مفهوم القومية العربية:اعتبارات نظرية وعملية في التحقيق
صفحة 1 من اصل 1
مفهوم القومية العربية:اعتبارات نظرية وعملية في التحقيق
مفهوم القومية العربية:
اعتبارات نظرية وعملية في التحقيق
د. تيسير الناشف
الحس القومي العربي قائم في وعي وقلوب قطاعات واسعة من الشعوب العربية، وهذا الحس متفاوت القوة من بلد إلى بلد ومن مجتمع إلى آخر. وأحيانا لا يتجلى هذا الحس تجليا كاملا لأسباب داخلية وخارجية. واستلهم النشاطُ القومي العربي فكرة القومية العربية. لقد صاحبت نشوءَ النشاط القومي العربي بعض الإشكالات التي كان لها أثر سلبي في الفكر القومي العربي وفي نشوء الحركة القومية العربية. ومن هذه الإشكالات أن فكرة القومية العربية بدأت بالانتشار بالتزامن مع النشاط الاستعماري لبريطانية وفرنسا والحركة الصهيونية وغيرها خلال القرن التاسع عشر والعقود الأولى من القرن العشرين كان نشاط تلك الجهات، بقوتها ومواردها ونفوذها، مناوئا للفكرة القومية العربية، قبل أن تكون هذه الفكرة قد تبلورت وتطورت إلى حركة شعبية وترسخت جذورها بين قطاعات واسعة من المنتمين إليها واكتسبت مفاهيمُها الطابع المؤسسي. وبالتالي أمكن لهذه الجهات المناوئة أن تجزئ الأراضي العربية. ولم تستطع الحركة القومية العربية الناشئة الضعيفة في البداية أن تتغلب على التهديدات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي مثلتها تلك الجهات.
ووعود بريطانيا في العقدين الأولين من القرن العشرين بدعم استقلال أراضي الوطن العربي في آسيا، ثم نكثها بوعودها، واتفاق سايكس-بيكو البريطاني-الفرنسي عام 1916 على تقاسم أراض من الوطن العربي وتقاسم السيطرة على تلك الأرأضي واتفاقات استعمارية أخرى شكلت طعنة في ظهر العرب. وكانت تلك التجزئة تهدف إلى منع تحقيق البلورة العروبية ومنع أو على الأقل إبطاء تحقيق العرب لوعيهم بهويتهم ومستقبلهم ومصالحهم وطموحاتهم المشتركة وكانت تهدف إلى الحيلولة دون الالتئام العربي. وبعد أن نشأت أو تعززت الدول القُطْرية، بغياب كيان أو دولة قومية عربية قوية أو كبيرة تجسد المفهوم القومي تجسيدا واقعيا وسياسيا ودستوريا وجغرافيا، وُجّه الانتباه الأكبر الدول العربية إلى تلبية متطلبات الكيان القطري.
إن عدم الاتحاد العربي أو عدم التضامن العربي الفعال والوافي يعني أن فكرة القومية العربية غير متجسدة. إن من الأكثر صعوبة تحقيق المفهوم القومي العربي في بيئة لا يوجد فيها تجسد مادي وجغرافي ودستوري وسلطوي، ومن الأكثر صعوبة تحقيق وتعزيز الهوية القطرية في حالة التجسد الفعلي الأرضي القانوني السلطوي. شهد التاريخ تحقيق المفهوم القومي بوجود دولة قومية كبيرة تؤدي دور الريادة في السعي القومي. هذا هو الدور الذي أدته بروسيا الألمانية. كثير من العرب من الخليج إلى المحيط تطلعوا إلى أن تؤدي هذا الدور دولة عربية متفوقة من نواح مختلفة، ولكن تلك الدولة، لأسباب تستحق الدراسة المتعمقة، لم تقم بذلك الدور.
في تناول مفهوم القومية العربية ثمة إشكال يتعلق بتعريف "العربي". العربي هو الذي لغته الأولى هي العربية والذي له ثقافة عربية. هنا يبرز الإشكال: ما بالكم بملايين العرب المقيمين في أراض ضمت إلى ذلك البلد غير العربي أو ذاك، الذين فقدوا لغتهم العربية ولم يعودوا مثقفين يالثقافة العربية ولكنهم أكتسبوا لغة وثقافة البلد الذي ضمت أرضهم إليه؟ وما بالكم بملايين العرب أو المتحدرين من أرومة عربية في مناطق خارج الوطن العربي الذين لا يحسنون الآن التكلم باللغة العربية ولا يعرفون قدرا كبيرا عن الثقافة العربية والإسلامية؟
وليس ثمة بالضرورة تنافِ أو تناقض بين المفهوم القُطْري والمفهوم القومي أو بين الانتماء القُطْري والانتماء القومي. الهوية القُطرية لا تتنافى بالضرورة مع الهوية القومية. يمكن أن يتعايش الانتماء القُطري والانتماء القومي. وإنشاء الكيان ذي الهوية القومية المشتركة لا يعني وينبغي ألا يعني القضاء على الكيان القطري، إذ يمكن إنشاء كيان قومي ذي سمة مشتركة بين جميع الكيانات دون القضاء على السمات القطرية لكل بلد من البلدان. ثمة تصورات مختلفة لطبيعة العلاقات الدستورية والسياسية بين الهوية القومية والهوية القُطرية. في هذه العلاقات يمكن أن يكون قدر أكبر من التقرير للأقطار أو أن يكون قدر أكبر من التقرير للهوية القومية. طبيعة العلاقة بين الانتماء القُطْري والانتماء القومي هي التي تحدد ما إذا كان التعارض قائما. الانتماءان غير متناقضين حينما يراعي الواحد منهما منطلقات الآخر.
ولكن حينما لا يراعي أحدهما منطلقات الآخر فالتعارض قائم. ما هو ذو صلة هنا هو مدى الحضور القُطْري والحضور القومي في النفس ومدى تجسد هذا التكوين في العلاقة بين الانتماء القطري والانتماء القومي. ومدى الانسجام بين العاملين ومدى التناغم بينهما ومدى حساسية عامل منهما حيال الآخر ومدى إتاحة تعبير أبناء القطر عن شخصيتهم ومدى حسهم بالأمن والسلامة – ذلك هو الذي يقرر شكل العلاقة الدستورية بين القوم والقٌُطر. ومدى اتساع أو ضيق السمة المشتركة أو السمة القطرية تحدده طبيعة العلاقة بين السمة المشتركة والسمة القطرية.
والحالة المُثلى هي حالة قيام الشبه الكبير بين السمات المشتركة والسمات القطرية. ومن الأيسر تحقيق هذا الشبه أو التماثل نظرا إلى وجود الخلفية السياسية الثقافية المشتركة والأهداف والتطلعات المشتركة لدى أبناء هذه الأمة إلى التقدم والعمران والرعاية الاجتماعية والحماية والأمن والرفاهة الاقتصادية.
ينبغي لنا أن نولي الانتباه إلى كيفية شعور مرء في قطر يبلغ سكانه، مثلا، ثلاثة ملايين نسمة بالأمن حينما يكون في سياق علاقات مع قطر عدد سكانه خمسون مليونا. ومن الطيب، من المنظور القومي، أن يبدأ الداعون إلى تبني مفهوم الانتماء القومي العربي، في خطابهم وعملهم، بالعمل على تعزيز الروابط اللغوية والثقافية وعلى تعزيز لبنات التكامل الاقتصادي العربي.
وبرى كثيرون من المحللين – وأنا واحد منهم – من أبناء المنطقة أن العلاقات بين مختلف الأقطار العربية علاقات تكاملية. ومن هذا المنطلق يتجلى إيلاء الأولوية لقطر ما في أن تُعطى الأولوية لسائر الأقطار لأن مراعاة الاعتبارات القطرية لا تتحقق إلا بمراعاة الاعتبارات المشتركة بينها جميعا.
وبغية تيسير تحقيق وتجسيد الكيان القومي يجب على المسؤولين السير بروية على طريق إنشاء البنية التحتية الميسرة للاتصالات والمواصلات والتكامل الاقتصادي وتعزيز الأساس الثقافي المشترك وبالتالي التكامل النفسي. يجب مثلا شق طريق رئيسي حديث جدا من المحيط الأطلسي إلى الخليج ويجب على السلطات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني التشجيع الحقيقي المقترن بالدعم المالي والمادي السخي للزيجات بين الرجال والنساء من مختلف أقطار هذه المنطقة. ويجب على الهيئات الرسمية وغير الرسمية تعزيز وتشجيع تبادل سياحات الأشخاص بين البلدان العربية.
اعتبارات نظرية وعملية في التحقيق
د. تيسير الناشف
الحس القومي العربي قائم في وعي وقلوب قطاعات واسعة من الشعوب العربية، وهذا الحس متفاوت القوة من بلد إلى بلد ومن مجتمع إلى آخر. وأحيانا لا يتجلى هذا الحس تجليا كاملا لأسباب داخلية وخارجية. واستلهم النشاطُ القومي العربي فكرة القومية العربية. لقد صاحبت نشوءَ النشاط القومي العربي بعض الإشكالات التي كان لها أثر سلبي في الفكر القومي العربي وفي نشوء الحركة القومية العربية. ومن هذه الإشكالات أن فكرة القومية العربية بدأت بالانتشار بالتزامن مع النشاط الاستعماري لبريطانية وفرنسا والحركة الصهيونية وغيرها خلال القرن التاسع عشر والعقود الأولى من القرن العشرين كان نشاط تلك الجهات، بقوتها ومواردها ونفوذها، مناوئا للفكرة القومية العربية، قبل أن تكون هذه الفكرة قد تبلورت وتطورت إلى حركة شعبية وترسخت جذورها بين قطاعات واسعة من المنتمين إليها واكتسبت مفاهيمُها الطابع المؤسسي. وبالتالي أمكن لهذه الجهات المناوئة أن تجزئ الأراضي العربية. ولم تستطع الحركة القومية العربية الناشئة الضعيفة في البداية أن تتغلب على التهديدات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي مثلتها تلك الجهات.
ووعود بريطانيا في العقدين الأولين من القرن العشرين بدعم استقلال أراضي الوطن العربي في آسيا، ثم نكثها بوعودها، واتفاق سايكس-بيكو البريطاني-الفرنسي عام 1916 على تقاسم أراض من الوطن العربي وتقاسم السيطرة على تلك الأرأضي واتفاقات استعمارية أخرى شكلت طعنة في ظهر العرب. وكانت تلك التجزئة تهدف إلى منع تحقيق البلورة العروبية ومنع أو على الأقل إبطاء تحقيق العرب لوعيهم بهويتهم ومستقبلهم ومصالحهم وطموحاتهم المشتركة وكانت تهدف إلى الحيلولة دون الالتئام العربي. وبعد أن نشأت أو تعززت الدول القُطْرية، بغياب كيان أو دولة قومية عربية قوية أو كبيرة تجسد المفهوم القومي تجسيدا واقعيا وسياسيا ودستوريا وجغرافيا، وُجّه الانتباه الأكبر الدول العربية إلى تلبية متطلبات الكيان القطري.
إن عدم الاتحاد العربي أو عدم التضامن العربي الفعال والوافي يعني أن فكرة القومية العربية غير متجسدة. إن من الأكثر صعوبة تحقيق المفهوم القومي العربي في بيئة لا يوجد فيها تجسد مادي وجغرافي ودستوري وسلطوي، ومن الأكثر صعوبة تحقيق وتعزيز الهوية القطرية في حالة التجسد الفعلي الأرضي القانوني السلطوي. شهد التاريخ تحقيق المفهوم القومي بوجود دولة قومية كبيرة تؤدي دور الريادة في السعي القومي. هذا هو الدور الذي أدته بروسيا الألمانية. كثير من العرب من الخليج إلى المحيط تطلعوا إلى أن تؤدي هذا الدور دولة عربية متفوقة من نواح مختلفة، ولكن تلك الدولة، لأسباب تستحق الدراسة المتعمقة، لم تقم بذلك الدور.
في تناول مفهوم القومية العربية ثمة إشكال يتعلق بتعريف "العربي". العربي هو الذي لغته الأولى هي العربية والذي له ثقافة عربية. هنا يبرز الإشكال: ما بالكم بملايين العرب المقيمين في أراض ضمت إلى ذلك البلد غير العربي أو ذاك، الذين فقدوا لغتهم العربية ولم يعودوا مثقفين يالثقافة العربية ولكنهم أكتسبوا لغة وثقافة البلد الذي ضمت أرضهم إليه؟ وما بالكم بملايين العرب أو المتحدرين من أرومة عربية في مناطق خارج الوطن العربي الذين لا يحسنون الآن التكلم باللغة العربية ولا يعرفون قدرا كبيرا عن الثقافة العربية والإسلامية؟
وليس ثمة بالضرورة تنافِ أو تناقض بين المفهوم القُطْري والمفهوم القومي أو بين الانتماء القُطْري والانتماء القومي. الهوية القُطرية لا تتنافى بالضرورة مع الهوية القومية. يمكن أن يتعايش الانتماء القُطري والانتماء القومي. وإنشاء الكيان ذي الهوية القومية المشتركة لا يعني وينبغي ألا يعني القضاء على الكيان القطري، إذ يمكن إنشاء كيان قومي ذي سمة مشتركة بين جميع الكيانات دون القضاء على السمات القطرية لكل بلد من البلدان. ثمة تصورات مختلفة لطبيعة العلاقات الدستورية والسياسية بين الهوية القومية والهوية القُطرية. في هذه العلاقات يمكن أن يكون قدر أكبر من التقرير للأقطار أو أن يكون قدر أكبر من التقرير للهوية القومية. طبيعة العلاقة بين الانتماء القُطْري والانتماء القومي هي التي تحدد ما إذا كان التعارض قائما. الانتماءان غير متناقضين حينما يراعي الواحد منهما منطلقات الآخر.
ولكن حينما لا يراعي أحدهما منطلقات الآخر فالتعارض قائم. ما هو ذو صلة هنا هو مدى الحضور القُطْري والحضور القومي في النفس ومدى تجسد هذا التكوين في العلاقة بين الانتماء القطري والانتماء القومي. ومدى الانسجام بين العاملين ومدى التناغم بينهما ومدى حساسية عامل منهما حيال الآخر ومدى إتاحة تعبير أبناء القطر عن شخصيتهم ومدى حسهم بالأمن والسلامة – ذلك هو الذي يقرر شكل العلاقة الدستورية بين القوم والقٌُطر. ومدى اتساع أو ضيق السمة المشتركة أو السمة القطرية تحدده طبيعة العلاقة بين السمة المشتركة والسمة القطرية.
والحالة المُثلى هي حالة قيام الشبه الكبير بين السمات المشتركة والسمات القطرية. ومن الأيسر تحقيق هذا الشبه أو التماثل نظرا إلى وجود الخلفية السياسية الثقافية المشتركة والأهداف والتطلعات المشتركة لدى أبناء هذه الأمة إلى التقدم والعمران والرعاية الاجتماعية والحماية والأمن والرفاهة الاقتصادية.
ينبغي لنا أن نولي الانتباه إلى كيفية شعور مرء في قطر يبلغ سكانه، مثلا، ثلاثة ملايين نسمة بالأمن حينما يكون في سياق علاقات مع قطر عدد سكانه خمسون مليونا. ومن الطيب، من المنظور القومي، أن يبدأ الداعون إلى تبني مفهوم الانتماء القومي العربي، في خطابهم وعملهم، بالعمل على تعزيز الروابط اللغوية والثقافية وعلى تعزيز لبنات التكامل الاقتصادي العربي.
وبرى كثيرون من المحللين – وأنا واحد منهم – من أبناء المنطقة أن العلاقات بين مختلف الأقطار العربية علاقات تكاملية. ومن هذا المنطلق يتجلى إيلاء الأولوية لقطر ما في أن تُعطى الأولوية لسائر الأقطار لأن مراعاة الاعتبارات القطرية لا تتحقق إلا بمراعاة الاعتبارات المشتركة بينها جميعا.
وبغية تيسير تحقيق وتجسيد الكيان القومي يجب على المسؤولين السير بروية على طريق إنشاء البنية التحتية الميسرة للاتصالات والمواصلات والتكامل الاقتصادي وتعزيز الأساس الثقافي المشترك وبالتالي التكامل النفسي. يجب مثلا شق طريق رئيسي حديث جدا من المحيط الأطلسي إلى الخليج ويجب على السلطات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني التشجيع الحقيقي المقترن بالدعم المالي والمادي السخي للزيجات بين الرجال والنساء من مختلف أقطار هذه المنطقة. ويجب على الهيئات الرسمية وغير الرسمية تعزيز وتشجيع تبادل سياحات الأشخاص بين البلدان العربية.
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
مواضيع مماثلة
» انهيار القومية العربية
» انهيار القومية العربية
» السلام و القومية العلمانية
» نظرية التطور وإعجاز الهندوس
» الإسلام و القومية العلمانية : تتمة
» انهيار القومية العربية
» السلام و القومية العلمانية
» نظرية التطور وإعجاز الهندوس
» الإسلام و القومية العلمانية : تتمة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى