التقريب بين المذاهب الإسلامية رسالة العقلاء في الأمة
شبكة واحة العلوم الثقافية :: الساحات العلمية والثقافية والحوارية :: ساحة الحوار الموضوعي بين الأديان :: ساحة التقارب السني الشيعي
صفحة 1 من اصل 1
التقريب بين المذاهب الإسلامية رسالة العقلاء في الأمة
التقريب بين المذاهب الإسلامية رسالة العقلاء في الأمة *
زكي الميلاد**
العولمة تقتضي إحياء رسالة التقريب
بعد نصف قرن على تأسيس دار التقريب بين المذاهب الإسلامية في القاهرة (1368 هـ / 1947م)، ما زالت الضرورات تقتضي إحياء رسالة التقريب في الأمة، وتتأكد هذه الضرورات مع دخول العالم القرن الحادي والعشرين، وما يشهده العصر من تحولات وتغيرات واسعة ومتسارعة في ظل تيار العولمة الكاسح، العولمة التي غيرت صورة العالم في علاقاته وتوازناته ومعادلاته، وفي أنماط الرؤية وطرائق التعامل معه، وفي ظل حركة المعلوماتية التي فتحت أمام العالم ما سمي بثورة المعلومات أو انفجار المعرفة وعبر الطرق السريعة، بحيث لم تعد المشكلة في نقص المعلومات كما كان في السابق، بل المشكلة أصبحت في السيطرة على المعلومات وضبط حركتها، إلى جانب التطورات المذهلة في تكنولوجيا الإعلام وشبكات الاتصال التي جعلت العالم يتحول إلى صورة مرئية يتأثر بها الجميع، وتنتقل فيه الأفكار والمواقف والنماذج في فترات قياسية وعابرة ما بين الثقافات والقوميات واللغات، وفي ظل مقولات من نوع نهاية التاريخ أو صدام الحضارات أو التفوق الغربي أو البحث عن عدو جديد، إلى غير ذلك من مقولات تدفع بالعالم نحو الانقسام والتصادم وتكريس الفوارق بين الحضارات والتمييز بين الثقافات. فمقولة (نهاية التاريخ) تحرِّض العالم على الاندماج في النموذج الغربي، باعتباره النموذج المنتصر في التاريخ على افتراض نهايته، من دون الاعتراف بأي فرادة للحضارات الإنسانية الأخرى غير الغربية، ومنها الحضارات التي تعلم الغرب منها، كالحضارة الإسلامية، وهي الحضارة التي وصفها (فوكوياما) بأنها لا سحر لها خارج محيطها، وبخلاف مقولة (نهاية التاريخ) تأتي مقولة (صدام الحضارات)، التي تتضمن تحريضاً للغرب لمقاومة انبعاث الحضارات غير الغربية وتكريس التصادم فيما بينها.
فإذا كانت المقولة السابقة لا تعترف بالحضارات غير الغربية، فإن هذه المقولة تعترف بتعدد الحضارات، لكن على قاعدة الصدام والصراع، وأما مقولة (التفوُّق الغربي) فهي ليست جديدة على الإطلاق، فإن التاريخ الغربي كان ينطلق من هذه المقولة منذ انبعاث التقدم هناك، ورسخها في الحقول المعرفية، كالأدب والفلسفة والثقافة والاجتماع والانتربولوجيا، وفي الدراسات التاريخية والأبحاث المقارنة حول الحضارات. وفي إطار هذا النسق من المقولات، تأتي مقولة (البحث عن عدوٍّ جديد) على خلفية العلاقة الجدلية بين الصراع والتقدم، الصراع الذي يولِّد البواعث والتماسك والمبادرة والاندفاع نحو التقدم.
كل ذلك مع ما يشهده العالم من تحولات وتغيرات شديدة الأهمية في ميادين الاقتصاد والسياسة والعلوم.
التقريب وتحديات المستقبل
هذه الوضعيات والتحولات والسياقات، تفتح علينا حديث المستقبل عن أنفسنا وموقعنا كأمة في هذا العالم المتغير، أو هكذا يفترض علينا. فما هو المستقبل الذي نبحث عنه؟ وهل ترك العالم لنا من مستقبلٍ نبحث عنه فعلاً؟ إن المستقبل لا يمكن التحكم فيه خارج إرادة أية أمة، فكلُّ أمة هي قادرةٌ على التحكم بمستقبلها إذا تحكمت بإرادتها. لذلك فإن المستقبل مفتوحٌ على كلِّ الأمم والحضارات، وبإمكان كلِّ أمة أن تصنع مستقبلها بإرادتها إن هي أرادت وسعت سعيها. والحضاراتُ هي أكثرُ وعياً بذاتها اليوم. فالمستقبل هو الأمل الذي ينبغي التمسك به والإصرار عليه والتحرك نحوه. وفي إطار التفكير بالمستقبل، يأتي الحديث حول التقريب بين المذاهب الإسلامية بقصد النظر إليه برؤية مستقبلية، وفي نطاق إدماجه بمستقبليات الأمة. وهنا نصل إلى ضرورة أن يقترن مفهوم التقريب بمفهوم النهضة والتقدم في الأمة؛ الاقتران الذي يحدد لنا مدخلاً حضارياً في تكوين عملية الفهم حول هذه القضية، ولتجديد مناهج النظر حولها، بإخراجها من علم الكلام القديم الذي كرس الفروقات بين الفرق، وعزز الخلافات بين المذاهب، وأصبحت قضيته البحث عن الفرقة الناجية، إلى علم الكلام الجديد الذي ينطلق من التحديات والمشكلات الجديدة التي تواجه الدين في هذا العصر، وبإخراجها من الفهم التقليدي الجامد الذي ينـزع نحو الماضي ويتشبث به، إلى الفهم الذي يعيش واقع العصر وينـزع نحو المستقبل ويتمسك به. فالأمة بحاجة إلى نهضة فكرية ترتقي بوعيها الجمعي والعام لإدراك هذه القضية بصورة جادة وفاعلة، وتضعها كمصير في رؤيتها للمستقبل ولموقعها في هذا العالم.
وبقدر خطوات الأمة نحو النهضة والتقدم، بقدر ما تترسخ قناعاتها وتتحرك إرادتها تجاه هذه القضية، قضية التقريب. فالقناعة والإرادة هما من أكثر ما تحتاج إليه الأمة في هذا الشأن؛ القناعة من موجبات الذهن، والإرادة من موجبات العمل. والتقريب بحاجة إلى قناعة كبيرة به، وإلى تأكيد هذه القناعة في الأمة، وضرورة أن تتحول هذه القناعة إلى إرادة حقيقية في الدفاع عنها، والعمل من أجلها، وتحمل الصعوبات في سبيلها، لا أن تكون مجرد تعبير عن رغبة أو مجرَّد طموحٍ لا غير.
والتقريب هو من صور العلاقات الفكرية والاجتماعية والإنسانية، ضمن إطار الأمة الواحدة، وكلّ صور العلاقات هذه بحاجة إلى قدر من الوعي والنضج الحضاريين، لأن المشكلة بالتأكيد ليست في الاختلاف بين المذاهب أو في تعدد مناهجها أو تنوع اجتهاداتها، وإنما المشكلة في طريقة الفهم والنظر لهذا الاختلاف والتعدد والتنوع. وهذا هو جوهر المشكلة المعرفية لهذه القضية. فالاختلاف قد يكون سبباً للنـزاع وقد يكون سبباً للرحمة، والتعدد قد يكون سبباً للصدام وقد يكون سبباً للتطور، والتنوع قد يكون سبباً للانقسام وقد يكون سبباً للتجدد والإبداع. فالذي اختلف هنا هو طريقة النظر بين طريقة متأزمة تصور الأمور بشكل معين، وبين طريقة ناضجة تصور النظر للأمور بشكل مختلف. والانتقال من تلك الطريقة الأولى في النظر إلى الطريقة الثانية بحاجةٍ إلى انتقال من زمان تلك الرؤية المتأزمة أو المتخلفة إلى زمان الرؤية الناضجة أو المتحضّرة، وذلك عبر إصلاح مناهج الفكر والنظر وسعي الأمة نحو النهضة والتقدم.
لذلك فإن ظواهر التعصب والتطرف والكراهية والقطعية وعدم التسامح، هذه الظواهر وغيرها، لا يمكن معالجتها أو التخلص منها عن طريق مفهوم التقريب فحسب، وإنما أيضاً من خلال مفهوم النهضة والتقدم في الأمة، فالتقريب قد يعالج تلك الظواهر على مستوى النخبة من العلماء والمفكرين والمصلحين، لكن معالجتها على مستوى الأمة بكل شرائحها وفئاتها لا يمكن أن يتحقق إلا عبر نهضة فكرية تطور وعي الأمة بهذه القضية وطريقة التعامل معها.
وفي تاريخ العالم الإسلامي الحديث والمعاصر، ارتبطت قضية التقريب بقضية النهضة والإصلاح، فقد ارتبطت بحركة السيد جمال الدين الأفغاني الإصلاحية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي، الذي رفع لواء الدفاع عن الجامعة الإسلامية، وكان تجسيداً حياً لهذا المفهوم الذي عرف به، وتميزت به حركته، حيث اشتهرت بحركة الجامعة الإسلامية. لقد بعث السيِّد جمال الدين الأفغاني وحركته الإصلاحية روح الوحدة والتضامن والتقارب في الأمة بتعدّد مذاهبها وقومياتها ولغاتها، من تركيا إلى إيران، ومن الهند إلى أفغانستان، ومن العراق إلى مصر، ووصف في كتابات الباحثين والمؤرخين العرب والمسلمين بموقظ الشرق أو حكيم الشرق، ووصفه مالك بن نبي بضمير العالم الإسلامي.
وفي خطاب الأفغاني، ارتبطت دعوته للوحدة والتقارب بدعوته للنهضة والإصلاح في الأمة، وهكذا كان نهج الشيخ محمد عبده ومدرسته الإصلاحية، وصولاً إلى أواخر النصف الأول من القرن العشرين، مع انطلاقة دار التقريب في القاهرة، التي جددت المدرسة الإصلاحية للأفغاني وعبده، بلقاء الشيخ محمد تقي القمي عالم الدين الشيعيّ القادم من إيران إلى القاهرة لكي يستعيد ويستكمل الدور الذي نهض به الأفغاني، ويلتقي بالقاهرة بعلماء الأزهر الذين ينتمون إلى مدرسة الشيخ محمد عبده الفكرية، كالشيخ مصطفى المراغي والشيح محمود شلتوت وعبد المجيد سليم وغيرهم من العلماء المصلحين. وهكذا هو العهد يتجدد في مختلف المراحل والحقب التاريخية.
المعرفة العلمية بالآخر شرط النجاح
لقد كانت حركة التقريب رسالة العقلاء في الأمة، ودعوة المصلحين فيها، وأملاً لكل العاملين في سبيل التآلف والتضامن، ولا شك أنها القضية التي أولى من يدرسها هم الخبراء، وذلك بالانطلاق من قاعدة أساسية هي من صميم أخلاقيات البحث العلمي في المنظور الإسلامي، وهي قاعدة الانطلاق من العلم أو حاكمية العلم في كل أشكال العلاقات الفكرية بين المذاهب الإسلامية، بمعنى ضرورة تكوين العلم بالمذاهب الإسلامية، فالتقريب لا يتأسس أو يترسخ أو يتماسك إلا على أساس العلم. والمشكلة المعرفية في هذا المجال، أن أصحاب كل مذهب حاولوا تكوين معرفة مستقلة بهم عن المذاهب الإسلامية الأخرى، المعرفة التي لا يقول بها أصحاب المذاهب الأخرى في أحيان كثيرة، فالمفاهيم والاعتقادات والقضايا لا تفهم بحسب المعرفة الموجودة في داخل كل مذهب وكما يقول بها أصحابها، فتصبح القضايا ملتبسة وغامضة ولا تفهم إلا على وجه خاطىء، وذلك نتيجة القطيعة الفكرية بين المذاهب الإسلامية، والنـزاعات الكلامية فيما بينها، ولطبيعة الظروف التاريخية والسياسية التي مرت بها.
فإصلاح العلاقات بين المذاهب الإسلامية لا يتحقق إلا بإصلاح المعرفة بين المذاهب، المعرفة التي لا تعني بالضرورة الاتفاق معها، وإنما الاتفاق والاختلاف الشرط فيهما أن يكون على أساس العلم أولاً، والحق في الاجتهاد ثانياً، وشرعية التعدد والاختلاف ثالثاً.
فالمعرفة العلمية بين المذاهب الإسلامية بإمكانها أن تساهم في التقريب حتى على قاعدة الاختلاف، فالمعيار هو العلم، وهو المعيار الذي يحتكم إليه العقلاء والحكماء والعلماء.
مقترحات أساسية
أما المقترحات المتصلة بهذا المحور فهي:
1- ضرورة التجديد العلمي والفكري لخطاب التقريب بالشكل الذي يستجيب لتطورات العصر ودخول العالم القرن الحادي والعشرين، كما يستجيب للتراكمات المعرفية في هذا المجال، وللتحوّلات المعاصرة والشاملة التي مرت بها الأمة في العقدين الأخيرين بالذات.
2 - تجديد قناعة الأمة بمسألة التقريب وترسيخ هذه القناعة، وتطوير وعي الأمة بهذه المسألة، وجعلها من قضاياها الرئيسية التي تدافع عنها وتمارس عليها رقابتها.
3 - إحياء تراث التقريب في الأمة، وهو من تراث النهضة والإصلاح النابض بالوعي واليقظة والأمل، ومن عطاء العقلاء والمصلحين والخيِّرين في الأمة، وهو التراث المشرق واللامع والملهم الذي هو بحاجة إلى العناية به.
4 - جعل مسألة التقريب من القواعد الفكرية والعلمية والأخلاقية التي يلتزم بها في مجالات الكتابة والتأليف والنشر، وضرورة تعميم هذه المسألة على المؤسسات والجمعيات والنقابات التي تمارس دور الإشراف والرقابة في المجالات المذكورة، كاتحادات الناشرين ونقابات الكتاب وغيرها من المؤسسات المعنية والمتخصصة.
أما المقترحات العملية في هذا المجال:
1 - إصدار موسوعة التقريب بين المذاهب الإسلامية تتضمن الحديث عن الأعلام والمصطلحات والأنشطة والمؤسسات وكل ما له علاقة بهذا الشأن.
2 - إصدار سلسلة التقريب بين المذاهب الإسلامية تضم أبحاثاً ودراسات فكرية وعقائدية وتاريخية، وفي ميادين الفقه وأصول الفقه والحديث والتفسير إلى غير ذلك.
3 - إنشاء موقع على الإنترنت خاص بالتقريب بين المذاهب الإسلامية لتزويد الباحثين والكتّاب بالمعلومات والمصادر والوثائق.
--------------------------------------------------------------------------------
(*) مداخلة مقدّمة لاجتماع الخبراء من أجل مناقشة استراتيجية التقريب بين المذاهب الإسلامية، دعت إليه المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، وعُقد في العاصمة الأردنية ما بين 7 _ 8 تشرين الثاني _ نوفمبر 2001 م، وأعادت نشرها مجلة «الكلمة».
(**) كاتب إسلامي سعودي
http://arabic.bayynat.org.lb/mbayynat/alwihda/wihda.htm
زكي الميلاد**
العولمة تقتضي إحياء رسالة التقريب
بعد نصف قرن على تأسيس دار التقريب بين المذاهب الإسلامية في القاهرة (1368 هـ / 1947م)، ما زالت الضرورات تقتضي إحياء رسالة التقريب في الأمة، وتتأكد هذه الضرورات مع دخول العالم القرن الحادي والعشرين، وما يشهده العصر من تحولات وتغيرات واسعة ومتسارعة في ظل تيار العولمة الكاسح، العولمة التي غيرت صورة العالم في علاقاته وتوازناته ومعادلاته، وفي أنماط الرؤية وطرائق التعامل معه، وفي ظل حركة المعلوماتية التي فتحت أمام العالم ما سمي بثورة المعلومات أو انفجار المعرفة وعبر الطرق السريعة، بحيث لم تعد المشكلة في نقص المعلومات كما كان في السابق، بل المشكلة أصبحت في السيطرة على المعلومات وضبط حركتها، إلى جانب التطورات المذهلة في تكنولوجيا الإعلام وشبكات الاتصال التي جعلت العالم يتحول إلى صورة مرئية يتأثر بها الجميع، وتنتقل فيه الأفكار والمواقف والنماذج في فترات قياسية وعابرة ما بين الثقافات والقوميات واللغات، وفي ظل مقولات من نوع نهاية التاريخ أو صدام الحضارات أو التفوق الغربي أو البحث عن عدو جديد، إلى غير ذلك من مقولات تدفع بالعالم نحو الانقسام والتصادم وتكريس الفوارق بين الحضارات والتمييز بين الثقافات. فمقولة (نهاية التاريخ) تحرِّض العالم على الاندماج في النموذج الغربي، باعتباره النموذج المنتصر في التاريخ على افتراض نهايته، من دون الاعتراف بأي فرادة للحضارات الإنسانية الأخرى غير الغربية، ومنها الحضارات التي تعلم الغرب منها، كالحضارة الإسلامية، وهي الحضارة التي وصفها (فوكوياما) بأنها لا سحر لها خارج محيطها، وبخلاف مقولة (نهاية التاريخ) تأتي مقولة (صدام الحضارات)، التي تتضمن تحريضاً للغرب لمقاومة انبعاث الحضارات غير الغربية وتكريس التصادم فيما بينها.
فإذا كانت المقولة السابقة لا تعترف بالحضارات غير الغربية، فإن هذه المقولة تعترف بتعدد الحضارات، لكن على قاعدة الصدام والصراع، وأما مقولة (التفوُّق الغربي) فهي ليست جديدة على الإطلاق، فإن التاريخ الغربي كان ينطلق من هذه المقولة منذ انبعاث التقدم هناك، ورسخها في الحقول المعرفية، كالأدب والفلسفة والثقافة والاجتماع والانتربولوجيا، وفي الدراسات التاريخية والأبحاث المقارنة حول الحضارات. وفي إطار هذا النسق من المقولات، تأتي مقولة (البحث عن عدوٍّ جديد) على خلفية العلاقة الجدلية بين الصراع والتقدم، الصراع الذي يولِّد البواعث والتماسك والمبادرة والاندفاع نحو التقدم.
كل ذلك مع ما يشهده العالم من تحولات وتغيرات شديدة الأهمية في ميادين الاقتصاد والسياسة والعلوم.
التقريب وتحديات المستقبل
هذه الوضعيات والتحولات والسياقات، تفتح علينا حديث المستقبل عن أنفسنا وموقعنا كأمة في هذا العالم المتغير، أو هكذا يفترض علينا. فما هو المستقبل الذي نبحث عنه؟ وهل ترك العالم لنا من مستقبلٍ نبحث عنه فعلاً؟ إن المستقبل لا يمكن التحكم فيه خارج إرادة أية أمة، فكلُّ أمة هي قادرةٌ على التحكم بمستقبلها إذا تحكمت بإرادتها. لذلك فإن المستقبل مفتوحٌ على كلِّ الأمم والحضارات، وبإمكان كلِّ أمة أن تصنع مستقبلها بإرادتها إن هي أرادت وسعت سعيها. والحضاراتُ هي أكثرُ وعياً بذاتها اليوم. فالمستقبل هو الأمل الذي ينبغي التمسك به والإصرار عليه والتحرك نحوه. وفي إطار التفكير بالمستقبل، يأتي الحديث حول التقريب بين المذاهب الإسلامية بقصد النظر إليه برؤية مستقبلية، وفي نطاق إدماجه بمستقبليات الأمة. وهنا نصل إلى ضرورة أن يقترن مفهوم التقريب بمفهوم النهضة والتقدم في الأمة؛ الاقتران الذي يحدد لنا مدخلاً حضارياً في تكوين عملية الفهم حول هذه القضية، ولتجديد مناهج النظر حولها، بإخراجها من علم الكلام القديم الذي كرس الفروقات بين الفرق، وعزز الخلافات بين المذاهب، وأصبحت قضيته البحث عن الفرقة الناجية، إلى علم الكلام الجديد الذي ينطلق من التحديات والمشكلات الجديدة التي تواجه الدين في هذا العصر، وبإخراجها من الفهم التقليدي الجامد الذي ينـزع نحو الماضي ويتشبث به، إلى الفهم الذي يعيش واقع العصر وينـزع نحو المستقبل ويتمسك به. فالأمة بحاجة إلى نهضة فكرية ترتقي بوعيها الجمعي والعام لإدراك هذه القضية بصورة جادة وفاعلة، وتضعها كمصير في رؤيتها للمستقبل ولموقعها في هذا العالم.
وبقدر خطوات الأمة نحو النهضة والتقدم، بقدر ما تترسخ قناعاتها وتتحرك إرادتها تجاه هذه القضية، قضية التقريب. فالقناعة والإرادة هما من أكثر ما تحتاج إليه الأمة في هذا الشأن؛ القناعة من موجبات الذهن، والإرادة من موجبات العمل. والتقريب بحاجة إلى قناعة كبيرة به، وإلى تأكيد هذه القناعة في الأمة، وضرورة أن تتحول هذه القناعة إلى إرادة حقيقية في الدفاع عنها، والعمل من أجلها، وتحمل الصعوبات في سبيلها، لا أن تكون مجرد تعبير عن رغبة أو مجرَّد طموحٍ لا غير.
والتقريب هو من صور العلاقات الفكرية والاجتماعية والإنسانية، ضمن إطار الأمة الواحدة، وكلّ صور العلاقات هذه بحاجة إلى قدر من الوعي والنضج الحضاريين، لأن المشكلة بالتأكيد ليست في الاختلاف بين المذاهب أو في تعدد مناهجها أو تنوع اجتهاداتها، وإنما المشكلة في طريقة الفهم والنظر لهذا الاختلاف والتعدد والتنوع. وهذا هو جوهر المشكلة المعرفية لهذه القضية. فالاختلاف قد يكون سبباً للنـزاع وقد يكون سبباً للرحمة، والتعدد قد يكون سبباً للصدام وقد يكون سبباً للتطور، والتنوع قد يكون سبباً للانقسام وقد يكون سبباً للتجدد والإبداع. فالذي اختلف هنا هو طريقة النظر بين طريقة متأزمة تصور الأمور بشكل معين، وبين طريقة ناضجة تصور النظر للأمور بشكل مختلف. والانتقال من تلك الطريقة الأولى في النظر إلى الطريقة الثانية بحاجةٍ إلى انتقال من زمان تلك الرؤية المتأزمة أو المتخلفة إلى زمان الرؤية الناضجة أو المتحضّرة، وذلك عبر إصلاح مناهج الفكر والنظر وسعي الأمة نحو النهضة والتقدم.
لذلك فإن ظواهر التعصب والتطرف والكراهية والقطعية وعدم التسامح، هذه الظواهر وغيرها، لا يمكن معالجتها أو التخلص منها عن طريق مفهوم التقريب فحسب، وإنما أيضاً من خلال مفهوم النهضة والتقدم في الأمة، فالتقريب قد يعالج تلك الظواهر على مستوى النخبة من العلماء والمفكرين والمصلحين، لكن معالجتها على مستوى الأمة بكل شرائحها وفئاتها لا يمكن أن يتحقق إلا عبر نهضة فكرية تطور وعي الأمة بهذه القضية وطريقة التعامل معها.
وفي تاريخ العالم الإسلامي الحديث والمعاصر، ارتبطت قضية التقريب بقضية النهضة والإصلاح، فقد ارتبطت بحركة السيد جمال الدين الأفغاني الإصلاحية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي، الذي رفع لواء الدفاع عن الجامعة الإسلامية، وكان تجسيداً حياً لهذا المفهوم الذي عرف به، وتميزت به حركته، حيث اشتهرت بحركة الجامعة الإسلامية. لقد بعث السيِّد جمال الدين الأفغاني وحركته الإصلاحية روح الوحدة والتضامن والتقارب في الأمة بتعدّد مذاهبها وقومياتها ولغاتها، من تركيا إلى إيران، ومن الهند إلى أفغانستان، ومن العراق إلى مصر، ووصف في كتابات الباحثين والمؤرخين العرب والمسلمين بموقظ الشرق أو حكيم الشرق، ووصفه مالك بن نبي بضمير العالم الإسلامي.
وفي خطاب الأفغاني، ارتبطت دعوته للوحدة والتقارب بدعوته للنهضة والإصلاح في الأمة، وهكذا كان نهج الشيخ محمد عبده ومدرسته الإصلاحية، وصولاً إلى أواخر النصف الأول من القرن العشرين، مع انطلاقة دار التقريب في القاهرة، التي جددت المدرسة الإصلاحية للأفغاني وعبده، بلقاء الشيخ محمد تقي القمي عالم الدين الشيعيّ القادم من إيران إلى القاهرة لكي يستعيد ويستكمل الدور الذي نهض به الأفغاني، ويلتقي بالقاهرة بعلماء الأزهر الذين ينتمون إلى مدرسة الشيخ محمد عبده الفكرية، كالشيخ مصطفى المراغي والشيح محمود شلتوت وعبد المجيد سليم وغيرهم من العلماء المصلحين. وهكذا هو العهد يتجدد في مختلف المراحل والحقب التاريخية.
المعرفة العلمية بالآخر شرط النجاح
لقد كانت حركة التقريب رسالة العقلاء في الأمة، ودعوة المصلحين فيها، وأملاً لكل العاملين في سبيل التآلف والتضامن، ولا شك أنها القضية التي أولى من يدرسها هم الخبراء، وذلك بالانطلاق من قاعدة أساسية هي من صميم أخلاقيات البحث العلمي في المنظور الإسلامي، وهي قاعدة الانطلاق من العلم أو حاكمية العلم في كل أشكال العلاقات الفكرية بين المذاهب الإسلامية، بمعنى ضرورة تكوين العلم بالمذاهب الإسلامية، فالتقريب لا يتأسس أو يترسخ أو يتماسك إلا على أساس العلم. والمشكلة المعرفية في هذا المجال، أن أصحاب كل مذهب حاولوا تكوين معرفة مستقلة بهم عن المذاهب الإسلامية الأخرى، المعرفة التي لا يقول بها أصحاب المذاهب الأخرى في أحيان كثيرة، فالمفاهيم والاعتقادات والقضايا لا تفهم بحسب المعرفة الموجودة في داخل كل مذهب وكما يقول بها أصحابها، فتصبح القضايا ملتبسة وغامضة ولا تفهم إلا على وجه خاطىء، وذلك نتيجة القطيعة الفكرية بين المذاهب الإسلامية، والنـزاعات الكلامية فيما بينها، ولطبيعة الظروف التاريخية والسياسية التي مرت بها.
فإصلاح العلاقات بين المذاهب الإسلامية لا يتحقق إلا بإصلاح المعرفة بين المذاهب، المعرفة التي لا تعني بالضرورة الاتفاق معها، وإنما الاتفاق والاختلاف الشرط فيهما أن يكون على أساس العلم أولاً، والحق في الاجتهاد ثانياً، وشرعية التعدد والاختلاف ثالثاً.
فالمعرفة العلمية بين المذاهب الإسلامية بإمكانها أن تساهم في التقريب حتى على قاعدة الاختلاف، فالمعيار هو العلم، وهو المعيار الذي يحتكم إليه العقلاء والحكماء والعلماء.
مقترحات أساسية
أما المقترحات المتصلة بهذا المحور فهي:
1- ضرورة التجديد العلمي والفكري لخطاب التقريب بالشكل الذي يستجيب لتطورات العصر ودخول العالم القرن الحادي والعشرين، كما يستجيب للتراكمات المعرفية في هذا المجال، وللتحوّلات المعاصرة والشاملة التي مرت بها الأمة في العقدين الأخيرين بالذات.
2 - تجديد قناعة الأمة بمسألة التقريب وترسيخ هذه القناعة، وتطوير وعي الأمة بهذه المسألة، وجعلها من قضاياها الرئيسية التي تدافع عنها وتمارس عليها رقابتها.
3 - إحياء تراث التقريب في الأمة، وهو من تراث النهضة والإصلاح النابض بالوعي واليقظة والأمل، ومن عطاء العقلاء والمصلحين والخيِّرين في الأمة، وهو التراث المشرق واللامع والملهم الذي هو بحاجة إلى العناية به.
4 - جعل مسألة التقريب من القواعد الفكرية والعلمية والأخلاقية التي يلتزم بها في مجالات الكتابة والتأليف والنشر، وضرورة تعميم هذه المسألة على المؤسسات والجمعيات والنقابات التي تمارس دور الإشراف والرقابة في المجالات المذكورة، كاتحادات الناشرين ونقابات الكتاب وغيرها من المؤسسات المعنية والمتخصصة.
أما المقترحات العملية في هذا المجال:
1 - إصدار موسوعة التقريب بين المذاهب الإسلامية تتضمن الحديث عن الأعلام والمصطلحات والأنشطة والمؤسسات وكل ما له علاقة بهذا الشأن.
2 - إصدار سلسلة التقريب بين المذاهب الإسلامية تضم أبحاثاً ودراسات فكرية وعقائدية وتاريخية، وفي ميادين الفقه وأصول الفقه والحديث والتفسير إلى غير ذلك.
3 - إنشاء موقع على الإنترنت خاص بالتقريب بين المذاهب الإسلامية لتزويد الباحثين والكتّاب بالمعلومات والمصادر والوثائق.
--------------------------------------------------------------------------------
(*) مداخلة مقدّمة لاجتماع الخبراء من أجل مناقشة استراتيجية التقريب بين المذاهب الإسلامية، دعت إليه المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، وعُقد في العاصمة الأردنية ما بين 7 _ 8 تشرين الثاني _ نوفمبر 2001 م، وأعادت نشرها مجلة «الكلمة».
(**) كاتب إسلامي سعودي
http://arabic.bayynat.org.lb/mbayynat/alwihda/wihda.htm
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
رد: التقريب بين المذاهب الإسلامية رسالة العقلاء في الأمة
خطوة في الطريق الصحيح في التقريب بين مكوني الأمة: السنة والشيعة
السنة والشيعة مكونان أساسيان للدين الإسلامي وللعالم الإسلامي سواء كان ذلك من الناحية العددية أو الناحية التاريخية أو الناحية العلمية والفكرية بمختلف تجلياتها.
والأمة الإسلامية التي هي واحدة بصريح الآية القرآنية (وأن هذه أمتكم امة واحدة..) وهي واحدة في إيمانها بالله والواحد الأحد وهي واحدة في إتباعها واقتدائها بصاحب الرسالة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وهي واحدة في اهتدائها بهذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، القرآن الكريم الذي هو نفسه الذي يستحضره عن ظهر قلب عشرات الآلاف من الحفاظ السنة والشيعة، لا يختلفون في سورة من سوره ولا يختلفون في آية من آياته ولا حتى في كلمة من كلماته تشهد بذلك نسخ الكتاب العزيز سواء منها المطبوعة في بلاد السنة أو المطبوعة في بلاد الشيعة، وكذلك أمر ما هو مخطوط.
يضاف إلى ذلك توجه المصلين من السنة والشيعة إلى نفس القبلة فالجميع وبدون استثناء يولون وجوههم شطر المسجد الحرام الذي في مكة المكرمة حيث الكعبة المشرفة (أول بيت وضع للناس) في الأرض والى هذا البيت العتيق يشد الرحال كل عام الآلاف من ضيوف الرحمان سنة وشيعة لآداء مناسك الحج وزيارة سيد الأنام عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة.
فإذا أضفنا إلى كل هذه العوامل التي تجمع بين السنة والشيعة عوامل أخرى أهمها أن المنطوق والمفهوم من النصوص الشرعية المحكمة تدعو بإلحاح المسلمين: سنة وشيعة إلى وحدة الكلمة واجتماع الشمل وتحذر وتتوعد من مغبة الفتنة والفرقة والتنازع والاختلاف (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) وتبشر بالعقاب الشديد والعذاب الأليم لمن ينتهك دم أو عرض أو مال مؤمن ينطق لسانه بالشهادتين (إلا وان دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة الشهر الحرام إلا هل بلغت اللهم فاشهد) فهل بعد هذا البيان بيان وهل بعد هذه الحجة حجة؟!
فإذا نظرنا في هذه المسألة (وجوب الاتحاد بين مكوني الأمة السنة والشيعة) برؤية أعمق وابعد مدى وأكثر وعيا بالواقع المعيش في دار الإسلام على امتدادها وطبيعة التحديات فضلا على تتابع الشواهد والبراهين على خطورة ما يدبر وينفذ من مؤامرات من اجل العمل على بث الفرقة والنزاع والاختلاف بين مكوني الأمة من سنة وشيعة والحيلولة دون أي تقارب وتعاون وتكامل بينهما كل ذلك يدعو عقلاء الأمة وقادة الرأي والفكر وولاة الأمور بالخصوص القادة الدينيين في الجانبين كي يكونوا واعين بكل هذه الأمور ويتحملوا مسؤولياتهم أمام الله وأمام التاريخ ويتقوا الله في الأمة ودينها ويقفوا بالمرصاد في وجه كل المحاولات الخبيثة والشريرة لبث الفتنة والفرقة في صفوف الأمة بمختلف مكوناتها وفي كل بلدانها.
لقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على دعاة الفتنة فقال (الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها) واللعن هو الطرد من رحمة الله ولا يستحق ذلك إلا مرتكب لجرم عظيم فضيع ولاشك أن مذكي نار الفتنة ومحي ما كاد ينسى من ضغائن وأحقاد متبع لخطوات الشيطان لا يريد خيرا للأمة ولا لدينها لا يختلف في ذلك اثنان اللهم إلا إذا كانا ممن يزين لهم الشيطان أعمالهم فيقومون مقامه في إخراج المؤمنين من سنة وشيعة من نعمة الأمن والطمأنينة وإتباع الصراط المستقيم إلى فتنة التنازع والاختلاف والتباغض والاقتتال وسفك الدماء البريئة.
لا ينكر احد أن فترات من تاريخ الأمة شهدت مآس فضيعة تذوب الأكباد تألما من مجرد تذكرها واستحضارها، لقد كان ما كان مما لا داعي لذكره لأنه مؤلم ومحزن ومخجل ومغضب لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام.
* وليس مكتوبا على الأمة أن تعيد الكرة كل مرة فتتنازع مكوناتها وتتباغض وتتقاتل هكذا بعقلية ببغاوية وبتقليد أعمى حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم (لتتبعن سنن من قبلكم سنةً بِسُنة حتى إذا دخلوا حجر ضب دخلتموه وراءهم!!)
* ليس مقدرا على الأمة الإسلامية أن يظل حاضرها أسيرا لماض غير مشرق ولا مشرف.
لماذا نجني على الأجيال الجديدة من السنة والشيعة فنجعلهم يتوارثون الكراهية والبغضاء بل وندفعهم إلى قتل بعضهم البعض وسفك دماء بعضهم البعض؟
لا دخل لهم بل ولا دخل لنا ولمن سبقونا من الأجيال المتعاقبة إلى زمن الفتنة الكبرى فيما جرى لقد حمى الله منها سيوفنا آفلا يجدر بنا أن ننساها؟
أما آن لنا أن نلتقي على المجمع عليه والمتفق فيه وهو الأكثر والأغلب فنجعله منطلقا ودافعا قويا للبذل والعطاء ولتجسيم الخيرية الفعلية للأمة الإسلامية والتي هي تآخ صادق وتعاون كامل على كل ما من شأنه أن يجعل من المسلمين أعزة ويجعلهم الوارثين.
ونحن إذا توجهنا هذه الوجهة التي فيها مرضاة الله ورسوله فسنفوت على أعدائنا -الذين ينبغي أن نتوقع منهم دائما الاصطياد في الماء العكر- فرص الكيد لنا والتآمر علينا.
* لقد تعالت ومنذ منتصف القرن الماضي أصوات حرة من بين صفوف السنة والشيعة من اجل التقريب بين مكوني الأمة الرئيسيين وتجسمت هذه المبادرة في إنشاء مراكز وإصدار مجلات ودوريات وعقد مؤتمرات وندوات بل وقررت مذاهب السنة والشيعة في برامج جامعة الأزهر وتضمنت موسوعة الفقه الإسلامي التي أصدرها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة مواد مختلف المذاهب الفقهية الأربعة السنية المعروفة وأضيف إليها ما تضمنته المذاهب الأخرى من زيدية وجعفرية وإمامية وأباضية وتوفرت والحمد لله بين أيدي الباحثين والدارسين وحتى ولاة الأمور مادة فقهية ثرية لاشك أن فوائدها كبيرة وأنها مع بعضها البعض تجسم صدق مقولة صلاحية الإسلام لكل زمان ولكل مكان.
* ولم تسر الأمور مع الأسف الشديد دائما في هذا الخط القويم السليم بل قرانا وسمعنا وحتى شاهدنا ورأينا ما ظنناه أصبح نسيا منسيا وكانت العراق ومنطقة شبه القارة الهندية مسرحا لصدامات دامية كان فيها رواد المساجد والحسينيات مستهدفين بدرجة أولى وهم منصرفون بسكينة في التقرب إلى الله فإذا بهم أشلاء مبعثرة تتناقل شاشات التلفزيون الإسلامية والأجنبية صورهم، مشاهد مذهلة مخزية هي والله عار وشنار في جبين الأمة كلها. وما كان لمثل هذه التصرفات الرعناء الطائشة لتصدر إلا عن مجانين غسلت أدمغتهم وعبئت بكل ما الدين منه براء.
وما صدر من تصرفات من ذلك القبيل إلا من عدم اكتراث وعدم مبالاة بفتاوى وشعارات وتصريحات وافتراءات ونيل وسب وشتم يحرمها الله ورسوله في حق بعضنا البعض وفي حق أسلافنا الذين كان الأجدر والأولى أن لا نزج بأسمائهم في تصرفاتنا الخرقاء وفتنتنا العمياء.
* لقد آن الأوان أن ندرك إن الكلمات التي نلقي بها على عواهنها لا نابه لها يمكن أن تتسبب للأمة في المزيد من المآسي والآلام وتتسبب لنا في غضب الله وشديد عقابه.
* إن التأسيس الفعلي للتقارب والتآخي الحقيقي إنما يبدأ بالخطاب والكلمة مسموعة ومقروؤة ومرئية في المدرسة والمعهد وعلى منبر الجمعية وفي خطبة الجمعة وفي الدرس، خطاب واحد لا ازدواج فيه، خطاب السر والعلن، خطاب الصدق مع الله ومع الأمة، خطاب الترشيد والتوجيه القويم الذي فيه التصويب وفيه الاجتناب لكل الحساسيات والتأويلات، الخطاب الذي ينهض بالأمة ويجمع كلماتها ويرتب أولياتها ويجعلها شديدة الوعي بطبيعة المرحلة ودقة تحدياتها.
إن قادة الرأي والفكر وعلماء الأمة لدى مكوني الأمة من سنة وشيعة هم من يتحملون المسؤولية ويبدو أن سيرا في هذا المسلك القويم السليم هو ما انتهى إليه وآمن به بعض القادة الدينيين فقد قرأنا في هذا الصدد توجيها لإخواننا الشيعة من إمامهم السيد علي خامنئي حيث حرم عليهم التعرض بالإساءة للصحابة وأمهات المؤمنين الأمر الذي بادر إلى مباركته والثناء عليه والترحيب به الدكتور احمد الطيب شيخ الأزهر.
بقلم:الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي
السنة والشيعة مكونان أساسيان للدين الإسلامي وللعالم الإسلامي سواء كان ذلك من الناحية العددية أو الناحية التاريخية أو الناحية العلمية والفكرية بمختلف تجلياتها.
والأمة الإسلامية التي هي واحدة بصريح الآية القرآنية (وأن هذه أمتكم امة واحدة..) وهي واحدة في إيمانها بالله والواحد الأحد وهي واحدة في إتباعها واقتدائها بصاحب الرسالة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وهي واحدة في اهتدائها بهذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، القرآن الكريم الذي هو نفسه الذي يستحضره عن ظهر قلب عشرات الآلاف من الحفاظ السنة والشيعة، لا يختلفون في سورة من سوره ولا يختلفون في آية من آياته ولا حتى في كلمة من كلماته تشهد بذلك نسخ الكتاب العزيز سواء منها المطبوعة في بلاد السنة أو المطبوعة في بلاد الشيعة، وكذلك أمر ما هو مخطوط.
يضاف إلى ذلك توجه المصلين من السنة والشيعة إلى نفس القبلة فالجميع وبدون استثناء يولون وجوههم شطر المسجد الحرام الذي في مكة المكرمة حيث الكعبة المشرفة (أول بيت وضع للناس) في الأرض والى هذا البيت العتيق يشد الرحال كل عام الآلاف من ضيوف الرحمان سنة وشيعة لآداء مناسك الحج وزيارة سيد الأنام عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة.
فإذا أضفنا إلى كل هذه العوامل التي تجمع بين السنة والشيعة عوامل أخرى أهمها أن المنطوق والمفهوم من النصوص الشرعية المحكمة تدعو بإلحاح المسلمين: سنة وشيعة إلى وحدة الكلمة واجتماع الشمل وتحذر وتتوعد من مغبة الفتنة والفرقة والتنازع والاختلاف (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) وتبشر بالعقاب الشديد والعذاب الأليم لمن ينتهك دم أو عرض أو مال مؤمن ينطق لسانه بالشهادتين (إلا وان دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة الشهر الحرام إلا هل بلغت اللهم فاشهد) فهل بعد هذا البيان بيان وهل بعد هذه الحجة حجة؟!
فإذا نظرنا في هذه المسألة (وجوب الاتحاد بين مكوني الأمة السنة والشيعة) برؤية أعمق وابعد مدى وأكثر وعيا بالواقع المعيش في دار الإسلام على امتدادها وطبيعة التحديات فضلا على تتابع الشواهد والبراهين على خطورة ما يدبر وينفذ من مؤامرات من اجل العمل على بث الفرقة والنزاع والاختلاف بين مكوني الأمة من سنة وشيعة والحيلولة دون أي تقارب وتعاون وتكامل بينهما كل ذلك يدعو عقلاء الأمة وقادة الرأي والفكر وولاة الأمور بالخصوص القادة الدينيين في الجانبين كي يكونوا واعين بكل هذه الأمور ويتحملوا مسؤولياتهم أمام الله وأمام التاريخ ويتقوا الله في الأمة ودينها ويقفوا بالمرصاد في وجه كل المحاولات الخبيثة والشريرة لبث الفتنة والفرقة في صفوف الأمة بمختلف مكوناتها وفي كل بلدانها.
لقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على دعاة الفتنة فقال (الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها) واللعن هو الطرد من رحمة الله ولا يستحق ذلك إلا مرتكب لجرم عظيم فضيع ولاشك أن مذكي نار الفتنة ومحي ما كاد ينسى من ضغائن وأحقاد متبع لخطوات الشيطان لا يريد خيرا للأمة ولا لدينها لا يختلف في ذلك اثنان اللهم إلا إذا كانا ممن يزين لهم الشيطان أعمالهم فيقومون مقامه في إخراج المؤمنين من سنة وشيعة من نعمة الأمن والطمأنينة وإتباع الصراط المستقيم إلى فتنة التنازع والاختلاف والتباغض والاقتتال وسفك الدماء البريئة.
لا ينكر احد أن فترات من تاريخ الأمة شهدت مآس فضيعة تذوب الأكباد تألما من مجرد تذكرها واستحضارها، لقد كان ما كان مما لا داعي لذكره لأنه مؤلم ومحزن ومخجل ومغضب لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام.
* وليس مكتوبا على الأمة أن تعيد الكرة كل مرة فتتنازع مكوناتها وتتباغض وتتقاتل هكذا بعقلية ببغاوية وبتقليد أعمى حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم (لتتبعن سنن من قبلكم سنةً بِسُنة حتى إذا دخلوا حجر ضب دخلتموه وراءهم!!)
* ليس مقدرا على الأمة الإسلامية أن يظل حاضرها أسيرا لماض غير مشرق ولا مشرف.
لماذا نجني على الأجيال الجديدة من السنة والشيعة فنجعلهم يتوارثون الكراهية والبغضاء بل وندفعهم إلى قتل بعضهم البعض وسفك دماء بعضهم البعض؟
لا دخل لهم بل ولا دخل لنا ولمن سبقونا من الأجيال المتعاقبة إلى زمن الفتنة الكبرى فيما جرى لقد حمى الله منها سيوفنا آفلا يجدر بنا أن ننساها؟
أما آن لنا أن نلتقي على المجمع عليه والمتفق فيه وهو الأكثر والأغلب فنجعله منطلقا ودافعا قويا للبذل والعطاء ولتجسيم الخيرية الفعلية للأمة الإسلامية والتي هي تآخ صادق وتعاون كامل على كل ما من شأنه أن يجعل من المسلمين أعزة ويجعلهم الوارثين.
ونحن إذا توجهنا هذه الوجهة التي فيها مرضاة الله ورسوله فسنفوت على أعدائنا -الذين ينبغي أن نتوقع منهم دائما الاصطياد في الماء العكر- فرص الكيد لنا والتآمر علينا.
* لقد تعالت ومنذ منتصف القرن الماضي أصوات حرة من بين صفوف السنة والشيعة من اجل التقريب بين مكوني الأمة الرئيسيين وتجسمت هذه المبادرة في إنشاء مراكز وإصدار مجلات ودوريات وعقد مؤتمرات وندوات بل وقررت مذاهب السنة والشيعة في برامج جامعة الأزهر وتضمنت موسوعة الفقه الإسلامي التي أصدرها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة مواد مختلف المذاهب الفقهية الأربعة السنية المعروفة وأضيف إليها ما تضمنته المذاهب الأخرى من زيدية وجعفرية وإمامية وأباضية وتوفرت والحمد لله بين أيدي الباحثين والدارسين وحتى ولاة الأمور مادة فقهية ثرية لاشك أن فوائدها كبيرة وأنها مع بعضها البعض تجسم صدق مقولة صلاحية الإسلام لكل زمان ولكل مكان.
* ولم تسر الأمور مع الأسف الشديد دائما في هذا الخط القويم السليم بل قرانا وسمعنا وحتى شاهدنا ورأينا ما ظنناه أصبح نسيا منسيا وكانت العراق ومنطقة شبه القارة الهندية مسرحا لصدامات دامية كان فيها رواد المساجد والحسينيات مستهدفين بدرجة أولى وهم منصرفون بسكينة في التقرب إلى الله فإذا بهم أشلاء مبعثرة تتناقل شاشات التلفزيون الإسلامية والأجنبية صورهم، مشاهد مذهلة مخزية هي والله عار وشنار في جبين الأمة كلها. وما كان لمثل هذه التصرفات الرعناء الطائشة لتصدر إلا عن مجانين غسلت أدمغتهم وعبئت بكل ما الدين منه براء.
وما صدر من تصرفات من ذلك القبيل إلا من عدم اكتراث وعدم مبالاة بفتاوى وشعارات وتصريحات وافتراءات ونيل وسب وشتم يحرمها الله ورسوله في حق بعضنا البعض وفي حق أسلافنا الذين كان الأجدر والأولى أن لا نزج بأسمائهم في تصرفاتنا الخرقاء وفتنتنا العمياء.
* لقد آن الأوان أن ندرك إن الكلمات التي نلقي بها على عواهنها لا نابه لها يمكن أن تتسبب للأمة في المزيد من المآسي والآلام وتتسبب لنا في غضب الله وشديد عقابه.
* إن التأسيس الفعلي للتقارب والتآخي الحقيقي إنما يبدأ بالخطاب والكلمة مسموعة ومقروؤة ومرئية في المدرسة والمعهد وعلى منبر الجمعية وفي خطبة الجمعة وفي الدرس، خطاب واحد لا ازدواج فيه، خطاب السر والعلن، خطاب الصدق مع الله ومع الأمة، خطاب الترشيد والتوجيه القويم الذي فيه التصويب وفيه الاجتناب لكل الحساسيات والتأويلات، الخطاب الذي ينهض بالأمة ويجمع كلماتها ويرتب أولياتها ويجعلها شديدة الوعي بطبيعة المرحلة ودقة تحدياتها.
إن قادة الرأي والفكر وعلماء الأمة لدى مكوني الأمة من سنة وشيعة هم من يتحملون المسؤولية ويبدو أن سيرا في هذا المسلك القويم السليم هو ما انتهى إليه وآمن به بعض القادة الدينيين فقد قرأنا في هذا الصدد توجيها لإخواننا الشيعة من إمامهم السيد علي خامنئي حيث حرم عليهم التعرض بالإساءة للصحابة وأمهات المؤمنين الأمر الذي بادر إلى مباركته والثناء عليه والترحيب به الدكتور احمد الطيب شيخ الأزهر.
بقلم:الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
مواضيع مماثلة
» التقريب بين المذاهب الإسلامية أولى من الانشغال بالتفريق بينها/فهمي هويدي
» من اسطنبول: القرضاوي يوجه نداءً لتوحيد الأمة الإسلامية
» حوار مع يحيى محمد حول مشروع التقريب بين المذاهب
» الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب: إشكاليات وآفاق
» شباب كرداسة يعقدون حوار التقريب بين الجماعات الإسلامية
» من اسطنبول: القرضاوي يوجه نداءً لتوحيد الأمة الإسلامية
» حوار مع يحيى محمد حول مشروع التقريب بين المذاهب
» الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب: إشكاليات وآفاق
» شباب كرداسة يعقدون حوار التقريب بين الجماعات الإسلامية
شبكة واحة العلوم الثقافية :: الساحات العلمية والثقافية والحوارية :: ساحة الحوار الموضوعي بين الأديان :: ساحة التقارب السني الشيعي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى