الديمقراطية و الحكم (المبحث الأول)
صفحة 1 من اصل 1
الديمقراطية و الحكم (المبحث الأول)
المبحث الأول: الديمقراطية
مخطط البحث
1- الديمقراطية تعريفها
2- الديمقراطية عقيدة
3- الديمقراطية أسلوب حكم
أولاً – الانتخابات.
ثانياً - سلطات الحكم العامة وأنواعها.
1ً- الفصل بين السلطات.
2ً- السلطة التشريعية.
3ً- السلطة التنفيذية.
4ً- السلطة القضائية.
5ً- الرأي العام وقرار الجماهير.
ثالثاً – الدساتير وأنواعها.
4- هل نقبل بالنظام الديمقراطي
5- هل نسعى ونخطط للدولة الديمقراطية
***********************************************************************************
الـديمقـراطيــــة
1- تعريفها:
( الديمقراطية كلمة مشتقة من الأصل اللاتيني (ديمقراسيا) وتتكون من مقطعين
الأول (ديمو) ويعني الشعب.
والثاني (قراسيا) ويعني الحكم؛ أي أن المصطلح كاملاً يعني حكم الشعب.
وقد دخلت هذه الكلمة اللغات الحية بنفس اللفظ تقريباً وعُرفت على أنها: حكم الشعب نفسه بنفسه ولمصلحته). ولابد من الفصل بين جانبين مهمين هما الأساس الذي ترتكز الديمقراطية عليه:
الجانب الأول: الديمقراطية عقيدة ومبدأ
الجانب الثاني: الديمقراطية نظام حكم أو (أسلوب حكم).
2- الديمقراطية عقيدة:
وهي التي تعطي الشعب كل شيء، تعطيه أن يشرع لنفسه ما يشاء فهو صاحب الحق في التشريع، ولا سلطان لأحد فوقه، يحرم اليوم، ويحل غداً، يعطي اليوم، ويمنع غداً على مزاجه وهواه، أو هوى المتنفذين فيه. بما لهم من مصالح ومكاسب، فالخير والشر عند نسبيان. والمعروف والمنكر عنده قابلان للتغيير في كل وقت وهذا في المفهوم الإسلامي هو الهوى بعينه، والكفر بعينه، وما جاءت الرسالات وأُنزل الأنبياء في الأرض إلا لهداية الناس إلى الله الواحد المتفرد بالسلطان والتشريع والرزق والنفع والضر.
] فإن لم يستجيبوا لك، فاعلم أنما يتبعون أهواءهم، ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدىً من الله [([1]).
] أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم [([2]).
] ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها، ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون [ ([3]).
] ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة.. [ ([4]).
ويمكن أن نحددها بالضبط بين أن يكون التشريع لله، أو يكون التشريع للشعب.
ومن البديهي أن نشير إلى أن التشريع لله هو في الأصول الثابتة التي أنزلها الله تعالى على نبيه محمدصلى الله عليه وسلم في كتابه وسنة نبيه لا في الفروع والمستجدات (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام ديناً))
(( تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وسنتي)).
والصراع بين الإسلام والكفر في تاريخ البشرية من لدن آدم إلى قيام الساعة هو شريعة الله وأهواء البشر.
( إن شريعة الله تمثل منهجاً متكاملاً للحياة البشرية يتناول بالتنظيم والتوجيه والتطوير كل جوانب الحياة الإنسانية، في جميع حالاتها، وفي كل صورها وأشكالها وهو منهج قائم على العلم المطلق بحقيقة الكائن الإنساني، والحاجات الإنسانية وبحقيقة الكون الذي يعيش فيه الإنسان.. الأمر الذي لا يتوافر أبداً لمنهج من صنع الإنسان الذي لا يعلم إلا ظاهراً من الأمر، إلا الجانب المكشوف في فترة زمنية معينة، ولا يسلم منهج يبتدعه من آثار الجهل الإنساني، ولا يخلو من التصادم المدمر بين بعض ألوان النشاط وبعض، والهزات العنيفة الناشئة عن هذا التصادم.
وهو منهج قائم على العدل المطلق أولاً لأن الله يعلم حق العلم بم يتحقق العدل المطلق وكيف يتحقق. وثانياً لأنه سبحانه رب الجميع، فهو الذي يملك أن يعدل بين الجميع، وأن يجيء منهجه وشرعه مبرأ من الهوى والميل والضعف، كما أنه مُبرأ من الجهل والقصور والغلو والتفريط، الأمر الذي لا يمكن أن يتوفر في أي منهج أو في أي شرع من صنع الإنسان ذي الشهوات والميول والضعف والهوى فوق ما به من الجهل والقصور سواءً كان المشرع فرداً أو طبقة أو أمة أو جيلاً من أجيال البشر.. فلكل حالة من هذه الحالات أهواؤها وشهواتها وميولها ورغباتها، فوق أن لها جهلها وقصورها وعجزها عن الرؤية الكاملة لجوانب الأمر كله حتى في الحالة الواحدة في الجيل الواحد.
ثم إنه المنهج الوحيد الذي يتحرر فيه الإنسان من العبودية للإنسان، ففي كل منهج غير المنهج الإسلامي يتعبد الناس الناس، ويعبد الناس الناس وفي المنهج الإسلامي وحده يخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده بلا شريك.
... ويشرع خالق الأفراد، خالق الجماعات، وخالق الأمم والأجيال للجميع فإذا هي شريعة الله التي لا محاباة فيها لأحد على حساب أحد، لا لفرد ولا لجماعة ولا لدولة ولا لجيل من الأجيال، لأن لله رب الجميع والكل لديه سواء. ولأن الله يعلم حقيقة الجميع ومصلحة الجميع، فلا يفوته سبحانه أن يرعى مصالحهم وحاجاتهم بدون تفريط ولا إفراط، ويشرع غير الله للناس، فإذا هم عبيد من يشرع لهم، كائناً من كان، فرداً أو طبقة أو أمة أو مجموعة من الأمم.
ويشرع الله للناس فإذا هم كلهم أحرار متساوون، لا يحنون جباههم إلا لله، ولا يعبدون إلا الله. ومن هنا خطورة هذه القضية في حياة بني الإنسان، وفي نظام الكون كله] ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن..[([5]). فالحكم بغير ما أنزل الله معناه الشر والفساد والخروج في النهاية عن نطاق الإيمان بنص القرآن)([6]). وإن كان من شك في ذلك فلنستعرض مآسي البشرية في هذا القرن في ظل الديمقراطية الغربية.
لقد تم استعمار العالم كله من إنكلترا وفرنسا وإيطاليا وروسيا، وكلهم ينطلقون من الديمقراطية الغربية. وكانت إنكلترا وفرنسا تتقاسما النفوذ في العالم وهما زعيمتا العالم الحر. ولقد كان العالم العربي والإسلامي والآسيوي والإفريقي كله تحت مظلة هذا الاستعمار الديمقراطي.
وفي ظل الديمقراطية الغربية تم إشعال حربين عالميتين، أفنتا ما يزيد عن خمسين مليوناً من البشر، غير ما أفسدتاه في الحرث والنسل.
وفي ظل الديمقراطية الغربية تم تفجير القنبلة الذرية في هيروشيما وناغازاكي من زعيمة العالم الحر، الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي ظل الديمقراطية الغربية تم قيام دولة إسرائيل وزرعها في قلب الوطن العربي الإسلامي، وكانت حاميتها الكبرى أمريكا والتي كانت تستعمل حق الفيتو في وجه إي إدانة للعدوان الإسرائيلي.
وفي ظل الديمقراطية الغربية يفرض السلام على العرب في ظل إسرائيل، ويفرض ضخ نفط الخليج لأمريكا. والخارج على ذلك إرهابي يلاحق كل مكان في الأرض، هذا بالنسبة للعالم الخارجي.
أما في داخل هذه الدول، فباسم الديمقراطية الغربية تم تقنين الزنا وتحليله وتقنين اللواط وتحليله، وتقنين السحاق وتحليله.
وباسم الديمقراطية الغربية، شرعت القوانين التي تبيح الربا وتجيزه رغم ما فيه من ظلم قاتل للفقراء والمحتاجين في داخل الوطن نفسه.
وباسم الديمقراطية الغربية أُبيح الخمر وأُحل كل حرام، وحُرم كل حلال على أهواء الناس وأمزجتهم.
( فليست العبرة بالأشكال الديمقراطية والإعلانات مثل إعلانات سيادة الشعب وحقوق الإنسان ووجود تمثيل بريطاني وأحزاب وانتخابات وأغلبية. فقد وجدت تلك الأشكال الديمقراطية، ولا تزال موجودة في أعتى الدكتاتوريات كما هو حاصل في سائر الأنظمة القومية والطبقية في مشرق الأرض ومغربها. ولا تزال كثير من المظالم والفواحش من مثل عدوان الشعوب على بعضها بالاحتلال أو الاستغلال، ومن مثل انتشار الفسوق والفساد والرشاوى والغش والضلال تستمد شرعيتها من جهاز الديمقراطية.
ألم تزل أعرق الديمقراطيات في بريطانيا وفرنسا تحتفظ بوزارة المستعمرات أولما وراء البحار، ويشرع للقمار وللواط والوأد المعاصر والإجهاض، وتحديد النسل وفرض شروط مجمعة في مبادلاتها مع الشعوب الضعيفة مستهترة بالأوضاع المأساوية التي تعيشها تلك الشعوب؟ أليس وجود ربع البشرية في حالة مجاعة يموت تحت وطأتها كل سنة عشرات الملايين شاهداً وصارخاً على فشل الديمقراطية المعاصرة، وجهازها القانوني وخلفياتها الفكرية الإنسانية في تنمية الشعور الإنساني، وإحلال كرامة الإنسان محلاً أسمى من الرفاه والمجد القومي اللذين تبذل فيهما المليارات في الديمقراطيات الغربية والشرقية؟ أليس بالقياس إلى هذه المآسي تتضاءل منجزات الديمقراطية المعاصرة، وما وفرته أجهزتها في بلاد الغرب من حريات وحقوق لإنسان الغرب، وضمانات لمنع الجور طالما أن مصير الإنسانية ينبغي أن يكون واحداً...
إن موطن الداء ليس في أجهزة الديمقراطية.. بقدر ما هو كامن في فلسفات الغرب السياسية القومية والمادية، تلك التي فصلت بين الروح والجسد (فلسفة ديكارت) ثم تجاهلت الروح وأدواتها، ثم حاربت الله وجاهدت جهاداً كبيراً لإحلال الإنسان محله. فلم يبق في الكون إلا المادة، والحركة والسيطرة والصراع وشرعة القوي.. وصدق الله العظيم حيث يقول:
] ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن [
وصدق الله العظيم حيث يقول:
] فإن لم يستجيبوا لك، فاعلم أنما يتبعون أهواءهم، ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدىً من الله، إن الله لا يهدي القوم الظالمين [.
هذا والتشريع بغير ما أنزل الله مرفوض سواءً كان من دعاة الديمقراطية الغربية أو دعاة الشيوعية أو دعاة الدين، فكلهم في نهاية الأمر سواء، كلهم يشرعون لاستعباد الآخرين لهم من دون الله.
] اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً دون الله والمسيح ابن مريم، وما أُمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون [.
( فقد روى الإمام أحمد والترمذي وابن جرير من طرق عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه لما بلغته دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فر إلى الشام وكان قد تنصر في الجاهلية.. فقدم عدي إلى المدينة، وكان رئيساً في قومه طيء. وأبوه حاتم الطائي المشهور في الكرم فتحدث الناس بقدومه، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي عنق عدي صليب من فضة وهو يقرأ هذه الآية ] اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله [، قال: فقلت: إنهم لم يعبدوهم، فقال: (( بلى؛ إنهم حرموا عليهم الحلال، وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم..)) ([7]).
والذي يتبنى الديمقراطية عقيدة فيرى أن ما يشرعه الشعب هو الحق، سواءً وافق تشريع الله أم خالفه فقد حكم على نفسه بالكفر، ] أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة، فإن يكفر بها هؤلاء، فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين [ ([8]).
3- الديمقراطية أسلوب حكم:
وإذا كانت الديمقراطية عقيدة مرفوضة جملة وتفصيلاً من المسلمين بحيث يكون التشريع للشعب من دون الله.
فالديمقراطية أسلوب حكم مقبولة جملة وتفصيلاً بين المسلمين دون حرج ولا إثم ولا لجلجة.
( وقد وضع المحللون الغربيون مجموعة من المعايير كأسس للديمقراطية، وتشمل هذه المشاركة السياسية، والانتخابات، والأحزاب السياسية، ومجموعة أصحاب المصالح الواحدة، وفصل السلطات، والضوابط والموازنات، واحترام حقوق الإنسان، وحقوق الأقليات، وحريات الرأي والصحافة والسفر والعمل)([9]).
وسنبحث بعض هذه الأسس تفصيلاً في هذا الفصل، ونفرد بعضها في فصل مستقل قادم لأهميته في واقعنا المعاصر.
( وسنرى كيف يمكن للإسلام أن يستوعب النظام الديمقراطي الغربي، فيحفظ للمسلمين وللبشرية إيجابياته في ما قدمه للفكر السياسي من إضافة حقيقية تتمثل في تحويل مبدأ الشورى الذي جاء به الإسلام، أي اشتراك الأمة في الحكم، وانبثاقه عن إرادتها وقوامتها على حكامها، وتحويله من مواعظ ومبادئ عامة إلى جهاز الحكم)([10]).
أولاً- الانتخاب:
( الانتخاب هو الوسيلة الأساسية والمثلى للديمقراطية، فهو يرتبط بها في عصرنا الحديث ارتباطاً وثيقاً إلى الحد الذي جعل منه الركيزة الثابتة لتبوء السلطة في الديمقراطية المعاصرة كما وجد الانتخاب أيضاً في الديمقراطيات القديمة لكن مع الفارق.. لكن الانتخاب اكتسب منزلة رفيعة في الوقت الحاضر، حيث أضحى المعبر عن الديمقراطية كضرورة حتمية في الدول الآخذة به. وكلما كان الانتخاب يرمي لمشاركة أكبر عدد من المواطنين في السلطة كلما كان ذلك أكثر اتفاقاً وقربى مع روح الديمقراطية)([11]).
وتبقى عظمة الآية القرآنية ] وأمرهم شورى بينهم [ تستوعب الزمان والمكان. ما كان وما هو واقع وما سيستجد في عملية الانتخاب والرقي به واتساع نطاقه. يبقى هذا كله ضمن مفهوم هذه الآية الكريمة التي لم تتحدث عن شكل ولا صيغة ولا أسلوب معين. إنما المهم أن يكون قرار الأمة شورى بينها بحيث لا يترك فرداً منها بدون مشاورة. ويمكننا أن نستعير الجملة السابقة مع التعديل (وكلما كان الانتخاب يرمي لمشاركة أكبر عدد من المواطنين في السلطة كلما كان ذلك أكثر اتفاقاً وقربى مع روح الشورى (بدل الديمقراطية).
شروط الانتخاب:
ولا داعي للخوض في تفصيلات الانتخابات والمراحل التي مرت بها والقيود والشروط التي كانت توضع للمنتخب من قديم الزمان إلى اليوم كالجنسية والملكية والسن والكفاءة والجنس.
( لقد كان القرن التاسع عشر هو قرن حرمان المرأة من حقوقها السياسية.. لكن الصورة سرعان ما تغيرت منذ الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، وكانت الولايات المتحدة هي الرائدة في هذا الإنجاز إذ تم تعديل الدستور عام 1920 لصالح المرأة فأقر منحها حق الانتخاب على قدم المساواة مع الرجل.. وانبرت معظم الدول إلى إقرار حق الانتخاب للمرأة وبان ذلك واضحاً في كل من الدانمارك 1915 وهولندا 1919 والسويد 1920 وبريطانيا 1928، وفرنسا عام 1944، وإيطاليا عام 1945، ومصر عام 1956)([12]).
الطرق المختلفة للانتخاب: ] هناك أربع طرق للانتخاب تُعتبر أنظمة رئيسية هي:
أولاً: الانتخاب المباشر، والانتخاب غير المباشر.
ثانياً: الانتخاب الفردي، والانتخاب بالقائمة.
ثالثاً: الانتخاب بالأغلبية، ونظام التمثيل النسبي.
رابعاً: نظام تمثيل المصالح والمهن[ ([13]).
وهي أساليب وصور متروكة لتقدير الأمة تختار ما تشاء منها دون قيد أو ترجيح لشيء، والأقرب لتمثيل كافة أفراد الأمة وتمثيل آرائهم هو الأقرب لروح الشورى في الإسلام.
ثانياً: سلطات الحكم العامة وأنواعها:
1ً- مبدأ الفصل بين السلطات:
( يرمي الفصل بين السلطات إلى توزيع وظائف الدولة على هيئات منفصلة كل منها مستقلة عن الأخرى في مباشرة وظيفتها. فلقد أكد عالم السياسة البريطاني في العصر الحديث (هارولد لاسكي) أن هناك تقسيماً ثلاثياً تقليدياً لنظم الحكم، يشتمل على سلطة تشريعية، سلطة تنفيذية، وسلطة قضائية. فالسلطة التشريعية هي التي تشرع القواعد العامة للمجتمع.. والسلطة التنفيذية هي التي تعمل على تطبيق تلك القواعد.. والسلطة القضائية هي التي تقر الأسلوب الذي يتحقق به عمل الهيئة التنفيذية.. ولقد أكد لاسكي صلاحية هذا التقسيم التقليدي بأنه بيَّن أنه منذ أرسطو عند اليونان الأقدمين وجون لوك عند الانكليز في القرن السابع عشر، ومونتسكيو عند الفرنسيين قد أخذ بالفكر السياسي والتطبيق العملي، حفاظاً على سلامة الحكم من ناحية، وعلى كفالة الحرية من ناحية أخرى)([14]).
ولم يقف مونتسكيو في تقسيمه للسلطات عند هذا الحد بل أخذ في التحليل استخلاص النتائج، فهو يرى من خلال هذا التقسيم أن السلطتين التشريعية والتنفيذية حين تجتمع في يد شخص واحد، أو هيئة واحدة. فإن ذلك معناه إهدار الحرية وانتهاكها. نظراً لإقدام ذلك الشخص، تلك الهيئة الاستبدادية وتنفيذها بطريقة استبدادية أيضاً وفي هذا يقول مونتسكيو موضحاً لفكرته هذه: (( لقد أثبتت التجارب الأبدية أن كل إنسان يتمتع بسلطة يسيء استعمالها، إذ يتمادى في هذا الاستعمال حتى يجد حدوداً توقفه.. وللوصول إلى عدم إساءة استعمال السلطة يجب أن يكون النظام قائماً على أساس أن السلطة تحد من السلطة)([15]).
لقد شهد تاريخنا الإسلامي هذا الفصل الكامل في معظم أحقابه، هذا الفصل هو الذي ضمن للسلطة التشريعية (علماء الأمة) الاستقلال الكامل في اجتهاداتهم التشريعية دون أن يتدخل الحكام في شؤونهم. هذا الاستقلال هو الذي حفظ التشريع بالإسلام خلال أربعة عشر قرناً دون أن يُمس من الطغاة الجبارين رغم معرفتهم أن الإسلام يدين تصرفاتهم ومواقفهم. لكنهم لم يجرؤوا على التشريع بغير ما أنزل الله. وبقوا ملتزمين بتطبيق الإسلام في حياة الأمة العامة.
( إن استبداد حكام اليوم أخطر من استبداد حكام الماضي؛ لأنهم يمكنهم الاستيلاء على سلطة التشريع، وإصدار الدساتير والقوانين الوضعية التي يستخدمونها في توسيع سلطاتهم، وتمكين أعوانهم من أقسى أنواع البطش والطغيان التي تحرم الأفراد من حقوقهم الإنسانية، وحرياتهم العامة والخاصة.
إن هذا النوع من الاستبداد الشمولي المعاصر نتج عن تعطيل مبدأ استقلال الشريعة وسيادتها، الذي بقي محترماً طوال عصور تاريخنا، ومهيمناً على المجتمع، وأدى إلى نزع سلطة التشريع عن الدولة، هذا المبدأ الإسلامي هو الذي منع السلاطين والحكام الذين استولوا على السلطة بالقوة من تغيير الشريعة أو تعطيل أحكامها كما يفعل حكام اليوم. صحيح أن حكام بعض الدول الإسلامية عطلوا حق الأمة في اختيار حكامها بالشورى الحرة، إلا أنهم لم يصدروا قوانين وضعية تمنح انحرافاتهم صفة شرعية أو دستورية، ولم يدعوا لأنفسهم حق التدخل في الفقه أو الاجتهاد، وما استطاع واحد منهم أن يصنع دستوراً يمنح سلطة تشريعية تمكِّنه من تغيير أحكام الشريعة التي كان يستقل باستنباطها العلماء والفقهاء والمجتهدون دون أن يكون للدولة وحكامها حق التدخل فيها.
إن تعطيل الشورى في تاريخ الدول الإسلامية بقي محصوراً في مجال السياسة والحكم، أما في مجال التشريع والفقه، فقد بقي علماء المسلمين مجتهدون يمارسون الشورى بحرية كاملة دون تدخل الدولة والحكام. ولم يبدأ هذا التدخل في حرية الاجتهاد وسيادة الشريعة إلا في العصر الحديث، حينما استوردنا النظريات العصرية التي استغلها الحكام وأعوانهم للتدخل في تشريعنا، وتعطيل تطبيق الشريعة باسم دساتير وقوانين وضعية تصدر باسم الدولة وحكامها وسيادتها التي مكنت طغاة العهد الحديث من صنع الدساتير والقوانين على هواهم ليصنعوا بها المجالس النيابية التي يستخدمونها للتوقيع على هذه القوانين ونسبتها إلى سيادة الشعب، الذي تزور إرادته في عمليات الانتخاب المعروفة. وليستعملوا القانون للقضاء على كل مقاومة لاستبدادهم، ويعطوا حكمهم (شرعية) يفرضونها على الناس باسم الدولة التي تصنع القوانين) ([16]).
وما يُقال عن الفصل بين السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية يُقال عن الفصل بينهما وبين السلطة القضائية، والسلطة القضائية في تاريخنا تحمل مجداً مشرفاً في استقلالها، وتحقيق العدل وتحكيم الشريعة في كل شؤون المجتمع الإسلامي. وتقود كثيراً من الطغاة والملوك حين تقام عليها دعاوى من المتظلمين عليهم.
بقي التشريع الذي يفيء إليه جميع القضاة هو الإسلام، وشرط القاضي أن يكون عالماً مجتهداً مثل شرط الأمير الحاكم. لقد كانت الأمة في عافية تامة وهي تنعم بالفصل بين السلطات. ولئن نزل بها الجور من تسلط السلطة التنفيذية وبطشها فقد حفظ التاريخ لها دينها وشيعتها، والاحتكام إليها في كل شؤون الحياة.
2ً- السلطة التشريعية:
للسلطة التشريعية عدة وظائف تضطلع بها في مقدمتها التشريع الذي يعني وضع القوانين وتعديلها وإلغاؤها. وهي تستعين في هذه المهمة بالخبراء من الفنيين ورجال القانون، واللجان المتخصصة فهي تدع لهؤلاء وضع القوانين وصياغتها. وتقوم هي بمناقشتها وإقرارها في داخل المجلس النيابي كذلك تملك هذه السلطة من محاسبة الحكومة ومراقبتها، وحق اقتراح القوانين التي تضمن المزيد من الحرية للشعب. وهي خير معبر عن آرائه لأنها جاءت إلى البرلمان بمشيئته واختياره) ([17]).
ومهمة السلطة التشريعية في الإسلام ذات شقين:
الشق الأول: أن يكون التشريع من خلال الكتاب والسنة، فلا خروج على أيٍ منهما وأن يكون الاجتهاد من العلماء في القياس والإجماع، ثم ما يُسمى بالاستحسان أو المصالح المرسلة. أي ضمن مصادر التشريع الإسلامية. وهنا تفترق الديمقراطية عن الإسلام، ومن الطبيعي أن يشارك في هذه المهمة الخبراء من الفنيين، ورجال القانون واللجان المتخصصة.
الشق الثاني: حق محاسبة الحكومة ومراقبتها.
وهذه ليست موطن خلاف.
شروط العضوية في المجالس النيابية: وتختلف الشروط الواجبة في أعضاء المجالس النيابية باختلاف البلدان وظروفها وخصائصها، وعادة ما تنص الدساتير على الصفات الواجب توفرها في كلا الناخب والنائب.. وتشترط أغلب الدساتير في أعضاء المجالس النيابية أول ما تشترط المواطنة.. وهناك شرط السن وهو شرط له اعتباره.. كذلك لابد أن يكون النائب مستكملاً لقواه العقلية، وأهليته الأدبية، ومما تجدر الإشارة إليه أن بعض الدول تستبعد النساء من المشاركة في الحياة السياسية..) ([18]).
الصفة التمثيلية لأعضاء المجالس النيابية: وعندما تتألف المجالس النيابية من مجموع المرشحين الفائزين بعضوية تلك المجالس، تبدأ مناقشة العلاقة بين النائب وناخبيه، وقد تبلورت نظريتان حول مدى وطبيعة هذه العلاقة. فهناك من ذهب إلى أن النائب ما هو إلا مندوب عن دائرته الانتخابية.. وهناك من ينادي بوظيفة كممثل للأمة بأسرها وتحلم المسؤولية أمامها) ([19]).
بناء الجهاز التشريعي (.. ولقد برزت لدى الدول مشكلة إنشاء الجهاز التشريعي، إذ تحكمها في هذا الصدد حسابات عديدة، فكل دولة تنظر إلى تقاليدها السائدة في الحكم لتصنع لبلادها النظام الذي يمكنها من العيش في الحاضر، ويمكنها في الوقت نفسه من أن تحافظ على الأساس القيمي الأخلاقي لديها الذي يصبح الجديد والمستعار من دونه نطاقاً مصطنعاً غريباً معلقاً في الهواء، لا يستند إلى قاعدة صلبة في الواقع.. ومن هنا كانت حرية الاختيار والانتقاء الملائم للدول في تأسيس هيئاتها التشريعية...)([20]).
آ- نظم المجلس الواحد:
وتلجأ إليه كما أشرنا لفيف من دول العالم، وهو يتكون من عدد معين من النواب ينتخبهم الشعب بالطريقة التي يقررها دستور الدولة، وتفصلها قوانين الانتخاب فيها.. والآخذ بنظام المجلس الواحد يحقق فوائد متعددة أشار إليها أنصاره إذ يرون فيه التعبير عن مبدأ سيادة الأمة التي تعد وحدة لا تتجزأ.. وبساطة المجلس الواحد تعمل على سرعة إنجاز التشريع).
ب- نظام المجلسين:
تستعيض بعض الدول بنظام المجلسين في الحياة البرلمانية كبديل عن نظام المجلس الواحد لعدة اعتبارات ومزايا في طليعتها أفضليته للتطبيق في الدولة الاتحادية لأنه الوسيلة الفضلى للتوفيق بين النزعة الاستقلالية والاتحادية.. ومن ناحية أخرى يكون نظام المجلسين مانعاً لاستبداد السلطة التشريعية.. كما أن نظام المجلسين ينفرد بمزية تنبع من كون هذا النظام يتسم بظاهرة العقلانية الراشدة.. وعدم التسرع في إصدار التشريع.. كما لا يخفى من جهة أخرى أن نظام المجلسين يؤدي إلى إثراء الحياة النيابية في الدولة، نظراً لما يؤدي الأخذ به من دخول عناصر ذات مستوىً عالٍ من الكفاءة قد تخفق في الانتخاب ولا يحالفها النجاح في معركته، فضلاً عن أنه خير وسيلة للتمثيل الكلي للمجتمع الذي يضمن تمثيل أصحاب المصالح والطوائف المختلفة. وأخيراً فإن نظام المجلسين يمكن استخدامه بمثابة الحكم والقول الفصل عند بروز الخلاف واستحكامه بين الحكومة والمجلس النيابي حول بعض المسائل).
وانطلاقاً من هذه المزايا للمجلسين، وانطلاقاً من ظروف كل دولة وقيمها في اختيار ما تشاء لتمثيلها في الجهاز التشريعي. فالملاحظ أن نظام المجلسين أقرب إلى روح الشريعة كما هو أقرب إلى روح الديمقراطية من جهة ثانية. وانطلاقاً من الفهم الإسلامي للدور التشريعي يمكن تصور السلطة التشريعية في الدولة الإسلامية، آخذاً بكل تطورات الفكر البشري في التقنين والتمثيل على الشكل التالي:
يتكون مجلس الشورى من مجلسين؛ مجلس النواب، ومجلس الشيوخ.
أ- مجلس النواب:
ويكون الاختيار فيه عاماً لكل أبناء الوطن بغض النظر عن جنسياتهم ومعتقداتهم. وهو مجلس خدمات لابد أن يتمثل فيه الشعب كله. ويكون الجانب التشريعي فيه محصوراً بتحقيق خدمات الأمة وحاجياتها في التعليم والصحة وعمار الأرض وبناء المرافق العامة وخدماتها وغير ذلك. ومن حق كل قطر أو إقليم أو أشريحة أو مجموعة من الأمة أن تنال هذه الخدمات. ولا تُحرم منها بالعدل، ويمكن أن تعرض هذه القرارات كلها على لجنة شرعية للتأكد من عدم مصادقتها لنص شرعي معين، ويتم اختيارهم بالانتخاب المباشر.
ب- مجلس الشيوخ:
وهو الذي تتمثل فيه النقابات العلمية والمهنية والمرأة والجيش وغير ذلك فتكون الانتخابات لمثلي هذه النقابات في داخلها حسب العدد المخصص لكل اختصاص أو شريحة، بالإضافة إلى علماء الشرع الذين يتم اختيارهم كذلك وانتخابهم من مجموعة العلماء. وفي هذا المجلس يكون التشريع في القضايا العامة للأمة، فحين تعرض أي قضية يتم النقاش فيها من الجميع لكن التصويت محصور بأصحاب الاختصاص، أو ممثلي النقابة المعينة والعلماء المجتهدين. وبالأكثرية من هذين الفريقين معاً يتم إنفاذ القرار. ولا ضرورة لأكثرية العلماء المجتهدين، فلو وافق رأي الأقلية فيهم مع الخبراء في هذه القضية أو أكثرهم يُؤخذ به. فالقضية خلافية بين العلماء، ويجوز الأخذ برأي أكثرهم أو أقلهم، حيث يرجح أصحاب الاختصاص والخبرات هذا الجانب. لكن إذا أجمع العلماء والمجتهدون على رأي خالف رأي أهل الاختصاص فيُؤخذ برأي العلماء والذين هم أهل للاجتهاد في الأحكام. وهذه صورة معروضة فقط قابلة للأخذ والرد، لكن لتقرب فهمنا من روح الشريعة وروح الشورى ودور السلطة التشريعية في الأمة.
ويمكن العودة لمجلسي النواب والشيوخ في القضايا الكبرى التي تمس أمن الدولة والخوف فيها، كإعلان الحرب، وإعلان السلم أو المصالحة بحيث يُؤخذ برأي الأكثرية للمجلسين في مثل هذه الحالات، وكذلك في اختيار رئيس الدولة وفي حق المحاسبة للحكام. وقبول رأي الأغلبية سواءً في اختيار النواب أو الشيوخ أو في التصويت على القرارات أمر مفروغ منه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم، لم يعط لنفسه الحق في اختيار النقباء الاثني عشر عن الأنصار السبعين، إنما ترك لهم اختيار ممثليهم كما يشاءون بالرأي الذي يمثل سوادهم الأعظم، وذلك في بيعة العقبة الثانية.
3ً- السلطة التنفيذية:
1- المكانة الجوهرية للسلطة التنفيذية:
إن السلطة التنفيذية في كل بلدان العالم تمثل الخاصة الأساسية لنظم الحكم والقوة الفعالة فيها، ولقد ضاعف من أهميتها في الدولة المعاصرة ما أقدمت عليه الدولة من وظائف اجتماعية واقتصادية وثقافية.. ويختلف تكوين الحكومة باختلاف النظم السياسية والدستورية من بلد إلى آخر. فرئيس الوزراء في النظام البرلماني حجر الأساس في الهيئة التنفيذية، أما في النظام الرئاسي فرئيس الجمهورية يقوم بمنصب رئيس الدولة ورئيس الوزراء في الوقت نفسه.. وسواء في النظام البرلماني أو في النظام الرئاسي فغن السلطة التنفيذية هي المحرك الأول في جهاز الحكومة الفعال) ([21]).
2- طرق تكوين السلطة التنفيذية:
( يمكن القول أن هناك عدة طرق لاختيار أعضاء السلطة التنفيذية هي:
آ- طريقة التوارث:
في الأنظمة الملكية الوراثية، يتقلد الملك عرشه بالوراثة، يباشر سلطانه وفقاً. ولا ينال من هذه الصفة وجود أنظمة ملكية دستورية مقيدة يتولى الحكم فيها الملك إلى جانب البرلمان، ويرى علماء السياسة أن النظام الملكي يتسم بالمرونة، ويرتب نوعاً من الاستقرار، ولن يقدح في هذه المزية ما قد يُثار من غبار حوله) ([22]).
ت- طريقة الانتخاب:
(طريقة الانتخاب هي الطريقة الغالبة في اختيار السلطة التنفيذية، وهي التي تتمشى مع المبدأ الديمقراطي. وهناك ثلاث طرق يتم بها هذا الانتخاب هي:
1- الانتخاب المباشر بواسطة الشعب: بانتخاب الرئيس انتخاباً مباشراً على درجة واحدة.. ولا غبار على هذه الطريقة سوى أن الشعب قد لا يكون في كل الحالات عليماً بكفاءة الشخص المرشح.
2- الانتخاب غير المباشر بواسطة الشعب: وهذا يكون عندما يجمع الشعب على انتخاب رئيس الجمهورية بطريق غير مباشر، أي على درجتين يختار الناخبون مندوبين عنهم ليتولوا مهمة انتخاب الرئيس.. على أن الانتخاب بواسطة الشعب بصورتيه المباشرة وغير المباشرة لا شك أنه يحصن موقف رئيس الجمهورية إزاء السلطة التشريعية، ويعطيه نوعاً من الاستقلال تجاهها تجعله يقف موقف الند للند من أعضاء البرلمان.
3- الانتخاب بواسطة السلطة التشريعية: فوضت بعض الدساتير السلطة التشريعية ممثلة في المجلس النيابي بطريقة الانتخاب، فإنه ينيبهم عنه أيضاً في انتخاب الرئيس.. ورغم أن هذه الطريقة تكاد تكون أكثر الطرق موضوعية، إلا أنه يؤخذ عليها عيباً مؤداه أن الانتخاب بهذه الوسيلة قد يوقع الرئيس تحت رحمة البرلمان الذي انتخبه ويجعله في قبضته.
4- الانتخاب بطريقة مختلفة: وقد اتبعت هذه الطريقة بعض الدساتير كحل تتلافى به الثغرات التي تمخضت عنها الطرق السابقة. فلجأت إلى طريق وسط تقوم على اختيار الرئيس بواسطة البرلمان والشعب، فيقوم المجلس النيابي بدور الترشيح.. ولا يتقلد المرشح من قبل المجلس منصب الرئيس إلا إذا وافق عليه الناخبون في استفتاء عام بالأغلبية المطلقة لعدد المصوتين).([23])
تنوع الطرق في عهد الراشدين (العهد الذهبي): ومن خلال فهم المسلمين لسعة قول الله عز وجل ]وأمرهم شورى بينهم [ نلحظ أن اختيار الخليفة كان من المرونة بحيث استوعب كل الطرق. فقد تم اختيار كل خليفة بصورة تختلف عن الأخرى.
فقد تم اختيار الصديق بترشيح من عمرو أبي عبيدة، ثم الانتخاب المباشر (البيعة) من الأنصار والمهاجرين.
وتم اختيار عمر رضي الله عنه بترشيح من الصديق، ثم الانتخاب المباشر (البيعة) من الأنصار والمهاجرين.
وتم اختيار عثمان رضي الله عنه من الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم وهو راضٍ.
مخطط البحث
1- الديمقراطية تعريفها
2- الديمقراطية عقيدة
3- الديمقراطية أسلوب حكم
أولاً – الانتخابات.
ثانياً - سلطات الحكم العامة وأنواعها.
1ً- الفصل بين السلطات.
2ً- السلطة التشريعية.
3ً- السلطة التنفيذية.
4ً- السلطة القضائية.
5ً- الرأي العام وقرار الجماهير.
ثالثاً – الدساتير وأنواعها.
4- هل نقبل بالنظام الديمقراطي
5- هل نسعى ونخطط للدولة الديمقراطية
***********************************************************************************
الـديمقـراطيــــة
1- تعريفها:
( الديمقراطية كلمة مشتقة من الأصل اللاتيني (ديمقراسيا) وتتكون من مقطعين
الأول (ديمو) ويعني الشعب.
والثاني (قراسيا) ويعني الحكم؛ أي أن المصطلح كاملاً يعني حكم الشعب.
وقد دخلت هذه الكلمة اللغات الحية بنفس اللفظ تقريباً وعُرفت على أنها: حكم الشعب نفسه بنفسه ولمصلحته). ولابد من الفصل بين جانبين مهمين هما الأساس الذي ترتكز الديمقراطية عليه:
الجانب الأول: الديمقراطية عقيدة ومبدأ
الجانب الثاني: الديمقراطية نظام حكم أو (أسلوب حكم).
2- الديمقراطية عقيدة:
وهي التي تعطي الشعب كل شيء، تعطيه أن يشرع لنفسه ما يشاء فهو صاحب الحق في التشريع، ولا سلطان لأحد فوقه، يحرم اليوم، ويحل غداً، يعطي اليوم، ويمنع غداً على مزاجه وهواه، أو هوى المتنفذين فيه. بما لهم من مصالح ومكاسب، فالخير والشر عند نسبيان. والمعروف والمنكر عنده قابلان للتغيير في كل وقت وهذا في المفهوم الإسلامي هو الهوى بعينه، والكفر بعينه، وما جاءت الرسالات وأُنزل الأنبياء في الأرض إلا لهداية الناس إلى الله الواحد المتفرد بالسلطان والتشريع والرزق والنفع والضر.
] فإن لم يستجيبوا لك، فاعلم أنما يتبعون أهواءهم، ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدىً من الله [([1]).
] أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم [([2]).
] ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها، ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون [ ([3]).
] ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة.. [ ([4]).
ويمكن أن نحددها بالضبط بين أن يكون التشريع لله، أو يكون التشريع للشعب.
ومن البديهي أن نشير إلى أن التشريع لله هو في الأصول الثابتة التي أنزلها الله تعالى على نبيه محمدصلى الله عليه وسلم في كتابه وسنة نبيه لا في الفروع والمستجدات (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام ديناً))
(( تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وسنتي)).
والصراع بين الإسلام والكفر في تاريخ البشرية من لدن آدم إلى قيام الساعة هو شريعة الله وأهواء البشر.
( إن شريعة الله تمثل منهجاً متكاملاً للحياة البشرية يتناول بالتنظيم والتوجيه والتطوير كل جوانب الحياة الإنسانية، في جميع حالاتها، وفي كل صورها وأشكالها وهو منهج قائم على العلم المطلق بحقيقة الكائن الإنساني، والحاجات الإنسانية وبحقيقة الكون الذي يعيش فيه الإنسان.. الأمر الذي لا يتوافر أبداً لمنهج من صنع الإنسان الذي لا يعلم إلا ظاهراً من الأمر، إلا الجانب المكشوف في فترة زمنية معينة، ولا يسلم منهج يبتدعه من آثار الجهل الإنساني، ولا يخلو من التصادم المدمر بين بعض ألوان النشاط وبعض، والهزات العنيفة الناشئة عن هذا التصادم.
وهو منهج قائم على العدل المطلق أولاً لأن الله يعلم حق العلم بم يتحقق العدل المطلق وكيف يتحقق. وثانياً لأنه سبحانه رب الجميع، فهو الذي يملك أن يعدل بين الجميع، وأن يجيء منهجه وشرعه مبرأ من الهوى والميل والضعف، كما أنه مُبرأ من الجهل والقصور والغلو والتفريط، الأمر الذي لا يمكن أن يتوفر في أي منهج أو في أي شرع من صنع الإنسان ذي الشهوات والميول والضعف والهوى فوق ما به من الجهل والقصور سواءً كان المشرع فرداً أو طبقة أو أمة أو جيلاً من أجيال البشر.. فلكل حالة من هذه الحالات أهواؤها وشهواتها وميولها ورغباتها، فوق أن لها جهلها وقصورها وعجزها عن الرؤية الكاملة لجوانب الأمر كله حتى في الحالة الواحدة في الجيل الواحد.
ثم إنه المنهج الوحيد الذي يتحرر فيه الإنسان من العبودية للإنسان، ففي كل منهج غير المنهج الإسلامي يتعبد الناس الناس، ويعبد الناس الناس وفي المنهج الإسلامي وحده يخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده بلا شريك.
... ويشرع خالق الأفراد، خالق الجماعات، وخالق الأمم والأجيال للجميع فإذا هي شريعة الله التي لا محاباة فيها لأحد على حساب أحد، لا لفرد ولا لجماعة ولا لدولة ولا لجيل من الأجيال، لأن لله رب الجميع والكل لديه سواء. ولأن الله يعلم حقيقة الجميع ومصلحة الجميع، فلا يفوته سبحانه أن يرعى مصالحهم وحاجاتهم بدون تفريط ولا إفراط، ويشرع غير الله للناس، فإذا هم عبيد من يشرع لهم، كائناً من كان، فرداً أو طبقة أو أمة أو مجموعة من الأمم.
ويشرع الله للناس فإذا هم كلهم أحرار متساوون، لا يحنون جباههم إلا لله، ولا يعبدون إلا الله. ومن هنا خطورة هذه القضية في حياة بني الإنسان، وفي نظام الكون كله] ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن..[([5]). فالحكم بغير ما أنزل الله معناه الشر والفساد والخروج في النهاية عن نطاق الإيمان بنص القرآن)([6]). وإن كان من شك في ذلك فلنستعرض مآسي البشرية في هذا القرن في ظل الديمقراطية الغربية.
لقد تم استعمار العالم كله من إنكلترا وفرنسا وإيطاليا وروسيا، وكلهم ينطلقون من الديمقراطية الغربية. وكانت إنكلترا وفرنسا تتقاسما النفوذ في العالم وهما زعيمتا العالم الحر. ولقد كان العالم العربي والإسلامي والآسيوي والإفريقي كله تحت مظلة هذا الاستعمار الديمقراطي.
وفي ظل الديمقراطية الغربية تم إشعال حربين عالميتين، أفنتا ما يزيد عن خمسين مليوناً من البشر، غير ما أفسدتاه في الحرث والنسل.
وفي ظل الديمقراطية الغربية تم تفجير القنبلة الذرية في هيروشيما وناغازاكي من زعيمة العالم الحر، الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي ظل الديمقراطية الغربية تم قيام دولة إسرائيل وزرعها في قلب الوطن العربي الإسلامي، وكانت حاميتها الكبرى أمريكا والتي كانت تستعمل حق الفيتو في وجه إي إدانة للعدوان الإسرائيلي.
وفي ظل الديمقراطية الغربية يفرض السلام على العرب في ظل إسرائيل، ويفرض ضخ نفط الخليج لأمريكا. والخارج على ذلك إرهابي يلاحق كل مكان في الأرض، هذا بالنسبة للعالم الخارجي.
أما في داخل هذه الدول، فباسم الديمقراطية الغربية تم تقنين الزنا وتحليله وتقنين اللواط وتحليله، وتقنين السحاق وتحليله.
وباسم الديمقراطية الغربية، شرعت القوانين التي تبيح الربا وتجيزه رغم ما فيه من ظلم قاتل للفقراء والمحتاجين في داخل الوطن نفسه.
وباسم الديمقراطية الغربية أُبيح الخمر وأُحل كل حرام، وحُرم كل حلال على أهواء الناس وأمزجتهم.
( فليست العبرة بالأشكال الديمقراطية والإعلانات مثل إعلانات سيادة الشعب وحقوق الإنسان ووجود تمثيل بريطاني وأحزاب وانتخابات وأغلبية. فقد وجدت تلك الأشكال الديمقراطية، ولا تزال موجودة في أعتى الدكتاتوريات كما هو حاصل في سائر الأنظمة القومية والطبقية في مشرق الأرض ومغربها. ولا تزال كثير من المظالم والفواحش من مثل عدوان الشعوب على بعضها بالاحتلال أو الاستغلال، ومن مثل انتشار الفسوق والفساد والرشاوى والغش والضلال تستمد شرعيتها من جهاز الديمقراطية.
ألم تزل أعرق الديمقراطيات في بريطانيا وفرنسا تحتفظ بوزارة المستعمرات أولما وراء البحار، ويشرع للقمار وللواط والوأد المعاصر والإجهاض، وتحديد النسل وفرض شروط مجمعة في مبادلاتها مع الشعوب الضعيفة مستهترة بالأوضاع المأساوية التي تعيشها تلك الشعوب؟ أليس وجود ربع البشرية في حالة مجاعة يموت تحت وطأتها كل سنة عشرات الملايين شاهداً وصارخاً على فشل الديمقراطية المعاصرة، وجهازها القانوني وخلفياتها الفكرية الإنسانية في تنمية الشعور الإنساني، وإحلال كرامة الإنسان محلاً أسمى من الرفاه والمجد القومي اللذين تبذل فيهما المليارات في الديمقراطيات الغربية والشرقية؟ أليس بالقياس إلى هذه المآسي تتضاءل منجزات الديمقراطية المعاصرة، وما وفرته أجهزتها في بلاد الغرب من حريات وحقوق لإنسان الغرب، وضمانات لمنع الجور طالما أن مصير الإنسانية ينبغي أن يكون واحداً...
إن موطن الداء ليس في أجهزة الديمقراطية.. بقدر ما هو كامن في فلسفات الغرب السياسية القومية والمادية، تلك التي فصلت بين الروح والجسد (فلسفة ديكارت) ثم تجاهلت الروح وأدواتها، ثم حاربت الله وجاهدت جهاداً كبيراً لإحلال الإنسان محله. فلم يبق في الكون إلا المادة، والحركة والسيطرة والصراع وشرعة القوي.. وصدق الله العظيم حيث يقول:
] ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن [
وصدق الله العظيم حيث يقول:
] فإن لم يستجيبوا لك، فاعلم أنما يتبعون أهواءهم، ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدىً من الله، إن الله لا يهدي القوم الظالمين [.
هذا والتشريع بغير ما أنزل الله مرفوض سواءً كان من دعاة الديمقراطية الغربية أو دعاة الشيوعية أو دعاة الدين، فكلهم في نهاية الأمر سواء، كلهم يشرعون لاستعباد الآخرين لهم من دون الله.
] اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً دون الله والمسيح ابن مريم، وما أُمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون [.
( فقد روى الإمام أحمد والترمذي وابن جرير من طرق عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه لما بلغته دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فر إلى الشام وكان قد تنصر في الجاهلية.. فقدم عدي إلى المدينة، وكان رئيساً في قومه طيء. وأبوه حاتم الطائي المشهور في الكرم فتحدث الناس بقدومه، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي عنق عدي صليب من فضة وهو يقرأ هذه الآية ] اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله [، قال: فقلت: إنهم لم يعبدوهم، فقال: (( بلى؛ إنهم حرموا عليهم الحلال، وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم..)) ([7]).
والذي يتبنى الديمقراطية عقيدة فيرى أن ما يشرعه الشعب هو الحق، سواءً وافق تشريع الله أم خالفه فقد حكم على نفسه بالكفر، ] أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة، فإن يكفر بها هؤلاء، فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين [ ([8]).
3- الديمقراطية أسلوب حكم:
وإذا كانت الديمقراطية عقيدة مرفوضة جملة وتفصيلاً من المسلمين بحيث يكون التشريع للشعب من دون الله.
فالديمقراطية أسلوب حكم مقبولة جملة وتفصيلاً بين المسلمين دون حرج ولا إثم ولا لجلجة.
( وقد وضع المحللون الغربيون مجموعة من المعايير كأسس للديمقراطية، وتشمل هذه المشاركة السياسية، والانتخابات، والأحزاب السياسية، ومجموعة أصحاب المصالح الواحدة، وفصل السلطات، والضوابط والموازنات، واحترام حقوق الإنسان، وحقوق الأقليات، وحريات الرأي والصحافة والسفر والعمل)([9]).
وسنبحث بعض هذه الأسس تفصيلاً في هذا الفصل، ونفرد بعضها في فصل مستقل قادم لأهميته في واقعنا المعاصر.
( وسنرى كيف يمكن للإسلام أن يستوعب النظام الديمقراطي الغربي، فيحفظ للمسلمين وللبشرية إيجابياته في ما قدمه للفكر السياسي من إضافة حقيقية تتمثل في تحويل مبدأ الشورى الذي جاء به الإسلام، أي اشتراك الأمة في الحكم، وانبثاقه عن إرادتها وقوامتها على حكامها، وتحويله من مواعظ ومبادئ عامة إلى جهاز الحكم)([10]).
أولاً- الانتخاب:
( الانتخاب هو الوسيلة الأساسية والمثلى للديمقراطية، فهو يرتبط بها في عصرنا الحديث ارتباطاً وثيقاً إلى الحد الذي جعل منه الركيزة الثابتة لتبوء السلطة في الديمقراطية المعاصرة كما وجد الانتخاب أيضاً في الديمقراطيات القديمة لكن مع الفارق.. لكن الانتخاب اكتسب منزلة رفيعة في الوقت الحاضر، حيث أضحى المعبر عن الديمقراطية كضرورة حتمية في الدول الآخذة به. وكلما كان الانتخاب يرمي لمشاركة أكبر عدد من المواطنين في السلطة كلما كان ذلك أكثر اتفاقاً وقربى مع روح الديمقراطية)([11]).
وتبقى عظمة الآية القرآنية ] وأمرهم شورى بينهم [ تستوعب الزمان والمكان. ما كان وما هو واقع وما سيستجد في عملية الانتخاب والرقي به واتساع نطاقه. يبقى هذا كله ضمن مفهوم هذه الآية الكريمة التي لم تتحدث عن شكل ولا صيغة ولا أسلوب معين. إنما المهم أن يكون قرار الأمة شورى بينها بحيث لا يترك فرداً منها بدون مشاورة. ويمكننا أن نستعير الجملة السابقة مع التعديل (وكلما كان الانتخاب يرمي لمشاركة أكبر عدد من المواطنين في السلطة كلما كان ذلك أكثر اتفاقاً وقربى مع روح الشورى (بدل الديمقراطية).
شروط الانتخاب:
ولا داعي للخوض في تفصيلات الانتخابات والمراحل التي مرت بها والقيود والشروط التي كانت توضع للمنتخب من قديم الزمان إلى اليوم كالجنسية والملكية والسن والكفاءة والجنس.
( لقد كان القرن التاسع عشر هو قرن حرمان المرأة من حقوقها السياسية.. لكن الصورة سرعان ما تغيرت منذ الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، وكانت الولايات المتحدة هي الرائدة في هذا الإنجاز إذ تم تعديل الدستور عام 1920 لصالح المرأة فأقر منحها حق الانتخاب على قدم المساواة مع الرجل.. وانبرت معظم الدول إلى إقرار حق الانتخاب للمرأة وبان ذلك واضحاً في كل من الدانمارك 1915 وهولندا 1919 والسويد 1920 وبريطانيا 1928، وفرنسا عام 1944، وإيطاليا عام 1945، ومصر عام 1956)([12]).
الطرق المختلفة للانتخاب: ] هناك أربع طرق للانتخاب تُعتبر أنظمة رئيسية هي:
أولاً: الانتخاب المباشر، والانتخاب غير المباشر.
ثانياً: الانتخاب الفردي، والانتخاب بالقائمة.
ثالثاً: الانتخاب بالأغلبية، ونظام التمثيل النسبي.
رابعاً: نظام تمثيل المصالح والمهن[ ([13]).
وهي أساليب وصور متروكة لتقدير الأمة تختار ما تشاء منها دون قيد أو ترجيح لشيء، والأقرب لتمثيل كافة أفراد الأمة وتمثيل آرائهم هو الأقرب لروح الشورى في الإسلام.
ثانياً: سلطات الحكم العامة وأنواعها:
1ً- مبدأ الفصل بين السلطات:
( يرمي الفصل بين السلطات إلى توزيع وظائف الدولة على هيئات منفصلة كل منها مستقلة عن الأخرى في مباشرة وظيفتها. فلقد أكد عالم السياسة البريطاني في العصر الحديث (هارولد لاسكي) أن هناك تقسيماً ثلاثياً تقليدياً لنظم الحكم، يشتمل على سلطة تشريعية، سلطة تنفيذية، وسلطة قضائية. فالسلطة التشريعية هي التي تشرع القواعد العامة للمجتمع.. والسلطة التنفيذية هي التي تعمل على تطبيق تلك القواعد.. والسلطة القضائية هي التي تقر الأسلوب الذي يتحقق به عمل الهيئة التنفيذية.. ولقد أكد لاسكي صلاحية هذا التقسيم التقليدي بأنه بيَّن أنه منذ أرسطو عند اليونان الأقدمين وجون لوك عند الانكليز في القرن السابع عشر، ومونتسكيو عند الفرنسيين قد أخذ بالفكر السياسي والتطبيق العملي، حفاظاً على سلامة الحكم من ناحية، وعلى كفالة الحرية من ناحية أخرى)([14]).
ولم يقف مونتسكيو في تقسيمه للسلطات عند هذا الحد بل أخذ في التحليل استخلاص النتائج، فهو يرى من خلال هذا التقسيم أن السلطتين التشريعية والتنفيذية حين تجتمع في يد شخص واحد، أو هيئة واحدة. فإن ذلك معناه إهدار الحرية وانتهاكها. نظراً لإقدام ذلك الشخص، تلك الهيئة الاستبدادية وتنفيذها بطريقة استبدادية أيضاً وفي هذا يقول مونتسكيو موضحاً لفكرته هذه: (( لقد أثبتت التجارب الأبدية أن كل إنسان يتمتع بسلطة يسيء استعمالها، إذ يتمادى في هذا الاستعمال حتى يجد حدوداً توقفه.. وللوصول إلى عدم إساءة استعمال السلطة يجب أن يكون النظام قائماً على أساس أن السلطة تحد من السلطة)([15]).
لقد شهد تاريخنا الإسلامي هذا الفصل الكامل في معظم أحقابه، هذا الفصل هو الذي ضمن للسلطة التشريعية (علماء الأمة) الاستقلال الكامل في اجتهاداتهم التشريعية دون أن يتدخل الحكام في شؤونهم. هذا الاستقلال هو الذي حفظ التشريع بالإسلام خلال أربعة عشر قرناً دون أن يُمس من الطغاة الجبارين رغم معرفتهم أن الإسلام يدين تصرفاتهم ومواقفهم. لكنهم لم يجرؤوا على التشريع بغير ما أنزل الله. وبقوا ملتزمين بتطبيق الإسلام في حياة الأمة العامة.
( إن استبداد حكام اليوم أخطر من استبداد حكام الماضي؛ لأنهم يمكنهم الاستيلاء على سلطة التشريع، وإصدار الدساتير والقوانين الوضعية التي يستخدمونها في توسيع سلطاتهم، وتمكين أعوانهم من أقسى أنواع البطش والطغيان التي تحرم الأفراد من حقوقهم الإنسانية، وحرياتهم العامة والخاصة.
إن هذا النوع من الاستبداد الشمولي المعاصر نتج عن تعطيل مبدأ استقلال الشريعة وسيادتها، الذي بقي محترماً طوال عصور تاريخنا، ومهيمناً على المجتمع، وأدى إلى نزع سلطة التشريع عن الدولة، هذا المبدأ الإسلامي هو الذي منع السلاطين والحكام الذين استولوا على السلطة بالقوة من تغيير الشريعة أو تعطيل أحكامها كما يفعل حكام اليوم. صحيح أن حكام بعض الدول الإسلامية عطلوا حق الأمة في اختيار حكامها بالشورى الحرة، إلا أنهم لم يصدروا قوانين وضعية تمنح انحرافاتهم صفة شرعية أو دستورية، ولم يدعوا لأنفسهم حق التدخل في الفقه أو الاجتهاد، وما استطاع واحد منهم أن يصنع دستوراً يمنح سلطة تشريعية تمكِّنه من تغيير أحكام الشريعة التي كان يستقل باستنباطها العلماء والفقهاء والمجتهدون دون أن يكون للدولة وحكامها حق التدخل فيها.
إن تعطيل الشورى في تاريخ الدول الإسلامية بقي محصوراً في مجال السياسة والحكم، أما في مجال التشريع والفقه، فقد بقي علماء المسلمين مجتهدون يمارسون الشورى بحرية كاملة دون تدخل الدولة والحكام. ولم يبدأ هذا التدخل في حرية الاجتهاد وسيادة الشريعة إلا في العصر الحديث، حينما استوردنا النظريات العصرية التي استغلها الحكام وأعوانهم للتدخل في تشريعنا، وتعطيل تطبيق الشريعة باسم دساتير وقوانين وضعية تصدر باسم الدولة وحكامها وسيادتها التي مكنت طغاة العهد الحديث من صنع الدساتير والقوانين على هواهم ليصنعوا بها المجالس النيابية التي يستخدمونها للتوقيع على هذه القوانين ونسبتها إلى سيادة الشعب، الذي تزور إرادته في عمليات الانتخاب المعروفة. وليستعملوا القانون للقضاء على كل مقاومة لاستبدادهم، ويعطوا حكمهم (شرعية) يفرضونها على الناس باسم الدولة التي تصنع القوانين) ([16]).
وما يُقال عن الفصل بين السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية يُقال عن الفصل بينهما وبين السلطة القضائية، والسلطة القضائية في تاريخنا تحمل مجداً مشرفاً في استقلالها، وتحقيق العدل وتحكيم الشريعة في كل شؤون المجتمع الإسلامي. وتقود كثيراً من الطغاة والملوك حين تقام عليها دعاوى من المتظلمين عليهم.
بقي التشريع الذي يفيء إليه جميع القضاة هو الإسلام، وشرط القاضي أن يكون عالماً مجتهداً مثل شرط الأمير الحاكم. لقد كانت الأمة في عافية تامة وهي تنعم بالفصل بين السلطات. ولئن نزل بها الجور من تسلط السلطة التنفيذية وبطشها فقد حفظ التاريخ لها دينها وشيعتها، والاحتكام إليها في كل شؤون الحياة.
2ً- السلطة التشريعية:
للسلطة التشريعية عدة وظائف تضطلع بها في مقدمتها التشريع الذي يعني وضع القوانين وتعديلها وإلغاؤها. وهي تستعين في هذه المهمة بالخبراء من الفنيين ورجال القانون، واللجان المتخصصة فهي تدع لهؤلاء وضع القوانين وصياغتها. وتقوم هي بمناقشتها وإقرارها في داخل المجلس النيابي كذلك تملك هذه السلطة من محاسبة الحكومة ومراقبتها، وحق اقتراح القوانين التي تضمن المزيد من الحرية للشعب. وهي خير معبر عن آرائه لأنها جاءت إلى البرلمان بمشيئته واختياره) ([17]).
ومهمة السلطة التشريعية في الإسلام ذات شقين:
الشق الأول: أن يكون التشريع من خلال الكتاب والسنة، فلا خروج على أيٍ منهما وأن يكون الاجتهاد من العلماء في القياس والإجماع، ثم ما يُسمى بالاستحسان أو المصالح المرسلة. أي ضمن مصادر التشريع الإسلامية. وهنا تفترق الديمقراطية عن الإسلام، ومن الطبيعي أن يشارك في هذه المهمة الخبراء من الفنيين، ورجال القانون واللجان المتخصصة.
الشق الثاني: حق محاسبة الحكومة ومراقبتها.
وهذه ليست موطن خلاف.
شروط العضوية في المجالس النيابية: وتختلف الشروط الواجبة في أعضاء المجالس النيابية باختلاف البلدان وظروفها وخصائصها، وعادة ما تنص الدساتير على الصفات الواجب توفرها في كلا الناخب والنائب.. وتشترط أغلب الدساتير في أعضاء المجالس النيابية أول ما تشترط المواطنة.. وهناك شرط السن وهو شرط له اعتباره.. كذلك لابد أن يكون النائب مستكملاً لقواه العقلية، وأهليته الأدبية، ومما تجدر الإشارة إليه أن بعض الدول تستبعد النساء من المشاركة في الحياة السياسية..) ([18]).
الصفة التمثيلية لأعضاء المجالس النيابية: وعندما تتألف المجالس النيابية من مجموع المرشحين الفائزين بعضوية تلك المجالس، تبدأ مناقشة العلاقة بين النائب وناخبيه، وقد تبلورت نظريتان حول مدى وطبيعة هذه العلاقة. فهناك من ذهب إلى أن النائب ما هو إلا مندوب عن دائرته الانتخابية.. وهناك من ينادي بوظيفة كممثل للأمة بأسرها وتحلم المسؤولية أمامها) ([19]).
بناء الجهاز التشريعي (.. ولقد برزت لدى الدول مشكلة إنشاء الجهاز التشريعي، إذ تحكمها في هذا الصدد حسابات عديدة، فكل دولة تنظر إلى تقاليدها السائدة في الحكم لتصنع لبلادها النظام الذي يمكنها من العيش في الحاضر، ويمكنها في الوقت نفسه من أن تحافظ على الأساس القيمي الأخلاقي لديها الذي يصبح الجديد والمستعار من دونه نطاقاً مصطنعاً غريباً معلقاً في الهواء، لا يستند إلى قاعدة صلبة في الواقع.. ومن هنا كانت حرية الاختيار والانتقاء الملائم للدول في تأسيس هيئاتها التشريعية...)([20]).
آ- نظم المجلس الواحد:
وتلجأ إليه كما أشرنا لفيف من دول العالم، وهو يتكون من عدد معين من النواب ينتخبهم الشعب بالطريقة التي يقررها دستور الدولة، وتفصلها قوانين الانتخاب فيها.. والآخذ بنظام المجلس الواحد يحقق فوائد متعددة أشار إليها أنصاره إذ يرون فيه التعبير عن مبدأ سيادة الأمة التي تعد وحدة لا تتجزأ.. وبساطة المجلس الواحد تعمل على سرعة إنجاز التشريع).
ب- نظام المجلسين:
تستعيض بعض الدول بنظام المجلسين في الحياة البرلمانية كبديل عن نظام المجلس الواحد لعدة اعتبارات ومزايا في طليعتها أفضليته للتطبيق في الدولة الاتحادية لأنه الوسيلة الفضلى للتوفيق بين النزعة الاستقلالية والاتحادية.. ومن ناحية أخرى يكون نظام المجلسين مانعاً لاستبداد السلطة التشريعية.. كما أن نظام المجلسين ينفرد بمزية تنبع من كون هذا النظام يتسم بظاهرة العقلانية الراشدة.. وعدم التسرع في إصدار التشريع.. كما لا يخفى من جهة أخرى أن نظام المجلسين يؤدي إلى إثراء الحياة النيابية في الدولة، نظراً لما يؤدي الأخذ به من دخول عناصر ذات مستوىً عالٍ من الكفاءة قد تخفق في الانتخاب ولا يحالفها النجاح في معركته، فضلاً عن أنه خير وسيلة للتمثيل الكلي للمجتمع الذي يضمن تمثيل أصحاب المصالح والطوائف المختلفة. وأخيراً فإن نظام المجلسين يمكن استخدامه بمثابة الحكم والقول الفصل عند بروز الخلاف واستحكامه بين الحكومة والمجلس النيابي حول بعض المسائل).
وانطلاقاً من هذه المزايا للمجلسين، وانطلاقاً من ظروف كل دولة وقيمها في اختيار ما تشاء لتمثيلها في الجهاز التشريعي. فالملاحظ أن نظام المجلسين أقرب إلى روح الشريعة كما هو أقرب إلى روح الديمقراطية من جهة ثانية. وانطلاقاً من الفهم الإسلامي للدور التشريعي يمكن تصور السلطة التشريعية في الدولة الإسلامية، آخذاً بكل تطورات الفكر البشري في التقنين والتمثيل على الشكل التالي:
يتكون مجلس الشورى من مجلسين؛ مجلس النواب، ومجلس الشيوخ.
أ- مجلس النواب:
ويكون الاختيار فيه عاماً لكل أبناء الوطن بغض النظر عن جنسياتهم ومعتقداتهم. وهو مجلس خدمات لابد أن يتمثل فيه الشعب كله. ويكون الجانب التشريعي فيه محصوراً بتحقيق خدمات الأمة وحاجياتها في التعليم والصحة وعمار الأرض وبناء المرافق العامة وخدماتها وغير ذلك. ومن حق كل قطر أو إقليم أو أشريحة أو مجموعة من الأمة أن تنال هذه الخدمات. ولا تُحرم منها بالعدل، ويمكن أن تعرض هذه القرارات كلها على لجنة شرعية للتأكد من عدم مصادقتها لنص شرعي معين، ويتم اختيارهم بالانتخاب المباشر.
ب- مجلس الشيوخ:
وهو الذي تتمثل فيه النقابات العلمية والمهنية والمرأة والجيش وغير ذلك فتكون الانتخابات لمثلي هذه النقابات في داخلها حسب العدد المخصص لكل اختصاص أو شريحة، بالإضافة إلى علماء الشرع الذين يتم اختيارهم كذلك وانتخابهم من مجموعة العلماء. وفي هذا المجلس يكون التشريع في القضايا العامة للأمة، فحين تعرض أي قضية يتم النقاش فيها من الجميع لكن التصويت محصور بأصحاب الاختصاص، أو ممثلي النقابة المعينة والعلماء المجتهدين. وبالأكثرية من هذين الفريقين معاً يتم إنفاذ القرار. ولا ضرورة لأكثرية العلماء المجتهدين، فلو وافق رأي الأقلية فيهم مع الخبراء في هذه القضية أو أكثرهم يُؤخذ به. فالقضية خلافية بين العلماء، ويجوز الأخذ برأي أكثرهم أو أقلهم، حيث يرجح أصحاب الاختصاص والخبرات هذا الجانب. لكن إذا أجمع العلماء والمجتهدون على رأي خالف رأي أهل الاختصاص فيُؤخذ برأي العلماء والذين هم أهل للاجتهاد في الأحكام. وهذه صورة معروضة فقط قابلة للأخذ والرد، لكن لتقرب فهمنا من روح الشريعة وروح الشورى ودور السلطة التشريعية في الأمة.
ويمكن العودة لمجلسي النواب والشيوخ في القضايا الكبرى التي تمس أمن الدولة والخوف فيها، كإعلان الحرب، وإعلان السلم أو المصالحة بحيث يُؤخذ برأي الأكثرية للمجلسين في مثل هذه الحالات، وكذلك في اختيار رئيس الدولة وفي حق المحاسبة للحكام. وقبول رأي الأغلبية سواءً في اختيار النواب أو الشيوخ أو في التصويت على القرارات أمر مفروغ منه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم، لم يعط لنفسه الحق في اختيار النقباء الاثني عشر عن الأنصار السبعين، إنما ترك لهم اختيار ممثليهم كما يشاءون بالرأي الذي يمثل سوادهم الأعظم، وذلك في بيعة العقبة الثانية.
3ً- السلطة التنفيذية:
1- المكانة الجوهرية للسلطة التنفيذية:
إن السلطة التنفيذية في كل بلدان العالم تمثل الخاصة الأساسية لنظم الحكم والقوة الفعالة فيها، ولقد ضاعف من أهميتها في الدولة المعاصرة ما أقدمت عليه الدولة من وظائف اجتماعية واقتصادية وثقافية.. ويختلف تكوين الحكومة باختلاف النظم السياسية والدستورية من بلد إلى آخر. فرئيس الوزراء في النظام البرلماني حجر الأساس في الهيئة التنفيذية، أما في النظام الرئاسي فرئيس الجمهورية يقوم بمنصب رئيس الدولة ورئيس الوزراء في الوقت نفسه.. وسواء في النظام البرلماني أو في النظام الرئاسي فغن السلطة التنفيذية هي المحرك الأول في جهاز الحكومة الفعال) ([21]).
2- طرق تكوين السلطة التنفيذية:
( يمكن القول أن هناك عدة طرق لاختيار أعضاء السلطة التنفيذية هي:
آ- طريقة التوارث:
في الأنظمة الملكية الوراثية، يتقلد الملك عرشه بالوراثة، يباشر سلطانه وفقاً. ولا ينال من هذه الصفة وجود أنظمة ملكية دستورية مقيدة يتولى الحكم فيها الملك إلى جانب البرلمان، ويرى علماء السياسة أن النظام الملكي يتسم بالمرونة، ويرتب نوعاً من الاستقرار، ولن يقدح في هذه المزية ما قد يُثار من غبار حوله) ([22]).
ت- طريقة الانتخاب:
(طريقة الانتخاب هي الطريقة الغالبة في اختيار السلطة التنفيذية، وهي التي تتمشى مع المبدأ الديمقراطي. وهناك ثلاث طرق يتم بها هذا الانتخاب هي:
1- الانتخاب المباشر بواسطة الشعب: بانتخاب الرئيس انتخاباً مباشراً على درجة واحدة.. ولا غبار على هذه الطريقة سوى أن الشعب قد لا يكون في كل الحالات عليماً بكفاءة الشخص المرشح.
2- الانتخاب غير المباشر بواسطة الشعب: وهذا يكون عندما يجمع الشعب على انتخاب رئيس الجمهورية بطريق غير مباشر، أي على درجتين يختار الناخبون مندوبين عنهم ليتولوا مهمة انتخاب الرئيس.. على أن الانتخاب بواسطة الشعب بصورتيه المباشرة وغير المباشرة لا شك أنه يحصن موقف رئيس الجمهورية إزاء السلطة التشريعية، ويعطيه نوعاً من الاستقلال تجاهها تجعله يقف موقف الند للند من أعضاء البرلمان.
3- الانتخاب بواسطة السلطة التشريعية: فوضت بعض الدساتير السلطة التشريعية ممثلة في المجلس النيابي بطريقة الانتخاب، فإنه ينيبهم عنه أيضاً في انتخاب الرئيس.. ورغم أن هذه الطريقة تكاد تكون أكثر الطرق موضوعية، إلا أنه يؤخذ عليها عيباً مؤداه أن الانتخاب بهذه الوسيلة قد يوقع الرئيس تحت رحمة البرلمان الذي انتخبه ويجعله في قبضته.
4- الانتخاب بطريقة مختلفة: وقد اتبعت هذه الطريقة بعض الدساتير كحل تتلافى به الثغرات التي تمخضت عنها الطرق السابقة. فلجأت إلى طريق وسط تقوم على اختيار الرئيس بواسطة البرلمان والشعب، فيقوم المجلس النيابي بدور الترشيح.. ولا يتقلد المرشح من قبل المجلس منصب الرئيس إلا إذا وافق عليه الناخبون في استفتاء عام بالأغلبية المطلقة لعدد المصوتين).([23])
تنوع الطرق في عهد الراشدين (العهد الذهبي): ومن خلال فهم المسلمين لسعة قول الله عز وجل ]وأمرهم شورى بينهم [ نلحظ أن اختيار الخليفة كان من المرونة بحيث استوعب كل الطرق. فقد تم اختيار كل خليفة بصورة تختلف عن الأخرى.
فقد تم اختيار الصديق بترشيح من عمرو أبي عبيدة، ثم الانتخاب المباشر (البيعة) من الأنصار والمهاجرين.
وتم اختيار عمر رضي الله عنه بترشيح من الصديق، ثم الانتخاب المباشر (البيعة) من الأنصار والمهاجرين.
وتم اختيار عثمان رضي الله عنه من الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم وهو راضٍ.
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
رد: الديمقراطية و الحكم (المبحث الأول)
رأي الأغلبية:
ولنقف ملياً على الشاهد الصارخ على رأي الأغلبية في هذا الاختيار:
(.. وقال - أي عمر - لأبي طلحة الأنصاري: يا أبا طلحة إن الله عز وجل طالما أعز الإسلام بكم، فاختر خمسين رجلاً من الأنصار، فاستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلاً منهم، وقال للمقداد بن الأسود: إذا وضعتموني في حفرتي، فأجمع هؤلاء الرهط في بيت حتى يختاروا رجلاً منهم، وقال لصهيب: صل بالناس ثلاثة أيام، وأدخل علياً وعثمان والزبير وسعداً وعبد الرحمن بن عوق وطلحة إذا قدم؛ وأحضر عبد الله بن عمر، ولا شيء له من الأمر. وقم على رؤوسهم. فإن اجتمع خمسة ورضوا رجلاً واحدا فاشذح رأسه، أو اضرب رأسه بالسيف، وإن اتفق أربعة فرضوا رجلاً منهم وأبى اثنان فاضرب رؤوسهما، فإن رضي ثلاثة منهم وثلاثة رجلاً منهم، فحكموا عبد الله بن عمر، فكونوا مع الذين فيهم عبد الله بن عمر، فأي الفريقين حكم له فليختاروا رجلاً منهم فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، واقتلوا الباقين إن رغبوا عما اجتمع عليه الناس) ([24]).
فتحكيم الأغلبية عند عمر رضي الله عنه دين، والذي يخرج على حكمها يقتل إن أصر على رأيه ولم يبايع لها من اختارته هذه الأغلبية التي تصل إلى الواحد والخمسين بالمائة في المجتمعات الديمقراطية، فحين يتعادل الثلاثة، يقتل الثلاثة الذين ليس فيهم عبد الرحمن بن عوف إن أصروا على رفض البيعة.
الاستفتاء العام: وفي الرواية نفسها حيث رضي الستة ن يختاره عبد الرحمن بن عوف منهم بعد أن أخرج نفسه منهم، لم يقم باستعمال هذه الصلاحية حسب قناعته الشخصية، وإنما لجأ إلى استفتاء الناس عن الخليفة المرشح. وذلك بعد أن حصرت الخلافة بين اثنين منهم هما عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب بمشاورة هؤلاء الستة.
(... ثم نهض عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يستشير الناس فيهما ويجمع رأي المسلمين برأي رؤوس الناس وأقيادهم جميعاً وأشتاتاً، مثنى وفرادى ومجتمعين، وسراً وجهراً. حتى خلص إلى النساء المخدرات في حجابهن، وحتى سأل الولدان في المكاتب، وحتى سأل من يرد من الكبار والأعراب إلى المدينة في مدة ثلاثة أيام بلياليها. فلم يجد اثنين يختلفان في تقدم عثمان بن عفان إلا ما ينقل عن عمار والمقداد أنهما أشارا بعلي بن أبي طالب، ثم بايعا مع الناس على ما سنذكره فسعى في ذلك عبد الرحمن بن عوف ثلاثة أيام بلياليها لا يفتض بكثير نوم إلا صلاة ودعاءً واستخارةً وسؤالاً من ذوي الرأي منهم، فلم يجد أحداً يعدل بعثمان رضي الله عنه)([25]).
وسنة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه هذه، دعت إلى المشاركة في شورى اختيار الخلافة النساء والصبيان والأعراب، والعبيد لم يدخلوا في هذه الاستشارة، بينما نلحظ أن كل فئات المجتمع وطبقاته حتى صبيان الكتاتيب يمكن أن يشاركوا في الاستفتاء العام على الخليفة.
انتخاب مجلس الشورى: وكان انتخاب علي رضي الله عنه من مجلس شورى المسلمين وأهل الحل والعقد من كبار المهاجرين والأنصار. والذين تم تحديدهم بأهل بدر وأهل الحديبية، وهم خيرة هذه الأمة بعد نبيهاصلى الله عليه وسلم .
فعن محمد بن الحنفية قال: كنت مع أبي حين قُتل عثمان رضي الله عنه فقام فدخل منزله فأتاه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن هذا الرجل قد قتل، ولا بد للناس من إمام ولا نجد اليوم أحداً أحق بهاذ الأمر منك، لا أقدم سابقة، ولا أقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا تفعلوا فإني أكون وزيراً خير من أن أكون أميراً، فقالوا: لا والله ما نحن بفاعلين حتى نبايعك؟ قال: ففي المسجد فإن بيعتي لا تكون خفياً، ولا تكون إلا عن رضا المسلمين (قال سالم بن أبي الجعد: فقال عبد الله بن عباس: فلقد كرهت أن يأتي المسجد مخافة أن يشغب عليه، وأبى هو إلا المسجد) فلما دخل المهاجرون والأنصار فبايعوه، ثم بايعه الناس) ([26]).
وامتنعت أقلية ضئيلة من المهاجرين والأنصار عن البيعة.
وذكر عمرو بن شبة لسنده قال:
خرج علي إلى السوق، وذلك يوم السبت لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة، فاتبعه الناس، وبهشوا وفي وجهه، فدخل حائط بني عمرو بن مبذول وقال لأبي عرة بن عمرو بن محصن أغلق الباب، فجاء الناس، فقرعوا الباب فدخلوا فيهم طلحة والزبير فقالا: يا علي ابسط يدك، فبايعه طلحة والزبير وخرج علي إلى المسجد فصعد المنبر وعليه إزار وطاق وعمامة خز ونعلاه في يده. متوكئاً على قوس، فبايعه الناس، وجاؤوا بسعد، فقال علي: بايع، قال: لا أبايع حتى يبايع الناس. قال: والله ما عليك مني بأس. قال: خلوا سبيله. وجاؤوا بابن عمر، فقال: بايع، قال: لا أبايع حتى يبايع الناس. قال: ائتني بحميل. قال: لا أرى حميلاً. قال الأشتر: خلِّ عني اضرب عنقه. قال علي: دعوه أنا حميله) ([27]).
وفي المفاوضات بين علي ومعاوية رضي الله عنهما قبل حرب صفين، أثيرت قضية بيعة علي على يد القراء الذين كانوا وسطاء في الصلح بين الفريقين.
( فرجعوا إلى معاوية فأخبروه، فقال: إن كان الأمر على ما يقول فماله أنفذ الأمر دوننا من غير مشورة منا ولا ممن هاهنا؟ فرجعوا إلى علي فقال: إنما الناس مع المهاجرين والأنصار، فهم شهود الناس على ولايتهم وأمر دينهم، ورضوا وبايعوني.. فرجعوا إلى معاوية. فقال: ما بال من هاهنا من المهاجرين والأنصار لم يدخلوا في هذا الأمر؟ فرجعوا فقال علي: إنما هذا للبدريين دون غيرهم، وليس على وجه الأرض بدري إلا وهو معي وقد بايعني وقد رضي) ([28]).
فقد تدرجت البيعة على أربع مراحل مع درجة إلزاميتها:
1- الطبقة الأولى: البدريون من المهاجرين والأنصار، وقد لا يتجاوز عددهم آنذاك المائتين، وأكثرهم هي الأكثرية الملزمة.
2- الطبقة الثانية: المهاجرون والأنصار وهؤلاء قد يبلغ عددهم الخمسة آلاف، وهم موزعون في الثغور الإسلامية لكن أغلبهم في المدينة، وأكثريتهم أقل إلزاماً من سابقتها لكن لها قدرها وأهميتها.
3- الطبقة الثالثة: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهؤلاء قد يبلغون عشرات الألوف. لكن المقيمين منهم في المدينة يتجاوز العشرة آلاف على التقريب.
4- الطبقة الرابعة: وهي بيعة العامة، حيث تتم البيعة من الناس جميعاً، وهم ملزمون ببيعة المهاجرين والأنصار الذين يقولون عنهم: إذا رضي المهاجرون والأنصار فإنما نحن تبع لكن البيعة التي تقرر الخليفة هي بيعة أكثرية البدريين، كما هو الحال اليوم مع المجالس النيابية التي تقوم باختيار رئيس الجمهورية وانتخابه نيابة عن الأمة.
4ً – السلطة القضائية:
1- أهمية السلطة القضائية:
وتعرَّف السلطة القضائية بأنها السلطة المخولة بتطبيق القانون بناءً على ما يرد إليها من منازعات وقضايا، كما أنها الجهة المخولة بتفسير القانون.. وقيام هذه السلطة يعكس الرغبة في إشاعة العدل.. ومن هذا المنطلق وجب أن يُحاط القضاء ورجالاته بالضمانات والاستقلال تمكيناً لهم من تأدية عملهم الهام على أكمل وجه، ولهذا اعترفت الدساتير المعاصرة بالقضاء كهيئة مستقلة، واعتباره سلطة ثالثة.
2- طرق اختيار السلطة القضائية: (.. الدساتير غالباً ما تتبع عدة أساليب في اختيار القضاة ومن بين هذه الأساليب ما يلي:
آ- أسلوب التعيين: وهو أسلوب تستخدمه الدول، ولكن على اختلاف فيما بينها ويكون التعيين تابعاً لوزارة العدل، أو رئيس الدولة للقضاة الكبار، أو غير ذلك.
ب- أسلوب الانتخاب: وهذه قاعدة اطرد بها العمل في الولايات المتحدة الأمريكية حيث ينتخب الشعب قضاة الولايات.. ومن عيوبه سقوط القضاة في شرك الأحزاب السياسية.
جـ- أسلوب الاختيار: عن طريق السلطة التشريعية خاصة بالنسبة لبعض المحاكم ذات الطابع السياسي.
د- أسلوب الاختيار عن طريق السلطة التنفيذية: وهو السائد الآن أخذت به معظم الدساتير، خاصة الدساتير العربية، وهو لا يتنافى مع مبدأ استقلال القضاة عن السلطة التنفيذية، لأن القانون يرسم بوضوح ما يتعين على السلطة التنفيذية أن تراعيه فيما يتعلق بتعيين القضاة وشروطهم ومؤهلاتهم.
ولقد ذهبت غالبية الدساتير في تقريها لاستقلال سلطة القضاء إلى أبعد من ذلك فنصت على عدم قابلية القضاة للعزل.. وخصصت لهم الكوادر المشجعة للحوافز والإغراءات المالية ليتفرغ القضاة لعملهم، ودفع ما قد يحوم حولهم من شبهات.
جـ- أنواع القضاء: (وللقضاء عدة أنواع، فليس القضاء مقصوراً على القضاء العادي كما قد يتصور، وإنما هناك أنواع منه كالقضاء السياسي، والدستوري والعسكري وبعض هذه الأنواع تنص عليه الدساتير، وبعضها تجيء الدساتير خلواً من النص عليها)([29]).
والكلمة الجامعة في هذا القول: إن الإسلام يتسع لكل هذه الأنواع والطرق والأساليب ضمن إطار قول الله عز وجل: ] وأمرهم شورى بينهم [.
وكان التطبيق العملي لاستقلال القضاء في التاريخ الإسلامي، وسلطته العليا فوق الحاكم والخليفة أكبر دليل على ذلك، ولم يتطرق الخلل إليه، لأنه كان مرتبطاً بتحكيم شريعة الله التي لا يتدخل فيها الخليفة، وليست من سلطانه ولا صلاحياته.
5ً – الرأي العام وقرار الجماهير:
يقول ناشر كتاب "الديمقراطية وقرار الجماهير" ([30]) عن هذا الكتاب:
( يدعو المؤلف في هذا الكتاب إلى نظرية جديدة لتطوير وتحسين الرأي العام وتحويله إلى ما يسميه بالقرار العام المبني على الإجماع بعد معرفة أبعاد المشكلة والخيارات المتاحة والعواقب المترتبة على كل منها.
برغم كل التقدم والتكنولوجيا لاستطلاع الرأي في أمريكا، فإن المؤلف يرى أن ذلك كله لا يكفي، لأن مجتمع الصفوة من الخبراء وعلماء النفس يسيطر على المعلومات التي تقدم للجمهور ويحرم رجل الشارع من المشاركة في القرارات الهامة المتعلقة بمستقبل بلاده.
وبناءً على ذلك فإن هذا الكتاب يعد (روشتة) علمية لتقوية ودعم رأي الجماهير في معركتها الصامتة مع النخبة من الخبراء الذين يحاولون الانفراد بالرأي في القرارات الهامة. وعندما يستمع الزعماء لرأي رجل الشارع بعد أن يعرف الحقائق والاحتمالات نستطيع أن نقول عندئذٍ إن الديمقراطية ما زالت بخير)([31]).
أما مؤلف الكتاب فيقول عن أسباب نشر كتابه:
هذا التعبير من الحلم الأمريكي، أو الحلم بأن يحكم الشعب نفسه بنفسه هو الآخر معرض للخطر وبالتأكيد فإن الخطر ليس على نوع الحرية التي يهتم بها الأمريكيون أكثر من أي شيء آخر.
إن حريتنا السياسية ليست في خطر، فلا يوجد هناك ديكتاتور يبدو في الأفق، وليس هناك انقلاب عسكري وشيك الحدوث، ومهما كان الخطر الذي كان يتهدد حريتنا السياسية من الشيوعية في الماضي، فإن هذا الخطر قد تضاءل كثيراً، وسيظل الأمريكيون أحراراً كما كانوا في الماضي في التصويت للمرشح الذي يختارونه، وأن يعربوا بحرية عما يدور في أذهانهم، وأن يستمتعوا بمزايا الصحافة الحرة. إن القرارات المصيرية يتم اتخاذها في واشنطن في غرف مجالس إدارات الشركات الكبرى؛ في شارع المال (وول سترايت) وفي برلمانات الولايات، وفي قاعة البلدية بالمدن الكبرى هذه القرارات يتم إعدادها بواسطة خبراء في الاقتصاد، وخبراء عسكريون، وخبراء في العلم، وخبراء في التجارة، وفي العلاقات العامة، وفي وسائل الإعلام "الميديا" أما دور الجمهور في تشكيل هذه القرارات فإنه يتضاءل يوماً بعد يوم)([32]).
أما هدف الكتاب فهو:
إن الاستراتيجية التي أقترحُها في هذا الكتاب هي أن نقوي نوعاً خاصاً من الرأي العام أحدده باسم (القرار العام) أو (حكم الجمهور). إن زيادة وتحسين نوعية القرار العام، تستطيع في النهاية أن تواجه زحف الخبرة الذي يهدد بتقويض نظام الحكم الذاتي أو أن يحكم الجمهور نفسه بنفسه)([33]).
( إن معظم النتائج التي تقدمها استطلاعات الرأي العام لا تعكس القرار العام. وتعبير القرار العام كما استخدمه في هذا الكتاب يعني أن حالة من الرأي العام المتطور للغاية والذي يوجد متى انشغل الناس بموضوع وبحثوه من كل الجوانب، وفهموا الاختيارات التي يؤدي إليها، وقبلوا كل ما سوف يترتب عليه نتيجة اختيارهم لقرار معين في الموضوع)([34]).
فالمؤلف يعالج أعلى مستويات الحرية الحقيقية، والمشاركة الفعلية في اختيار الجماهير القرار التي تريده، لا أن تكون محكومة بما يقرر في الخلف في بيوت الخبراء وأصحاب المصالح وأرباب المال والاقتصاد. وهو هم الديمقراطية والديمقراطيين في التسعينات، هذا التطور يبقى ضمن إطار المبدأ العظيم الخالد.
]وأمرهم شورى بينهم[
والأمة الواعية الناضجة هي التي تطور أمر شوراها في كل شيء بحيث لا تبقى صغيرة ولا كبيرة من أمورها إلا تقنن فيها الشورى الشاملة الواعية.
ثالثاً- الدساتير وأنواعها:
آ- أهمية الدساتير في حياة الأمم:
( لقد أضحى من المسلمات البديهية بين علماء السياسة في العصر الحديث أنه لا يمكن تصور دولة من غير دستور.. وهو يعني مجموعة من المعايير التي تتقرر بها العلاقات القانونية بين الحكومة والمواطنين.. والدول التي تتفتح حديثاً للحياة المستقبلة لا تعمل في فراغ، بل في عالم زاخر بالدساتير والنظم السياسية المختلفة والدائمة التطور تمشياً مع مقتضيات العصر، وما يصلح لعصر قد لا يصلح للعصر الذي يليه، وما يناسب شيئاً قد لا يناسب شعوباً أخرى).
ب- أنواع الدساتير:
تنقسم الدساتير إلى دساتير عرفية أو غير مدونة، ودساتير مدونة أو مكتوبة، وكذلك تنقسم إلى دساتير مرنة ودساتير جامدة.. وفي الدساتير الجامدة هناك خطر مؤقت لتعديل الدستور أو إلغائه تحدد له مدة يحرم خلالها التعديل. وخطر دائم، والخطر في الأغلب والأعم يرد على أحكام لها وجاهتها وخطورتها في كيان النظام السياسي والدستور.
جـ- أساليب إصدار الدساتير:
1ً- الأسلوب غير الديمقراطي: حيث يصدر الدستور بالإرادة المنفردة للحاكم، وأحياناً قد يشرك معه الأمة، فأسلوب المنحة يصدر الحاكم الدستور في صورة منحة منه لشعبه، وأسلوب العقد. بأن يكون الدستور محصلة التقاء إرادتين؛ إرادة الشعب وإرادة الحاكم بأن يضعه مجلس تأسيسي ينفذ من تاريخ اقترانه بتصديق الملك.
2ً- الأسلوب الديمقراطي: حيث تظهر الإرادة التامة للشعب دون أن يشاركه أحد فيها، ويتم بوسيلتين؛ أسلوب الجمعية النيابية التأسيسية ينتخب الشعب أفرادها. وأسلوب الاستفتاء الدستوري. ولا يعدو أن يكون إحدى تطبيقات الديمقراطية المباشرة، حيث تتولى لجنة منتخبة أو معينة إعداد الدستور، ثم يُعرض هذا المشروع على الشعب ليدلي برأيه في المشروع المعروض عليه. لكن بعض الكتاب الدستوريين يرى أنه كي يحقق هذا الأسلوب نفعه، فينبغي أن يوضع من جمعية تأسيسية منتخبة، بحيث يتوجب إقراره بعد ذلك بالاستفتاء الشعبي.
د- أساليب انتهاء الدستور: بأحد أسلوبين، إما الأسلوب الديمقراطي أو الأسلوب الثوري بالانقلاب العسكري) ([35]).
وحين ينص الدستور على أن الإسلام هو المصدر الوحيد للتشريع وذلك من خلال جمعية تأسيسية منتخبة، واستفتاء شعبي عليه، ويفوز بالأكثرية. فتكون الديمقراطية هنا جزءاً من الشورى بصفتها أسلوب حكم. وتبقى الشورى هي الأشمل والأوسع والأرحب من خلال هذا النص المتفرد المتميز الذي يخص الأمة:]وأمرهم شورى بينهم[ ومن خلال النص المتفرد المتميز الذي يخص الحاكم ] وشاورهم في الأمر[.
وهذا تفسير قولنا الذي ذكرناه:
فالديمقراطية أسلوب حكم مقبولة جملة وتفصيلاً بين المسلمين دون حرج ولا إثم ولا لجلجة.
سؤالان أخيران
- السؤال الأول: هل نقبل بالنظام الديمقراطي؟
- السؤال الثاني: هل نسعى إلى نظام ديمقراطي؟
أما السؤال الثالث فنرجئه إلى فصل مستقل وهو: هل نشارك في حكم ديمقراطي؟
4- هل نقبل بالنظام الديمقراطي؟
وما أعتقد أن أحداً من العلماء المسلمين شكك بحق الاستفادة من النظام الديمقراطي الذي تؤصل فيه الحريات في الرأي والتعبير عنه، وحرية المشاركة الديمقراطية والمساواة وحكم المؤسسات، وتداول السلطة. إنها بديل الدكتاتورية والاستبداد ولا يختلف اثنان من العلماء في تفضيل النظام الديمقراطي الحر على النظام الديكتاتوري المستبد. ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفكر بمغادرة مكة للقبائل الأخرى إلا عندما خطر عليه حرية الدعوة بعد وفاة عمه أبي طالب (( مازالت قريش كاعين عني حتى مات أبو طالب). وهو يعيش في ظل هذا الحكم الجاهلي، طالما أنه يتيح له حرية الدعوة إلى الله بالهامش الديمقراطي البسيط الذي يملكه من خلال نظام الحماية والجوار الذي يسود فيه.
5- هل نسعى ونخطط لحكم ديمقراطي؟
والجواب: نعم، نسعى ونخطط لإقامة حكم ديمقراطي بديل عن حكم دكتاتوري مستبد نحصل فيه على حرية العقيدة والعبادة والدعوة، ودليلنا في ذلك هو سعي رسول الله صلى الله عليه وسلم للقبائل كي تحميه حتى يبلغ رسالة ربه سواءً أسلمت قيادتها أم لا فقد روى البيهقي في الدلائل عن موسى بن عقبة عن الزهري قوله:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك السنين يعرض نفسه على قبائل العرب في كل موسم يكلم كل شريف قوم، لا يسلهم مع ذلك إلا أن يحرزوه ويمنعوه ويقول: (( لا أكره أحداً منكم على شيء، من رضي منكم بالذي أدعوه إليه فذلك، ومن كره لم أكرهه، إنما أريد أن تحرزوني عما يُراد بي من القتل حتى أبلغ رسالات ربي، حتى يقضي الله عز وجل لي ولمن صحبني بما شاء الله)). فلم يقبله أحد منهم)([36]).
فهو تحرك سياسي هادف للعمل على إقامة دول منيعة تحمي الدعاة، وليست دولة إسلامية تطبق شريعة الله في الأرض، وهذا هو مفهوم النظام الديمقراطي الذي يحمي حرية الدعوة لله حتى يأذن الله بدولة الإسلام.
يقول الإمام البنا رحمه الله: إن الباحث حين ينظر إلى مبادئ الحكم الدستوري التي تتلخص في المحافظة على الحرية الشخصية بكل أنواعها، وعلى الشورى واستمداد السلطة من الأمة، وعلى مسؤولية الحكام أمام الشعب، ومحاسبتهم على ما يعملون من أعمال، وبيان حدود كل سلطة من السلطات هذه الأصول كلها يتجلى الباحث أنها تنطبق كل الانطباق على تعاليم الإسلام ونظمه وقواعده في شكل الحكم. ولهذا يعتقد الإخوان المسلمون أن نظام الحكم الدستوري هو أقرب نظم الحكم القائمة في العالم كله على الإسلام وهم لا يعدلون به نظاماً آخر)([37]).
ونخلص بعد هذا البحث إلى النتائج التالية:
1- الديمقراطية عقيدة تجعل التشريع للشعب من دون الله هي كفر بواح بصريح القرآن والسنة.
2- الديمقراطية أسلوب حكم مقبولة جملة وتفصيلاً بين المسلمين دون إثم ولا حرج.
3- الانتخابات بأنواعه وشروطها وسائل مطلوبة في نظام الحكم الذي يقوم على الشورى.
4- مبدأ الفصل بين السلطات مبدأ إسلامي، وهو الذي ضمن للمسلمين خلال تاريخهم استقلالية السلطة التشريعية من علماء الأمة دون تدخل الحكام في ذلك. وهو الذي ضمن الحكم بشريعة الله في سلطان القضاء دون تدخل الحكام في ذلك.
5- السلطة التشريعية في الإسلام هي للعلماء فيما لا نص فيه، ويشاركهم الخبراء في تنزيل النص على الواقع. وتراعى الأكثرية التي يكون الخبراء فيها مع العلماء في إصدار الحكم.
6- اعتماد الأكثرية في إصدار الأحكام السياسية والأمنية والخدمات وغير ذلك. مع تمثيل الأمة بكاملها في مجالس لـ الخدمات والرعاية هو ضمن المبدأ الإسلامي:] وأمرهم شورى بينهم [
7- اختيار السلطة التنفيذية من الشعب أو السلطة التشريعية أو كليهما بالأكثرية هو ضمن مبدأ الشورى الإسلامي. وتنوع السلطات التنفيذية رئاسية أو برلمانية يدخل ضمنه كذلك.
8- السلطة القضائية واختيارها، وحريتها في الحكم، واستقلالها من أساسيات الشورى في الإسلام.
9- اعتبار الرأي العام أو الإعلام أو قرار الجماهير أو غير ذلك، جزء من تحقق مبدأ الشورى في الإسلام.
10- وضع دستور للأمة من هيئة تأسيسية، والاستفتاء عليه لا يحل حلالاً ولا يحرم حراماً من منطلقات الشورى الإسلامية: ] وأمرهم شورى بينهم [.
11- نقبل بالنظام الديمقراطي لأنه نظام الحريات لنا، انطلاقاً من قبول رسول الله صلى الله عليه وسلم الإجارة.
12- نعمل لإقامة نظام ديمقراطي مع غيرنا بديل عن حكم دكتاتوري مستبد انطلاقاً من دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم القبائل لحمايته حتى يبلغ شريعة الله، ولو لم تسلم أو تدين بدين الله.
ولنقف ملياً على الشاهد الصارخ على رأي الأغلبية في هذا الاختيار:
(.. وقال - أي عمر - لأبي طلحة الأنصاري: يا أبا طلحة إن الله عز وجل طالما أعز الإسلام بكم، فاختر خمسين رجلاً من الأنصار، فاستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلاً منهم، وقال للمقداد بن الأسود: إذا وضعتموني في حفرتي، فأجمع هؤلاء الرهط في بيت حتى يختاروا رجلاً منهم، وقال لصهيب: صل بالناس ثلاثة أيام، وأدخل علياً وعثمان والزبير وسعداً وعبد الرحمن بن عوق وطلحة إذا قدم؛ وأحضر عبد الله بن عمر، ولا شيء له من الأمر. وقم على رؤوسهم. فإن اجتمع خمسة ورضوا رجلاً واحدا فاشذح رأسه، أو اضرب رأسه بالسيف، وإن اتفق أربعة فرضوا رجلاً منهم وأبى اثنان فاضرب رؤوسهما، فإن رضي ثلاثة منهم وثلاثة رجلاً منهم، فحكموا عبد الله بن عمر، فكونوا مع الذين فيهم عبد الله بن عمر، فأي الفريقين حكم له فليختاروا رجلاً منهم فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، واقتلوا الباقين إن رغبوا عما اجتمع عليه الناس) ([24]).
فتحكيم الأغلبية عند عمر رضي الله عنه دين، والذي يخرج على حكمها يقتل إن أصر على رأيه ولم يبايع لها من اختارته هذه الأغلبية التي تصل إلى الواحد والخمسين بالمائة في المجتمعات الديمقراطية، فحين يتعادل الثلاثة، يقتل الثلاثة الذين ليس فيهم عبد الرحمن بن عوف إن أصروا على رفض البيعة.
الاستفتاء العام: وفي الرواية نفسها حيث رضي الستة ن يختاره عبد الرحمن بن عوف منهم بعد أن أخرج نفسه منهم، لم يقم باستعمال هذه الصلاحية حسب قناعته الشخصية، وإنما لجأ إلى استفتاء الناس عن الخليفة المرشح. وذلك بعد أن حصرت الخلافة بين اثنين منهم هما عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب بمشاورة هؤلاء الستة.
(... ثم نهض عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يستشير الناس فيهما ويجمع رأي المسلمين برأي رؤوس الناس وأقيادهم جميعاً وأشتاتاً، مثنى وفرادى ومجتمعين، وسراً وجهراً. حتى خلص إلى النساء المخدرات في حجابهن، وحتى سأل الولدان في المكاتب، وحتى سأل من يرد من الكبار والأعراب إلى المدينة في مدة ثلاثة أيام بلياليها. فلم يجد اثنين يختلفان في تقدم عثمان بن عفان إلا ما ينقل عن عمار والمقداد أنهما أشارا بعلي بن أبي طالب، ثم بايعا مع الناس على ما سنذكره فسعى في ذلك عبد الرحمن بن عوف ثلاثة أيام بلياليها لا يفتض بكثير نوم إلا صلاة ودعاءً واستخارةً وسؤالاً من ذوي الرأي منهم، فلم يجد أحداً يعدل بعثمان رضي الله عنه)([25]).
وسنة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه هذه، دعت إلى المشاركة في شورى اختيار الخلافة النساء والصبيان والأعراب، والعبيد لم يدخلوا في هذه الاستشارة، بينما نلحظ أن كل فئات المجتمع وطبقاته حتى صبيان الكتاتيب يمكن أن يشاركوا في الاستفتاء العام على الخليفة.
انتخاب مجلس الشورى: وكان انتخاب علي رضي الله عنه من مجلس شورى المسلمين وأهل الحل والعقد من كبار المهاجرين والأنصار. والذين تم تحديدهم بأهل بدر وأهل الحديبية، وهم خيرة هذه الأمة بعد نبيهاصلى الله عليه وسلم .
فعن محمد بن الحنفية قال: كنت مع أبي حين قُتل عثمان رضي الله عنه فقام فدخل منزله فأتاه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن هذا الرجل قد قتل، ولا بد للناس من إمام ولا نجد اليوم أحداً أحق بهاذ الأمر منك، لا أقدم سابقة، ولا أقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا تفعلوا فإني أكون وزيراً خير من أن أكون أميراً، فقالوا: لا والله ما نحن بفاعلين حتى نبايعك؟ قال: ففي المسجد فإن بيعتي لا تكون خفياً، ولا تكون إلا عن رضا المسلمين (قال سالم بن أبي الجعد: فقال عبد الله بن عباس: فلقد كرهت أن يأتي المسجد مخافة أن يشغب عليه، وأبى هو إلا المسجد) فلما دخل المهاجرون والأنصار فبايعوه، ثم بايعه الناس) ([26]).
وامتنعت أقلية ضئيلة من المهاجرين والأنصار عن البيعة.
وذكر عمرو بن شبة لسنده قال:
خرج علي إلى السوق، وذلك يوم السبت لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة، فاتبعه الناس، وبهشوا وفي وجهه، فدخل حائط بني عمرو بن مبذول وقال لأبي عرة بن عمرو بن محصن أغلق الباب، فجاء الناس، فقرعوا الباب فدخلوا فيهم طلحة والزبير فقالا: يا علي ابسط يدك، فبايعه طلحة والزبير وخرج علي إلى المسجد فصعد المنبر وعليه إزار وطاق وعمامة خز ونعلاه في يده. متوكئاً على قوس، فبايعه الناس، وجاؤوا بسعد، فقال علي: بايع، قال: لا أبايع حتى يبايع الناس. قال: والله ما عليك مني بأس. قال: خلوا سبيله. وجاؤوا بابن عمر، فقال: بايع، قال: لا أبايع حتى يبايع الناس. قال: ائتني بحميل. قال: لا أرى حميلاً. قال الأشتر: خلِّ عني اضرب عنقه. قال علي: دعوه أنا حميله) ([27]).
وفي المفاوضات بين علي ومعاوية رضي الله عنهما قبل حرب صفين، أثيرت قضية بيعة علي على يد القراء الذين كانوا وسطاء في الصلح بين الفريقين.
( فرجعوا إلى معاوية فأخبروه، فقال: إن كان الأمر على ما يقول فماله أنفذ الأمر دوننا من غير مشورة منا ولا ممن هاهنا؟ فرجعوا إلى علي فقال: إنما الناس مع المهاجرين والأنصار، فهم شهود الناس على ولايتهم وأمر دينهم، ورضوا وبايعوني.. فرجعوا إلى معاوية. فقال: ما بال من هاهنا من المهاجرين والأنصار لم يدخلوا في هذا الأمر؟ فرجعوا فقال علي: إنما هذا للبدريين دون غيرهم، وليس على وجه الأرض بدري إلا وهو معي وقد بايعني وقد رضي) ([28]).
فقد تدرجت البيعة على أربع مراحل مع درجة إلزاميتها:
1- الطبقة الأولى: البدريون من المهاجرين والأنصار، وقد لا يتجاوز عددهم آنذاك المائتين، وأكثرهم هي الأكثرية الملزمة.
2- الطبقة الثانية: المهاجرون والأنصار وهؤلاء قد يبلغ عددهم الخمسة آلاف، وهم موزعون في الثغور الإسلامية لكن أغلبهم في المدينة، وأكثريتهم أقل إلزاماً من سابقتها لكن لها قدرها وأهميتها.
3- الطبقة الثالثة: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهؤلاء قد يبلغون عشرات الألوف. لكن المقيمين منهم في المدينة يتجاوز العشرة آلاف على التقريب.
4- الطبقة الرابعة: وهي بيعة العامة، حيث تتم البيعة من الناس جميعاً، وهم ملزمون ببيعة المهاجرين والأنصار الذين يقولون عنهم: إذا رضي المهاجرون والأنصار فإنما نحن تبع لكن البيعة التي تقرر الخليفة هي بيعة أكثرية البدريين، كما هو الحال اليوم مع المجالس النيابية التي تقوم باختيار رئيس الجمهورية وانتخابه نيابة عن الأمة.
4ً – السلطة القضائية:
1- أهمية السلطة القضائية:
وتعرَّف السلطة القضائية بأنها السلطة المخولة بتطبيق القانون بناءً على ما يرد إليها من منازعات وقضايا، كما أنها الجهة المخولة بتفسير القانون.. وقيام هذه السلطة يعكس الرغبة في إشاعة العدل.. ومن هذا المنطلق وجب أن يُحاط القضاء ورجالاته بالضمانات والاستقلال تمكيناً لهم من تأدية عملهم الهام على أكمل وجه، ولهذا اعترفت الدساتير المعاصرة بالقضاء كهيئة مستقلة، واعتباره سلطة ثالثة.
2- طرق اختيار السلطة القضائية: (.. الدساتير غالباً ما تتبع عدة أساليب في اختيار القضاة ومن بين هذه الأساليب ما يلي:
آ- أسلوب التعيين: وهو أسلوب تستخدمه الدول، ولكن على اختلاف فيما بينها ويكون التعيين تابعاً لوزارة العدل، أو رئيس الدولة للقضاة الكبار، أو غير ذلك.
ب- أسلوب الانتخاب: وهذه قاعدة اطرد بها العمل في الولايات المتحدة الأمريكية حيث ينتخب الشعب قضاة الولايات.. ومن عيوبه سقوط القضاة في شرك الأحزاب السياسية.
جـ- أسلوب الاختيار: عن طريق السلطة التشريعية خاصة بالنسبة لبعض المحاكم ذات الطابع السياسي.
د- أسلوب الاختيار عن طريق السلطة التنفيذية: وهو السائد الآن أخذت به معظم الدساتير، خاصة الدساتير العربية، وهو لا يتنافى مع مبدأ استقلال القضاة عن السلطة التنفيذية، لأن القانون يرسم بوضوح ما يتعين على السلطة التنفيذية أن تراعيه فيما يتعلق بتعيين القضاة وشروطهم ومؤهلاتهم.
ولقد ذهبت غالبية الدساتير في تقريها لاستقلال سلطة القضاء إلى أبعد من ذلك فنصت على عدم قابلية القضاة للعزل.. وخصصت لهم الكوادر المشجعة للحوافز والإغراءات المالية ليتفرغ القضاة لعملهم، ودفع ما قد يحوم حولهم من شبهات.
جـ- أنواع القضاء: (وللقضاء عدة أنواع، فليس القضاء مقصوراً على القضاء العادي كما قد يتصور، وإنما هناك أنواع منه كالقضاء السياسي، والدستوري والعسكري وبعض هذه الأنواع تنص عليه الدساتير، وبعضها تجيء الدساتير خلواً من النص عليها)([29]).
والكلمة الجامعة في هذا القول: إن الإسلام يتسع لكل هذه الأنواع والطرق والأساليب ضمن إطار قول الله عز وجل: ] وأمرهم شورى بينهم [.
وكان التطبيق العملي لاستقلال القضاء في التاريخ الإسلامي، وسلطته العليا فوق الحاكم والخليفة أكبر دليل على ذلك، ولم يتطرق الخلل إليه، لأنه كان مرتبطاً بتحكيم شريعة الله التي لا يتدخل فيها الخليفة، وليست من سلطانه ولا صلاحياته.
5ً – الرأي العام وقرار الجماهير:
يقول ناشر كتاب "الديمقراطية وقرار الجماهير" ([30]) عن هذا الكتاب:
( يدعو المؤلف في هذا الكتاب إلى نظرية جديدة لتطوير وتحسين الرأي العام وتحويله إلى ما يسميه بالقرار العام المبني على الإجماع بعد معرفة أبعاد المشكلة والخيارات المتاحة والعواقب المترتبة على كل منها.
برغم كل التقدم والتكنولوجيا لاستطلاع الرأي في أمريكا، فإن المؤلف يرى أن ذلك كله لا يكفي، لأن مجتمع الصفوة من الخبراء وعلماء النفس يسيطر على المعلومات التي تقدم للجمهور ويحرم رجل الشارع من المشاركة في القرارات الهامة المتعلقة بمستقبل بلاده.
وبناءً على ذلك فإن هذا الكتاب يعد (روشتة) علمية لتقوية ودعم رأي الجماهير في معركتها الصامتة مع النخبة من الخبراء الذين يحاولون الانفراد بالرأي في القرارات الهامة. وعندما يستمع الزعماء لرأي رجل الشارع بعد أن يعرف الحقائق والاحتمالات نستطيع أن نقول عندئذٍ إن الديمقراطية ما زالت بخير)([31]).
أما مؤلف الكتاب فيقول عن أسباب نشر كتابه:
هذا التعبير من الحلم الأمريكي، أو الحلم بأن يحكم الشعب نفسه بنفسه هو الآخر معرض للخطر وبالتأكيد فإن الخطر ليس على نوع الحرية التي يهتم بها الأمريكيون أكثر من أي شيء آخر.
إن حريتنا السياسية ليست في خطر، فلا يوجد هناك ديكتاتور يبدو في الأفق، وليس هناك انقلاب عسكري وشيك الحدوث، ومهما كان الخطر الذي كان يتهدد حريتنا السياسية من الشيوعية في الماضي، فإن هذا الخطر قد تضاءل كثيراً، وسيظل الأمريكيون أحراراً كما كانوا في الماضي في التصويت للمرشح الذي يختارونه، وأن يعربوا بحرية عما يدور في أذهانهم، وأن يستمتعوا بمزايا الصحافة الحرة. إن القرارات المصيرية يتم اتخاذها في واشنطن في غرف مجالس إدارات الشركات الكبرى؛ في شارع المال (وول سترايت) وفي برلمانات الولايات، وفي قاعة البلدية بالمدن الكبرى هذه القرارات يتم إعدادها بواسطة خبراء في الاقتصاد، وخبراء عسكريون، وخبراء في العلم، وخبراء في التجارة، وفي العلاقات العامة، وفي وسائل الإعلام "الميديا" أما دور الجمهور في تشكيل هذه القرارات فإنه يتضاءل يوماً بعد يوم)([32]).
أما هدف الكتاب فهو:
إن الاستراتيجية التي أقترحُها في هذا الكتاب هي أن نقوي نوعاً خاصاً من الرأي العام أحدده باسم (القرار العام) أو (حكم الجمهور). إن زيادة وتحسين نوعية القرار العام، تستطيع في النهاية أن تواجه زحف الخبرة الذي يهدد بتقويض نظام الحكم الذاتي أو أن يحكم الجمهور نفسه بنفسه)([33]).
( إن معظم النتائج التي تقدمها استطلاعات الرأي العام لا تعكس القرار العام. وتعبير القرار العام كما استخدمه في هذا الكتاب يعني أن حالة من الرأي العام المتطور للغاية والذي يوجد متى انشغل الناس بموضوع وبحثوه من كل الجوانب، وفهموا الاختيارات التي يؤدي إليها، وقبلوا كل ما سوف يترتب عليه نتيجة اختيارهم لقرار معين في الموضوع)([34]).
فالمؤلف يعالج أعلى مستويات الحرية الحقيقية، والمشاركة الفعلية في اختيار الجماهير القرار التي تريده، لا أن تكون محكومة بما يقرر في الخلف في بيوت الخبراء وأصحاب المصالح وأرباب المال والاقتصاد. وهو هم الديمقراطية والديمقراطيين في التسعينات، هذا التطور يبقى ضمن إطار المبدأ العظيم الخالد.
]وأمرهم شورى بينهم[
والأمة الواعية الناضجة هي التي تطور أمر شوراها في كل شيء بحيث لا تبقى صغيرة ولا كبيرة من أمورها إلا تقنن فيها الشورى الشاملة الواعية.
ثالثاً- الدساتير وأنواعها:
آ- أهمية الدساتير في حياة الأمم:
( لقد أضحى من المسلمات البديهية بين علماء السياسة في العصر الحديث أنه لا يمكن تصور دولة من غير دستور.. وهو يعني مجموعة من المعايير التي تتقرر بها العلاقات القانونية بين الحكومة والمواطنين.. والدول التي تتفتح حديثاً للحياة المستقبلة لا تعمل في فراغ، بل في عالم زاخر بالدساتير والنظم السياسية المختلفة والدائمة التطور تمشياً مع مقتضيات العصر، وما يصلح لعصر قد لا يصلح للعصر الذي يليه، وما يناسب شيئاً قد لا يناسب شعوباً أخرى).
ب- أنواع الدساتير:
تنقسم الدساتير إلى دساتير عرفية أو غير مدونة، ودساتير مدونة أو مكتوبة، وكذلك تنقسم إلى دساتير مرنة ودساتير جامدة.. وفي الدساتير الجامدة هناك خطر مؤقت لتعديل الدستور أو إلغائه تحدد له مدة يحرم خلالها التعديل. وخطر دائم، والخطر في الأغلب والأعم يرد على أحكام لها وجاهتها وخطورتها في كيان النظام السياسي والدستور.
جـ- أساليب إصدار الدساتير:
1ً- الأسلوب غير الديمقراطي: حيث يصدر الدستور بالإرادة المنفردة للحاكم، وأحياناً قد يشرك معه الأمة، فأسلوب المنحة يصدر الحاكم الدستور في صورة منحة منه لشعبه، وأسلوب العقد. بأن يكون الدستور محصلة التقاء إرادتين؛ إرادة الشعب وإرادة الحاكم بأن يضعه مجلس تأسيسي ينفذ من تاريخ اقترانه بتصديق الملك.
2ً- الأسلوب الديمقراطي: حيث تظهر الإرادة التامة للشعب دون أن يشاركه أحد فيها، ويتم بوسيلتين؛ أسلوب الجمعية النيابية التأسيسية ينتخب الشعب أفرادها. وأسلوب الاستفتاء الدستوري. ولا يعدو أن يكون إحدى تطبيقات الديمقراطية المباشرة، حيث تتولى لجنة منتخبة أو معينة إعداد الدستور، ثم يُعرض هذا المشروع على الشعب ليدلي برأيه في المشروع المعروض عليه. لكن بعض الكتاب الدستوريين يرى أنه كي يحقق هذا الأسلوب نفعه، فينبغي أن يوضع من جمعية تأسيسية منتخبة، بحيث يتوجب إقراره بعد ذلك بالاستفتاء الشعبي.
د- أساليب انتهاء الدستور: بأحد أسلوبين، إما الأسلوب الديمقراطي أو الأسلوب الثوري بالانقلاب العسكري) ([35]).
وحين ينص الدستور على أن الإسلام هو المصدر الوحيد للتشريع وذلك من خلال جمعية تأسيسية منتخبة، واستفتاء شعبي عليه، ويفوز بالأكثرية. فتكون الديمقراطية هنا جزءاً من الشورى بصفتها أسلوب حكم. وتبقى الشورى هي الأشمل والأوسع والأرحب من خلال هذا النص المتفرد المتميز الذي يخص الأمة:]وأمرهم شورى بينهم[ ومن خلال النص المتفرد المتميز الذي يخص الحاكم ] وشاورهم في الأمر[.
وهذا تفسير قولنا الذي ذكرناه:
فالديمقراطية أسلوب حكم مقبولة جملة وتفصيلاً بين المسلمين دون حرج ولا إثم ولا لجلجة.
سؤالان أخيران
- السؤال الأول: هل نقبل بالنظام الديمقراطي؟
- السؤال الثاني: هل نسعى إلى نظام ديمقراطي؟
أما السؤال الثالث فنرجئه إلى فصل مستقل وهو: هل نشارك في حكم ديمقراطي؟
4- هل نقبل بالنظام الديمقراطي؟
وما أعتقد أن أحداً من العلماء المسلمين شكك بحق الاستفادة من النظام الديمقراطي الذي تؤصل فيه الحريات في الرأي والتعبير عنه، وحرية المشاركة الديمقراطية والمساواة وحكم المؤسسات، وتداول السلطة. إنها بديل الدكتاتورية والاستبداد ولا يختلف اثنان من العلماء في تفضيل النظام الديمقراطي الحر على النظام الديكتاتوري المستبد. ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفكر بمغادرة مكة للقبائل الأخرى إلا عندما خطر عليه حرية الدعوة بعد وفاة عمه أبي طالب (( مازالت قريش كاعين عني حتى مات أبو طالب). وهو يعيش في ظل هذا الحكم الجاهلي، طالما أنه يتيح له حرية الدعوة إلى الله بالهامش الديمقراطي البسيط الذي يملكه من خلال نظام الحماية والجوار الذي يسود فيه.
5- هل نسعى ونخطط لحكم ديمقراطي؟
والجواب: نعم، نسعى ونخطط لإقامة حكم ديمقراطي بديل عن حكم دكتاتوري مستبد نحصل فيه على حرية العقيدة والعبادة والدعوة، ودليلنا في ذلك هو سعي رسول الله صلى الله عليه وسلم للقبائل كي تحميه حتى يبلغ رسالة ربه سواءً أسلمت قيادتها أم لا فقد روى البيهقي في الدلائل عن موسى بن عقبة عن الزهري قوله:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك السنين يعرض نفسه على قبائل العرب في كل موسم يكلم كل شريف قوم، لا يسلهم مع ذلك إلا أن يحرزوه ويمنعوه ويقول: (( لا أكره أحداً منكم على شيء، من رضي منكم بالذي أدعوه إليه فذلك، ومن كره لم أكرهه، إنما أريد أن تحرزوني عما يُراد بي من القتل حتى أبلغ رسالات ربي، حتى يقضي الله عز وجل لي ولمن صحبني بما شاء الله)). فلم يقبله أحد منهم)([36]).
فهو تحرك سياسي هادف للعمل على إقامة دول منيعة تحمي الدعاة، وليست دولة إسلامية تطبق شريعة الله في الأرض، وهذا هو مفهوم النظام الديمقراطي الذي يحمي حرية الدعوة لله حتى يأذن الله بدولة الإسلام.
يقول الإمام البنا رحمه الله: إن الباحث حين ينظر إلى مبادئ الحكم الدستوري التي تتلخص في المحافظة على الحرية الشخصية بكل أنواعها، وعلى الشورى واستمداد السلطة من الأمة، وعلى مسؤولية الحكام أمام الشعب، ومحاسبتهم على ما يعملون من أعمال، وبيان حدود كل سلطة من السلطات هذه الأصول كلها يتجلى الباحث أنها تنطبق كل الانطباق على تعاليم الإسلام ونظمه وقواعده في شكل الحكم. ولهذا يعتقد الإخوان المسلمون أن نظام الحكم الدستوري هو أقرب نظم الحكم القائمة في العالم كله على الإسلام وهم لا يعدلون به نظاماً آخر)([37]).
ونخلص بعد هذا البحث إلى النتائج التالية:
1- الديمقراطية عقيدة تجعل التشريع للشعب من دون الله هي كفر بواح بصريح القرآن والسنة.
2- الديمقراطية أسلوب حكم مقبولة جملة وتفصيلاً بين المسلمين دون إثم ولا حرج.
3- الانتخابات بأنواعه وشروطها وسائل مطلوبة في نظام الحكم الذي يقوم على الشورى.
4- مبدأ الفصل بين السلطات مبدأ إسلامي، وهو الذي ضمن للمسلمين خلال تاريخهم استقلالية السلطة التشريعية من علماء الأمة دون تدخل الحكام في ذلك. وهو الذي ضمن الحكم بشريعة الله في سلطان القضاء دون تدخل الحكام في ذلك.
5- السلطة التشريعية في الإسلام هي للعلماء فيما لا نص فيه، ويشاركهم الخبراء في تنزيل النص على الواقع. وتراعى الأكثرية التي يكون الخبراء فيها مع العلماء في إصدار الحكم.
6- اعتماد الأكثرية في إصدار الأحكام السياسية والأمنية والخدمات وغير ذلك. مع تمثيل الأمة بكاملها في مجالس لـ الخدمات والرعاية هو ضمن المبدأ الإسلامي:] وأمرهم شورى بينهم [
7- اختيار السلطة التنفيذية من الشعب أو السلطة التشريعية أو كليهما بالأكثرية هو ضمن مبدأ الشورى الإسلامي. وتنوع السلطات التنفيذية رئاسية أو برلمانية يدخل ضمنه كذلك.
8- السلطة القضائية واختيارها، وحريتها في الحكم، واستقلالها من أساسيات الشورى في الإسلام.
9- اعتبار الرأي العام أو الإعلام أو قرار الجماهير أو غير ذلك، جزء من تحقق مبدأ الشورى في الإسلام.
10- وضع دستور للأمة من هيئة تأسيسية، والاستفتاء عليه لا يحل حلالاً ولا يحرم حراماً من منطلقات الشورى الإسلامية: ] وأمرهم شورى بينهم [.
11- نقبل بالنظام الديمقراطي لأنه نظام الحريات لنا، انطلاقاً من قبول رسول الله صلى الله عليه وسلم الإجارة.
12- نعمل لإقامة نظام ديمقراطي مع غيرنا بديل عن حكم دكتاتوري مستبد انطلاقاً من دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم القبائل لحمايته حتى يبلغ شريعة الله، ولو لم تسلم أو تدين بدين الله.
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
مواضيع مماثلة
» الديمقراطية و الحكم (المبحث الثاني)
» الديمقراطية و الحكم (المبحث الثالث)
» الديمقراطية و الحكم (المبحث الرابع+الحاشية)
» الوطن والمواطنة (المبحث الأول)
» الوطن والمواطنة (المبحث الخامس + الحاشية)
» الديمقراطية و الحكم (المبحث الثالث)
» الديمقراطية و الحكم (المبحث الرابع+الحاشية)
» الوطن والمواطنة (المبحث الأول)
» الوطن والمواطنة (المبحث الخامس + الحاشية)
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى