السلام و القومية العلمانية
صفحة 1 من اصل 1
السلام و القومية العلمانية
إن المثقفين المسلمين، من بقي منهم على موروثه الفطري
الإسلامي ومن تنكر لدينه، ينشغلون انشغالا كثيرا بالبحوث في التراث
والأصالة والأمجاد القومية، ينسجون من كل هذه المفاهيم طيلسانا يتقنعون به
ليزدان في أعينهم الواقع الكئيب لمجتمعاتهم. في هذا الكتاب نصطنع اللغة
التي يألفها المثقفون لنحاورهم محاولين إسماع كلمة الإسلام.
إن الله عز وجل حين خلق الإنسان وذرأه لم ينبته في أرض عراء، وإنما
أنشأه في حضن قوم رعوا نشأته. فمن الفطرة التي يتخذها الإسلام أساسا عليه
يكمل البناء العاطفي الفكري السلوكي للمسلم : أسباب الصلة بين الإنسان
وقومه. حيث يأمر دين الله القويم بحسن صحبة الوالدين وذوي القربى ولا ينكر
إلا الحمية الجاهلية وهي العصبية القومية.
في هذا الكتاب نعرض إن شاء الله لشيء من تاريخ الإيديولوجية القومية
التي نبعت في أرض غير أرضنا فاستوردها المثقفون المغربون من ذرارينا
ليركبوا متنها في كراتهم التي تحمل شعارات الإلحاد المفلسف تارة والردة
والزندقة مرة والإلحاد العلمي أحيانا والأصالة التراثية أحيانا أخرى.
ومن خلال العرض التاريخي نقول رأينا الإسلامي.
الإسلامي ومن تنكر لدينه، ينشغلون انشغالا كثيرا بالبحوث في التراث
والأصالة والأمجاد القومية، ينسجون من كل هذه المفاهيم طيلسانا يتقنعون به
ليزدان في أعينهم الواقع الكئيب لمجتمعاتهم. في هذا الكتاب نصطنع اللغة
التي يألفها المثقفون لنحاورهم محاولين إسماع كلمة الإسلام.
إن الله عز وجل حين خلق الإنسان وذرأه لم ينبته في أرض عراء، وإنما
أنشأه في حضن قوم رعوا نشأته. فمن الفطرة التي يتخذها الإسلام أساسا عليه
يكمل البناء العاطفي الفكري السلوكي للمسلم : أسباب الصلة بين الإنسان
وقومه. حيث يأمر دين الله القويم بحسن صحبة الوالدين وذوي القربى ولا ينكر
إلا الحمية الجاهلية وهي العصبية القومية.
في هذا الكتاب نعرض إن شاء الله لشيء من تاريخ الإيديولوجية القومية
التي نبعت في أرض غير أرضنا فاستوردها المثقفون المغربون من ذرارينا
ليركبوا متنها في كراتهم التي تحمل شعارات الإلحاد المفلسف تارة والردة
والزندقة مرة والإلحاد العلمي أحيانا والأصالة التراثية أحيانا أخرى.
ومن خلال العرض التاريخي نقول رأينا الإسلامي.
<br>
عمرالحسني- كـاتــــب
-
الديانه : الاسلام
البلد : المغرب
عدد المساهمات : 1169
نقاط : 6486
السٌّمعَة : 12
رد: السلام و القومية العلمانية
الولاء للغة
إن ألفاظ كل لغة تحمل المعاني الدارجة عند أهل كل لغة
كما تحمل اللغة بمجموعها، نحوها وتركيبها وبلاغتها، شعرها ونثرها
وأمثالها، تجربة الشعب الناطق بها، حساسيته وفكره وأسلوبه في الحياة
ونظرته للإنسان، ومكانه في الكون، ومصيره وقيمه. لكنها تمثل في نفس الوقت
رباطا أساسيا يلم المجتمع، رباطا يقرب بين الناس وإن اختلف العرق واختلف
الدين.
فإذا كان الرباط الديني ضعيفا بانسلاخ الناس عن الدين، واجتمع رباطا
العرق واللغة فقد يستطيعان حرب الدين ويكونان خطرا عليه، وهذا بالضبط ما
يحدث في بلاد العروبة، إذ نرى زعماءها، وفي مقدمتهم النصارى العرب الذين
يريدونها قومية ناطقة بلغة الضاد لا بلغة القرآن، ينشدون أمجاد اللغة
العربية، ويتيهون هياما بها ويرفعونها مكانا ساميا.
إنها نوع وثنية، حيث تستحيل اللغة هي الروح، هي الأصل والفصل، هي الحاضر والمستقبل، هي التاريخ والحقيقة، هي الكل.
ولاء العرب القوميين للغة التي نزل بها القرآن كولائنا للقرآن. نحب
هذه اللغة ونعتبرها كما يعتبرونها أجمل اللغات وأشرفها. وإذن فها قد وجدنا
جسرا متينا للحوار والتقارب والتفاهم ما دمنا نعشق نفس الملاحة.
هكذا يخيل لمن يكتفي بملاحظة الظاهرة دون الكشف عن الأسباب أو لمن
يسعى أن يمد الجسور ويبسط يد التفاهم بأي ثمن. عندما نغتبط بامتلاك لغة
شرفها الله عز وجل واختارها لينزل إلينا فيها ذكره، يعتبر العروبيون بأن
العروبة قدمت للإسلام وللقرآن هذه اللغة العبقرية. عندما ننظر إلى صنع
الله عز وجل حيث خلق قوما ودرجهم في أطوار النشأة حتى تطورت لديهم لغة كان
اللّه عز وجل في سابق علمه هيأها لتكون وعاء لوحيه كما هيأ رجلا من بين
أولئك القوم لتلقي ذلك الوحي، يرى العروبيون أن عبقرية الأسلاف ونباهة
العرق وشرف الأرومة معطيات (موضوعية) أفرزت اللغة العبقرية وأفرزت النبي.
فشتان ما بيننا. إن العروبة في محنتها التاريخية الحاضرة، وهي محنة
المسلمين، تتشبث باللغة العربية كما يتشبت الغريق بيد منقذه. فعليها
معولهم وإليها مرجعهم من كل خيبة. بها ومنها النهضة، وبها الحياة
والبطولة، لسر عظيم يقدرونه لها كما نؤمن نحن بالله عز وجل وتأييده. يقول
كي أرسوزي وهو من المؤسسين الأولين لحزب البعث العربي ورواده : "أمنية كل
عربي هي أن يكون بطلا، وأن يكون شاعرا، ينشد روعة أعماله ومناقب أجداده".
إن ذلك يتم "بالعودة إلى لغتنا التي هي أبلغ مظهر لتجلي عبقرية أمتنا، إن
لغتنا لهي مستودع تراثنا، فإذا ما وعينا ما تضمنت كلماتها من حدس، بلغنا
ما بلغ أجدادنا من عزة وسؤدد. مثل كلمات لغتنا كمثل البذر من النبات. تضمر
(يقصد تختفي) فيها المعاني ضمور الحياة في البذر (...) فقد أصبح البعث
عندنا العودة إلى الينبوع، إلى الحدس المتضمن في الكلمات، كالعدالة
والنظام والشعر والجمال..."[1]
تأثير الشاعرية الرومانطيقية لفلسفة فخت الألماني واضحة. وقد كان
لفلاسفة الألمان دعوتهم إلى اللغة الألمانية الممجدة في خطابهم وفكرهم
اليد الطولى في استنهاض الحماس الشعبي الذي مهد لتوحيد ألمانيا.
إن ألفاظ كل لغة تحمل المعاني الدارجة عند أهل كل لغة
كما تحمل اللغة بمجموعها، نحوها وتركيبها وبلاغتها، شعرها ونثرها
وأمثالها، تجربة الشعب الناطق بها، حساسيته وفكره وأسلوبه في الحياة
ونظرته للإنسان، ومكانه في الكون، ومصيره وقيمه. لكنها تمثل في نفس الوقت
رباطا أساسيا يلم المجتمع، رباطا يقرب بين الناس وإن اختلف العرق واختلف
الدين.
فإذا كان الرباط الديني ضعيفا بانسلاخ الناس عن الدين، واجتمع رباطا
العرق واللغة فقد يستطيعان حرب الدين ويكونان خطرا عليه، وهذا بالضبط ما
يحدث في بلاد العروبة، إذ نرى زعماءها، وفي مقدمتهم النصارى العرب الذين
يريدونها قومية ناطقة بلغة الضاد لا بلغة القرآن، ينشدون أمجاد اللغة
العربية، ويتيهون هياما بها ويرفعونها مكانا ساميا.
إنها نوع وثنية، حيث تستحيل اللغة هي الروح، هي الأصل والفصل، هي الحاضر والمستقبل، هي التاريخ والحقيقة، هي الكل.
ولاء العرب القوميين للغة التي نزل بها القرآن كولائنا للقرآن. نحب
هذه اللغة ونعتبرها كما يعتبرونها أجمل اللغات وأشرفها. وإذن فها قد وجدنا
جسرا متينا للحوار والتقارب والتفاهم ما دمنا نعشق نفس الملاحة.
هكذا يخيل لمن يكتفي بملاحظة الظاهرة دون الكشف عن الأسباب أو لمن
يسعى أن يمد الجسور ويبسط يد التفاهم بأي ثمن. عندما نغتبط بامتلاك لغة
شرفها الله عز وجل واختارها لينزل إلينا فيها ذكره، يعتبر العروبيون بأن
العروبة قدمت للإسلام وللقرآن هذه اللغة العبقرية. عندما ننظر إلى صنع
الله عز وجل حيث خلق قوما ودرجهم في أطوار النشأة حتى تطورت لديهم لغة كان
اللّه عز وجل في سابق علمه هيأها لتكون وعاء لوحيه كما هيأ رجلا من بين
أولئك القوم لتلقي ذلك الوحي، يرى العروبيون أن عبقرية الأسلاف ونباهة
العرق وشرف الأرومة معطيات (موضوعية) أفرزت اللغة العبقرية وأفرزت النبي.
فشتان ما بيننا. إن العروبة في محنتها التاريخية الحاضرة، وهي محنة
المسلمين، تتشبث باللغة العربية كما يتشبت الغريق بيد منقذه. فعليها
معولهم وإليها مرجعهم من كل خيبة. بها ومنها النهضة، وبها الحياة
والبطولة، لسر عظيم يقدرونه لها كما نؤمن نحن بالله عز وجل وتأييده. يقول
كي أرسوزي وهو من المؤسسين الأولين لحزب البعث العربي ورواده : "أمنية كل
عربي هي أن يكون بطلا، وأن يكون شاعرا، ينشد روعة أعماله ومناقب أجداده".
إن ذلك يتم "بالعودة إلى لغتنا التي هي أبلغ مظهر لتجلي عبقرية أمتنا، إن
لغتنا لهي مستودع تراثنا، فإذا ما وعينا ما تضمنت كلماتها من حدس، بلغنا
ما بلغ أجدادنا من عزة وسؤدد. مثل كلمات لغتنا كمثل البذر من النبات. تضمر
(يقصد تختفي) فيها المعاني ضمور الحياة في البذر (...) فقد أصبح البعث
عندنا العودة إلى الينبوع، إلى الحدس المتضمن في الكلمات، كالعدالة
والنظام والشعر والجمال..."[1]
تأثير الشاعرية الرومانطيقية لفلسفة فخت الألماني واضحة. وقد كان
لفلاسفة الألمان دعوتهم إلى اللغة الألمانية الممجدة في خطابهم وفكرهم
اليد الطولى في استنهاض الحماس الشعبي الذي مهد لتوحيد ألمانيا.
<br>
عمرالحسني- كـاتــــب
-
الديانه : الاسلام
البلد : المغرب
عدد المساهمات : 1169
نقاط : 6486
السٌّمعَة : 12
رد: السلام و القومية العلمانية
العروبة والإسلام
في اللغة يكمن المخزون الحدسي، ينبوع العبقرية والحياة
في نظر العروبيين. مجرد الرجوع للغة يفتح مصبات ذلك الينبوع الثرار، وتلك
أحلام تناسب تماما الانفعالية القومية التي تتجلى في ميدان السياسة شعارات
ملتهبة، وتعوض الهزائم العسكرية والفشل في الحكم والوعود المخلفة في
ميادين من الاقتصاد بالخطب الرنانة التي ترفع العربي القح إلى سماء السؤدد
والنخوة منذ عهد أجدادنا في عكاظ ومحافل العروبة.
امتداد بين الجاهلية والإسلام في العاطفة والانفعال، و"العبقرية"،
كما هو امتداد في النسب. هكذا الأمر في الوعي القومي. وما الإسلام إلا
ظاهرة طارئة، ثمرة من ثمرات الأمجاد العربية.
أما نحن فإن لنا تعلقا خاصا باللغة القرآنية، تعلقا هو من الدين، من
صميم الدين، لأن شكل اللغة لا يمكن فصله عن مضمون الرسالة. اللغة العربية
هي الوعاء، هي الرحم، هي الجسم، جمالها ليس هو القيمة، لكن القيمة ما حمله
إلى عقلنا وقلبنا ذلك الجمال، بيانها ليس الغاية والمنى لكن ما أبانه من
معان. قال الله عز وجل : {إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون}[1]. وقال
عز من قائل يخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم : {لتكون من المُنذرين بلسان
عربي مبين}[2].
ثم إن القرآن كلام اللّه عز وجل لفظا ومعنى، ما هي الألفاظ العربية
من كلام الله حتى تكون في التركيب القرآني. وعندئذ فقط يكون اللفظ بالقرآن
في الصلاة مجزئا، وتكون الصلاة صلاة. وما من مسلم ومسلمة يحرصان على
دينهما إلا يتعلمان حدا أدنى من القرآن الكريم بلفظه العربي، فيكون ذلك
وصلة لكلام الله عز وجل، وشرطا في صحة العبادات وشعورا إيمانيا لا يعوضه
شيء غير التبلغ أو التضلع من الكتاب العربي المبارك.
إن من أسماء القرآن الكريم "الذكر". هو تبصرة وذكرى في أعماق الفطرة
الإنسانية، استعداد لسماع النداء الإلهي الذي يتضمنه القرآن. لذلك نشاهد
تأثير القرآن الكريم متلوا مجودا أو مقروءا نصا على السامع والقارئ. فما
بالك بتأثيره على العرب الأولين الذين سمعوه سمعين : سمع الفطرة وسمع
الاستعداد الخاص بأذن عربية وعاطفة عربية واستئناس بالبلاغة والجرس.
فالقرآن يذكر الناس بما في أعماق الفطرة، ويذكر العرب على مستويين اثنين.
ما من كتاب سكن في أعماق أهل لغة ما سكن القرآن. ولا كان أبلغ
تأثيرا، ولا أشد حفزا للعزائم ولا أدعى للاحترام والتقديس. ولا أقدر على
صرف وجوه الناس وقلوبهم وعقولهم وجهودهم للجهاد ولا أدعى للاحترام
والتقديس. ولا أقدر على صرف وجوه الناس وقلوبهم وعقولهم وجهودهم للجهاد
حتى الموت في سبيل الله. ما كان ذلك ولا يكون بخاصية في اللغة العربية،
إنما كان يكون بما تحملته اللغة العربية من بركات الوحي الإلهي، وما
تغشَّاها من هيبته. إن الله تبارك وتعالى خالق العرب وخالق لغتهم وخالق
استعداداتهم الفطرية، وقد جعل سبحانه في المحل الذي اختاره لتجلي وحيه
وظهور رسوله ورسالته ظروفا قابلة لتلقي كل ذلك، صالحة لحمله ونصره. وكانت
عروبة العرب اللغوية مكملا لاستعداداتهم الأخرى المواكبة والمساعدة. اجتمع
كل ذلك فتبلور خيرا وقوة، أخلاقا ورجولة، في القالب الإسلامي وبالروح
الإسلامية.
لا ننكر أن للعرب والعروبة مزايا منيفة، لكن تلك الاستعدادات التي
أصبحت مزايا بفضل الإسلام كانت رزايا في عروبة العرب الجاهلية. كذلك ننتظر
ونرجو أن يعيد الله عز وجل رحمته بالعرب فتظهر في عرب اليوم تلك
الاستعدادات التي هيأ لها الأسباب فظهرت أول مرة لتحمل عبء الرسالة، تلك
الاستعدادات الفطرية العزيزة التي تكمن اليوم في العرب، ويطمرها أكثر ما
يطمرها أحلام العروبة العلمانية التراثية وأوهامها.
مزية الكرم كانت في الجاهلية ذريعة ليعدو العرب بعضهم على بعض في
الغارة، وليقامر بعضهم بعضا في الميسر، وليرابي بعضهم بعضا ليجمع ما به
ينحر الجزر ويوقد نار القِرى وينال ثناء فحول الشعراء. علمهم الإسلام كسب
الحلال وبذل الفضول، ليكون الكرم تكملة لنسيج المجتمع الأخوي. وهكذا
الشجاعة العربية التي كانت تستنفد في الحروب والمبارزات والتناصر، رفعها
الإسلام فأصبحت بأسا على أعداء الإنسانية. وهكذا شيمة الحرية والأنفة
وإباء الضيم، رفعها الإسلام من حضيض العصبية القبلية -حضيض العصبية
القومية اليوم- إلى ذرى العزة بالله ورسوله. وهكذا شيم الوفاء وسرعة
البديهة وحب المدح والثناء الحسن. الإسلام مجد العرب وشرفهم، فمتى اعتزوا
بغير الإسلام ذلوا على حد قول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
[1] سورة الزخرف 3.
[2] سورة الشعراء 195.
في اللغة يكمن المخزون الحدسي، ينبوع العبقرية والحياة
في نظر العروبيين. مجرد الرجوع للغة يفتح مصبات ذلك الينبوع الثرار، وتلك
أحلام تناسب تماما الانفعالية القومية التي تتجلى في ميدان السياسة شعارات
ملتهبة، وتعوض الهزائم العسكرية والفشل في الحكم والوعود المخلفة في
ميادين من الاقتصاد بالخطب الرنانة التي ترفع العربي القح إلى سماء السؤدد
والنخوة منذ عهد أجدادنا في عكاظ ومحافل العروبة.
امتداد بين الجاهلية والإسلام في العاطفة والانفعال، و"العبقرية"،
كما هو امتداد في النسب. هكذا الأمر في الوعي القومي. وما الإسلام إلا
ظاهرة طارئة، ثمرة من ثمرات الأمجاد العربية.
أما نحن فإن لنا تعلقا خاصا باللغة القرآنية، تعلقا هو من الدين، من
صميم الدين، لأن شكل اللغة لا يمكن فصله عن مضمون الرسالة. اللغة العربية
هي الوعاء، هي الرحم، هي الجسم، جمالها ليس هو القيمة، لكن القيمة ما حمله
إلى عقلنا وقلبنا ذلك الجمال، بيانها ليس الغاية والمنى لكن ما أبانه من
معان. قال الله عز وجل : {إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون}[1]. وقال
عز من قائل يخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم : {لتكون من المُنذرين بلسان
عربي مبين}[2].
ثم إن القرآن كلام اللّه عز وجل لفظا ومعنى، ما هي الألفاظ العربية
من كلام الله حتى تكون في التركيب القرآني. وعندئذ فقط يكون اللفظ بالقرآن
في الصلاة مجزئا، وتكون الصلاة صلاة. وما من مسلم ومسلمة يحرصان على
دينهما إلا يتعلمان حدا أدنى من القرآن الكريم بلفظه العربي، فيكون ذلك
وصلة لكلام الله عز وجل، وشرطا في صحة العبادات وشعورا إيمانيا لا يعوضه
شيء غير التبلغ أو التضلع من الكتاب العربي المبارك.
إن من أسماء القرآن الكريم "الذكر". هو تبصرة وذكرى في أعماق الفطرة
الإنسانية، استعداد لسماع النداء الإلهي الذي يتضمنه القرآن. لذلك نشاهد
تأثير القرآن الكريم متلوا مجودا أو مقروءا نصا على السامع والقارئ. فما
بالك بتأثيره على العرب الأولين الذين سمعوه سمعين : سمع الفطرة وسمع
الاستعداد الخاص بأذن عربية وعاطفة عربية واستئناس بالبلاغة والجرس.
فالقرآن يذكر الناس بما في أعماق الفطرة، ويذكر العرب على مستويين اثنين.
ما من كتاب سكن في أعماق أهل لغة ما سكن القرآن. ولا كان أبلغ
تأثيرا، ولا أشد حفزا للعزائم ولا أدعى للاحترام والتقديس. ولا أقدر على
صرف وجوه الناس وقلوبهم وعقولهم وجهودهم للجهاد ولا أدعى للاحترام
والتقديس. ولا أقدر على صرف وجوه الناس وقلوبهم وعقولهم وجهودهم للجهاد
حتى الموت في سبيل الله. ما كان ذلك ولا يكون بخاصية في اللغة العربية،
إنما كان يكون بما تحملته اللغة العربية من بركات الوحي الإلهي، وما
تغشَّاها من هيبته. إن الله تبارك وتعالى خالق العرب وخالق لغتهم وخالق
استعداداتهم الفطرية، وقد جعل سبحانه في المحل الذي اختاره لتجلي وحيه
وظهور رسوله ورسالته ظروفا قابلة لتلقي كل ذلك، صالحة لحمله ونصره. وكانت
عروبة العرب اللغوية مكملا لاستعداداتهم الأخرى المواكبة والمساعدة. اجتمع
كل ذلك فتبلور خيرا وقوة، أخلاقا ورجولة، في القالب الإسلامي وبالروح
الإسلامية.
لا ننكر أن للعرب والعروبة مزايا منيفة، لكن تلك الاستعدادات التي
أصبحت مزايا بفضل الإسلام كانت رزايا في عروبة العرب الجاهلية. كذلك ننتظر
ونرجو أن يعيد الله عز وجل رحمته بالعرب فتظهر في عرب اليوم تلك
الاستعدادات التي هيأ لها الأسباب فظهرت أول مرة لتحمل عبء الرسالة، تلك
الاستعدادات الفطرية العزيزة التي تكمن اليوم في العرب، ويطمرها أكثر ما
يطمرها أحلام العروبة العلمانية التراثية وأوهامها.
مزية الكرم كانت في الجاهلية ذريعة ليعدو العرب بعضهم على بعض في
الغارة، وليقامر بعضهم بعضا في الميسر، وليرابي بعضهم بعضا ليجمع ما به
ينحر الجزر ويوقد نار القِرى وينال ثناء فحول الشعراء. علمهم الإسلام كسب
الحلال وبذل الفضول، ليكون الكرم تكملة لنسيج المجتمع الأخوي. وهكذا
الشجاعة العربية التي كانت تستنفد في الحروب والمبارزات والتناصر، رفعها
الإسلام فأصبحت بأسا على أعداء الإنسانية. وهكذا شيمة الحرية والأنفة
وإباء الضيم، رفعها الإسلام من حضيض العصبية القبلية -حضيض العصبية
القومية اليوم- إلى ذرى العزة بالله ورسوله. وهكذا شيم الوفاء وسرعة
البديهة وحب المدح والثناء الحسن. الإسلام مجد العرب وشرفهم، فمتى اعتزوا
بغير الإسلام ذلوا على حد قول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
[1] سورة الزخرف 3.
[2] سورة الشعراء 195.
<br>
عمرالحسني- كـاتــــب
-
الديانه : الاسلام
البلد : المغرب
عدد المساهمات : 1169
نقاط : 6486
السٌّمعَة : 12
مواضيع مماثلة
» الإسلام و القومية العلمانية : تتمة
» حروب العرب القومية
» انهيار القومية العربية
» مفهوم القومية العربية:اعتبارات نظرية وعملية في التحقيق
» قراءة فى مقال المثقف الديني والنزعات العلمانية
» حروب العرب القومية
» انهيار القومية العربية
» مفهوم القومية العربية:اعتبارات نظرية وعملية في التحقيق
» قراءة فى مقال المثقف الديني والنزعات العلمانية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى