حديث الخلافة بقلم: الأستاذ عبد الله المومني
2 مشترك
شبكة واحة العلوم الثقافية :: الساحات العلمية والثقافية والحوارية :: ساحة الفقه والعلوم والحوارات الشرعية
صفحة 1 من اصل 1
حديث الخلافة بقلم: الأستاذ عبد الله المومني
حديث الخلافة
بقلم: الأستاذ عبد الله المومني
ذكر الأستاذ المرشد حديث الخلافة وأشار إليه بروايتيه كلا أو جزءا مرات عديدة في جميع مؤلفاته.
نص الحديث
الرواية الأولى:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أول دينكم نبوة ورحمة وتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله جل جلاله. ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله جل جلاله. ثم تكون ملكاً عاضاً، فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعه الله جل جلاله. ثم يكون ملكاً جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها الله جل جلاله. ثم تكون خلافة على منهاج النبوة تعمل في الناس بسنة النبي، ويلقي الإسلام بجرانه في الأرض يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، لا تذر السماء من قطر إلا صبته مدراراً. ولا تدع الأرض من نباتها وبركاتها شيئاً إلا أخرجته" [1].
الرواية الثانية:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها. ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها. ثم تكون ملكا عاضا فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها. ثم تكون ملكا جبريا فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها. ثم تكون خلافة على منهاج النبوة. ثم سكت" [2].
وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أهمية هذا الحديث في تفكير الأستاذ المرشد ومحورية هذا الخطاب النبوي في فصول مدرسة الأستاذ عبد السلام ياسين.
وفي هذه المقالة نقف إن شاء الله على أهم المفاهيم المنهاجية الواردة في هذا الحديث العظيم.
فالأستاذ المرشد حفظه الله جعل من حديث الخلافة نبراسا له وسراجا منيرا حين نظر في الفقه، وحين نظر في التاريخ، وعندما بحث عن منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم في التربية وفي التنظيم وفي الزحف، وحين استقصى سنة الله في الإنسان وفي الكون وفي التاريخ، وحين تحدث عن الإسلاميين وهم يقتحمون عقبة الحكم، وعندما عالج جدلية الدعوة والدولة، وفي الوقت الذي بشر لغد ومستقبل الإسلام، وحتى عندما تطرق لقضية المرأة وهو ينير سبيل تحريرها، وأيضا لما دل هذا الإنسان التائه على ذرى الإحسان.
المدرسة المنهاجية
ليس اعتباطا أن يصف الباحثون مدرسة الأستاذ عبد السلام ياسين بالمدرسة المنهاجية، ليس فقط لأنه ألف كتاب المنهاج النبوي، بل لأنه جعل من مفهوم المنهاج النبوي مفتاحا لكل مضامين مدرسته الفكرية يقول: "فلننظر كيف جاءت كلمة "منهاج" في كلام النبوة لنستخلص منها مفتاح الطريق في رفقتنا هذه التي تنطلق من الإطلال على حاضرٍ مُرٍّ، وتتبع ما رسمه الوحي لتاريخنا الماضي والحاضر والمستقبل" [3]ولقد استوحى حفظه الله هذا المفهوم من حديث الخلافة، الذي يصف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلافة الراشدة التي كانت بعد النبوة بالخلافة على منهاج النبوة، وبنفس الوصف ينعت الخلافة الثانية الموعودة بعد ملك العض والجبر. وفي رواية البزار يزيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم توضيحا لمعنى المنهاج، يقول صلى الله عليه وسلم: "... ثم تكون خلافة على منهاج النبوة تعمل في الناس بسنة النبي، ويُلْقِي الإسلام بِجِرَانِهِ (أي يتمكن في الأرض) في الأرض، يَرْضَى عنها ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدع السماء من قطر إلا صبته مِدْراراً، ولا تدع الأرض من نباتها وبركاتها شيئا إلا أخرجته". يعلق الأستاذ المرشد على هذه الزيادة، ويقول: "حيث يعرف -أي الحديث- المنهاج النبوي أنه : "عمل في الناس"، أي سياسة وحكم وتصرف اقتصادي وعدل اجتماعي، بسنة النبي. كما يزيدنا توضيحا لنتائج اتباع منهاج النبوة، من رضى ساكن السماء وساكن الأرض عنها، أي بركة الله واجتماع كلمة الأمة. ويصف لنا هذه البركة ازدهارا اقتصاديا ورخاء" [4]فالمنهاج النبوي بهذا المعنى هو السنة النبوية بمفهومها الشمولي، و"هو التطبيقَ العملي للشريعة، وإنزالَها على أحداث التاريخ في الإطار الزماني والمكاني والاجتماعي الاقتصادي السياسي المتغير المتطور، الذي تمثل السيرة النبوية نموذجا فذا له، لكن نموذجا حيا قابلا للتجدد في روحه وإن تنوع الشكل" [5].
منهاج التغيير
"وها هو هذا الحديث (حديث الخلافة) يجمع لنا :1- شرع الله الذي يضمن الخلافة في الأرض لمن اتبع الهدي النبوي.2- قدر الله الذي يَكشف أطوارَه الوحيُ، وتبلغُ بشارتُه عمر بن عبد العزيز رحمه الله فيُسَرُّ، وتبلُغُنا فنُشَمِّرُ احتفاء بالبشرى، وتأهبا لورود القدر الموعود، توكلا منا، مع إعداد القوة، واتخاذ الأسباب، لا نعاسا وأحلاما" [6]استكانت الأمة للسيف زمانا، وانتظرت مهديا هابطا بسيفه وفرسه من السماء، كانت تسمع الأخبار النبوية المبشرة بزوال الكدر الذي يشوب الأمة فترجوها وترتقبها بنوع من الأحلام الخرافية التي تتعايش مع الخمول والكسل. فما كانت صيحات الأفغاني وعبده ورشيد رضا وحسن البنا لتوقظ أهل الكهف الذين يغطون في سبات عميق، وكأن الإسلام في هبته هذه وافد جديد، وكأن أصحابه غرباء.
وأمة هذه حالها تحتاج إلى تجديد منهاجي يكسب فاعليته بالأبعاد الإيمانية الغيبية المستمدة من الوحي والتي تحول الأحلام والأماني إلى رجاء يقيني وترقب مشفوع بالجهاد العملي.
فإن كان حديث الخلافة بشر بقدر الله المحتوم، فهو أيضا ضمن الخلافة لمن عمل بسنة النبي الخاتم.
والسؤال المناسب في هذا الموضع في الحقيقة، هو: ما هي السنة التي صنعت رجال الخلافة الأولى؟ ما هي التربية التي أنتجتهم؟ ما هو التنظيم الذي جندهم؟ ما هو المنهاج النبوي في شموليته وتفاصيله؟
لعل أمثال هذه الأسئلة هي التي كانت وراء دورات التفكير المنهاجي عند الأستاذ عبد السلام ياسين وهو يبحث عن الأداة والآلة لتربية رجال الطليعة رجال الخلافة الثانية.
الخلافة والملك
أخرج ابن سعد في الطبقات عن عمر أنه قال: "والله ما أدري أخليفة أنا أم ملك! فإن كنت ملكا فهذا أمر عظيم!" تلبس سيدنا عمر رضي الله عنه بخشية أن يكون ملكا فهذا أمر عظيم ومهول، ومعنى ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يفهمون أن الملك مذموم.
غير أن المؤرخين الرسميين سموا الذي سماه المصطفى صلى الله عليه وسلم ملكا عاضا وجبريا خلافة، فاعتاد الناس على سماع الخلافة الأموية والخلافة العباسية، وعاشوا على سراب الأسماء دون فحص ناقد للمسميات.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمى الحكم الراشد بعد النبوة بالخلافة، وما بعده ملكا، فليس المقصود التسمية أو الشكل بل أكبر من ذلك، وهو انتماء هذا النظام السياسي إلى المنهاج النبوي، فمثلا عهد الخلفاء الراشدين الأربعة تميز باختيار الناس لحكامهم وهذا مشترك بين جميع الخلفاء الراشدين وإن اختلفت طرق المشورة، وحق الناس في النصيحة والاعتراض، وصلاحيات الخليفة مقيدة بالنص القرآني والنبوي، وبالمشورة فيما لا نص فيه، والشواهد على هذا كثيرة. وكذلك تميز عهد الخلافة باستقلال بيت مال المسلمين، واستقلال القضاء.
أما الملك فيما بعد فقد أجهض كل هذا إذ تحكم السيف لمصادرة حق الأمة في اختيار حكامها، واشتهر قطع رأس المعارض إن قال للملك اتق الله، وشرع حكم المتغلب، واختلط مال بيت المال بالأموال الخاصة للحكام.
العض والجبر
وحديث الخلافة يتنبأ بمرحلة أخرى بعد الخلافة والملك العاض، وهذه المرحلة، مرحلة الجبر، شكلت صدمة ثانية يلزم الوعي التام بها، وهي أخطر من التحول السياسي الأول الذي وقع على يد الأمويين، لأنه لم يكن سياسيا فقط بل كان حضاريا، وتمثل في انقضاض الدول الاستعمارية على الرجل المريض، الدولة العثمانية.
بطبيعة الحال التحول السياسي من خلافة إلى ملك عاض هيأ الظروف المناسبة لتنزل الصدمة الثانية، وأوجد القابلية لاحتضان المستعمر.
ولكن الخطة الاستعمارية كانت أبعد بكثير من مجرد حصار اقتصادي، أو غزو عسكري، بل كانت هذه مقدمات لغزو حضاري شامل، تجلت في سياسة تعليمية تؤسس لمرتكزات جاهلية غريبة عن أصول الوحي أهمها اللائكية فصل الدين عن الدولة، وأخطر ما فيها فصل حياة الناس عن الوحي وعن الآخرة، اعتمادا على صناعة النموذج الغربي المتقدم المغري، وبناء على تجربته الثورية التي أطاحت بالإقطاع والكنيسة.
والوعي الدقيق بهذه المراحل التاريخية، دون اعتماد منهج التقديس الذي يحاول إضفاء العصمة على التاريخ الإسلامي، ولا منهج التدنيس الذي لا يرى في تاريخ المسلمين إلا أخطاء وأعطاب، يضيء لا شك سبيل بناء مستقبل الخلافة الثانية.
وفي الختام يمكن أن نقول إن هذه المفاهيم التي تولدت لدى الأستاذ عبد السلام ياسين من حديث الخلافة تشكل مرتكزات أساسية في بناء مدرسته، والفهم العميق لهذه البشارة النبوية وما تنبأت به من مراحل مفصلية في تاريخ المسلمين سيكون لا شك مفتاحا لولوج أبواب الفكر المنهاجي لبناء جيل الخلافة الثانية على منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[1] رواه البزار
[2] رواه الإمام أحمد، وصححه الحافظ العراقي، وكذلك صححه الألباني.
[3] مقدمات لمستقبل الإسلام، ص 26
[4] مقدمات لمستقبل الإسلام، ص 29
[5] مقدمات لمستقبل الإسلام، ص 25
[6] مقدمات لمستقبل الإسلام، ص27
بقلم: الأستاذ عبد الله المومني
ذكر الأستاذ المرشد حديث الخلافة وأشار إليه بروايتيه كلا أو جزءا مرات عديدة في جميع مؤلفاته.
نص الحديث
الرواية الأولى:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أول دينكم نبوة ورحمة وتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله جل جلاله. ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله جل جلاله. ثم تكون ملكاً عاضاً، فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعه الله جل جلاله. ثم يكون ملكاً جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها الله جل جلاله. ثم تكون خلافة على منهاج النبوة تعمل في الناس بسنة النبي، ويلقي الإسلام بجرانه في الأرض يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، لا تذر السماء من قطر إلا صبته مدراراً. ولا تدع الأرض من نباتها وبركاتها شيئاً إلا أخرجته" [1].
الرواية الثانية:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها. ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها. ثم تكون ملكا عاضا فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها. ثم تكون ملكا جبريا فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها. ثم تكون خلافة على منهاج النبوة. ثم سكت" [2].
وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أهمية هذا الحديث في تفكير الأستاذ المرشد ومحورية هذا الخطاب النبوي في فصول مدرسة الأستاذ عبد السلام ياسين.
وفي هذه المقالة نقف إن شاء الله على أهم المفاهيم المنهاجية الواردة في هذا الحديث العظيم.
فالأستاذ المرشد حفظه الله جعل من حديث الخلافة نبراسا له وسراجا منيرا حين نظر في الفقه، وحين نظر في التاريخ، وعندما بحث عن منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم في التربية وفي التنظيم وفي الزحف، وحين استقصى سنة الله في الإنسان وفي الكون وفي التاريخ، وحين تحدث عن الإسلاميين وهم يقتحمون عقبة الحكم، وعندما عالج جدلية الدعوة والدولة، وفي الوقت الذي بشر لغد ومستقبل الإسلام، وحتى عندما تطرق لقضية المرأة وهو ينير سبيل تحريرها، وأيضا لما دل هذا الإنسان التائه على ذرى الإحسان.
المدرسة المنهاجية
ليس اعتباطا أن يصف الباحثون مدرسة الأستاذ عبد السلام ياسين بالمدرسة المنهاجية، ليس فقط لأنه ألف كتاب المنهاج النبوي، بل لأنه جعل من مفهوم المنهاج النبوي مفتاحا لكل مضامين مدرسته الفكرية يقول: "فلننظر كيف جاءت كلمة "منهاج" في كلام النبوة لنستخلص منها مفتاح الطريق في رفقتنا هذه التي تنطلق من الإطلال على حاضرٍ مُرٍّ، وتتبع ما رسمه الوحي لتاريخنا الماضي والحاضر والمستقبل" [3]ولقد استوحى حفظه الله هذا المفهوم من حديث الخلافة، الذي يصف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلافة الراشدة التي كانت بعد النبوة بالخلافة على منهاج النبوة، وبنفس الوصف ينعت الخلافة الثانية الموعودة بعد ملك العض والجبر. وفي رواية البزار يزيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم توضيحا لمعنى المنهاج، يقول صلى الله عليه وسلم: "... ثم تكون خلافة على منهاج النبوة تعمل في الناس بسنة النبي، ويُلْقِي الإسلام بِجِرَانِهِ (أي يتمكن في الأرض) في الأرض، يَرْضَى عنها ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدع السماء من قطر إلا صبته مِدْراراً، ولا تدع الأرض من نباتها وبركاتها شيئا إلا أخرجته". يعلق الأستاذ المرشد على هذه الزيادة، ويقول: "حيث يعرف -أي الحديث- المنهاج النبوي أنه : "عمل في الناس"، أي سياسة وحكم وتصرف اقتصادي وعدل اجتماعي، بسنة النبي. كما يزيدنا توضيحا لنتائج اتباع منهاج النبوة، من رضى ساكن السماء وساكن الأرض عنها، أي بركة الله واجتماع كلمة الأمة. ويصف لنا هذه البركة ازدهارا اقتصاديا ورخاء" [4]فالمنهاج النبوي بهذا المعنى هو السنة النبوية بمفهومها الشمولي، و"هو التطبيقَ العملي للشريعة، وإنزالَها على أحداث التاريخ في الإطار الزماني والمكاني والاجتماعي الاقتصادي السياسي المتغير المتطور، الذي تمثل السيرة النبوية نموذجا فذا له، لكن نموذجا حيا قابلا للتجدد في روحه وإن تنوع الشكل" [5].
منهاج التغيير
"وها هو هذا الحديث (حديث الخلافة) يجمع لنا :1- شرع الله الذي يضمن الخلافة في الأرض لمن اتبع الهدي النبوي.2- قدر الله الذي يَكشف أطوارَه الوحيُ، وتبلغُ بشارتُه عمر بن عبد العزيز رحمه الله فيُسَرُّ، وتبلُغُنا فنُشَمِّرُ احتفاء بالبشرى، وتأهبا لورود القدر الموعود، توكلا منا، مع إعداد القوة، واتخاذ الأسباب، لا نعاسا وأحلاما" [6]استكانت الأمة للسيف زمانا، وانتظرت مهديا هابطا بسيفه وفرسه من السماء، كانت تسمع الأخبار النبوية المبشرة بزوال الكدر الذي يشوب الأمة فترجوها وترتقبها بنوع من الأحلام الخرافية التي تتعايش مع الخمول والكسل. فما كانت صيحات الأفغاني وعبده ورشيد رضا وحسن البنا لتوقظ أهل الكهف الذين يغطون في سبات عميق، وكأن الإسلام في هبته هذه وافد جديد، وكأن أصحابه غرباء.
وأمة هذه حالها تحتاج إلى تجديد منهاجي يكسب فاعليته بالأبعاد الإيمانية الغيبية المستمدة من الوحي والتي تحول الأحلام والأماني إلى رجاء يقيني وترقب مشفوع بالجهاد العملي.
فإن كان حديث الخلافة بشر بقدر الله المحتوم، فهو أيضا ضمن الخلافة لمن عمل بسنة النبي الخاتم.
والسؤال المناسب في هذا الموضع في الحقيقة، هو: ما هي السنة التي صنعت رجال الخلافة الأولى؟ ما هي التربية التي أنتجتهم؟ ما هو التنظيم الذي جندهم؟ ما هو المنهاج النبوي في شموليته وتفاصيله؟
لعل أمثال هذه الأسئلة هي التي كانت وراء دورات التفكير المنهاجي عند الأستاذ عبد السلام ياسين وهو يبحث عن الأداة والآلة لتربية رجال الطليعة رجال الخلافة الثانية.
الخلافة والملك
أخرج ابن سعد في الطبقات عن عمر أنه قال: "والله ما أدري أخليفة أنا أم ملك! فإن كنت ملكا فهذا أمر عظيم!" تلبس سيدنا عمر رضي الله عنه بخشية أن يكون ملكا فهذا أمر عظيم ومهول، ومعنى ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يفهمون أن الملك مذموم.
غير أن المؤرخين الرسميين سموا الذي سماه المصطفى صلى الله عليه وسلم ملكا عاضا وجبريا خلافة، فاعتاد الناس على سماع الخلافة الأموية والخلافة العباسية، وعاشوا على سراب الأسماء دون فحص ناقد للمسميات.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمى الحكم الراشد بعد النبوة بالخلافة، وما بعده ملكا، فليس المقصود التسمية أو الشكل بل أكبر من ذلك، وهو انتماء هذا النظام السياسي إلى المنهاج النبوي، فمثلا عهد الخلفاء الراشدين الأربعة تميز باختيار الناس لحكامهم وهذا مشترك بين جميع الخلفاء الراشدين وإن اختلفت طرق المشورة، وحق الناس في النصيحة والاعتراض، وصلاحيات الخليفة مقيدة بالنص القرآني والنبوي، وبالمشورة فيما لا نص فيه، والشواهد على هذا كثيرة. وكذلك تميز عهد الخلافة باستقلال بيت مال المسلمين، واستقلال القضاء.
أما الملك فيما بعد فقد أجهض كل هذا إذ تحكم السيف لمصادرة حق الأمة في اختيار حكامها، واشتهر قطع رأس المعارض إن قال للملك اتق الله، وشرع حكم المتغلب، واختلط مال بيت المال بالأموال الخاصة للحكام.
العض والجبر
وحديث الخلافة يتنبأ بمرحلة أخرى بعد الخلافة والملك العاض، وهذه المرحلة، مرحلة الجبر، شكلت صدمة ثانية يلزم الوعي التام بها، وهي أخطر من التحول السياسي الأول الذي وقع على يد الأمويين، لأنه لم يكن سياسيا فقط بل كان حضاريا، وتمثل في انقضاض الدول الاستعمارية على الرجل المريض، الدولة العثمانية.
بطبيعة الحال التحول السياسي من خلافة إلى ملك عاض هيأ الظروف المناسبة لتنزل الصدمة الثانية، وأوجد القابلية لاحتضان المستعمر.
ولكن الخطة الاستعمارية كانت أبعد بكثير من مجرد حصار اقتصادي، أو غزو عسكري، بل كانت هذه مقدمات لغزو حضاري شامل، تجلت في سياسة تعليمية تؤسس لمرتكزات جاهلية غريبة عن أصول الوحي أهمها اللائكية فصل الدين عن الدولة، وأخطر ما فيها فصل حياة الناس عن الوحي وعن الآخرة، اعتمادا على صناعة النموذج الغربي المتقدم المغري، وبناء على تجربته الثورية التي أطاحت بالإقطاع والكنيسة.
والوعي الدقيق بهذه المراحل التاريخية، دون اعتماد منهج التقديس الذي يحاول إضفاء العصمة على التاريخ الإسلامي، ولا منهج التدنيس الذي لا يرى في تاريخ المسلمين إلا أخطاء وأعطاب، يضيء لا شك سبيل بناء مستقبل الخلافة الثانية.
وفي الختام يمكن أن نقول إن هذه المفاهيم التي تولدت لدى الأستاذ عبد السلام ياسين من حديث الخلافة تشكل مرتكزات أساسية في بناء مدرسته، والفهم العميق لهذه البشارة النبوية وما تنبأت به من مراحل مفصلية في تاريخ المسلمين سيكون لا شك مفتاحا لولوج أبواب الفكر المنهاجي لبناء جيل الخلافة الثانية على منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[1] رواه البزار
[2] رواه الإمام أحمد، وصححه الحافظ العراقي، وكذلك صححه الألباني.
[3] مقدمات لمستقبل الإسلام، ص 26
[4] مقدمات لمستقبل الإسلام، ص 29
[5] مقدمات لمستقبل الإسلام، ص 25
[6] مقدمات لمستقبل الإسلام، ص27
<br>
عمرالحسني- كـاتــــب
-
الديانه : الاسلام
البلد : المغرب
عدد المساهمات : 1169
نقاط : 6487
السٌّمعَة : 12
رد: حديث الخلافة بقلم: الأستاذ عبد الله المومني
اخينا الفاضل هلا نقلت لنا سند الروايات
عمران- عضو مشارك
- الديانه : الاسلام
البلد : العراق
عدد المساهمات : 65
نقاط : 4955
السٌّمعَة : 1
مواضيع مماثلة
» سعيد حوى/ بقلم الأستاذ زهير الشاويش
» في فقه التغيير المنهاجي بقلم: الأستاذ أحمد الفراك
» القومة أو آلية التغيير في التصور المنهاجي بقلم الأستاذ: لخضر حمادي
» القرضاوى والشيعة والفتنة الكبرى / بقلم الأستاذ محمد شوكت الملط
» القرآن في حديث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم -
» في فقه التغيير المنهاجي بقلم: الأستاذ أحمد الفراك
» القومة أو آلية التغيير في التصور المنهاجي بقلم الأستاذ: لخضر حمادي
» القرضاوى والشيعة والفتنة الكبرى / بقلم الأستاذ محمد شوكت الملط
» القرآن في حديث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم -
شبكة واحة العلوم الثقافية :: الساحات العلمية والثقافية والحوارية :: ساحة الفقه والعلوم والحوارات الشرعية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى