رؤية أصولية جديدة تنفي حادثة انشقاق القمر الواردة في الصحاح
شبكة واحة العلوم الثقافية :: الساحات العلمية والثقافية والحوارية :: ساحة الفقه والعلوم والحوارات الشرعية
صفحة 1 من اصل 1
رؤية أصولية جديدة تنفي حادثة انشقاق القمر الواردة في الصحاح
بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم الشيخ/ عمرو الشاعر
الحمدلله رب العالمين وصلاة وسلاما على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وسلم:
فإن ما يؤمن به كل إنسان مسلم أن آية –وليس معجزة, وشتان بين الإثنين- الرسول الكريم محمد بن عبدالله كانت القرآن الكريم المبين! الذي أفحم به كل المعارضين! وكعادة أي مجتمع إنساني يأتيه فرد بشر منه يطلب إليهم الإيمان بالله ويعلمهم أنه رسول الله إليهم! طلب أهل مكة من الرسول الكريم آية –وليس معجزة- تثبت فعلا أنه مرسل من عند الله تعالى! فكان أن رد القرآن الكريم عليهم في مواطن عدة أن القرآن الكريم هو آية محمد وهو الدليل على أن محمد هو مرسل من عندالله تعالى, وأن من لا يؤمن بهذا القرآن لن يؤمن بغيره من الآيات! وتكرر هذا المعنى كثيرا في القرآن, وأصرح آية في نفي الآيات الحسية للرسول الكريم هي آية الإسراء والتي يقول الله تعالى فيها:
"وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً [الإسراء : 59]"
فهذه الآية قاضية على أن الرسول لن يؤتى آيات يؤمن من أجلها القوم. ونحن نجزم أن الرسول الكريم لم يأت بآية واحدة من أجل أن يؤمن قومه –ولكنا في نفس الوقت لا نرد الروايات الواردة في الآيات التي أتى بها الرسول الكريم في المدينة, لأن هذه الوقائع لم تكن من أجل أن يؤمن المسلمون! وإنما كانت مددا وعونا من الله عزوجل للرسول الكريم في مواطن الشدة والضيق!- والآيات المؤكدة لرفض القرآن أن يأتي الرسول بآية متواترة في الإثبات, منها:
َأوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [العنكبوت : 51]
وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ [الأنعام : 109]
ولقد كنت أقرأ ذات مرة لأحد المثبتين لانشقاق القمر, فوجدت أنه قد انتبه إلى تعارض القول بانشقاق القمر مع آيات القرآن, فحاول أن يبرر ذلك فقال:
"بقيت لنا كلمة في الرواية التي تقول: إن المشركين سألوا النبي [ ص ] آية . فانشق القمر . فإن هذه الرواية تصطدم مع مفهوم نص قرآني مدلوله أن الرسول [ ص ] لم يرسل بخوارق من نوع الخوارق التي جاءت مع الرسل قبله لسبب معين: وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون . فمفهوم هذه الآية أن حكمة الله اقتضت منع الآيات - أي الخوارق - لما كان من تكذيب الأولين بها . وفي كل مناسبة طلب المشركون آية من الرسول [ ص ] كان الرد يفيد أن هذا الأمر خارج عن حدود وظيفته , وأنه ليس إلا بشرا رسولا . وكان يردهم إلى القرآن يتحداهم به بوصفه معجزة هذا الدين الوحيدة: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله , ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا . ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل , فأبى أكثر الناس إلا كفورا . وقالوا: لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا . أو تسقط السماء - كما زعمت - علينا كسفا , أو تأتي بالله والملائكة قبيلا . أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء , ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه . قل:سبحان ربي ! هل كنت إلا بشرا رسولا ?) .
فالقول بأن انشقاق القمر كان استجابة لطلب المشركين آية - أي خارقة - يبدو بعيدا عن مفهوم النصوص القرآنية ; وعن اتجاه هذه الرسالة الأخيرة إلى مخاطبة القلب البشري بالقرآن وحده , وما فيه من إعجاز ظاهر ; ثم توجيه هذا القلب - عن طريق القرآن - إلى آيات الله القائمة في الأنفس والآفاق , وفي أحداث التاريخ سواء . . فأما ما وقع فعلا للرسول [ ص ] من خوارق شهدت بها روايات صحيحة فكان إكراما من الله لعبده , لا دليلا لإثبات رسالته . .
ومن ثم نثبت الحادث - حادث انشقاق القمر - بالنص القرآني وبالروايات المتواترة التي تحدد مكان الحادث وزمانه وهيئته . ونتوقف في تعليله الذي ذكرته بعض الروايات . ونكتفي بإشارة القرآن إليه مع الإشارة إلى اقتراب الساعة . باعتبار هذه الإشارة لمسة للقلب البشري ليستيقظ ويستجيب" اهـ
ويذكر له أنه اعترف بالتعارض فغيره يجادلون! أما نحن فلا نسلم بالروايات الكثيرة الواردة في الباب مثل:
ما رواه الترمذي عن ابن مسعود : بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى فانشق القمر فلقتين فلقة من وراءالجبل وفلقة دونه فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم اشهدوا يعني اقتربت الساعةوانشق القمرونجد نفس الرواية تقريبا عند مسلم:
بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ، إذا انفلق القمر فلقتين .فكانتفلقة وراء الجبل ، وفلقة دونه . فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " اشهدوا " . وعند الإمام أحمد: حدثنا معمر عن قتادة عن أنس ابن مالك قال: سأل أهل مكة النبي [ ص ] آية . فانشق القمر بمكة مرتين فقال: (اقتربت الساعة وانشق القمر). .
وعند الإمام البخاري:حدثني عبدالله بن عبدالوهاب حدثنا بشر بن المفضل حدثنا سعيد بن أبي عروة عن قتادة عن أنس بن مالك , أن أهل مكة سألوا رسول الله [ ص ] أن يريهم آية . فأراهم القمر شقين حتى رأو حراء بينهما .
وعند الإمام أحمد:حدثنا محمد بن كثير , حدثنا سليمان ابن كثير , عن حصين بن عبدالرحمن , عن محمد بن جبير بن مطعم , عن أبيه قال:انشق القمر على عهد رسول الله [ ص ] فصار فلقتين . فلقة على هذا الجبل وفلقة على هذا الجبل , فقالوا:سحرنا محمد , فقالوا:إن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم . .
وعند الإمام البخاري:قال أبو داود الطيالسي:حدثنا أبو عوانة , عن المغيرة , عن أبي الضحى , عن مسروق , عن عبدالله بن مسعود , قال:انشق القمر على عهد رسول الله [ ص ] فقالت قريش:هذا سحر ابن أبي كبشة . قال:فقالوا:انظروا ما يأتيكم من السفار , فإن محمدا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم قال:فجاء السفار فقالوا ذلك ." اهـ
يتبع
بقلم الشيخ/ عمرو الشاعر
الحمدلله رب العالمين وصلاة وسلاما على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وسلم:
فإن ما يؤمن به كل إنسان مسلم أن آية –وليس معجزة, وشتان بين الإثنين- الرسول الكريم محمد بن عبدالله كانت القرآن الكريم المبين! الذي أفحم به كل المعارضين! وكعادة أي مجتمع إنساني يأتيه فرد بشر منه يطلب إليهم الإيمان بالله ويعلمهم أنه رسول الله إليهم! طلب أهل مكة من الرسول الكريم آية –وليس معجزة- تثبت فعلا أنه مرسل من عند الله تعالى! فكان أن رد القرآن الكريم عليهم في مواطن عدة أن القرآن الكريم هو آية محمد وهو الدليل على أن محمد هو مرسل من عندالله تعالى, وأن من لا يؤمن بهذا القرآن لن يؤمن بغيره من الآيات! وتكرر هذا المعنى كثيرا في القرآن, وأصرح آية في نفي الآيات الحسية للرسول الكريم هي آية الإسراء والتي يقول الله تعالى فيها:
"وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً [الإسراء : 59]"
فهذه الآية قاضية على أن الرسول لن يؤتى آيات يؤمن من أجلها القوم. ونحن نجزم أن الرسول الكريم لم يأت بآية واحدة من أجل أن يؤمن قومه –ولكنا في نفس الوقت لا نرد الروايات الواردة في الآيات التي أتى بها الرسول الكريم في المدينة, لأن هذه الوقائع لم تكن من أجل أن يؤمن المسلمون! وإنما كانت مددا وعونا من الله عزوجل للرسول الكريم في مواطن الشدة والضيق!- والآيات المؤكدة لرفض القرآن أن يأتي الرسول بآية متواترة في الإثبات, منها:
َأوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [العنكبوت : 51]
وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ [الأنعام : 109]
ولقد كنت أقرأ ذات مرة لأحد المثبتين لانشقاق القمر, فوجدت أنه قد انتبه إلى تعارض القول بانشقاق القمر مع آيات القرآن, فحاول أن يبرر ذلك فقال:
"بقيت لنا كلمة في الرواية التي تقول: إن المشركين سألوا النبي [ ص ] آية . فانشق القمر . فإن هذه الرواية تصطدم مع مفهوم نص قرآني مدلوله أن الرسول [ ص ] لم يرسل بخوارق من نوع الخوارق التي جاءت مع الرسل قبله لسبب معين: وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون . فمفهوم هذه الآية أن حكمة الله اقتضت منع الآيات - أي الخوارق - لما كان من تكذيب الأولين بها . وفي كل مناسبة طلب المشركون آية من الرسول [ ص ] كان الرد يفيد أن هذا الأمر خارج عن حدود وظيفته , وأنه ليس إلا بشرا رسولا . وكان يردهم إلى القرآن يتحداهم به بوصفه معجزة هذا الدين الوحيدة: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله , ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا . ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل , فأبى أكثر الناس إلا كفورا . وقالوا: لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا . أو تسقط السماء - كما زعمت - علينا كسفا , أو تأتي بالله والملائكة قبيلا . أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء , ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه . قل:سبحان ربي ! هل كنت إلا بشرا رسولا ?) .
فالقول بأن انشقاق القمر كان استجابة لطلب المشركين آية - أي خارقة - يبدو بعيدا عن مفهوم النصوص القرآنية ; وعن اتجاه هذه الرسالة الأخيرة إلى مخاطبة القلب البشري بالقرآن وحده , وما فيه من إعجاز ظاهر ; ثم توجيه هذا القلب - عن طريق القرآن - إلى آيات الله القائمة في الأنفس والآفاق , وفي أحداث التاريخ سواء . . فأما ما وقع فعلا للرسول [ ص ] من خوارق شهدت بها روايات صحيحة فكان إكراما من الله لعبده , لا دليلا لإثبات رسالته . .
ومن ثم نثبت الحادث - حادث انشقاق القمر - بالنص القرآني وبالروايات المتواترة التي تحدد مكان الحادث وزمانه وهيئته . ونتوقف في تعليله الذي ذكرته بعض الروايات . ونكتفي بإشارة القرآن إليه مع الإشارة إلى اقتراب الساعة . باعتبار هذه الإشارة لمسة للقلب البشري ليستيقظ ويستجيب" اهـ
ويذكر له أنه اعترف بالتعارض فغيره يجادلون! أما نحن فلا نسلم بالروايات الكثيرة الواردة في الباب مثل:
ما رواه الترمذي عن ابن مسعود : بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى فانشق القمر فلقتين فلقة من وراءالجبل وفلقة دونه فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم اشهدوا يعني اقتربت الساعةوانشق القمرونجد نفس الرواية تقريبا عند مسلم:
بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ، إذا انفلق القمر فلقتين .فكانتفلقة وراء الجبل ، وفلقة دونه . فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " اشهدوا " . وعند الإمام أحمد: حدثنا معمر عن قتادة عن أنس ابن مالك قال: سأل أهل مكة النبي [ ص ] آية . فانشق القمر بمكة مرتين فقال: (اقتربت الساعة وانشق القمر). .
وعند الإمام البخاري:حدثني عبدالله بن عبدالوهاب حدثنا بشر بن المفضل حدثنا سعيد بن أبي عروة عن قتادة عن أنس بن مالك , أن أهل مكة سألوا رسول الله [ ص ] أن يريهم آية . فأراهم القمر شقين حتى رأو حراء بينهما .
وعند الإمام أحمد:حدثنا محمد بن كثير , حدثنا سليمان ابن كثير , عن حصين بن عبدالرحمن , عن محمد بن جبير بن مطعم , عن أبيه قال:انشق القمر على عهد رسول الله [ ص ] فصار فلقتين . فلقة على هذا الجبل وفلقة على هذا الجبل , فقالوا:سحرنا محمد , فقالوا:إن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم . .
وعند الإمام البخاري:قال أبو داود الطيالسي:حدثنا أبو عوانة , عن المغيرة , عن أبي الضحى , عن مسروق , عن عبدالله بن مسعود , قال:انشق القمر على عهد رسول الله [ ص ] فقالت قريش:هذا سحر ابن أبي كبشة . قال:فقالوا:انظروا ما يأتيكم من السفار , فإن محمدا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم قال:فجاء السفار فقالوا ذلك ." اهـ
يتبع
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
رد: رؤية أصولية جديدة تنفي حادثة انشقاق القمر الواردة في الصحاح
إذا فهذه طرف من الروايات الواردة في الباب ونحن نردها كلها جملة وتفصيلا, لأسباب عدة:
أولها: أنها تعارض إصرار القرآن على رفض طلب المشركين آية حسية, فكيف يعارضهم ويكرر ذلك في سور نزلت بعد هذه السورة ثم يكون القمر قد انشق.
ثانيها: المعارضة البينة لما يقولون وبين مبنى السورة كلها, فالسورة كلها أتت للرد على طلب الآيات الحسية وضربت على ذلك الأمثلة البينة- وسنوضح ذلك عند تناولنا للسورة- فقلب السادة المفسرون الآية وجعلوا الآية الأولى إثبات للآية الحسية!
ثالثها: المخالفة البينة للغة! فالآية تتكلم عن انشقاق القمر والروايات تتحدث عن انفلاق القمر أو انفراقه! وشتان بين الإثنين, فالله يقول أنه انشق والشق لا يمكن أن يكون أبدا فرقا!
والسبب الرابع والأخير –ونذكره عرضا من باب الاستئناس- وهو أن التاريخ لم يذكر لنا واقعة فرق القمر هذه شيئا! ونحن لا نعول على هذه المسألة كثيرا ولكن هذا أيضا من المقويات.
ونبدأ الآن في تناول السورة تناولا سريعا لنؤكد ما نقول, وسنعرض السورة كاملة ليعرف القارئ صدق ما نقول:
بسم الله الرحمن الرحيم
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آَيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17) كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24) أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28) فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32) كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36) وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (39) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (40) وَلَقَدْ جَاءَ آَلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42) أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (46) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)
من العجب العجاب أن السادة المفسرين استدلوا بصدر السورة على ما يقولون! وأعجب ثم أعجب ثم أعجب خمسا وخمسين مرة! هل قرأوا السورة أم لم يفعلوا! السورة من أولها إلى آخرها ترد على الكافرين ردا مزلزلا وتخبرهم أنه لن يأتيهم آية حسية كما أتى السابقون لأنه إذا حدث وأتت الآية ولم يؤمنوا فسينزل الله بهم العذاب كما فعل بالسابقين! فهذا قانون لا يتخلف –والعجيب المريب أن السادة المفسرين جعلوه متخلفا!- وأن القرآن كفاية لهم وموعدهم الساعة حيث سيكون مرجعهم إلى كذا وكذا.
ونبدأ في تتبع الآيات لنر ماذا تقول السورة:
تبدأ السورة بقوله تعالى:" اقتربت الساعة وانشق القمر" فهي تخبر المشركين والكافرين أن الساعة قد اقتربت وأن القمر قد انشق! ونحن نجزم أن القمر قد انشق فعلا ولكنه لم ينشق للرسول الكريم بل انشق لرسول سابق طلب إليه قومه آية فأتتهم هذه الآية ولكنهم لم يؤمنوا. أما الروايات الواردة في الباب فكلها مناقضة للآية لأنها تقول أن القمر فرق وانفصل –راجع الروايات بأعلى- والآية تقول أن القمر انشق! لذا عندما تعرض الإمام الفخر الرازي – والمشهور بتحليل الآيات- لهذه الآية , لم يعرض لألفاظها وإنما اكتفى بالرد على المشككين في الانشقاق فقال:
" والمفسرون بأسرهم على أن المراد أن القمر انشق ، وحصل فيه الانشقاق ، ودلت الأخبار على حديث الانشقاق ، وفي الصحيح خبر مشهور رواه جمع من الصحابة ، وقالوا : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم آية الانشقاق بعينها معجزة ، فسأل ربه فشقه ومضى ، وقال بعض المفسرين المراد سينشق ، وهو بعيد ولا معنى له ، لأن من منع ذلك وهو الفلسفي يمنعه في الماضي والمستقبل ، ومن يجوزه لا حاجة إلى التأويل ، وإنما ذهب إليه ذلك الذاهب ، لأن الانشقاق أمر هائل ، فلو وقع لعم وجه الأرض فكان ينبغي أن يبلغ حد التواتر ، نقول : النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يتحدى بالقرآن ، وكانوا يقولون : إنا نأتي بأفصح ما يكون من الكلام ، وعجزوا عنه ، فكان القرآن معجزة باقية إلى قيام القيامة لا يتمسك بمعجزة أخرى فلم ينقله العلماء بحيث يبلغ حد التواتر . وأما المؤرخون فتركوه ، لأن التواريخ في أكثر الأمر يستعملها المنجم ، وهو لما وقع الأمر قالوا : بأنه مثل خسوف القمر ، وظهور شيء في الجو على شكل نصف القمر في موضع آخر فتركوا حكايته في تواريخهم" اهـ
ونحن نحسن الظن بالإمام الفخر الرازي ونرى أنه غفل عنه لا أنه ترك التعرض للجانب اللغوي لأنه سيؤدي به حتما إلى رفض الروايات! فالشق حتما غير الفرق! والشق والتشقق كما يفهمه كل منا لا يعني أبدا الانفصال! فإذا أنت قلت: شققت الثوب أو الشيء , أو الجدار مشقوق! لا يفهم أحد على الإطلاق أن جزء الشيء مفصول عن الآخر وإنما يفهم أن هناك صدع وشق بين الجزئين وهناك جزء متصل . وليس الأمر مجرد استعمال يومي لنا قد يخطئ أو يصيب وإنما هذا ما تقوله اللغة, فإذا نحن نظرنا في المعاجم وجدنا أن ابن منظور يقول في اللسان:
"الشَّقُّ: مصدر قولك شَقَقْت العُود شَقّاً والشَّقُّ: الصَّدْع البائن، وقيل: غير البائن، وقيل: هو الصدع عامة. ........ وشُقَّ الحافرُ والرسغ: أَصابَهُ شُقاقٌ.
وكل شَقٍّ في جلد عن داء شُقاق، جاؤوا به على عامّة أَبنية الأدواء.
وفي حديث قرة بن خالد: أصابنا شُقاق ونحن مُحْرمون فسأَلنا أَبا ذرٍّ فقال: عليكم بالشَّحْمِ؛ هو تَشَقُّقُ الجلد وهو من الأدواء كالسُّعال والزُّكام والسُّلاق.
والشَّقُّ: واحد الشُّقوق وهو في الأصل مصدر. الأزهري: والشُّقاق تَشَقُّق الجلد من بَرْدٍ أَو غيره في اليدين والوجه. " اهـ
فإذا نحن نظرنا في المقاييس ألفينا ابن فارس يقول:
" الشين والقاف أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على انصداعٍ في الشيء، ثم يحمل عليه ويشتقُّ منه على معنى الاستعارة. تقول شقَقت الشيء أَشُقه شقَّا، إذا صدعتَه." اهـ
أولها: أنها تعارض إصرار القرآن على رفض طلب المشركين آية حسية, فكيف يعارضهم ويكرر ذلك في سور نزلت بعد هذه السورة ثم يكون القمر قد انشق.
ثانيها: المعارضة البينة لما يقولون وبين مبنى السورة كلها, فالسورة كلها أتت للرد على طلب الآيات الحسية وضربت على ذلك الأمثلة البينة- وسنوضح ذلك عند تناولنا للسورة- فقلب السادة المفسرون الآية وجعلوا الآية الأولى إثبات للآية الحسية!
ثالثها: المخالفة البينة للغة! فالآية تتكلم عن انشقاق القمر والروايات تتحدث عن انفلاق القمر أو انفراقه! وشتان بين الإثنين, فالله يقول أنه انشق والشق لا يمكن أن يكون أبدا فرقا!
والسبب الرابع والأخير –ونذكره عرضا من باب الاستئناس- وهو أن التاريخ لم يذكر لنا واقعة فرق القمر هذه شيئا! ونحن لا نعول على هذه المسألة كثيرا ولكن هذا أيضا من المقويات.
ونبدأ الآن في تناول السورة تناولا سريعا لنؤكد ما نقول, وسنعرض السورة كاملة ليعرف القارئ صدق ما نقول:
بسم الله الرحمن الرحيم
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آَيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17) كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24) أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28) فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32) كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36) وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (39) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (40) وَلَقَدْ جَاءَ آَلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42) أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (46) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)
من العجب العجاب أن السادة المفسرين استدلوا بصدر السورة على ما يقولون! وأعجب ثم أعجب ثم أعجب خمسا وخمسين مرة! هل قرأوا السورة أم لم يفعلوا! السورة من أولها إلى آخرها ترد على الكافرين ردا مزلزلا وتخبرهم أنه لن يأتيهم آية حسية كما أتى السابقون لأنه إذا حدث وأتت الآية ولم يؤمنوا فسينزل الله بهم العذاب كما فعل بالسابقين! فهذا قانون لا يتخلف –والعجيب المريب أن السادة المفسرين جعلوه متخلفا!- وأن القرآن كفاية لهم وموعدهم الساعة حيث سيكون مرجعهم إلى كذا وكذا.
ونبدأ في تتبع الآيات لنر ماذا تقول السورة:
تبدأ السورة بقوله تعالى:" اقتربت الساعة وانشق القمر" فهي تخبر المشركين والكافرين أن الساعة قد اقتربت وأن القمر قد انشق! ونحن نجزم أن القمر قد انشق فعلا ولكنه لم ينشق للرسول الكريم بل انشق لرسول سابق طلب إليه قومه آية فأتتهم هذه الآية ولكنهم لم يؤمنوا. أما الروايات الواردة في الباب فكلها مناقضة للآية لأنها تقول أن القمر فرق وانفصل –راجع الروايات بأعلى- والآية تقول أن القمر انشق! لذا عندما تعرض الإمام الفخر الرازي – والمشهور بتحليل الآيات- لهذه الآية , لم يعرض لألفاظها وإنما اكتفى بالرد على المشككين في الانشقاق فقال:
" والمفسرون بأسرهم على أن المراد أن القمر انشق ، وحصل فيه الانشقاق ، ودلت الأخبار على حديث الانشقاق ، وفي الصحيح خبر مشهور رواه جمع من الصحابة ، وقالوا : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم آية الانشقاق بعينها معجزة ، فسأل ربه فشقه ومضى ، وقال بعض المفسرين المراد سينشق ، وهو بعيد ولا معنى له ، لأن من منع ذلك وهو الفلسفي يمنعه في الماضي والمستقبل ، ومن يجوزه لا حاجة إلى التأويل ، وإنما ذهب إليه ذلك الذاهب ، لأن الانشقاق أمر هائل ، فلو وقع لعم وجه الأرض فكان ينبغي أن يبلغ حد التواتر ، نقول : النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يتحدى بالقرآن ، وكانوا يقولون : إنا نأتي بأفصح ما يكون من الكلام ، وعجزوا عنه ، فكان القرآن معجزة باقية إلى قيام القيامة لا يتمسك بمعجزة أخرى فلم ينقله العلماء بحيث يبلغ حد التواتر . وأما المؤرخون فتركوه ، لأن التواريخ في أكثر الأمر يستعملها المنجم ، وهو لما وقع الأمر قالوا : بأنه مثل خسوف القمر ، وظهور شيء في الجو على شكل نصف القمر في موضع آخر فتركوا حكايته في تواريخهم" اهـ
ونحن نحسن الظن بالإمام الفخر الرازي ونرى أنه غفل عنه لا أنه ترك التعرض للجانب اللغوي لأنه سيؤدي به حتما إلى رفض الروايات! فالشق حتما غير الفرق! والشق والتشقق كما يفهمه كل منا لا يعني أبدا الانفصال! فإذا أنت قلت: شققت الثوب أو الشيء , أو الجدار مشقوق! لا يفهم أحد على الإطلاق أن جزء الشيء مفصول عن الآخر وإنما يفهم أن هناك صدع وشق بين الجزئين وهناك جزء متصل . وليس الأمر مجرد استعمال يومي لنا قد يخطئ أو يصيب وإنما هذا ما تقوله اللغة, فإذا نحن نظرنا في المعاجم وجدنا أن ابن منظور يقول في اللسان:
"الشَّقُّ: مصدر قولك شَقَقْت العُود شَقّاً والشَّقُّ: الصَّدْع البائن، وقيل: غير البائن، وقيل: هو الصدع عامة. ........ وشُقَّ الحافرُ والرسغ: أَصابَهُ شُقاقٌ.
وكل شَقٍّ في جلد عن داء شُقاق، جاؤوا به على عامّة أَبنية الأدواء.
وفي حديث قرة بن خالد: أصابنا شُقاق ونحن مُحْرمون فسأَلنا أَبا ذرٍّ فقال: عليكم بالشَّحْمِ؛ هو تَشَقُّقُ الجلد وهو من الأدواء كالسُّعال والزُّكام والسُّلاق.
والشَّقُّ: واحد الشُّقوق وهو في الأصل مصدر. الأزهري: والشُّقاق تَشَقُّق الجلد من بَرْدٍ أَو غيره في اليدين والوجه. " اهـ
فإذا نحن نظرنا في المقاييس ألفينا ابن فارس يقول:
" الشين والقاف أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على انصداعٍ في الشيء، ثم يحمل عليه ويشتقُّ منه على معنى الاستعارة. تقول شقَقت الشيء أَشُقه شقَّا، إذا صدعتَه." اهـ
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
رد: رؤية أصولية جديدة تنفي حادثة انشقاق القمر الواردة في الصحاح
إذا فهذا هو معنى الانشقاق ونلاحظ أن معظم أصحاب المعاجم عند تعرضهم للفظة "شقق" لم يذكر آية الانشقاق كنموذج للفظة! لأن المعنى الوارد في الروايات كتفسير لها يخالف اللغة فهي تقول بالفرق وليس بالشق! فكيف يرودونها, وحتى عندما تكرم الزبيدي وذكرها في تاج العروس ذكرها من باب عرض التفسير الإشاري فقال:
"وقولُه تَعالى : " وانْشَقَّ القَمَرُ " قِيلَ في تَفْسِيره : وَضَحَ الأمرُ نقله الرّاغِبُ." اهـ
ولو كان المعنى الوارد في الروايات محتملا للشق لما أهمله اللغويون! وما جاء في الروايات هو الفرق وهو كما جاء في المقاييس:
" الفاء والراء والقاف أُصَيلٌ صحيحٌ يدلُّ على تمييز وتزييلٍ بين شيئين. من ذلك الفَرْق: فرق الشعر. يقال: فرَقْتُه فَرَقاً. ......... والفِرق الفِلْق من الشَّيء إذا انفَلَقَ، قال الله تعالى: فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطّودِ العَظِيم [الشعراء 63]." اهـ
ومعنى الشق واضح في الذهن وفي القرآن ولا يعني أبدا الانفصال النهائي بين الطرفين ونتتبع ذلك في القرآن, فنجد أن "انشق" وردت في القرآن أربعة مرات هي قوله تعالى:
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ [القمر : 1]
فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ [الرحمن : 37]
وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ [الحاقة : 16]
إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ [الانشقاق : 1]
ولا أعتقد أن واحدا من المفسرين فهم الآيات الثلاثة الأخيرات بأن المراد من الانشقاق هو الافتراق! ولكنهم كلهم قاطبة فهموا الآية الأولى على هذا المعنى!
فإذا نحن نظرنا في القرآن في مشتقات "شقق" وجدناها كلها بمعنى التصدع لا الفرق, فعلى سبيل المثال:
ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة : 74]
وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلاً [الفرقان : 25]
َيوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ [قـ : 44]
ُثمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً [عبس : 26]
فهذه الآيات كلها تثبت أن الشق بالمعنى المعروف لا الفرق! إذا فنخرج من هذا كله أن القمر انشق ولم يفرق فتكون الروايات كلها باطلة لمخالفتها اللفظة ولمخالفتها مبنى السورة! أما قولنا أن هذا حدث لنبي سابق فهذا استنتاج منا لأن السورة ذكرت هذا في أول السورة ثم ثنت فقالت: "وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر" فرأينا أن ما ذكر في الآية السابقة هو من الآيات! والآيات لا تؤتى إلا لأنبياء!
أما على فهم السادة المفسرين فالسورة تقول : اقتربت الساعة وانفرق القمر للرسول , ثم تناقض نفسها فتقول: وإن يرى المشركون آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر. فإذا كان الوضع كذلك وهم سيعرضوا فلم قدم الله لهم الآية ولم لم ينزل بهم العذاب؟! ثم ألا يناقض هذا قوله تعالى "وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ [الأنعام : 109]"
فالمؤمنون كانوا يميلون إلى مجيء الآيات الحسية ليؤمن الآخرون فالله يقول لهم: وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون!
إذا فأمامنا فهمان: فهم يقول أن الآية حدثت مخالفة للردود القرآنية الكثيرة الشيعة للآيات! وبعد أن حدثت الآية ولم يؤمن القوم لم ينزل الله بهم العذاب كما أنزله بباقي المكذبين! وفهم يقول أن الآية تذكر مثالا ونموذجا للقوم وتذكرهم بموقفهم المصر على التكذيب ثم تواصل تذكيرهم طيلة السورة بأفعال الأشباه والأشياع وكيف نزل بهم العذاب.
ونواصل السورة ونطلب إلى القارئ أن يرجح مع كل آية أي فهم يستقيم!
"وإن يروا آية يعرضوا" هنا نلاحظ أن الله عزوجل استعمل صيغة المضارعة التي تفيد الدوام والاستمرار, أي أن حالهم إذا رأوا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر! وهذا الآية تتفق مع آية الأنعام " وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون"
وكذلك يفيد المضارع الاستقبال أي أنهم إذا رأوا آية في المستقبل يعرضوا ويقولوا سحر مستمر! (فانظر كيف يستقيم المعنى على قولهم!) إذا فعلى قولنا فالله تعالى يقول: اقتربت الساعة وانشق القمر (ولا يزال هؤلاء مكذبين) وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر! (فلن تجدي معهم أي آية حسية!)
" وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر" فإذا كانوا كذبوا بالقرآن واتبعوا الهوى فما الفارق بين القرآن وبين الآية الحسية؟ فكما فعلوا هنا فسيفعلون هنا!
"ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر" ولقد جاءهم في القرآن –وكذلك في السورة- من أنباء الأقوام المكذبين ما فيه الزجر الكافي! " حكمة بالغة فما تغني النذر" فالقرآن حكمة بالغة! ولا يحتاج المرء بعده إلى إنذار, فإذا لم يكن فيه الكفاية فلن يكون في غيره!
"فتول عنهم " فهذا أمر من الرحمن للرسول بالتولي والإعراض عن المشركين! ولست أدري كيف يصدر هذا الأمر لمن استجاب لطلبهم!
ثم يعرض القرآن موقف هؤلاء المكذبين يوم البعث وكيف أن كل المطالبات تختفي ولا يبقى إلا الخشوع " يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)
"
ثم تخبر السورة الكريمة أن التكذيب لم يكن دأب أو عادة أهل مكة فقط بل كان عادة كل الأقوام قبلهم, وكانت النتيجة الحتمية للتكذيب هي إنزال العذاب بالأقوام المكذبين لا محالة, وتبدأ السورة بعرض أول نموذج للتكذيب في السورة والتاريخ وهو تكذيب قوم نوح لسيدنا نوح, فتقول:
" كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آَيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17) "
فلقد كذبت قوم نوح واتهموه بالجنون فدعا الله أن ينصره على المكذبين فنزل بهم العذاب ونجى الله سيدنا نوح والمؤمنين معه! ثم يختم الله تعالى القصة بالفاصلة التي ستتكرر في كل قصص السورة وهي قوله تعالى " فكيف كان عذابي ونذر" والآية أسلوب تعجب معروف أي كيف كان شدة عذاب الله وكيف كانت عظيمة نذر الله تعالى! ثم يأتي بالمقابل لذلك فيقول: " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر" أي أن القرآن ليس عسيرا ولا شديدا ولكنه ميسر للذكر فهل من مدكر! –وهذه الفاصلة مثل كل السورة تهدم دعواهم بحدوث انفراق القمر, فالآية تقارن دوما بين وجود النذر والتكذيب بها ثم نزول العذاب وتظهر أن القرآن في مقابل هذا سهل يسير وغني كاف! فلو كان هناك أي آية حسية في أول السورة لانهدم بناء السورة كله!
"وقولُه تَعالى : " وانْشَقَّ القَمَرُ " قِيلَ في تَفْسِيره : وَضَحَ الأمرُ نقله الرّاغِبُ." اهـ
ولو كان المعنى الوارد في الروايات محتملا للشق لما أهمله اللغويون! وما جاء في الروايات هو الفرق وهو كما جاء في المقاييس:
" الفاء والراء والقاف أُصَيلٌ صحيحٌ يدلُّ على تمييز وتزييلٍ بين شيئين. من ذلك الفَرْق: فرق الشعر. يقال: فرَقْتُه فَرَقاً. ......... والفِرق الفِلْق من الشَّيء إذا انفَلَقَ، قال الله تعالى: فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطّودِ العَظِيم [الشعراء 63]." اهـ
ومعنى الشق واضح في الذهن وفي القرآن ولا يعني أبدا الانفصال النهائي بين الطرفين ونتتبع ذلك في القرآن, فنجد أن "انشق" وردت في القرآن أربعة مرات هي قوله تعالى:
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ [القمر : 1]
فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ [الرحمن : 37]
وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ [الحاقة : 16]
إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ [الانشقاق : 1]
ولا أعتقد أن واحدا من المفسرين فهم الآيات الثلاثة الأخيرات بأن المراد من الانشقاق هو الافتراق! ولكنهم كلهم قاطبة فهموا الآية الأولى على هذا المعنى!
فإذا نحن نظرنا في القرآن في مشتقات "شقق" وجدناها كلها بمعنى التصدع لا الفرق, فعلى سبيل المثال:
ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة : 74]
وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلاً [الفرقان : 25]
َيوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ [قـ : 44]
ُثمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً [عبس : 26]
فهذه الآيات كلها تثبت أن الشق بالمعنى المعروف لا الفرق! إذا فنخرج من هذا كله أن القمر انشق ولم يفرق فتكون الروايات كلها باطلة لمخالفتها اللفظة ولمخالفتها مبنى السورة! أما قولنا أن هذا حدث لنبي سابق فهذا استنتاج منا لأن السورة ذكرت هذا في أول السورة ثم ثنت فقالت: "وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر" فرأينا أن ما ذكر في الآية السابقة هو من الآيات! والآيات لا تؤتى إلا لأنبياء!
أما على فهم السادة المفسرين فالسورة تقول : اقتربت الساعة وانفرق القمر للرسول , ثم تناقض نفسها فتقول: وإن يرى المشركون آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر. فإذا كان الوضع كذلك وهم سيعرضوا فلم قدم الله لهم الآية ولم لم ينزل بهم العذاب؟! ثم ألا يناقض هذا قوله تعالى "وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ [الأنعام : 109]"
فالمؤمنون كانوا يميلون إلى مجيء الآيات الحسية ليؤمن الآخرون فالله يقول لهم: وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون!
إذا فأمامنا فهمان: فهم يقول أن الآية حدثت مخالفة للردود القرآنية الكثيرة الشيعة للآيات! وبعد أن حدثت الآية ولم يؤمن القوم لم ينزل الله بهم العذاب كما أنزله بباقي المكذبين! وفهم يقول أن الآية تذكر مثالا ونموذجا للقوم وتذكرهم بموقفهم المصر على التكذيب ثم تواصل تذكيرهم طيلة السورة بأفعال الأشباه والأشياع وكيف نزل بهم العذاب.
ونواصل السورة ونطلب إلى القارئ أن يرجح مع كل آية أي فهم يستقيم!
"وإن يروا آية يعرضوا" هنا نلاحظ أن الله عزوجل استعمل صيغة المضارعة التي تفيد الدوام والاستمرار, أي أن حالهم إذا رأوا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر! وهذا الآية تتفق مع آية الأنعام " وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون"
وكذلك يفيد المضارع الاستقبال أي أنهم إذا رأوا آية في المستقبل يعرضوا ويقولوا سحر مستمر! (فانظر كيف يستقيم المعنى على قولهم!) إذا فعلى قولنا فالله تعالى يقول: اقتربت الساعة وانشق القمر (ولا يزال هؤلاء مكذبين) وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر! (فلن تجدي معهم أي آية حسية!)
" وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر" فإذا كانوا كذبوا بالقرآن واتبعوا الهوى فما الفارق بين القرآن وبين الآية الحسية؟ فكما فعلوا هنا فسيفعلون هنا!
"ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر" ولقد جاءهم في القرآن –وكذلك في السورة- من أنباء الأقوام المكذبين ما فيه الزجر الكافي! " حكمة بالغة فما تغني النذر" فالقرآن حكمة بالغة! ولا يحتاج المرء بعده إلى إنذار, فإذا لم يكن فيه الكفاية فلن يكون في غيره!
"فتول عنهم " فهذا أمر من الرحمن للرسول بالتولي والإعراض عن المشركين! ولست أدري كيف يصدر هذا الأمر لمن استجاب لطلبهم!
ثم يعرض القرآن موقف هؤلاء المكذبين يوم البعث وكيف أن كل المطالبات تختفي ولا يبقى إلا الخشوع " يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)
"
ثم تخبر السورة الكريمة أن التكذيب لم يكن دأب أو عادة أهل مكة فقط بل كان عادة كل الأقوام قبلهم, وكانت النتيجة الحتمية للتكذيب هي إنزال العذاب بالأقوام المكذبين لا محالة, وتبدأ السورة بعرض أول نموذج للتكذيب في السورة والتاريخ وهو تكذيب قوم نوح لسيدنا نوح, فتقول:
" كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آَيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17) "
فلقد كذبت قوم نوح واتهموه بالجنون فدعا الله أن ينصره على المكذبين فنزل بهم العذاب ونجى الله سيدنا نوح والمؤمنين معه! ثم يختم الله تعالى القصة بالفاصلة التي ستتكرر في كل قصص السورة وهي قوله تعالى " فكيف كان عذابي ونذر" والآية أسلوب تعجب معروف أي كيف كان شدة عذاب الله وكيف كانت عظيمة نذر الله تعالى! ثم يأتي بالمقابل لذلك فيقول: " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر" أي أن القرآن ليس عسيرا ولا شديدا ولكنه ميسر للذكر فهل من مدكر! –وهذه الفاصلة مثل كل السورة تهدم دعواهم بحدوث انفراق القمر, فالآية تقارن دوما بين وجود النذر والتكذيب بها ثم نزول العذاب وتظهر أن القرآن في مقابل هذا سهل يسير وغني كاف! فلو كان هناك أي آية حسية في أول السورة لانهدم بناء السورة كله!
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
رد: رؤية أصولية جديدة تنفي حادثة انشقاق القمر الواردة في الصحاح
ثم تذكر نموذجا آخر وهو نموذج عاد قوم هود, حيث كذبوا فجاءهم العذاب! أي أن العذاب ينزل بسبب التكذيب:
"كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22)"
ثم تختم بالمقابل بأن القرآن سهل ميسر فهل من مدكر!
ثم يذكر قصة أخرى وهي قصة ثمود قوم صالح:
" كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24) أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28) فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32) "
وكما بدأت قصة قوم نوح وقوم هود ب "كذبت" تبدأ كذلك قصة قوم صالح ب "كذبت" حيث أنهم كذبوا بالآية الحسية التي أتت إليهم فكان عاقبتهم الهلاك!
ثم تقص السورة قصة أخرى وهي قصة قوم لوط والتي تبدأ كذلك ب "كذبت"
" كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36) وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (39) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (40) "
فقوم لوط كذبوا فنزل بهم العذاب ثم تذكير بأن القرآن ميسر للذكر فهل من مدكر!
ثم تصل السورة إلى القصة الأخيرة وهي قصة آل فرعون فتقول:
"وَلَقَدْ جَاءَ آَلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ "
ونلاحظ هنا اختلاف الحكاية فلقد بدأت بالتذكير بأن النذر جاءت آل فرعون ثم حدث التذكير! ونلاحظ هذا الاختلاف لاختلاف الحال مع آل فرعون فلقد أوتي سيدنا موسى مع الكتاب الكامل –لاحظ أن القرآن لا يصف كتابا ب "الكتاب" إلا كتاب موسى وكتاب محمد فقط!- كثيرا من النذر مثل الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات! وكانت كل آية هي أكبر من أختها وعلى الرغم من ذلك كذبوا! فأخذهم الله عزوجل أخذ عزيز مقتدر! فلكي يشعر النص القارئ بعظمة هذه الآيات قدمها ثم ذكر بعد ذلك أن التكذيب حدث على الرغم من عظمة الآيات! وأخذهم الله أخذ عزة!
ثم ينتقل الخطاب إلى أهل مكة أو إلى المكذبين عامة في كل زمان ومكان فيقول:
"(42) أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (46) "
أي هل تظنون أنكم أفضل من هؤلاء؟ أم أن لكم براءة في الكتب السابقة؟ بداهة لا أنتم مثلهم أو أقل! فكما حدث لهم سيحدث لكم, فلقد كذبوا فنزل بهم العذاب وأنتم أيضا إذا كذبتم سينزل بكم العذاب في الدنيا! (والملاحظ أن السادة المفسرين يقولون أن أهل مكة كذبوا ولم ينزل بهم العذاب ولم يحدث لهم أي شيء , مع أنه من المفترض طبقا لهذه الآيات أن ينزل بهم العذاب في الدنيا ويكون موعدهم الساعة والساعة أدهى وأمر! فعلى قول السادة المفسرين فكفار مكة أفضل من أي كفار آخرين, فلقد كذبوا ولم يعذبوا! وتوعدهم الله في السورة ولم يحدث لهم شيء, فيبدوا –على أقوال المفسرين- أن وعيد الله قد تخلف!)
ثم تختم السورة بقوله تعالى واصفا حال المشركين في الآخرة, فيقول:
"إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) "
ثم يخاطب المشركين موضحا أن كل شيء مخلوق في هذا الكون بأمر الله تعالى مخلوق بنظام معين فليس الأمر فوضى أو تخبط, وكيف أن الله تعالى إذا أراد أن ينزل بهم العذاب في أي وقت فسينزله بوسائله كم أهلك أشياع الكفار السابقين فيقول: "
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53)
ثم يختم السورة موضحا مآل المتقين في الآخرة فيقول: " إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)"
إذا وكما رأينا عزيزي القارئ فإن السورة كلها تدور في فلك قوله تعالى " "وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً [الإسراء : 59]"
فهي توضح للمشركين كيف أنهم سيكذبوا مهما جاءهم من البينات وكيف أن هذا التكذيب مآله إلى الخسران في الدنيا والآخرة ثم تذكرهم بأن مطلبهم مطلب يورث العذاب والخسران وأن الله الرحيم قدم لهم بدلا من ذلك القرآن العظيم الميسر! وتذكر السورة نماذج لمن كذب بالنذر وكيف أن الله أهلهكم وكيف أن هذا القانون يسري على المشركين المكذبين ثم توضح لهم أن المتقين في مقعد صدق لأنهم صدقوا ولم يكذبوا كما كذب الكفار!
فانظر أخي في الله كيف أن المعنى يستقيم ويتسق على ما قلنا أما على قولهم فإن مؤد إلى التكذيب بقوله تعالى " أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر" بخلاف باقي التناقضات مع السورة من أولها إلى آخرها!
أما بخصوص الروايات فهي روايات متناقضة فمنها من يقول أن القمر انشق للمسلمين وقال الرسول لهم : اشهدوا! فيفهم من هذا أن الانفراق كان بعد السورة وأراد الرسول الكريم أن يشهدهم إياه! ونحن نسأل: لم ينشق القمر للمسلمين! وأين كان المشركون ؟ وعلى هذا القول نفهم أن ما حدث كان حدثا طبيعيا خارقا ولم يكن آية حسية للرسول!
وهناك رواية تقول أن القمر انفرق مرتين! تصور مرتين ولا ينزل العذاب! حقا لقد كان كفار قريش أفضل حظا من أي كفار آخرين!
وهناك من يقول أن القمر انفرق –ولم ينشق- استجابة لطلب المشركين! ولست أدي هل نأخذ بالروايات السابقة أم بهذه؟ ونترك الآيات القرآنية الشيعة لطلب المشركين للآيات والحاثة على الإيمان بالقرآن فقط؟
لذا فإما أن تأخذ بالروايات وتهدم السورة أو تأخذ ما قلناه وترد الروايات لمعارضتها البينة للقرآن!
غفر الله لنا ولكم وهدانا إلى ما فيه خير الصواب!
"كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22)"
ثم تختم بالمقابل بأن القرآن سهل ميسر فهل من مدكر!
ثم يذكر قصة أخرى وهي قصة ثمود قوم صالح:
" كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24) أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28) فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32) "
وكما بدأت قصة قوم نوح وقوم هود ب "كذبت" تبدأ كذلك قصة قوم صالح ب "كذبت" حيث أنهم كذبوا بالآية الحسية التي أتت إليهم فكان عاقبتهم الهلاك!
ثم تقص السورة قصة أخرى وهي قصة قوم لوط والتي تبدأ كذلك ب "كذبت"
" كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36) وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (39) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (40) "
فقوم لوط كذبوا فنزل بهم العذاب ثم تذكير بأن القرآن ميسر للذكر فهل من مدكر!
ثم تصل السورة إلى القصة الأخيرة وهي قصة آل فرعون فتقول:
"وَلَقَدْ جَاءَ آَلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ "
ونلاحظ هنا اختلاف الحكاية فلقد بدأت بالتذكير بأن النذر جاءت آل فرعون ثم حدث التذكير! ونلاحظ هذا الاختلاف لاختلاف الحال مع آل فرعون فلقد أوتي سيدنا موسى مع الكتاب الكامل –لاحظ أن القرآن لا يصف كتابا ب "الكتاب" إلا كتاب موسى وكتاب محمد فقط!- كثيرا من النذر مثل الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات! وكانت كل آية هي أكبر من أختها وعلى الرغم من ذلك كذبوا! فأخذهم الله عزوجل أخذ عزيز مقتدر! فلكي يشعر النص القارئ بعظمة هذه الآيات قدمها ثم ذكر بعد ذلك أن التكذيب حدث على الرغم من عظمة الآيات! وأخذهم الله أخذ عزة!
ثم ينتقل الخطاب إلى أهل مكة أو إلى المكذبين عامة في كل زمان ومكان فيقول:
"(42) أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (46) "
أي هل تظنون أنكم أفضل من هؤلاء؟ أم أن لكم براءة في الكتب السابقة؟ بداهة لا أنتم مثلهم أو أقل! فكما حدث لهم سيحدث لكم, فلقد كذبوا فنزل بهم العذاب وأنتم أيضا إذا كذبتم سينزل بكم العذاب في الدنيا! (والملاحظ أن السادة المفسرين يقولون أن أهل مكة كذبوا ولم ينزل بهم العذاب ولم يحدث لهم أي شيء , مع أنه من المفترض طبقا لهذه الآيات أن ينزل بهم العذاب في الدنيا ويكون موعدهم الساعة والساعة أدهى وأمر! فعلى قول السادة المفسرين فكفار مكة أفضل من أي كفار آخرين, فلقد كذبوا ولم يعذبوا! وتوعدهم الله في السورة ولم يحدث لهم شيء, فيبدوا –على أقوال المفسرين- أن وعيد الله قد تخلف!)
ثم تختم السورة بقوله تعالى واصفا حال المشركين في الآخرة, فيقول:
"إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) "
ثم يخاطب المشركين موضحا أن كل شيء مخلوق في هذا الكون بأمر الله تعالى مخلوق بنظام معين فليس الأمر فوضى أو تخبط, وكيف أن الله تعالى إذا أراد أن ينزل بهم العذاب في أي وقت فسينزله بوسائله كم أهلك أشياع الكفار السابقين فيقول: "
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53)
ثم يختم السورة موضحا مآل المتقين في الآخرة فيقول: " إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)"
إذا وكما رأينا عزيزي القارئ فإن السورة كلها تدور في فلك قوله تعالى " "وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً [الإسراء : 59]"
فهي توضح للمشركين كيف أنهم سيكذبوا مهما جاءهم من البينات وكيف أن هذا التكذيب مآله إلى الخسران في الدنيا والآخرة ثم تذكرهم بأن مطلبهم مطلب يورث العذاب والخسران وأن الله الرحيم قدم لهم بدلا من ذلك القرآن العظيم الميسر! وتذكر السورة نماذج لمن كذب بالنذر وكيف أن الله أهلهكم وكيف أن هذا القانون يسري على المشركين المكذبين ثم توضح لهم أن المتقين في مقعد صدق لأنهم صدقوا ولم يكذبوا كما كذب الكفار!
فانظر أخي في الله كيف أن المعنى يستقيم ويتسق على ما قلنا أما على قولهم فإن مؤد إلى التكذيب بقوله تعالى " أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر" بخلاف باقي التناقضات مع السورة من أولها إلى آخرها!
أما بخصوص الروايات فهي روايات متناقضة فمنها من يقول أن القمر انشق للمسلمين وقال الرسول لهم : اشهدوا! فيفهم من هذا أن الانفراق كان بعد السورة وأراد الرسول الكريم أن يشهدهم إياه! ونحن نسأل: لم ينشق القمر للمسلمين! وأين كان المشركون ؟ وعلى هذا القول نفهم أن ما حدث كان حدثا طبيعيا خارقا ولم يكن آية حسية للرسول!
وهناك رواية تقول أن القمر انفرق مرتين! تصور مرتين ولا ينزل العذاب! حقا لقد كان كفار قريش أفضل حظا من أي كفار آخرين!
وهناك من يقول أن القمر انفرق –ولم ينشق- استجابة لطلب المشركين! ولست أدي هل نأخذ بالروايات السابقة أم بهذه؟ ونترك الآيات القرآنية الشيعة لطلب المشركين للآيات والحاثة على الإيمان بالقرآن فقط؟
لذا فإما أن تأخذ بالروايات وتهدم السورة أو تأخذ ما قلناه وترد الروايات لمعارضتها البينة للقرآن!
غفر الله لنا ولكم وهدانا إلى ما فيه خير الصواب!
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
رد: رؤية أصولية جديدة تنفي حادثة انشقاق القمر الواردة في الصحاح
وهذا بحث آخر مفصل للشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-يرد فيه أي أثر يحكي انشقاق القمر، البحث طويل موجود في زهاء 30 صفحة ولكننا سنضع موضع الشاهد فقط، ومن يريد التأكد فليعد إلى فتاوى الشيخ رشيد رضا الجزء الرابع:
الروايات في انشقاق القمر وعللها :
زعم بعض العلماء المتقدّمين أن روايات انشقاق القمر متواترة عن جمع من الصحابة والتابعين، وهذا غير صحيح فقد روي الحديث عن ابن مسعود وابن عباس وأنس وابن عمر وجبير بن مطعم .. ولكن الوحيد الذي يروي عن مشاهدة هو ابن مسعود، أما البقيّة فإن رواياتهم مرسلة .. لأن الحادثة وقعت في مكة قبل الهجرة بخمس سنين، ولم يولد ابن عباس بعد، أما انس فكان وقتها في المدينة ابن خمس سنين ..
اختلاف المتون في هذه الأحاديث :
هناك اختلافات في الروايات لايمكن التوفيق بينها، وقد تكلّف شرّاح الأحاديث (مثل ابن حجر في فتح الباري) الجمع بينها، ولكن لاتزال الإشكالات القائمة وأجوبة الشارحين مردودة ...
فبعض الروايات تقول إن الإنشقاق كان بمكة وبعضها أنه في منى، وأن القمر انشق فلقتين، فلقة على جبل أبو قبيس وفلقة على السويداء، وهي ناحية عندها جبال، وهناك رواية ذكرت جبل حراء .. ولكن الإشكال أن الواقف بمنى لايمكن أن يرى جبل أبوقبيس من مكانه ولا حراء .. والأغرب من ذلك أن القمر يكون من جهة الشرق للواقف في منى أما جبل أبوقبيس فيكون على الغرب منه، لأنه في مكة ومطلّ على المسجد الحرام ...
استشكال الرواية بعدم تواترها وبخفائها على جميع الأقطار :
ذكر الأصوليّون أن مما يُقطَع بكذبه ذلك الخبر الذي لو كان صحيحا لنُقِل بالتواتر لتوافر الدواعي على نقله .. وخبر انشقاق القمر أعجوبة كبرى خارقة لنظام الطبيعة ومعجزة باهرة لإثبات النبوّة .. فمن الغريب ألا تتواتر رواياتها، ولايرويها عن مشاهدة إلا ابن مسعود وحده .. والمفترض أن يرويها جميع من شاهدها من أصحاب النبي، وخاصة قدماء الصحابة وكبارهم الذين لا يكادون يفارقوه، بل لرواها أهل الأرض كلهم ..
وقد حاول المدافعون ومنهم ابن حجر الجواب على ذلك بأن الحادث وقع ليلا وأكثر الناس نيام والأبواب مغلقة وقل من يرصد السماء إلا نادرا ... ولكن وقوعه ليلا والناس نيام لاينافي نقله بالتواتر، إذ لابدّ أن يكون رآه عدد يحصل بهم نقل التواتر، وحسب الروايات فإن الحادثة كانت بمنى ليالي التشريق والناس مجتمعة، ثم إن من عادة الناس في جميع البلاد وخاصة في الأماكن الخلوية كمنى وفي الليالي البيض والقمر بدر يطلع من أول الليل أن يكثروا من النظر له والتمتع برؤيته .. وأخيرا فإن المقارنة بين الكسوف والخسوف وإنشقاق القمر غير سليمة، لأن الكسوف حادثة طبيعية يمكن للفلكيين تحديد زمانها ومكان رؤيتها كليّا أو جزئيا وتوقيت نهايتها، أما انشقاق القمر فلقتين ثم التحامه مرّة أخرى فهو خرق للنظام الطبيعي ..
وقال المدافعون إن القمر انشق ثم التحم في مقدار لمح البصر .. كما نُقِل عن ابن تيمية أن بعض المسافرين قال إنه رأى في بلاد الهند بناءً قديما مكتوب عليه أنه بُنِي ليلة انشق القمر، ونشرت بعض الكتب والجرائد في العصر الحديث أن هذا شوهد في بلاد الصين أيضا ...
ولكن الله تعالى إذا أراد أن يؤيّد رسوله بآية كونية عظيمة كهذه تكون حجّة له على الناس فإنه لايجعلها كطرفة عين يراها أفراد قليلون في آخر الليل، وقد ران الكرى على أجفانهم، بحيث يُعذَرون في اتهام أبصارهم بهذه الرؤية مثلما جاء في بعض الروايات ..
أما ما يرويه ابن تيمية وأمثاله فهو خبرٌ غريب عن مسافر مجهول لايعدّة أهل العلم حجّة في مسألة علمية، لعدم الثقة بعدالته أولا، ولأنه يروي مالو صحّ لوقف عليه المسلمون الفاتحون للهند، ولجعلوا لذلك البناء شأنا يُشتَهر به ويزار، ولدوِّن خبره في كتب التاريخ .. ولم يحدث شيٌٌ من ذلك، وحتى لو كان لهذا الخبر أصل فلاعلاقة له بموضوعنا، لجواز أن يكون سببه أسطورة أو إشاعة حدثت عند الذين بنوه، وربما كانوا وثنيّين ...
الإشكال الفلكي :
من مقرّرات علم الفلك القديم وأقوال الفلاسفة اليونان أن الأجرام السماوية العلوية لايتهيّأ فيها الخرق والإلتئام .. ولكن تلك المقررات تجاوزها العلم الحديث، فضلا عن أن القمر مخلوق لله يفعل به ما يشاء .. فلا إشكال في انشقاق القمر ..
ولايشك مؤمن في قدرة الله، ولكن الله وضع للكون نظاما في غاية الإبداع لاتفاوت فيه ولا خلل، وأن سنة الله في الخلق لاتتبدّل ولا تتحول .. " الشمس والقمر بحسبان " فلا يُصدَّ ق خبر وقوع تغيّر فيها إلا بخبر قطعي ثابت مثل ثبوتها وثباتها، كآيات الرسل التي أخبر الله بها ..
الإشكال الأصولي الأعظم :
ثبت بآيات القرآن الكريم المُحكَمة الكثيرة القطعية الدلالة أن القرآن فحسب هو آية الله تعالى وحجّته على صحّة نبوة محمد خاتم رسله، التي تحدّى بها الكفار ولم يحتجّ عليهم بغيرها .. وأن الأيات الكونية بيد الله وحده، وأن النبيّ بشرٌ لايستطيع شيئا مما لايستطيعه البشر، وأنه مجرّد هادٍ وبشير ونذير ومبلّغ للرسالة ..
ومن الأمثلة والبراهين على ذلك من كتاب الله قوله تعالى :" ويقولون لولا أُنزل عليه آيةٌ من ربّه، قل إنما الغيب لله فانتظروا فإني معكم من المنتظرين " ( يونس/20) ، وقوله تعالى :" ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آيةٌ من ربّه، إنما أنت منذرٌ ولكل قومٍ هاد " (الرعد / 8) ، ويقول تعالى :" ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آيةٌ من ربّه، قل إن الله يضلّ من يشاء ويهدي إليه من أناب " ( الرعد / 28 ) ، وفي سورة العنكبوت آية 50 :" وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربّه، قل إنما الآيات عند الله، وإنما أنا نذير مبين " ، وفي سورة طه آية 133 :" وقالوا لولا يأتينا بآية من ربّه، أولم تأتهم بيّنة مافي الصحف الأولى " ... وفي سورة الإسراء آية 60 :" ومامنعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذّب بها الأوّلون، وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا " أي أن الأوّلون كذبوا فأبادهم الله وقد أرسل الله محمدا رحمة للعالمين ولم يأتِ بعذاب الاستئصال للمكذّبين .. وفي سورة الأنعام آية 37 :" وقالوا لولا نزّل عليه آية من ربّه، قل إن الله قادرٌ على أن ينزل آيه ولكن أكثرهم لايعلمون " ، وفي نفس السورة :" وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها، قل إنما الآيات عند الله ومايشعركم أنها إذا جاءت لايؤمنون، ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرّة، ونذرهم في طغيانهم يعمهون، ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قُبُلا ماكانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله، ولكن أكثرهم يجهلون " ...
والأحاديث الواردة في انشقاق القمر لم يصحّ منها شيءٌ يثبت أن هذا الإنشقاق كان إجابة لطلب الكفار واقتراحهم، وحديث عبدالله بن مسعود الشاهد الوحيد ليس فيه أنه كان جوابا على تحدّي المشركين .. ولكن رُوي هذا التحدّي في حديث أنس، وهو لم يشاهد الحادثة وحديثه مرسل، وكان طفلا وقتها في الخامسة في المدينة، كما روي هذا التحدّي أيضا في حديث لابن عباس، ولكن الحديث ضعيف الإسناد وفي رواته مدلّس وكذاب .. فكيف وتلك الروايات مخالفة في نفيه لنزول تلك الآيات الحسيّة ..
وثبت أيضا أن الأمم الغابرة التي تقترح المعجزات على أنبيائها، ثم لم تؤمن بعد مجيئها واستمرّت في كفرها وجحودها، فإن الله يعاقبها بعذاب الاستئصال والإهلاك .. ولكن لما كان خاتم النبيّين قد أُرسِل رحمة للعالمين كان تعذيب قومه بعذاب الاستئصال منافيا لهذه الرحمة، سواء اختص العذاب بمشركي قريش أو العرب عامة، فقد اقتضت حكمة الله أن يحمل العرب هذا الدين وينشروا مبادئه وأركانه ويكونوا هذاة ودعاة له بين الأمم :" ولو نزلناه على بعض الأعجمين، فقرأه عليهم ماكانوا به مؤمنين " ( الشعراء / 198 ) .. والقرآن معجزة عقلية تلائم الرسالة الخاتمة كونها باقية أبد الدهر، بخلاف المعجزات الحسية الموقوتة بزمان معيّن، وليست حجّة إلا لمن شاهدها، وتقبل التشكيك والمماراة ..
الخلاصة الأصولية لأحاديث انشقاق القمر :
خلاصة القول في أحاديث انشقاق القمر :
1- أنها آحادية لا متواترة.
2- وأنها متعارضة مختلفة، لامتفقة مؤتلفة.
3- وانه ليس فيها حديث مرفوع إلى النبيّ كالأحاديث الناطقة بخصائصه.
4- وأنه ليس في الصحيحين منها إلا حديث واحد مسند إلى من صرّح بأنه رأى ذلك، وفيه من الاختلاف ما أشرنا له، ولكن ليس فيه أن انشقاقه كان بطلب من كفار مكّة.
5- وأن حديث أنس الذي صرّح فيه بذلك مرسل، الأصل في المرسل أنه من المردود غير المقبول، على تفصيل مشهور، والروايات عن قتادة بالعنعنة، وهو مدلّس على جلالة قدره .. ويحتمل أن يكون سمع هو أو أنس عن غير ثقة ..
6- تلك الأحاديث تعارض نصّ القرآن، وسنة الله في الرسل، والحديث المروي عن رسول الله بحصر آية نبوّته في القرآن :" ما من الأنبياء نبي إلا أُعطِي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان ما أوتيته وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة " (رواه الشيخان والنسائي)
والغاية من هذا التحقيق هو حصر آية النبوة المحمّدية في الوحي القرآني فقط طبقا للدلائل القطعية من الآيات الكثيرة، وليس المقصود الطعن في صدق أنس ولا قتادة، لما ذكرنا من الاحتمال، بل لو وُجِد حديث صحيح السند مرفوعٌ إلى النبي لكانت نصوص القرآن مقدّمة عليه عند عدم إمكان الجمع بينهما، وكان هذا دليلا على أنه موضوع في الواقع، وإن عدّلوا رجال سنده في الواقع .. فلا يوجد حديث صحيح يخالف القرآن، والقرآن فوق كل شيْ ولا يحتاج لدفاع، وكل ما خالفه هو باطل قطعا، ولكن غرضنا الدفاع عن أنس وقتادة ثم عمن روى عنهما ما ذكر وسكت عليه، ولا يهمّنا بعد هذا أمر من قبل الرواية واحتجّ بها وجعلها من دلائل النبوّة، لغفلتهم عن هذه الحقائق القطعية .
تفسير الآية " اقتربت الساعة وانشق القمر " :
اعتنى المفسّرون وشرّاح الأحاديث بتصحيح الروايات في انشقاق القمر لسببين : أحدهما تكثير دلائل النبوّة بالمعجزات الكونية، وثانيهما تفسير آية " اقتربت الساعة وانشق القمر" في بداية سورة القمر .. وكان ذلك على حساب الفهم والرأي والعلم باللغة .. فما هو التفسير الصحيح للآية حسب نصوص اللغة ؟؟
جاء في لسان العرب " انشق الصبح وانشق البرق، بمعنى طلع، وبمعنى استطار نوره وانتشر في الأفق "، فعلى هذا يقال انشق القمر بمعنى طلع وانتشر نوره، ويكون في الآية بمعنى ظهر الحق ووضح كالقمر يشق الظلام بطلوعه ليلة البدر .. وقال الراغب في مفردات القرآن :" وانشق القمر قيل انشقاقه في زمن النبيّ عليه السلام، وقيل هو انشقاق يعرض فيه حين تقرب القيامة، وقيل معناه وضح الأمر " وهذا الأخير هو المتبادر من الآية بنصّ اللغة ومعونة السياق ..
وقد زعم الألوسي المفسّر وغيره أن قوله تعالى :" وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحرٌ مستمر " حجّة على أن المراد بالآية انشقاق القمر، ولو كان كذلك لقال : فأعرضوا وقالوا سحر مستمر .. فالشرط في الآية للاستقبال أو لبيان الشان .. والآية معناها إما الآيات الكونية الدالة على وجود الله ووحدانيته وقدرته، وإما الآيات الموحى بها في القرآن الكريم .. وقد قال المشركون عن القرآن بأنه سحرٌ يؤثر وسحرٌ مبين ..
وإنك لترى أوائل سورة الأنبياء بمعنى أوائل سورة القمر :" اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون، ما يأتيهم من ذكرٍ من ربّهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون، لاهية قلوبهم وأسرّوا النجوى الذين ظلموا : هل هذا إلا نشرٌ مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون "
مسألة الثقة بالروايات وتأييد الإسلام بها :
إن العلماء الذين تساهلوا بقبول روايات انشقاق القمر وجعلها آية كونية حسيّة وحجة على كفار قريش عندما اقترحوها، وتمحّلوا في الأجوبة على الاعتراضات العقلية الأصولية عليها وجاءوا بما لايقبله العاقل المستقل إنما حملهم على ذلك حب تكثير المعجزات النبويّة كما قلنا وتفنيد منكريها .. ولأن العامة تفهم من إعجازها ما لاتفهم من إعجاز القرآن .. أما الآن فقد تغيّر العصر واستنار العقل، ورُفِض التقليد واستقل الفكر، وصارت تلك الروايات تعدّ طعنا في علم المسلمين وعلمائهم، ويُخشَى أن تعدّ طعنا في الإسلام نفسه .. والحق أنها ليست من أصول الإسلام ولا من فروعه .. والآيه في سورة القمر ليست قطعية الدلالة على صيرورة القمر فلقتين منفصلة إحداهما عن الأخرى .. وما كان ليخطر لأحد تفسيرها بذلك لولا ذلك الحديث المنقوض بنصّ القرآن ..
ومن الدفاع عن الإسلام وعلماء المسلمين بحق أن يقال لهؤلاء المستقلّين في الفكر إن الإسلام لايكلّفكم أن تؤمنوا برواية انفرد بها قتادة المدلّس عن أنس في خبر قد عُلِم باليقين أنه لم يحدّث فيه عن رؤية ومشاهدة، بل عن سماع عن مجهول يجوز أن يكون كاذبا، ولا يكلّفكم الإسلام أن تؤمنوا أن الأصل في مرسل الصحابي أن يكون مقبولا، لأن هذا إنما يكون عند قائليه فيما لا اعتراض ولاعلة في متنه ولا شذوذ، وحديث أنس خالف جميع الروايات في غيره، بل الإسلام ينهاكم أن تقبلوا حديث أي إنسان صحابي أو غيره يخالف نصّ القرآن وسنن الله في الأكوان .
ومن اطمأنت نفسه من المسلمين بقبول سائر تلك الروايات على علاتها، وكان ممن يرى مخالفة النقل القطعي والعقل أهون من مخالفة زيد وعمر، وصدّق عقله أن تقع هذه الآية ولا يحدّث أحد من الخلفاء الراشدين ولاغيرهم من قدماء الصحابة برؤيتها والاحتجاج بها فضلا عن تواترها فليس له أن يجعلها من عقائد الإسلام وينفّر مستقلّي الفكر ومتبعي الدليل من المسلمين وغير المسلمين منه
أما مسألة الثقة بتلك الروايات على كثرتها، فإن كثرتها إلى قلّة، بعد ما رأينا من اضطراب أسانيدها متونها وعللها، وتحقيق الحق مقدّم على توثيق الرواة وتقليد العلماء، ثم إن جملة الروايات تدلّ على أن بعض الصحابة وبعض الكفار رأوا القمر قد انشقّ فصار فرقتين في لحظة من الزمان، ولا ضرر في تصديق ذلك مهما يكن سببه، وإنما الضرر أن يجعلوه آية مقترحة جعلها الله حجّة على صحة نبوّة رسوله، وأنه يجب على كل مسلم وكافر يريد الإسلام أن يؤمن بذلك .
الروايات في انشقاق القمر وعللها :
زعم بعض العلماء المتقدّمين أن روايات انشقاق القمر متواترة عن جمع من الصحابة والتابعين، وهذا غير صحيح فقد روي الحديث عن ابن مسعود وابن عباس وأنس وابن عمر وجبير بن مطعم .. ولكن الوحيد الذي يروي عن مشاهدة هو ابن مسعود، أما البقيّة فإن رواياتهم مرسلة .. لأن الحادثة وقعت في مكة قبل الهجرة بخمس سنين، ولم يولد ابن عباس بعد، أما انس فكان وقتها في المدينة ابن خمس سنين ..
اختلاف المتون في هذه الأحاديث :
هناك اختلافات في الروايات لايمكن التوفيق بينها، وقد تكلّف شرّاح الأحاديث (مثل ابن حجر في فتح الباري) الجمع بينها، ولكن لاتزال الإشكالات القائمة وأجوبة الشارحين مردودة ...
فبعض الروايات تقول إن الإنشقاق كان بمكة وبعضها أنه في منى، وأن القمر انشق فلقتين، فلقة على جبل أبو قبيس وفلقة على السويداء، وهي ناحية عندها جبال، وهناك رواية ذكرت جبل حراء .. ولكن الإشكال أن الواقف بمنى لايمكن أن يرى جبل أبوقبيس من مكانه ولا حراء .. والأغرب من ذلك أن القمر يكون من جهة الشرق للواقف في منى أما جبل أبوقبيس فيكون على الغرب منه، لأنه في مكة ومطلّ على المسجد الحرام ...
استشكال الرواية بعدم تواترها وبخفائها على جميع الأقطار :
ذكر الأصوليّون أن مما يُقطَع بكذبه ذلك الخبر الذي لو كان صحيحا لنُقِل بالتواتر لتوافر الدواعي على نقله .. وخبر انشقاق القمر أعجوبة كبرى خارقة لنظام الطبيعة ومعجزة باهرة لإثبات النبوّة .. فمن الغريب ألا تتواتر رواياتها، ولايرويها عن مشاهدة إلا ابن مسعود وحده .. والمفترض أن يرويها جميع من شاهدها من أصحاب النبي، وخاصة قدماء الصحابة وكبارهم الذين لا يكادون يفارقوه، بل لرواها أهل الأرض كلهم ..
وقد حاول المدافعون ومنهم ابن حجر الجواب على ذلك بأن الحادث وقع ليلا وأكثر الناس نيام والأبواب مغلقة وقل من يرصد السماء إلا نادرا ... ولكن وقوعه ليلا والناس نيام لاينافي نقله بالتواتر، إذ لابدّ أن يكون رآه عدد يحصل بهم نقل التواتر، وحسب الروايات فإن الحادثة كانت بمنى ليالي التشريق والناس مجتمعة، ثم إن من عادة الناس في جميع البلاد وخاصة في الأماكن الخلوية كمنى وفي الليالي البيض والقمر بدر يطلع من أول الليل أن يكثروا من النظر له والتمتع برؤيته .. وأخيرا فإن المقارنة بين الكسوف والخسوف وإنشقاق القمر غير سليمة، لأن الكسوف حادثة طبيعية يمكن للفلكيين تحديد زمانها ومكان رؤيتها كليّا أو جزئيا وتوقيت نهايتها، أما انشقاق القمر فلقتين ثم التحامه مرّة أخرى فهو خرق للنظام الطبيعي ..
وقال المدافعون إن القمر انشق ثم التحم في مقدار لمح البصر .. كما نُقِل عن ابن تيمية أن بعض المسافرين قال إنه رأى في بلاد الهند بناءً قديما مكتوب عليه أنه بُنِي ليلة انشق القمر، ونشرت بعض الكتب والجرائد في العصر الحديث أن هذا شوهد في بلاد الصين أيضا ...
ولكن الله تعالى إذا أراد أن يؤيّد رسوله بآية كونية عظيمة كهذه تكون حجّة له على الناس فإنه لايجعلها كطرفة عين يراها أفراد قليلون في آخر الليل، وقد ران الكرى على أجفانهم، بحيث يُعذَرون في اتهام أبصارهم بهذه الرؤية مثلما جاء في بعض الروايات ..
أما ما يرويه ابن تيمية وأمثاله فهو خبرٌ غريب عن مسافر مجهول لايعدّة أهل العلم حجّة في مسألة علمية، لعدم الثقة بعدالته أولا، ولأنه يروي مالو صحّ لوقف عليه المسلمون الفاتحون للهند، ولجعلوا لذلك البناء شأنا يُشتَهر به ويزار، ولدوِّن خبره في كتب التاريخ .. ولم يحدث شيٌٌ من ذلك، وحتى لو كان لهذا الخبر أصل فلاعلاقة له بموضوعنا، لجواز أن يكون سببه أسطورة أو إشاعة حدثت عند الذين بنوه، وربما كانوا وثنيّين ...
الإشكال الفلكي :
من مقرّرات علم الفلك القديم وأقوال الفلاسفة اليونان أن الأجرام السماوية العلوية لايتهيّأ فيها الخرق والإلتئام .. ولكن تلك المقررات تجاوزها العلم الحديث، فضلا عن أن القمر مخلوق لله يفعل به ما يشاء .. فلا إشكال في انشقاق القمر ..
ولايشك مؤمن في قدرة الله، ولكن الله وضع للكون نظاما في غاية الإبداع لاتفاوت فيه ولا خلل، وأن سنة الله في الخلق لاتتبدّل ولا تتحول .. " الشمس والقمر بحسبان " فلا يُصدَّ ق خبر وقوع تغيّر فيها إلا بخبر قطعي ثابت مثل ثبوتها وثباتها، كآيات الرسل التي أخبر الله بها ..
الإشكال الأصولي الأعظم :
ثبت بآيات القرآن الكريم المُحكَمة الكثيرة القطعية الدلالة أن القرآن فحسب هو آية الله تعالى وحجّته على صحّة نبوة محمد خاتم رسله، التي تحدّى بها الكفار ولم يحتجّ عليهم بغيرها .. وأن الأيات الكونية بيد الله وحده، وأن النبيّ بشرٌ لايستطيع شيئا مما لايستطيعه البشر، وأنه مجرّد هادٍ وبشير ونذير ومبلّغ للرسالة ..
ومن الأمثلة والبراهين على ذلك من كتاب الله قوله تعالى :" ويقولون لولا أُنزل عليه آيةٌ من ربّه، قل إنما الغيب لله فانتظروا فإني معكم من المنتظرين " ( يونس/20) ، وقوله تعالى :" ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آيةٌ من ربّه، إنما أنت منذرٌ ولكل قومٍ هاد " (الرعد / 8) ، ويقول تعالى :" ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آيةٌ من ربّه، قل إن الله يضلّ من يشاء ويهدي إليه من أناب " ( الرعد / 28 ) ، وفي سورة العنكبوت آية 50 :" وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربّه، قل إنما الآيات عند الله، وإنما أنا نذير مبين " ، وفي سورة طه آية 133 :" وقالوا لولا يأتينا بآية من ربّه، أولم تأتهم بيّنة مافي الصحف الأولى " ... وفي سورة الإسراء آية 60 :" ومامنعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذّب بها الأوّلون، وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا " أي أن الأوّلون كذبوا فأبادهم الله وقد أرسل الله محمدا رحمة للعالمين ولم يأتِ بعذاب الاستئصال للمكذّبين .. وفي سورة الأنعام آية 37 :" وقالوا لولا نزّل عليه آية من ربّه، قل إن الله قادرٌ على أن ينزل آيه ولكن أكثرهم لايعلمون " ، وفي نفس السورة :" وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها، قل إنما الآيات عند الله ومايشعركم أنها إذا جاءت لايؤمنون، ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرّة، ونذرهم في طغيانهم يعمهون، ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قُبُلا ماكانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله، ولكن أكثرهم يجهلون " ...
والأحاديث الواردة في انشقاق القمر لم يصحّ منها شيءٌ يثبت أن هذا الإنشقاق كان إجابة لطلب الكفار واقتراحهم، وحديث عبدالله بن مسعود الشاهد الوحيد ليس فيه أنه كان جوابا على تحدّي المشركين .. ولكن رُوي هذا التحدّي في حديث أنس، وهو لم يشاهد الحادثة وحديثه مرسل، وكان طفلا وقتها في الخامسة في المدينة، كما روي هذا التحدّي أيضا في حديث لابن عباس، ولكن الحديث ضعيف الإسناد وفي رواته مدلّس وكذاب .. فكيف وتلك الروايات مخالفة في نفيه لنزول تلك الآيات الحسيّة ..
وثبت أيضا أن الأمم الغابرة التي تقترح المعجزات على أنبيائها، ثم لم تؤمن بعد مجيئها واستمرّت في كفرها وجحودها، فإن الله يعاقبها بعذاب الاستئصال والإهلاك .. ولكن لما كان خاتم النبيّين قد أُرسِل رحمة للعالمين كان تعذيب قومه بعذاب الاستئصال منافيا لهذه الرحمة، سواء اختص العذاب بمشركي قريش أو العرب عامة، فقد اقتضت حكمة الله أن يحمل العرب هذا الدين وينشروا مبادئه وأركانه ويكونوا هذاة ودعاة له بين الأمم :" ولو نزلناه على بعض الأعجمين، فقرأه عليهم ماكانوا به مؤمنين " ( الشعراء / 198 ) .. والقرآن معجزة عقلية تلائم الرسالة الخاتمة كونها باقية أبد الدهر، بخلاف المعجزات الحسية الموقوتة بزمان معيّن، وليست حجّة إلا لمن شاهدها، وتقبل التشكيك والمماراة ..
الخلاصة الأصولية لأحاديث انشقاق القمر :
خلاصة القول في أحاديث انشقاق القمر :
1- أنها آحادية لا متواترة.
2- وأنها متعارضة مختلفة، لامتفقة مؤتلفة.
3- وانه ليس فيها حديث مرفوع إلى النبيّ كالأحاديث الناطقة بخصائصه.
4- وأنه ليس في الصحيحين منها إلا حديث واحد مسند إلى من صرّح بأنه رأى ذلك، وفيه من الاختلاف ما أشرنا له، ولكن ليس فيه أن انشقاقه كان بطلب من كفار مكّة.
5- وأن حديث أنس الذي صرّح فيه بذلك مرسل، الأصل في المرسل أنه من المردود غير المقبول، على تفصيل مشهور، والروايات عن قتادة بالعنعنة، وهو مدلّس على جلالة قدره .. ويحتمل أن يكون سمع هو أو أنس عن غير ثقة ..
6- تلك الأحاديث تعارض نصّ القرآن، وسنة الله في الرسل، والحديث المروي عن رسول الله بحصر آية نبوّته في القرآن :" ما من الأنبياء نبي إلا أُعطِي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان ما أوتيته وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة " (رواه الشيخان والنسائي)
والغاية من هذا التحقيق هو حصر آية النبوة المحمّدية في الوحي القرآني فقط طبقا للدلائل القطعية من الآيات الكثيرة، وليس المقصود الطعن في صدق أنس ولا قتادة، لما ذكرنا من الاحتمال، بل لو وُجِد حديث صحيح السند مرفوعٌ إلى النبي لكانت نصوص القرآن مقدّمة عليه عند عدم إمكان الجمع بينهما، وكان هذا دليلا على أنه موضوع في الواقع، وإن عدّلوا رجال سنده في الواقع .. فلا يوجد حديث صحيح يخالف القرآن، والقرآن فوق كل شيْ ولا يحتاج لدفاع، وكل ما خالفه هو باطل قطعا، ولكن غرضنا الدفاع عن أنس وقتادة ثم عمن روى عنهما ما ذكر وسكت عليه، ولا يهمّنا بعد هذا أمر من قبل الرواية واحتجّ بها وجعلها من دلائل النبوّة، لغفلتهم عن هذه الحقائق القطعية .
تفسير الآية " اقتربت الساعة وانشق القمر " :
اعتنى المفسّرون وشرّاح الأحاديث بتصحيح الروايات في انشقاق القمر لسببين : أحدهما تكثير دلائل النبوّة بالمعجزات الكونية، وثانيهما تفسير آية " اقتربت الساعة وانشق القمر" في بداية سورة القمر .. وكان ذلك على حساب الفهم والرأي والعلم باللغة .. فما هو التفسير الصحيح للآية حسب نصوص اللغة ؟؟
جاء في لسان العرب " انشق الصبح وانشق البرق، بمعنى طلع، وبمعنى استطار نوره وانتشر في الأفق "، فعلى هذا يقال انشق القمر بمعنى طلع وانتشر نوره، ويكون في الآية بمعنى ظهر الحق ووضح كالقمر يشق الظلام بطلوعه ليلة البدر .. وقال الراغب في مفردات القرآن :" وانشق القمر قيل انشقاقه في زمن النبيّ عليه السلام، وقيل هو انشقاق يعرض فيه حين تقرب القيامة، وقيل معناه وضح الأمر " وهذا الأخير هو المتبادر من الآية بنصّ اللغة ومعونة السياق ..
وقد زعم الألوسي المفسّر وغيره أن قوله تعالى :" وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحرٌ مستمر " حجّة على أن المراد بالآية انشقاق القمر، ولو كان كذلك لقال : فأعرضوا وقالوا سحر مستمر .. فالشرط في الآية للاستقبال أو لبيان الشان .. والآية معناها إما الآيات الكونية الدالة على وجود الله ووحدانيته وقدرته، وإما الآيات الموحى بها في القرآن الكريم .. وقد قال المشركون عن القرآن بأنه سحرٌ يؤثر وسحرٌ مبين ..
وإنك لترى أوائل سورة الأنبياء بمعنى أوائل سورة القمر :" اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون، ما يأتيهم من ذكرٍ من ربّهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون، لاهية قلوبهم وأسرّوا النجوى الذين ظلموا : هل هذا إلا نشرٌ مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون "
مسألة الثقة بالروايات وتأييد الإسلام بها :
إن العلماء الذين تساهلوا بقبول روايات انشقاق القمر وجعلها آية كونية حسيّة وحجة على كفار قريش عندما اقترحوها، وتمحّلوا في الأجوبة على الاعتراضات العقلية الأصولية عليها وجاءوا بما لايقبله العاقل المستقل إنما حملهم على ذلك حب تكثير المعجزات النبويّة كما قلنا وتفنيد منكريها .. ولأن العامة تفهم من إعجازها ما لاتفهم من إعجاز القرآن .. أما الآن فقد تغيّر العصر واستنار العقل، ورُفِض التقليد واستقل الفكر، وصارت تلك الروايات تعدّ طعنا في علم المسلمين وعلمائهم، ويُخشَى أن تعدّ طعنا في الإسلام نفسه .. والحق أنها ليست من أصول الإسلام ولا من فروعه .. والآيه في سورة القمر ليست قطعية الدلالة على صيرورة القمر فلقتين منفصلة إحداهما عن الأخرى .. وما كان ليخطر لأحد تفسيرها بذلك لولا ذلك الحديث المنقوض بنصّ القرآن ..
ومن الدفاع عن الإسلام وعلماء المسلمين بحق أن يقال لهؤلاء المستقلّين في الفكر إن الإسلام لايكلّفكم أن تؤمنوا برواية انفرد بها قتادة المدلّس عن أنس في خبر قد عُلِم باليقين أنه لم يحدّث فيه عن رؤية ومشاهدة، بل عن سماع عن مجهول يجوز أن يكون كاذبا، ولا يكلّفكم الإسلام أن تؤمنوا أن الأصل في مرسل الصحابي أن يكون مقبولا، لأن هذا إنما يكون عند قائليه فيما لا اعتراض ولاعلة في متنه ولا شذوذ، وحديث أنس خالف جميع الروايات في غيره، بل الإسلام ينهاكم أن تقبلوا حديث أي إنسان صحابي أو غيره يخالف نصّ القرآن وسنن الله في الأكوان .
ومن اطمأنت نفسه من المسلمين بقبول سائر تلك الروايات على علاتها، وكان ممن يرى مخالفة النقل القطعي والعقل أهون من مخالفة زيد وعمر، وصدّق عقله أن تقع هذه الآية ولا يحدّث أحد من الخلفاء الراشدين ولاغيرهم من قدماء الصحابة برؤيتها والاحتجاج بها فضلا عن تواترها فليس له أن يجعلها من عقائد الإسلام وينفّر مستقلّي الفكر ومتبعي الدليل من المسلمين وغير المسلمين منه
أما مسألة الثقة بتلك الروايات على كثرتها، فإن كثرتها إلى قلّة، بعد ما رأينا من اضطراب أسانيدها متونها وعللها، وتحقيق الحق مقدّم على توثيق الرواة وتقليد العلماء، ثم إن جملة الروايات تدلّ على أن بعض الصحابة وبعض الكفار رأوا القمر قد انشقّ فصار فرقتين في لحظة من الزمان، ولا ضرر في تصديق ذلك مهما يكن سببه، وإنما الضرر أن يجعلوه آية مقترحة جعلها الله حجّة على صحة نبوّة رسوله، وأنه يجب على كل مسلم وكافر يريد الإسلام أن يؤمن بذلك .
عدل سابقا من قبل أبو عبدالرحمن في الثلاثاء سبتمبر 18, 2012 6:21 pm عدل 1 مرات (السبب : تصحيح آية)
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
مواضيع مماثلة
» خدعة انشقاق القمر
» عشرة أدلة تنفي حد الحرابة عن الإسلام
» الأحاديث الواردة في الطائفة الظاهرة
» كلمة أحد الواردة في القرآن عبرية
» سلسلة بحوث أصولية روق علمية بين بعض المصطلحات الأصولية ..!!
» عشرة أدلة تنفي حد الحرابة عن الإسلام
» الأحاديث الواردة في الطائفة الظاهرة
» كلمة أحد الواردة في القرآن عبرية
» سلسلة بحوث أصولية روق علمية بين بعض المصطلحات الأصولية ..!!
شبكة واحة العلوم الثقافية :: الساحات العلمية والثقافية والحوارية :: ساحة الفقه والعلوم والحوارات الشرعية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى