شبكة واحة العلوم الثقافية
أسعدتنا زيارتك و أضاءت الدنيا بوجودك

أهلا بك فى شبكة واحة العلوم الثقافية

يسعدنا تواجدك معنا يدا بيد و قلبا بقلب

لنسبح معا فى سماء الإبداع

ننتظر دخولك الآن

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

شبكة واحة العلوم الثقافية
أسعدتنا زيارتك و أضاءت الدنيا بوجودك

أهلا بك فى شبكة واحة العلوم الثقافية

يسعدنا تواجدك معنا يدا بيد و قلبا بقلب

لنسبح معا فى سماء الإبداع

ننتظر دخولك الآن
شبكة واحة العلوم الثقافية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تساؤلات في الإطار النظري للسياسات الاقتصادية العربية

اذهب الى الأسفل

تساؤلات في الإطار النظري للسياسات الاقتصادية العربية Empty تساؤلات في الإطار النظري للسياسات الاقتصادية العربية

مُساهمة من طرف سامح عسكر الأربعاء يناير 25, 2012 5:55 pm

1
في تقديم الإقتصاد الغربي

تمهيد
أود في هذه الورقة التي تأخذ طابع المحاولة وفقا للمفهوم الغربي (essay) طرح تساؤلات حول بعض المفاهيم الأساسية التي تشكّل قاعدة السياسات الاقتصادية المتبعة سواء كانت في العالم أو في مختلف أقطار الوطن العربي. ويعود ذلك إلى قناعة ترسخت مع الزمن وبسبب تجاربنا التي امتدت على أكثر من أربعة عقود في البحث والعمل في الميدان التنموي، قناعة بأن الإطار النظري القائم لحلّ مشكلات المجتمع لم تعد قادرة على رسم الحلول الممكنة. ولا يمكننا أن نخفي تحفظّاتنا على العديد من ما يعتبر من المسلمات في التحليل الاقتصادي والسياسات الاقتصادية المتبعة في الغرب والتي فرضت على النخب الحاكمة في الوطن العربي بسبب الغزو الثقافي الذي رافق الاستعمار وما بعد الاستعمار الغربي لمعظم الأقطار العربية لتكريس مبدأ الدولة القطرية على حساب مفهوم الوحدة ومضمونها. والهدف من هذه الورقة حث مختلف الاقتصاديين العرب على مراجعة منهاج الفكر الاقتصادي وبالتالي السياسات الاقتصادية بشكل تكون أولا منبثقة من واقعنا ومن تراثنا العربي الإسلامي وثانيا لطرح مقاربة جديدة يمكن تعميمها على مختلف الأمم والشعوب. ذلك أن نموذج العمل الاقتصادي (business model) القائم حتى انفجار الأزمة المالية وصل إلى طريق مسدود ولم يعد صالحا لمعالجة كافة القضايا الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عنه وعن البيئة المُعولمة التي فرضت نفسها على الجميع بسبب الثورة التكنولوجية في المواصلات والتواصل والنقل.
المنطلق الأوّل لهذه المقاربة هو أن الاقتصاد ليس علما رياضيا قائما بحد ذاته بل هو أقرب إلى السياسة بل ربما هو السياسة بحد ذاتها ولكن بلغة الأرقام. وبالتالي من الأفضل التكلّم عن اقتصاد سياسي بدلا من اقتصاد مجرّد من لباسه السياسي كما هو دارج في الجامعات الانكلوسكسونية تحت مصطلح (economics). المنطلق الثاني هو أن ما هو معروف بالاقتصاد الكلاسيكي أو الليبرالي أو الوضعي الذي يعتمد آلية الأسواق والتنافس لترشيد استعمال الموارد والاستثمارات هو اقتصاد مبني على فرضيات تحتم النتائج التي يصل إليها وتشكّل قاعدة السياسات الاقتصادية.غير أن هذه الفرضيات إماّ هي غير واقعية في أحسن الأحوال أو غير صحيحة في أسوئها. والمأزق الذي يقع فيه مجمل النظريات والسياسات الاقتصادية يقرّ بشكل أو بآخر بالثغرات القائمة في قاعدة الفرضيات. لكن هناك إصرار من المجتمع الاقتصادي المسيطر في الجامعات الغربية على اعتبار النتائج التي وصلت إليها النظرية ما زالت مقبولة وإن كانت فرضياتها المبنية عليها عرضة للشك والمراجعة. هذا هو المأزق أي بشكل مبسّط هو الإقرار بنتائج النظريات والسياسات المنبثقة عن فرضيات مشكوك بصحتها مهما كلّف الأمر. وبناء على ذلك فإن المقاربات المختلفة للإقتصاد العربي بشكل عام والمبنية على تلك النظريات لا تستطيع حلّ مشكلات المجتمع في الدول النامية والمتقدمة. أما في ما يتعلّق بالمجتمع العربي فواقع الحال يفرض إعادة نظر شاملة في أدوات التحليل.
المنطلق الثالث هو أن ثقافة إنتاج الثروة في الوطن العربي مفقودة أو مغيّبة أو مهمّشة بشكل متعمد. ويحّل مكانها اقتصاد ريعي يوّلد ثقافة استهلاكية وثقافة توزيع مترسخة منذ أكثر من ألفي سنة وتعتمد على الولائات الفئوية التي تسود النظم السياسية القائمة. وبالتالي، فإن السياسات الاقتصادية المعتمدة سياسات تهدف إلى تمركز الثروة في يد المجموعات الملتفة حول العائلات الحاكمة والمتحكمة بمقاليد الوطن في مختلف الأقطار وفقا لبنى سياسية فئوية بامتياز سواء كانت قبلية أو عشائريية أو طائفية أو مذهبية أو مناطقية أو قطاعية منفردة أو مجتمعة. وهذه الأنظمة الفئوية حوّلت منطق الدولة والقانون إلى وسيلة تؤمن ديمومة النظام القائم وتعتمد الفساد كأداة توزيع المنافع والمواقع وفقا للولائات المذكورة أعلاه. ويمكن للقارئ العودة إلى البحث المفصّل الذي تقدمنا به في ندوة عن البنية الاقتصادية والأخلاقيات في الوطن العربي، ندوة أقامتها المنظمة العربية لمكافحة الفساد في تشرين الأول 2008(1) .
أما المنطلق الرابع فهو الإقرار بأن طبيعة الاقتصاد العربي اقتصاد ريعي يولد ثقافة اللامجهود واللامبادرة وتجنب المخاطر لمنع ثقافة المسائلة والمحاسبة التي تزعج الفئات الحاكمة والمتحكمة بمقاليد الوطن العربي.
المنطلق الأول : الاقتصاد هو السياسة ولكن بلغة الأرقام
علم الاقتصاد هو علم الندرة خاصة إذا ما أقيمت المعادلة بين الطلب المرتكز على الشهوات المختلفة والتي لا يحدّها شيء والإمكانيات لإشباع تلك الشهوات أو العرض بشكل عام والمحدود نسبيا بسبب الندرة. لذلك نشأت ضرورة "عقلنة" أو "ترشيد" استعمال الموارد عبر آلية الأسعار التي تحدّ من الطلب وتحفّز العرض للسلعة أو الخدمة. وبالتالي يصبح السعر أو القيمة الضابط للعرض والطلب. والعقلنة هي بحد ذاتها نوع من العمل أو الخيار السياسي إذ تمّ ترتيب الأولويات وفقا لقيم الضرورة والمنفعة. وحتى ضمن الضرورة والمنفعة تراتبية تعكس خلفيات وخيارات سياسية تجعل من فرضية الندرة أساسا لعمل سياسي. ولهذه النظرية المبنية على الندرة خلفية سياسية مهمتها الحفاظ على مصالح النافذين أو ضرب مصالح أخصام الفئات الحاكمة. فالاقتصاديون مشهورون بالبدء في استنتاجات ذات طابع سياسي بامتياز ومن ثمة ينتقلون بتحليل عكسي للوصول إلى النتيجة التي بدأوا منها سواء كانت سياسة التجارة الحرة أو سياسة الحماية الجمركية أو أي موضوع آخر (الخصخصة مثلا).
واستطرادا يمكن القول أن الاقتصاد ليس إلاّ السياسة ولكن بلغة الأرقام. والقرار الاقتصادي سياسي وسياسة بامتياز وبالتالي نرى أن النظرية الاقتصادية بشكل عام تعطي الغطاء "العلمي" إذا جاز الكلام للقرار السياسي الذي لا بمكن أن يُبرر إلا عبر ذلك الغطاء "العلمي".
فنظرية الريع على سبيل المثال (2) في الاقتصاد التقليدي أو الكلاسيكي هي نموذج عن الخلفية السياسية للنظرية (3) . لقد حاول الاقتصاديون، من آدم سميث إلى دافيد ريكاردو إلى جون ستيوارت ميل إلى هنري جورج، عبر نظرية الريع تبرير سياسية فرض الضرائب على أصحاب الأملاك العقارية (4) الذين يجنون دخلا دون أي مجهود. فكانت نظرية القيمة وفائض القيمة في الاقتصاد السياسي الفرنسي والبريطاني والتي تبرز الريع كفائض دون مجهود. وبالتالي النقد الموجه للعائلات الممتلكة للعقار التي تمارس تلقائيا سلوكا احتكاريا يحدّ من النشاط الاقتصادي المنتج ويحدّ من النمو والتنمية (5) . ويضيف هدسون أن الأرض ما زالت عاملا أساسيا في تكوين الثروة حتى في عالمنا الصناعي والتكنولوجي وأن معظم "الأرباح الرأسمالية" ناتجة عن ارتفاع أسعار الأرض. أما التحوّل الذي حصل فهو تغييب دور الأرض في صلب الفكر الاقتصادي الحديث (6) . كما أن "الأرباح الرأسمالية" أصبحت الوجه الحديث للريع خاصة تلك الأرباح التي تتحقق في الأسواق المالية حيث ارتفاع قيمة الأوراق المالية من أسهم وسندات ليست بالضرورة مرتبطة بنتائج المؤسسة التي أصدرت تلك الأوراق. فالمضاربة هي عنصر أساسي لتكوين الريع المالي الناتج وليس المجهود الإنتاجي.
من هنا نرى أن آلية السوق كضابط للتجاوزات في السلوك أصبحت ضربا من الوهم. والنظرية الكينزية لحفيز الطلب الإجمالي (aggregate demand) خير دليل على إخفاق السوق كنظرية ضابطة للتوازن. وليست تدخلات الاحتياط الفدرالي الأميركي للملمة تداعيات الفضائح المالية والانهايارات للمؤسسات المالية الضخمة كبير سترنز وليمان إلا خير دليل على فشل "السوق" في ضبط الأمور! وقد جاء في دراسة منذ خمسة وعشرين سنة تقريبا نشرت في كبيرة المجلّات الدورية الاقتصادية الأميركية- أنه إذا اعتبر توزيع الدخل في مجتمع ما هو ناتج عن لعبة المصادفة (أو المشيئة الإلهية في ثقافتنا!) بحيث ينقسم الناس إلى أفراد ناجحين محظوظين يحصلون على أكبر قدر من الريع، وآخرين فاشلين لم يحالفهم الحظ أو الكفاءة في الحصول على الريع بأشكاله المختلفة (7) - نرى مدى صحّة ذلك الوصف للمجتمعات العربية.
إن السياسات الاقتصادية المتبعة في الغرب تنبثق عن إطار فكري يرفع إلغاء القيود والمراقبة للنشاطات الاقتصادية إلى مرتبة نهاية التاريخ. هذا وقد مرّت الولايات المتحدة بتحوّلات أساسية منذ إدارة الرئيس ريغان. فالأفكار السياسية والاقتصادية المحافظة التي ظهرت منذ تلك الفترة تهدف إلى القضاء على الثورة التي شكّلها " النيو ديل" ( New Deal) أي الصفقة الجديدة التي أقامها الرئيس فرانكلين روزفلت والتي زرعت جذور دولة الرعاية (welfare state) كحل جذري لمنع الكساد الاقتصادي الذي عمّ الولايات المتحدة خلال الثلاثينات من القرن الماضي والذي كان ليسهّل انتشار الشيوعية بعد نجاح الثورة البلشفية. أما روّاد الفكر المناهض للثورة فهم المرشح الرئاسي السابق باري غولدواتر والرئيس رونالد ريغان، ورئيسة الوزراء البريطانية مارغاريت ثاتشر صاحبة النفوذ في تفكيك دولة الرعاية وسلطة النقابات في بريطانيا والولايات المتحدة، والاقتصادي النمساوي الأصل فريدريتش فون هايك (الأب الروحي للثورة الاقتصادية اليمينية) والاقتصادي الأميركي الحائز على جائزة نوبل والمعادي للفكر الكينيزي ميلتون فريدمان. كما ساهمت مؤسسات الأبحاث-خزّانات الفكر- في ترويج المواقف والأفكار المؤيدة لأولوية الأسواق وتقلّص دور القطاع العام (8) . إحدى الوسائل في تلك الهيكلية الفكرية المتبعة هي إزالة البعد السياسي من الآلية الفكرية في الاقتصاد.
ومن هنا نرى تعليم الاقتصاد الصرف (pure economics) المهتم أساسا بنظرية التوازن الاقتصادي علما أن الاقتصاد الصرف نوع من الوهم والضلال. أضف إلى ذلك أن العلماء الرياضيين برهنوا استحالة تحديد منحنيات العرض والطلب بغية الوصول إلى التوازن النظري بتقاطعها وبالتالي أصبحت نظرية التوظيف أو الاستخدام الكامل نظرية غير صحيحة من خلال مفهوم التوازن (9) . وهنا تكون النتيجة الأساسية السياسية لذلك الفكر: فإذا استحال تحقيق الاستخدام الكامل فلا جدوى إذا من إتبّاع سياسات اقتصادية ترمي إلى تحقيق هدف مستحيل! وبالتالي تمّ بناء الإطار النظري للسياسيين للتخلّي عن اتبّاع سياسات لتحقيق الاستخدام إلاّ بالحد الأدنى التي تفرضه المقتضيات السياسية والاجتماعية. كل ذلك يؤدّي إلى ضرورة مراجعة الأسس في الفكر الاقتصادي. و بالفعل أصبح الفكر الاقتصادي الحديث منظومة فكرية مجرّدة بعيدة عن الحقائق الاقتصادية.
إن طلاّب الاقتصاد في الغرب مستاءون من طريقة التعليم ومن مضمون التعليم وخاصة في الجامعات الكبرى (10) ويفيد البحث الميداني أن الاقتصاديين الشباب يتساءلون عن جدوى ما يدرسونه في الجامعات ومدى نفع ذلك لمجتمعاتهم. فالمقالات في المجلات المختصة لا تفيد ولا تزيد في فهم المعضلات التي تواجهها المجتمعات ولا تؤدي إلى حلول واقعية. وهناك بوادر للتمرّد في بعض الجامعات الغربية و خاصة في فرنسا إلاّ أن ذلك التمرّد ما زال محصورا ولكن النقاش مستمر لمعالجة مضمون التعليم (11) .
هناك بعض الاقتصاديين أكثر صراحة وجراءة ينتقدون بشدّة صحّة الفكر النيو كلاسيكي. بل يذهبون إلى أبعد من ذلك ويقولون أنه خاطئ. فعلى سبيل المثال نظرية التجارة الحرّة ركن أساسي من الفكر النيو كلاسيكي وتداعيات تلك النظرية واضحة بأبعادها السياسية. وتقول النظرية أن التجارة الحرة " جيدة" لكافة الأطراف وتذهب بعيدا في "تفسير" وتبرير التجارة التي أصبحت العنصر الأساسي للسياسة الخارجية للدول الصناعية والمتقدمة. كان ذلك صحيحا بالنسبة للإمبراطورية البريطانية وهي إلى حد بعيد تنطبق على الإمبراطورية الأميركية الصاعدة (12). والإدارات الأميركية المتعاقبة سعت وما زالت بشكل مكثّف إلى فرض الاتفاقيات التجارية والأسواق التجارية الحرة مع الدول التي تتماشى مع سياساتها عبر إقناعها بأن تلك الاتفاقات تخدم مصالح تلك الدول. لكن منافع التجارة الحرة لا تعود إلى الأطراف المتعاقدة في التبادل إلاّ إذا توفرّت الشروط النظرية لتحقيق المكاسب منها. والواقع أن تلك الشروط غير متوفّرة ولن تتوفّر. إن التفوق النسبي هو القاعدة المبرّرة للتجارة الحرّة غير أن الاقتصاديات الناشئة تفتقر إلى هيكليات اقتصادية متجانسة مع الولايات المتحدة إضافة إلى التفاوت بين وظائف الإنتاج (production functions) لتحقيق الشروط النظرية للتجارة. أضف إلى ذلك عدم التوازن في القدرة التفاوضية بين الدول الناشئة والدول الصناعية المتقدمة فأي اتفاق يعكس موازين القوى بين الفرقاء وهذا ما أدى إلى فشل دورة المنظمة العالمية للتجارة في كانكون. والجدير بالذكر وجود كتابات عديدة تنتقد نظرية التجارة الحرّة ولكن ذلك خارج إطار البحث.
بالمقابل نرى الحكومات العربية تسعى بشدّة لتحقيق "إتفاقيات شراكة" سواء مع الاتحاد الأوروبي أو الدخول في منظومة المنظمة العالمية للتجارة أو إنجاز "شراكة إستراتيجية" مع الولايات المتحدة علما أنها ستكون الطرف الخاسر اللهم إذا استثنينا الفئات المسيطرة على مقاليد الحكم والثروة في تلك الأقطار!
____________
(*) يُنشر الجزءان الثاني والثالث من هذه المقالة في العددين القادمين من سلسلة " كتب موازين".
(**)عالم إقتصادي عربي من بيروت
(1) زياد حافظ وآخرون، البنية الاقتصادية في الأقطار العربية وأخلاقيات المجتمع: الحلقة النقاشية التي أقامتها المنظمة العربية لمكافحة الفساد، بيروت، المنظمة العربية لمكافحة الفساد، 2009
(2) يمكن أيضا تناول نظرية التجارة الخارجية المبنية على التفوق النسبي ونظرية النقد والسياسة النقدية لتوفير النمو الاقتصادي إلخ. لكن التركيز على الاقتصاد الريعي ناتج عن طبيعة الاقتصاد العربي بشكل عام.
(3) Michael Hudson, “Henry George’s Political Critics”, American Journal
of Economics and Sociology, Vol. 67, No. 1, January 2008
(4) الدستور الأميركي خصّص التمثيل النيابي للملاّكين الذين يدفعون الضرائب. من هنا المقولة الشهيرة "التمثيل عبر التكليف" taxation with representation))
(5) هدسون، المصدر السابق
(6) المصدر السابق
(7) Ann Krueger, “The Political Economy of the Rent Seeking Society”, American Economic Review, vol. 64, No. 3, June 1974, p. 302. . أيضا عن ابتسام محمد سهيل، أطروحة دكتورة في العلوم السياسية لجامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، الدولة الريعية في منطقة الخليج: دراسة حالة لدولة الإمارات العربية (1971-1990)، 1996، ص. 92.
(8) Richard Crockett, Thinking the Unthinkable: Think Tanks and the Counter Revolution- 1931-1983, London, Fontana Press, 1995.
(9) Giorgio Israel, La Mathématisation du Réel, Paris, Le Seuil, 1996, and Daniel Guerrien, L’Economie Néo-Classique, Paris, La Découverte, coll. Repères, 1996.
(10) William L. Davis, “Economists’ Perceptions of Their Own Research: A Survey of the Profession”, American Journal of Economics and Sociology, Vol.56. No.2, 1997.
(11) “Revolutionizing French Economics”, Interview with Gilles Raveaud, a French Rebel, by Richard
McIntyre, Challenge, Vol. 46. No. 6. November-December 2003
(12) Jim Garrison, America As Empire: Global Leader or Rogue Power?, San Francisco, Berret-Koehlers Publishers, Inc., 2004, chapter 4.






صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

تساؤلات في الإطار النظري للسياسات الاقتصادية العربية Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28717
السٌّمعَة : 23
العمر : 45
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تساؤلات في الإطار النظري للسياسات الاقتصادية العربية Empty رد: تساؤلات في الإطار النظري للسياسات الاقتصادية العربية

مُساهمة من طرف سامح عسكر الأربعاء يناير 25, 2012 5:56 pm


تساؤلات في الإطار النظري للسياسات الاقتصادية العربية*
زياد الحافظ**



2
في تقديم الإقتصاد الغربي

أولا: فرضية الندرة
كما أشرنا أعلاه "الندرة" هي المبرر الأول لضرورة "عقلنة" وترشيد استعمال وسائل الإنتاج لتحقيق الحد الأدنى من التوازن بين رغبات الفرد وأو المجتمع اللامتناهية والإمكانيات الموجودة لتحقيقها. والمسلّم هو أن تلك الإمكانيات أو وسائل الإنتاج محدودة. والقس روبرت مالتوس (1766- 1834)، أحد الأباء المؤسسين للفكر الاقتصادي الكلاسيكي بلور نظرية تشاؤمية حول مستقبل البشري مبنية على التباين في زيادة نسبة السكان وزيادة نسبة الموارد. فالأولى كانت بمعدلات هندسية بينما الثانية كانت بنسبة معدلات رياضية - أي أن كارثة المجاعة كانت تحدّق بالبشرية. لذلك عُرف الاقتصاد أيضا بالعلم الكئيب ((dismal science.
لكن الوقائع أثبتت أن الإنسانية استطاعت تجاوز تلك الصعوبات عبر الاكتشافات العلمية والتكنولوجية التي زادت من أنواع وسائل الإنتاج وإنتاجيتها وفعّاليتها. غير أن شبح المجاعة والشح ما زال يهدد أقطارا وشعوبا بأكملها ولكن ليس بسبب الندرة الطبيعية للموارد بل بسبب سؤ استعمال الإنسان لها. ورغم كل ذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار الأرقام الكلية للإنتاج الزراعي في العالم فإن التوازن قد يتحقق بل ربما هناك من فائض في المواد الغذائية. لكن الممارسات الاحتكارية للمؤسسات والدول التي تنتج الفوائض الغذائية خلقت اللاتوازن بين العرض والطلب. وكذلك الأمر بالنسبة لكافة السلع الأساسية. فعلى سبيل المثال وليس الحصر إن الإنتاج النفطي العالمي يفوق الطلب بمعدل مليون برميل يومي. لكن المضاربات المالية والإلتواءات أو الإعوجاجات القطاعية (sectoral distortions) هي من الأسباب الرئيسية لارتفاع أسعار النفط. طبعا يمكن الاستفاضة في النقاش حول هذا الموضوع وعرض الأراء المتباينة فيه غير أنه خارج إطار البحث. الفكرة الأساسية هي أنه إذا دققنا في أسباب النقص بين العرض والطلب سنجد أن في الأغلبية الساحقة لتلك الحالات، كي لا نقول جميعها، أن النقص سواء في الطلب أو العرض هو من فعل الإنسان، أي أنه بالإمكان السيطرة عليه. لذلك لا بد من إعادة النظر في مفهوم الندرة أو على الأقل استبعادها كسبب أساسي حتمي وطبيعي للتباين بين العرض والطلب. الندرة في رأينا من صنع الإنسان وميله للسيطرة والهيمنة والتحكم لمصلحته سواء كانت فردية أو فئوية. ولنا في ذلك الموضوع الكثير من الكلام ولكن في مكان آخر.
الملفت للنظر أن الندرة غائبة في ثقافتنا. جاء في القرآن الكريم عدد من الآيات تفيد أن النعم موجودة بوفرة بل لا يستطيع الإنسان عدّها وإحصائها: "وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها" (ابراهيم 34). لكن هناك عدة إشارات أن الندرة من صنع الإنسان فالتوصيات عديدة في عدم التبذير والإسراف والهدر. وليست سورة يوسف إلا خير دليل على ضرورة حسن التدبير لمواجهة سنين العجاف. على كل حال إن تواجد الموارد والنعم بوفرة لايغني المرء عن ضرورة بل واجب السعي والعمل لكسبها. لكن ما تراكم من عادات وقيم مغلوطة بشأن العمل وقيمته (أنظر في فقرة لاحقة تحليل ابن خلدون) أدّت إلى تفشّي ثقافة اللامجهود واقتناص مجهود الغير كأساس مكوّن للثروة.
من جهة أخرى لا بد من لفت الانتباه إلى دور الدعاية التجارية التي تخلق حاجات عند جمهور المستهلكين تؤدي إلى تحويل إمكانياتهم المالية كالمدخرات التي يمكن أن تصرف في آماكن أخرى على الحاجيات الأساسية أو في استثمارات منتجة، إلى إشباع الحاجات الجديدة والاصطناعية وغير الضرورية، كل ذلك تحت نظرية/فرضية حرية الإختيار للمستهلك أو الفرد. واستطرادا نشير إلى ما جاء في القرآن الكريم لعدد من الآيات المتعلقة بحب الإنسان للمال والمظاهر من اللباس الفخمة ووسائل النقل والقصور إلخ لذلك أجاب القرآن على سؤال عن النفقة قال: "يسئلونك ماذا ينفقون قل العفو" (البقرة 219)، والعفو من المال ما زاد عن الحاجة. أي الحاجة هي الأساس وما زاد عنها يجب إنفاقه في الحسنات أو في المشاريع المنتجة. أي بمعنى آخر يجب ضبط الإنفاق حسب الحاجة وكبح الجموح إلى إبراز مظاهر الإنفاق الاستهلاكي الذي لا يفيد وخاصة نزعة الإستدانة المفرطة لتحقيق ذلك الاستهلاك. ولسنا في إطار التحدّث عن الاقتصاد الإسلامي غير أننا ندعو الاقتصاديين العرب أن يبحثوا ويتعمقوا في التراث الغني الذي يمكن الاستخراج منه أدوات تحليل جديدة أو متطورة بشكل تتلائم مع الواقع العربي.
ثانيا: عقلنة الإنسان
تقوم النظرية الاقتصادية على فرضية عقلنة الإنسان. فالفكر الغربي أفرز ما يُسمّى بالإنسان الاقتصادي (homo oeconomicus) اي الإنسان العاقل الذي يفكّر ويستعمل العقل لتحقيق الحالة المثلى أو الأثلية (optimization). وهذه الفرضية مبنية على منظومة فكرية اساسها نقد الفكر التنويري الذي أبعد الدين عن تسيير أمور المجتمع. يشير الدكتور جورج قرم في مؤلفه حول "المسألة الدينية في القرن الواحد والعشرين" أن الثورة المضادة للفكر التنويري والفكر الاشتراكي أفرزت فكرة ذلك "الإنسان العاقل" الذي يعي مصلحته الاقتصادية أكثر من أي طرف آخر وخاصة الدولة التي تحاول أن تتدخل في شؤون الانسان(1). أي هناك بعد سياسي ديني إذا جاز الكلام لتلك الفرضية مما يعزز ما أشرنا إليه في المنطلق الأول من هذا البحث حول الجوهر السياسي لـ"علم الاقتصاد" وبالتالي "علمية" فرضية العقلنة تصبح في أحسن الأحوال منقوصة وفي أسواءها خاطئة.
لكن ما هو مفهوم العقلنة؟ إذا نظرنا إلى الأدبيات المعاصرة نجد أنه هناك تباين في التعريف كما يشيرالاقتصادي الهندي آمارتيا سين الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد(2). إن القيام بما يلزم لتأمين الرفاهية الفردية وأو الاجتماعية قد تكون وسيلة لتعريف "العقلنة". غير أن الاقتصاد الكلاسيكي لا ينظر إلى العقلنة من هذه الزاوية بل عبر تحقيق الحد الأقصى للمصلحة الفردية سواء عبر الثروة أو عبر إشباع الرغبات. ويذهب البعض إلى القول أن المصلحة الخاصة توازي أخلاقيا قانون الجاذبية(3). من هذا المنطلق نفهم كلام مارغاريت ثاتشير التي قالت أنه ليس هناك أي شيء اسمه "المجتمع" بل هناك مجموعة أفراد! أي المبدأ النفعي المادي الدارويني (قانون القوي) هو سمة "العقلنة" في الاقتصاد الوضعي الكلاسيكي. أما التداعيات السياسية والاجتماعية لتلك النظرة فهي واضحة وتصب في تبرير تمركز الثروة في يد القلّة على حساب "مجموع الأفراد" الذين يشكلون المجمتع.
لكن حتى ذلك المفهوم النفعي لتلك الفرضية ضربتها عرض الحائط سلوك الناس سواء بوعي كامل أو تحت تأثير الدعاية التي خلقت في النفوس حاجات لم تكن موجودة في الأصل. فالدعاية التجارية هدفها خلق أو دفع إلى المزيد من الاستهلاك والطلب لسلع وخدمات قد لا تكون في الأساس ضرورية لتحقيق سعادة الإنسان أو حتى لإشباع حاجات أساسية كالأكل والسكن واللباس والطبابة والتعليم والتنقل. وتوقعات وآمال الناس قد لا تكون مبنية على اعتبارات عاقلة ومعقولة وقد تؤدي في آخر المطاف إلى "خربطة" النماذج الاقتصادية. لقد أشار الاقتصادي البريطاني جون مينارد كينز في مؤلفه الشهير "النظرية العامة للإستخدام، والفائدة، والنقد" (1936) إلى دور التوقعات (expectations) في العديد من الحالات التي يصعب احتسابها بدقة(4). والمضاربات المالية في مختلف البورصات خير دليل على العامل النفسي اللاعقلاني الذي يتحكم بقرار الانسان. فالجشع والخوف محرّكان أساسيان لسلوك الإنسان الاقتصادي كما أشار أحد أبطال الفيلم الأميركي الشهير للمخرج اوليفر ستون "وال ستريت"!
ثالثا: آلية الأسعار والأسواق الحرّة
نتيجة لمفهوم الندرة برزت ضرورة ترشيد استعمال الموارد للوصول إلى الحالة الأكثر إفادة أو الأمثلية. وهذه الأمثلية تتحقق وفقا للفكر الاقتصادي الوضعي السائد عبر آلية الأسعار التي يحددها تقاطع العرض والطلب. غير أن القوانين المرافقة لذلك الأمر في النظرية الاقتصادية تشير إلى نوع من التحليل الدائري (circular reasoning). فمن جهة سعر السلعة يحدده السوق أي تفاعل العرض والطلب. ومن جهة أخرى يتفاعل العرض والطلب وفقا لاعتبارات عديدة منها السعر. فالسعر هو السبب والنتيجة في آن واحد. ولكن حتى إذا تجاوزنا تلك المعضلة التي هي أكثر من شكلية نقع في مطب الفرضيات التي ترافق نظرية السوق وتحديد الأسعار. هذه الفرضيات صارمة ومحددة كضرورة تحديد الفترة الزمنية التي تتمّ فيها معالجة الموضوع، وضرورة تثبيت العوامل العديدة التي يمكن أن تؤثر في تحديد الطلب والعرض كعدد السكان والدخل القومي والأذواق والعادات السائدة إلخ. هذه المتغيرات "المثبتة" تحت مصطلح "كل شيء آخر ثابت" أو (ceteris paribus assumption). هذه الفرضية في ثبوت المتغيرات الأساسية تحدّ من صحة النظرية التي تريد التركير فقط على ثنائية الكمايات المطلوبة/المعروضة مع السعر فقط لا غير. وقد أشار إلى ذلك كبير الاقتصاديين النيوكلاسيكيين الفرد مارشال في مؤلفه المميز "مبادئ الاقتصاد" الذي حذّر من الإفراط في التحليل والتكهن لسلوك العملاء الاقتصاديين(5). أذكر في ذلك السياق ما كان يؤكده أستاذي الجامعي المرحوم نديم خلف الذي كان يحذّرنا أن القيمة الاسقاطية للنظرية الاقتصادية مقيّدة وقد لا تتحقق شروطها. كما أشار ايضا الفرد مارشال أن النظرية قد تكون مفيدة لشرح ما حصل أكثر من التكهن حول ما يمكن أن يحصل(6). لذلك نرى الإخفاقات المتكررة لتكهنات الاقتصاديين الذين يبرعون في تفسير لماذا لم تتحقق توقعاتهم!
وهناك أدبيات كثيرة في نظرية الأسعار وآليات السوق تدّل على التباين في الاجتهادات والنظريات. لكن إذا دققنا في تلك النظريات نرى أن هناك خلفية واضحة لكل منها. فإطلاق حرية الأسعار عبر "حرية الأسواق" تؤدي في آخر المطاف إلى تمركز اقتصادي في يد القلّة وهذا ما أوضحه معظم الاقتصاديين النيوكلاسيكيين من الفرد مارشال إلى ادوارد شامبرلين إلى جون روبنسن. فالأسواق الحرة تؤدي إلى الممارسات الاحتكارية التي تقوم بها الشركات الكبرى المتمكنة من التأثير على الأسواق وعلى المؤسسات التشريعية. في هذا السياق نشير أن جورج ستيغلر وآخرون، أوضحوا أن التنظيمات والقيود للأسواق هي نتيجة جهود القوى الضاغطة ((pressure groups سواء كانت تجمعات اقتصادية أو عمّالية أو بيئية(7). من جهة أخرى هناك تيّار فكري يقرّ بأن السوق الحرّ يؤدي في معظم الحالات إلى انحرافات قد تأتي بكوارث وانهيارات.
فعلى سبيل المثال يُدرّس في برامج الماجستر في إدارة الأعمال (MBA programs) عن الإخفاقات في آليات السوق الناتجة عن ما يُسمّى بالعوامل الخارجة عن سيطرة للمشروع الاقتصادي (externalities) سواء كانت في الإنتاج أو في الإستهلاك. وهذه العوامل قد تكون إيجابية أو سلبية external economies or diseconomies)) وفي كلا الحالتين تبرّر تدخّل التشريعات الضابطة إما للتحفيذ في حال كانت تلك العوامل الخارجة عن سيطرة المشروع إيجابية أو لفرض الضرائب الرادعة إن كانت سلبية(8). وبالنتيجة هناك إقرار ضمني (وفي بعض الأحيان صريح) بأن آلية الأسعار والسوق قد لا تأتي بالحل الأمثل على الأقل في المدى القريب. إي أن ما قاله كينز أن المهم هو الفترة الزمنية القصيرة "لأننا في المدى الطويل نكون من بين الأموات"!
رابعا: الاستدلال الحشوي (tautological reasoning)
بناء على ما سبق نرى أن صرامة الفرضيات وكثرتها في التحليل الاقتصادي الوضعي الكلاسيكي تؤدي إلى إستنتاجات لا تخلو من الاستدلال الحشوي أو تحصيل الحاصل. وبالتالي تفقد النظرية الاقتصادية قيمتها الاستشرافية لعدم تجاوبها مع الواقع العملي. من هنا يمكن أن نفهم الإخفاقات في التنبؤات الاقتصادية وحصول الإخفاقات وتدافق التفسيرات لتلك الإخفاقات التي كان يجب التنبؤ بها وتجنبها. فما قيمة النظريات .التي تؤدي بطبيعتها إلى انحرافات؟ أليست نظرية التنافس الحرّ والأسواق الحرّة مؤدية بشكل شبه حتمي إلى تمركز النشاط الاقتصادي بيد القلة المحتكرة وبالتالي تحدث الإعوجاجات القطاعية والفجوات الاقتصادية والاجتماعية؟




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

تساؤلات في الإطار النظري للسياسات الاقتصادية العربية Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28717
السٌّمعَة : 23
العمر : 45
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تساؤلات في الإطار النظري للسياسات الاقتصادية العربية Empty رد: تساؤلات في الإطار النظري للسياسات الاقتصادية العربية

مُساهمة من طرف سامح عسكر الأربعاء يناير 25, 2012 5:57 pm

المنطلق الثالث: غياب ثقافة إنتاج الثروة والمجهود في الوطن العربي
كنا قد أشرنا في دراسة سابقة عن غياب ثقافة إنتاج الثروة والمجهود في الوطن العربي واستبدالها بثقافة التوزيع علما أن ثقافة التوزيع الموجودة في الفكر الاقتصادي الغربي وُجدت للتخفيف من الإعوجاجات التي تولدها نظريات الإنتاج وفقا للمفاهيم الفلسفية/الدينية لإنتاج الثروة. والمقصود بذلك ما يُسمى بالأخلاقية البروتستنتية ونمو الرأس المالية، أي نظرية ماكس ويبر. أما في الوطن العربي فمفهوم إنتاج الثروة مربتط باقتناص مجهود الغير سواء عبر الغزو أو عبر التبادل التجاري وذلك منذ ما قبل الإسلام وبعده. واللغة الحديثة عن ذلك المفهوم لإنتاج الثروة يتلازم مع ما يُعرف في النظرية الاقتصادية الكلاسيكية بالريع الاقتصادي وحديثا بالريع المالي كظاهرة لتطوّر الرأسمالية المعاصرة(9).
من جهة أخرى نلاحظ أن معظم الأدبيات الاقتصادية العربية المعاصرة مُستمدّة من الفكر الاقتصادي الغربي (حتى الشق الاقتصادي للمشروع العربي النهضوي الذي يجرى مناقشته في فقرات تالية) مما يؤكد مدى الغزو الثقافي الغربي للعقل العربي المعاصر. والفكر الغربي حاول محو الفكر الاقتصادي العربي وخاصة الإسلامي للعصر الذهبي. يقول جوزيف شومبيتر الاقتصادي النمساوي الشهير بالحرف الواحد: "أما في ما يتعلّق بموضوعنا (يقصد تاريخ الفكر الاقتصادي البشري)، يمكننا بكل آمان القفز فوق خمس مائة عام حتى زمن القديس يوسق الأكويني (1225-1274)، حيث مؤلفه الجامع الديني (Summa Theologica) يمثل خلاصة الفكر البشري"(10). أي هناك فراغ كبير في الفكر الاقتصادي البشري امتد منذ نهاية الحقبة اليونانية حتى فكر أكويناس، متجاهلا عن قصد أو غير قصد المساهمات العديدة العربية الإسلامية في الاقتصاد وخاصة المالية العامة لكل، على سبيل المثال وليس الحصر، من ابن المقفع (720-756)، وأبو يوسف الدمشقي (المتوفي عام 798)، والطرطوشي (1049-1126)، والماوردي (972-1058)، والغزالي (1058-1118)، وطبعا ابن خلدون (1332-1406). أما في مجال الدورات الاقتصادية ((business cycles فهناك مساهمات البيروني (973-1048) ومسكويه (932-1030)، والطرطوشي مجددا والعلامة ابن خلدون. أما فيما يتعلق بنظرية النقد والأسعار نعود أيضا إلى الغزالي وابن القيّم (1292-1406) والمقريزي (1363- 1442). لايسعنا في هذا البحث التحدّث بالتفصيل عن تلك المساهمات يكفي أن نقول أنها سبقت بعدة قرون مساهمات الاقتصاديين الكلاسيكيين من منتصف وآواخر القرن الثامن عشر حتى مطلع القرن العشرين. كل ذلك للتأكيد أنه يوجد في تراثنا أدوات التحليل المناسبة للواقع الاقتصادي العربي وما علينا نحن الاقتصادييون العرب إلاّ تجديد وتطوير ذلك الفكر.
ولا بد من لفت النظر أن تشخيص الواقع الاقتصادي العربي ما زال يرتكز على أدوات تحليلية أشرنا أعلاه إلى ضرورة إعادة النظر بها. فعلى سبيل المثال جاء في مسودة "المشروع العربي النهضوي" الذي أعدّه مركز دراسات الوحدة العربية مع عدد من "الباحثين والخبراء" تشخيص لذلك الواقع ننقله كما يلي:
"مظاهر التراجع هو التدهور المروّع في معدَّلات النموّ الناجم - أولاً - عن فساد السياسات الاقتصادية الرسمية، وعن الانتقال من الاقتصاد الموجَّه إلى الاقتصاد الحرّ دون ضوابط، وما استتبعه ونجم عنه من بيع ممتلكات الدولة والشعب إلى أفراد خرج أكثرُهُم من رحم بعض فساد القطاع العام والنهب المنظم للثروة وللمالية العامة...، والناجم - ثانياً - عن سياسات الاستدانة وتبعاتها الخطيرة على مالية الدولة، والانصراف المتزايد عن القطاعات الإنتاجية إلى قطاع التجارة والخدمات ومجمل أشكال الاقتصاد الطفيلي ثالثاً، والناجم رابعاً عن سوء التدبير للفجوة المتزايدة بين الموارد والسكان وسوء تدبير المال العام والإنفاق على برامج التنمية وهدر الموارد وسوء تدبير برامج تنمية الأسرة.
وكان لذلك التدهور المروّع كلفته الاجتماعية الكبيرة: البطالة المتزايدة، والتهميش الاجتماعي، والفقر المتفاقم، وتدهور مركز الطبقة الوسطى في المجتمع، وإفراغ الأرياف من ساكنيها وترييف المدن، ثم ما تولَّد عن ذلك من ظواهر كالعنف الاجتماعي، والعنف السياسي، وتحلُّل منظومة القيم، وتفكُّك الأسرة، وخراب النظام التعليمي.
لقد انهار الأمن الاقتصادي والغذائي في الوطن العربي بنتيجة ذلك كلِّه. وفي امتداد انهياره، زحف الفقر ليشمل قطاعاتٍ عريضةً من السكان، وازدادت الفوارق الطبقية بشكل فاحش ومخيف، وارتفعت درجة الاحتقان الاجتماعي الداخلي، وباتت البلاد العربية مرتعاً لأنواعٍ من التناقضات والصراعات الاجتماعية تهدّد بزعزعة استقرارها وتعريض أمنها الاجتماعي للخطر". (انتهى الاقتباس)
هذه الفقرات الهامة لتشخيص الواقع الاقتصادي العربي تستوجب عدة ملاحظات:
أولا- إذا كنّا نوافق بشكل عام على تراجع في الواقع الاقتصادي العربي عبر تراجع معدّلات النمو إلا أن سبب ذلك التراجع ليس مرتبطا بحد ذاته بالتحوّل من اقتصاد موجّه إلى اقتصاد حر. كان الأصحّ القول بأنه حصلت تحوّلات في السياسات الاقتصادية نحو اقتصاد ريعي بدلا من اقتصاد إنتاجي ومنتج. فالاقتصاد الريعي يتلائم مع طبيعة النظم السياسية القائمة والتي تحوّلت إلى نظم فئوية تستند على توزيع الريع وفقا لولاءات الفئة أكانت قبلية أو عشائرية أو طائفية أو مذهبية أو مناطقية أو قطاعية منفردة أو مجتمعة. فالنظام الفئوي الذي يتلازم مع التسلّط والاستبداد يوزّع الريع وفقا لسلّم التقارب من مراكز القرار. كما أن النظم الفئوية مرتبطة بشكل وثيق مع مراكز القرار الخارجية لدعمها بعد ما افتقرت إلى الشرعية السياسية التي تبرر قيامها. فالاقتصاد الريعي يعفي النظام الفئوي من المحاسبة والمسائلة وينمّي ثقافة اللامجهود والمبادرة والمخاطرة.
ثانيا- أما فيما يتعلّق بسياسات الاستدانة فهي منبثقة عن طبيعة الاقتصاد الريعي وثقافة الاستهلاك التي ترافقه كما أشرنا في بحثنا المذكور. كما أن الاقتصاد الريعي منكشف على الخارج ويخضع بالتالي للإملاءات الخارجية التي تأتي عبر "توصيات" المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي والمصرف الأوروبي للإستثمار مثلا.
ثالثا- ولنا في البطالة المتفشية والمتفاقمة في الوطن العربي حديث قوامه أن البرامج التعليمية من الصف الابتدائي حتى الجامعة لا تُخرّج الكفاءات المطلوبة لدعم اقتصاد إنتاجي بل لملء الوظائف التي مهمتها تدوير الفوائض المالية الناتجة عن مصادر الريع الخارجية كالنفط والغاز. وبالتالي نشهد طفرة الاقتصادي الطفيلي في عدد من دول الجزيرة العربية ولبنان ومصر تتلازم مع بطالة متفاقمة خاصة بين الشباب. كما أن تلك البرامج التعليمية لا تشجّع العقل النقدي تجنبا لتنمية ثقافة المسائلة والمحاسبة للنظم القائمة.
وبالتالي نرى تصوّر مسودة المشروع العربي النهضوي في فصله الخامس عن التنمية المستقلة تصوّرا ناقصا وخاليا من التشريح الموضوعي للواقع الاقتصادي العربي في سياقه التاريخي وفي المحاولات البائسة لانخراطه في الاقتصاد المعولم. فالعالم لا يريد من هذا الوطن إلاّ ثرواته وبالتالي يشجّع على استمرار الواقع وإن مع بعض الإصلاحات الشكلية التي تكرّس هيمنة الفئات الحاكمة وتحدّ من الصعود الأفقي لفئات اجتماعية قد تكون أكثركفاءة. وعلى ما يبدو هناك تسليم بواقع العولمة وصعوبة إمكانية تحقيق تنمية مستقلّة. فقد جاء في المسودة تعريف موارب أي غير مباشر لتلك التنمية عبر تحديد خمسة "مبادئ" لا تعالج طبيعة الاقتصاد الريعي وإمكانية الانتقال إلى اقتصاد إنتاجي. وإذا حرصت المسودة على نفي العلاقة بين التنمية المستقلة والاكتفاء الذاتي(11) إلاّ أنها لم توضح كيف يمكنها "توفير السلع العامة الأساسية وضمان الأمي الغذائي والمائي". وإذا كنا نؤيد ضرورة تحقيق تلك الغايات فمن الضروري أيضا معالجة سبل تأمينها وهذا ما تفتقده المسودة. فالكلام عن التكامل العربي كلام جميل وقومي بامتياز ولكن في ظل الاقتصادي الريعي السائد يبقى السؤال: كيف يمكن تحقيق ذلك التكامل؟ أما الرؤية الغريبة التي اعتمدتها المسودة لبناء التنمية المستقلة فلا ندري كيف يمكن "إقامة التنظيم المجتمعي الذي يمكن أن يحمل غايات التنمية في الوطن العربي". وإذا أضافت المسودة أنه يتحقق ذلك في "تضافر قطاعات المجتمع الثلاثة (الدولة، وقطاع الأعمال، والمجتمع المدني) مع خضوعها لمعايير الحكم الصالح"، نرى قي ذلك بصمات ثقافة البنك الدولي والصندوق النقد الدولي التي تتجنب معالجة البنية السياسة وبنية الدولة في الأقطار العربية. فعن أي دولة وقطاع خاص ومجتمع مدني نتكلّم؟ عن المجتمع الفئوي؟ عن الدولة التي تحكمها أسروالتي تتلاشى مؤسساتها؟ عن مجتمع مدني مرآة للواقع الفئوي والخاضع لمشيئة السلطة القائمة؟ وجميعها تستمدّ قوتها من التبعية الخارجية بشكل أو بآخر. لذلك لا بد من مراجعة الأدوات التحليلية والخلفية السياسية لتلك الأدوات قبل الشروع في مشروع غير قابل للحياة بصيغته الحالية.
أما المحور الثاني فهو "بناء الطاقات الإنتاجية العربية" وهذا ربما بيت القصيد ولكن كيف؟ المسودة تكتفي بسرد سلسلة من التوصيات دون أي تفسير ك"تنمية الموارد" (كيف؟) وتعبئة الادخار (كيف وضمن أي سياسة نقدية ومالية وتجارية؟) أما ما تعتقده المسودة "ضمان أقصى استفادة من رأس المال البشري العربي في الداخل، مع العمل على توظيف الإمكانات العربية الهاربة، سواء فس صورة رؤوس أموال نازحة أو طاقات علمية بشرية مهاجرة" فهي تمنيات لن تتحقق ما دامت البنية الاقتصادية القائمة بنية ريعية مستندة إلى نظام فئوي وثقافة تحقّر المجهود وتُحيّيد المحاسبة والمسائلة.
أما المحور الثالث، وهو بناء التكامل العربي فأي بنية اقتصادية يمكن أن تتكامل مع بنية أخرى في الوطن العربي؟ ألم تستلزم فشل مختلف المحاولات للتكامل العربي وقفة لدراسة أسباب ذلك الفشل؟ وبالتالي كيف يمكن التوصية بالتكامل طالما لا نعرف أو لا نريد أن نعرف أسباب الفشل؟ وكيف يكون ذلك التكامل عندما تكون دالات الإنتاج متشابهة للغاية وبالتالي مفهوم التكامل يصبح شبه مستحيل بسبب عدم معرفة مواقع التفوق النسبي بين الأقطار العربية؟ أي أين التفوق النسبي الذي يبرر نمو التجارة البينية بين الأقطار العربية كخطوة أولى على التكامل؟ فالأقطار العربية ما زالت تستورد حاجاتها (التي لا تنتجها ولا يُسمح لها بإنتاجها) من خارج الوطن العربي. فعن أي تكامل نتكلّم؟ والغريب في كل ذلك أن مركز دراسات الوحدة العربية أقام أكثر من ندوة ونشر عدة أبحاث في ذلك الموضوع إذا أن مسودة المشروع لا تبني على القاعدة المعرفية التي أعدّها المركز خلال العقود الثلاث الماضية. وكذلك الأمر بالنسبة للتعليم الذي يعكس واقعا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا لا يتم التكلّم عنه إلاّ بشكل موارب وخجول. لتلك الأسباب وجدت من المفيد إعادة التذكير ببعض ما جئت به في دراستي عن الاقتصاد الريعي (دراسة من أكثر من سبعين صفحة!) كخطوة أولى للبحث في مشروع تنموي يفي بالغرض المطلوب.
المنطلق الرابع: الاقتصاد الريعي وثقافته وتداعيات تلك الثقافة
في هذه الفقرات التالية سيتمّ استعراض النتائج الأساسية للبحث السابق المذكور أعلاه عن الاقتصاد الريعي السائد في الوطن العربي(12).
الريع هو أحد مكوّنات الدخل القومي الذي يجمع أيضا الرواتب والأجور، الفوائد المالية، والأرباح الناتجة عن المشاريع الاقتصادية. جاء في "لسان العرب" تعريف للريع(13) أنه "النماء والزيادة"، كما أضاف: قيل"هي الزيادة في الدقيق والخبز". ومن مشتقات المصطلح "أرض مَريعة بفتح الميم، أي مُخصبة". وينقل ابن منظور عن ابي حنيفة "أراعت الشجرة" أي كثر حملها، قال: "وأراعت الإبل: كثر ولدها". كما أن "كل زيادة ريع". أما البعد الثاني للمصطلح فهو مفهوم العود والرجوع كما حدّده أيضا "لسان العرب". والبعد الثالث للمفهوم جاء من القرآن الكريم: أتبنون بكل ريع آية" بمعنى مكان مرتفع. كما لا بد من الإشارة إلى ما جاء في "المقدمة" لإبن خلدون عندما تكلّم عن "فوائد العقار والضّياع". فيقول "أن القصد باقتناء الملك من العقار والضياع إنما هو الخشية على من يترك خلفه من الذرية الضعفاء ليكون مرباهم به ورزقه فيه ونشؤهم بفائدته ما داموا عاجزين عن الاكتساب"(14). فالعقار يدّر ريعا دون مجهود ما من مالكه ويعتبر من التأمين ضد المستقبل! في هذا السياق أشير إلى أن بن خلدون ميّز قبل 400 سنة من آدم سميث بين الربح والريع عندما أنّب الضعيف الذي لا يستطيع الكسب بالسبل الطبيعية فيلجأ إلى الحفر في الأرض لإستخراج المعادن وبيعها لتمويل الترف الذي كان يتنعّم به(15). والريع كما جاء في "لسان العرب" يساهم في تكوين الثروة كما كانت تفهم في ذلك الحين. ومصادر الثروة آنذاك كانت التجارة والزراعة والغنيمة أي اقتناص الثروة من الغير! وعند "حصول الكثرة البالغة منه والعالي في جنسه وقيمته في المصر... ربماامتدّت إليه أعين الأمراء والولاة واغتصبوه في الغالب"(16). فالغنيمة مفهوم أساسي في الثقافة العربية في تحديد الثروة والأمثال عديدة نحن بغنى عن سردها في هذا البحث.
إذا، الريع في "لسان العرب" مرتبط أولا بالزراعة وخاصة بتلك الأرض الخصبة التي تنتج أكثر من غيرها(17). كما أن الثروات الحيوانية هي أيضا مصدر للريع أي الزيادة الناتجة عن خصوبة الحيوان وخاصة الإبل. من هنا تتبلور مفاهيم عديدة أولاها المردود المتكاثر وغير المرتبط بمجهود ما. فخصوبة الأرض أو الإبل ليست ناتجة عن مجهود إنساني بل بقدرة خارجة عن إرادة الإنسان(18). من هنا تبلّور الفضل الإلهي ويعزز ذلك المفهوم عدد من الآيات القرآنية التي تربط بين الرزق ومشيئة الله والتي تمّ استخدامها عن غير صواب لتبرير المفهوم الريعي كمصدر للثروة. والمعلوم أن القرآن الكريم يحثّ بشكل واضح على العمل والنشاط الاقتصادي وأن التحوير في التفسير هو من فعل الإنسان وما رافقه من انحطاط سياسي واقتصادي وثقافي في العالم العربي والاسلامي في القرون الأخيرة. لذلك يمكن القول أن ثقافة إنتاج الثروة عبر المجهود مُغيّبة إلى حد كبير في التراث العربي وإن كانت هناك تكاليف قرآنية واضحة تحثّ على العمل من أجل الكسب.
أما في النظرية الاقتصادية الكلاسيكية للريع كما تُدرّس في الجامعات الغربية فالمنظّر الأول لها هو دافيد ريكاردو في مؤلفه المفصلي "مبادئ الاقتصاد السياسي والتكليف الضرائبي" الذي صدر عام 1817. حدد ريكاردو الريع كما يلي: "هو ذلك الجزء من إنتاج الأرض الذي يُدفع إلى صاحب الأرض كبدل لاستعمال القوى غير الفانية للأرض"(19). والمصطلح في أدبيات ريكاردو هو كلمة "rent" الذي يقترن دائما بمفهوم بدل الإيجار للشقق أو المنازل أو لأي نوع من العقار. غير أن التعريف الدقيق يبرز عدة عناصر يمكن تعميمها إلى عدد كبير من وسائل الإنتاج أو السلع أو المواقع الجغرافية أو حتى النشاطات. إن ما يربط جميع تلك السلع والنشاطات هو عنصر الندرة بالعرض وعدم إمكانية الاستبدال بسلعة أو نشاط أو موقع مماثل يعطي نفس النتيجة لمن يقدم على استعمالها. كما أن هناك اعتراف ضمني بالعامل الاحتكاري لموارد الإنتاج أو للسلعة المنتجة أو عدم وجود أي بديل مقبول للمورد أو للسلعة.
والملفت للنظر في نظرية الريع هو ارتباط عامل الإنتاج الأساسي لسلعة لها الطابع الإستراتيجي وإن لم يكن محصورا بذلك بالضرورة. ففي مطلع قرن التاسع عشر كانت الحروب النابليونية قد فرضت حصارا على بريطانيا العظمى أدّى إلى ندرة في مستويات العرض للقمح. أي بمعنى آخر كان القمح (السلعة الغذائية النمطية) السلعة الإستراتيجية بامتياز. أما اليوم، فيمكن استبدال القمح بالنفط أو اي سلعة لها طابع إستراتيجي ونادرة! أما الأدبيات في الاقتصاد السياسي الحديث فتعمّم مفهوم عامل الإنتاج إلى مصطلح أكثر شمولية وهو مفهوم العامل الداخل ((input مقارنة مع العامل الخارج ((output أو المنتوج. الشمولية في التعريف ضرورية لإدخال عناصر جديدة في تكوين مصادر الثروة والانتقال من عوامل الإنتاج الطبيعية كالأرض مثلا والعمل ورأس المال إلى مفاهيم أكثر تفاعلا ومساهمة في إنتاج الثروة كالموقع الجغرافي المميّز والخدمات المميّزة وكل من يمتلك السيطرة على سلعة أو خدمة ما مطلوبة في الاقتصاد الوطني أو الدولي ولا بديل فوري لها.من جهة أخرى تُدرّس في معظم الجامعات الغربية نتائج الممارسات الاحتكارية في الأسواق التافسية الاحتكارية. هذا المفهوم هو الفائض الاستهلاكي المعروف باللغة الإنكليزية ب consumers’ surplus الذي يحاول اقتناصه المحتكر. هذا الفائض الذي يعود إلى المحتكر هو ريع بامتياز لأنه ليس ناتجا عن مجهوده الخاص بل ناتجا عن موقعه الاحتكاري وتحكّمه بالكميات المعروضة. كما أن الأرباح الاحتكارية الناتجة عن الفائض بين سعر المبيع ومتوسط الكلفة للوحدة المنتجة هي أيضا ريع بامتياز. فكلما زاد ذلك الفارق كلما زادت نسبة السلطة الاحتكارية (degree of monopoly power). هذا بشكل سريع جدا ما يتعلّمه الطالب في السنة الأولى من برنامج الليسانس أو البكالوريوس في الاقتصاد.
____________
(*) يُنشر الجزء الثالث من هذه المقالة في العدد القادم من سلسلة " كتب موازين".
(**)عالم إقتصادي عربي من بيروت
(1) Georges Corm, La Question Religieuse au XXIème Siècle, Paris, La Découverte, 2005, p. 38.
Amartya Sen, On Ethics and Economics, Oxford, Basil Blackwell, 1987, pp. 11-14, (2)
also in Umer Chapra, Islamic Economics: What It Is and How It Developed, Islamic Research and Training Institute, Islamic Development Bank, Jeddah, 1999.
Myers, Milton, L. The Soul of Modern Economic Man: Ideas of Self-Interest,(3) Thomas Hobbes to Adam Smith,Chicago, University of Chicago Press, 1983, p. 4

John Maynard Keynes, The General Theory of Employment, Interest, and Money, (4) London, Macmillan & Co, Ltd, 1961.
Alfred Marshall, Principles of Economics, 8th edition, London, Macmillan & Co, Ltd,(5) pp. 638-639.
(6)المرجع السابق
George Stigler, “The Theory of Economic Regulation”, Bell Journal of Economics (7)
and Management Science, Spring 1971, pp. 3-21, and R. Posner, “Theories of Economic Regulation”, Bell Journal of Economics and Management Science, Autumn 1974, pp. 335-358.
Dominick Salvatore, Managerial Economics in a Global Economy, 6th (8)
edition, New York, Oxford University Press, 2007, pp 501 and passim

Ahmed Henni, Le Syndrome Islamiste et les Mutations du Capitalisme, Paris, (9)
Editions Non Lieu, 2008
,
(10) George Allen & Unwin Ltd, 1961, p. 73Joseph Schumpeter, History of Economic Analysis, London, 4th printing
(11)نلفت النظر أن التاريخ التنموي لعدد من الدول الآسيوية كالهند واليابان اعتمدت لفترة زمنية تأسيسية الاكتفاء الذاتي حتى استكمال بناء قاعدة إنتاجية تستطيع مواجهة التنافس الخارجي. هذا ما حاول القيام به الرئيس جمال عبد الناصر ومن بعده الرئيس هواري بومدين والرئيس صدام حسين. أليس ملفتا للنظر تضافر الجهود الدولية على إجهاض تلك التجارب؟
(12) زياد حافظ، المرجع السابق.
(13) إبن منظور، "لسان العرب"، المجلد الثامن، حرف العين والغين، ييروت، دار بيروت للطباعة والنشر، 1968، ص. 137-140.
(14) العلامة عبد الرحمن بن محمد بن خلدون، "مقدمة بن خلدون"، دار الجيل، 2005، ص. 319.
(15) المصدر السابق، ص. 319-321.
(16) المصدر السابق، ص. 320

(17) هذا هو جوهر مفهوم ما يُعرف في النظرية الاقتصادية با"الريع التفاضلي" (differential rent).
(18) صحيح أن التكنولوجيا الحديثة تستطيع أن تزيد من خصبة الأرض والحيوان غير أن التعدّي التكنولوجي على الطبيعة والبيئة ، وهو من فعل الإنسان يأتي بكلفة باهظة للغاية على البيئة والإنسان!
David Ricardo, The Principles of Political Economy and Taxation, London, (19) J.M. Dent & Sons Ltd, Everyman’s Library, 1962, p. 33





صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

تساؤلات في الإطار النظري للسياسات الاقتصادية العربية Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28717
السٌّمعَة : 23
العمر : 45
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى