السنة وحي من الوحي
شبكة واحة العلوم الثقافية :: الساحات العلمية والثقافية والحوارية :: ساحة الفقه والعلوم والحوارات الشرعية
صفحة 1 من اصل 1
السنة وحي من الوحي
السنة وحي من الوحي
عندما تعرض سجلات التاريخ البشري على الباحث فيقارن،
يجد لا محالة في تاريخ الإسلام على عهد الملك العاض والجبرية نصيبا من
الظلم الداخلي لا ينكره إلا من لا يحب أن يعطي للكلمات معناها في الحديث
النبوي وللأحداث التاريخية اعتراف الإنصاف. ومع استغراق حكم العض والجبر
معظم تاريخنا، فصفحات تاريخنا أقل قتامة بما لا يقارن من تاريخ البشرية
العام.
الذي ينفرد به الإسلام هو الشهادة التاريخية، المتمثلة في السيرة
النبوية وفي الخلافة الرشيدة، ثم بعدُ في ومضات تاريخية هنا وهناك، بأن
القرآن قابل للتطبيق، وبأن دولة القرآن ليست مثالا حالما تمخضت عنه الفلسفة
الأرضية كما تمخضت عن المذاهب الفكرية، حتى إذا وقفت المذهبية على أرض
التطبيق أسفرت عن ثغرات تملأها رؤوس الملايين من البشر وآلام الشعوب وأنين
المقهورين وبؤس الإنسان.
مذاهب شمولية أرضية فلسفية، مثل الاشتراكية العلمية في زعمها، تكون على
الورق وفي خطاب المناضلين وحماس الجماهير المظلومة أملا رائقا. ويعتمد
المناضلون على غضب الناس على الظلم الحاضر ليعبئوا الإرادات في طلب مستقبل
العدل والحرية والكرامة. ابحث بعد انتصار الطليعة واحتلالها مناصب الحكم عن
تلك الأحلام الأولى وعن تلك الوعود الخلابة. اسأل التاريخ عن دعوة بشرية،
وعن دولة بشرية، تحقق فيهما رخاء الإنسان وسعادته. ربما تشير الأصبع بعد
تردد إلى عصر ذهبي استقر فيه الأمر لملك أو إمبراطور بنى الأهرام على
الجماجم، أو قاد الجحافل ودوخ البلاد، أو فسح للفنون والآداب. وينفرد
الإسلام وحده بتلك الصفحة السماوية من تاريخ الأرض، يَحتفظ بها كل مسلم
ذكرى حية. هي صفحة النبوة ثم الخلافة على منهاج النبوة. انتظار الأمة
للإمامة المهدية إنما هو انعكاس تلك الصفحة على مرآة الأمل، يؤيد إخبار
السنة النبوية بعودة الخلافة على منهاج النبوة بعد عهود العض والجبر ذلك
الأمل. وتحفز الصحوة الإسلامية اليوم حادِيَ الانجذاب لتجديد مثال تحقق في
التاريخ ويمكن أن يعاد تحقيقه. بل يتأكد تحقيقه بإذن الله كما قرأنا في
حديث الخلافة الثانية. وفرق ما بين الصورة الإديولوجية الفلسفية للمجتمع
الفاضل وبين التركيب الإلهي أن تلك موكولة لقدرة البشر على حبك نظام
المجتمع على غرار الصورة المتخيلة، بينما يصحب التوفيق الإلهي سعي
المومنين. وكان التوفيق والعصمة رائدي السيرة النبوية.
كيف نتلافى أخطار شمولية تخنق الإنسان كما فعلت دولة الإديولوجية؟ كيف
تكون خلافة على منهاج النبوة كما جاء الوعد لا استمرارا للملك الجبرية ولا
تكرارا للملك العاض؟
الجواب في أن تنزل القرآن من عالم الأحكام إلى عالم الواقع إنما يتم
على يد بشر. فحين كان القرآن دستور قيادة رباها القرآن، وكان به لا بغيره
الفرقان، وكان هو على غيره البرهان، وكان طابع الجماعة الإيمان والإحسان،
نشأت دولة القرآن امتدادا بين الأرض والسماء، تشد وحدتَه وتصونه أن يزيغ
العروةُ الوثقى. فكذلك الخلافة الثانية لن تتحقق بمجرد أن الناس فهموا
الأحكام القرآنية وكتبوها وتحالفوا على تطبيقها. نجاحهم في تجديد الخلافة
لا يتوقف على ذكائهم وإن كان الذكاء من أهم الفضائل، ولا على ضبطهم
التنظيمي وإن كان التنظيم قوة واجبة، ولا على أجهزة تُحاذي ما كان في دولة
الخلافة الأولى وتحاكيها. إنما ينجحون بمقدار ما معهم من خُلُق القرآن
وفرقانه وبرهانه وإحسانه.
ثم إن الأنظمة الفلسفية التي بنيت عليها الدول الفكرية صيغت صياغة
تساعد على أن تحتكرها "نخبة" مثقفة قادرة وحدها على فهم النص وتأويله. كانت
الكنيسة النصرانية ولا تزال محتكرة للفهم والتأويل. وكذلك الكنيسة
الاشتراكية العلمية في زعمها[1].
فلذلك ثار العقل ضد الكنيسة لما شب عن طوقها، ولفظها ولفظ معها دين
النصرانية. ولذلك تحكم الدول الشيوعية طبقة لا تسمح لأحد أن يشاركها في
العلم ولا تأويل النصوص المذهبية، وتُسكت كل نأمَة تَنْشُد الحق. أما
القرآن فخطاب الله لعباده، خطاب مباشر لا يصح أن يحتكره محتكر، ولا أن يحرم
من تعلمه والقيام بحقه طالب. ولكل مومن ومومنة الحق وعليهما الواجب أن لا
يطاع مخلوق في معصية الخالق. والنموذج الحي الخالد هو السنة المعصومة في
نطقها كما هي معصومة في تطبيقها التاريخي على عهد النبوة. صلى الله على
محمد وآله وصحبه.
عندما تعرض سجلات التاريخ البشري على الباحث فيقارن،
يجد لا محالة في تاريخ الإسلام على عهد الملك العاض والجبرية نصيبا من
الظلم الداخلي لا ينكره إلا من لا يحب أن يعطي للكلمات معناها في الحديث
النبوي وللأحداث التاريخية اعتراف الإنصاف. ومع استغراق حكم العض والجبر
معظم تاريخنا، فصفحات تاريخنا أقل قتامة بما لا يقارن من تاريخ البشرية
العام.
الذي ينفرد به الإسلام هو الشهادة التاريخية، المتمثلة في السيرة
النبوية وفي الخلافة الرشيدة، ثم بعدُ في ومضات تاريخية هنا وهناك، بأن
القرآن قابل للتطبيق، وبأن دولة القرآن ليست مثالا حالما تمخضت عنه الفلسفة
الأرضية كما تمخضت عن المذاهب الفكرية، حتى إذا وقفت المذهبية على أرض
التطبيق أسفرت عن ثغرات تملأها رؤوس الملايين من البشر وآلام الشعوب وأنين
المقهورين وبؤس الإنسان.
مذاهب شمولية أرضية فلسفية، مثل الاشتراكية العلمية في زعمها، تكون على
الورق وفي خطاب المناضلين وحماس الجماهير المظلومة أملا رائقا. ويعتمد
المناضلون على غضب الناس على الظلم الحاضر ليعبئوا الإرادات في طلب مستقبل
العدل والحرية والكرامة. ابحث بعد انتصار الطليعة واحتلالها مناصب الحكم عن
تلك الأحلام الأولى وعن تلك الوعود الخلابة. اسأل التاريخ عن دعوة بشرية،
وعن دولة بشرية، تحقق فيهما رخاء الإنسان وسعادته. ربما تشير الأصبع بعد
تردد إلى عصر ذهبي استقر فيه الأمر لملك أو إمبراطور بنى الأهرام على
الجماجم، أو قاد الجحافل ودوخ البلاد، أو فسح للفنون والآداب. وينفرد
الإسلام وحده بتلك الصفحة السماوية من تاريخ الأرض، يَحتفظ بها كل مسلم
ذكرى حية. هي صفحة النبوة ثم الخلافة على منهاج النبوة. انتظار الأمة
للإمامة المهدية إنما هو انعكاس تلك الصفحة على مرآة الأمل، يؤيد إخبار
السنة النبوية بعودة الخلافة على منهاج النبوة بعد عهود العض والجبر ذلك
الأمل. وتحفز الصحوة الإسلامية اليوم حادِيَ الانجذاب لتجديد مثال تحقق في
التاريخ ويمكن أن يعاد تحقيقه. بل يتأكد تحقيقه بإذن الله كما قرأنا في
حديث الخلافة الثانية. وفرق ما بين الصورة الإديولوجية الفلسفية للمجتمع
الفاضل وبين التركيب الإلهي أن تلك موكولة لقدرة البشر على حبك نظام
المجتمع على غرار الصورة المتخيلة، بينما يصحب التوفيق الإلهي سعي
المومنين. وكان التوفيق والعصمة رائدي السيرة النبوية.
كيف نتلافى أخطار شمولية تخنق الإنسان كما فعلت دولة الإديولوجية؟ كيف
تكون خلافة على منهاج النبوة كما جاء الوعد لا استمرارا للملك الجبرية ولا
تكرارا للملك العاض؟
الجواب في أن تنزل القرآن من عالم الأحكام إلى عالم الواقع إنما يتم
على يد بشر. فحين كان القرآن دستور قيادة رباها القرآن، وكان به لا بغيره
الفرقان، وكان هو على غيره البرهان، وكان طابع الجماعة الإيمان والإحسان،
نشأت دولة القرآن امتدادا بين الأرض والسماء، تشد وحدتَه وتصونه أن يزيغ
العروةُ الوثقى. فكذلك الخلافة الثانية لن تتحقق بمجرد أن الناس فهموا
الأحكام القرآنية وكتبوها وتحالفوا على تطبيقها. نجاحهم في تجديد الخلافة
لا يتوقف على ذكائهم وإن كان الذكاء من أهم الفضائل، ولا على ضبطهم
التنظيمي وإن كان التنظيم قوة واجبة، ولا على أجهزة تُحاذي ما كان في دولة
الخلافة الأولى وتحاكيها. إنما ينجحون بمقدار ما معهم من خُلُق القرآن
وفرقانه وبرهانه وإحسانه.
ثم إن الأنظمة الفلسفية التي بنيت عليها الدول الفكرية صيغت صياغة
تساعد على أن تحتكرها "نخبة" مثقفة قادرة وحدها على فهم النص وتأويله. كانت
الكنيسة النصرانية ولا تزال محتكرة للفهم والتأويل. وكذلك الكنيسة
الاشتراكية العلمية في زعمها[1].
فلذلك ثار العقل ضد الكنيسة لما شب عن طوقها، ولفظها ولفظ معها دين
النصرانية. ولذلك تحكم الدول الشيوعية طبقة لا تسمح لأحد أن يشاركها في
العلم ولا تأويل النصوص المذهبية، وتُسكت كل نأمَة تَنْشُد الحق. أما
القرآن فخطاب الله لعباده، خطاب مباشر لا يصح أن يحتكره محتكر، ولا أن يحرم
من تعلمه والقيام بحقه طالب. ولكل مومن ومومنة الحق وعليهما الواجب أن لا
يطاع مخلوق في معصية الخالق. والنموذج الحي الخالد هو السنة المعصومة في
نطقها كما هي معصومة في تطبيقها التاريخي على عهد النبوة. صلى الله على
محمد وآله وصحبه.
<br>
عمرالحسني- كـاتــــب
-
الديانه : الاسلام
البلد : المغرب
عدد المساهمات : 1169
نقاط : 6490
السٌّمعَة : 12
رد: السنة وحي من الوحي
ما من نظام اجتماعي فكري مُتطور إلا يضع في مثالياته
النظرية حق الناس في حكم أنفسهم بأنفسهم. لهؤلاء ديمقراطية تعددية، ولأولئك
ديمقراطية مركزية، وبين الفريقين طائفة الديمقراطية الاشتراكية. وكأن
المذاهب الفكرية سبقت الطبيعة البشرية فوضعت لها حدودا تكف الناس عن
التظالم والتآكل. وكأن هذه المذاهب حين أدرجت في نظمها حق الناس في حكم
أنفسهم جعلتها جامعة مانعة. وعند التطبيق، عند الانتقال من القانون إلى
الواقع، يظهر قصور النظرية عن استيعاب الطبيعة البشرية وإمكاناتها، لا مكان
في هذه الأنظمة لشيء زائد عن المصلحة الدنيوية المادية. فإذن لا حديث فيها
عن التربية الخلقية إلا بمقدار ما يلزم للمواطن أن يكون صالحا أو رفيقا أو
مناضلا. فصلاحية المجتمع الرأسمالي أن يكون المواطن نشيطا منتجا حاذقا
ماهرا في تحصيل الربح إن كان مالكا، ماهرا في الدفاع عن الأجر وظروف العمل
إن كان عاملا. وهكذا. وفي المعسكر الآخر صلاح الرفيق أن يسمع ويطيع ويخلص
للحزب ويكدح كالعبد في خدمة آلة الدولة وكبرائها من الطبقة الحاكمة. هنا
وهناك ديمقراطية. الواحدة منهما ترخي العنان في نطاق قانون الغابة
الرأسمالية، والأخرى تشده شدا منكرا في وحشية غابوية. فإذن لا هي جامعة ولا
مانعة تلك الأنظمة والمذاهب.
اسمع كيف يصف الله عز وجل شورى المسلمين، وكيف وردت في سياق إيماني لا
يفصلها شيء عن الشرعية الكلية التي تحرر الإنسان من بغي الإنسان حين تجعله
عبدا لله وحده لا شريك له. قال تعالى: ﴿ فَمَا
أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ
اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ
يَتَوَكَّلُونَ، وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ
وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ، وَالَّذِينَ
اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى
بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ، وَالَّذِينَ إِذَا
أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ﴾
[1].
لا إله إلا الله، ما عند الله خير وأبقى. فمن هذه الزاوية ينظر المومن
لأمر الدنيا، ومنها يعالج المومنون أمرهم بالشورى وقد تطهروا من الآثام
والفواحش. ولمكان ما عند الله في قلوبهم يغفرون إذا غضبوا. ولنفس السبب
ينتصرون على البغي ولا يقبلون الظلم.
سياق جميل؛ لكن هل تجسد هذا في التاريخ؟ نعم، وهذه خاصية الإسلام أنْ جاء مع القرآن الشاهد التاريخي: السنة النبوية والخلافة الأولى.
النظرية حق الناس في حكم أنفسهم بأنفسهم. لهؤلاء ديمقراطية تعددية، ولأولئك
ديمقراطية مركزية، وبين الفريقين طائفة الديمقراطية الاشتراكية. وكأن
المذاهب الفكرية سبقت الطبيعة البشرية فوضعت لها حدودا تكف الناس عن
التظالم والتآكل. وكأن هذه المذاهب حين أدرجت في نظمها حق الناس في حكم
أنفسهم جعلتها جامعة مانعة. وعند التطبيق، عند الانتقال من القانون إلى
الواقع، يظهر قصور النظرية عن استيعاب الطبيعة البشرية وإمكاناتها، لا مكان
في هذه الأنظمة لشيء زائد عن المصلحة الدنيوية المادية. فإذن لا حديث فيها
عن التربية الخلقية إلا بمقدار ما يلزم للمواطن أن يكون صالحا أو رفيقا أو
مناضلا. فصلاحية المجتمع الرأسمالي أن يكون المواطن نشيطا منتجا حاذقا
ماهرا في تحصيل الربح إن كان مالكا، ماهرا في الدفاع عن الأجر وظروف العمل
إن كان عاملا. وهكذا. وفي المعسكر الآخر صلاح الرفيق أن يسمع ويطيع ويخلص
للحزب ويكدح كالعبد في خدمة آلة الدولة وكبرائها من الطبقة الحاكمة. هنا
وهناك ديمقراطية. الواحدة منهما ترخي العنان في نطاق قانون الغابة
الرأسمالية، والأخرى تشده شدا منكرا في وحشية غابوية. فإذن لا هي جامعة ولا
مانعة تلك الأنظمة والمذاهب.
اسمع كيف يصف الله عز وجل شورى المسلمين، وكيف وردت في سياق إيماني لا
يفصلها شيء عن الشرعية الكلية التي تحرر الإنسان من بغي الإنسان حين تجعله
عبدا لله وحده لا شريك له. قال تعالى: ﴿ فَمَا
أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ
اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ
يَتَوَكَّلُونَ، وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ
وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ، وَالَّذِينَ
اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى
بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ، وَالَّذِينَ إِذَا
أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ﴾
[1].
لا إله إلا الله، ما عند الله خير وأبقى. فمن هذه الزاوية ينظر المومن
لأمر الدنيا، ومنها يعالج المومنون أمرهم بالشورى وقد تطهروا من الآثام
والفواحش. ولمكان ما عند الله في قلوبهم يغفرون إذا غضبوا. ولنفس السبب
ينتصرون على البغي ولا يقبلون الظلم.
سياق جميل؛ لكن هل تجسد هذا في التاريخ؟ نعم، وهذه خاصية الإسلام أنْ جاء مع القرآن الشاهد التاريخي: السنة النبوية والخلافة الأولى.
<br>
عمرالحسني- كـاتــــب
-
الديانه : الاسلام
البلد : المغرب
عدد المساهمات : 1169
نقاط : 6490
السٌّمعَة : 12
رد: السنة وحي من الوحي
رحماء بينهم
قال الله تعالى: ﴿
مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى
الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ
فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ
أَثَرِ السُّجُودِ﴾
[1].
الموقف الكلي للعبد المحسن أمام مولاه عابدا ضارعا سامعا مطيعا لا
يُوَلِّدُ أنانيةَ راهب الكنيسة الذي يحتكر الفهم وينتصب ليُعْبَدَ من دون
الله، ولا أنانيةَ الزعيم الذي يُفيض من عليائه الشرعية على سياسة الوقت.
رحماء بينهم، وأشداء على الكفار. هذه السنة، وهذا هو المنهاج النبوي في
علاقة العباد بربهم، علاقة تنظم الجماعة في سلك الرحمة الإلهية الممتدة
بركة من السماء وشَجَنَةً بين المومنين على الأرض. القرآن هدى ورحمة وبشرى
للمحسنين. وحول محمد صلى الله عليه وسلم صحابة رحماء بنفس الرحمة، مهديون
بنفس الهدى. قرآن يتلى فيتجسد حقائق تسعى بين الناس. وحي يأتي به جبريل
عليه السلام فلا يلبث أن يتحول التعليم القرآني حياة نابضة بالأخوة والقوة.
الركع السجد لا يبتغون سوى فضل الله ورضوانه.
هنالك سلسلة من المعاني القرآنية النبوية لا تزال تتلى ألفاظها بينما
حقائقها غابت عن الأذهان وغابت من أنفس المسلمين وواقعهم وتقلص أثرها في
الأمة. إنها معانٍ كالنور، والبركة، والرحمة، والسكينة التي تنزل على
المومنين في ساحة القتال، ومجالس القرآن، وحلق الذكر. وكأن عدوى الفكر
الجاهلي والإرهاب الفكري الذي يطارد الغيبيات جعل بعض المسلمين، غفر الله
لنا ولهم، يتنازلون عن إيمانهم، حتى إن بعضهم فسر الجن بأنه يشبه أن يكون
نوعا من المكروب، وبعضهم أحال القرآن نوعا من دائرة معارف كونية. إن لغة
الجاهلية التي سرت عدواها في لغتنا كما سرت عدوى التشبه بهم في سائر أوجه
حياتنا لا تتسع لتعبر عن معاني القلب. فتجد منا من لا يتجاوز في تصوره درجة
التسليم لنور القرآن، وسكينة القلوب، وطمأنينتها، وسيما الوجوه الساجدة،
وبركة السماء، وما إلى هذا من معجزات الأنبياء، وكرامة الأولياء، وعالم
الجن والملائكة، وحقائق الجنة والنار، وأسرار القدر، والإلهام، والتحديث.
كل هذا واجب الإيمان به. لكن أن يصبح كل هذا لب حياة الأمة دون أن يتسطح في
خرافية شعبية، ودون أن تدخله شعوذة، ودون أن يحمل على مغالاة وانحراف، هو
المطلب التربوي الأول. وما من معنى قرآني إلا وهو شعبة من شعب الإيمان، فإن
نضبت شعب الرحمة وأخواتها فلا يبقى في يدنا إلا شكل القرآن وشكل الإيمان
والصورة الظاهرة الحرفية للدين.
قال الله تعالى لنبيه الكريم: ﴿ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ﴾
[2].
هذا معنى رحماء بينهم. رحماء بتأليف إلهي بين القلوب. فإن غاب هذا التأليف
القلبي، ولا تعوضه الألفة الطبيعية بين الناس، فما يجدي توحيد الخط
الفكري. في الديمقراطية التعددية يحدث الخلاف فلا حرج في الانفصال عن
الحزب، فهي أساسا تعددية. وفي الديمقراطية المركزية يفرض تماسك الجسم
الحزبي بالقهر والإرهاب و"الانضباط الثوري". لا مكان للرحمة هنا ولا هناك.
وقال عز من قائل: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ
اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ
مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي
الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ
الْمُتَوَكِّلِينَ﴾
[3].
شورى على رحمة، ورحمة تلين القلب، مظهرها العفو وحب الخير عند الله
لإخوانك. ليست نقاشا على جفاف الفكر وتناطح المصالح والأنانيات. ثم توكل،
والله يحب المتوكلين. وما التوكل في قاموس المذاهب الفكرية، وما حب الله
عباده حتى عند من يومن بالله؟
قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللّهُ
عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ
يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾
[4].
وقال سبحانه: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ
الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً
عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ
عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ
الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ
وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾
[5].
فإذن منة الله على أمة الإسلام أن بعث فيها رسولا يزكي -أي يربي ويطهر-
ويعلم الكتاب ومعه الحكمة. نبي أمي لكيلا تحسب أنها فلسفة وبراعة وعبقرية.
نبي أمي اسمه في التوراة والإنجيل، وظيفته وظيفة الأنبياء، يأمر بالمعروف
وينهى عن المنكر، ويحل الطيبات، ويحرم الخبائث، ويحرر الناس من الإصر
والأغلال، كناية عن أنواع العبودية لغير الله. ومع النبي الأمي نور ورحمة
وسكينة وتأييد ونصر. كل هذه معان غيبية تجسدت في المجتمع القرآني فكان ظهور
الإسلام معجزة تاريخية. معجزة في تأليف أمة موحدة بين أعرق البشر في
العصبية الجاهلية. معجزة عسكرية. معجزة أخلاقية. معجزة إيمانية. معجزة كلية
جعلت من عرب أميين قادة النصر، وأئمة العلم، وهداة البشرية، ومحرري
الشعوب.
قال الله تعالى: ﴿
مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى
الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ
فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ
أَثَرِ السُّجُودِ﴾
[1].
الموقف الكلي للعبد المحسن أمام مولاه عابدا ضارعا سامعا مطيعا لا
يُوَلِّدُ أنانيةَ راهب الكنيسة الذي يحتكر الفهم وينتصب ليُعْبَدَ من دون
الله، ولا أنانيةَ الزعيم الذي يُفيض من عليائه الشرعية على سياسة الوقت.
رحماء بينهم، وأشداء على الكفار. هذه السنة، وهذا هو المنهاج النبوي في
علاقة العباد بربهم، علاقة تنظم الجماعة في سلك الرحمة الإلهية الممتدة
بركة من السماء وشَجَنَةً بين المومنين على الأرض. القرآن هدى ورحمة وبشرى
للمحسنين. وحول محمد صلى الله عليه وسلم صحابة رحماء بنفس الرحمة، مهديون
بنفس الهدى. قرآن يتلى فيتجسد حقائق تسعى بين الناس. وحي يأتي به جبريل
عليه السلام فلا يلبث أن يتحول التعليم القرآني حياة نابضة بالأخوة والقوة.
الركع السجد لا يبتغون سوى فضل الله ورضوانه.
هنالك سلسلة من المعاني القرآنية النبوية لا تزال تتلى ألفاظها بينما
حقائقها غابت عن الأذهان وغابت من أنفس المسلمين وواقعهم وتقلص أثرها في
الأمة. إنها معانٍ كالنور، والبركة، والرحمة، والسكينة التي تنزل على
المومنين في ساحة القتال، ومجالس القرآن، وحلق الذكر. وكأن عدوى الفكر
الجاهلي والإرهاب الفكري الذي يطارد الغيبيات جعل بعض المسلمين، غفر الله
لنا ولهم، يتنازلون عن إيمانهم، حتى إن بعضهم فسر الجن بأنه يشبه أن يكون
نوعا من المكروب، وبعضهم أحال القرآن نوعا من دائرة معارف كونية. إن لغة
الجاهلية التي سرت عدواها في لغتنا كما سرت عدوى التشبه بهم في سائر أوجه
حياتنا لا تتسع لتعبر عن معاني القلب. فتجد منا من لا يتجاوز في تصوره درجة
التسليم لنور القرآن، وسكينة القلوب، وطمأنينتها، وسيما الوجوه الساجدة،
وبركة السماء، وما إلى هذا من معجزات الأنبياء، وكرامة الأولياء، وعالم
الجن والملائكة، وحقائق الجنة والنار، وأسرار القدر، والإلهام، والتحديث.
كل هذا واجب الإيمان به. لكن أن يصبح كل هذا لب حياة الأمة دون أن يتسطح في
خرافية شعبية، ودون أن تدخله شعوذة، ودون أن يحمل على مغالاة وانحراف، هو
المطلب التربوي الأول. وما من معنى قرآني إلا وهو شعبة من شعب الإيمان، فإن
نضبت شعب الرحمة وأخواتها فلا يبقى في يدنا إلا شكل القرآن وشكل الإيمان
والصورة الظاهرة الحرفية للدين.
قال الله تعالى لنبيه الكريم: ﴿ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ﴾
[2].
هذا معنى رحماء بينهم. رحماء بتأليف إلهي بين القلوب. فإن غاب هذا التأليف
القلبي، ولا تعوضه الألفة الطبيعية بين الناس، فما يجدي توحيد الخط
الفكري. في الديمقراطية التعددية يحدث الخلاف فلا حرج في الانفصال عن
الحزب، فهي أساسا تعددية. وفي الديمقراطية المركزية يفرض تماسك الجسم
الحزبي بالقهر والإرهاب و"الانضباط الثوري". لا مكان للرحمة هنا ولا هناك.
وقال عز من قائل: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ
اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ
مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي
الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ
الْمُتَوَكِّلِينَ﴾
[3].
شورى على رحمة، ورحمة تلين القلب، مظهرها العفو وحب الخير عند الله
لإخوانك. ليست نقاشا على جفاف الفكر وتناطح المصالح والأنانيات. ثم توكل،
والله يحب المتوكلين. وما التوكل في قاموس المذاهب الفكرية، وما حب الله
عباده حتى عند من يومن بالله؟
قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللّهُ
عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ
يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾
[4].
وقال سبحانه: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ
الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً
عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ
عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ
الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ
وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾
[5].
فإذن منة الله على أمة الإسلام أن بعث فيها رسولا يزكي -أي يربي ويطهر-
ويعلم الكتاب ومعه الحكمة. نبي أمي لكيلا تحسب أنها فلسفة وبراعة وعبقرية.
نبي أمي اسمه في التوراة والإنجيل، وظيفته وظيفة الأنبياء، يأمر بالمعروف
وينهى عن المنكر، ويحل الطيبات، ويحرم الخبائث، ويحرر الناس من الإصر
والأغلال، كناية عن أنواع العبودية لغير الله. ومع النبي الأمي نور ورحمة
وسكينة وتأييد ونصر. كل هذه معان غيبية تجسدت في المجتمع القرآني فكان ظهور
الإسلام معجزة تاريخية. معجزة في تأليف أمة موحدة بين أعرق البشر في
العصبية الجاهلية. معجزة عسكرية. معجزة أخلاقية. معجزة إيمانية. معجزة كلية
جعلت من عرب أميين قادة النصر، وأئمة العلم، وهداة البشرية، ومحرري
الشعوب.
<br>
عمرالحسني- كـاتــــب
-
الديانه : الاسلام
البلد : المغرب
عدد المساهمات : 1169
نقاط : 6490
السٌّمعَة : 12
رد: السنة وحي من الوحي
يحبهم ويحبونه
يجب أن نُزيل وهما يتمثل في اعتقاد أن القرآن مجرد
مجموعة نصوص، وأنه متى جعلنا هذه النصوص دستورا فقد حكمنا بما أنزل الله،
وخرجنا من دوائر الكفر والظلم والفسق. نعم في القرآن أحكام مضبوطة وأصول
للاجتهاد وشريعة تتناول بالتفصيل أو بالإجمال كل نشاطات الإنسان وكل علاقات
المجتمع. لكن الوهم الخطير هو أن نتصور الحكم بما أنزل الله عملية قانونية
فقهية، بالمعنى الدارج للفقه لا بالمعنى القرآني. من الوهم أن نتصور أن
دولة القرآن تقوم بمجرد رفع النصوص شعارا. والإلزام بها، والناس كالناس،
والقلوب جافة من معاني الإيمان والرحمة، ناشفة منها.
كلا حتى تسمع القلوب وتستجيب لله وتقيم الصلاة الإقامة القلبية الخاشعة
ليصح أن يكون أمرهم شورى بينهم، ويكون للشورى مدلول غير مدلول الاصطلاح
على مسطرة ديمقراطية لتصريف شؤون الناس!
عند الناس هذا دين وهذه دنيا. لا دخل للدين في الدولة ولا تنفي الدولة
حُرية الأديان ما دام في حَظيرته التي سيَّجَتْها له الدولة وحصرته فيها.
وانفصام الدين والدولة حدث في تاريخ أوربا، فلما غزانا الفكر الأوربي
أعدانا بالفهم الازدواجي العدائي بين الدعوة والدولة. أما في تاريخ الإسلام
فلم يَجْرُأْ أحد قبل أتاتورك على فصل الدولة عن الدعوة، أي فصل معاني
القلب عن مجال الحياة الاجتماعية والسياسية، فإقامة دولة القرآن على
المنهاج النبوي تبغي تركيبا اجتماعيا روحه الرحمة الجامعة بين المومنين،
محبة وتَوادُداً عضويا يصل العباد بربهم، ويرشحهم ليحبهم الله بمحبتهم لله
ولمن يحبهم الله.
قال الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ
بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ
يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ
وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾
[1].
اسمعْ أن محبة الله عباده ومحبتهم إياه وذلتهم على المومنين وعزتهم على
الكافرين فضل من الله. كلمة تلحق بِسِرْب معاني الرحمة والحكمة والنور
وأخواتهن. واسمع الشرط الإحساني (يحبهم ويحبونه) الذي تُبْنَى عليه
الرَّحِمُ الإيمانية التي بها كانوا رحماء بينهم أشداء على أعدائهم. نرجع
إن شاء الله في فصل لاحق للحديث عن الولاية بين المومنين.
أيّ عبد موفق لا يطير فرحا حين يعلم أن الله عز وجل يحب من يحب، وأنه
يقربه، ويفعل به ما يفعل بأوليائه مما يحفل بذكره والتشويق إليه القرآن
والسنة؟
واتباع الرسول الهادي ومحبته شرط في ذلك. قال الله عز وجل: ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾
[2].
فمن هنا حرصنا على التمهيد للحديث عن الدولة بالحديث عن الإيمان والإحسان.
وبهذا لا يكون بحثنا عن المنهاج النبوي خارج المنهاج النبوي، وكأنَّ هذا
المنهاج حيلة فكرية، أو مهارة نظرية، أو أسلوب سياسي، أو تنظيم يبني
المجتمع من خارج بقهر الدولة. المنهاج اتباع، والاتباع هو السنة. وهي وحي
من الوحي. هي روح من أمر الله: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا﴾
[3]. روى أبو داود والترمذي والإمام أحمد بسند صحيح عن المقدام بن معديكرب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا
هل عسى رجل يبلغه الحديث عني، هو متكئ على أريكته، فيقول: بيننا وبينكم
كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالا استحللناه، وما وجدنا فيه حراما حرمناه.
وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله"
. هذه رواية الترمذي. وعند أبي داود يبدأ الحديث هكذا: "ألا أني أوتيت الكتاب ومثله معه"
.
قوم حملوا الحديث النبوي سلاحا يقاتلون به المومنين، يبدعون ويضللون
ويكفرون. وقوم من الدعاة على أبواب جهنم أنكروا السنة إطلاقا. أولئك أحالوا
دين أبي القاسم الرؤوف الرحيم بالمومنين نقمة على المومنين، وسنته ربْقة،
فأشاعوا الكراهية بين المسلمين. جمع الله لهم مع عزتهم على المومنين ذلة
على عتبات حكام الجبر. أما منكرو السنة فهم أشنع المتكئين أهل الخذلان نعوذ
بالله.
يجب أن نُزيل وهما يتمثل في اعتقاد أن القرآن مجرد
مجموعة نصوص، وأنه متى جعلنا هذه النصوص دستورا فقد حكمنا بما أنزل الله،
وخرجنا من دوائر الكفر والظلم والفسق. نعم في القرآن أحكام مضبوطة وأصول
للاجتهاد وشريعة تتناول بالتفصيل أو بالإجمال كل نشاطات الإنسان وكل علاقات
المجتمع. لكن الوهم الخطير هو أن نتصور الحكم بما أنزل الله عملية قانونية
فقهية، بالمعنى الدارج للفقه لا بالمعنى القرآني. من الوهم أن نتصور أن
دولة القرآن تقوم بمجرد رفع النصوص شعارا. والإلزام بها، والناس كالناس،
والقلوب جافة من معاني الإيمان والرحمة، ناشفة منها.
كلا حتى تسمع القلوب وتستجيب لله وتقيم الصلاة الإقامة القلبية الخاشعة
ليصح أن يكون أمرهم شورى بينهم، ويكون للشورى مدلول غير مدلول الاصطلاح
على مسطرة ديمقراطية لتصريف شؤون الناس!
عند الناس هذا دين وهذه دنيا. لا دخل للدين في الدولة ولا تنفي الدولة
حُرية الأديان ما دام في حَظيرته التي سيَّجَتْها له الدولة وحصرته فيها.
وانفصام الدين والدولة حدث في تاريخ أوربا، فلما غزانا الفكر الأوربي
أعدانا بالفهم الازدواجي العدائي بين الدعوة والدولة. أما في تاريخ الإسلام
فلم يَجْرُأْ أحد قبل أتاتورك على فصل الدولة عن الدعوة، أي فصل معاني
القلب عن مجال الحياة الاجتماعية والسياسية، فإقامة دولة القرآن على
المنهاج النبوي تبغي تركيبا اجتماعيا روحه الرحمة الجامعة بين المومنين،
محبة وتَوادُداً عضويا يصل العباد بربهم، ويرشحهم ليحبهم الله بمحبتهم لله
ولمن يحبهم الله.
قال الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ
بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ
يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ
وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾
[1].
اسمعْ أن محبة الله عباده ومحبتهم إياه وذلتهم على المومنين وعزتهم على
الكافرين فضل من الله. كلمة تلحق بِسِرْب معاني الرحمة والحكمة والنور
وأخواتهن. واسمع الشرط الإحساني (يحبهم ويحبونه) الذي تُبْنَى عليه
الرَّحِمُ الإيمانية التي بها كانوا رحماء بينهم أشداء على أعدائهم. نرجع
إن شاء الله في فصل لاحق للحديث عن الولاية بين المومنين.
أيّ عبد موفق لا يطير فرحا حين يعلم أن الله عز وجل يحب من يحب، وأنه
يقربه، ويفعل به ما يفعل بأوليائه مما يحفل بذكره والتشويق إليه القرآن
والسنة؟
واتباع الرسول الهادي ومحبته شرط في ذلك. قال الله عز وجل: ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾
[2].
فمن هنا حرصنا على التمهيد للحديث عن الدولة بالحديث عن الإيمان والإحسان.
وبهذا لا يكون بحثنا عن المنهاج النبوي خارج المنهاج النبوي، وكأنَّ هذا
المنهاج حيلة فكرية، أو مهارة نظرية، أو أسلوب سياسي، أو تنظيم يبني
المجتمع من خارج بقهر الدولة. المنهاج اتباع، والاتباع هو السنة. وهي وحي
من الوحي. هي روح من أمر الله: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا﴾
[3]. روى أبو داود والترمذي والإمام أحمد بسند صحيح عن المقدام بن معديكرب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا
هل عسى رجل يبلغه الحديث عني، هو متكئ على أريكته، فيقول: بيننا وبينكم
كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالا استحللناه، وما وجدنا فيه حراما حرمناه.
وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله"
. هذه رواية الترمذي. وعند أبي داود يبدأ الحديث هكذا: "ألا أني أوتيت الكتاب ومثله معه"
.
قوم حملوا الحديث النبوي سلاحا يقاتلون به المومنين، يبدعون ويضللون
ويكفرون. وقوم من الدعاة على أبواب جهنم أنكروا السنة إطلاقا. أولئك أحالوا
دين أبي القاسم الرؤوف الرحيم بالمومنين نقمة على المومنين، وسنته ربْقة،
فأشاعوا الكراهية بين المسلمين. جمع الله لهم مع عزتهم على المومنين ذلة
على عتبات حكام الجبر. أما منكرو السنة فهم أشنع المتكئين أهل الخذلان نعوذ
بالله.
<br>
عمرالحسني- كـاتــــب
-
الديانه : الاسلام
البلد : المغرب
عدد المساهمات : 1169
نقاط : 6490
السٌّمعَة : 12
رد: السنة وحي من الوحي
أين تلك الجماعة التي سرت فيها روح القرآن، وتآلفت
قلوبها بفضل الله ورحمته؟ بناء قوضته ظروف التاريخ، بل قدر الله! أستغفر
الله من تعابير ومصطلحات فرضتها علينا ضرورة مخاطبة الناس على قدر عقولهم.
ويجد المرء حَرَجا، منذ لوَّثَ لغتَنا الشريفة أصحابُ الفكر المترجم، أن
يجمع بين لسانَيْ القدَر والشرع كما يجمع القرآن وتجمع السنة. وهذا من
التقويض التاريخي.
إن عرض حاضرنا على السنة المطهرة كفيل أن يكشف لنا بالمقارنة فداحة
الخراب. كما أن استعراضنا لتاريخنا كفيل أن يدلنا على مراحل النقض
والتدمير. كانت النظرة واحدة، وكان شمل القلب والعقل مجتمعا، وألفة القلوب
رابطة بين عباد أحبوا الله وأحبهم الله حين اتبعوا الإمام المبين. كانت لهم
في رسول الله إسوة لا تغيب فتنسى، ولا تضعُف فَيَفْتُرَ في الهمم طلب وجه
الله. واليوم ما سبيل جمع ما أصبح شتيتا؟ ما منهاجه؟ جاهلية اليوم من نوع
جديد على التاريخ. لا مكان فيها للدين إلا في رُكْنٍ تنسحب عليه أحكام
القانون. الحياة الشخصية لا بأس أن تُترَك لشرائع "الأحوال" الشخصية.
القاضي يطلق ويزوج في حدود عدم تعدد الزوجات مثلا. الأخلاق من شأن الأسر
والمدرسة والجمعيات "الدينية". خارج المسجد لكيلا يفسدوا على الدولة
توجيهها للدين. حياة المجتمع الاقتصادية والسياسية واليومية والثقافية
والترفيهية لا دخل فيها للدين بتاتا. وصحوة ناشئة أمامها ركام الخراب
الضخم. فماذا تجمع؟ وكيف تعود بالأمة لوحدة المنهاج النبوي وتماسك الأمة
وأخُوة الإيمان والعزة على الأعداء؟
دولة القرآن في غدنا الموعود تحتاج لأسوة. قال أهل اللغة الإساء بكسر
الهمزة ما يستند عليه، ومنه الأسوة. لا بد لدولة القرآن من سند تعتمد عليه.
لا بد من نموذج تحذو حذوه. من منوال تنسج عليه. وليس إلا السنة النبوية
المعصومة. فهي قوتنا.
إن من يبني على رسم مبتكر قد يبدع الغرائب، وقد يبدع النُّكْرَ
المشوَّه. وأصحاب "اليوتوبيات" -وهي عندهم المجتمعات المثالية في خيال
الفلاسفة- على علم بمصير الإنسانية البئيس من جراء ما رسموا. وما روسيا
الفتك والاستعباد وأمريكا العنف والغابة ببعيد.
أما بناء الإسلام فعلى أسوة مؤيَّدَة نجحت. وإعادة البناء على ذلك
المنهاج ممكنة، بل موعودة مُؤكدة. يقول بعضهم: هلم نبني ما جاء به القرآن
لا نعدوه، فهو أهدى وأمتن وَصْلاً من سنة انحدرت إلينا على يد أجيال طويلة.
جواب هؤلاء في الحديث الصحيح كما ورد. وآخرون يقولون: إن ضرورة الإبداع
المستقبلي تقتضي أن نعالج مشاكل الحاضر والمستقبل بمناهج متطورة. فأين
السنة المحترمة -أي المسكينة المتخلفة- من مشاكل التصنيع والصراع الدولي
وآفاق العلم وإمكانيات التكنولوجيا؟ هؤلاء نوع ممن لا يحبون أن يفهموا أن
الإنسان وحده في مصيره فوق الأرض وفي البرزخ وفي دار الجزاء هو محور الأمر
كله. وإن السنة المطهرة ما هي شكل اللباس وحجم الإنتاج وأدوات العمل
وأساليب الأمن والحرب. السنة النبوية روح ونور ورحمة وفضل. وهي أيضا تعاليم
خالدة تنتظم سلوك العبد المنيب الحريص على آخرته في عبادته الظاهرة
والباطنة، في خُلُقه وتعامله، في عبوديته لله عز وجل، عبوديةٍ مجسدة في
الأسوة المعصوم صلى الله عليه وسلم. السنة شورى في الحكم، ثم لا بأس إن جلس
المومنون في المسجد يدبرون أمرهم أو جلسوا في بيت خاص سموه برلمانا أو غير
ذلك يتفرغون فيه لشأنهم. السنة إخاء وعدل. وذلك يقتضي حسن الخلافة عن الله
في ماله، وحسن القسمة، وحسن التضامن والمواساة. لا دخل في ذلك لنوع إدارة
الاقتصاد وتشجيع الإنتاج ما دام ذلك لا يتعدى حدود الله إلى الإسراف
والتبذير وأكل أموال الناس بالباطل. السنة قوة. لا يسألنا الله كيف صنعنا
السلاح ولا كيف نظمنا مدارس العلم ومعامل الصناعة، ولا عن تقنيات كل ذلك.
إنما يسألنا وتلعننا السنة إن لم نُعِدَّ ما أُمِرْنا به من قوة، وإن لم
ننظم وسائلنا البشرية والعلمية والمادية لنصنع اقتصاد القوة والكفاية
ولننظم مجتمع القرآن ودولة العز بالله القوي العزيز.
السنة تنافي البدع، تنافي الشرك المتسرب إلينا مع كل خيط يربطنا برباط التبعية والتلمذة والانكسار الانهزامي أمام الجاهلية.
لا يمكن أن نجمع بين المنهاج النبوي ومذاهب العصر في أية نقطة. ومن
يريد أن يبني إسلاما على منوال مستعار كمن يروم أن تلد له الفأرة غزالا.
نبدأ إن شاء الله تعالى في الفصول التالية بتأمل البناء الأول كيف تم.
ثم كيف انتقض عروة عروة. ونتأمل أسباب الانتقاض، ونلتمس منهاج النبوة
لإعادته كما كان.
جاء عند الإمام أحمد عن أبي أمامة الباهلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليُنقضن عرا الإسلام عروة عروة. فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها. وأولهن نقضا الحكم. وآخرهن الصلاة"
.
بدأ الخراب من أكثر جوانب البناء حساسية وهو الحكم. لا بد أن يستقر هذا
في أذهان بعضنا ممن يدافع عن الحكام على المسلمين بأي ثمن. لا بد أن نفهم
تاريخنا، وأنه أطوار بدأت بالنبوة، ثم الخلافة على منهاج النبوة، ثم الملك
العاض والجبرية. قرأت لبعض علمائنا تعليقا على حديث الملك العاض كله تبرير
لهذا الملك واعتبار له وقبول لكون الإعلام النبوي سبق به. يكفي أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم الذي أوتي جوامع الكلم أطلق عليه وصفا حيوانيا هو
العض، وعلى تاليه اسم الجبرية وهي حرفة الجبارين. أفما يكفي هذا؟ ثم ها هو
حديث نقض عرا الإسلام يُعْلِمُ بانتقاض الحكم أولَ ما ينتقض من الإسلام.
وقد كان ذلك مبكرا جدا في تاريخنا.
إن معجزة هذا الدين أن القرون الطويلة من فساد الحكم لم تقض عليه. كلمة
"فساد الحكم" أقرب ما نترجم به كلام النبوة السامي العفيف حين وصم مراحل
الفساد بالعض والجبر.
والصفحة الناصعة من تاريخ الخلافة الثانية أمامنا. جعلنا الله ممن
يستمعون القول فيتبعون أحسنه. ويخفون بفرح ونشاط لتشييد الإسلام بعد كنس
ركام النقض في عصور الدخَن الماضي والشر المحيط.
قلوبها بفضل الله ورحمته؟ بناء قوضته ظروف التاريخ، بل قدر الله! أستغفر
الله من تعابير ومصطلحات فرضتها علينا ضرورة مخاطبة الناس على قدر عقولهم.
ويجد المرء حَرَجا، منذ لوَّثَ لغتَنا الشريفة أصحابُ الفكر المترجم، أن
يجمع بين لسانَيْ القدَر والشرع كما يجمع القرآن وتجمع السنة. وهذا من
التقويض التاريخي.
إن عرض حاضرنا على السنة المطهرة كفيل أن يكشف لنا بالمقارنة فداحة
الخراب. كما أن استعراضنا لتاريخنا كفيل أن يدلنا على مراحل النقض
والتدمير. كانت النظرة واحدة، وكان شمل القلب والعقل مجتمعا، وألفة القلوب
رابطة بين عباد أحبوا الله وأحبهم الله حين اتبعوا الإمام المبين. كانت لهم
في رسول الله إسوة لا تغيب فتنسى، ولا تضعُف فَيَفْتُرَ في الهمم طلب وجه
الله. واليوم ما سبيل جمع ما أصبح شتيتا؟ ما منهاجه؟ جاهلية اليوم من نوع
جديد على التاريخ. لا مكان فيها للدين إلا في رُكْنٍ تنسحب عليه أحكام
القانون. الحياة الشخصية لا بأس أن تُترَك لشرائع "الأحوال" الشخصية.
القاضي يطلق ويزوج في حدود عدم تعدد الزوجات مثلا. الأخلاق من شأن الأسر
والمدرسة والجمعيات "الدينية". خارج المسجد لكيلا يفسدوا على الدولة
توجيهها للدين. حياة المجتمع الاقتصادية والسياسية واليومية والثقافية
والترفيهية لا دخل فيها للدين بتاتا. وصحوة ناشئة أمامها ركام الخراب
الضخم. فماذا تجمع؟ وكيف تعود بالأمة لوحدة المنهاج النبوي وتماسك الأمة
وأخُوة الإيمان والعزة على الأعداء؟
دولة القرآن في غدنا الموعود تحتاج لأسوة. قال أهل اللغة الإساء بكسر
الهمزة ما يستند عليه، ومنه الأسوة. لا بد لدولة القرآن من سند تعتمد عليه.
لا بد من نموذج تحذو حذوه. من منوال تنسج عليه. وليس إلا السنة النبوية
المعصومة. فهي قوتنا.
إن من يبني على رسم مبتكر قد يبدع الغرائب، وقد يبدع النُّكْرَ
المشوَّه. وأصحاب "اليوتوبيات" -وهي عندهم المجتمعات المثالية في خيال
الفلاسفة- على علم بمصير الإنسانية البئيس من جراء ما رسموا. وما روسيا
الفتك والاستعباد وأمريكا العنف والغابة ببعيد.
أما بناء الإسلام فعلى أسوة مؤيَّدَة نجحت. وإعادة البناء على ذلك
المنهاج ممكنة، بل موعودة مُؤكدة. يقول بعضهم: هلم نبني ما جاء به القرآن
لا نعدوه، فهو أهدى وأمتن وَصْلاً من سنة انحدرت إلينا على يد أجيال طويلة.
جواب هؤلاء في الحديث الصحيح كما ورد. وآخرون يقولون: إن ضرورة الإبداع
المستقبلي تقتضي أن نعالج مشاكل الحاضر والمستقبل بمناهج متطورة. فأين
السنة المحترمة -أي المسكينة المتخلفة- من مشاكل التصنيع والصراع الدولي
وآفاق العلم وإمكانيات التكنولوجيا؟ هؤلاء نوع ممن لا يحبون أن يفهموا أن
الإنسان وحده في مصيره فوق الأرض وفي البرزخ وفي دار الجزاء هو محور الأمر
كله. وإن السنة المطهرة ما هي شكل اللباس وحجم الإنتاج وأدوات العمل
وأساليب الأمن والحرب. السنة النبوية روح ونور ورحمة وفضل. وهي أيضا تعاليم
خالدة تنتظم سلوك العبد المنيب الحريص على آخرته في عبادته الظاهرة
والباطنة، في خُلُقه وتعامله، في عبوديته لله عز وجل، عبوديةٍ مجسدة في
الأسوة المعصوم صلى الله عليه وسلم. السنة شورى في الحكم، ثم لا بأس إن جلس
المومنون في المسجد يدبرون أمرهم أو جلسوا في بيت خاص سموه برلمانا أو غير
ذلك يتفرغون فيه لشأنهم. السنة إخاء وعدل. وذلك يقتضي حسن الخلافة عن الله
في ماله، وحسن القسمة، وحسن التضامن والمواساة. لا دخل في ذلك لنوع إدارة
الاقتصاد وتشجيع الإنتاج ما دام ذلك لا يتعدى حدود الله إلى الإسراف
والتبذير وأكل أموال الناس بالباطل. السنة قوة. لا يسألنا الله كيف صنعنا
السلاح ولا كيف نظمنا مدارس العلم ومعامل الصناعة، ولا عن تقنيات كل ذلك.
إنما يسألنا وتلعننا السنة إن لم نُعِدَّ ما أُمِرْنا به من قوة، وإن لم
ننظم وسائلنا البشرية والعلمية والمادية لنصنع اقتصاد القوة والكفاية
ولننظم مجتمع القرآن ودولة العز بالله القوي العزيز.
السنة تنافي البدع، تنافي الشرك المتسرب إلينا مع كل خيط يربطنا برباط التبعية والتلمذة والانكسار الانهزامي أمام الجاهلية.
لا يمكن أن نجمع بين المنهاج النبوي ومذاهب العصر في أية نقطة. ومن
يريد أن يبني إسلاما على منوال مستعار كمن يروم أن تلد له الفأرة غزالا.
نبدأ إن شاء الله تعالى في الفصول التالية بتأمل البناء الأول كيف تم.
ثم كيف انتقض عروة عروة. ونتأمل أسباب الانتقاض، ونلتمس منهاج النبوة
لإعادته كما كان.
جاء عند الإمام أحمد عن أبي أمامة الباهلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليُنقضن عرا الإسلام عروة عروة. فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها. وأولهن نقضا الحكم. وآخرهن الصلاة"
.
بدأ الخراب من أكثر جوانب البناء حساسية وهو الحكم. لا بد أن يستقر هذا
في أذهان بعضنا ممن يدافع عن الحكام على المسلمين بأي ثمن. لا بد أن نفهم
تاريخنا، وأنه أطوار بدأت بالنبوة، ثم الخلافة على منهاج النبوة، ثم الملك
العاض والجبرية. قرأت لبعض علمائنا تعليقا على حديث الملك العاض كله تبرير
لهذا الملك واعتبار له وقبول لكون الإعلام النبوي سبق به. يكفي أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم الذي أوتي جوامع الكلم أطلق عليه وصفا حيوانيا هو
العض، وعلى تاليه اسم الجبرية وهي حرفة الجبارين. أفما يكفي هذا؟ ثم ها هو
حديث نقض عرا الإسلام يُعْلِمُ بانتقاض الحكم أولَ ما ينتقض من الإسلام.
وقد كان ذلك مبكرا جدا في تاريخنا.
إن معجزة هذا الدين أن القرون الطويلة من فساد الحكم لم تقض عليه. كلمة
"فساد الحكم" أقرب ما نترجم به كلام النبوة السامي العفيف حين وصم مراحل
الفساد بالعض والجبر.
والصفحة الناصعة من تاريخ الخلافة الثانية أمامنا. جعلنا الله ممن
يستمعون القول فيتبعون أحسنه. ويخفون بفرح ونشاط لتشييد الإسلام بعد كنس
ركام النقض في عصور الدخَن الماضي والشر المحيط.
<br>
عمرالحسني- كـاتــــب
-
الديانه : الاسلام
البلد : المغرب
عدد المساهمات : 1169
نقاط : 6490
السٌّمعَة : 12
مواضيع مماثلة
» الحديث عن الوحي
» رءوس السنة
» مفهوم الإيمان عند أهل السنة والجماعة
» رسالة في السنة المُجردة
» أرجوزة السنة والشيعة
» رءوس السنة
» مفهوم الإيمان عند أهل السنة والجماعة
» رسالة في السنة المُجردة
» أرجوزة السنة والشيعة
شبكة واحة العلوم الثقافية :: الساحات العلمية والثقافية والحوارية :: ساحة الفقه والعلوم والحوارات الشرعية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى