلندا الأصليون، وقلت لهم: "عدوا المسلمين المتواجدين هنا ضيوفكم، وليسوا ضيوف ضيوف الأوروبيين البيض، هم ضيوفكم، فقط لونهم أبيض، ولكنهم مسلمون"، وأنشأنا علاقة بينهم, والشاهد عندنا: أن زعيمهم قال لي: "الذي نعتقده هو أن أصلنا من المشرق"، بل فهمت منه أنه يريد القول بأن أصلهم من بلاد عربية.
صحيح هذا أو ليس بصحيح، المهم أنه ممكن إنشاء علاقات والبناء عليها بخصوص نشر الإسلام بينهم، نحن مقصرون تقصيرا شديدا، وأقول: "نحن" أي: المسلمين، عندنا إمكانيات كبيرة لربط العلاقات مع شعوب الأرض، سواء أوروبا أو أمريكا أو غيرها، خاصة الشعوب الأصلية، بيد أننا معرضون عن ذلك.
فعلا؛ نحن "مازوشيّون": نحب أن نؤذى ونضطهد، ثم نبكي، ونقول: "هؤلاء آذونا"، سواء اليهود أو النصارى أو غيرهم، ونحن في إمكاننا أن نقلب الدنيا إذا أردنا، فقط بالتي هي أحسن.
فالآن – مثلا – الإمكانية التي عند هذه الدوقة ليست عند الحكومات المغربية كلها، عندها إمكانية، وهي مستعدة لبذل مالها وبيتها وكل شيء، ولكن لماذا؟. لأنها تنتمي إلينا، تنتمي إلينا، تشعر بأن أصلها مسلم، وعندها وثائق، وعندها إمكانية، وعندها حرية. ومثلها كثير في أمريكا الشمالية والجنوبية وأوروبا.
فلو أنشأنا جمعية للدراسات التاريخية الأمريكية الأوروبية، أو أي شيء بهذا المعنى؛ يا ما يمكن أن نفعله وننتجه، ولكن تبقى المشكلة دائما هي: من أين التمويل؟.
نحن الدول النامية – مع الأسف الشديد – ونحن من المغطوسين فيها، لا نعطي قيمة للبحث، ولا نموله، دول أخرى تعطي قيمة للبحث واحدا في المائة من مدخولها للبحث العلمي، أو ثلاثة في المائة، أما نحن؛ فإذا أعطينا 1*6-10 ، فنعم ما فعلنا. ليس عندنا بحث علمي لا في الفيزياء ولا في الكيمياء، ولا في التاريخ، ولا في الجغرافيا، ولا في أي شيء...
أما بالنسبة للمغرب كمغرب؛ فنحن يجب أن نعرف جذورنا وتاريخنا، لا نعرف ذلك جيدا، وتوجد مجالات كثيرة للبحث فيه، وأعيد وأكرر: يجب أن نقرأ كتبنا القديمة بعيون جديدة، لنجيد فهمها، لأننا إذا لم نفهمها؛ لم نستفد شيئا، وبالتأكيد يمكن أن نجد معلومات كثيرة جديدة أكثر من هذه المعلومات. وأنا إنما أتطفل لأنني مهندس كهربائي، فأنا فضولي فقط، ها. ها. ها.
انتهت المحاضرة المباركة، ونسأل الله أن يرحم مؤلفها وينفع بعلمه بمنه تعالى وكرمه
نرجو من جميع الواقفين على هذه المحاضرة نشرها قدر المستطاع، أو ترجمتها للغات العالمية، ليعم النفع بها جميع العالم، ومن استطاع تفعيل توصياتها فله الأجر عند الله تعالى بما لا يقدره غير الله
حمل المحاضرة من المشاركة رقم 23 بالرابط الذى نقلتها منه
"نفيس جدا": الوجود الإسلامي في الأمريكتين قبل كريستوف كولومب. للدكتور علي الكتاني - ملتقى أهل الحديث
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
مواضيع مماثلة
» الوجود الإسلامي في الأمريكتين قبل كولومبوس. للدكتور يوسف مروة
» نظرية التجديد في الفكر الإسلامي للدكتور عبد الكريم زيدان
» إثبات واجب الوجود
» قراءة فى مقال جن وشياطين: الوجود والتجسد والتأثير
» حمل مجموعه كتب للدكتور توفيق الشاوي
» نظرية التجديد في الفكر الإسلامي للدكتور عبد الكريم زيدان
» إثبات واجب الوجود
» قراءة فى مقال جن وشياطين: الوجود والتجسد والتأثير
» حمل مجموعه كتب للدكتور توفيق الشاوي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى