نشأة الاختلاف وأدبه بقلم أ د السيد فرج
3 مشترك
شبكة واحة العلوم الثقافية :: الساحات العلمية والثقافية والحوارية :: ساحة الفقه والعلوم والحوارات الشرعية
صفحة 1 من اصل 1
نشأة الاختلاف وأدبه بقلم أ د السيد فرج
نشأة الاختلاف وأدبه
بقلم الأستاذ الدكتور / السيد فرج
الأستاذ بجامعة المنصورة
اقتضت حكمة الله ومشيئته أن يختلف الناس في المدارك والتصورات والأفكار ، ولعل هذا الاختلاف نعمة من نعم الله – تعالي – علي البشر ، فاختلاف الألوان والتصورات والأفكار من الأشياء التي تيسر علي الناس أمورهم ومعايشهم وإن أدي ذلك الاختلاف إلي تعدد الآراء والأحكام ، المستنبطة من أدلة الاختلاف .
والاختلاف علي كل حال دليل من أدلة قدرة الله البالغة في خلقه ، ولهذا جعل الله كل واحد منهم ميسر لما خلق له يقول تعالي : ()
ولقد وقع الاختلاف في سلف الأمة – ولا يزال واقعا ، ولكن الاختلاف الذي وقع في سلف الأمة كانت له آداب ، ولذا كان ظاهرة إيجابية تدور فوائده حول :
1 – إتاحة التعرف علي جميع الاحتمالات التي يمكن أن يرمي إليها الدليل بوجه من الوجوه .
2 – أنها تضع الحلول أمام المجتهد ، فيختار منها الحل الأكثر ملاءمة ، لموضوع اجتهاده ، والذي يتناسب ويسر الدين علي الناس ، وهم يتعاملون معاملاتهم من واقع حياتهم .
3 – الاختلاف عادة – مادام لم يتجاوز حدوده – ومادام يلتزم شروطه ، فإنه رياضة ذهنية ، تفتح مجالات كثيرة للتفكير الصحيح الذي يوصل إلي الافتراضات ، التي تتلاءم مع العقول المختلفة ، فتأخذ منها بما يلائمها ، وبما وصل فهمه إلي عقولها .
4 – وهذه الفوائد وغيرها ، التي تحقق النفع للمسلمين ، يشترط لتحقيقها أن تظل الاختلافات محاطة بشروطها الإيجابية ، فلا تتجاوزها ، علي أن يحرص الأئمة المجتهدون علي مراعاتها ، والحفاظ عليها .
5 – هذه الاختلافات إذا تجاوزت شروط الاجتهاد الصحيح ، فأسست علي قواعد الهوى ، ولم تراع المبادئ الأصلية التي وضعت لها ، تحولت إلي نوع من الجدل العقيم ، الذي يؤدي إلي الشقاق بين الأئمة المجتهدين ، بل ربما صنعت شروخا في أركان الأمة الإسلامية وتحولت إلي معاول لهدمها .
الخلاف القائم علي الهوى !! :
والإسلام لا يرفض الاختلاف – بشروطه الإيجابية – ولكنه يحذر من الخلاف بأحواله السلبية . لأن الاختلاف قائم علي الاجتهاد الصحيح بينما الخلاف قائم علي رغبة التظاهر بالفهم ، أو بالعلم ، أو بالفقه وهذا الخلاف محرم مذموم ، لأن الهوى فيه غلب الحرص علي تحرى الحق ، فالهوى مطية الظلم ومجانية العدل ، وكذلك انحراف إلي الضلال يقول تعالي : ( ) فخلاف الهوى إذن ، هو الذي ينحرف بالإنسان إلي الفساد ، وسبيل الضلال ، كما أنه لا يوصل إلي علم ، لأنه نقيض العلم . . وإذا تعددت أسباب الهوى ودوافعه ، فإنها في الحقيقة ترجع إلي هوى النفس وحب الذات والغرور ، كما فعل أهل الهوى من أصحاب البدع والملل والنحل ، و( من أراد الزيادة والاستقصاء في هذا الباب فليرجع إلي كتب الفرق فليس هنا محله ) .
ولقد وقف لهؤلاء – بحمد الله وتوفيقه – علماء أهل السنة ، فبينوا ذلك الخلاف القبيح الذي حاول أصحابه تزيينه للمسلمين ، واكتشفوا ، وبينوا زيفه صلي الله عليه وسلم في العمل ، لا يعمل العامل بعلم وعمل بقواعد وضعوها وأسس أسسوها مثل : رجل منهم إلا رأى أنه في سعة ، وعن ضمرة
1 – إظهار مناقضة أقوالهم لصريح وحي الله – سبحانه وتعالي - ، وسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وهذه الآراء لا تخفي علي علماء الأصول الزادين عن الدين .
2 – أما الاختلاف الذي أملاه الحق ، ودفع إليه العلم ، وفرضه الإيمان ورجحه العقل ، فهو الاختلاف البناء المقبول ، لأن الذي دفع المجهد إليه ، إنما إخلاصه لدينه وغيرته علي شريعته ، وهو قائم علي إتباع قواعد صحيحة من الشرع يحتكم إليها ، وإلي ضوابط تنظمه ، وآداب تهيمن عليه وتحفظه من الوقوع في المزالق ، وبذل المجهود في استخراج الأحكام الشرعية من الأدلة الشرعية .
3 – وقد قطع العلماء أن الاختلاف في مسائل الاجتهاد ، واقع ممن حصل له بمحض الرحمة ، وقد بدأ في زمن الصحابة ، ومن اتبعهم بإحسان رضي الله عنهم أجمعين ، يقول الشاطبى في (الاعتصام) ، وكذلك ابن عبد البر في (جامع بيان العلم وفضله) ، إن بيان كون الاختلاف المذكور رحمة : ما روي عن القاسم بن محمد قال : لقد نفع الله باختلاف أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم في العمل ، لا يعمل العامل بعلم وعمل رجل منهم إلا رأي أنه في سعة ، وعن ضمرة ابن رجاء قال :
اجتمع عمر بن عبد العزيز والقاسم بن محمد فجعلا يتذكران الحديث ، قال – فجعل عمر يجيء بالشيء يخالف فيه القاسم – وجعل القاسم يشق ذلك عليه حتى يتبين ذلك فيه ، فقال له عمر : لا تفعل : فما يسرني باختلافهم حمر النعم .
وروي ابن وهب عن القاسم أيضا قال : لقد أعجبني قول عمر بن عبد العزيز : ما أحب أن أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم لا يختلفون ، لأنه لو كان قولا واحدا لكان الناس في ضيق وأنهم أئمة يقتدي بهم ، فلو أخذ رجل بقول أحدهم كان سنة . يقول الشاطبى : ومعني ذلك أنهم فتحوا للناس باب الاجتهاد وجواز الاختلاف فيه ، أنهم لو لم يفتحوه لكان المجتهدون في ضيق ، لأن مجال الاجتهاد ومجالات الظنون لا تتفق عادة فيصير أهل الاجتهاد مع تكليفهم بإتباع ما غلب علي ظنونهم مكلفين بإتباع خلافهم ، وهو نوع من تكليف مالا يطاق ، وذلك من أعظم الضيق ، فوسع الله علي الأمة بوجود الخلاف الفروعي فيهم ، فكان فتح باب للأمة للدخول في هذه الرحمة فكيف لا يدخلون في قسم من رحمة ربك ؟ فاختلافهم في الفروع كاتفاقهم فيها – والحمد لله .
وبين هذين الطريقين ، واسطة أدني من الرتبة الأولي ، وأعلي من الرتبة الثانية ، وهي أن يقع الاتفاق في أصل الدين ، ولا يقع الاختلاف في قواعده الكلية وهو المؤدي إلي التفرق شيعا .
اختلاف الصحابة علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم :
لم يكن في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم ، ما يمكن أن يؤدي إلي الاختلاف ، ذلك لأن الرسول صلي الله عليه وسلم ، كان مرجع الصحابة ، إذا غمض عليهم أمر ، وكان الصحابة – رضوان الله عليهم – إذا اختلفوا في شيء ردوه إلي الرسول صلي الله عليه وسلم ، فبينه لهم علي وجه الحق ، ولكن كان ينزل بهم من الأمور وهم في مكان بعيد عن الرسول ، فلا يستطيعون رده إليه ، ويكون أمرا عاجلا فيجتهدون فيه ، لأنهم في مكان بعيد عن المدينة ، والوقت لا يسعهم أن تبقوه حتى يردوه علي الرسول صلي الله عليه وسلم فكانوا يجتهدون جهدهم في الوصول إلي الحكم في هذا الأمر واستنباطه بما لا يتعارض مع نصوص كتاب الله الكريم ولا سنة رسوله صلي الله عليه وسلم . وكان يقع الاختلاف ، لأنهم لا يجدون في الأمر نصا من كتاب ولا سنة . حتى إذا أعادوا إلي المدينة عرضوا أمرهم علي رسول الله ، فيقرهم الرسول فيه ، فيصبح من السنة ومن أمثلة ذلك .
أخرج البخاري ومسلم أن النبي صلي الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب : لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة ، فأدركهم العصر في الطريق ، فقال بعضهم لا نصلي حتى نأتيها ، أي ديار بني قريظة . وقال بعضهم : بل نصلي ، فذكر ذلك للرسول صلي الله عليه وسلم ، فلم يعنف واحد منهم . وظاهر الحديث أن الصحابة – رضوان الله عليهم – انقسموا فريقين من فهم حديث الرسول صلي الله عليه وسلم من أداء صلاة العصر ,
· الفريق الأول : أخذ بظاهر اللفظ ، أو بعبارة النص ، فصلي العصر في بني قريظة .
· الفريق الثاني : فقد استنبط من النص معني خصصه به ، وهو إرادة الرسول صلي الله عليه وسلم ، الإسراع بالمسير إلي ديار بني قريظة .
وتصويب رسول الله صلي الله عليه وسلم لرأي كل فريق ، دليل علي صحة رأيه ، ومشروعية الأخذ به ، والعمل بما وافقه كذلك في تصويب الرسول صلي الله عليه وسلم لكلا الرأيين إجازة لهما علي مشروعية الاجتهاد ، وإن اختلف فيه ، مع بذل الجهد ، وبناء الاستنباط علي قواعد صحيحة من الأدلة الشرعية . ومن ثم فقد اعتبر الفريق الذي صلي قبل الوصول إلي بني قريظة ، لا ينافي أمر رسول الله صلي الله عليه وسلم ، مادامت الصلاة لن تؤخرهم عن الوصول ، كما أن الفريق الثاني اجتهد ، لأنه رأي أن إقامة الصلاة في الطريق قد تؤخرهم عن الوصول . ولقد تقبل الرسول فعل كل فريق بالقبول الحسن ، ولم يعنف أحدهما ، ومن هنا صار من السني التقريرية .
خلاف المتحابين :
ومع ذلك فقد كان الرسول صلي الله عليه وسلم يحذر أصحابه من الاختلاف فكان يقول لهم : ( لا تختلفوا فتختلف قلوبكم ) ، وكان يحذرهم من الاختلاف وهم يقرأون القرآن فيقول في الحديث الصحيح : " اقرأوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم ، فإن اختلفتم فيه فقوموا " ( أخرجه الشيخان وأحمد والنسائي رضي الله عنهم ) يوصيهم الرسول صلي الله عليه وسلم أن يواصلوا قراءة القرآن ، والتدبر في فهم آيات الكتاب العزيز إذا ما ائتلفت القلوب ، أما إذا اختلفوا في بعض أحرف القراءة ، أو في فهم بعض معاني الآيات الكريمة ، فقد أوصاهم بالقيام ، حتى تنتفي دواعي الاختلاف ، ورد ما اختلفوا فيه إلي الرسول صلي الله عليه وسلم .
ولم يكن الصحابة – رضوان الله عليهم – يكثرون من الاختلاف . أو الكلام في المسائل التي تشتمل علي كثير من التفريعات ، فإذا وقع الاختلاف فيما بينهم ، سارعوا إلي رد الأمر إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم ، والخضوع إلي حكم الله – من كتاب الله – ورسوله والتسليم الكامل بما يحكم به رسول الله صلي الله عليه وسلم . وكان الصحابة – رضوان الله عليهم - ، في أوقات الاختلاف متحابين لا يعرف الهوى أو التعصب الطريق إلي نفوسهم ، بل التزموا فقط بما يمليه عليهم الورع والتقوى وتجنب الهوى ، وجعل الحقيقة وحدها هدف المختلفين فلا يهم أحدهما ظهور الحقيقة برأيه ، أو برأي أخيه .
بقلم الأستاذ الدكتور / السيد فرج
الأستاذ بجامعة المنصورة
اقتضت حكمة الله ومشيئته أن يختلف الناس في المدارك والتصورات والأفكار ، ولعل هذا الاختلاف نعمة من نعم الله – تعالي – علي البشر ، فاختلاف الألوان والتصورات والأفكار من الأشياء التي تيسر علي الناس أمورهم ومعايشهم وإن أدي ذلك الاختلاف إلي تعدد الآراء والأحكام ، المستنبطة من أدلة الاختلاف .
والاختلاف علي كل حال دليل من أدلة قدرة الله البالغة في خلقه ، ولهذا جعل الله كل واحد منهم ميسر لما خلق له يقول تعالي : ()
ولقد وقع الاختلاف في سلف الأمة – ولا يزال واقعا ، ولكن الاختلاف الذي وقع في سلف الأمة كانت له آداب ، ولذا كان ظاهرة إيجابية تدور فوائده حول :
1 – إتاحة التعرف علي جميع الاحتمالات التي يمكن أن يرمي إليها الدليل بوجه من الوجوه .
2 – أنها تضع الحلول أمام المجتهد ، فيختار منها الحل الأكثر ملاءمة ، لموضوع اجتهاده ، والذي يتناسب ويسر الدين علي الناس ، وهم يتعاملون معاملاتهم من واقع حياتهم .
3 – الاختلاف عادة – مادام لم يتجاوز حدوده – ومادام يلتزم شروطه ، فإنه رياضة ذهنية ، تفتح مجالات كثيرة للتفكير الصحيح الذي يوصل إلي الافتراضات ، التي تتلاءم مع العقول المختلفة ، فتأخذ منها بما يلائمها ، وبما وصل فهمه إلي عقولها .
4 – وهذه الفوائد وغيرها ، التي تحقق النفع للمسلمين ، يشترط لتحقيقها أن تظل الاختلافات محاطة بشروطها الإيجابية ، فلا تتجاوزها ، علي أن يحرص الأئمة المجتهدون علي مراعاتها ، والحفاظ عليها .
5 – هذه الاختلافات إذا تجاوزت شروط الاجتهاد الصحيح ، فأسست علي قواعد الهوى ، ولم تراع المبادئ الأصلية التي وضعت لها ، تحولت إلي نوع من الجدل العقيم ، الذي يؤدي إلي الشقاق بين الأئمة المجتهدين ، بل ربما صنعت شروخا في أركان الأمة الإسلامية وتحولت إلي معاول لهدمها .
الخلاف القائم علي الهوى !! :
والإسلام لا يرفض الاختلاف – بشروطه الإيجابية – ولكنه يحذر من الخلاف بأحواله السلبية . لأن الاختلاف قائم علي الاجتهاد الصحيح بينما الخلاف قائم علي رغبة التظاهر بالفهم ، أو بالعلم ، أو بالفقه وهذا الخلاف محرم مذموم ، لأن الهوى فيه غلب الحرص علي تحرى الحق ، فالهوى مطية الظلم ومجانية العدل ، وكذلك انحراف إلي الضلال يقول تعالي : ( ) فخلاف الهوى إذن ، هو الذي ينحرف بالإنسان إلي الفساد ، وسبيل الضلال ، كما أنه لا يوصل إلي علم ، لأنه نقيض العلم . . وإذا تعددت أسباب الهوى ودوافعه ، فإنها في الحقيقة ترجع إلي هوى النفس وحب الذات والغرور ، كما فعل أهل الهوى من أصحاب البدع والملل والنحل ، و( من أراد الزيادة والاستقصاء في هذا الباب فليرجع إلي كتب الفرق فليس هنا محله ) .
ولقد وقف لهؤلاء – بحمد الله وتوفيقه – علماء أهل السنة ، فبينوا ذلك الخلاف القبيح الذي حاول أصحابه تزيينه للمسلمين ، واكتشفوا ، وبينوا زيفه صلي الله عليه وسلم في العمل ، لا يعمل العامل بعلم وعمل بقواعد وضعوها وأسس أسسوها مثل : رجل منهم إلا رأى أنه في سعة ، وعن ضمرة
1 – إظهار مناقضة أقوالهم لصريح وحي الله – سبحانه وتعالي - ، وسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وهذه الآراء لا تخفي علي علماء الأصول الزادين عن الدين .
2 – أما الاختلاف الذي أملاه الحق ، ودفع إليه العلم ، وفرضه الإيمان ورجحه العقل ، فهو الاختلاف البناء المقبول ، لأن الذي دفع المجهد إليه ، إنما إخلاصه لدينه وغيرته علي شريعته ، وهو قائم علي إتباع قواعد صحيحة من الشرع يحتكم إليها ، وإلي ضوابط تنظمه ، وآداب تهيمن عليه وتحفظه من الوقوع في المزالق ، وبذل المجهود في استخراج الأحكام الشرعية من الأدلة الشرعية .
3 – وقد قطع العلماء أن الاختلاف في مسائل الاجتهاد ، واقع ممن حصل له بمحض الرحمة ، وقد بدأ في زمن الصحابة ، ومن اتبعهم بإحسان رضي الله عنهم أجمعين ، يقول الشاطبى في (الاعتصام) ، وكذلك ابن عبد البر في (جامع بيان العلم وفضله) ، إن بيان كون الاختلاف المذكور رحمة : ما روي عن القاسم بن محمد قال : لقد نفع الله باختلاف أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم في العمل ، لا يعمل العامل بعلم وعمل رجل منهم إلا رأي أنه في سعة ، وعن ضمرة ابن رجاء قال :
اجتمع عمر بن عبد العزيز والقاسم بن محمد فجعلا يتذكران الحديث ، قال – فجعل عمر يجيء بالشيء يخالف فيه القاسم – وجعل القاسم يشق ذلك عليه حتى يتبين ذلك فيه ، فقال له عمر : لا تفعل : فما يسرني باختلافهم حمر النعم .
وروي ابن وهب عن القاسم أيضا قال : لقد أعجبني قول عمر بن عبد العزيز : ما أحب أن أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم لا يختلفون ، لأنه لو كان قولا واحدا لكان الناس في ضيق وأنهم أئمة يقتدي بهم ، فلو أخذ رجل بقول أحدهم كان سنة . يقول الشاطبى : ومعني ذلك أنهم فتحوا للناس باب الاجتهاد وجواز الاختلاف فيه ، أنهم لو لم يفتحوه لكان المجتهدون في ضيق ، لأن مجال الاجتهاد ومجالات الظنون لا تتفق عادة فيصير أهل الاجتهاد مع تكليفهم بإتباع ما غلب علي ظنونهم مكلفين بإتباع خلافهم ، وهو نوع من تكليف مالا يطاق ، وذلك من أعظم الضيق ، فوسع الله علي الأمة بوجود الخلاف الفروعي فيهم ، فكان فتح باب للأمة للدخول في هذه الرحمة فكيف لا يدخلون في قسم من رحمة ربك ؟ فاختلافهم في الفروع كاتفاقهم فيها – والحمد لله .
وبين هذين الطريقين ، واسطة أدني من الرتبة الأولي ، وأعلي من الرتبة الثانية ، وهي أن يقع الاتفاق في أصل الدين ، ولا يقع الاختلاف في قواعده الكلية وهو المؤدي إلي التفرق شيعا .
اختلاف الصحابة علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم :
لم يكن في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم ، ما يمكن أن يؤدي إلي الاختلاف ، ذلك لأن الرسول صلي الله عليه وسلم ، كان مرجع الصحابة ، إذا غمض عليهم أمر ، وكان الصحابة – رضوان الله عليهم – إذا اختلفوا في شيء ردوه إلي الرسول صلي الله عليه وسلم ، فبينه لهم علي وجه الحق ، ولكن كان ينزل بهم من الأمور وهم في مكان بعيد عن الرسول ، فلا يستطيعون رده إليه ، ويكون أمرا عاجلا فيجتهدون فيه ، لأنهم في مكان بعيد عن المدينة ، والوقت لا يسعهم أن تبقوه حتى يردوه علي الرسول صلي الله عليه وسلم فكانوا يجتهدون جهدهم في الوصول إلي الحكم في هذا الأمر واستنباطه بما لا يتعارض مع نصوص كتاب الله الكريم ولا سنة رسوله صلي الله عليه وسلم . وكان يقع الاختلاف ، لأنهم لا يجدون في الأمر نصا من كتاب ولا سنة . حتى إذا أعادوا إلي المدينة عرضوا أمرهم علي رسول الله ، فيقرهم الرسول فيه ، فيصبح من السنة ومن أمثلة ذلك .
أخرج البخاري ومسلم أن النبي صلي الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب : لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة ، فأدركهم العصر في الطريق ، فقال بعضهم لا نصلي حتى نأتيها ، أي ديار بني قريظة . وقال بعضهم : بل نصلي ، فذكر ذلك للرسول صلي الله عليه وسلم ، فلم يعنف واحد منهم . وظاهر الحديث أن الصحابة – رضوان الله عليهم – انقسموا فريقين من فهم حديث الرسول صلي الله عليه وسلم من أداء صلاة العصر ,
· الفريق الأول : أخذ بظاهر اللفظ ، أو بعبارة النص ، فصلي العصر في بني قريظة .
· الفريق الثاني : فقد استنبط من النص معني خصصه به ، وهو إرادة الرسول صلي الله عليه وسلم ، الإسراع بالمسير إلي ديار بني قريظة .
وتصويب رسول الله صلي الله عليه وسلم لرأي كل فريق ، دليل علي صحة رأيه ، ومشروعية الأخذ به ، والعمل بما وافقه كذلك في تصويب الرسول صلي الله عليه وسلم لكلا الرأيين إجازة لهما علي مشروعية الاجتهاد ، وإن اختلف فيه ، مع بذل الجهد ، وبناء الاستنباط علي قواعد صحيحة من الأدلة الشرعية . ومن ثم فقد اعتبر الفريق الذي صلي قبل الوصول إلي بني قريظة ، لا ينافي أمر رسول الله صلي الله عليه وسلم ، مادامت الصلاة لن تؤخرهم عن الوصول ، كما أن الفريق الثاني اجتهد ، لأنه رأي أن إقامة الصلاة في الطريق قد تؤخرهم عن الوصول . ولقد تقبل الرسول فعل كل فريق بالقبول الحسن ، ولم يعنف أحدهما ، ومن هنا صار من السني التقريرية .
خلاف المتحابين :
ومع ذلك فقد كان الرسول صلي الله عليه وسلم يحذر أصحابه من الاختلاف فكان يقول لهم : ( لا تختلفوا فتختلف قلوبكم ) ، وكان يحذرهم من الاختلاف وهم يقرأون القرآن فيقول في الحديث الصحيح : " اقرأوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم ، فإن اختلفتم فيه فقوموا " ( أخرجه الشيخان وأحمد والنسائي رضي الله عنهم ) يوصيهم الرسول صلي الله عليه وسلم أن يواصلوا قراءة القرآن ، والتدبر في فهم آيات الكتاب العزيز إذا ما ائتلفت القلوب ، أما إذا اختلفوا في بعض أحرف القراءة ، أو في فهم بعض معاني الآيات الكريمة ، فقد أوصاهم بالقيام ، حتى تنتفي دواعي الاختلاف ، ورد ما اختلفوا فيه إلي الرسول صلي الله عليه وسلم .
ولم يكن الصحابة – رضوان الله عليهم – يكثرون من الاختلاف . أو الكلام في المسائل التي تشتمل علي كثير من التفريعات ، فإذا وقع الاختلاف فيما بينهم ، سارعوا إلي رد الأمر إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم ، والخضوع إلي حكم الله – من كتاب الله – ورسوله والتسليم الكامل بما يحكم به رسول الله صلي الله عليه وسلم . وكان الصحابة – رضوان الله عليهم - ، في أوقات الاختلاف متحابين لا يعرف الهوى أو التعصب الطريق إلي نفوسهم ، بل التزموا فقط بما يمليه عليهم الورع والتقوى وتجنب الهوى ، وجعل الحقيقة وحدها هدف المختلفين فلا يهم أحدهما ظهور الحقيقة برأيه ، أو برأي أخيه .
<br>
كاره اليهود- عضو مشارك
-
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
عدد المساهمات : 98
نقاط : 5185
السٌّمعَة : 0
رد: نشأة الاختلاف وأدبه بقلم أ د السيد فرج
الاختلاف هو كائن قديم ـ كان ولا يزال ـ يعيش معنا وينبغي أن نسلم به ونتكيّف معه ونحاول تطويره والانتقال به إلى الحالة الإيجابية وأن يكون هدفنا جميعاً البحث عن الحقيقة متسلحين( بنقذ الذات )قبل الآخر سواء كان فكراً أو رأياً أو شخصاً.
وقد انتشرفى الفتره الاخيره عموديا وافقيا ومما يدلل علي ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (وانه من يعش منكم بعدي فسيري اختلافا كثيرا )
ولكنه ليس عيبا ان يكون هنالك اختلاف
ولكن من العيب ان لايكون هنالك ادب للخلاف
العيب ان يستعمل الخصوم كل وسائل الدفاع فالكل متهم والكل براء.
مااقصده باداب الخلاف احياء روح التسامح وتجنب التباغض
وبث روح الاخوه والموده
. ويبنغي ان لانشنع ونفسق من نختلف معه ونجد له العذر
عساه لم يفهم ماقصدنا وان نرجع الي الحق متي ماكان وممن كان.
بارك الله فيك اخانا الكريم على الموضوع القيم
هامشيا الموضوع محتاج شوية تنسيق
<br>
نبراس سامى- المراقبه العامه
-
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
عدد المساهمات : 604
نقاط : 5931
السٌّمعَة : 8
رد: نشأة الاختلاف وأدبه بقلم أ د السيد فرج
مقال قيم للغايه، جزاكم الله خيرا أستاذ كاره اليهود
هذه هي الخلاصه الفكريه حسب فهمي للمقال.
وبالنسبه لعدم التنسيق فقد نسقناه مره أخري ولكن يبدو أن الآيات القرانيه غير موجوده إلا بأكواد، لذلك حذفناها ووضعناها بين معقوفين، لحين ا أن يأتي الأستاذ كاره مره أخري ويضع هذه الآيات مكانها مره أخري.
وبالنسبه للمقال فهناك الكثير من أبداعات الدكتور طه جابر العلواني وغيره ربما نثري بها الموضوع عاجلا بإذن الله
وبين هذين الطريقين ، واسطة أدني من الرتبة الأولي ، وأعلي من الرتبة الثانية ، وهي أن يقع الاتفاق في أصل الدين ، ولا يقع الاختلاف في قواعده الكلية وهو المؤدي إلي التفرق شيعا
هذه هي الخلاصه الفكريه حسب فهمي للمقال.
وبالنسبه لعدم التنسيق فقد نسقناه مره أخري ولكن يبدو أن الآيات القرانيه غير موجوده إلا بأكواد، لذلك حذفناها ووضعناها بين معقوفين، لحين ا أن يأتي الأستاذ كاره مره أخري ويضع هذه الآيات مكانها مره أخري.
وبالنسبه للمقال فهناك الكثير من أبداعات الدكتور طه جابر العلواني وغيره ربما نثري بها الموضوع عاجلا بإذن الله
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
مواضيع مماثلة
» بين التفكير بالإسلام والتفكير فيه… (أو الاختلاف مبدأً ومنهجًا)
» كتاب موارد المياه في سيناء للدكتور السيد السيد الحسينى
» بدايات نشأة الحركة العقلية في الإسلام
» نشأة المذاهب الفقهية
» الضوابط التي ينبغي مراعاتها عند الاختلاف
» كتاب موارد المياه في سيناء للدكتور السيد السيد الحسينى
» بدايات نشأة الحركة العقلية في الإسلام
» نشأة المذاهب الفقهية
» الضوابط التي ينبغي مراعاتها عند الاختلاف
شبكة واحة العلوم الثقافية :: الساحات العلمية والثقافية والحوارية :: ساحة الفقه والعلوم والحوارات الشرعية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى