التفسير الموضوعى للقرآن الكريم
شبكة واحة العلوم الثقافية :: الساحات العلمية والثقافية والحوارية :: ساحة الفقه والعلوم والحوارات الشرعية
صفحة 1 من اصل 1
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم
بقلم: د. أحمد حسن
وأقصد بالتفسير الموضوعي هو تناول كلمة وردت في القرآن الكريم، وفي السنة النبوية المطهرة والسياحة معها بين دفتي المصحف وبين جنبات السنة لنخرج بموضوع متكامل ذلك أن ورود المصطلح الذي نحن يصدده في كل موضع يعطي معنى جديدًا، ويغطي جانب من الموضوع فليس في كلام الله تعالى تكرار بل العجيب أن الكلمة ولو تكررت في القرآن الكريم في عشرات المواضع تجد كل موضع يتناول جانب من الموضوع، وكل مرة وردت فيها الكلمة تجد الجديد، وفي النهاية يكتمل الموضوع ونخرج بموضوع متكامل.. ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾.
الحبـوط
إن المؤمن يحرص دائمًا على فعل الطاعات واجتناب المعاصي لنفوز بمحبة الله تعالى وليظفر بالرضوان والرحمات وليقترب من نعيم الجنات وليفوز بالنظر إلى وجه ربِّ الأرض والسماوات، ولكن قد يقع المرء في شيءٍ يُحبط عمله فيلقى الله ولا حسنةَ له وهو في أشدِّ الحاجةِ إلى حسنةٍ واحدةٍ عسى الله أن يرحمه وأن يدخله الجنة.
من أجل ذلك رأيت أنه يجب أن نلقي الضوءَ على بعض الأشياء التي تحبط الأعمال عسى الله أن يُجنبنا الوقوع فيها، إنه ولي وذلك والقادر عليه.
معنى إحباط الأعمال:
قال ابن منظور في لسان العرب: حبط حبطًا وحبوطًا: عمل عملاً ثم أفسده.
وقال الجوهري: بطل ثوابه وأحبطه الله.
وقال الأزهري: إذا علم لرجلٍ عملاً ثم أفسده.
وقال صاحب الظلال: "وإحباط الأعمال تعبير تصويري على طريقة القرآن في التصوير؛ فالحبوط انتفاخ بطون الماشية عند أكلها نوعًا من المرعى أو النبات السام فينتهي بها إلى الهلاك والموت، وكذلك هؤلاء الكفار انتفخت أعمالهم وورمت تم انتهت إلى الهلاك والضياع.. إنها صورة وحركة مطابقة لحال مَن كرهوا ما أنزل الله ثم تباهوا بالأعمال الضخام المنتفخة كبطونِ الأنعام حين ترعى ذلك النبات السام".
وأورد الإمام البخاري في كتاب الإيمان بابًا عنوانه مخيف مرعب فقال: "باب خوف المؤمن من أن يُحبط عمله وهو لا يشعر".
ولا حظ أنه قال خوف المؤمن.. فكأن المؤمن من الممكن أن يقع في محبطاتٍ للأعمال.. والمصيبة أنه لا يشعر!!.
وقال إبراهيم التيمي: "أدركت ثلاثين من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- كلهم يخاف النفاقَ على نفسه ما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل".
ويُذكر عن الحسن قوله: "ما خافه إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق".. يقصد الحبوط.
أنواع مبطلات الأعمال ثلاثـة:-
أ- ما يحبط عمل العبد كله.
ب- ما يحبط بعض أعمال العبد وليس كلها.
جـ- ما يحبط نفس العمل الذي يعمله العبد في وقته.
أولاً: ما يحبط العمل كله
1- الردة بعد الإسلام والموت على ذلك: قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (البقرة: من الآية 217)، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ﴾ (المائدة: من الآية 5).
ومما يوجب الردة:
1- إنكار شيء من أسماء الله وصفاته وأفعاله.
2- إنكار شيء من القرآن والسنة الصحيحة.
3- إنكار معلوم من الدين بالضرورة.
4- التحاكم لغير شرع الله كرهًا للشرع.
5- مناصرة أعداء الإسلام.
6- كراهية الإسلام أو رسول الإسلام وسبه والانتقاص من قدره.
2- الشرك الأكبر:
لقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)﴾ (الزمر)، ولقوله تعالى:﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (الأنعام: من الآية 88)، ولقوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17)﴾ (التوبة).
فالكافر لا ينفع عمله الصالح؛ وذلك لأنه ليس عنده الأساس الذي يبني عليه عمله، ألا وهو التوحيد لله جلَّ وعلا؛ ولذا فإن كل ما يفعله لا وزنَ له، بل كل خير يفعله في الدنيا فإن لله يمتعه به في الدنيا وليس له في الآخرة أجر ولا ثواب.
قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه انس بن مالك: "إن الله لا يظلم مؤمنًا حسنة يعطي بها في الدنيا ويجزي بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسناتٍ ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن حسنة يجزى بها" (رواه مسلم).
وعن عائشة- رضي الله عنها- قالت: "قلت يا رسول الله ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه؟ قال:"لا ينفعه؛ إنه لم يقل يومًا: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين" (رواه مسلم).
أنواع الشرك الأكبر:
الذبح والنذر للأولياء من المخلوقين على سبيل التقرب والعبادة مع انتفاء الجهل، والطواف حول القبور بنية العبادة للمقبور مع إقامة الحجة على الفاعل والتبيين له، الركوع والسجود لغير الله، ودعاء غير الله على سبيل العبادة والتقرب.
3- الكفر بالقرآن الكريم والبعث يوم القيامة:
قال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾ (الكهف)، وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (الأعراف: 147).
4- الصد عن سبيل الله:
قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32)﴾ (محمد).
5- كراهية ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم:
وهي قضية خطيرة أن يبغض العبد شيئاً مما جاء به محمد- صلى الله عليه وسلم- حتى لو نفَّذ المطلوب بجوارحه وهو كاره في باطنه فقد حبط عمله، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ (محمد)
أي كرهوا القرآن ما أنزل الله فيه من التكاليف والأحكام لأنهم قد ألفوا الإهمال وإطلاق العنان للشهوات والملذات، فأحبط الله أعمالهم لبغضهم وعدم اقتناعهم بأوامر الله، فمثلاً لو سرق مسلم فنُفِّذ فيه حكم الله وهو قطع اليد فرضخ لذلك وهو كارهٌ لشرع الله وغير مقتنع به فإن هذا القطع لن يمنع عنه إحباط العمل بالكلية، وسيلقى به وهو من غير عملٍ ينفعه يوم القيامة.
6- موالاة اليهود النصارى ونصرتهم:
لقوله تعالى: ﴿يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ﴾ (المائدة).
ثانيًا: ما يحبط بعض العمل
وهذا يدخل فيه المؤمنون، وبالتالي فهو من أخطر الأمور، ومنها:
1- من ترك صلاة العصر متعمدًا: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "مَن ترك صلاة العصر فقد حبط عمله" (رواه البخاري)، وفي رواية أحمد "مَن ترك صلاة العصر متعمدًا أحبط الله عمله"، والمقصود هنا - والله أعلم- حبوط عمل اليوم الذي ترك فيه العصر تعمدًا.
2- التألي على الله: عن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث "أن رجلاً قال: والله لا يغفر الله لفلان.. فقال الله تعالى: مَن ذا الذي يتألى عليَّ ألا أغفر لفلان فإني قد غفرتُ لفلان وأحبطت عملك" (رواه مسلم).
3- المن والأذى: قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ (البقرة: من الآية 264)، أي لا يصدق بلقاء الله ليرجوا ثوابًا أو يخشى عقابًا، وقال صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، المسبل إزاره، والمنان الذي لا يعطي شيئًا إلا منَّه، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب" (رواه مسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يقبل الله منهم يوم القيامة صرفًا ولا عدلاً: عاق، ومنان، ومكذب بالقدر" (رواه الطبراني في الكبير وصححه الألباني).
4- انتهاك حرمات الله: وفي ذلك ورد حديث عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم في سنن ابن ماجه تتفطر القلوب منه وتوجل الأفئدة من معناه نسأل الله السلامة والعافية، فعن ثوبان عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لأعلمن أقوامًا من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله- عزَّ وجل- هباءً منثورًا"، قال ثوبان: يا رسول الله، صفهم لنا جلهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم. قال: "أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوامٌ إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها" (رواه ابن ماجه وصححه الألباني).
5- عقوق الوالدين: عن عمرو بن مرة الجهني قال: جاء رجل إلى النبي صلي الله علية وسلم فقال: "يا رسول الله شهدت أن لا له إلا الله وإنك رسول الله، وصليت الخمس، وأديت زكاتي، وصمت رمضان. فقال النبي صلي الله عليه وسلم: مَن مات على هكذا كان مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة هكذا- ونصب إصبعيه- ما لم يعق والديه" (رواه أحمد والطبراني بسندٍ صحيح).
فالشاهد من الحديث أن النبي- صلي الله عليه وسلم- جعل قبول الأعمال معلقًا ببر الوالدين، فإن كان صاحب تلك الأعمال عاقًّا لوالديه لم يُقبل منه عمل ما دام عاقًّا حتى يتوب.
6 - تعلم السحر وإتيان السحرة: إن الذين يذهبون إلى السحرة والعرافين من أجل إيذاء إخوانهم المسلمين أخبر النبي- صلي الله عليه وسلم- بخسارتهم في الدنيا والآخرة فقال: "مَن أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تُقبل له صلاة أربعين ليلة" (أخرجه مسلم).
وهذا دليلٌ على عدم قبول باقي الأعمال الصالحة؛ لأن عدم قبول الصلاة هو عنوان على ردِّ كل الأعمال؛ لأن الصلاة عمود الإسلام، وقال صلي الله عليه وسلم: "مَن أتي عرافًا أو كاهنًا فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد" (رواه أحمد وصححه الألباني).
فإذا كان هذا هو حال مَن يذهب إلى السحرة العرافين فكيف يكون حال السحرة والعرافين أنفسهم؟
بل أعلم أخي المسلم أن السحر من الموبقات السبع؛ أي المهلكات التي تُهلك صاحبها في الدنيا والآخرة، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث: "اجتنبوا السع الموبقات"، وذكر منهم السحر (متفق عليه).
7- عدم الإيمان بالقدر: عن ابن الديلمي قال: وقع في نفسي شيء من هذا القدر، خشيت أن يفسد عليَّ ديني وأمري، فأتيت أُبي بن كعب، فقلت: أبا المنذر إنه قد وقع في نفسي شيء من هذا القدر، فخشيت على ديني وأمري، فحدثني من ذلك بشيء؛ لعل الله أن ينفعني به، فقال: لو أنَّ الله عذَّب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم، وهو غير ظالمٍ لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيرًا لهم من أعمالهم، ولو كان لك مثل جبل أحد ذهبًا- أو مثل جبل أحد- تنفقه في سبيل الله ما قبل منك؛ حتى تؤمن بالقدر، فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأنك إن متَّ على غير هذا دخلت النار، ولا عليكَ أن تأتي أخي عبد الله بن مسعود؛ فتسأله، فأتيت عبد الله فسألته فذكر مثل ما قال أبي، وقال لي: ولا عليك أن تأتي حذيفة، فأتيت حذيفة فسألته فقال: مثل ما قالا، وقال: ائت زيد بن ثابت؛ فاسأله، فأتيت زيد بن ثابت فسألته، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لو أن الله عذَّب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم، وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيرًا لهم من أعمالهم، ولو كان لك مثل أحد ذهبًا- أو مثل جبل أحد ذهبًا- تنفقه في سبيل الله ما قبله منك؛ حتى تؤمن بالقدر كله، فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأنك إن مت على غير هذا دخلت النار" (صحيح سنن ابن ماجه باختصار السند وصححه الألباني).
8- شرب الخمر: يمنع قبول صلاة أربعين يومًا: فعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين صباحًا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحًا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحًا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرابعة لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحًا، فإن تاب لم يتب الله عليه، وسقاه من نهر الخبال"؛ قيل: يا أبا عبد الرحمن وما نهر الخبال؟! قال: نهر من صديد أهل النار". (رواه الترمذي بسند حسن).
9- ظلم الناس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟"، قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ: "إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي، يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَي هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ، قَبْلَ أَنْ يُقْضَىَ مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ" (رواه مسلم).
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَن اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه؛ فقد أوجب الله له النار وحرَّم عليه الجنة" فقال رجل: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله؟ قال: وإن كان قضيبًا من آراك" (رواه مسلم).
وظلم الناس يضيع حسنات العبد التي فعلها بعد أن كتبت له؛ لأنه كما أن الحسنات يذهبن السيئات، فإن السيئات يذهبن الحسنات؛ ذلك أن الأمر في النهاية ميزان له كفتان في إحداها الحسنات، وفي الأخرى السيئات؛ فإن رجحت الحسنات فاز صاحبها بالجنة، وإن كانت الأخرى- عياذًا بالله- فإن صاحبها إلى النار.
10- العبد الآبق، والمرأة تنام وزوجها عليها ساخط، ورجل يؤم الناس وهم له كارهون:
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وإمام قوم وهم له كارهون" (رواه الترمذي بسند حسن).
فلتحذر المرأة أن تُغضب زوجها في حقٍّ من حقوقه أما لو أمرها بمعصية فالقاعدة لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وليحذر الإمام سواء كان إمام صلاة أو إمام أمة أن يؤم الناس وهم كارهون له فإن هذا من محبطات الصلاة التي هي عنوان العمل الصالح.
ثالثًا: محبطات نفس العمل الذي يعمله العبد في وقته
1- الرياء: إنها الحسرة على أهل الرياء الذين بذلوا الغالي والنفيس وصلوا وصاموا وفعلوا كل الطاعات وهم ما أرادوا بها وجه رب الأرض والسموات، وإنما أرادوا من ورائها السمعة والرياء فيأتي أحدهم بتلك الأعمال فيجد أن الله عز وجل قد جعلها هباءًا منثورًا كما قال تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)﴾ (الفرقان).
وفي الوقت الذي يكون فيه الإنسان أحوج ما يكون إلى حسنة واحدة ليدخل بها الجنة ولينجو بها من النار، قال تعالى: ﴿وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (48)﴾ (الزمر).
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن أول الناس يقضي يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمه، فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال قاتلت فيك حتى استشهدت، قال كذبت ولكنك قاتلت ليقال جرئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتى به فعرفه نعمة، فعرفها، قال فما عملت فيها؟ قال، تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى في النار، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتى به فعرَّفه نعمة فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها. قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقى في النار" (رواه مسلم).
فالرياء يُحبط نفس العمل الذي يعمله العبد لأنه لم يعمله ابتغاء وجه الله والله أغنى الشركاء عن الشرك.
فعن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، مَن عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" (رواه مسلم).
2- خروج المرأة متعطرة يُبطل صلاتها: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة أصابت بخورًا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة" (رواه مسلم).
وفي رواية أحمد: أنه استقبل أبو هريرة امرأة متطيبة فقال: أين تريدين يا أمة الجبار؟ فقالت: المسجد. فقال: وله تطيبتِ؟ قالت: نعم: قال أبو هريرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيما امرأة خرجت من بيتها متطيبة تريد المسجد لم يقبل الله عز وجل لها صلاة حتى ترجع فتغتسل منه غسلها من الجنابة".
3- الابتداع في دين الله: عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله لصاحب بدعة صومًا ولا صلاة ولا صدقة ولا حجًا ولا عمرة ولا جهادًا ولا صرفًا ولا عدلاً.. يخرج من الإسلام كما تخرج الشعرة من العجين" (رواه ابن ماجة).
وفي رواية البخاري عن عائشة- رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" (أي مردود عليه فعله).
وأخيرًا:
أخي الحبيب وأختي الفاضلة.. كانت هذه بعض الأسباب التي تُحبط عمل الإنسان، ألقيتُ الضوء عليها في عجالةٍ لكي نستبين سبيل المؤمنين، ونحذر سبيل المجرمين.
فهيا يا إخواني.. فلنسرع إلى التوبة، وإلى العودة إلى الحقِّ جل وعلا، سائلين الله أن يحفظ أعمالنا، وأن ينمي لنا حسناتنا، وأن ينفعنا بها يوم القيامة، وأن يجمعنا في جنته إخوانًا على سرر متقابلين.
فالإنسان في هذه الدنيا مسافر إلى الله يقطع المسافات والأوقات من أجل غاية واحدة، ألا وهي الوصول إلى دار القرار، إما إلى الجنة، وإما إلى النار.. ولا شك أن الغاية العظمى هي جنة الرحمن.
وهو في سفره يطير بجناحي الخوف والرجاء.. فتارةً تجده يحتاج إلى الترغيب، وتارةً تجده يحتاج إلى الترهيب، وتارةً تجده يحتاج إلى الاثنين معًا.
والعاقل هو الذي يعلم أنه طالما يعيش في تلك الحياة الدنيا، فلا بد أن يُغلِّب جانب الخوف على جانب الرجاء (شريطةَ ألا يصل به الخوف إلى اليأس والقنوط من رحمة الله).
وذلك لأن الخوف يردع الإنسان عن فعل المعاصي التي بها تحل النقم، ويسلط الله بها عذابه على سائر الأمم... وأما إذا جاءه الموت فعليه أن يغلب جانب الرجاء على الخوف، لكي يموت وهو يحسن الظن بالله.
والعاقل هو الذي يعلم أيضًا أن السفر كله مشقة، وأنه لا راحةَ إلا بعد الوصول، وما عليه إلا أن يعد الزاد لهذا السفر البعيد، ولا ينشغل بتخاذل أكثر المسلمين وانشغالهم بالدنيا عن الدين.
فلقد هبت رياح المعصية، فأطفأت شموع الخشية من قلوبنا وطال علينا الأمد، فعلا القلوب قسوة كما قست قلوب أهل الكتاب، فهي كالحجارة أو أشد قسوة، وأسأنا فهم الدين الذي هو سر تميزنا.. فشغلنا بالشكل عن الجوهر، وبالقالب عن القلب، وبالمبنى عن المعنى، وهجرت الأمة كتاب ربها- عز وجل-.. بل وفشت الفواحش والمظالم وأكل الحرام، وظهرت صورة صارخة من الحسد والبغضاء والفرقة والخلاف والبعد عن طاقة الكريم الوهاب.
فكان لا بد من وقفة صادقة مع تلك الأشياء التي تبطل الأعمال لكي تحذرها قبل أن تقع فيها فنندم حيث لا ينفع الندم، فإن غاية المؤمن أن ينجو من عذاب النار، وأن يفوز بالجنة ورحمة الرحيم الغفار، فكل نعيم دون الجنة سراب، وكل عذاب دون النار عافية.
ولذا فإني أسأل القائمَ على كل نفسٍ بما كسبت أن ينفع إخواني وأخواتي بتلك الكلمات، وأن يجعلها في ميزان الحسنات في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
فأسأل الله أن يحفظ أعمالكم، وأن يجعلها نورًا لكم في قبوركم ويوم بعثكم وعلى الصراط.. وأن يجعلها قائدًا لكم إلى جنات النعيم.. وأن يرزقني وإياكم صحبة الحبيب صلى الله عليه وسلم في جنته ودار كرامته.. إنه ولي ذلك والقادر عليه.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أحكام متصلة بقراءة القرآن
- هل يشترط الوضوء للقراءة من المصحف، والسؤال عن الوضوء بصفة خاصة وليست الطهارة بصفةٍ عامة؟
2- إذا توقف القارئ عن القراءة ثم استرسل هل يجب عليه الاستعاذة مرةً أخرى أو البسملة؟
3- إذا مرَّ القارئ بآيات رحمة أو آيات عذاب ودعا ربه فهل يستعيذ قبل الاسترسال في القراءة؟
4- ما صفة سجدة التلاوة.. هل بتكبيرة وتسلمتين؟ وهل هي سجدة واحدة أم اثنتان؟ أم نسجدها كما تمر علينا أثناء قراءتها بالصلاة؟!
5- عند ختم قراءة القرآن الكريم هل لا بد من صلاة ركعتين شكرًا لله أم الدعاء فقط؟
المفتي: فضيلة الشيخ عبد الخالق حسن الشريف
- لا يشترط الوضوء للقراءة من المصحف.
- الاستعاذة سنة عند القراءة وليست واجبة، وإذا توقف فترةً طويلةً وأراد العودة لهذا الخير فالأفضل أن يُعيد الاستعاذة.
- إذا مرَّ بآيات رحمة سأل الله، والعكس بالعكس.
- حكم سجدة التلاوة: لا خلاف في أن سجدة القرآن تحتاج إلى ما تحتاج إليه الصلاة، من نية وطهارة من الحدث والنجس، واستقبال قبلة ووقت، إلا ما ذكر البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يسجد على غير طهارة، وذكره ابن المنذر عن الشعبي.
وعلى قول الجمهور هل يحتاج إلى تكبير ورفع يدَين عنده وتسليم؟!
اختلفوا في ذلك:
- فذهب الشافعي وأحمد وإسحاق إلى أنه يُكبِّر ويرفع اليدين لها، وقد رُوي في الأثر عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد كبَّر، وكذلك إذا رفع كبَّر، ومشهور مذهب مالك أنه كبَّر لها في الخفض والرفع في الصلاة، واختلف عنه في التكبير لها في غير الصلاة، وبالتكبير لذلك قاله عامة الفقهاء، والتسليم لها عند الجمهور، وذهب جماعة من السلف وإسحق إلى أنه يُسلِّم منها، وعلى هذا المذهب يتحقق أن التكبير في أدائها للإحرام، وعلى قول مَن لا يسلم يكون للسجود فحسب.
أما وقت سجود التلاوة فعند الشافعي في أي وقت؛ لأنها صلاة لسبب، وقال جماعة ما لم يسفر للصبح، أو ما لم تظهر الشمس بعد العصر.
وإذا سجد يقول: "اللهم احطط عني بها وزرًا، واكتب لي بها أجرًا، واجعلها لي عندك ذخرًا" ذكره ابن ماجة عن ابن عباس- رضي الله عنهما- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- الصلاة في أي وقتٍ غير أوقات الكراهة جائز، ولكن أن تكون على وجه تحديدي عند ختم القرآن فلم يرد بذلك دليلٌ نقليٌّ، وإنما ورد أن بعض الصحابة كانوا يدعون في كبيرة ويدعون عند ختم القرآن.
وأقصد بالتفسير الموضوعي هو تناول كلمة وردت في القرآن الكريم، وفي السنة النبوية المطهرة والسياحة معها بين دفتي المصحف وبين جنبات السنة لنخرج بموضوع متكامل ذلك أن ورود المصطلح الذي نحن يصدده في كل موضع يعطي معنى جديدًا، ويغطي جانب من الموضوع فليس في كلام الله تعالى تكرار بل العجيب أن الكلمة ولو تكررت في القرآن الكريم في عشرات المواضع تجد كل موضع يتناول جانب من الموضوع، وكل مرة وردت فيها الكلمة تجد الجديد، وفي النهاية يكتمل الموضوع ونخرج بموضوع متكامل.. ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾.
الحبـوط
إن المؤمن يحرص دائمًا على فعل الطاعات واجتناب المعاصي لنفوز بمحبة الله تعالى وليظفر بالرضوان والرحمات وليقترب من نعيم الجنات وليفوز بالنظر إلى وجه ربِّ الأرض والسماوات، ولكن قد يقع المرء في شيءٍ يُحبط عمله فيلقى الله ولا حسنةَ له وهو في أشدِّ الحاجةِ إلى حسنةٍ واحدةٍ عسى الله أن يرحمه وأن يدخله الجنة.
من أجل ذلك رأيت أنه يجب أن نلقي الضوءَ على بعض الأشياء التي تحبط الأعمال عسى الله أن يُجنبنا الوقوع فيها، إنه ولي وذلك والقادر عليه.
معنى إحباط الأعمال:
قال ابن منظور في لسان العرب: حبط حبطًا وحبوطًا: عمل عملاً ثم أفسده.
وقال الجوهري: بطل ثوابه وأحبطه الله.
وقال الأزهري: إذا علم لرجلٍ عملاً ثم أفسده.
وقال صاحب الظلال: "وإحباط الأعمال تعبير تصويري على طريقة القرآن في التصوير؛ فالحبوط انتفاخ بطون الماشية عند أكلها نوعًا من المرعى أو النبات السام فينتهي بها إلى الهلاك والموت، وكذلك هؤلاء الكفار انتفخت أعمالهم وورمت تم انتهت إلى الهلاك والضياع.. إنها صورة وحركة مطابقة لحال مَن كرهوا ما أنزل الله ثم تباهوا بالأعمال الضخام المنتفخة كبطونِ الأنعام حين ترعى ذلك النبات السام".
وأورد الإمام البخاري في كتاب الإيمان بابًا عنوانه مخيف مرعب فقال: "باب خوف المؤمن من أن يُحبط عمله وهو لا يشعر".
ولا حظ أنه قال خوف المؤمن.. فكأن المؤمن من الممكن أن يقع في محبطاتٍ للأعمال.. والمصيبة أنه لا يشعر!!.
وقال إبراهيم التيمي: "أدركت ثلاثين من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- كلهم يخاف النفاقَ على نفسه ما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل".
ويُذكر عن الحسن قوله: "ما خافه إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق".. يقصد الحبوط.
أنواع مبطلات الأعمال ثلاثـة:-
أ- ما يحبط عمل العبد كله.
ب- ما يحبط بعض أعمال العبد وليس كلها.
جـ- ما يحبط نفس العمل الذي يعمله العبد في وقته.
أولاً: ما يحبط العمل كله
1- الردة بعد الإسلام والموت على ذلك: قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (البقرة: من الآية 217)، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ﴾ (المائدة: من الآية 5).
ومما يوجب الردة:
1- إنكار شيء من أسماء الله وصفاته وأفعاله.
2- إنكار شيء من القرآن والسنة الصحيحة.
3- إنكار معلوم من الدين بالضرورة.
4- التحاكم لغير شرع الله كرهًا للشرع.
5- مناصرة أعداء الإسلام.
6- كراهية الإسلام أو رسول الإسلام وسبه والانتقاص من قدره.
2- الشرك الأكبر:
لقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)﴾ (الزمر)، ولقوله تعالى:﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (الأنعام: من الآية 88)، ولقوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17)﴾ (التوبة).
فالكافر لا ينفع عمله الصالح؛ وذلك لأنه ليس عنده الأساس الذي يبني عليه عمله، ألا وهو التوحيد لله جلَّ وعلا؛ ولذا فإن كل ما يفعله لا وزنَ له، بل كل خير يفعله في الدنيا فإن لله يمتعه به في الدنيا وليس له في الآخرة أجر ولا ثواب.
قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه انس بن مالك: "إن الله لا يظلم مؤمنًا حسنة يعطي بها في الدنيا ويجزي بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسناتٍ ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن حسنة يجزى بها" (رواه مسلم).
وعن عائشة- رضي الله عنها- قالت: "قلت يا رسول الله ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه؟ قال:"لا ينفعه؛ إنه لم يقل يومًا: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين" (رواه مسلم).
أنواع الشرك الأكبر:
الذبح والنذر للأولياء من المخلوقين على سبيل التقرب والعبادة مع انتفاء الجهل، والطواف حول القبور بنية العبادة للمقبور مع إقامة الحجة على الفاعل والتبيين له، الركوع والسجود لغير الله، ودعاء غير الله على سبيل العبادة والتقرب.
3- الكفر بالقرآن الكريم والبعث يوم القيامة:
قال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾ (الكهف)، وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (الأعراف: 147).
4- الصد عن سبيل الله:
قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32)﴾ (محمد).
5- كراهية ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم:
وهي قضية خطيرة أن يبغض العبد شيئاً مما جاء به محمد- صلى الله عليه وسلم- حتى لو نفَّذ المطلوب بجوارحه وهو كاره في باطنه فقد حبط عمله، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ (محمد)
أي كرهوا القرآن ما أنزل الله فيه من التكاليف والأحكام لأنهم قد ألفوا الإهمال وإطلاق العنان للشهوات والملذات، فأحبط الله أعمالهم لبغضهم وعدم اقتناعهم بأوامر الله، فمثلاً لو سرق مسلم فنُفِّذ فيه حكم الله وهو قطع اليد فرضخ لذلك وهو كارهٌ لشرع الله وغير مقتنع به فإن هذا القطع لن يمنع عنه إحباط العمل بالكلية، وسيلقى به وهو من غير عملٍ ينفعه يوم القيامة.
6- موالاة اليهود النصارى ونصرتهم:
لقوله تعالى: ﴿يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ﴾ (المائدة).
ثانيًا: ما يحبط بعض العمل
وهذا يدخل فيه المؤمنون، وبالتالي فهو من أخطر الأمور، ومنها:
1- من ترك صلاة العصر متعمدًا: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "مَن ترك صلاة العصر فقد حبط عمله" (رواه البخاري)، وفي رواية أحمد "مَن ترك صلاة العصر متعمدًا أحبط الله عمله"، والمقصود هنا - والله أعلم- حبوط عمل اليوم الذي ترك فيه العصر تعمدًا.
2- التألي على الله: عن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث "أن رجلاً قال: والله لا يغفر الله لفلان.. فقال الله تعالى: مَن ذا الذي يتألى عليَّ ألا أغفر لفلان فإني قد غفرتُ لفلان وأحبطت عملك" (رواه مسلم).
3- المن والأذى: قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ (البقرة: من الآية 264)، أي لا يصدق بلقاء الله ليرجوا ثوابًا أو يخشى عقابًا، وقال صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، المسبل إزاره، والمنان الذي لا يعطي شيئًا إلا منَّه، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب" (رواه مسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يقبل الله منهم يوم القيامة صرفًا ولا عدلاً: عاق، ومنان، ومكذب بالقدر" (رواه الطبراني في الكبير وصححه الألباني).
4- انتهاك حرمات الله: وفي ذلك ورد حديث عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم في سنن ابن ماجه تتفطر القلوب منه وتوجل الأفئدة من معناه نسأل الله السلامة والعافية، فعن ثوبان عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لأعلمن أقوامًا من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله- عزَّ وجل- هباءً منثورًا"، قال ثوبان: يا رسول الله، صفهم لنا جلهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم. قال: "أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوامٌ إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها" (رواه ابن ماجه وصححه الألباني).
5- عقوق الوالدين: عن عمرو بن مرة الجهني قال: جاء رجل إلى النبي صلي الله علية وسلم فقال: "يا رسول الله شهدت أن لا له إلا الله وإنك رسول الله، وصليت الخمس، وأديت زكاتي، وصمت رمضان. فقال النبي صلي الله عليه وسلم: مَن مات على هكذا كان مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة هكذا- ونصب إصبعيه- ما لم يعق والديه" (رواه أحمد والطبراني بسندٍ صحيح).
فالشاهد من الحديث أن النبي- صلي الله عليه وسلم- جعل قبول الأعمال معلقًا ببر الوالدين، فإن كان صاحب تلك الأعمال عاقًّا لوالديه لم يُقبل منه عمل ما دام عاقًّا حتى يتوب.
6 - تعلم السحر وإتيان السحرة: إن الذين يذهبون إلى السحرة والعرافين من أجل إيذاء إخوانهم المسلمين أخبر النبي- صلي الله عليه وسلم- بخسارتهم في الدنيا والآخرة فقال: "مَن أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تُقبل له صلاة أربعين ليلة" (أخرجه مسلم).
وهذا دليلٌ على عدم قبول باقي الأعمال الصالحة؛ لأن عدم قبول الصلاة هو عنوان على ردِّ كل الأعمال؛ لأن الصلاة عمود الإسلام، وقال صلي الله عليه وسلم: "مَن أتي عرافًا أو كاهنًا فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد" (رواه أحمد وصححه الألباني).
فإذا كان هذا هو حال مَن يذهب إلى السحرة العرافين فكيف يكون حال السحرة والعرافين أنفسهم؟
بل أعلم أخي المسلم أن السحر من الموبقات السبع؛ أي المهلكات التي تُهلك صاحبها في الدنيا والآخرة، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث: "اجتنبوا السع الموبقات"، وذكر منهم السحر (متفق عليه).
7- عدم الإيمان بالقدر: عن ابن الديلمي قال: وقع في نفسي شيء من هذا القدر، خشيت أن يفسد عليَّ ديني وأمري، فأتيت أُبي بن كعب، فقلت: أبا المنذر إنه قد وقع في نفسي شيء من هذا القدر، فخشيت على ديني وأمري، فحدثني من ذلك بشيء؛ لعل الله أن ينفعني به، فقال: لو أنَّ الله عذَّب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم، وهو غير ظالمٍ لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيرًا لهم من أعمالهم، ولو كان لك مثل جبل أحد ذهبًا- أو مثل جبل أحد- تنفقه في سبيل الله ما قبل منك؛ حتى تؤمن بالقدر، فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأنك إن متَّ على غير هذا دخلت النار، ولا عليكَ أن تأتي أخي عبد الله بن مسعود؛ فتسأله، فأتيت عبد الله فسألته فذكر مثل ما قال أبي، وقال لي: ولا عليك أن تأتي حذيفة، فأتيت حذيفة فسألته فقال: مثل ما قالا، وقال: ائت زيد بن ثابت؛ فاسأله، فأتيت زيد بن ثابت فسألته، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لو أن الله عذَّب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم، وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيرًا لهم من أعمالهم، ولو كان لك مثل أحد ذهبًا- أو مثل جبل أحد ذهبًا- تنفقه في سبيل الله ما قبله منك؛ حتى تؤمن بالقدر كله، فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأنك إن مت على غير هذا دخلت النار" (صحيح سنن ابن ماجه باختصار السند وصححه الألباني).
8- شرب الخمر: يمنع قبول صلاة أربعين يومًا: فعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين صباحًا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحًا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحًا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرابعة لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحًا، فإن تاب لم يتب الله عليه، وسقاه من نهر الخبال"؛ قيل: يا أبا عبد الرحمن وما نهر الخبال؟! قال: نهر من صديد أهل النار". (رواه الترمذي بسند حسن).
9- ظلم الناس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟"، قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ: "إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي، يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَي هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ، قَبْلَ أَنْ يُقْضَىَ مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ" (رواه مسلم).
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَن اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه؛ فقد أوجب الله له النار وحرَّم عليه الجنة" فقال رجل: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله؟ قال: وإن كان قضيبًا من آراك" (رواه مسلم).
وظلم الناس يضيع حسنات العبد التي فعلها بعد أن كتبت له؛ لأنه كما أن الحسنات يذهبن السيئات، فإن السيئات يذهبن الحسنات؛ ذلك أن الأمر في النهاية ميزان له كفتان في إحداها الحسنات، وفي الأخرى السيئات؛ فإن رجحت الحسنات فاز صاحبها بالجنة، وإن كانت الأخرى- عياذًا بالله- فإن صاحبها إلى النار.
10- العبد الآبق، والمرأة تنام وزوجها عليها ساخط، ورجل يؤم الناس وهم له كارهون:
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وإمام قوم وهم له كارهون" (رواه الترمذي بسند حسن).
فلتحذر المرأة أن تُغضب زوجها في حقٍّ من حقوقه أما لو أمرها بمعصية فالقاعدة لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وليحذر الإمام سواء كان إمام صلاة أو إمام أمة أن يؤم الناس وهم كارهون له فإن هذا من محبطات الصلاة التي هي عنوان العمل الصالح.
ثالثًا: محبطات نفس العمل الذي يعمله العبد في وقته
1- الرياء: إنها الحسرة على أهل الرياء الذين بذلوا الغالي والنفيس وصلوا وصاموا وفعلوا كل الطاعات وهم ما أرادوا بها وجه رب الأرض والسموات، وإنما أرادوا من ورائها السمعة والرياء فيأتي أحدهم بتلك الأعمال فيجد أن الله عز وجل قد جعلها هباءًا منثورًا كما قال تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)﴾ (الفرقان).
وفي الوقت الذي يكون فيه الإنسان أحوج ما يكون إلى حسنة واحدة ليدخل بها الجنة ولينجو بها من النار، قال تعالى: ﴿وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (48)﴾ (الزمر).
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن أول الناس يقضي يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمه، فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال قاتلت فيك حتى استشهدت، قال كذبت ولكنك قاتلت ليقال جرئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتى به فعرفه نعمة، فعرفها، قال فما عملت فيها؟ قال، تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى في النار، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتى به فعرَّفه نعمة فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها. قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقى في النار" (رواه مسلم).
فالرياء يُحبط نفس العمل الذي يعمله العبد لأنه لم يعمله ابتغاء وجه الله والله أغنى الشركاء عن الشرك.
فعن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، مَن عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" (رواه مسلم).
2- خروج المرأة متعطرة يُبطل صلاتها: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة أصابت بخورًا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة" (رواه مسلم).
وفي رواية أحمد: أنه استقبل أبو هريرة امرأة متطيبة فقال: أين تريدين يا أمة الجبار؟ فقالت: المسجد. فقال: وله تطيبتِ؟ قالت: نعم: قال أبو هريرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيما امرأة خرجت من بيتها متطيبة تريد المسجد لم يقبل الله عز وجل لها صلاة حتى ترجع فتغتسل منه غسلها من الجنابة".
3- الابتداع في دين الله: عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله لصاحب بدعة صومًا ولا صلاة ولا صدقة ولا حجًا ولا عمرة ولا جهادًا ولا صرفًا ولا عدلاً.. يخرج من الإسلام كما تخرج الشعرة من العجين" (رواه ابن ماجة).
وفي رواية البخاري عن عائشة- رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" (أي مردود عليه فعله).
وأخيرًا:
أخي الحبيب وأختي الفاضلة.. كانت هذه بعض الأسباب التي تُحبط عمل الإنسان، ألقيتُ الضوء عليها في عجالةٍ لكي نستبين سبيل المؤمنين، ونحذر سبيل المجرمين.
فهيا يا إخواني.. فلنسرع إلى التوبة، وإلى العودة إلى الحقِّ جل وعلا، سائلين الله أن يحفظ أعمالنا، وأن ينمي لنا حسناتنا، وأن ينفعنا بها يوم القيامة، وأن يجمعنا في جنته إخوانًا على سرر متقابلين.
فالإنسان في هذه الدنيا مسافر إلى الله يقطع المسافات والأوقات من أجل غاية واحدة، ألا وهي الوصول إلى دار القرار، إما إلى الجنة، وإما إلى النار.. ولا شك أن الغاية العظمى هي جنة الرحمن.
وهو في سفره يطير بجناحي الخوف والرجاء.. فتارةً تجده يحتاج إلى الترغيب، وتارةً تجده يحتاج إلى الترهيب، وتارةً تجده يحتاج إلى الاثنين معًا.
والعاقل هو الذي يعلم أنه طالما يعيش في تلك الحياة الدنيا، فلا بد أن يُغلِّب جانب الخوف على جانب الرجاء (شريطةَ ألا يصل به الخوف إلى اليأس والقنوط من رحمة الله).
وذلك لأن الخوف يردع الإنسان عن فعل المعاصي التي بها تحل النقم، ويسلط الله بها عذابه على سائر الأمم... وأما إذا جاءه الموت فعليه أن يغلب جانب الرجاء على الخوف، لكي يموت وهو يحسن الظن بالله.
والعاقل هو الذي يعلم أيضًا أن السفر كله مشقة، وأنه لا راحةَ إلا بعد الوصول، وما عليه إلا أن يعد الزاد لهذا السفر البعيد، ولا ينشغل بتخاذل أكثر المسلمين وانشغالهم بالدنيا عن الدين.
فلقد هبت رياح المعصية، فأطفأت شموع الخشية من قلوبنا وطال علينا الأمد، فعلا القلوب قسوة كما قست قلوب أهل الكتاب، فهي كالحجارة أو أشد قسوة، وأسأنا فهم الدين الذي هو سر تميزنا.. فشغلنا بالشكل عن الجوهر، وبالقالب عن القلب، وبالمبنى عن المعنى، وهجرت الأمة كتاب ربها- عز وجل-.. بل وفشت الفواحش والمظالم وأكل الحرام، وظهرت صورة صارخة من الحسد والبغضاء والفرقة والخلاف والبعد عن طاقة الكريم الوهاب.
فكان لا بد من وقفة صادقة مع تلك الأشياء التي تبطل الأعمال لكي تحذرها قبل أن تقع فيها فنندم حيث لا ينفع الندم، فإن غاية المؤمن أن ينجو من عذاب النار، وأن يفوز بالجنة ورحمة الرحيم الغفار، فكل نعيم دون الجنة سراب، وكل عذاب دون النار عافية.
ولذا فإني أسأل القائمَ على كل نفسٍ بما كسبت أن ينفع إخواني وأخواتي بتلك الكلمات، وأن يجعلها في ميزان الحسنات في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
فأسأل الله أن يحفظ أعمالكم، وأن يجعلها نورًا لكم في قبوركم ويوم بعثكم وعلى الصراط.. وأن يجعلها قائدًا لكم إلى جنات النعيم.. وأن يرزقني وإياكم صحبة الحبيب صلى الله عليه وسلم في جنته ودار كرامته.. إنه ولي ذلك والقادر عليه.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أحكام متصلة بقراءة القرآن
- هل يشترط الوضوء للقراءة من المصحف، والسؤال عن الوضوء بصفة خاصة وليست الطهارة بصفةٍ عامة؟
2- إذا توقف القارئ عن القراءة ثم استرسل هل يجب عليه الاستعاذة مرةً أخرى أو البسملة؟
3- إذا مرَّ القارئ بآيات رحمة أو آيات عذاب ودعا ربه فهل يستعيذ قبل الاسترسال في القراءة؟
4- ما صفة سجدة التلاوة.. هل بتكبيرة وتسلمتين؟ وهل هي سجدة واحدة أم اثنتان؟ أم نسجدها كما تمر علينا أثناء قراءتها بالصلاة؟!
5- عند ختم قراءة القرآن الكريم هل لا بد من صلاة ركعتين شكرًا لله أم الدعاء فقط؟
المفتي: فضيلة الشيخ عبد الخالق حسن الشريف
- لا يشترط الوضوء للقراءة من المصحف.
- الاستعاذة سنة عند القراءة وليست واجبة، وإذا توقف فترةً طويلةً وأراد العودة لهذا الخير فالأفضل أن يُعيد الاستعاذة.
- إذا مرَّ بآيات رحمة سأل الله، والعكس بالعكس.
- حكم سجدة التلاوة: لا خلاف في أن سجدة القرآن تحتاج إلى ما تحتاج إليه الصلاة، من نية وطهارة من الحدث والنجس، واستقبال قبلة ووقت، إلا ما ذكر البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يسجد على غير طهارة، وذكره ابن المنذر عن الشعبي.
وعلى قول الجمهور هل يحتاج إلى تكبير ورفع يدَين عنده وتسليم؟!
اختلفوا في ذلك:
- فذهب الشافعي وأحمد وإسحاق إلى أنه يُكبِّر ويرفع اليدين لها، وقد رُوي في الأثر عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد كبَّر، وكذلك إذا رفع كبَّر، ومشهور مذهب مالك أنه كبَّر لها في الخفض والرفع في الصلاة، واختلف عنه في التكبير لها في غير الصلاة، وبالتكبير لذلك قاله عامة الفقهاء، والتسليم لها عند الجمهور، وذهب جماعة من السلف وإسحق إلى أنه يُسلِّم منها، وعلى هذا المذهب يتحقق أن التكبير في أدائها للإحرام، وعلى قول مَن لا يسلم يكون للسجود فحسب.
أما وقت سجود التلاوة فعند الشافعي في أي وقت؛ لأنها صلاة لسبب، وقال جماعة ما لم يسفر للصبح، أو ما لم تظهر الشمس بعد العصر.
وإذا سجد يقول: "اللهم احطط عني بها وزرًا، واكتب لي بها أجرًا، واجعلها لي عندك ذخرًا" ذكره ابن ماجة عن ابن عباس- رضي الله عنهما- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- الصلاة في أي وقتٍ غير أوقات الكراهة جائز، ولكن أن تكون على وجه تحديدي عند ختم القرآن فلم يرد بذلك دليلٌ نقليٌّ، وإنما ورد أن بعض الصحابة كانوا يدعون في كبيرة ويدعون عند ختم القرآن.
<br>
كاره اليهود- عضو مشارك
-
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
عدد المساهمات : 98
نقاط : 5182
السٌّمعَة : 0
مواضيع مماثلة
» جواز التفسير بالرأي والاجتهاد
» صور شاهده على الإعجاز العلمي للقرآن الكريم
» أدلة القائلين بعدم جواز التفسير بالرأي والاجتهاد
» قصص من القران الكريم
» قراءة فى كتاب التفسير بالرأي
» صور شاهده على الإعجاز العلمي للقرآن الكريم
» أدلة القائلين بعدم جواز التفسير بالرأي والاجتهاد
» قصص من القران الكريم
» قراءة فى كتاب التفسير بالرأي
شبكة واحة العلوم الثقافية :: الساحات العلمية والثقافية والحوارية :: ساحة الفقه والعلوم والحوارات الشرعية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى