شبكة واحة العلوم الثقافية
أسعدتنا زيارتك و أضاءت الدنيا بوجودك

أهلا بك فى شبكة واحة العلوم الثقافية

يسعدنا تواجدك معنا يدا بيد و قلبا بقلب

لنسبح معا فى سماء الإبداع

ننتظر دخولك الآن

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

شبكة واحة العلوم الثقافية
أسعدتنا زيارتك و أضاءت الدنيا بوجودك

أهلا بك فى شبكة واحة العلوم الثقافية

يسعدنا تواجدك معنا يدا بيد و قلبا بقلب

لنسبح معا فى سماء الإبداع

ننتظر دخولك الآن
شبكة واحة العلوم الثقافية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فى ذكرى استشهادالإمام البنا : الرجل الذي أحيا فكرته بموته!!

اذهب الى الأسفل

فى ذكرى استشهادالإمام البنا : الرجل الذي أحيا فكرته بموته!!  Empty فى ذكرى استشهادالإمام البنا : الرجل الذي أحيا فكرته بموته!!

مُساهمة من طرف هانى الإخوانى الخميس فبراير 09, 2012 5:47 pm

د. ممدوح المنير

كان فيه من الساسة دهاؤهم، ومن القادة قوتهم، ومن العلماء حججهم، ومن الصوفية إيمانهم، ومن الرياضيين حماسهم، ومن الفلاسفة مقاييسهم، ومن الخطباء لباقتهم، ومن الكتاب رسالتهم، وكان كل جانب من هذه الجوانب يبرز كطابعٍ خاص في الوقت المناسب) "روبير جاكسون".
ونحن نحتفل بذكرى استشهاد الإمام حسن البنا (12 فبراير) كان لا بد من كشف حساب، ومراجعة لفكر هذا الرجل الذي يمثل في حياته ومماته قيمةً من النادر أن تتكرر في التاريخ.

أزعم أن المساحة تضيق عن الإحاطة بهذا العنوان الكبير، ولكن حسبنا أن نومض ومضات سريعة عن الرجل وأتباعه، نعرف من خلالها أين نقف من هذا المشروع الذي تجاوز حدود الزمان والمكان، ليملأ كذلك القلوب والعقول.
أحب أن أشير بداهةً واحترامًا مني لعقلية القارئ أنني لا أستطيع، وأنا أكتب عن هذا الرجل العظيم أن أكون محايدًا، حقيقة ينبغي أن يعيها القارئ جيدًا، وأزعم أنني لستُ وحدي كذلك.

لا شك أن الرجل كان متميزًا غاية التميز في شخصيته وأنا لا أتحدث عن إعجاب أتباعه من أبناء حركة الإخوان المسلمين، ولكنه إعجاب كل صاحب فكرة، ورسالة ومنهج أين كان اتجاهه أو مشروعه فهو نموذج بالغة الروعة لكل صاحب قضية عادلة يناضل من أجلها، وتزداد الروعة ويعلو بريقها إذا كان هذا المشروع إسلامي الأساس، رباني التوجه، يتصالح مع الواقع ولا يتصادم معه، يستوعب الأحداث، ولا تستوعبه، يؤثر فيها أكثر مما تُؤثر هي فيه.


الرجل الكاريزما
أعتقد أن أحد الصفات الأساسية والحيوية التي يحتاجها أي زعيمٍ سياسي أو مصلح اجتماعي في عصرنا هي صفة الكاريزما تلك الصفة الآثرة التي يستطيع بها الرجل أن يملك العقول والقلوب ويوجهها الوجه الصحيحة بدونها سنظل نتحرك بسرعة السلحفاة في المشروع الإصلاحي، وأنا هنا لا أتفق مع الذي يربطون وجود هذه الصفة بتاريخٍ نضالي طويل، وعريض لصاحب هذه الصفة، وإن كنت لا أنكر أهميتها ولكن حسن البنا في طريقه للقلوب، والعقول لم يكن يملك هذا التاريخ لسبب بسيط أنه كان يصنعه حينها!!.
ولكن أزعم أن خمس صفات توافرت فيه شكلت الكاريزما الخاصة به أعتقد أنها كانت كافية لتفيض على غيرها من الصفات (إخلاص عميق لفكرته، استيعاب كامل للبيئة التي يعيش فيها، تضحية بلا حدود، ضبط عالٍ لإيقاع الأحداث وحسن التعامل معها، فهم عميق لطبائع النفس البشرية مع معرفة لغة الخطاب المناسبة لكل فئة مما يسهل قيادتها وتوجيهها).

المشروع السياسي لحسن البنا
من الممكن تقسيم المشروع السياسي لحسن البنا إلى ثلاثة اتجاهات رئيسية:
أولاً- معركة التحرر الوطني ضد الاحتلال الإنجليزي لمصر ابتداءً من الدعم المعنوي والمادي والاحتضان لكافة حركات التحرر الوطني في العالم الإسلامي وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وانتهاءً بتكوين النظام الخاص الذي كانت مهمته القيام بالعمليات الفدائية ضد المصالح البريطانية في مصر إلى المشاركة بحرب فلسطين، وإذا تتبعنا هذا المسار نجد أنه حتى بعد وفاة المؤسس ظل هذا النهج الجهادي المسلح متصلاً ومستمرًا في الفكر الإخواني في كافة الدول العربية والإسلامية الواقعة تحت الاحتلال فقط لا غير مثل (أفغانستان- الشيشان- فلسطين- لبنان- العراق)، وغيرهم مما لا يتسع المقام لذكره يبين مدى أهمية هذا العنصر في المشروع السياسي للجماعة.
ثانيًا- كان الاتجاه الثاني أو محور الحركة لدى (البنا- الجماعة) هو النضال السلمي أو المعارضة السياسية ضد الأنظمة الحاكمة، ومطالبتها الدءوبة والمستمرة بالحكم بالشريعة الإسلامية والتي هي لب المشروع السياسي للإخوان وعندما نقرأ للبنا (أستطيع أن أجهر صراحةً بأن المسلم لن يتم إسلامه إلا إذا كان سياسيًّا بعيد النظر في شئون أمته، مهتمًا بها غيورًا عليها.. وأعتقد أن على كل جمعية إسلامية أن تضع في رأس برنامجها الاهتمام بشئون أمتها السياسية، وإلا كانت هي نفسها تحتاج إلى أن تفهم الإسلام".
بهذا الكلمات الواضحة والقاطعة حدد حسن البنا موقع المعارضة السياسية السلمية من فكرته، ومشروعه الإصلاحي للأمة؛ ولكن لماذا كان هذا الاهتمام البالغ بهذا المحور في مشروعه؟

أعتقد أن سقوط الخلافة الإسلامية كان بمثابة الحجر الضخم الذي حرَّك الماء الراكد في النفوس، والشعور، وكان يوم السقوط هو نفسه يوم الميلاد لهذه الفكرة التي ما زالت لاعبًا رئيسيًّا على الساحة العربية والدولية (الإخوان المسلمون) كان حلم المؤسس وقتها يتجاوز قدرات الفهم والاستيعاب حينها، وأعتقد ونحن نحتفل بذكرى استشهاده أنها لا تزال كذلك!.
فالحديث حول عودة الخلافة الإسلامية، وأستاذية العالم ما زال محل دهشة واستغراب واستنكار لدى الكثيرين ولكن على أرض الواقع هل تبتعد الجماعة أم تقترب من تحقيق حلم مؤسسها، والذي أصبح فيما بعد فكرة أساسية في مشروعها الحضاري؟.
مما لا شك فيه أن الطموح السياسي للإخوان تعرض لكثير من التحديات والعقبات لأنه كان طبيعيًّا أن تقف الدول الغربية في طريقه فلم يكن سهلاً عليها أن تجد من يتحدث من جديد عن عودة الخلافة بعد أن استراحوا منها بعد جهد جهيد منهم ومنا للأسف! لذلك عندما رشَّح حسن البنا نفسه في الانتخابات النيابية كانت الضغوط الهائلة من الغرب على القصر وقتها لوقف هذا التقدم ولا يزال!.
وطبعًا لم تكن الدول الغربية وحدها بل كافة الأنظمة العربية الحاكمة وإلى الآن اعتبرت الإخوان المسلمين يمثلون تهديدًا مباشرًا لوجودهم فاستخدمت تلك الأنظمة كافة الوسائل لكبح جماح الإخوان بدءًا من الحل إلى التضييق إلى التشويه إلى السجن إلى التعذيب إلى القتل إلى الضرب بالصواريخ من أجل الإبادة- أحداث حماة في سوريا- وما حدث في الحقبة الناصرية والساداتية والمباركية ليس منا ببعيد! ولكن بعد مرور عشرات السنين على هذه الحادثة- ترشح البنا- عندما ننظر الآن على أرض الواقع نجد أن الإخوان تجاوزا هذه المرحلة، أو المراحل أو بمعنى أدق كان الاكتساح النسبي لمعظم المجالس النيابية في الوطن العربي بل العالم الإسلامي من الإخوان المسلمين خاصة والإسلاميين عامة.

ثم كانت مفاجآت العيار الثقيل عندما شكَّل الإسلاميون في تركيا العلمانية الحكومة- رغم التحفظ على أدائها في بعض المواقف- إلى المفاجأة الكبرى بتشكيل الحكومة الفلسطينية من قبل حركة حماس الإخوانية الجذور، فهل اقترب الإخوان من تحقيق الحلم أم ستنجح الضغوط في وقف المد الإخواني؟ أعتقد أن مَن يجيب عن هذا العنوان هي الفيزياء! التي تعلمنا أن الضغط يزيد من تقارب الجزيئات، وكلما زاد الضغط زاد التقارب حتى يصل الضغط إلى نقطة اللاعودة وعندها يحدث الانفجار والذي يكون في عكس اتجاه الضغط، ومن حسن حظنا أن هذه حقيقة علمية، وليست نظرية قابلة للتغيير.

ثالثًا- الاتجاه الثالث في المشروع السياسي للإخوان هو التحرك في وسط المجتمع ومحاولة توعيته دينيًّا أو كما يقول الإخوان في أدبياتهم إيقاظ الإيمان المخدر، بحيث تكون المحصلة النهائية أن الشعوب هي نفسها التي تشتاق للفكرة الإسلامية، وتطالب بعودتها إلى موقع الصدارة في حياتها وتترجم الإسلام إلى سلوكٍ عملي في حياتها.
وإذا تتبعنا هذا المحور تاريخيًّا نجد أن الإخوان قد حققوا فيه نجاحات باهرة، وقدموا الكثير من العلماء والدعاة الذين أخذوا على عاتقهم القيام بهذا الدور سواء المنتمين تنظيميًّا للجماعة أو المتعاطفين فكريًّا معها منهم الشيوخ والعلماء محمد الغزالي، سيد سابق، سيد قطب، يوسف القرضاوي، عبد القادر عودة، محمد قطب، محمد عمارة؛ عمرو خالد، كشك؛ زغلول النجار، فيصل مولوي؛ وغيرهم الكثير في كافة أنحاء العالم الإسلامي؛ لذا نجد أن الصحوة الإسلامية الحالية أصبحت هي الأصل، وغيرها هو الاستثناء، كذلك حاول الإخوان تغيير أنماط الحياة لتتلاءم مع مشروعهم الإصلاحي الإسلامي فساهموا في إنشاء البنوك والمصارف الإسلامية والتي أصبحت تكسب كل يوم أرضًا جديدةً.
كذلك في الفن أنشأوا الفرق والمسارح الإسلامية والروايات الإسلامية وغيرها من كافة أنماط الحياة، وهكذا يستطيع المرء أن يقول إن الإخوان المسلمين تحركوا في المسارات الثلاثة في توازن شديد مما يجعلنا نطمع أن حلم هذا الرجل العظيم ربما نفاجأ ذات يوم أنه أصبح حقيقةً واقعةً وليس أضغاث أحلام، اللهم آمين.


من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت
هانى الإخوانى
هانى الإخوانى
المراقب العام
المراقب العام

وسام التميز 2
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 1177
نقاط : 6704
السٌّمعَة : 17
العمر : 41
متسامح
العمل/الترفيه :

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

فى ذكرى استشهادالإمام البنا : الرجل الذي أحيا فكرته بموته!!  Empty نظرات في منهاج الإمام الشهيد حسن البنا الإصلاحي

مُساهمة من طرف هانى الإخوانى الخميس فبراير 09, 2012 6:01 pm

بقلم: عدنان سعد الدين*

شاع في السنوات الأخيرة مصطلح (الإصلاح)، وتمَّ تقديمه على أنه اسم لمشروع غربي تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على فرضه على ما يُسمَّى بدول العالم الثالث.

ونسي أو تناسى الكثيرون أنَّ الإصلاحَ هو مصطلح إسلامي ورد ذكره في القرآن الكريم﴿إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ﴾ (هود: من الآية 88)، ولدي دراسة معمقة في تاريخ الإمام الشهيد حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، يتبين أنه كان رائدًا من روِّاد الحركة الإصلاحية المعاصرة، وأنه وعلى الرغمِ من استشهاده في سنٍّ مبكِّرة، وفي ريعان الشباب، وقمة العطاء، طرح نظراتٍ واجتهاداتٍ متقدِّمة جدًا، وجدت ضرورة طرحها للأجيال الحالية في هذه المقالة المركّزة والمكثفة.

مَن هو حسن البنا؟

إنه حسن بن أحمد عبد الرحمن الساعاتي الملقب بحسن البنا، وُلد في قريةِ المحمودية من مديرية البحيرة في مطلع القرن العشرين الميلادي عام 1906م، أكمل تحصيله الابتدائي والمتوسط في بلدته، ودرس بمعهد المعلمين في مدينة دمنهور، وتتلمذ على والده الشيخ أحمد عبد الرحمن، الرجل الصالح، والمحدث الكبير، صاحب شرح وتحقيق المسند لأحمد بن حنبل، وعلى عدد من الشيوخ، فأخذ من التصوف الزهد وتطهير النفس وتزكيتها، وتنقية القلب من العلل والشوائب، كما أخذَ من السلفيةِ الطريقة والإتباع مبرّأة من الجمود والجفوة والتطاول على العارفين وذوي الصلاح، وعندما التحق بدار العلوم في القاهرة نال شهادتها وكان الأول بين طلابها.

في مدينة الإسماعيلية التي باشر مهنة التعليم في مدارسها، شرع بوضع الأسس في بناء كبرى الحركات الإسلامية عام 1928م الموافق 1347 هـ، ولما يحصل على مكثه في الإسماعيلية عام واحد، إذْ تضافرت عوامل عدة في تكوين شخصيته القيادية الفريدة، فقد حباه الله تعالى عقلاً راجحًا، وذكاءً حادًّا، وبديهة حاضرة، وقلبًا كبيرًا يسع المحسن والمسيء، وإحساسًا مرهفًا، وذاكرة عجيبة، وفراسة تنظر بنور الله، وكان مفتاح شخصيته الزهد ونكران الذات، والخروج من سلطان الدنيا، وتحرره من التفكير بها، أو الاهتمام بشأنها أو متاعها، ذكر من دخلوا منزله إنهم شاهدوا صورةً من الزهد تذكر بما كان عليه العارفون الكبار من أمثال الإمام أحمد بن حنبل (1).

لقد كانت تجربته المبكرة، ومشاهداته المثيرة عاملاً حاسمًا في وضوحِ الرؤية، وتحديد الهدف لديه، فقد راعه ما رآه في أوساطِ الشيوخ من انقسامٍ وصراع، واستفزته رؤية المعسكرات البريطانية جاثمة على صدر الوطن، وآلمه تفشي البؤس والفقر والحرمان في السواد الأعظم من المصريين لحساب المستعمر والمالكين الكبار والشركات الأجنبية، كما راعه تخاذل القصر والأحزاب السياسية أمام العدو المحتل، فشرع بوضع نظريات العمل الإسلامي، وأطلق الشعارات، وحدّد الغايات، ورسم الخطط، وشرع في مخاطبة الشعب وتوعية الجماهير وبناء التنظيم، وهو دون الخامسة والعشرين، وكتب رسائله كالمتون في اختصارها ودقتها، فجاءت أعماله من حيث النضج والاكتمال في بدايتها مثلها في نهايتها.

كان رحمه الله يملك جاذبيةً لا تُقاوم في ذلاقةِ اللسان، وسحر البيان، والاستشهاد بآي القرآن، فإذا بالإسماعيلية مركز القيادة للجيوش البريطانية المحتلة تصبح قلعة المقاومة وحصن الجهاد وموئل الأبطال من أمثال شيخ الفدائيين يوسف طلعت، وقائد المجاهدين محمد فرغلي رحمها الله وأعلى مقامهما.

انتقل الإمام حسن البنا إلى القاهرة عام 1932م لتكون مقرًّا لقيادةِ التنظيم، وسرعان ما أثمرت حركته رحمه الله قطوفًا يانعة، فسددت لها حكومة حسين سري أولى الضربات فانتشرت في القطر المصري من أدناه إلى أقصاه، ودخلت بيوت المثقفين والموظفين والعمال والفلاحين، فعاجلتها حكومة السعديين برئاسة إبراهيم عبد الهادي بضربة قاسية عام 1948م، فجاءت ردة الفعل اتساع دائرتها لتصل إلى الأقطار العربية، وعندما قررت حكومة جمال عبد الناصر القضاء المبرم عليها عام 1954م ورفعت قادتها وعلماءها على أعواد المشانق، وأعربت جميع القوى الكبرى على لسان صحفها عن ارتياحها وسعادتها (2) كانت النتيجة وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى جميع أنحاء العالم، ودخولها القارات الخمس وانتشارها في أكثر من خمسين بلدًا، وكذلك في أوساط الأقليات والجاليات الإسلامية في أوروبا وأمريكا وجميع بقاع العالم.

لسنا بصدد دراسة شافية عن الإمام حسن البنا في هذه المذكرات والذكريات، فهذا يحتاج إلى مجلدات، والرجل متعدد الجوانب والمواهب، بيد أن إلمامة سريعة عن شخصيته وأفكاره وبعد نظره في أمور كثيرة وخطيرة لا بد منها، باعتباره مؤسسًا وقائدًا لكبرى الحركات والجماعات الإسلامية في العصر الحديث.

حسن البنا واحد من العمالقة الكبار في هذا العصر، جدّد للأمة الإسلامية دينها، وأحيا آمالها، وأيقظها من سباتها، وأسمعت صيحته أرجاءها، أسس كبرى الجماعات الإسلامية في القرن العشرين الميلادي (الرابع عشر الهجري)، وأنشأ جيلاً بل أجيالاً صلبة عازمة على التغيير والتحرير والنهوض الكبير، وانتقل بالعمل الإسلامي من حيز النظريات والفرضيات إلى سوح الجهاد والبناء، وأعطى من نفسه القدوة في العطاء والفداء، والإخلاص والتجرد ونكران الذات.

نظرات في منهاج الإمام الإصلاحي

إنَّ معظم الدراسات التي تناولت سيرة حسن البنا رحمه الله اقتصرت على سجاياه، وصفاته، وشمائله، وسيرته الذاتية، وقلَّما وقعت عيني على دراسة تتناول تجديده الديني وإصلاحه الاجتماعي، وفكره السياسي، وفي هذه العجالة أُشير إلى نظرات ومواقف مهمة تلقي الضوء على شخصية الإمام، ومنهجه في الإصلاح، وسبقه في قضايا كثيرة تقدم بها على غيره من المفكرين.

1- حدد منذ وقت مبكر دعائم عدة لدعوة الإخوان، فذكر منها أنها ربانية تستمد من هذه الصلة روحانية تسمو بها إلى طهر الإنسان، وإنها عالمية موجهة إلى الناس كافة (فالبشرية عائلة واحدة، أبوها آدم وأمها حواء). (3)

2- عني- رحمه الله- بالإصلاح الاجتماعي بعد تأسيس الجماعة بوقتٍ قصير فبنى المساجد، وأنشأ المعاهد للبنين والبنات، وأقام الأندية، وأسس مقرات لحفظ القرآن الكريم، وشجّع على الصناعات المنزلية والخفيفة للنسيج والسجاد، وشكَّل لجانًا للمصالحات ودفع الخصومات، وأخرى لجمع الصدقات وإسعاف المعوزين والفقراء، وهيأ للمرضى مستوصفات متنقلة.... إلخ في أنحاء مصر، كالذي عرفه المواطنون وشاهدوه واستفادوا منه في الإسماعيلية وشبراخيت ومحمودية الدقهلية وغيرها (4).

3- دعا إلى الحرية السياسية بلغة لا ينقصها الوضوح، فقال: الحرية السياسية ركن من أركان الإسلام، وفريضة من فرائضه، وإننا نعمل لاستكمال الحرية ولإصلاح الأداة التنفيذية كجزء من تعاليم الإسلام (5) والإسلام الحنيف يعلن الحرية ويزكيها، ويقررها للأفراد والأمم والجماعات بأفضل معانيها، ويدعوهم إلى الاعتزاز بها والمحافظة عليها، يقول صلى الله عليه وسلم: "مَن أعطى الذلة من نفسه طائعًا غير مكره فليس مني" (6)، ومن هذا المنطلق رفضه الهيمنة الأجنبية مهما كان الثمن، فقال: وقد وطنا أنفسنا على أن نعيش أحرارًا عظماء، أو نموت أطهارًا كرماء (7).

4- أقرَّ وجود الأحزاب السياسية بضوابط ومناهج معلنة، وامتدح كثيرًا من رجالات الأحزاب، وقال: قد عملوا على خدمةِ القضية السياسية المصرية، ونحن لا نبخس الرجال حقهم، بيد أنه رحمه الله أخذ على الأحزاب أنها لم تُحدد منهاجًا دقيقًا لما يريد من ضروب الإصلاح، وقال: إن هذه الأحزاب تعاقبت على الحكمِ فلم تأتِ بجديد، فالإمام البنا لم يرفض فكرة الأحزاب وحقها في الوجود والمشاركة السياسية، ولكنه أنكر واقعها، وانحرافها، وفشلها، وافتقارها إلى المنهج الإصلاحي الذي يخدم البلاد والعباد، وعندما عرَّف الإمام جماعة الإخوان بجملةٍ من المزايا والصفات والمقومات، جاء منها كما قال رحمه الله: نحن حزب سياسي نظيف يجمع الكلمة، ويبرأ من الغرض (المنافع الخاصة) ويحدد الغاية، ويحسن القيادة والتوجيه(8)، وفي نفس الاجتماع أكد على موضوع فلسطين وقال: إن مصر والعالم العربي والإسلامي يفتدي فلسطين (قلب العالم العربي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم).

5- دعا الإمام البنا- رحمه الله- إلى الوحدةِ العربية بحماسةٍ شديدة، وتحدَّث عن ميّزات العروبة، وخصائصها، والقيم التي تحلَّت بها وعرفت عنها فقال: نحن نعلم أنَّ لكلِ شعبٍ مميزاته وقسطه من الفضيلة والخلق، ونعلم أنَّ الشعوب في هذا تتفاوت وتتفاضل، ونعتقد أنَّ العروبة لها من ذلك النصيب الأوفى والأوفر، ولكن ليس معنى هذا أن تتخذ الشعوب هذه المزايا ذريعةً إلى العدوان، بل عليها أن تتخذ ذلك وسيلة إلى النهوض بالإنسانية، ولعلّك لست واحدًا في التاريخ من أدرك هذا المعنى من شعوب الأرض كما أدركته تلك الكتيبة العربية من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، (9)، وتحدث الإمام عن الوحدة حديثًا يفيض في الحماسة والاقتناع، وربطه بالعقيدة وأصول الدعوة إلى الإسلام في مناسبات كثيرة، وفي فترات متفاوتة، كان واضحًا ما جاء في خطابه بالمؤتمر الخامس عام 1938م فقال: ثم إنَّ هذا الإسلام نشأ عربيًّا، ووصل إلى الأمم عن طريق العرب، وجاء كتابه بلسان عربي مبين، وتوحَّدت الأمم باسمه على هذا اللسان يوم كان المسلمون مسلمين، وقد جاء في الأثر: إذا ذلَّ العربي ذلَّ الإسلام، وقد تحقق هذا المعنى حين زال سلطان العرب السياسي، وانتقل الأمر من أيديهم إلى غيرهم من الأعاجم والديلم ومن إليهم، فالعرب هم عصبة الإسلام وحراسة، وأحب هنا أن ننبه- يقول الإمام- إلى أن الإخوان المسلمين يعتبرون العروبة، كما عرفها النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه ابن كثير عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: "ألا إن العربية اللسان، ألا إن العربية اللسان"، ومن هنا كانت وحدة العرب أمرًا لا بد منه لإعادة مجد الإسلام، وإقامة دولته، وإعزاز سلطانه، ومن هنا وجب على كل مسلم أن يعمل لإحياء الوحدة العربية وتأييدها ومناصرتها، وهذا هو موقف الإخوان المسلمين من الوحدة العربية (10).

ثم أكد الإمام المرشد على هذا المعنى في المؤتمر السادس الذي تمَّ عقده عام 1941م وجاء فيه: العروبة لها في دعوتنا مكانها البارز وحظها الوافر، فالعرب هم أمة الإسلام الأولى وشعبه المتخيّر، ولن ينهض الإسلام بغير اجتماع كلمة الشعوب (الجماهير) العربية ونهضتها، فهذه الحدود الجغرافية والتقسيمات السياسية لا تمزق في أنفسنا أبدًا معنى الوحدة العربية الإسلامية التي جمعت القلوب على أملٍ واحدٍ، وجعلت من هذه الأقطار جميعًا أمة واحدة مهما حاول المحاولون وافترى الشعوبيون، ونحن نعتقد أننا حين نعمل للعروبة نعمل للسلام ولخير العالم كله (11).

هذا هو رأي الإمام حسن البنا في العرب والعروبة والوحدة العربية، وأزعم أن أعضاء الجماعة في خارج مصر، ولا سيما في بلاد الشام- سوريا ولبنان والأردن وفلسطين- والعراق لو أخذوا برأي الإمام الشهيد حسن البنا، ورفعوا لواء الوحدة العربية ومن المفاهيم التي حددها الإمام- رحمه الله- في هذا الشأن، لقطعوا الطريق على الحركاتِ والأحزاب القومية التي جنحت بالعروبة جنوحًا ضارًا، والتي اشترطت للوحدة العلمانية أو الماركسية مضمونًا لها، وأخذوا بكل ما يبعدها عن الإسلام ورسالته التي صار العرب بها خير أمة أخرجت للناس.

6- أما الشئون الاقتصادية فقد سبق الإمام عصره بما يخصها بخمسين عامًا على الأقل، فقد آلمه ما يعانيه المواطنون من فقر، ومرض، وبؤس، وجهل، واضطهاد، فأرسل صيحة مدويّة حذَّر فيها من النتائج المترتبة على ذلك، والتي قد تُفضي إلى سوء المصير، وقد شخَّص- رحمه الله- أحوال الناس، وما يعانونه من جوعٍ وحرمان، في المؤتمر السادس عام 1941، فذكر أن دخل الفرد في الشهر جنيهان، بالوقت الذي تبلغ تكاليف الحمار 340 قرشًا أي ضعف دخل المواطن على وجه التقريب (12)، وأنَّ في مصر 320 شركة يملكها أجانب وغرباء وجاليات، بينما لا يملك المصريون سوى 11 شركة (13).

ونادى رحمه الله بتأميم قناة السويس، وقال: قناة السويس أرض مصرية حفرت بدماء المصريين وجهود أبنائها، فيجب أن يكون لمصر حق الإشراف عليها وحمايتها وتنظيم شأنها (14).

وفي مكانٍ آخر من بحوثه ورسائله نادى الإمام بتأميم القنال صراحةً، وعبر عن ذلك بقوله (تمصير القنال)، كما نادى بتمصير الشركات، وإحلال رؤوس الأموال الوطنية محل رؤوس الأموال الأجنبية كلما أمكن ذلك (15)، والتحول إلى الصناعة فورًا؛ لأن ذلك من روح الإسلام (16).

وطالب في نفس البحث وفي هذه الرسالة باستقلال النقد (عن الإسترليني) واعتماده على رصيد ثابت من موارد مصر وذهبها لا على أذونات الخزينة البريطانية وعلى أوراق لا قيمة لها إلا بالضمان الإنجليزي!

كما تحدث الإمام عن نظام الملكيات، فدعا إلى إعادة النظر في تملّك الأرض، وقال بتشجيع الملكيات الصغيرة، وتعويض ذوي الملكيات الكبيرة، حتى يشعر الفقراء أنَّ لهم في الوطن ما يعنيهم أمره، ويهمهم شأنه (17).

إنَّ الإمام لم يترك مناسبةً، في المؤتمرات، أو الرسائل، أو المقالات، أو صحف الجماعة إلا دعا إلى تحرير الفلاحين والعمال والحرفين من الظلم والاستغلال وسيطرة الشركات الأجنبية، وإعطائهم حقوقهم المجزية ليعيشوا وأبناؤهم حياة كريمة تكفل لهم التعليم والعلاج والرزق الحلال والكرامة الإنسانية كما نصَّت الآية الكريمة في كتاب الله تعالى ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70) ﴾ (الإسراء).

7- وأخيرًا- وليس بآخر- دعا الإمام إلى وحدةِ الكلمة، وجمع الشمل، ورص الصفوف، والتقاء الهيئات والمؤسسات والشخصيات على الأمور التي توحِّد ولا تفرِّق، وتجعل الشعب كله صفًا واحدًا وكتله متراصة كالبنيان يشد بعضه بعضًا، وأن يعذر الأخ أخاه، والجار جاره، والمواطن أبناء وطنه في أي خلاف ينشب بينهم كما كان يفعل الفقهاء الكبار والأئمة العظام، فأطلق- رحمه الله- كلمته الشهيرة التي ذهبت مثلاً، فقال: "فلنتعاون على ما اتفقنا عليه، وليعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه".

هذه ملامح عن شخصية الإمام، وشذرات من فكره الثاقب، ورأيه السديد، ونظره البعيد، وسبقه أبناء جيله في استشراف المستقبل، وهذا هو شأن الكبار والمصلحين، فرحمه الله وأعلى مقامه في عليين، وجزاه عن أمته وملته خير الجزاء وأحسنه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

** الهوامش

(1) سمعتُ هذا من الشيخ الداعية الدكتور مصطفى السباعي، ومن طبيب مصري، التقيته في مؤتمر انعقد في فندق انتركونتننال بمكة المكرمة عام 1397 هـ أي حوالي أكثر من ثلاثين سنة، وقد دخل غرفة نومه وهو مسجى بعد استشهاده قبيل دفنه رحمه الله.

(2) كنت طالبًا في السنة الأخيرة بكلية آداب القاهرة عندما نفّذ حكم الإعدام في قادة الإخوان المسلمين من أمثال المشرع الكبير عبد القادر عودة، وشيخ المجاهدين محمد فرغلي وإخوانهما، وكانت صحف القاهرة الأهرام والجمهورية والأخبار تنقل ما تكتبه الصحف العالمية في السوفيت وأوروبا وأمريكا من ابتهاجها وشماتتها بإعدام قادة وشيوخ الإخوان المسلمين.

(3) رسالة دعوتنا في طور جديد، صدرت عام 1942، ص 226 من كتاب مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا، الطبعة الثالثة عام 1984، وكل ما ورد عن الإمام في هذه المذكرات مأخوذ عن هذه الطبعة.

(4) رسالة: هل نحن قوم عمليون 1353هـ 1934م، من مجموعة الرسائل.

(5) رسالة المؤتمر الخامس عام 1941ص 213 من كتاب مجموعة الرسائل.

(6) مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي، ص 308 من مجموعة الرسائل صدرت 1948.

(7) رسالة المؤتمر السادس ص 220 من مجموعة الرسائل صدرت عام 1941.

(8) كلمة الإمام في اجتماع رؤساء والمناطق الذي عقده عام 1364هـ الموافق 1945م ص 252 من كتاب مجموعة الرسائل.

(9) رسالة دعوتنا ص 24 من مجموعة الرسائل (الطبعة الثالثة 1404هـ 1984م) في مطلع الثمانينات.

(10) رسالة المؤتمر الخامس الذي ألقى فيه الإمام خطابه الجامع عام 1357 – 1938م، ص 142 من مجموعة الرسائل.

(11) المؤتمر السادس عام 1941 ص 230 – 231 عن مجموعة الرسائل.

(12) المؤتمر السادس ص 208 .

(13) المرجع السابق ص 209.

(14) رسالة اجتماع رؤساء المناطق عام 1945 ص 261.

(15) رسالة النظام الاقتصادي ص 346 عن مجموعة الرسائل.

(16) المصدر السابق ص 347 عام 1948.

(17) ص 349 من رسالة النظام الاقتصادي عام 1948.

-----------------

* مفكر وكاتب إسلامي من سوريا


من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت
هانى الإخوانى
هانى الإخوانى
المراقب العام
المراقب العام

وسام التميز 2
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 1177
نقاط : 6704
السٌّمعَة : 17
العمر : 41
متسامح
العمل/الترفيه :

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

فى ذكرى استشهادالإمام البنا : الرجل الذي أحيا فكرته بموته!!  Empty من تراث الإمام البنا

مُساهمة من طرف هانى الإخوانى الخميس فبراير 09, 2012 6:03 pm

بقلم: جمعة أمين عبد العزيز

عن جابر وأبي طلحة -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلي الله عليه وسلم- قال: "ما من مسلم يخذل امرئًا مسلمًا في موضع تُنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يجب فيه نصرته, وما من امرئ ينصر مسلمًا في موطن ينتقص فيه من عرضه ويُنتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يجب فيه نصرته" رواه أبو داود.

هو الإسلام الذي يجمع شتات القلوب, ويوحد نوافر النفوس, ويتألف شواذ الطباع, ويجعل من المسلمين جسدًا واحدًا في تعاطفهم وتراحمهم وتوادهم إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر, هي لحمة الدين ونسبه ورباط الإيمان وسببه, تقطعت الروابط وذلك الرباط قوي متين, وانطمست الأسباب وهذا السبب واضح مبين, عليه نحيا وعليه نموت وعليه نُبعث إن شاء الله.

إن الله لم يرتض للمسلمين إلا أن يكونوا إخوة, وامتنَّ عليهم في محكم كتابه بهذه المنة, وهو في هذا الامتنان يذكرهم بهذه الفريضة, وأن الأنصاري الذي كان يقدم للمهاجري نفسه وماله وأهله لم تكن تربطه به رابطة من دم أو نسب إن هو إلا الإسلام, ولأمر ما خلد الله في ذلك ذكرهم, فقال تبارك وتعالي: (وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر:9).

لم ير السلف رابطة أولي من هذه الرابطة بالرعاية, فكان الأجنبي لديهم شقيقًا كريمًا وأخًا حميمًا بالإسلام, وكان القريب بعيدًا وعدوًا لدودًا إذا ناوأ دعوة الإسلام, أليس منهم من قتل أباه في سبيل الله?! وأليس منهم من افتدى بنفسه أخاه في دين الله? وهل علمهم القرآن غير هذا العلم وأدبهم بغير هذا الأدب" إذ يقول لهم: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (الممتحنة:4) ?

القول في هذا أمر يطول وأنت إذا تصفحت كتاب الله وأحاديث رسوله وجدت حق المسلم على المسلم كأخ كريم وولي حميم فريضة مقررة وأمرًا محتومًا لازمًا, وإذا تصفحت سير كرام السلف الصالح رأيتهم درجوا على ذلك وآمنوا به وتغلغل في نفوسهم وفاضت به قلوبهم الطاهرة.

هذا سري السقطي يستغفر الله سبع سنين" لأنه قال: "الحمد لله" حين علم أن حانوته نجا من حريق وقع. وقال في ذلك: "ويل لسري يحب لنفسه ما لا يحب لغيره ويؤثر حانوته بالنجاة دون حوانيت المسلمين", ولو أخذ المسلمون بهذا الأدب ما ضعفت قوتهم, ولا تفككت وحدتهم, ولا تمكن عدو منهم, ولكنهم تخاذلوا فخذلهم الله, ونسوا الله فأنساهم أنفسهم, نؤمن بهذا وندين به ونلقى الله عليه رغم أنوف دعاة القومية الخاصة الذين يمكنون لأعدائهم في بلادهم وهم لا يشعرون, وحسبنا من ذلك ما يرويه الحاكم في حديث صحيح "من لم يهتم للمسلمين فليس منهم".

هذه العاطفة النفسية والأخوة الإيمانية لن تكون كلامًا لفظيًا ولا أمنية خيالية, ولكنها عقيدة لابد أن يكون لها أثرها الخارجي العملي, ولابد أن تتمثل في كل صلات المسلمين ومعاملاتهم, فمن خرج على هذه العقيدة أو ادعاها ادعاءً ولم يأخذ بمستلزماتها استحق عقوبة تتكافأ مع جريمته, وعلى ضوء هذه المبادئ نتفهم الحديث الشريف.

أي مسلم يرى أخاه في ضيق وشدة وكرب وعسرة وموضع اعتدي فيه عليه فنال عدوه من كرامته وانتهك حرمته وانتقص عرضه واستبد به وأذاقه صنوف الهون, ثم هو يرى ذلك وهو ساكت واجم لا يبدي حراكًا ولا يمد يده لنصره, إلا كان ذلك دليلاً علي ضعف إيمانه ورقة دينه واستهانته بحقوق الأخوة التي هي فريضة منزلة ومتى كان كذلك فإن الله يكافئه بحرمانه رحمته ورضوانه في وقت يكون أشد ما يكون رجاء لهما وحاجة إليهما, وذلك { يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)} [عبس: 34- 37].

وأي إنسان يضمن لنفسه النجاة بعمله أو يعتقد السلامة إذا خلى بينه وبين نفسه?! ومن حرم فضل الله فأي شيء بقي له?! لهذا كان الوعيد في هذا شديدًا والجزاء صارمًا عنيفًا ولكن الجريمة تستحق ذلك وأشد منه.

وأي مسلم يري أخاه على هذه الحال فيخف لنصرته ويلبى نداءه ويقف إلى جانبه ويدفع عنه عدوان المعتدين وظلم الظالمين إلا كان ذلك دليلاً على قوة إيمانه ومتانة يقينه ومعرفتة فرائض ربه.. واستحق بذلك جزاء من جنس عمله, أن يؤيده الله في الشدائد وينصره في الملمات والخطوب ولينصرن الله من ينصره, ومن حاز نصر الله فقد حاز كل خير, فهو جزاء سني شريف" لأن العمل سني شريف, كذلك ومن يعمل مثقال ذلك خيرًا يره.

أيها المسلمون: هذا دستور دينكم وقول نبيكم, ولستم في وقت من الأوقات مظلومين مهضومين كما أنتم في هذا العصر الذي يقولون: إنه عصر المدنية.. فقد تمزقت وحدتكم واحتُلت أرضكم وسُلبت أموالكم واستُغلت مرافقكم وصدق فيكم قول دعبل بن علي:

تري فيأهم في غيرهم متقسمًا وأيديهم من فيئهم صفرات


وَنًيلَ من كرامتكم وانتُهكت حرماتكم وانُتقصت أعراضكم, فلستم أحوج إلي التساند والمساعدة والتكاتف أكثر من الآن, فكونوا كما قال رسولكم - صلي الله عليه وسلم- كالبنيان يشد بعضه بعضًا.. أما كيف تتعاونون -وأنى منكم التعاضد- فاعلموا -يا أحبائي- أن الأمر أيسر, وإذا صدق العزم وضح السبيل, والحاجة تفتق الحيلة, وفي الوقت الذي يسودكم فيه هذا الشعور بحق, وتعلمون أنه أمر لابد منه ترون كيف تكون السبيل واضحة إلي التعاون والتآزر, والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.


من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت
هانى الإخوانى
هانى الإخوانى
المراقب العام
المراقب العام

وسام التميز 2
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 1177
نقاط : 6704
السٌّمعَة : 17
العمر : 41
متسامح
العمل/الترفيه :

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

فى ذكرى استشهادالإمام البنا : الرجل الذي أحيا فكرته بموته!!  Empty مع ذكرى استشهاد الإمام حسن البنا

مُساهمة من طرف هانى الإخوانى الخميس فبراير 09, 2012 6:06 pm

فى ذكرى استشهادالإمام البنا : الرجل الذي أحيا فكرته بموته!!  1328010159


مع ذكرى استشهاد الإمام حسن البنا
الثلاثاء 08 ربيع الأول 1433

مع ذكرى استشهاد الأمام حسن البنا في 12 من فبراير عام 1949 ميلادية تتجدد الآلام لكن معها نعيش كل الآمال ففي الحديث الصحيح " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها "ما بال هؤلاء ؟ ما شأنهم؟ لم اختصهم الله بهذه المكانة؟

ما خصائصهم النفسية ؟وقد شهد كثير من الفاقهين أن الإمام حسن البنا كان على موعد مع هؤلاء ولقد شهد له خصوم الإخوان بحسن خلقه ودماثته، ولين جانبه، وصفاء نفسه، وقوة إيمانه، ورجاحة عقله.

وفى هذه السطور مشاعر العرفان - وبعض التعريف - بسيرة هذا الرجل طيب الله ثراه ورحمه رحمة واسعة.

قبس من نشأته

• المَوِلد:

ولد الإمام حسن البنا في المحمودية بالإسماعيلية عام 19.6م، ولقد نمت معه منذ صباه المبكر الرغبة في الإصلاح على نهج الإسلام، فكان ثورة على كل مظاهر الفسق والتحلل، ففي المدرسة الإعدادية يثور عند رؤيته لتمثال خشبي عار على صورة تتنافى مع الآداب، معلق على سارية إحدى السفن الشراعية على شاطئ ترعة المحمودية، فيندفع الصبي الصغير بفطرته السليمة، إلى ضابط النقطة ؛ ليبلغه ما رآه معلقًا عليه باستنكار فيستجيب الضابط لتلك الغيرة المؤمنة، ويأمر بإنزال التمثال في الحال، وكان له ما أراد.

• أساتذته وشيوخه وتلاميذه:

تأثر الشيخ حسن البَنّا بعدد كبير من الشيوخ والأساتذة، منهم والده الشيخ أحمد والشيخ محمد زهران – صاحب مجلة الإسعاد وصاحب مدرسة الرشاد التي التحق بها حسن البَنّا لفترة وجيزة بالمحمودية – ومنهم أيضاً الشيخ طنطاوي جوهري صاحب تفسير القرآن"الجواهر" ورأس تحرير أول جريدة أصدرها الإخوان المسلمون سنة 1933.

ولقد أنشأ البنا رحمه الله فرعا جديدا في المكتبة الإسلامية والعربية يسمى فقه الدعوة جذب إليه أذكياء القوم ليصنعوا بسيرتهم وأعمالهم رجالا يحيون بالفكرة ويموتون في سبيلها من هؤلاء الأستاذ محمد الغزالي، عبد القادر عودة - سيد قطب، سيد سابق - الدكتور مصطفى السباعي، أحمد ياسين، عبد البديع صقر، كمال السنانيرى............الخ

• من أعماله المهنية:

من مدرسة المعلمين في دمنهور ينتقل للقاهرة لينتسب إلى مدرسة دار العلوم العليا، وقد تخرج فيها عام 1927وكان أول دفعته فعُين معلمًا بمدرسة الإسماعيلية الابتدائية الأميرية، ثم نُقل سنة 1932 إلى القاهرة - وكانت فكرته على موعد مع القدر فبعد إقامته بالقاهرة بعام واحد أي عام 1934 انتشرت فكرة الإخوان فيما يزيد على خمسين بلدًا من بلدان القطر المصري، وقامت في كل بلد من هذه البلدان تقريبًا بمشروع نافع، أوبمؤسسة مفيدة، ففي الإسماعيلية أسست مسجد الإخوان، وناديهم، ومعهد حراء لتعليم البنين، ومدرسة أمهات المؤمنين لتعليم البنات، وفي شبراخيت أسست مسجدًا، وناديًا ومعهداً للبنين، وداراً للصناعة يتعلم فيها طلبة المعهد الذين لا يستطيعون إتمام التعليم، وفي المحمودية - البحيرة - قامت بمثل ذلك فأنشأت منسجًا للنسيج والسجاد، إلى جوار معهد تحفيظ القرآن الكريم، وفي المنزلة - دقهلية - أقامت معهدًا لتحفيظ القرآن،وقُل مثل ذلك أوبعضه في كل شعبة من شعب الإخوان المنتشرة من إدفوإلى الإسكندرية، وحين اشتدت المحنة والضغوط على الإخوان نقل الأستاذ البنا إلى قنا 1941 ثم ترك مهنة التدريس في عام 1946 ليتفرغ لإدارة جريدة الشهاب إلى أن اغتيل في 12 فبراير عام 1949.

• من مآثره:

1 - ذكر الأستاذ محمد عبد الحليم الحامد في كتابه مائة موقف من حياة المرشدين هذه الرواية" في مؤتمر الطلاب الذي انعقد بدار جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة عام 1938 م خطب الإمام الشهيد فتحمس أحد الأخوة من الطلاب فهتف بحياة حسن البنا – وبرغم عدم استجابة الحاضرين لهذا الهتاف – إلا أن الأستاذ المرشد وقف صامتاً لا يتحرك برهة، فاتجهت إليه الأنظار في تطلع... ثم بدأ حديثه في غضب فقال:أيها الإخوان، إن اليوم الذي يهتف في دعوتنا بأشخاص لن يكون ولن يأتي أبداً، إن دعوتنا إسلامية ربانية قامت على عقيدة التوحيد، فلن تحيد عنها، أيها الإخوان لا تنسوا في غمرة الحماس الأصول التي آمنا بها ، وهتفنا بها: ( الرسول قدوتنا )

2 - وذكر أيضا " حين صدر قرار بحل جماعة الإخوان المسلمين في الثامن من ديسمبر عام 1948 م في عهد النقراشي وكان ما كان من محنة وبلاء واعتقال وإيذاء، حينئذ ذهب بعض الشباب إلى الإمام الشهيد ليستأذنوه في المقاومة حسب الطاقة - فنهاهم بشدة عن هذا الأمر - وأوضح لهم عاقبته الوخيمة وذكرهم الإمام الشهيد بالقصة المشهورة عن نبي الله سليمان حين اختصمت امرأتان على طفل وليد... وادعت كلتاهما بنوته... فحكم بشطره نصفين بينهما - وبينما وافقت المرأة التي لم تلد على قسمته، عز ذلك على الأم الحقيقية - وآلمها قتل فلذة كبدها - فتنازلت عن نصيبها فيه لقاء أن يظل الطفل متمتعاً بحياته..ثم قال لهم الإمام الشهيد:إننا نمثل نفس الدور مع هؤلاء الحكام - ونحن أحرص منهم على مستقبل هذا الوطن وحرمته فتحملوا المنحة ومصائبها - وأسلموا أكتافكم للسعديين ليقتلوا ويشردوا كيف شاءوا - حرصاً على مستقبل وطنكم - وإبقاءً على وحدته واســـــــــــتقلاله.

3 - سئلت الفاضلة سناء ابنة الإمام حسن البنا رحمه الله كيف كان الإمام البنا عند غضبه؟

فقال: لم يوجد في بيتنا غضب، بل كان دائمًا هناك تفاهم، ولكن ما يمكن أن يقال عليه حزن أكثر منه غضب هو عام 48 وكان الإخوان في حرب فلسطين فخرج من غرفته ولا أنسى أبدًا كيف بدا منظره وقتها، وكانت والدتي في الصالة تقوم بعمل الكعك (الخاص بالعيد) ومعها عماتي وجدتي فنظر إليها قائلاً "إيه يا أم وفاء، بقى انتي عايزة تعملي كحك واثنا عشر من أبنائي استُشهدوا في فلسطين" ونادى على أخ كان يساعدنا ليرفع الكعك والعجين وما كانوا يفعلون، ولم تكمل والدتي عمل الكعك، ومن يومها لم تقم والدتي بعمله في بيتنا بعدها أبدًا، قد تقوم بعمل أنواع من البسكويت ولكن الكعك رفضت عمله من يومها حتى بعد استشهاده.

• من أقواله:

1 - يقول الإمام البنا: (إن ميدان القول غير ميدان الخيال، وميدان العمل غير ميدان القول، وميدان الجهاد غير ميدان العمل. وميدان الجهاد الحق غير ميدان الجهاد الخاطئ. قد يسهل كثير أن يتخيلوا، ولكن ليس كل خيال يدور بالبال قد يسهل تصويره أقوالاً باللسان، وإن كثيرين يستطيعون أن يقولوا، ولكن قليلين من هذا الكثير يثبتون عند العمل. وكثير من هذا القليل يستطيعون أن يعملوا، ولكن قليلاً منهم يقدرون على حمل أعباء الجهاد الشاق والعمل العنيف، وهؤلاء المجاهدون وهم الصفوة القلائل من الأنصار قد يخطئون الطريق ولا يصيبون الهدف إن لم تتداركهم عناية الله. فأعدوا أنفسكم واقبلوا عليها بالتربية الصحيحة والاختبار الدقيق وامتحنوها بالعمل، العمل القوي البغيض لديها الشاق عليها، وافطموها عن شهواتها ومألوفاتها وعاداتها."

2 - طالعت كثيرا وجربت كثيرا وخالطت أوساطا كثيرة وشهدت حوادث عدة، فخرجت من هذه السياحة القصيرة المدى الطويلة المراحل بعقيدة ثابتة لا تتزلزل، هي أن: السعادة التي ينشدها الناس جميعا إنما تفيض عليهم من نفوسهم وقلوبهم ولا تأتيهم من خارج هذه القلوب أبدا وأن الشقاء الذي يحيط بهم ويهربون منه إنما يصيبهم بهذه النفوس والقلوب كذلك, وإن القرآن الكريم يؤيد هذا المعنى ويوضحه ذلك قول الله تعالى ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد:11 )

وما رأيت كلاهما أعمق في فلسفة الاجتماع من قول ذلك:

لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها *** ولكن أخلاق الرجال تضيق

اعتقدت هذا واعتقدت إلى جانبه أنه ليست هناك نظم ولا تعاليم تكفل سعادة هذه النفوس البشرية وتهدي الناس إلى الطرق لهذه السعادة كتعاليم الإسلام الحنيف الفطرية الواضحة.

• آراء بعض العلماء فيه:

يصعب ألا نذكر هذا العنوان ولا تستحضر ذاكرتنا قول اثنين من تلاميذه النجباء:الأستاذ سيد قطب - والأستاذ محمد الغزالي

• أما الأستاذ/ سيد قطب فبلاغته وحكمته يفيض في وصفه حين يقول:

" "في بعض الأحيان تبدو المصادفة العابرة قدرًا وحكمة مدبرة في كتاب مسطور ـ حسن البنا ـ إنها مصادفة أن يكون هذا لقبه. ولكن من يقول: إنها مصادفة ؟! والحقيقة الكبرى لهذا الرجل هي البناء وإحسان البناء بل عبقرية البناء ؟!.. وإن استشهاده عملية جديدة من عمليات البناء، وعملية تعميق للأساس وتقوية للجدران. وما كان ألف خطبة وخطبة، ولا ألف رسالة للفقيد الشهيد لتلهب الدعوة في نفوس الإخوان كما ألهبتها قطراتُ الدم الزكي المهراق.. إنّ كلماتنا تظل عرائس من الشمع، حتى إذا مُتنا في سبيلها دَبَّت فيها الروح، وكتبت لها الحياة. وعندما سلًّط الطغاة الحديد والنار على بناء حسن البنا والعاملين فيه، استطال عليهم الهدم، لأن الحديد والنار لا يمكن أن يهدما فكرة في يوم من الأيام".

• وأما الأستاذ/ محمد الغزالي فقد قال في مقدمة كتابه دستور الوحدة الثقافية (الذي شرح فيه (الأصول العشرين) لحسن البنا قال الشيخ: (ملهم هذا الكتاب وصاحب موضوعه: الأستاذ الإمام حسن البنا، الذي أصفه ويصفه معي كثيرون بأنه مجدد القرن الرابع عشر للهجرة، فقد وضع جملة مبادئ تجمع الشمل المتفرق، وتوضح الهدف الغائم، وتعود بالمسلمين إلي كتاب ربهم، وسنة نبيهم وتتناول ما عراهم خلال الماضي من أسباب العوج والاسترخاء، بيد آسية، وعين لماحة فلا تدع سببا لضعف أو خمول.

إن حسن البنا استفاد من تجارب القادة الذين سبقوه، وجمع الله في شخصه مواهب تفرقت في أناس كثيرين: كان مدمنا لتلاوة القرآن يتلوه بصوت رخيم، وكان يحسن تفسيره كأنه الطبري أو القرطبي، وله قدرة ملحوظة على فهم أصعب المعاني ثم عرضها على الجماهير بأسلوب سهل قريب.

وهو لم يحمل عنوان التصوف، بل لقد أبعد من طريقة كانت تنتمي إليها بيئته، ومع ذلك فإن أسلوبه في التربية وتعهد الأتباع وإشعاع مشاعر الحب في الله، كان يذكر بالحارث المحاسبي وأبى حامد الغزالي.

وخلال عشرين عاما تقريبا صنع الجماهير التي صدعت الاستعمار الثقافي والعسكري، ونفخت روح الحياة في الجسد الهامد.

• من مؤلفاته:

1 - مذكرات الدعوة والداعية" لكنها لا تغطي كل مراحل حياته وتتوقف عند سنة 1942م.

2 - وكتاب عن المرأة بعنوان "المرأة المسلمة"

3 - وكتاب "تحديد النسل".

4 - و"مباحث في علوم الحديث".

5 - وكتاب " السلام في الإسلام ".

6 - وآخر ما نُشر له كتاب بعنوان: "قضيتنا".

وله خلاف ذلك عدد كبير من المقالات، والبحوث القصيرة، وجميعها منشورة في صحف ومجلات الإخوان المسلمين التي كانت تصدر في الثلاثينيات والأربعينيات، بالإضافة إلى مجلة الفتح الإسلامية التي نشر بها أول مقالة له بعنوان "الدعوة إلى الله".

• وفاته:

حقيقية حدثت منذ أكثر من ستين عاما من الزمان.المكان: القاهرة - منطقة الحلمية. الزمان: بعد منتصف الليل يوم 12 فبراير من عام 1949.

الوقائع: تتقدم قافلة من عربات الشرطة في سكون الليل، تصل إلى أحد شوارع الحلمية بمدينة القاهرة، تتوقف السيارات، يندفع الجند بأسلحتهم لحصار الشارع كله، وتُشدد الحراسة، حول بيت متواضع في منتصف الشارع، تتقدم إحدى سيارات الشرطة إلى هذا البيت، صف من الجنود ينقُلون جسد ميتٍ من السيارة إلى البيت في سرعة، يطرقون بابًا في أعلاه، يفتح الباب شيخ جاوز التسعين من عمره، يدخل عدد من الضباط إلى البيت قبل دخول الجثمان للتأكد من عدم وجود آخرين به، التعليمات صارمة للشيخ، لا صوت، لا عزاء، ولا حتى أحد من المتخصصين في إعداد الموتى، فقط أنت وأهل البيت، في تمام التاسعة صباحًا يتم دفن الميت. كان الشيخ هو والد المتوفّى، ورغم الفجيعة، ورغم شيخوخته، قام بإعداد ابنه للدفن، ويمسح الشيخ دماء ابنه من أثر الرصاصات التي سكنت جسده. ويأتي الصباح، ويأتي الضباط في موعدهم، هلمّ بابنك لتدفنه، فيصرخ الأب ذو التسعين عامًا، كيف لي بحمله؟ فليحمله الجنود! فيرفض الضباط، ويكون الرد فليحمله أهل البيت، وكان المُتوفّى له بنات وصبي صغير. ويتقدم الجثمان في الطريق تحمله زوجته وبناته، وخلفه فقط والده، ومن تجرأ على السير في الجنازة كان المعتقل مآله، وتصل الجنازة إلى المسجد للصلاة على الفقيد، فإذا به خاليًا حتى من خدمه، فيصلي الوالد ومن خلفه أهل البيت من النساء، ويقومون بإنزاله إلى قبره، ويعود الجميع إلى البيت في حراسة مشددة، هذه هي جنازة الإمام الشهيد "حسن البَنَّا"، ويتم إلقاء القبض على كثير من الجيران، لا لشيء إلا لمجرد كلمة عزاء قالوها لهذه الأسرة، ويستمر الحصار ليس على البيت خشية ثورة من يأتي للعزاء، ولكن أيضًا يستمر الحصار حول القبر، خشية أن يأتي من يُخرج الجثة ويفضح الجريمة، بل وانتشرت قوات الشرطة في المساجد؛ لتأمر بغلقها عقب كل صلاة، خشية أن يتجرأ أحد بالصلاة على الفقيد.

وعلى الجانب الآخر كان ملك البلاد قد أجّل الاحتفال بعيد ميلاده من 11 فبراير إلى 12 فبراير؛ ليحتفل مع من يحتفل بموت هذا الرجل، ويروي أحد المفكرين أنه شاهد احتفالات في أحد الفنادق في الولايات المتحدة الأمريكية، وعندما تقصّى سبب هذا الاحتفال، عرف أنه ابتهاجٌ بموت هذا الرجل. وإن كان الحق ما يشهد به الأعداء فإن مراكز الأبحاث في فرنسا وأمريكا اشتركت في وضع قائمة بأهم مائة شخصية أثّرت في العالم في القرن العشرين، فكان من العالم العربي الإمام الشهيد "حسن البنا.

في الساعة الثامنة من مساء السبت: 12 / 2 / 1949 م كان الأستاذ البنا يخرج من باب جمعية الشبان المسلمين ومن هنا كان موعده مع الشهادة.

• ملاحظات وخاتمة:

قضى الإمام البنا شهيدا نحسبه كذلك، وتلك جائزة القدر له فأنعم بها من جائزة - وأنشأ فرعا جديدا للفقه يسمى فقه الدعوة (يشبه ما يعرف بالتنمية البشرية) فأنعم به من علم، وربى رجالا يحسنون الفهم والإنتاج، وفى الجانب الإنساني فهو نموذج بشرى يستحق الإشادة والتقدير أنه بذلك صار رمزا للمسلمين وليس وقفا على الإخوان المسلمين أو المصريين فقط.

• والشيءُ الأهمُ في دراستنا لشخصية الإمام البنا هوما يجب أن تكون عليه اقتداءً بشخصيته:

1 - على كل منا أن يعيش لفكرة بداخله تُسيطر عليه يفكر فيها دائمًا تستحوذ عليه، وأن يحلم دائمًا بها "فأي حقيقة كانت حلمًا يومًا ما"، وعلينا أن نُعلي من سقف طموحنا، وأن نعيش أحلامنا في كل لحظة، وأن يكون كل منا بطلاً لحلم، وأنه يرى كل منَّا في نفسه شيئًا قادرًا على تحقيق هذا الحلم، وقهر المستحيل وعلينا أن نعلم أنَّ النجاح يبدأ من الداخل، وعلى كل منَّا تخيل صورة يريد أن يكونها ثم يعيش هذه الصورة كما لو كانت واقعًا، فلابد من أن يكون لدينا شيء نستيقظ من أجله كل صباح.

2 - وجود رؤية واضحة في حياة كل منا "غاية وأهداف ووسائل"، فعلى كل منَّا أن يعيشَ لهدفٍ واضحٍ يستحق التضحيةَ من أجله، وكان ذلك جليًا في رؤية الإمام لمستقبله من خلال موضوع الإنشاء.

3 - أن تمتلك إرادةً قويةً وإصرارًا على النجاح، وقهر كل المعوقات.

4 - أن يكون لدينا أرضية من الثقافة الإسلامية الأصيلة، والقراءة في شتَّى العلوم والفنون، والرجوع إلى أمهاتِ الكتب وحفظ القرآن والمتون، فكما قال أبو الإمام لابنه: "من حفظ المتون نال الفنون".

فقد حفظ الإمام القرآن في الكتاتيب وفي مدرسة الرشاد وغيرها، وحفظ كثيرًا من الأحاديثِ النبويةِ الشريفةِ وألفية ابن مالك وشرحها، واستكمل الكثيرَ من جوانب الثقافة الإسلامية في سنٍ مبكرة، وقرأ في شتَّى مجالات المعرفة، وتشكلت ثقافته من كلِّ أصنافِ ميراثِ الحضارة الإسلامية والتاريخ، فكان ذلك مكونًا رئيسيًّا لشخصيته، وكوَّنت لديه الإرادة الجادة المبنية على أسسِ من الفهمِ الصحيح لهذا الدين، فعَلَى كل منَّا أن يُلزم نفسه بأوراد خاصة وإنجازاتٍ في أوقات محددة من حفظٍ للقرآنِ والحديثِ وقراءات يومية في شتَّى مجالات المعرفة بالإضافة إلى علوم التخصص لكل منا.

5 - على كل منَّا أن يكون منظمًا في حياته، منضبطًا في أوقاته، لا يدع المرء منا شيئًا للظروف، فبمجرد أن تتضح لنا صورةً ما نُريد تحقيقها يجب أن يكون التخطيط الدقيق الخطوة التالية على الطريق، وبهذا التخطيط يصبح لدينا حس هدفي بدونه لا تعرف ماذا تريد، وماذا تستطيع، واعلم أنَّ ساعةً من التخطيط تُوفِّر لك ثلاث ساعات من التنفيذ، ولنا أن نعلم أنَّ النظام والتخطيط الدقيق وضبط الوقت كان عنوان حياة الإمام حسن البنا.

6 - الإيجابية: وهي الأهم على الإطلاق إذْ قد يكون لدى الإنسان أفكار قوية وأحلام كبيرة، وإرادة لأن يفعل شيئًا، ولكن الأهم أن يبدأ ويتفاعل بفكرته مع الناس، ويخرجها من حيزها الضيق داخل النفس إلى مجالها الرحب في الحياة ومع الناس.إنَّ الأمرَ بالمعروف والنهي عن المنكر المظهر الإيجابي الرئيسي في الإسلام الدال على الإيجابية، والتعامل بين الناس؛ حيث إنَّ الإسلامَ خاتمُ الرسالات، والرسول صلى الله عليه وسلم خاتمُ الأنبياء، فكان لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أهميته المطلقة لاستمرار انتشار رسالة الله بين العباد، فَهِمَ الإمامُ ذلكَ منذ نعومةِ أظفارِهِ فكان رئيسًا لجمعية الأخلاق الحميدة المعنية بنشر المعروف والنهي عن المنكر، وذلك في الإعدادية داخل المدرسة وخارجها، وأنشأ جمعية منع المحرمات يبعث منها هو وأقرانه خطاباتٍ تحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحُسن أداء العبادة.وعن إيجابيته بعد إنشاء الجماعة حدِّث ولا حرج؛ أسفار لكل البلاد، خطب هنا وهناك، مؤتمرات ومخاطبات لأهل الحكم، حث على الجهاد، حرب فلسطين، إحياء للسنن، مواجهته للاستعمار... الخ حتى استشهاده رضوان الله عليه.وأخيرًا مع هذه الإيجابية والتفاعل والبداية الجادة لا بدَّ من المثابرة والمجهود والإصرار على النجاح مع اليقين والثقة بنصر الله تعالى.

وهكذا نكون قد عشنا مع معاني عظيمة مستفادة من شخصية الإمام حسن البنا، مستقاة من أفكاره وأرادته الصلبة وإخلاصه وإيجابيته وفعاليته، فكان القدوة وعلينا الإتباع. رحمة الله عليه ورحمه رحمةً واسعةً، وتقبله ربِّي من الشهداء المخلصين


من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت
هانى الإخوانى
هانى الإخوانى
المراقب العام
المراقب العام

وسام التميز 2
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 1177
نقاط : 6704
السٌّمعَة : 17
العمر : 41
متسامح
العمل/الترفيه :

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

فى ذكرى استشهادالإمام البنا : الرجل الذي أحيا فكرته بموته!!  Empty في ذكرى حسن البنا ... لفتة لجهوده الشرعية

مُساهمة من طرف هانى الإخوانى الثلاثاء فبراير 14, 2012 2:35 am

د. وصفي عاشور أبو زيد

ينبغي أن تكون ذكرى الإمام حسن البنا هذا العام 12 فبراير 2012م بشكل آخر وبطعم مختلف لا سيما بعد أن حررنا الله من الاستبداد والطغيان والقهر الذي فرغ الإنسان من مضمونه، والأوطان والمجتمعات من محتواها.

ومما اشتهر من أحاديث على ألسنة الناس أن حسن البنا شُغل بتأليف الرجال عن تأليف الكتب، وهذا صحيح وملموس ومُشاهَد في واقعنا، فقد خرَّج حسن البنا بل ألف رجالا وقلوبا وعقولا ملأت الدنيا علمًا، وشغلت الناس دعوةً، بما ينبغي أن يُدرس ويبرز؛ لبيان آثارِ مدرسة الإخوان في النهضة العلمية الشرعية والفكرية والإنسانية في القرن العشرين، وما بعده.

لكن تراث حسن البنا الذي جمع ونشر في أربعة عشر مجلدا ـ تراثا شرعيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا ودعويا ـ فرض تعاطيا جديدا مع حسن البنا بحسبانه أحد أعلام الدعوة الإسلامية، وأحد مجددي الإسلام على مر التاريخ.

وإن النظر الصحيح الذي يعتبر حسن البنا أحد مجددي الإسلام، وأحد رواد النهضة في عصرنا ليستدعي ـ ضرورةً ـ القول بأن هذا التجديد وتلك النهضة قامت وارتكزت على رصين من العلم، وعميق من الفكر بما يوازي ـ أو يزيد ـ سعةَ الحركة، ودقة التنظيم، وإحكام البناء، ودأب الدعوة، وعظيم الهم بواقع الأمة ومستقبلها، فالعلم إمام العمل وحاديه وضابطه ومُحرِّكه وقائده إلى صراط مستقيم.

وهذا الذي ظهر من تراث البنا منذ عام 2004م حتى الآن ـ إضافة إلى ما نشر له من قبل من رسائل ومذكرات ورسائل مختصرة في قضايا متنوعة ـ يستنفر جماعته وأبناءه ومريديه ومحبيه في شتى بقاع الأرض أن يتوفروا لهذا التراث بالدرس والتحليل ـ والنقد أيضًا إن لزم الأمر ـ وبيان قيمته من الناحية الشرعية والدعوية والإصلاحية، في ضوء السياقات التاريخية التي عاشها الإمام البنا، والأعراف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ـ وحتى الشرعية ـ التي سادت عصره؛ فاستحضار هذه السياقات المختلفة ضرورة علمية لمن رام وضع الرأي في نصابه الصحيح، وإلا فسيكون الحديثُ العلمي صيحةً في واد أو نفخة في رماد!.

لقد ضرب حسن البنا بسهم طيب ومبارك في مجالات مختلفة: عقدية وأصولية وتفسيرية وتشريعية ومقاصدية وفقهية وإفتائية وتربوية ودعوية وتاريخية وسياسية واجتماعية واقتصادية ونفسية وعمرانية، تستحق أن يتوقف أمامها الدارسون والمتخصصون لبيان قيمتها العلمية والإصلاحية في ضوء ظروفها وملابساتها وسياقاتها المتنوعة.

...................

ومن نعمة الله علينا ـ وعلى الناس ـ أنْ جُمع تراث الرجل، ونشر، وتدوول الآن في أيدي المهتمين، ولم يبق إلا أن نقوم بواجب الوفاء له، وأول مَن يجب عليهم الوفاء هم أتباعه في كل مكان، ومحبوه وحواريوه وتلامذته، وما أكثرهم في أنحاء العالم!.

إنني أدعو المتخصصين في هذه العلوم وطلاب الدراسات العليا أن يقوموا بخدمة هذا التراث وإبرازه، لا سيما أننا دخلنا ـ بفضل الله تعالى ـ في عصر جديد لن نجد فيه من التعقيدات الإدارية الأكاديمية ما يحول دون دراسة موضوع من هذه الموضوعات وبيان قيمتها، فضلا عن الدراسات الحرة، وكيفية الإفادة منها في واقعنا المعاصر.

وأدعو قبلهم شباب الحركة الإسلامية عامة، وشباب الإخوان والأخوات وكهولهم خاصة، أن يتدارسوا هذا التراث ويفيدوا منه في لقاءاتهم وأعمالهم؛ تنويرا للعقل، وترسيخا للفهم، وتقويما في السلوك، وترشيدا في الحركة، وسعيا إلى عمل الخير ونفع الغير وخير العمل.

إن رجلا مثل حسن البنا بعد أن ملأ الدنيا عملا وحركة ونهضة وإصلاحا، وأصبحت جماعته اليوم في عدد من البلدان قاب قوسين أو أدنى من التمكين .. آن لنا أن نبرز سُهْمتَهُ وقيمته العلمية؛ شرعيا ودعويا واقتصاديا وسياسيا وحضاريا.



من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت
هانى الإخوانى
هانى الإخوانى
المراقب العام
المراقب العام

وسام التميز 2
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 1177
نقاط : 6704
السٌّمعَة : 17
العمر : 41
متسامح
العمل/الترفيه :

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى