الوطن والمواطنة (المبحث الأول)
صفحة 1 من اصل 1
الوطن والمواطنة (المبحث الأول)
الوطن والمواطنة
المبحث الأول: المـواطـنــة ودولـة القانــون
المبحث الثاني: الوطنيـة العقيدة والهويـة
المبحث الثالث: أهل الذمـــة
المبحث الرابع: دار الكفر ودار الإسلام رؤية معاصرة
المبحث الخامس: الأقليات والمواثيق الدولية
**********************************************************************************
المبحث الأول
المـواطـنــة ودولـة القانــون
مخطط البحث:
أولاً- المقدمة.
ثانياً - تعريف المواطنة.
ثالثاً- المواطنة في العهد النبوي:
1- ملخص الدستور، المقدمة.
2- الباب الأول:
آ - حقوق المسلمين وواجباتهم.
ب - الفصل الثاني: الواجبات الإسلامية العامة.
جـ- ملاحظات.
3- الباب الثاني: حقوق اليهود وواجباتهم.
4- الباب الثالث:
آ - حقوق المواطنين وواجباتهم في الدولة الإسلامية.
ب - ملاحظات.
جـ- تفسير نصوص الصحيفة.
د - صياغة النصوص بلغة العصر.
رابعاً – المواطنة في عالمنا المعاصر.
خامساً- المواطنة والدولة القطرية.
سادساً- الدولة القطرية بلا إسلام.
سابعاً- ملاحظات حول الدستور السوري وحقوق المواطن:
1- استعراض النصوص.
2- لجان حقوق الإنسان تشهد.
3- بيان الألف يشهد.
ثامناً- الدولة العقائدية الإسلامية والدولة العقائدية المعاصرة.
تاسعاً- شهادة من غير مسلم.
عاشراً- ملخص البحث.
***********************************************************************************
أولا- المقدمة
نحن نعيش اليوم في عالم يقوم على أساس المواطنة، فالمواطنة مفهوم حديث نشأ من نشوء العلمانية في أوربا عندما بدأت تتشكل الدولة بناءً على رؤية علمانية لا دينية تبحث عن مبررات وجودها لا في قيم مفارقة قادمة من مصدر أعلى، وإنما عن طريق مبررات أرضية دنيوية محضة.
وقد استلهمت الوطنيات الأوربية النظرة المقدسة في العلم ونشيد العلم، وفي تكريس النظرة الوطنية للأشياء وللآخرين، وفي تحويل القيم المجتمعية إلى قيم وطنية، والأبطال التاريخيين إلى أبطال وطنيين، أي تحويل سجلهم من الدين مثلاً إلى الوطن، وعلى أساسها قامت الحروب مع القوميات الوطنية في أوربا، وقامت المنافسات بينها على استعمار الأمم الأخرى، ولقد أدركت أوربا الآثار الوخيمة لهذه العصبيات الوطنية بعدما ذاقت الويلات في حروبها التي توجت بحربيها العظيمتين في القرن العشرين، فبدأت بالانسلاخ منها والتقارب فيما بينها في مشاريع الوحدة الأوربية.
كانت الغلبة للقومية الوطنية الإقليمية إلى حين، وظهر ذلك في خطاب فيختة الذي وجهه للأمة الألمانية سنة 1808 حيث اعتبر هزيمة الألمان في أبينا ضد الفرنسيين لأنهم قبلوا فلسفة الأنوار التي دمرت دينهم وقيمهم وأخلاقهم، وحولتهم من شعب (جرماني مقاتل) إلى شعب (لاتيني ذليل)، وعلى خطى مثل هذا الخطاب قامت حرب 1870 التي ثأرت بها ألمانيا، الأمر الذي ألهب الأجواء للحرب العالمية الأولى التي حصدت 9 ملايين قتيل، ثم جاء هتلر ودارت رحى الحرب العالمية الثانية التي حصدت 49 مليون قتيل، ولذلك سعى المعسكر الاشتراكي لإيجاد وطن إيديولوجي بديل يتمثل في الانتماء إلى عقيدة وضعية مفتوحة وطنها العامل كله تحت شعار: يا عمال العالم اتحدوا....
لقد جاء شعار (المواطن الصالح) بديلاً عن (الإنسان الصالح) الذي بشرت به الأديان، فلم يجد هذا المواطن الصالح غضاضة وهو المبشر بحضارة الأنوار العلمانية ؛ حضارة (دعه يمر، دعه يعمل) وشعارات (حرية، إخاء، مساواة) لم يجد غضاضة في أن يبيد (إنسان) أمريكا الآخر الذي سماه (الهندي الأحمر) حتى لم يبق بعد ملايينهم العديدة إلا بضعة مئات من الألوف، لم يجد حرجاً أن ينقل (الإنسان) الأسود من أفريقيا كي يعمل له مجاناً في القارة الجديدة أمريكا حتى مات في عمليات النقل هذه ما يزيد عن العشرين مليوناً منهم، لم يجد غضاضة في الإدماج القسري للشعوب بقوة الحديد والنار حتى أباد عنف ستالين ما يزيد عن واحد وعشرين مليون إنسان آسيوي.. ووجدت الرأسمالية المتوحشة في لحظات تنمرها الطاغي أن هذه الحدود الجديدة المصطنعة باتت عائقاً أمام قدرتها على استثماره وابتزاز الشعوب فطرحت شعارها البراق الجديد (العولمة) ضداً للشعار القديم (الأقلمة)([1]).
ولا يقيم المواطنة على أسها الحضاري إلا نهوض الدولة وقيام السلطة مع حرية وساطة الاختيار بينهما في إطار العقد الاجتماعي الذي يؤلف بين الناس كافة في مجتمعهم، وإن تلاشي الدولة في الحس الوجداني وضعف سلطتها التي يختارها الناس لحماية حال التحضر الإنساني الذي يعيشه المجتمع، يعيد التجمعات الإنسانية إلى حالاتها الاجتماعية البدائية، وتنزوي انتماءاتها إلى الخصوصيات التي تفرق لا العموميات التي تجمع الناس، وإن تحكم السلطة بتحديد معايير المواطنة ودرجاتها في الوجدان العام من جهة الانتماء إليها لا الانتماء إلى الدولة وحماية أسباب قيامها يضيق لا ريب من مساحات الولاء المتحضر إلى الدولة) ([2]).
فالمواطنة انتماء لوطن، والوطن محدود بحدود معينة، وتدخل السلطة فيه يجعل الولاء للدولة لا للوطن نفسه، كما نرى اليوم في السلطة التي تحرم المواطن من وطنه، ومن جنسيته لخلاف فكري بينها وبينه.
ثانيا – تعريف المواطنة: ما هي المواطنة؟
وإذا عدنا إلى تعريف المواطنة في معجم المصطلحات السياسية نراه يعرفها بقوله:
المواطنة: صفة المواطن والتي تحدد حقوقه وواجباته الوطنية، ويعرف الفرد حقوقه ويؤدي واجباته عن طريق التربية الوطنية، وتتميز المواطنة بنوع خاص بولاء المواطن لبلاده وخدمتها في أوقات السلم والحرب، والتعاون مع المواطنين الآخرين في تحقيق الأهداف القومية)([3]).
ثالثا - المواطنة في العهد النبوي
وقبل أن ندخل في المواطنة في وطننا العربي والإسلامي وما آلت إليه يحسن أن نقف عند أول دولة إسلامية في التاريخ ؛ دولة الرسول صلى الله عليه وسلم ونتعرف فيها على المواطنة وعلى القانون الذي حكم هذه الدولة، لنرى أن أول من وضع أس المواطنة في الأرض العربية والإسلامية هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك من خلال ما نص عليه الميثاق الذي وُضع بين المسلمين واليهود بعد الهجرة النبوية.
1- ملخص الدستور:
المقدمة:
لقد جاءت الديباجة فيه أو مقدمة الدستور كما قال ابن إسحاق:
وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً بين المهاجرين والأنصار وادع فيه يهود وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم، وشرط لهم، واشترط عليهم.
الباب الأول: حقوق المسلمين وواجباتهم.
أ- الفصل الأول: الواجبات القبلية:
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، إنهم أمة واحدة من دون الناس.
المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم، وهم يفدون عانيهم([4]) بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون([5]) معاقلهم الأولى كل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى كل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو الحارث على ربعتهم.. وبنو جشم على ربعتهم... وبنو النجار على ربعتهم... وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم.. وبنو الأوس على ربعتهم....
ب- الفصل الثاني: الواجبات الإسلامية العامة:
1- وإن المؤمنين لا يتركون مفرحاً([6]) بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل.
2- وأن لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه.
3- وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة([7]) ظالم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين وإن أيد يهم عليه جميعاً ولو كان ولد أحدهم.
4- ولا يقتل مؤمن مؤمناً في كافر، ولا ينصر كافراً على مؤمن.
5- وإن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم، وإن المؤمنين بعضهم موالي بعضٍ دون الناس.
6- وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم.
7- وإن سلم المؤمنين واحدة لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء أو عدل بينهم.
8- وإن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضا.
9- وإن المؤمنين يبيء([8]) بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله.
10- وإن المؤمنين المتقين على أحسن هدىً وأقومه.
11- وإنه لا يجير مشرك مالاً لقريش ولا نفساً، ولا يحول دونه على مؤمن.
12- وإنه من اعتبط مؤمناً قتلاً عن بينة فإنه قود به إلا أن يرضى ولي المقتول، وإن المؤمنين عليه كافة، ولا يحل لهم إلا قيام عليه.
13- وإنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثاً ولا يؤويه، وأن من نصره وآواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يُؤخذ منه صرف ولا عدل.
14- وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيئ فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد صلى الله عليه وسلم)([9]).
ج- ملاحظات: ونقدم الملاحظات التالية على هذه الواجبات المترتبة على المؤمنين في دولة
مدنية أكثريتها مسلمة:
1- حيث إن الإسلام ليس عبادة في المسجد فقط، وليس عقيدة تستسر في القلب فقط، إنما هو شريعة تحكم، فلا بد من تطبيق شرائعه على المؤمنين به، ولهذا خُص المهاجرون والأنصار من دون الناس.
2- وحيث إن الدولة أكثريتها مسلمة وترتب عليها واجبات مرتبطة بإيمانها بهذا الدين الجديد تتعلق بنظام الحكم والقضاء والقوانين المدنية والشخصية، فلا بد أن ينص على خطوطها العريضة ضمن الدستور.
3- فلا بد من إيضاح الواجبات المترتبة على نظام القبيلة في تحملها مسؤولية فك أسيرها ودية القاتل فيها وليست هي مسؤولية الدولة، فلهذا ذكرت نصاً على كل قبيلة تحمل هذه المسؤولية.
4- وحيث إن مهمة الدولة الانتقال من نظام القبيلة إلى نظام المجتمع الواحد، فقد حدد الدستور ما تم نزعه من القبيلة وأهم هذه الأمور الثأر فيه من حق الدولة وكل المسلمين على القاتل الباغي الظالم.
5- وحيث إن مهمة الدولة تذويب الرابطة القبلية في رابطة الدولة والمجتمع، فقد كانت المسؤولية عامة في عون المثقل من الدين، وفي تساوي المؤمنين في المواطنة، مواليهم وأنفسهم، وإن ذمتهم واحدة يجير عليهم أدناهم، وتبقى رابطة العقيدة أعلى الروابط عندهم.
6- وحيث إن المهاجرين والأنصار مسلمون فهم على خير هدي وأقومه، وهم يحتكمون إلى كتاب الله وسنة رسوله في كل شيء فيما يختلفون فيه.
7- وحيث إن الجهاد في سبيل الله لنشر العقيدة خاص بالمؤمنين المسلمين فقد ذكر الحديث عن الغازية التي تعقُب بعضها بعضا، وعن الاشتراك فيما يصيب المؤمنين في سبيل الله.
8- وحتى لا يُفهم مفهوم الأكثرية بتجاوز الأقلية، فقد تم النص صراحة للمؤمنين وعليهم (إنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة، غير مظلومين ولا متناصرين عليهم.
9- وكما كان على الأكثرية أن تعرف واجبها نحو الأقلية، فمن حقها أن تعرف الأقلية حقها عليها فيما لو آوت محدثاً، أو أجارت أو قتلت نفساً.
3- الباب الثاني: حقوق اليهود وواجباتهم:
1- وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
2- وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته.
3- وإن ليهود بني النجار ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف وإن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته.
4- وإن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم، وإن بطانة يهود كأنفسهم.
5- وإنه لا يخرج أحد منهم إلا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم.
6- وإنه لا ينحجز على ثأر جرح، وإنه من فتك فبنفسه فتك وأهل بيته إلا من ظُلم.
7- وإن الله على أبر هذا.
4- الباب الثالث: حقوق المواطنين وواجباتهم في الدولة الإسلامية:
1- وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم.
2- وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة.
3- وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه.
4- وإن النصر للمظلوم.
5- وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
6- وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة.
7- إن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم.
8- وإنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها.
9- وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
10- وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره.
11- وإنه لا تجار قريش ولا من نصرها.
12- وإن بينهم النصر على من دهم يثرب.
13- وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه، فإنهم يصالحون ويلبسونه.
14- وإنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإن لهم على المؤمنين إلا من حارب في الدين.
15- على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم.
16- وإن يهود الأوس مواليهم وأنفسهم على مثل ما أهل هذه الصحيفة مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة.
17- وإن البر دون الإثم، لا يكسب كاسب إلا على نفسه.
18- وإن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره.
19- وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وآثم.
20- وإنه من خرج آمن، ومن قعد آمن بالمدينة وإلا من ظلم أو أثم.
21- وإن الله جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ([10]).
ب- ملاحظات:
ولنا هذه الملاحظات على البابين الأخيرين:
1- فيما يتعلق بالواجبات المترتبة على اليهود لا تعدو ثلاثة واجبات:
آ- الإنفاق مع المؤمنين ما داموا محاربين. ب- لا يخرج أحد منهم إلا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم. جـ- لا ينحجز ثأر على جرح، وليس الثأر من حق الفرد، إنما هو حق الدولة.
2- بينما نرى الواجبات على المؤمنين ضعفي الواجبات على اليهود، بطبيعة انتمائهم الإسلامي وقبولهم شريعة الإسلام.
3- هناك فرق بيّن في الدستور بين الغزو في سبيل الله والذي لا يجبر عليه اليهود أن يحاربوا الناس لنشر الإسلام، وبين حق الدفاع عن الوطن الذي يشتركون فيه مع المسلمين سواءً بسواء، وقد أكد هذا في أكثر من موطن.
4- تظهر عملية المواطنة جلية من خلال ثلاث نقاط رئيسية:
النقطة الأولى: تحديد الوطن، وكان هذا صريحاً في النص.
( وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة).
النقطة الثانية: تحديد المواطنين، من اليهود والمسلمين في أغنى تفصيل وأوسع بيان في التفرقة بين الواجبات لاختلاف العقيدة، وفي التسوية بين الحقوق والواجبات للاشتراك في المواطنة دون ذكر الدين أو الجنس فيها، إنما النص على المواطن بشكل عام.
النقطة الثالثة: الصحيفة وهي الدستور الذي يحتكم إليه المواطنون جميعاً، وقد تم ذكره في أكثر من موقع وعلى سبيل المثال:
آ- وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة.
ب- وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة.
جـ- وإن ليهود الأوس. على مثل ما لأهل هذه الصحيفة.
فليس هناك نصوص سرية، ولا آيات من القرآن يُحتكم إليها من لا يؤمنون بالقرآن، فدستور الدولة يسع المواطنين جميعاً بلا استثناء.
ونعود بعد هذه الملاحظات إلى تفسير نصوص هذه الصحيفة.
د- تفسير نصوص من الصحيفة:
تم إقرار سبعة فروع يهودية في الأحزاب الإسلامية مع بقائهم على دينهم لكنهم تابعين لقيادة هذه الأحزاب والذي يرفض هذه التبعية من أفراد اليهود أو من أفراد المسلمين ويريد أن يبقى مستقلاً غير منتظم في حزب فله ذلك، لكن إن بغى وظلم فلا يهلك إلا نفسه ومن تبعه من أهل بيته.
أما الحزبان اللذان لا فروع يهودية فيهما، فهما حزب المهاجرين أو حزب قريش، وحزب جشم من الخزرج، ولعله لا يوجد يهود تابعون له، أما حزب المهاجرين فبالتأكيد لا وجود للفرع اليهودي فيه، وهذا الإقرار النبوي لهذا الواقع يبيح دخول غير المسلمين إلى الأحزاب الإسلامية والذين يرضون بقيادة تلك الأحزاب واثقين فيها من دون تغيير دينهم أو عقيدتهم.
فانضمام مواطنين من اليهود والنصارى في المجتمع الإسلامي إلى الحزب الإسلامي الذي ينص في مبادئه على العمل لإقامة دولة الإسلام، والالتزام الكامل بالمنهج الإسلامي، عقيدة وعبادة وشريعة لا يلزمهم إلا الأخذ بالشريعة فقط والعمل لتحكيم هذه الشريعة في الأرض وينالون حقوقهم السياسية كاملة مع الحزب الإسلامي الذي ينتمون إليه، وطبعاً لم يأخذوا هذا الحق إلا من خلال المواطنة، فهم أبناء يثرب نشؤوا فيها وترعرعوا فيها، واعتنقوا اليهودية بعلم قومهم، ولم يمنعهم من ذلك أحد، وذلك قبل قيام دولة الإسلام، فجاء الإسلام وأعطاهم حق المواطنة والانتماء القبلي السياسي بعد خضوعهم للنظام العام ولدستور دولة الإسلام.
1- إن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم:
فلهم ميزانيتهم الخاصة المتعلقة بأحزابهم ولا شأن للدولة بها، وهو الموقف نفسه من الأحزاب الإسلامية لأنها نفقة تعود على أبناء الحزب والمنتسبين إليه.
2- وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة:
إن أهل هذه الصحيفة هم المسلمون واليهود، وإن عليهم أن يشاركوا في الدفاع عن وطنهم حين يقع خطر على المدينة، والقيادة السياسية العليا للدولة هي التي تحدد الزمان والمكان والطريقة.
3- وإن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم:
فالنصح والنصيحة قائم بين هذه الأحزاب والأحزاب الإسلامية، التذكير بالخير، والحوار الفكري، والنصيحة.
والبر دون الإثم، يعني أن تكون العلاقات الودية هي التي تسود بين الفريقين، وأن لا يكون الخلاف العقائدي سبباً لإفساد ذات بينهم، وكما نص القرآن في مكان آخر: ] ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم، وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم، وإلهنا وإلهكم واحد [.
فالعلاقات قائمة، والحوارات متبادلة ضمن جو البر والنصيحة، بعيداً عن أسلوب التجريح والكيد والحرب السياسية.
4- وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه:
والأحزاب غير الإسلامية لها حقها في التحالفات فيما بينها تحت إطار المصلحة العليا للوطن، وتصرفات الحليف لا يحمل وزرها الحليف الآخر، ما لم يثبت الاشتراك والتواطؤ بين الفريقين.
5- وإن النصر للمظلوم:
ولا يجوز أن تقوم في ظل هذه التكتلات والأحزاب حماية لظالم أو ظلم لضعيف، فيجب أن تصب كلها في إطار العدل المطلق، ولا ظلم في الدولة الإسلامية لأحد أو من أحد، ولا حماية من عصبية قبلية أو دينية أو حزبية لمعتد آثم ظالم.
6- وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين:
ولا بد من مشاركة الأحزاب والأقليات غير الإسلامية في ميزانية الدولة العامة بصفتهم مواطنين في تكاليف الدفاع عن هذا الوطن وفي الاستفادة من خدماته، فالميزانية الخاصة لا تتدخل الدولة فيها بطبيعة الاستقلال الذاتي التي يملكونها، لكن القضايا العامة التي تنعكس آثارها على جميع المواطنين فعليهم أن يؤدوا القسط الذي يتحملونه من نفقاتها، وخاصة نفقات الحرب وتكاليف الدفاع عن حياض الوطن.
إن النظام السياسي الإسلامي الذي أقره رسول الله صلى الله عليه وسلم للمواطنة نظام رائد غير مسبوق ولا ملحوق، فنحن لسنا أمام نظام ديمقراطي تحكم فيه الأكثرية الأقلية، ولسنا أمام نظام شمولي تكون القيادة السياسية فيه لفئة ذات عقيدة معينة، وعلى الناس جميعاً أن يكونوا رعايا للطاعة، وبقرة حلوباً للبذل، وقذيفة في فم المدفع للقتل، ولسنا أمام نظام استبدادي ديكتاتوري يتحكم فيه فرد بأهوائه ونزواته بمصير أمته.
إن العدل قضية لا تُمس في الدولة الإسلامية، ولا يمكن أن يقع ظلم فيها تحت أي ستار، والدفاع عن الوطن فرض يشارك الجميع فيه بالمال ما دامت الحرب قائمة، وبالنفس حين تقتضي الضرورة، وإن علاقات الود والبر والحوار والنصيحة مبدأ لا يُمس في ظل الدولة الإسلامية الوطنية وما دون هذه المبادئ الثلاثة، فلكل حزب أو تكتل أو أقلية حقها في حكم نفسها بنفسها.
وحول حقوق المواطنين وواجباتهم في ظل دولة الإسلام:
د- صياغة النصوص بلغة العصر: نحاول أن نصيغ هذه المفاهيم بلغة العصر:
1- حرمة الدم وحرمة المال وحرمة العرض، كما حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد عشر سنين: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا).
وقد لُخصت هذه الحرمات في هذه الوثيقة: (إن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة)، وكل مواطن آمن على دمه آمن على ماله، آمن على عرضه بغض النظر عن عقيدته أو قبيلته أو حزبه.
2- حرمة الجوار أخص من الحرمة العامة فهو كالنفس لا مضارة في معاملته ولا إثم في جيرته أياً كانت عقيدة هذا الجار أو حزبه أو قبيلته، فهذه أمور تخص المواطنين جميعاً دون استثناء وحق الجار في حسن التعامل معه ظاهراً في عدم مضارته وباطناً في عدم الكيد له والحق عليه جزء أساسي من الدستور الإسلامي.
3- الاعتداء ممنوع منعاً باتاً في دولة المدينة، فلا تُمس حرمة من مال أو حرمة من دم أو حرمة من عرض إلا بإذن أهلها وأصحابها، هبة في المال أو زواجاً في العرض، أو أدباً في التربية، ولا يستطيع أي ذي سلطان لو كان رئيس الدولة أن يمس حرمة من هذه المحرمات إلا بإذن أهلها.
4- القضاء العادل النزيه المنطلق من الإسلام هو الذي يفصل في الخصومات والاشتجار بين هذه الأحزاب والتكتلات، (وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل، وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالدولة الإسلامية تتدخل في فض الخلافات بعيداً عن أصحاب الخلاف مثل المحكمة الدستورية العليا اليوم التي تفض الخلافات بين الأحزاب السياسية والقيادات العليا على ضوء مبادئ الدستور.
5- القَسَمُ بالله على الوفاء والإخلاص لمبادئ هذا الدستور كما هو الحال عند جميع أعضاء المجالس التشريعية والتنفيذية والقضائية، والبيعة من المواطنين جميعاً على الولاء له (وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبرِّه).
6- حرمة التعامل مع العدو، فالعدو المشترك للوطن الإسلامي هنا هو قريش، وعلى جميع أبناء الأمة الأقلية فيه والأكثرية أن يرفض التعامل مع قريش في أي شيء، أو من هو حليف قريش ضد المسلمين كذلك (( وإنه لا تجار قريش ولا من نصرها)) فلا يجوز حماية العدو أو ممالاته أو نصرته، وهذه هي الخيانة العظمى.
7- الدفاع عن الوطن واجب مقدس على جميع المواطنين، فكل فرد مكلف بالدفاع عنه ضمن التشكيلات العسكرية التي تقررها القيادة العليا، ولا يجوز لأحد أن يتلكأ عن ذلك (( وإن بينهم النصر على من دهم يثرب))، فكل مواطن له شرف الدفاع عن وطنه، وحق له أن يحافظ عليه ومن جهة أخرى فهو واجب لا يجوز التلكؤ عنه وإلا كان موضع الظنة والتهمة.
8- المواطنون والأحزاب تبع في السياسة العليا للدولة لقياداتهم في السلم والحرب، فلا يملك السلم والحرب فرد أو حزب أو حتى شخص الحاكم، إنما هو قرار المؤسسات المختصة التي تعرف من تحارب ومن تسالم، وهذه المؤسسات في ذلك الوقت هي قيادات التجمعات والأحزاب التي تدرس الأمر وتقر بالنتيجة لمصلحة من هذه الحرب أو هذا السلم، والقرار قرار الأكثرية في النهاية (وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه، فإنهم يصالحونه ويلبسونه).
9- ومن حق الأقلية إذا رأت مصلحة في هدنة أو سلم أو حلف أو حرب مع أحد أن تعرض رأيها على الأكثرية، والأصل أن يُدرس الطلب بعناية ويلبى، إلا إذا كان مع عدو محارب، فلا يُؤخذ الأقلية فيه.
(وأنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين إلا من حارب في الدين). ويشترك الجميع في تكاليف هذا الصلح بالتكافل والتكامل (على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم).
10- والمسؤولية شخصية وليست جماعية، فلا تزر وازرة وزر أخرى، وكل فرد مسؤول عن عمله وتصرفاته بغض النظر عن انتماءاته أو عقيدته أو حزبه، فلا ينكب الحزب لخطأ أفراد فيه، ولا يعاقب القوم لانحراف أحد أبناء قبيلتهم و( لا يكسب كاسب إلا على نفسه، والأصل في التصرفات البراءة وحسن الظن، والمتهم بريء حتى يُدان، وإن البر دون الإثم).
11- وتغدو المسؤولية الفردية جماعية حين تحاول الجماعة أن تحمي المنحرف، أو يهدد الحزب بعدم المساس من الظالم، فلا سلطان فوق سلطان القانون، والعدالة لا بد أن تأخذ مجراها، وشرعية الوجود الحزبي والعقدي لا تعني شرعية المحسوبيات والبغي على الآخرين (وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وآثم).
12- حرية التنقل والسفر والاتصالات مصونة (وإنه من خرج آمن، ومن قعد آمن بالمدينة) ولا يُفقد هذا الأمن إلا عند النيل من أمن الآخرين أو حرمانهم أو حقوقهم أو مبادئهم (إلا من ظلم وأثم).
13- الظلم الواقع على المواطن – أي مواطن – هو ظلم واقع على الدولة نفسها وهي المسؤولة عن إزالته ورفعه، فكرامة المواطن من كرامة الدولة أياً كانت جنسية هذا المواطن وعقيدته (وإن الله جار لمن برَّ واتقى، ومحمد صلى الله عليه وسلم).
وهكذا نجد أن النظام الإسلامي لا يأخذ بمبدأ حكم الأكثرية للأقلية، ومن باب أولى يرفض تحكم الأقلية بمصير الأكثرية، ويحدد المصلحة العليا للوطن التي يخضع لها الجميع من جهة ثالثة، ويرفض الظلم من أي جهة صدر، فرد أو قبيلة أو حزب أو أقلية أو أكثرية.
والأمة كلها مع المظلوم حتى يُنتصف له وعلى الظالم حتى يُنتصف منه، وإذا كان المواطن محمياً في الدولة الوطنية من القانون فقط، فهو محمي في الدولة الإسلامية من رب العالمين أولاً، ثم من مادة القانون ثانياً (وإن الله جار لمن برَّ واتقى، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم).
رابعاً- الأمم المتحدة راعية المواطنة: المواطنة في عالمنا المعاصر:
الوطنية وبناء الوطن وتأسيس الهوية الوطنية كانت قوى دولة وأساسية في القرن الماضي وتمثل الشكل الحقيقي المؤسساتي الجديد والوحيد لهذه القوى في المنظمات الدولية التي تميزت عن السابق بكون الدول هي أعضاء المنظمة، وبلغ ذلك ذروته في الأمم المتحدة، وإن كان قد ظهر ذلك أيضاً في منظمات دولية متخصصة للعمال والاقتصاد والثقافة والغذاء والزراعة.
أدى انهيار الامبراطوريات بدءاً بالعثمانيين في أول هذا القرن إلى البريطانية والفرنسية في منتصف القرن وانتهاءً بالاتحاد السوفياتي في آخره إلى تضاعف عدد الدول وإقرار – الدولة – على أنه الشكل القانوني الوحيد للوجود، وإذا كانت هذه قصة القرن العشرين فالكثيرون الآن يرون أن الانعكاس الكامل لهذه المسيرة هي قصة المستقبل.
وحين ننظر في واقعنا العربي الإسلامي نجد أنه ماضٍ في تكريس الدولة القطرية، وانتماء المواطن لها، فالجامعة العربية هي مجموعة الدول العربية المستقلة، لكل دولة كيانها وحدودها وسلطتها ونظامها وعلمها ومواطنيها، وتنطلق من مفهوم التعاون والتنسيق بين الدول، وليس من مفهوم الوحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي التي تجمع تحت رايتها قرابة خمس وخمسين دولة، تمثل دول العالم الإسلامي، لكل دولة حدودها وعلمها ونشيدها وكيانها وسلطتها ونظامها، وتنطلق من مفهوم التعاون والتنسيق لا من مفهوم التوحيد.
وأصبحت المواطنة وهي الانتماء إلى وطن محدد ممثل بدولة معينه واقعاً مفروضاً لا مفر منه عند كل سكان الأرض من خلال فكرة جوازات السفر التي تمثل الهوية الشخصية للإنسان، ولا يمكن له أن يتنقل في الأرض إلا من خلال انتمائه لدولة معينة تحدد جنسيته، والويل كل الويل لمن يغضب عليه نظام الحكم في دولته، ويحرمه من جنسيته إن لم يتمكن من الانتماء إلى دولة أخرى يصبح فيها مواطناً ملتزماً بقوانينها ونظامها.
لقد أجمع العالم على فكرة الانتماء لوطن ودولة، وانتهى الوقت الذي كان يسافر فيه المسلم من مراكش إلى الصين دون أن يسأله أحد عن هويته، ويتنقل في أنحاء العالم الإسلامي كله ليكون تاجراً في بلدٍ ووزيراً في آخر وملاحقاً في بلد ثالث، وانتهى ذلك الشعار العاطفي:
وأينما ذكر اسم الله في بلدٍ
عددت أرجاءه من لب أوطاني
إنه لم ينته مشاعر وهموماً وآمالاً، لكنه انتهى مواطنة عملية وانتماءً دولياً، فأنى سرت وارتحلت عليك أن تخرج جواز سفرك.
وإن كانت الدول الحديثة تسعى إلى الانتقال من الدولة القطرية إلى الدولة القومية، أو إلى الدولة العالمية، وتوسع مساحة المواطنة لكن دول العالم الثالث لا تزال ماضية في تقليص هذه المساحة.
خامساً- المواطنة والدولة القطرية:
وفي الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية نجد ما يلي
المادة (1)- لكل الشعوب الحق في تقرير المصير، وبمقتضى هذا الحق، فإنها تقرر بحرية وضعها السياسي وتتابع بحرية تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية)([11]).
أما في وطننا العربي، (فقد ابتدأت قضية المواطنة قبل قرن وربع في العالم العربي والإسلامي وذلك منذ صدور أول دستور عثماني عام 1876 مقرراً مبدأ المساواة في جميع الحقوق والواجبات بين جميع مواطني الدولة على اختلاف أديانهم)([12]).
(إن غير المسلمين صاروا شركاء أصليين في أوطان المسلمين، ولم تعد علاقاتهم بالمسلمين قائمة على إجارة قبيلة لقبيلة أخرى، أو خضوع من قبيلة إلى قبيلة أخرى، الأمر الذي ينبغي أن تسقط معه على الفور ومهما كانت المبررات أي تصنيف لهم في مربع الأجانب الأخرى)([13]).
ولا بد من إيضاح هذا المفهوم.
فلقد كانت المواطنة في الدولة الإسلامية منذ عهد الفتوح الإسلامية قائمة على تقسيم المواطنين لفريقين مسلمين وذميين والمسلمون لهم حقوق تختلف قليلاً أو كثيراً عن حقوق أهل الكتاب أو أهل الذمة، وفي الوقت الذي يدفع المسلمون فيه الزكاة، يدفع أهل الذمة الجزية، ويكون حق الدفاع عن البلد من واجب المسلمين، والجزية مقابل حمايتهم والحفاظ على حرماتهم وأعراضهم، وعندما تعجز الدولة عن الحماية تعيد الجزية، وتدعو أهل الذمة إلى المشاركة في الدفاع عن الوطن المعرض للخطر من العدو الخارجي.
أما منذ صدور القانون العثماني عام 1876، فقد أنهى هذا التقسيم لمسلمين وذميين، واعتُبر المواطنين متساويين في الحقوق والواجبات وصاروا أهل الذمة والمسلمون شركاء في الدفاع عن الوطن.
ولا بد من الإشارة إلى أن هذا الوضع الجديد الذي ولد في نهاية القرن التاسع عشر، وتجسد في القرن العشرين من خلال الدولة القطرية هو أقرب إلى وضع الدولة الإسلامية الأولى في المدينة والتي تحدثنا عنها آنفاً، ولم يكن اليهود المواطنون أهل ذمة، إنما كانوا شركاء في المواطنة لليهود نفقتهم وللمسلمين نفقتهم، وعليهم النصر على من داهم يثرب وجوف يثرب حرام على أهل هذه الصحيفة.
لقد كانت الدولة الإسلامية الأولى وسطاً بين الدولة القطرية المعاصرة، وبين الدولة الإسلامية خلال التاريخ الإسلامي، والفرق الجوهري بين الدولة الإسلامية الأولى والدولة القطرية المعاصرة هو أن الدولة الأولى كانت تُحكم بالإسلام على المسلمين، بينما بقي لليهود دينهم وشرائعهم، وبقي هناك الدستور العام الذي يحدد الواجبات والحقوق المتساوية للفريقين، أما الدول القطرية اليوم فقد تخلت عن الإسلام، وراحت تقلد الدول الغربية العلمانية التي فصلت الدين عن الدولة، دون الانتباه إلى الفرق بين الإسلام الذي أنزل شريعة وعبادة وشعائر، وبين النصرانية التي لم يكن فيها إلا الشعيرة والعقيدة.
المبحث الأول: المـواطـنــة ودولـة القانــون
المبحث الثاني: الوطنيـة العقيدة والهويـة
المبحث الثالث: أهل الذمـــة
المبحث الرابع: دار الكفر ودار الإسلام رؤية معاصرة
المبحث الخامس: الأقليات والمواثيق الدولية
**********************************************************************************
المبحث الأول
المـواطـنــة ودولـة القانــون
مخطط البحث:
أولاً- المقدمة.
ثانياً - تعريف المواطنة.
ثالثاً- المواطنة في العهد النبوي:
1- ملخص الدستور، المقدمة.
2- الباب الأول:
آ - حقوق المسلمين وواجباتهم.
ب - الفصل الثاني: الواجبات الإسلامية العامة.
جـ- ملاحظات.
3- الباب الثاني: حقوق اليهود وواجباتهم.
4- الباب الثالث:
آ - حقوق المواطنين وواجباتهم في الدولة الإسلامية.
ب - ملاحظات.
جـ- تفسير نصوص الصحيفة.
د - صياغة النصوص بلغة العصر.
رابعاً – المواطنة في عالمنا المعاصر.
خامساً- المواطنة والدولة القطرية.
سادساً- الدولة القطرية بلا إسلام.
سابعاً- ملاحظات حول الدستور السوري وحقوق المواطن:
1- استعراض النصوص.
2- لجان حقوق الإنسان تشهد.
3- بيان الألف يشهد.
ثامناً- الدولة العقائدية الإسلامية والدولة العقائدية المعاصرة.
تاسعاً- شهادة من غير مسلم.
عاشراً- ملخص البحث.
***********************************************************************************
أولا- المقدمة
نحن نعيش اليوم في عالم يقوم على أساس المواطنة، فالمواطنة مفهوم حديث نشأ من نشوء العلمانية في أوربا عندما بدأت تتشكل الدولة بناءً على رؤية علمانية لا دينية تبحث عن مبررات وجودها لا في قيم مفارقة قادمة من مصدر أعلى، وإنما عن طريق مبررات أرضية دنيوية محضة.
وقد استلهمت الوطنيات الأوربية النظرة المقدسة في العلم ونشيد العلم، وفي تكريس النظرة الوطنية للأشياء وللآخرين، وفي تحويل القيم المجتمعية إلى قيم وطنية، والأبطال التاريخيين إلى أبطال وطنيين، أي تحويل سجلهم من الدين مثلاً إلى الوطن، وعلى أساسها قامت الحروب مع القوميات الوطنية في أوربا، وقامت المنافسات بينها على استعمار الأمم الأخرى، ولقد أدركت أوربا الآثار الوخيمة لهذه العصبيات الوطنية بعدما ذاقت الويلات في حروبها التي توجت بحربيها العظيمتين في القرن العشرين، فبدأت بالانسلاخ منها والتقارب فيما بينها في مشاريع الوحدة الأوربية.
كانت الغلبة للقومية الوطنية الإقليمية إلى حين، وظهر ذلك في خطاب فيختة الذي وجهه للأمة الألمانية سنة 1808 حيث اعتبر هزيمة الألمان في أبينا ضد الفرنسيين لأنهم قبلوا فلسفة الأنوار التي دمرت دينهم وقيمهم وأخلاقهم، وحولتهم من شعب (جرماني مقاتل) إلى شعب (لاتيني ذليل)، وعلى خطى مثل هذا الخطاب قامت حرب 1870 التي ثأرت بها ألمانيا، الأمر الذي ألهب الأجواء للحرب العالمية الأولى التي حصدت 9 ملايين قتيل، ثم جاء هتلر ودارت رحى الحرب العالمية الثانية التي حصدت 49 مليون قتيل، ولذلك سعى المعسكر الاشتراكي لإيجاد وطن إيديولوجي بديل يتمثل في الانتماء إلى عقيدة وضعية مفتوحة وطنها العامل كله تحت شعار: يا عمال العالم اتحدوا....
لقد جاء شعار (المواطن الصالح) بديلاً عن (الإنسان الصالح) الذي بشرت به الأديان، فلم يجد هذا المواطن الصالح غضاضة وهو المبشر بحضارة الأنوار العلمانية ؛ حضارة (دعه يمر، دعه يعمل) وشعارات (حرية، إخاء، مساواة) لم يجد غضاضة في أن يبيد (إنسان) أمريكا الآخر الذي سماه (الهندي الأحمر) حتى لم يبق بعد ملايينهم العديدة إلا بضعة مئات من الألوف، لم يجد حرجاً أن ينقل (الإنسان) الأسود من أفريقيا كي يعمل له مجاناً في القارة الجديدة أمريكا حتى مات في عمليات النقل هذه ما يزيد عن العشرين مليوناً منهم، لم يجد غضاضة في الإدماج القسري للشعوب بقوة الحديد والنار حتى أباد عنف ستالين ما يزيد عن واحد وعشرين مليون إنسان آسيوي.. ووجدت الرأسمالية المتوحشة في لحظات تنمرها الطاغي أن هذه الحدود الجديدة المصطنعة باتت عائقاً أمام قدرتها على استثماره وابتزاز الشعوب فطرحت شعارها البراق الجديد (العولمة) ضداً للشعار القديم (الأقلمة)([1]).
ولا يقيم المواطنة على أسها الحضاري إلا نهوض الدولة وقيام السلطة مع حرية وساطة الاختيار بينهما في إطار العقد الاجتماعي الذي يؤلف بين الناس كافة في مجتمعهم، وإن تلاشي الدولة في الحس الوجداني وضعف سلطتها التي يختارها الناس لحماية حال التحضر الإنساني الذي يعيشه المجتمع، يعيد التجمعات الإنسانية إلى حالاتها الاجتماعية البدائية، وتنزوي انتماءاتها إلى الخصوصيات التي تفرق لا العموميات التي تجمع الناس، وإن تحكم السلطة بتحديد معايير المواطنة ودرجاتها في الوجدان العام من جهة الانتماء إليها لا الانتماء إلى الدولة وحماية أسباب قيامها يضيق لا ريب من مساحات الولاء المتحضر إلى الدولة) ([2]).
فالمواطنة انتماء لوطن، والوطن محدود بحدود معينة، وتدخل السلطة فيه يجعل الولاء للدولة لا للوطن نفسه، كما نرى اليوم في السلطة التي تحرم المواطن من وطنه، ومن جنسيته لخلاف فكري بينها وبينه.
ثانيا – تعريف المواطنة: ما هي المواطنة؟
وإذا عدنا إلى تعريف المواطنة في معجم المصطلحات السياسية نراه يعرفها بقوله:
المواطنة: صفة المواطن والتي تحدد حقوقه وواجباته الوطنية، ويعرف الفرد حقوقه ويؤدي واجباته عن طريق التربية الوطنية، وتتميز المواطنة بنوع خاص بولاء المواطن لبلاده وخدمتها في أوقات السلم والحرب، والتعاون مع المواطنين الآخرين في تحقيق الأهداف القومية)([3]).
ثالثا - المواطنة في العهد النبوي
وقبل أن ندخل في المواطنة في وطننا العربي والإسلامي وما آلت إليه يحسن أن نقف عند أول دولة إسلامية في التاريخ ؛ دولة الرسول صلى الله عليه وسلم ونتعرف فيها على المواطنة وعلى القانون الذي حكم هذه الدولة، لنرى أن أول من وضع أس المواطنة في الأرض العربية والإسلامية هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك من خلال ما نص عليه الميثاق الذي وُضع بين المسلمين واليهود بعد الهجرة النبوية.
1- ملخص الدستور:
المقدمة:
لقد جاءت الديباجة فيه أو مقدمة الدستور كما قال ابن إسحاق:
وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً بين المهاجرين والأنصار وادع فيه يهود وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم، وشرط لهم، واشترط عليهم.
الباب الأول: حقوق المسلمين وواجباتهم.
أ- الفصل الأول: الواجبات القبلية:
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، إنهم أمة واحدة من دون الناس.
المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم، وهم يفدون عانيهم([4]) بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون([5]) معاقلهم الأولى كل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى كل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو الحارث على ربعتهم.. وبنو جشم على ربعتهم... وبنو النجار على ربعتهم... وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم.. وبنو الأوس على ربعتهم....
ب- الفصل الثاني: الواجبات الإسلامية العامة:
1- وإن المؤمنين لا يتركون مفرحاً([6]) بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل.
2- وأن لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه.
3- وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة([7]) ظالم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين وإن أيد يهم عليه جميعاً ولو كان ولد أحدهم.
4- ولا يقتل مؤمن مؤمناً في كافر، ولا ينصر كافراً على مؤمن.
5- وإن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم، وإن المؤمنين بعضهم موالي بعضٍ دون الناس.
6- وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم.
7- وإن سلم المؤمنين واحدة لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء أو عدل بينهم.
8- وإن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضا.
9- وإن المؤمنين يبيء([8]) بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله.
10- وإن المؤمنين المتقين على أحسن هدىً وأقومه.
11- وإنه لا يجير مشرك مالاً لقريش ولا نفساً، ولا يحول دونه على مؤمن.
12- وإنه من اعتبط مؤمناً قتلاً عن بينة فإنه قود به إلا أن يرضى ولي المقتول، وإن المؤمنين عليه كافة، ولا يحل لهم إلا قيام عليه.
13- وإنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثاً ولا يؤويه، وأن من نصره وآواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يُؤخذ منه صرف ولا عدل.
14- وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيئ فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد صلى الله عليه وسلم)([9]).
ج- ملاحظات: ونقدم الملاحظات التالية على هذه الواجبات المترتبة على المؤمنين في دولة
مدنية أكثريتها مسلمة:
1- حيث إن الإسلام ليس عبادة في المسجد فقط، وليس عقيدة تستسر في القلب فقط، إنما هو شريعة تحكم، فلا بد من تطبيق شرائعه على المؤمنين به، ولهذا خُص المهاجرون والأنصار من دون الناس.
2- وحيث إن الدولة أكثريتها مسلمة وترتب عليها واجبات مرتبطة بإيمانها بهذا الدين الجديد تتعلق بنظام الحكم والقضاء والقوانين المدنية والشخصية، فلا بد أن ينص على خطوطها العريضة ضمن الدستور.
3- فلا بد من إيضاح الواجبات المترتبة على نظام القبيلة في تحملها مسؤولية فك أسيرها ودية القاتل فيها وليست هي مسؤولية الدولة، فلهذا ذكرت نصاً على كل قبيلة تحمل هذه المسؤولية.
4- وحيث إن مهمة الدولة الانتقال من نظام القبيلة إلى نظام المجتمع الواحد، فقد حدد الدستور ما تم نزعه من القبيلة وأهم هذه الأمور الثأر فيه من حق الدولة وكل المسلمين على القاتل الباغي الظالم.
5- وحيث إن مهمة الدولة تذويب الرابطة القبلية في رابطة الدولة والمجتمع، فقد كانت المسؤولية عامة في عون المثقل من الدين، وفي تساوي المؤمنين في المواطنة، مواليهم وأنفسهم، وإن ذمتهم واحدة يجير عليهم أدناهم، وتبقى رابطة العقيدة أعلى الروابط عندهم.
6- وحيث إن المهاجرين والأنصار مسلمون فهم على خير هدي وأقومه، وهم يحتكمون إلى كتاب الله وسنة رسوله في كل شيء فيما يختلفون فيه.
7- وحيث إن الجهاد في سبيل الله لنشر العقيدة خاص بالمؤمنين المسلمين فقد ذكر الحديث عن الغازية التي تعقُب بعضها بعضا، وعن الاشتراك فيما يصيب المؤمنين في سبيل الله.
8- وحتى لا يُفهم مفهوم الأكثرية بتجاوز الأقلية، فقد تم النص صراحة للمؤمنين وعليهم (إنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة، غير مظلومين ولا متناصرين عليهم.
9- وكما كان على الأكثرية أن تعرف واجبها نحو الأقلية، فمن حقها أن تعرف الأقلية حقها عليها فيما لو آوت محدثاً، أو أجارت أو قتلت نفساً.
3- الباب الثاني: حقوق اليهود وواجباتهم:
1- وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
2- وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته.
3- وإن ليهود بني النجار ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف وإن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته.
4- وإن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم، وإن بطانة يهود كأنفسهم.
5- وإنه لا يخرج أحد منهم إلا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم.
6- وإنه لا ينحجز على ثأر جرح، وإنه من فتك فبنفسه فتك وأهل بيته إلا من ظُلم.
7- وإن الله على أبر هذا.
4- الباب الثالث: حقوق المواطنين وواجباتهم في الدولة الإسلامية:
1- وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم.
2- وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة.
3- وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه.
4- وإن النصر للمظلوم.
5- وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
6- وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة.
7- إن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم.
8- وإنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها.
9- وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
10- وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره.
11- وإنه لا تجار قريش ولا من نصرها.
12- وإن بينهم النصر على من دهم يثرب.
13- وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه، فإنهم يصالحون ويلبسونه.
14- وإنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإن لهم على المؤمنين إلا من حارب في الدين.
15- على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم.
16- وإن يهود الأوس مواليهم وأنفسهم على مثل ما أهل هذه الصحيفة مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة.
17- وإن البر دون الإثم، لا يكسب كاسب إلا على نفسه.
18- وإن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره.
19- وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وآثم.
20- وإنه من خرج آمن، ومن قعد آمن بالمدينة وإلا من ظلم أو أثم.
21- وإن الله جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ([10]).
ب- ملاحظات:
ولنا هذه الملاحظات على البابين الأخيرين:
1- فيما يتعلق بالواجبات المترتبة على اليهود لا تعدو ثلاثة واجبات:
آ- الإنفاق مع المؤمنين ما داموا محاربين. ب- لا يخرج أحد منهم إلا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم. جـ- لا ينحجز ثأر على جرح، وليس الثأر من حق الفرد، إنما هو حق الدولة.
2- بينما نرى الواجبات على المؤمنين ضعفي الواجبات على اليهود، بطبيعة انتمائهم الإسلامي وقبولهم شريعة الإسلام.
3- هناك فرق بيّن في الدستور بين الغزو في سبيل الله والذي لا يجبر عليه اليهود أن يحاربوا الناس لنشر الإسلام، وبين حق الدفاع عن الوطن الذي يشتركون فيه مع المسلمين سواءً بسواء، وقد أكد هذا في أكثر من موطن.
4- تظهر عملية المواطنة جلية من خلال ثلاث نقاط رئيسية:
النقطة الأولى: تحديد الوطن، وكان هذا صريحاً في النص.
( وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة).
النقطة الثانية: تحديد المواطنين، من اليهود والمسلمين في أغنى تفصيل وأوسع بيان في التفرقة بين الواجبات لاختلاف العقيدة، وفي التسوية بين الحقوق والواجبات للاشتراك في المواطنة دون ذكر الدين أو الجنس فيها، إنما النص على المواطن بشكل عام.
النقطة الثالثة: الصحيفة وهي الدستور الذي يحتكم إليه المواطنون جميعاً، وقد تم ذكره في أكثر من موقع وعلى سبيل المثال:
آ- وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة.
ب- وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة.
جـ- وإن ليهود الأوس. على مثل ما لأهل هذه الصحيفة.
فليس هناك نصوص سرية، ولا آيات من القرآن يُحتكم إليها من لا يؤمنون بالقرآن، فدستور الدولة يسع المواطنين جميعاً بلا استثناء.
ونعود بعد هذه الملاحظات إلى تفسير نصوص هذه الصحيفة.
د- تفسير نصوص من الصحيفة:
تم إقرار سبعة فروع يهودية في الأحزاب الإسلامية مع بقائهم على دينهم لكنهم تابعين لقيادة هذه الأحزاب والذي يرفض هذه التبعية من أفراد اليهود أو من أفراد المسلمين ويريد أن يبقى مستقلاً غير منتظم في حزب فله ذلك، لكن إن بغى وظلم فلا يهلك إلا نفسه ومن تبعه من أهل بيته.
أما الحزبان اللذان لا فروع يهودية فيهما، فهما حزب المهاجرين أو حزب قريش، وحزب جشم من الخزرج، ولعله لا يوجد يهود تابعون له، أما حزب المهاجرين فبالتأكيد لا وجود للفرع اليهودي فيه، وهذا الإقرار النبوي لهذا الواقع يبيح دخول غير المسلمين إلى الأحزاب الإسلامية والذين يرضون بقيادة تلك الأحزاب واثقين فيها من دون تغيير دينهم أو عقيدتهم.
فانضمام مواطنين من اليهود والنصارى في المجتمع الإسلامي إلى الحزب الإسلامي الذي ينص في مبادئه على العمل لإقامة دولة الإسلام، والالتزام الكامل بالمنهج الإسلامي، عقيدة وعبادة وشريعة لا يلزمهم إلا الأخذ بالشريعة فقط والعمل لتحكيم هذه الشريعة في الأرض وينالون حقوقهم السياسية كاملة مع الحزب الإسلامي الذي ينتمون إليه، وطبعاً لم يأخذوا هذا الحق إلا من خلال المواطنة، فهم أبناء يثرب نشؤوا فيها وترعرعوا فيها، واعتنقوا اليهودية بعلم قومهم، ولم يمنعهم من ذلك أحد، وذلك قبل قيام دولة الإسلام، فجاء الإسلام وأعطاهم حق المواطنة والانتماء القبلي السياسي بعد خضوعهم للنظام العام ولدستور دولة الإسلام.
1- إن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم:
فلهم ميزانيتهم الخاصة المتعلقة بأحزابهم ولا شأن للدولة بها، وهو الموقف نفسه من الأحزاب الإسلامية لأنها نفقة تعود على أبناء الحزب والمنتسبين إليه.
2- وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة:
إن أهل هذه الصحيفة هم المسلمون واليهود، وإن عليهم أن يشاركوا في الدفاع عن وطنهم حين يقع خطر على المدينة، والقيادة السياسية العليا للدولة هي التي تحدد الزمان والمكان والطريقة.
3- وإن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم:
فالنصح والنصيحة قائم بين هذه الأحزاب والأحزاب الإسلامية، التذكير بالخير، والحوار الفكري، والنصيحة.
والبر دون الإثم، يعني أن تكون العلاقات الودية هي التي تسود بين الفريقين، وأن لا يكون الخلاف العقائدي سبباً لإفساد ذات بينهم، وكما نص القرآن في مكان آخر: ] ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم، وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم، وإلهنا وإلهكم واحد [.
فالعلاقات قائمة، والحوارات متبادلة ضمن جو البر والنصيحة، بعيداً عن أسلوب التجريح والكيد والحرب السياسية.
4- وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه:
والأحزاب غير الإسلامية لها حقها في التحالفات فيما بينها تحت إطار المصلحة العليا للوطن، وتصرفات الحليف لا يحمل وزرها الحليف الآخر، ما لم يثبت الاشتراك والتواطؤ بين الفريقين.
5- وإن النصر للمظلوم:
ولا يجوز أن تقوم في ظل هذه التكتلات والأحزاب حماية لظالم أو ظلم لضعيف، فيجب أن تصب كلها في إطار العدل المطلق، ولا ظلم في الدولة الإسلامية لأحد أو من أحد، ولا حماية من عصبية قبلية أو دينية أو حزبية لمعتد آثم ظالم.
6- وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين:
ولا بد من مشاركة الأحزاب والأقليات غير الإسلامية في ميزانية الدولة العامة بصفتهم مواطنين في تكاليف الدفاع عن هذا الوطن وفي الاستفادة من خدماته، فالميزانية الخاصة لا تتدخل الدولة فيها بطبيعة الاستقلال الذاتي التي يملكونها، لكن القضايا العامة التي تنعكس آثارها على جميع المواطنين فعليهم أن يؤدوا القسط الذي يتحملونه من نفقاتها، وخاصة نفقات الحرب وتكاليف الدفاع عن حياض الوطن.
إن النظام السياسي الإسلامي الذي أقره رسول الله صلى الله عليه وسلم للمواطنة نظام رائد غير مسبوق ولا ملحوق، فنحن لسنا أمام نظام ديمقراطي تحكم فيه الأكثرية الأقلية، ولسنا أمام نظام شمولي تكون القيادة السياسية فيه لفئة ذات عقيدة معينة، وعلى الناس جميعاً أن يكونوا رعايا للطاعة، وبقرة حلوباً للبذل، وقذيفة في فم المدفع للقتل، ولسنا أمام نظام استبدادي ديكتاتوري يتحكم فيه فرد بأهوائه ونزواته بمصير أمته.
إن العدل قضية لا تُمس في الدولة الإسلامية، ولا يمكن أن يقع ظلم فيها تحت أي ستار، والدفاع عن الوطن فرض يشارك الجميع فيه بالمال ما دامت الحرب قائمة، وبالنفس حين تقتضي الضرورة، وإن علاقات الود والبر والحوار والنصيحة مبدأ لا يُمس في ظل الدولة الإسلامية الوطنية وما دون هذه المبادئ الثلاثة، فلكل حزب أو تكتل أو أقلية حقها في حكم نفسها بنفسها.
وحول حقوق المواطنين وواجباتهم في ظل دولة الإسلام:
د- صياغة النصوص بلغة العصر: نحاول أن نصيغ هذه المفاهيم بلغة العصر:
1- حرمة الدم وحرمة المال وحرمة العرض، كما حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد عشر سنين: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا).
وقد لُخصت هذه الحرمات في هذه الوثيقة: (إن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة)، وكل مواطن آمن على دمه آمن على ماله، آمن على عرضه بغض النظر عن عقيدته أو قبيلته أو حزبه.
2- حرمة الجوار أخص من الحرمة العامة فهو كالنفس لا مضارة في معاملته ولا إثم في جيرته أياً كانت عقيدة هذا الجار أو حزبه أو قبيلته، فهذه أمور تخص المواطنين جميعاً دون استثناء وحق الجار في حسن التعامل معه ظاهراً في عدم مضارته وباطناً في عدم الكيد له والحق عليه جزء أساسي من الدستور الإسلامي.
3- الاعتداء ممنوع منعاً باتاً في دولة المدينة، فلا تُمس حرمة من مال أو حرمة من دم أو حرمة من عرض إلا بإذن أهلها وأصحابها، هبة في المال أو زواجاً في العرض، أو أدباً في التربية، ولا يستطيع أي ذي سلطان لو كان رئيس الدولة أن يمس حرمة من هذه المحرمات إلا بإذن أهلها.
4- القضاء العادل النزيه المنطلق من الإسلام هو الذي يفصل في الخصومات والاشتجار بين هذه الأحزاب والتكتلات، (وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل، وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالدولة الإسلامية تتدخل في فض الخلافات بعيداً عن أصحاب الخلاف مثل المحكمة الدستورية العليا اليوم التي تفض الخلافات بين الأحزاب السياسية والقيادات العليا على ضوء مبادئ الدستور.
5- القَسَمُ بالله على الوفاء والإخلاص لمبادئ هذا الدستور كما هو الحال عند جميع أعضاء المجالس التشريعية والتنفيذية والقضائية، والبيعة من المواطنين جميعاً على الولاء له (وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبرِّه).
6- حرمة التعامل مع العدو، فالعدو المشترك للوطن الإسلامي هنا هو قريش، وعلى جميع أبناء الأمة الأقلية فيه والأكثرية أن يرفض التعامل مع قريش في أي شيء، أو من هو حليف قريش ضد المسلمين كذلك (( وإنه لا تجار قريش ولا من نصرها)) فلا يجوز حماية العدو أو ممالاته أو نصرته، وهذه هي الخيانة العظمى.
7- الدفاع عن الوطن واجب مقدس على جميع المواطنين، فكل فرد مكلف بالدفاع عنه ضمن التشكيلات العسكرية التي تقررها القيادة العليا، ولا يجوز لأحد أن يتلكأ عن ذلك (( وإن بينهم النصر على من دهم يثرب))، فكل مواطن له شرف الدفاع عن وطنه، وحق له أن يحافظ عليه ومن جهة أخرى فهو واجب لا يجوز التلكؤ عنه وإلا كان موضع الظنة والتهمة.
8- المواطنون والأحزاب تبع في السياسة العليا للدولة لقياداتهم في السلم والحرب، فلا يملك السلم والحرب فرد أو حزب أو حتى شخص الحاكم، إنما هو قرار المؤسسات المختصة التي تعرف من تحارب ومن تسالم، وهذه المؤسسات في ذلك الوقت هي قيادات التجمعات والأحزاب التي تدرس الأمر وتقر بالنتيجة لمصلحة من هذه الحرب أو هذا السلم، والقرار قرار الأكثرية في النهاية (وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه، فإنهم يصالحونه ويلبسونه).
9- ومن حق الأقلية إذا رأت مصلحة في هدنة أو سلم أو حلف أو حرب مع أحد أن تعرض رأيها على الأكثرية، والأصل أن يُدرس الطلب بعناية ويلبى، إلا إذا كان مع عدو محارب، فلا يُؤخذ الأقلية فيه.
(وأنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين إلا من حارب في الدين). ويشترك الجميع في تكاليف هذا الصلح بالتكافل والتكامل (على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم).
10- والمسؤولية شخصية وليست جماعية، فلا تزر وازرة وزر أخرى، وكل فرد مسؤول عن عمله وتصرفاته بغض النظر عن انتماءاته أو عقيدته أو حزبه، فلا ينكب الحزب لخطأ أفراد فيه، ولا يعاقب القوم لانحراف أحد أبناء قبيلتهم و( لا يكسب كاسب إلا على نفسه، والأصل في التصرفات البراءة وحسن الظن، والمتهم بريء حتى يُدان، وإن البر دون الإثم).
11- وتغدو المسؤولية الفردية جماعية حين تحاول الجماعة أن تحمي المنحرف، أو يهدد الحزب بعدم المساس من الظالم، فلا سلطان فوق سلطان القانون، والعدالة لا بد أن تأخذ مجراها، وشرعية الوجود الحزبي والعقدي لا تعني شرعية المحسوبيات والبغي على الآخرين (وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وآثم).
12- حرية التنقل والسفر والاتصالات مصونة (وإنه من خرج آمن، ومن قعد آمن بالمدينة) ولا يُفقد هذا الأمن إلا عند النيل من أمن الآخرين أو حرمانهم أو حقوقهم أو مبادئهم (إلا من ظلم وأثم).
13- الظلم الواقع على المواطن – أي مواطن – هو ظلم واقع على الدولة نفسها وهي المسؤولة عن إزالته ورفعه، فكرامة المواطن من كرامة الدولة أياً كانت جنسية هذا المواطن وعقيدته (وإن الله جار لمن برَّ واتقى، ومحمد صلى الله عليه وسلم).
وهكذا نجد أن النظام الإسلامي لا يأخذ بمبدأ حكم الأكثرية للأقلية، ومن باب أولى يرفض تحكم الأقلية بمصير الأكثرية، ويحدد المصلحة العليا للوطن التي يخضع لها الجميع من جهة ثالثة، ويرفض الظلم من أي جهة صدر، فرد أو قبيلة أو حزب أو أقلية أو أكثرية.
والأمة كلها مع المظلوم حتى يُنتصف له وعلى الظالم حتى يُنتصف منه، وإذا كان المواطن محمياً في الدولة الوطنية من القانون فقط، فهو محمي في الدولة الإسلامية من رب العالمين أولاً، ثم من مادة القانون ثانياً (وإن الله جار لمن برَّ واتقى، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم).
رابعاً- الأمم المتحدة راعية المواطنة: المواطنة في عالمنا المعاصر:
الوطنية وبناء الوطن وتأسيس الهوية الوطنية كانت قوى دولة وأساسية في القرن الماضي وتمثل الشكل الحقيقي المؤسساتي الجديد والوحيد لهذه القوى في المنظمات الدولية التي تميزت عن السابق بكون الدول هي أعضاء المنظمة، وبلغ ذلك ذروته في الأمم المتحدة، وإن كان قد ظهر ذلك أيضاً في منظمات دولية متخصصة للعمال والاقتصاد والثقافة والغذاء والزراعة.
أدى انهيار الامبراطوريات بدءاً بالعثمانيين في أول هذا القرن إلى البريطانية والفرنسية في منتصف القرن وانتهاءً بالاتحاد السوفياتي في آخره إلى تضاعف عدد الدول وإقرار – الدولة – على أنه الشكل القانوني الوحيد للوجود، وإذا كانت هذه قصة القرن العشرين فالكثيرون الآن يرون أن الانعكاس الكامل لهذه المسيرة هي قصة المستقبل.
وحين ننظر في واقعنا العربي الإسلامي نجد أنه ماضٍ في تكريس الدولة القطرية، وانتماء المواطن لها، فالجامعة العربية هي مجموعة الدول العربية المستقلة، لكل دولة كيانها وحدودها وسلطتها ونظامها وعلمها ومواطنيها، وتنطلق من مفهوم التعاون والتنسيق بين الدول، وليس من مفهوم الوحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي التي تجمع تحت رايتها قرابة خمس وخمسين دولة، تمثل دول العالم الإسلامي، لكل دولة حدودها وعلمها ونشيدها وكيانها وسلطتها ونظامها، وتنطلق من مفهوم التعاون والتنسيق لا من مفهوم التوحيد.
وأصبحت المواطنة وهي الانتماء إلى وطن محدد ممثل بدولة معينه واقعاً مفروضاً لا مفر منه عند كل سكان الأرض من خلال فكرة جوازات السفر التي تمثل الهوية الشخصية للإنسان، ولا يمكن له أن يتنقل في الأرض إلا من خلال انتمائه لدولة معينة تحدد جنسيته، والويل كل الويل لمن يغضب عليه نظام الحكم في دولته، ويحرمه من جنسيته إن لم يتمكن من الانتماء إلى دولة أخرى يصبح فيها مواطناً ملتزماً بقوانينها ونظامها.
لقد أجمع العالم على فكرة الانتماء لوطن ودولة، وانتهى الوقت الذي كان يسافر فيه المسلم من مراكش إلى الصين دون أن يسأله أحد عن هويته، ويتنقل في أنحاء العالم الإسلامي كله ليكون تاجراً في بلدٍ ووزيراً في آخر وملاحقاً في بلد ثالث، وانتهى ذلك الشعار العاطفي:
وأينما ذكر اسم الله في بلدٍ
عددت أرجاءه من لب أوطاني
إنه لم ينته مشاعر وهموماً وآمالاً، لكنه انتهى مواطنة عملية وانتماءً دولياً، فأنى سرت وارتحلت عليك أن تخرج جواز سفرك.
وإن كانت الدول الحديثة تسعى إلى الانتقال من الدولة القطرية إلى الدولة القومية، أو إلى الدولة العالمية، وتوسع مساحة المواطنة لكن دول العالم الثالث لا تزال ماضية في تقليص هذه المساحة.
خامساً- المواطنة والدولة القطرية:
وفي الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية نجد ما يلي
المادة (1)- لكل الشعوب الحق في تقرير المصير، وبمقتضى هذا الحق، فإنها تقرر بحرية وضعها السياسي وتتابع بحرية تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية)([11]).
أما في وطننا العربي، (فقد ابتدأت قضية المواطنة قبل قرن وربع في العالم العربي والإسلامي وذلك منذ صدور أول دستور عثماني عام 1876 مقرراً مبدأ المساواة في جميع الحقوق والواجبات بين جميع مواطني الدولة على اختلاف أديانهم)([12]).
(إن غير المسلمين صاروا شركاء أصليين في أوطان المسلمين، ولم تعد علاقاتهم بالمسلمين قائمة على إجارة قبيلة لقبيلة أخرى، أو خضوع من قبيلة إلى قبيلة أخرى، الأمر الذي ينبغي أن تسقط معه على الفور ومهما كانت المبررات أي تصنيف لهم في مربع الأجانب الأخرى)([13]).
ولا بد من إيضاح هذا المفهوم.
فلقد كانت المواطنة في الدولة الإسلامية منذ عهد الفتوح الإسلامية قائمة على تقسيم المواطنين لفريقين مسلمين وذميين والمسلمون لهم حقوق تختلف قليلاً أو كثيراً عن حقوق أهل الكتاب أو أهل الذمة، وفي الوقت الذي يدفع المسلمون فيه الزكاة، يدفع أهل الذمة الجزية، ويكون حق الدفاع عن البلد من واجب المسلمين، والجزية مقابل حمايتهم والحفاظ على حرماتهم وأعراضهم، وعندما تعجز الدولة عن الحماية تعيد الجزية، وتدعو أهل الذمة إلى المشاركة في الدفاع عن الوطن المعرض للخطر من العدو الخارجي.
أما منذ صدور القانون العثماني عام 1876، فقد أنهى هذا التقسيم لمسلمين وذميين، واعتُبر المواطنين متساويين في الحقوق والواجبات وصاروا أهل الذمة والمسلمون شركاء في الدفاع عن الوطن.
ولا بد من الإشارة إلى أن هذا الوضع الجديد الذي ولد في نهاية القرن التاسع عشر، وتجسد في القرن العشرين من خلال الدولة القطرية هو أقرب إلى وضع الدولة الإسلامية الأولى في المدينة والتي تحدثنا عنها آنفاً، ولم يكن اليهود المواطنون أهل ذمة، إنما كانوا شركاء في المواطنة لليهود نفقتهم وللمسلمين نفقتهم، وعليهم النصر على من داهم يثرب وجوف يثرب حرام على أهل هذه الصحيفة.
لقد كانت الدولة الإسلامية الأولى وسطاً بين الدولة القطرية المعاصرة، وبين الدولة الإسلامية خلال التاريخ الإسلامي، والفرق الجوهري بين الدولة الإسلامية الأولى والدولة القطرية المعاصرة هو أن الدولة الأولى كانت تُحكم بالإسلام على المسلمين، بينما بقي لليهود دينهم وشرائعهم، وبقي هناك الدستور العام الذي يحدد الواجبات والحقوق المتساوية للفريقين، أما الدول القطرية اليوم فقد تخلت عن الإسلام، وراحت تقلد الدول الغربية العلمانية التي فصلت الدين عن الدولة، دون الانتباه إلى الفرق بين الإسلام الذي أنزل شريعة وعبادة وشعائر، وبين النصرانية التي لم يكن فيها إلا الشعيرة والعقيدة.
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
رد: الوطن والمواطنة (المبحث الأول)
سادساً- الدولة القطرية بلا إسلام:
ومع زوال الخلافة الإسلامية، وقيام الدول القطرية في العالم الإسلامي أصبحت دساتير هذه الدول جميعاً تنطلق من المواطنة، وتجعل الرابطة الوطنية أعلى من أي رابطة.
فأول دستور سوري أُعلن به استقلال سورية عام 1928 ينص على ما يلي:
المادة (5)- الجنسية السورية تحدد ي قانون خاص.
المادة (6)- السوريون لدى القانون سواء، وهم متساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية فيما عليهم من الواجبات والتكاليف، ولا تمييز بينهم بسبب الدين أو المذهب أو الأصل أو اللغة.
المادة (15)- حرية الاعتقاد مطلقة وتحترم الدولة جميع المذاهب والأديان الموجودة في البلاد وتكفل حرية القيام بجميع شعائر الأديان والعقائد على أن لا يخل ذلك بالنظام العام، ولا ينافي الآداب وتضمن الدولة للأهليين على اختلاف طوائفهم احترام مصالحهم الدينية وأحوالهم الشخصية.
المادة (16)- حرية الفكر مكفولة، فلكل شخص حق الإعراب عن فكره بالقول والكتابة والخطابة والتصوير ضمن حدود القانون ([14]).
وهذه المواد نموذج مكرر في كل الدساتير العربية والإسلامية، لقد أُلغي الإسلام من الحكم وتحول إلى الشعائر التعبدية، والعقيدة الوجداني، والأحوال الشخصية في الزواج والطلاق، ولعل المادة (16) هي التي أعطت حرية الدعوة للإسلام تحت عنوان: حرية الفكر مكفولة ولكل شخص الحق في الإعراب عن فكره بالوسيلة المناسبة، ومن أجل هذا صار الهم الإسلامي الأول في النصف الأول من هذا القرن هو العمل على إعادة الإسلام للحكم، وإعادة الشريعة الإسلامية مصدراً للتشريع.
وإن كانت قد عادت في دستور الـ 1949، لكنها عادت بشكل جزئي الفقه الإسلامي مصدر رئيسي من مصادر التشريع، فهو واحد من مصادر رئيسية، ولعل هذه الصورة تمثل قول الله عز وجل: ] أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله [ فالتشريع لله وحده، وقد غدا هناك شركاء آخرون يشاركون في هذا التشريع، وهذا أبعد مدى وصلت إليه أغلب الدساتير العربية الإسلامية، باستثناء اليمن والسودان والسعودية.
وبعودتنا إلى موضوع المواطنة، نلاحظ أن النصف الثاني من القرن العشرين قد وصلت له الحركات القومية الحديثة إلى الحكم وأخذت بالأنظمة الشمولية تزعزع موضوع المواطنة الذي يلغي التمييز بسبب الدين أو المذهب أو الأصل أو اللغة، وأخذ بمذهب الحزب القائد المتميز على أبناء الأمة والوطن، ففي دستور الجمهورية العربية السورية عام 1973الذي كان آخر دستور سوري في ظل الرئيس الأسد ينص على:
المادة (8)- حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة، ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب، ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية([15]).
المادة (9)- المنظمات الشعبية والجمعيات التعاونية تنظيمات تضم قوى الشعب العاملة من أجل تطوير المجتمع وتحقيق مصالح أفرادها([16]).
وإن كانت في مواد الفصل الرابع عادت لتؤكد في:
المادة (25)- 1- الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمتهم.
2- سيادة القانون مبدأ أساسي في المجتمع والدولة.
3- المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات..)([17]).
المادة (35)- 1- حرية الاعتقاد مصونة وتحترم الدولة جميع الأديان.
2- تكفل الدولة حرية القيام بجميع الشعار الدينية على أن لا يخل ذلك بالنظام العام ([18]).
ولكن حرية الفكر قد اُغتيلت في هذا الدستور وهي التي يُستقى منها حرية الدعوة، وعلى الأمة أن تخضع لفكر الحزب القائد حزب البعث، وفكر الجبهة الوطنية التقدمية التي يقودها.
المادة (43)- ينظم القانون الجنسية العربية السورية، ويضمن تسهيلات خاصة للمغتربين العرب السوريين وأبنائهم ولمواطني أقطار الوطن العربي([19]).
والعاملون للإسلام اليوم مواطنون في ظل دولة المواطنة دولة القومية ودولة الاشتراكية، يحلمون بحقوقهم التي يحملها كل مواطن من حرية العقيدة والعبادة والدعوة والدول التي تقوم على أساس الوطنية، قد أعطت بعض هذه الحقوق لهم أحياناً، وأحياناً زجت بهم في السجون والمعتقلات وساقت بعضهم إلى مقصلة الإعدام بحجة خطرهم على النظام العام للدولة.
] وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد [.
وذلك لأنهم يطالبون بأن يكون التشريع لله وحده لا للقائد ولا للحزب القائد ولا للجيش القائد ولا للمنظمات الجماهيرية ولا لمجالس الشعب، والجميع يشرعون ضمن الأسس العامة في التحليل والتحريم التي أنزلها الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم.
سابعاً- ملاحظات حول الدستور السوري وحقوق المواطن:
1- استعراض النصوص:
نقف عند فصلين في الدستور يبرز التناقض الحاد على أشده فيهما، ففي الفصل الأول تنص المادة الثامنة على ما يلي:
المادة 8- حزب البعث العربي الاشتراكي، هو الحزب القائد في المجتمع والدولة، ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب، ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية.
المادة 9- المنظمات الشعبية، والجمعيات التعاونية تنظيمات تضم قوى الشعب العاملة من أجل تطوير المجتمع وتحقيق مصالح أفرادها)([20]).
ولتطبيق هاتين المادتين اتخذت الدولة قرارين هامين:
القرار الأول: أن يكون نصف مجلس الشعب للعمال والفلاحين.
القرار الثاني: أن يكون للحزب وللجبهة التقدمية نسبة 75 % من أعضاء في مجلس الشعب وبذلك أصبح للشعب حرية التصرف في 25% يتنافس الأعضاء عليها، ويبقى القرار في يد الحزب القائد والجبهة التقدمية.
وحين نعود إلى الفصل الرابع – الحريات والحقوق والواجبات العامة، نطالع ما يلي:
المادة (25)- 1- الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم.
2- سيادة القانون مبدأ أساسي في المجتمع والدولة.
3- المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات.
4- تضمن الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين.
المادة (26) 5- لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وينظم القانون ذلك.
المادة (27) - يمارس المواطنون حقوقهم ويتمتعون بحرياتهم وفقاً للقانون)([21]).
( المادة 38)- لكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية وعلنية بالقول والكتابة وكافة وسائل التعبير الأخرى، وأن يسهم في الرقابة والنقد البناء بما يضمن سلامة البناء الوطني والقومي ويدعم النظام الاشتراكي، وتكفل الدولة حرية الصحافة والطباعة والنشر وفقاً للقانون.
المادة (39)- للمواطنين حق الاجتماع والتظاهر سلمياً في إطار مبادئ الدستور، وينظم القانون ممارسة هذا الحق) ([22]).
وحين نقارن بين مواد الفصل الرابع، وبعض مواد الفصل الأول، نجد التناقض على أشده، فكل هذه الحريات يجب أن لا تلغي التمييز للحزب القائد وللجبهة التقدمية، ويبقى الشعب رعاعاً له، يمضي خلفه ويهتف له، وتم تقييد كل حرية بالقانون، والقانون يعطي القيادة للحزب لا للشعب، وللجبهة لا للأمة ولا لمن يفوز بالأكثرية، والجيش والأمن جاهزان لقمع أي إخلال في هذه القيادة، ونعيد إلى الذاكرة المادة التي طلب المفوض السامي إضافتها إلى الدستور السوري، مع إبقاء كل مواده، وكيف رفضها السوريون، وتعطل الدستور لأنها تنقض الدستور كله.
وهذا نص المادة:
المادة (116)- ما من حكم من أحكام هذا الدستور يعارض ولا يجوز أن يعارض التعهدات التي قطعتها فرنسا على نفسها فيما يختص بسوريا لا سيما ما كان منها متعلقاً بعصبة الأمم ينطبق هذا التحفظ بنوع خاص على المواد التي تتعلق بالمحافظة على النظام وعلى الأمن وعلى الدفاع عن البلاد وبالمواد التي لها شأن بالعلاقات الخارجية.
لا تنطبق أحكام هذا الدستور التي من شأنها أن تمس بتعهدات فرنسا الدولية فيما يختص بسورية وفي أثناء مدة هذه التعهدات إلا ضمن الشروط التي تحدد في اتفاق يعقد بين الحكومتين الفرنسية والسورية)([23])، ولم تلغ هذه المادة عملياً إلا بعد الاستقلال.
وهذا ما نلحظه في مواد الحزب القائد والجبهة التقدمية القائدة في شل كل مواد الحرية وتكافؤ الفرص وتقرير الشعب مصيره بالانتخابات النيابية الحرة وغير ذلك حيث تنص:
(المادة 55)- تجري الانتخابات لأول مجلس شعب في ظل هذا الدستور خلال تسعين يوماً من إعلان إقراره باستفتاء شعبي.
المادة (5) 1- يتولى مجلس الشعب السلطة التشريعية على الوجه المبين في الدستور.
2- ينتخب أعضاء مجلس الشعب انتخاباً عاماً وسرياً ومباشراً ومتساوياً وفقاً لأحكام قانون الانتخاب)([24]).
قانون الطوارئ والقضاء على المواطنة وحقوقها.
ومع كل ما لنا من ملاحظات على الدستور، فيبقى مقبولاً لحدٍ ما كأساس لتثبيت الحقوق النظرية للمواطن السوري، فما نص عليه في بقية الحريات والحقوق والواجبات العامة.
(المادة 28) – 1- كل متهم برئ حتى يُدان بحكم قضائي مبرم.
2- لا يجوز تحري أحد أو توقيفه إلا وفقاً للقانون.
3- لا يجوز تعذيب أحد جسدياً أو معنوياً أو معاملته معاملة مهينة ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك.
4- حق التقاضي وسلوك سبل الطعن والدفاع أمام القضاء مصون بالقانون.
المادة 29- لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني.
المادة 30- لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها ولا يكون لها أثر رجعي ويجوز في غير الأمور الجزائية النص على خلاف ذلك.
المادة 31- المساكن مصونة لا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا في الأحوال المبنية في القانون.
المادة 32- سرية المراسلات البريدية والاتصالات السلكية مكفولة وفق الأحكام المبنية في القانون.
المادة 33- 1- لا يجوز إبعاد المواطن عن أرض الوطن)([25]).
لقد جاء قانون الطوارئ ونسف الدستور من جذوره ولم يعد قانون طوارئ إنما صار القانون الأساسي للدولة الذي يحكم سورية قرابة أربعين عاماً، وكانت الثغرة القانونية لا قراره في الدستور نفسه.
المادة 53- 1- تبقى التشريعات النافذة والصادرة قبل إعلان هذا الدستور سارية المفعول إلى أن تعدل بما يوافق أحكامه)([26]).
ومضى ثلث قرن، ولم تعدل بما يوافق أحكامه.
2- لجان حقوق الإنسان تشهد:
وأهمية هذا التقرير أنه يصدر في دمشق لأول مرة منذ ثلاثين عاماً:
( انتقد أخطر تقرير تصدره لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان في سوريا انتهاكات حقوق الإنسان وحالة الطوارئ والاعتقال في سورية، وبحسب التقرير فإن القضاء العادل معطل بقدر ما لصالح القضاء والمحاكم الاستثنائية خاصة وأن محكمة أمن الدولة مازالت تعمل بنشاط إلى جانب المحاكم الميدانية مما يدل على عدم صحة ما صرح به وزير الإعلام السوري من أن حالة الطوارئ جُمدت في أبريل في العام الماضي، وبيَّن التقرير أن اعتقالات جرت في مدينة دمشق وحلب وحمص العام الماضي بشكل رئيس طالت المئات من الإسلاميين، وتحديداً من نشطاء حزب التحرير الإسلامي، وتقدر بحوالي ألف شخص وتم الإفراج عن بعضهم، بينما بقى على الآخرين رهن الاعتقال، وأشار التقرير إلى الأحداث التي جرت في مدينة السويداء جنوبي البلاد في اكتوبر ونوفمبر الماضيين بين المزارعين والبدو القاطنين بينهم، وقالت إن قوات حفظ الأمن – الشرطة – فتحت النار على مشيعي أحد ضحايا الحوادث ما أسفر عن مقتل سبعة مواطنين منهم ممرضة وسائق سيارة إسعاف، وسقط عدد من الجرحى في هذا الحادث.
وقال التقرير إنه يقع حالياً في السجون السورية على اختلاف أشكالها نحو 800 سجين سياسي ورأي ينتمي معظمهم إلى التيارات الإسلامية، ولا يزال في المعتقلات أكثر من 130 ناشطاً من حزب التحرير الإسلامي، و300 من الإخوان المسلمين وحوالي 50 من الإسلاميين الناشطين الآخرين، ولا يزال يوجد أكثر من 150 معتقل ينتمون إلى حزب البعث الموالي للعراق، وهناك بعض من رعايا الدول العربية أردنيين وعراقيين وغيرهم تم اعتقالهم بشكل إفرادي في الأشهر الماضية، ويوجد أيضاً حوالي 10 شيوعيين تسعة منهم متهمون بانتمائهم إلى حزب العمل الشيوعي وثلاثة إلى المنظمة الشيوعية العربية، وآخر إلى حزب البعث الديمقراطي، ولا يزال نزار نيوف([27]) قيد المعتقل إضافة إلى أكثر من مائة معتقل ينتمون لتيارات سياسية مختلفة أو مستقلين.
وتحدث التقرير عن السجون التي يتوزع عليها المعتقلون، وقال إنها تبلغ في دمشق والمدن السورية الأخرى نحو 20 سجناً أمنياً واثنان عسكريان أبرزها سجن تدمر السيء الصيت ويوجد فيها نحو (؟) معتقلاً وسجن صيدنايا العسكري حيث يوجد نحو 180 معتقل.
ولم يغفل التقرير الحديث عن الانفراجات التي شهدتها سوريا إن على الصعيد الاقتصادي أو السياسي، وقال: مما لا شك فيه أن أجهزة الأمن خففت من قبضتها، وشهدت البلاد حالة من الاسترخاء الأمني، وتراجعت حركة الاعتقالات المكثفة التي كانت سائدة مسبقاً، وتوج الأمر بإصدار عفو رئاسي أواخر العام الماضي تم بموجبه الإفراج عن حوالي 600 معتقل سياسي ورأي، وأُلحق بهم الإفراج عن العديد من المعتقلين اللبنانيين بلغوا أكثر من 180 معتقل وعدداً من الفلسطينيين، وخلُص التقرير إلى مجموعة من التوصيات كان أبرزها:
- الوقف النهائي للاعتقال التعسفي، والإفراج عن المعتقلين السياسيين كافة، ومعتقلي الرأي.
- إلغاء حالة الطوارئ والقوانين والمحاكم الاستثنائية الناتجة عنها.
- وإعادة الاعتبار للمجردين مدنياً.
- وتوفير شروط إنسانية في السجون ومنع التعذيب.
- ومطالبة الحكومة في التوقيع على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان) ([28]).
كما أشارت صحيفة الدومري السورية في عددها الأول ظاهرة كتابة التقارير تحت عنوان: " مخبر لكل مواطن " ([29]).
ولا بد أن نشير إلى أن هذا التقرير يتحدث عن عام واحد من تاريخ سورية، بعد انتقال السلطة للرئيس بشار الأسد، فما هي حال سوريا خلال ثلث قرنٍ مضى؟
3- بيان الألف يشهد:
ولا نريد أن ندخل إلى جزئيات بيان الألف، لكن يكفي أن نشير إلى مجموعة نقاط مهمة بين يديه:
1- المثقفون الألف ليس فيهم إسلامي واحد، وجميعهم يساريون أو فنانون أو فنانات أو نصارى ونصيريون، فليسوا متهمين بالتحيز للإخوان المسلمين.
2- المطالب التي تقدم بها الألف عام 2000 هي المطالب التي تقدم بها الإخوان المسلمون عام 1985 وعام 1987 للسلطة السورية، وهذا يعني أن الشعب السوري بأقصى اليمين وأقصى اليسار يؤكد فقدان الأمة لهذه المطالب، والتي تمثل الحد الأدنى من حقوق المواطن السوري.
3- وها هي السلطة تعود لتمنع الألف من متابعة نشاطهم، وتمنع المنتديات في سوريا، وهذا يعني الاستمرار في النهج القديم من الحكم، واستعمال سلطة القمع عوضاً عن الحرية المفقودة.
4- ونشير أخيراً إلى أن بيان الألف قد صدر في دمشق، وقوَّم العهد منذ 1963 بقوله:
(... إلى أن حدث ذلك القطع المؤسس على (المشروعية الثورية) الانقلابية في مواجهة المشروعية الدستورية، ولم يكن ممكناً تهميش المجتمع المدني وتغريبه لولا.. صبغ الدولة بصبغ الحزب الواحد واللون الواحد والرأي الواحد، وجعل الدولة جزءاً من المجتمع لا يعترف بجزئيته، بل يقدم نفسه ممثلاً للشعب وقائداً للدولة والمجتمع، ويخفض المواطنة إلى مستوى الحزبية الضيقة والولاء الشخصي)([30]).
وقدمت الوثيقة ثمانية مطالب من النظام القائم لتحقيق هذه المقدمات تعتبرها هي المطالب الأساسية لكل التيارات والقوى الفاعلة في المجتمع وهي:
1- وقف العمل بقانون الطوارئ، وإلغاء الأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية، وجميع القوانين ذات العلاقة بها، وتدارك ما نجم عنها من ظلم وحيف، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وتسوية أوضاع المحرومين من الحقوق...والسماح بعودة المبعدين عن الوطن.
2- إطلاق الحريات السياسية، ولا سيما حرية الرأي والتعبير، وقوننة الحياة المدنية والسياسية، بإصدار قانون ديمقراطي لتنظيم عمل الأحزاب والجمعيات والنوادي والمنظمات غير الحكومية.
3- إعادة العمل بقانون المطبوعات الذي يكفل حرية الصحافة والنشر والذي تم تعطيله بموجب الأحكام العرفية.
4- إصدار قانون انتخاب ديمقراطي لتنظيم الانتخابات في جميع المستويات بما يضمن تمثيل جميع فئات الشعب كافة تمثيلاً فعلياً، وجعل العملية الانتخابية برمتها تحت إشراف قضاء مستقل.
5- استقلال القضاء ونزاهته وبسط سيادة القانون على الحاكم والمحكوم.
6- إحقاق حقوق المواطن الاقتصادية المنصوص على معظمها في الدستور الدائم.
7- إن الإصرار على أن أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية تمثل القوى الحية في المجتمع السوري سيؤدي إلى إدامة الركود الاجتماعي والاقتصادي والشلل السياسي فلا بد من إعادة النظر في علاقتها بالسلطة وفي مبدأ الحزب القائد للدولة والمجتمع، وأي مبدأ يقصي الشعب عن الحياة السياسية.
8- إلغاء أي تمييز ضد المرأة أمام القانون)([31]).
ثامناً- الدولة العقائدية الإسلامية والدولة العقائدية المعاصرة:
والفرق بين الدولة الإسلامية والدول الحديثة العقائدية أنها تضع القيادة للحزب القائد فهو الذي يقرر مصير الأمة ويتحكم بمقدراتها ولا سلطان فوقه لأحد.
أما الإسلام فيرفض هذا التمييز من جذوره، ويجعل السيادة للشريعة لا للأشخاص ولا للحزب، والأمة هي الحارسة الأمينة على ذلك، وأي حاكم يخل بهذه السيادة فتنـزعه وترفضه وتحاكمه ولا يعطيه كونه من الحزب الحاكم حصانة فوق القانون.
( ويكفي للتدليل على ذلك أن نقول إن في الشريعة مبدأين لابد من الالتزام بهما:
أولهما: إن سيادة الشريعة تقيد سيادة الشعب وسلطان الأغلبية وقرارات الشورى.
ثانيهما: إن القرار في الشورى يكون ثمرة حوار وتشاور يهدف إلى الإجماع أو الاتفاق على حلٍ يحوز الإجماع أو يرضي الأغلبية بسبب اقتناعهم بأدلته وحجته وفائدته.
أما التصويت الديمقراطي فهو نتيجة صراع بين حزبين أو اتجاهين وطبقتين يتغلب فيه رأي جمهور العامة باعتبارهم الطبقة الأكثر عدداً، أو طبقة العمال صاحبة الأغلبية في المجتمع، فالشورى جدل وحوار فكري وجهد عقلي ومنطقي يؤدي إلى القرار، ويمكن أن يستمر بعده على ضوء تطبيقه دون أن يعطل تنفيذه بخلاف الصراع الطبقي أو الحزبي.. وهكذا، فإن فلسفة الديمقراطية أساسها الصراع على السلطة، أما الشورى فهي في الأصل طريق للالتقاء والاتفاق بين الآراء بل والإجماع كلما أمكن ذلك.
وينتج عن هذين المبدأين ما يلي:
1- إن ولاية الحكم في الشورى لها أساس تعاقدي، فالبيعة عقد يخضع لجميع الشروط التي قررها الفقه لصحة العقود، وأولها حرية اختيار المتعاقدين عند التعاقد، وكل تقييد لهذه الحرية يفسد العقد ويفسد الولاية.
2- إن الالتزام بالشريعة يقيد ممارسة السيادة الشعبية، وحكم الأغلبية كما تلتزم بت قرارات الشورى الإسلامية، وهذه ميزة من مزايا الشريعة لا وجود لها في النظم الديمقراطية.
3- إن الشريعة متصلة بعقيدة التوحيد التي تجعل السيادة لله وحده وبذلك يصبح ترجيح رأي الأغلبية قاعدة جزئية مكملة للتشاور والشورى وملتزمة بالشريعة الإسلامية وتفصلها عن أصولها الوثنية اليونانية التي تسمح للحكام بالتشبه بالآلهة وبممارسة السيادة نيابة عن الشعب أو أغلبيته)([32]).
تاسعاً- شهادة من غير مسلم:
ونسوق أخيراً هذه الشهادة التي نقلها الأستاذ فهمي هويدي في كتابه (مواطنون لا ذميون) إذ يقول:
غير أن ما ينبغي أن يستوقفنا في هذا السياق حقاً هو تلك الشهادة التي سجلها أدمون رباط في بحثه الهام (المسيحيون في الشرق قبل الإسلام)([33]) وفيها يقول: إنه للمرة الأولى في التاريخ انطلقت دولة، هي دينية في مبدئها، ودينية في سبب وجودها، ودينية في هدفها، ألا وهو نشر الإسلام عن طريق الجهاد بأشكاله المختلفة، من عسكرية وتبشيرية، إلى الإقرار في الوقت ذاته بأنه من حق الشعوب الخاضعة لسلطانها أن تحافظ على معتقداتها وتقاليدها، وطراز حياتها – وذلك في زمن كان يقضي المبدأ السائد بإكراه الرعايا على اعتناق دين ملوكهم – هذه القاعدة التي لم تندثر في البلاد الغربية إلا بفضل الثورة الأمريكية والثورة الفرنسية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر.. وكان لابد إذن لهذه السياسة الإسلامية المتحدرة من القرآن من أن تسفر عنها نتيجتان حاسمتان، ما لبثت آثارهما ماثلة في الشعوب العربية، وهما بقيام الطوائف المسيحية على أساس النظام الطائفي من جهة، ودخول سكان الأقطار التي فتحها العرب في دين الإسلام من جهة أخرى. فتلك الجماهير الكثيفة التي تشمل أغلبية أهالي سوريا ومصر والعراق، إنما كانت تدين بالمسيحية، وقد اعتنقت الإسلام بأفواج متلاحقة منذ القرن الأول من الهجرة بملء حريتها، في حين أن من بقي من هؤلاء النصارى موزعين إلى طوائفهم المختلفة إنما هم شهود عدول عبر التاريخ على إنسانية هذا الدين العربي الذي جاء في القرآن، وهو الدين الذي أقر لغير المسلمين ليس فقط بحقوقهم الفردية والجماعية الكاملة، بل وأيضاً بالمواطنية الشاملة في عصرنا الحاضر))([34]).
عاشراً- ملخص البحث:
ونخلص بعد استعراض البحث إلى النتائج التالية:
1- نحن نعيش اليوم في عالم يقوم على أساس المواطنة، والمواطنة مفهوم حديث نشأ مع نشوء العلمانية في أوربا.
2- كانت الغلبة للقومية الوطنية التي دمرت بعصبيتها العالم في القرن العشرين من خلال حربين عالميتين.
3- المواطنة - كما في المعجم السياسي – صفة المواطن التي تحدد حقوقه وواجباته الوطنية.. وتتميز المواطنة بنوع خاص بولاء المواطن لبلاده، وخدمتها في أيام السلم والحرب...
4- أول من وضع أسس المواطنة في الأرض العربية والإسلامية رسول الله صلى الله عليه وسلم.
5- كان ذلك في وثيقة المدينة بين المهاجرين والأنصار، وادع فيها يهود وأقرهم على دينهم وأموالهم، وشرط لها واشترط عليهم.
6- تحدث الباب الأول عن حقوق المسلمين وواجباتهم، وفصلها لانطلاق المسلمين في تشريعاتهم عن الإسلام.
7- بينما تحدث الباب الثاني عن حقوق اليهود وواجباتهم، وواضح أن واجباتهم أقل من المسلمين.
8- وكان الباب الثالث عن حقوق المواطنين عموماً وواجباتهم وهي التي يشترك فيها المسلمون واليهود بالسواء.
9- تم في هذه الصحيفة، تحديد الوطن وهو – يثرب – وتحديد المواطنين (المسلمون واليهود) وتحديد (الدستور) الذي يرجعون إليه؛ الصحيفة.
10- حرمة الدم والمال والعرض من أول الحقوق العامة للجميع، وحرمة التعامل مع قريش – العدو الرئيس للمسلمين.
11- الدفاع عن الوطن واجب على المواطنين جميعاً مسلمين ويهود.
12- يُعتبر اليهود في كل قبيلة بمثابة أفراد غير مسلمين في حزب إسلامي.
13- حق السلم والحرب يشترك فيه المواطنون جميعاً.
14- الأمة كلها على الظالم حتى يُنتصف منه، ومع المظلوم حتى يُنتصف له.
15- العدل أساس التعامل في الدولة الإسلامية.
16- المواطنة في عالمنا المعاصر، زكتها الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها، والمنظمات الدولية الأخرى، حيث تعترف بالدولة المستقلة بحدودها ونظامها، وتمنع تجاوز هذه الحدود والاعتداء عليها، فكان لهذه المنظمات تكريس الدولة القطرية.
17- وفي عالم الواقع لم يعد شعار:
وحيثما ذكر اسم الله في بلد
عددت أرجاءه من لب أوطاني
لم يعد لهذا الشعار وجود إلا في عالم الحس والمشاعر، وما الحرب العراقية الكويتية بسر.
18- رافق المواطنة في الدولة القطرية التخلي عن الإسلام تقليداً للدول القطرية الغربية التي قامت على فصل الدين عن الدولة، متناسين أن الإسلام فوق أنه عبادة وعقيدة مثل النصرانية هو شريعة تحكم في الحياة.
19- ورافق ذلك المساواة بين المواطنين دون تميز على أساس الدين أو المذهب أو الجنس.
20- وقد ابتدأت الدولة القطرية بهذا المفهوم قبل قرن وربع في العالم العربي الإسلامي، عندما صدر أول دستور عثماني عام 1876 مقرراً مبدأ المساواة في جميع الحقوق والواجبات بين جميع مواطني الدولة على اختلاف أديانهم.
21- وأنهى هذا الدستور التقسيم السابق لأبناء الأمة بين مسلمين، وأهل ذمة لهؤلاء حقوق وواجبات، ولهؤلاء حقوق وواجبات، وعلى الذميين أن يدفعوا الجزية للمسلمين مقابل حمايتهم من العدو والدفاع عن أموالهم وأعراضهم ووطنهم.
22- كانت الدولة الإسلامية الأولى في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وسطاً بين الدولة الإسلامية في عهد الفتوح حيث تلتقي معها بتحكيم شريعة الإسلام، وبين الدولة القطرية المعاصرة التي تلتقي معها في مبدأ المواطنة، والدفاع المشترك عن الوطن، وعدم وجود التمييز على أساس الجزية.
23- وتبنت الدساتير العربية والإسلامية مبدأ الدولة القطرية، والمواطنة على أساسها خلال هذا القرن، وصار الإسلام خاصاً في الدستور بحرية الاعتقاد والأحوال الشخصية، أما القوانين الأخرى فقد أخذت من القوانين الغربية التي تفصل الدين عن الدولة، والدساتير السورية أكبر شاهد على ذلك، فليس في واحد منها الإسلام المصدر الوحيد أو الرئيسي للتشريع.
24- والعاملون للإسلام اليوم مواطنون في ظل الدولة القطرية أو القومية يحلمون بحقوقهم التي يحملها كل مواطن من حرية العقيدة والعبادة والدعوة، وصاروا محاربين في كثير من الدول لأنهم يعملون لتحكيم شريعة الإسلام بدل أهواء البشر.
25- وفي النصف الثاني من القرن العشرين قامت الدولة العقائدية الاشتراكية ذات الأنظمة الشمولية وتُعتبر سوريا نموذجاً لذلك حيث ألغيت فكرة المساواة بين المواطنين، والديمقراطية الحقيقية ليحل محلها الديمقراطية الشعبية التي تعني حكم الحزب القائد، والجبهة التقدمية، والشعب رعاع يسيرون وراءه.
26- وبرز التناقض جلياً بين نصوص الدستور، الذي جمع بين قيادة الحزب والديمقراطية الشعبية إلى جانب الحقوق النظرية في الحريات العامة، ليضرب بعضها بعضاً كما هو الحال في دستور 1973 السوري.
27- ومع هذا كان من الممكن تحمل هذا التناقض، ومن الممكن المطالبة بالحريات العامة كما نص عليها الدستور لو أن أحكام الدستور كانت هي السائدة، لقد كانت أحكام قانون الطوارئ هي التي تحكم سورية ونص الدستور على ذلك بقوله: (تبقى التشريعات النافذة والصادرة قبل إعلان هذا الدستور سارية المفعول إلى أن تُعدل بما يوافق أحكامه) ومضى ثلث قرن ولم تُعدل بما يوافق أحكامه، وبقي قانون الطوارئ الذي يغتال الحريات ويُذل المواطنين ويدوس كرامة الإنسان هو السائد.
28- وحين وُجد بعد ثلاثين عاماً متنفس للشعب أن أبيح له أن يشكو ويتكلم لفترة قصيرة، برزت القضية واضحة في لجان حقوق الإنسان التي تحدثت عن معاناة الشعب في السجون والمعتقلات والتي تطالب بإنهاء حالة الطوارئ، والقوانين المترتبة عليها والعودة إلى تحكيم القوانين المدنية.
29- كما برز بيان الألف الذي يمثل اليسار السوري يطالب بوقف العمل بقانون الطوارئ وإلغاء الأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية، وتدارك ما نجم عنها من ظلم وحيف، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وتسوية أوضاع المحرومين من الحقوق المدنية، والسماح بعودة المبعدين عن الوطن.
30- وكان الإخوان المسلمون أكبر فصيل معارض، قد طالب بهذه الحقوق، وما زال يطالب فيها منذ عشرين عاماً أو تزيد، وبذلك أجمع الشعب بجميع أطيافه وفئاته على هذه المطالب، وبقي الحزب القائد يرفض هذه المطالب ويمنع المنتديات التي تمثلها.
31- وكم الفرق شاسع بين الدولة العقائدية الإسلامية والدولة العقائدية المعاصرة، فالدولة الشمولية المعاصرة تضع القيادة للحزب القائد فهو الذي يقرر مصير الأمة ويتحكم بمقدراتها ولا سلطان فوقه لأحد.
32- بينما تقوم الدولة العقائدية المسلمين على مبدأين لا تحيد عنهما:
أولهما: إن سيادة الشريعة تقيد سيادة الشعب وسلطان الأغلبية وقرارات الشورى.
ثانيهما: إن القرار في الشورى يكون ثمرة حوار وتشاور يهدف الوصول إلى اتفاق، وليس بفرض رأي الأكثرية، ونتج عن هذين المبدأين أن تكون ولاية الحكم على أساس تعاقدي بين الحاكم وشعبه، وأن تقيد قرارات الأغلبية بشريعة الله التي لا تظلم أحداً، حيث لا يوجد هذا القيد في النظام الديمقراطي.
33- والفضل ما شهدت به الأعداء، فتأتي شهادة أدمون رباط واحدة من الشهادات التي تبرز ميزة الحكم الإسلامي في التاريخ، إنه للمرة الأولى في التاريخ انطلقت دولة هي دينية في مبدئها ودينية في سبب وجودها، ودينية في هدفها، وهو نشر الإسلام عن طريق الجهاد، إلى الإقرار في الوقت ذاته بأنه من حق الشعوب الخاضعة لسلطانها أن تحافظ على معتقداتها وتقاليدها وطراز حياتها، وذلك في زمن كان يقضي المبدأ السائد بإكراه الرعايا على اعتناق دين ملوكهم، هذه القاعدة التي لم تندثر في البلاد الغربية إلا بفضل الثورة الأمريكية والثورة الفرنسية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر.
ومع زوال الخلافة الإسلامية، وقيام الدول القطرية في العالم الإسلامي أصبحت دساتير هذه الدول جميعاً تنطلق من المواطنة، وتجعل الرابطة الوطنية أعلى من أي رابطة.
فأول دستور سوري أُعلن به استقلال سورية عام 1928 ينص على ما يلي:
المادة (5)- الجنسية السورية تحدد ي قانون خاص.
المادة (6)- السوريون لدى القانون سواء، وهم متساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية فيما عليهم من الواجبات والتكاليف، ولا تمييز بينهم بسبب الدين أو المذهب أو الأصل أو اللغة.
المادة (15)- حرية الاعتقاد مطلقة وتحترم الدولة جميع المذاهب والأديان الموجودة في البلاد وتكفل حرية القيام بجميع شعائر الأديان والعقائد على أن لا يخل ذلك بالنظام العام، ولا ينافي الآداب وتضمن الدولة للأهليين على اختلاف طوائفهم احترام مصالحهم الدينية وأحوالهم الشخصية.
المادة (16)- حرية الفكر مكفولة، فلكل شخص حق الإعراب عن فكره بالقول والكتابة والخطابة والتصوير ضمن حدود القانون ([14]).
وهذه المواد نموذج مكرر في كل الدساتير العربية والإسلامية، لقد أُلغي الإسلام من الحكم وتحول إلى الشعائر التعبدية، والعقيدة الوجداني، والأحوال الشخصية في الزواج والطلاق، ولعل المادة (16) هي التي أعطت حرية الدعوة للإسلام تحت عنوان: حرية الفكر مكفولة ولكل شخص الحق في الإعراب عن فكره بالوسيلة المناسبة، ومن أجل هذا صار الهم الإسلامي الأول في النصف الأول من هذا القرن هو العمل على إعادة الإسلام للحكم، وإعادة الشريعة الإسلامية مصدراً للتشريع.
وإن كانت قد عادت في دستور الـ 1949، لكنها عادت بشكل جزئي الفقه الإسلامي مصدر رئيسي من مصادر التشريع، فهو واحد من مصادر رئيسية، ولعل هذه الصورة تمثل قول الله عز وجل: ] أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله [ فالتشريع لله وحده، وقد غدا هناك شركاء آخرون يشاركون في هذا التشريع، وهذا أبعد مدى وصلت إليه أغلب الدساتير العربية الإسلامية، باستثناء اليمن والسودان والسعودية.
وبعودتنا إلى موضوع المواطنة، نلاحظ أن النصف الثاني من القرن العشرين قد وصلت له الحركات القومية الحديثة إلى الحكم وأخذت بالأنظمة الشمولية تزعزع موضوع المواطنة الذي يلغي التمييز بسبب الدين أو المذهب أو الأصل أو اللغة، وأخذ بمذهب الحزب القائد المتميز على أبناء الأمة والوطن، ففي دستور الجمهورية العربية السورية عام 1973الذي كان آخر دستور سوري في ظل الرئيس الأسد ينص على:
المادة (8)- حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة، ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب، ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية([15]).
المادة (9)- المنظمات الشعبية والجمعيات التعاونية تنظيمات تضم قوى الشعب العاملة من أجل تطوير المجتمع وتحقيق مصالح أفرادها([16]).
وإن كانت في مواد الفصل الرابع عادت لتؤكد في:
المادة (25)- 1- الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمتهم.
2- سيادة القانون مبدأ أساسي في المجتمع والدولة.
3- المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات..)([17]).
المادة (35)- 1- حرية الاعتقاد مصونة وتحترم الدولة جميع الأديان.
2- تكفل الدولة حرية القيام بجميع الشعار الدينية على أن لا يخل ذلك بالنظام العام ([18]).
ولكن حرية الفكر قد اُغتيلت في هذا الدستور وهي التي يُستقى منها حرية الدعوة، وعلى الأمة أن تخضع لفكر الحزب القائد حزب البعث، وفكر الجبهة الوطنية التقدمية التي يقودها.
المادة (43)- ينظم القانون الجنسية العربية السورية، ويضمن تسهيلات خاصة للمغتربين العرب السوريين وأبنائهم ولمواطني أقطار الوطن العربي([19]).
والعاملون للإسلام اليوم مواطنون في ظل دولة المواطنة دولة القومية ودولة الاشتراكية، يحلمون بحقوقهم التي يحملها كل مواطن من حرية العقيدة والعبادة والدعوة والدول التي تقوم على أساس الوطنية، قد أعطت بعض هذه الحقوق لهم أحياناً، وأحياناً زجت بهم في السجون والمعتقلات وساقت بعضهم إلى مقصلة الإعدام بحجة خطرهم على النظام العام للدولة.
] وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد [.
وذلك لأنهم يطالبون بأن يكون التشريع لله وحده لا للقائد ولا للحزب القائد ولا للجيش القائد ولا للمنظمات الجماهيرية ولا لمجالس الشعب، والجميع يشرعون ضمن الأسس العامة في التحليل والتحريم التي أنزلها الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم.
سابعاً- ملاحظات حول الدستور السوري وحقوق المواطن:
1- استعراض النصوص:
نقف عند فصلين في الدستور يبرز التناقض الحاد على أشده فيهما، ففي الفصل الأول تنص المادة الثامنة على ما يلي:
المادة 8- حزب البعث العربي الاشتراكي، هو الحزب القائد في المجتمع والدولة، ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب، ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية.
المادة 9- المنظمات الشعبية، والجمعيات التعاونية تنظيمات تضم قوى الشعب العاملة من أجل تطوير المجتمع وتحقيق مصالح أفرادها)([20]).
ولتطبيق هاتين المادتين اتخذت الدولة قرارين هامين:
القرار الأول: أن يكون نصف مجلس الشعب للعمال والفلاحين.
القرار الثاني: أن يكون للحزب وللجبهة التقدمية نسبة 75 % من أعضاء في مجلس الشعب وبذلك أصبح للشعب حرية التصرف في 25% يتنافس الأعضاء عليها، ويبقى القرار في يد الحزب القائد والجبهة التقدمية.
وحين نعود إلى الفصل الرابع – الحريات والحقوق والواجبات العامة، نطالع ما يلي:
المادة (25)- 1- الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم.
2- سيادة القانون مبدأ أساسي في المجتمع والدولة.
3- المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات.
4- تضمن الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين.
المادة (26) 5- لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وينظم القانون ذلك.
المادة (27) - يمارس المواطنون حقوقهم ويتمتعون بحرياتهم وفقاً للقانون)([21]).
( المادة 38)- لكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية وعلنية بالقول والكتابة وكافة وسائل التعبير الأخرى، وأن يسهم في الرقابة والنقد البناء بما يضمن سلامة البناء الوطني والقومي ويدعم النظام الاشتراكي، وتكفل الدولة حرية الصحافة والطباعة والنشر وفقاً للقانون.
المادة (39)- للمواطنين حق الاجتماع والتظاهر سلمياً في إطار مبادئ الدستور، وينظم القانون ممارسة هذا الحق) ([22]).
وحين نقارن بين مواد الفصل الرابع، وبعض مواد الفصل الأول، نجد التناقض على أشده، فكل هذه الحريات يجب أن لا تلغي التمييز للحزب القائد وللجبهة التقدمية، ويبقى الشعب رعاعاً له، يمضي خلفه ويهتف له، وتم تقييد كل حرية بالقانون، والقانون يعطي القيادة للحزب لا للشعب، وللجبهة لا للأمة ولا لمن يفوز بالأكثرية، والجيش والأمن جاهزان لقمع أي إخلال في هذه القيادة، ونعيد إلى الذاكرة المادة التي طلب المفوض السامي إضافتها إلى الدستور السوري، مع إبقاء كل مواده، وكيف رفضها السوريون، وتعطل الدستور لأنها تنقض الدستور كله.
وهذا نص المادة:
المادة (116)- ما من حكم من أحكام هذا الدستور يعارض ولا يجوز أن يعارض التعهدات التي قطعتها فرنسا على نفسها فيما يختص بسوريا لا سيما ما كان منها متعلقاً بعصبة الأمم ينطبق هذا التحفظ بنوع خاص على المواد التي تتعلق بالمحافظة على النظام وعلى الأمن وعلى الدفاع عن البلاد وبالمواد التي لها شأن بالعلاقات الخارجية.
لا تنطبق أحكام هذا الدستور التي من شأنها أن تمس بتعهدات فرنسا الدولية فيما يختص بسورية وفي أثناء مدة هذه التعهدات إلا ضمن الشروط التي تحدد في اتفاق يعقد بين الحكومتين الفرنسية والسورية)([23])، ولم تلغ هذه المادة عملياً إلا بعد الاستقلال.
وهذا ما نلحظه في مواد الحزب القائد والجبهة التقدمية القائدة في شل كل مواد الحرية وتكافؤ الفرص وتقرير الشعب مصيره بالانتخابات النيابية الحرة وغير ذلك حيث تنص:
(المادة 55)- تجري الانتخابات لأول مجلس شعب في ظل هذا الدستور خلال تسعين يوماً من إعلان إقراره باستفتاء شعبي.
المادة (5) 1- يتولى مجلس الشعب السلطة التشريعية على الوجه المبين في الدستور.
2- ينتخب أعضاء مجلس الشعب انتخاباً عاماً وسرياً ومباشراً ومتساوياً وفقاً لأحكام قانون الانتخاب)([24]).
قانون الطوارئ والقضاء على المواطنة وحقوقها.
ومع كل ما لنا من ملاحظات على الدستور، فيبقى مقبولاً لحدٍ ما كأساس لتثبيت الحقوق النظرية للمواطن السوري، فما نص عليه في بقية الحريات والحقوق والواجبات العامة.
(المادة 28) – 1- كل متهم برئ حتى يُدان بحكم قضائي مبرم.
2- لا يجوز تحري أحد أو توقيفه إلا وفقاً للقانون.
3- لا يجوز تعذيب أحد جسدياً أو معنوياً أو معاملته معاملة مهينة ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك.
4- حق التقاضي وسلوك سبل الطعن والدفاع أمام القضاء مصون بالقانون.
المادة 29- لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني.
المادة 30- لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها ولا يكون لها أثر رجعي ويجوز في غير الأمور الجزائية النص على خلاف ذلك.
المادة 31- المساكن مصونة لا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا في الأحوال المبنية في القانون.
المادة 32- سرية المراسلات البريدية والاتصالات السلكية مكفولة وفق الأحكام المبنية في القانون.
المادة 33- 1- لا يجوز إبعاد المواطن عن أرض الوطن)([25]).
لقد جاء قانون الطوارئ ونسف الدستور من جذوره ولم يعد قانون طوارئ إنما صار القانون الأساسي للدولة الذي يحكم سورية قرابة أربعين عاماً، وكانت الثغرة القانونية لا قراره في الدستور نفسه.
المادة 53- 1- تبقى التشريعات النافذة والصادرة قبل إعلان هذا الدستور سارية المفعول إلى أن تعدل بما يوافق أحكامه)([26]).
ومضى ثلث قرن، ولم تعدل بما يوافق أحكامه.
2- لجان حقوق الإنسان تشهد:
وأهمية هذا التقرير أنه يصدر في دمشق لأول مرة منذ ثلاثين عاماً:
( انتقد أخطر تقرير تصدره لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان في سوريا انتهاكات حقوق الإنسان وحالة الطوارئ والاعتقال في سورية، وبحسب التقرير فإن القضاء العادل معطل بقدر ما لصالح القضاء والمحاكم الاستثنائية خاصة وأن محكمة أمن الدولة مازالت تعمل بنشاط إلى جانب المحاكم الميدانية مما يدل على عدم صحة ما صرح به وزير الإعلام السوري من أن حالة الطوارئ جُمدت في أبريل في العام الماضي، وبيَّن التقرير أن اعتقالات جرت في مدينة دمشق وحلب وحمص العام الماضي بشكل رئيس طالت المئات من الإسلاميين، وتحديداً من نشطاء حزب التحرير الإسلامي، وتقدر بحوالي ألف شخص وتم الإفراج عن بعضهم، بينما بقى على الآخرين رهن الاعتقال، وأشار التقرير إلى الأحداث التي جرت في مدينة السويداء جنوبي البلاد في اكتوبر ونوفمبر الماضيين بين المزارعين والبدو القاطنين بينهم، وقالت إن قوات حفظ الأمن – الشرطة – فتحت النار على مشيعي أحد ضحايا الحوادث ما أسفر عن مقتل سبعة مواطنين منهم ممرضة وسائق سيارة إسعاف، وسقط عدد من الجرحى في هذا الحادث.
وقال التقرير إنه يقع حالياً في السجون السورية على اختلاف أشكالها نحو 800 سجين سياسي ورأي ينتمي معظمهم إلى التيارات الإسلامية، ولا يزال في المعتقلات أكثر من 130 ناشطاً من حزب التحرير الإسلامي، و300 من الإخوان المسلمين وحوالي 50 من الإسلاميين الناشطين الآخرين، ولا يزال يوجد أكثر من 150 معتقل ينتمون إلى حزب البعث الموالي للعراق، وهناك بعض من رعايا الدول العربية أردنيين وعراقيين وغيرهم تم اعتقالهم بشكل إفرادي في الأشهر الماضية، ويوجد أيضاً حوالي 10 شيوعيين تسعة منهم متهمون بانتمائهم إلى حزب العمل الشيوعي وثلاثة إلى المنظمة الشيوعية العربية، وآخر إلى حزب البعث الديمقراطي، ولا يزال نزار نيوف([27]) قيد المعتقل إضافة إلى أكثر من مائة معتقل ينتمون لتيارات سياسية مختلفة أو مستقلين.
وتحدث التقرير عن السجون التي يتوزع عليها المعتقلون، وقال إنها تبلغ في دمشق والمدن السورية الأخرى نحو 20 سجناً أمنياً واثنان عسكريان أبرزها سجن تدمر السيء الصيت ويوجد فيها نحو (؟) معتقلاً وسجن صيدنايا العسكري حيث يوجد نحو 180 معتقل.
ولم يغفل التقرير الحديث عن الانفراجات التي شهدتها سوريا إن على الصعيد الاقتصادي أو السياسي، وقال: مما لا شك فيه أن أجهزة الأمن خففت من قبضتها، وشهدت البلاد حالة من الاسترخاء الأمني، وتراجعت حركة الاعتقالات المكثفة التي كانت سائدة مسبقاً، وتوج الأمر بإصدار عفو رئاسي أواخر العام الماضي تم بموجبه الإفراج عن حوالي 600 معتقل سياسي ورأي، وأُلحق بهم الإفراج عن العديد من المعتقلين اللبنانيين بلغوا أكثر من 180 معتقل وعدداً من الفلسطينيين، وخلُص التقرير إلى مجموعة من التوصيات كان أبرزها:
- الوقف النهائي للاعتقال التعسفي، والإفراج عن المعتقلين السياسيين كافة، ومعتقلي الرأي.
- إلغاء حالة الطوارئ والقوانين والمحاكم الاستثنائية الناتجة عنها.
- وإعادة الاعتبار للمجردين مدنياً.
- وتوفير شروط إنسانية في السجون ومنع التعذيب.
- ومطالبة الحكومة في التوقيع على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان) ([28]).
كما أشارت صحيفة الدومري السورية في عددها الأول ظاهرة كتابة التقارير تحت عنوان: " مخبر لكل مواطن " ([29]).
ولا بد أن نشير إلى أن هذا التقرير يتحدث عن عام واحد من تاريخ سورية، بعد انتقال السلطة للرئيس بشار الأسد، فما هي حال سوريا خلال ثلث قرنٍ مضى؟
3- بيان الألف يشهد:
ولا نريد أن ندخل إلى جزئيات بيان الألف، لكن يكفي أن نشير إلى مجموعة نقاط مهمة بين يديه:
1- المثقفون الألف ليس فيهم إسلامي واحد، وجميعهم يساريون أو فنانون أو فنانات أو نصارى ونصيريون، فليسوا متهمين بالتحيز للإخوان المسلمين.
2- المطالب التي تقدم بها الألف عام 2000 هي المطالب التي تقدم بها الإخوان المسلمون عام 1985 وعام 1987 للسلطة السورية، وهذا يعني أن الشعب السوري بأقصى اليمين وأقصى اليسار يؤكد فقدان الأمة لهذه المطالب، والتي تمثل الحد الأدنى من حقوق المواطن السوري.
3- وها هي السلطة تعود لتمنع الألف من متابعة نشاطهم، وتمنع المنتديات في سوريا، وهذا يعني الاستمرار في النهج القديم من الحكم، واستعمال سلطة القمع عوضاً عن الحرية المفقودة.
4- ونشير أخيراً إلى أن بيان الألف قد صدر في دمشق، وقوَّم العهد منذ 1963 بقوله:
(... إلى أن حدث ذلك القطع المؤسس على (المشروعية الثورية) الانقلابية في مواجهة المشروعية الدستورية، ولم يكن ممكناً تهميش المجتمع المدني وتغريبه لولا.. صبغ الدولة بصبغ الحزب الواحد واللون الواحد والرأي الواحد، وجعل الدولة جزءاً من المجتمع لا يعترف بجزئيته، بل يقدم نفسه ممثلاً للشعب وقائداً للدولة والمجتمع، ويخفض المواطنة إلى مستوى الحزبية الضيقة والولاء الشخصي)([30]).
وقدمت الوثيقة ثمانية مطالب من النظام القائم لتحقيق هذه المقدمات تعتبرها هي المطالب الأساسية لكل التيارات والقوى الفاعلة في المجتمع وهي:
1- وقف العمل بقانون الطوارئ، وإلغاء الأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية، وجميع القوانين ذات العلاقة بها، وتدارك ما نجم عنها من ظلم وحيف، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وتسوية أوضاع المحرومين من الحقوق...والسماح بعودة المبعدين عن الوطن.
2- إطلاق الحريات السياسية، ولا سيما حرية الرأي والتعبير، وقوننة الحياة المدنية والسياسية، بإصدار قانون ديمقراطي لتنظيم عمل الأحزاب والجمعيات والنوادي والمنظمات غير الحكومية.
3- إعادة العمل بقانون المطبوعات الذي يكفل حرية الصحافة والنشر والذي تم تعطيله بموجب الأحكام العرفية.
4- إصدار قانون انتخاب ديمقراطي لتنظيم الانتخابات في جميع المستويات بما يضمن تمثيل جميع فئات الشعب كافة تمثيلاً فعلياً، وجعل العملية الانتخابية برمتها تحت إشراف قضاء مستقل.
5- استقلال القضاء ونزاهته وبسط سيادة القانون على الحاكم والمحكوم.
6- إحقاق حقوق المواطن الاقتصادية المنصوص على معظمها في الدستور الدائم.
7- إن الإصرار على أن أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية تمثل القوى الحية في المجتمع السوري سيؤدي إلى إدامة الركود الاجتماعي والاقتصادي والشلل السياسي فلا بد من إعادة النظر في علاقتها بالسلطة وفي مبدأ الحزب القائد للدولة والمجتمع، وأي مبدأ يقصي الشعب عن الحياة السياسية.
8- إلغاء أي تمييز ضد المرأة أمام القانون)([31]).
ثامناً- الدولة العقائدية الإسلامية والدولة العقائدية المعاصرة:
والفرق بين الدولة الإسلامية والدول الحديثة العقائدية أنها تضع القيادة للحزب القائد فهو الذي يقرر مصير الأمة ويتحكم بمقدراتها ولا سلطان فوقه لأحد.
أما الإسلام فيرفض هذا التمييز من جذوره، ويجعل السيادة للشريعة لا للأشخاص ولا للحزب، والأمة هي الحارسة الأمينة على ذلك، وأي حاكم يخل بهذه السيادة فتنـزعه وترفضه وتحاكمه ولا يعطيه كونه من الحزب الحاكم حصانة فوق القانون.
( ويكفي للتدليل على ذلك أن نقول إن في الشريعة مبدأين لابد من الالتزام بهما:
أولهما: إن سيادة الشريعة تقيد سيادة الشعب وسلطان الأغلبية وقرارات الشورى.
ثانيهما: إن القرار في الشورى يكون ثمرة حوار وتشاور يهدف إلى الإجماع أو الاتفاق على حلٍ يحوز الإجماع أو يرضي الأغلبية بسبب اقتناعهم بأدلته وحجته وفائدته.
أما التصويت الديمقراطي فهو نتيجة صراع بين حزبين أو اتجاهين وطبقتين يتغلب فيه رأي جمهور العامة باعتبارهم الطبقة الأكثر عدداً، أو طبقة العمال صاحبة الأغلبية في المجتمع، فالشورى جدل وحوار فكري وجهد عقلي ومنطقي يؤدي إلى القرار، ويمكن أن يستمر بعده على ضوء تطبيقه دون أن يعطل تنفيذه بخلاف الصراع الطبقي أو الحزبي.. وهكذا، فإن فلسفة الديمقراطية أساسها الصراع على السلطة، أما الشورى فهي في الأصل طريق للالتقاء والاتفاق بين الآراء بل والإجماع كلما أمكن ذلك.
وينتج عن هذين المبدأين ما يلي:
1- إن ولاية الحكم في الشورى لها أساس تعاقدي، فالبيعة عقد يخضع لجميع الشروط التي قررها الفقه لصحة العقود، وأولها حرية اختيار المتعاقدين عند التعاقد، وكل تقييد لهذه الحرية يفسد العقد ويفسد الولاية.
2- إن الالتزام بالشريعة يقيد ممارسة السيادة الشعبية، وحكم الأغلبية كما تلتزم بت قرارات الشورى الإسلامية، وهذه ميزة من مزايا الشريعة لا وجود لها في النظم الديمقراطية.
3- إن الشريعة متصلة بعقيدة التوحيد التي تجعل السيادة لله وحده وبذلك يصبح ترجيح رأي الأغلبية قاعدة جزئية مكملة للتشاور والشورى وملتزمة بالشريعة الإسلامية وتفصلها عن أصولها الوثنية اليونانية التي تسمح للحكام بالتشبه بالآلهة وبممارسة السيادة نيابة عن الشعب أو أغلبيته)([32]).
تاسعاً- شهادة من غير مسلم:
ونسوق أخيراً هذه الشهادة التي نقلها الأستاذ فهمي هويدي في كتابه (مواطنون لا ذميون) إذ يقول:
غير أن ما ينبغي أن يستوقفنا في هذا السياق حقاً هو تلك الشهادة التي سجلها أدمون رباط في بحثه الهام (المسيحيون في الشرق قبل الإسلام)([33]) وفيها يقول: إنه للمرة الأولى في التاريخ انطلقت دولة، هي دينية في مبدئها، ودينية في سبب وجودها، ودينية في هدفها، ألا وهو نشر الإسلام عن طريق الجهاد بأشكاله المختلفة، من عسكرية وتبشيرية، إلى الإقرار في الوقت ذاته بأنه من حق الشعوب الخاضعة لسلطانها أن تحافظ على معتقداتها وتقاليدها، وطراز حياتها – وذلك في زمن كان يقضي المبدأ السائد بإكراه الرعايا على اعتناق دين ملوكهم – هذه القاعدة التي لم تندثر في البلاد الغربية إلا بفضل الثورة الأمريكية والثورة الفرنسية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر.. وكان لابد إذن لهذه السياسة الإسلامية المتحدرة من القرآن من أن تسفر عنها نتيجتان حاسمتان، ما لبثت آثارهما ماثلة في الشعوب العربية، وهما بقيام الطوائف المسيحية على أساس النظام الطائفي من جهة، ودخول سكان الأقطار التي فتحها العرب في دين الإسلام من جهة أخرى. فتلك الجماهير الكثيفة التي تشمل أغلبية أهالي سوريا ومصر والعراق، إنما كانت تدين بالمسيحية، وقد اعتنقت الإسلام بأفواج متلاحقة منذ القرن الأول من الهجرة بملء حريتها، في حين أن من بقي من هؤلاء النصارى موزعين إلى طوائفهم المختلفة إنما هم شهود عدول عبر التاريخ على إنسانية هذا الدين العربي الذي جاء في القرآن، وهو الدين الذي أقر لغير المسلمين ليس فقط بحقوقهم الفردية والجماعية الكاملة، بل وأيضاً بالمواطنية الشاملة في عصرنا الحاضر))([34]).
عاشراً- ملخص البحث:
ونخلص بعد استعراض البحث إلى النتائج التالية:
1- نحن نعيش اليوم في عالم يقوم على أساس المواطنة، والمواطنة مفهوم حديث نشأ مع نشوء العلمانية في أوربا.
2- كانت الغلبة للقومية الوطنية التي دمرت بعصبيتها العالم في القرن العشرين من خلال حربين عالميتين.
3- المواطنة - كما في المعجم السياسي – صفة المواطن التي تحدد حقوقه وواجباته الوطنية.. وتتميز المواطنة بنوع خاص بولاء المواطن لبلاده، وخدمتها في أيام السلم والحرب...
4- أول من وضع أسس المواطنة في الأرض العربية والإسلامية رسول الله صلى الله عليه وسلم.
5- كان ذلك في وثيقة المدينة بين المهاجرين والأنصار، وادع فيها يهود وأقرهم على دينهم وأموالهم، وشرط لها واشترط عليهم.
6- تحدث الباب الأول عن حقوق المسلمين وواجباتهم، وفصلها لانطلاق المسلمين في تشريعاتهم عن الإسلام.
7- بينما تحدث الباب الثاني عن حقوق اليهود وواجباتهم، وواضح أن واجباتهم أقل من المسلمين.
8- وكان الباب الثالث عن حقوق المواطنين عموماً وواجباتهم وهي التي يشترك فيها المسلمون واليهود بالسواء.
9- تم في هذه الصحيفة، تحديد الوطن وهو – يثرب – وتحديد المواطنين (المسلمون واليهود) وتحديد (الدستور) الذي يرجعون إليه؛ الصحيفة.
10- حرمة الدم والمال والعرض من أول الحقوق العامة للجميع، وحرمة التعامل مع قريش – العدو الرئيس للمسلمين.
11- الدفاع عن الوطن واجب على المواطنين جميعاً مسلمين ويهود.
12- يُعتبر اليهود في كل قبيلة بمثابة أفراد غير مسلمين في حزب إسلامي.
13- حق السلم والحرب يشترك فيه المواطنون جميعاً.
14- الأمة كلها على الظالم حتى يُنتصف منه، ومع المظلوم حتى يُنتصف له.
15- العدل أساس التعامل في الدولة الإسلامية.
16- المواطنة في عالمنا المعاصر، زكتها الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها، والمنظمات الدولية الأخرى، حيث تعترف بالدولة المستقلة بحدودها ونظامها، وتمنع تجاوز هذه الحدود والاعتداء عليها، فكان لهذه المنظمات تكريس الدولة القطرية.
17- وفي عالم الواقع لم يعد شعار:
وحيثما ذكر اسم الله في بلد
عددت أرجاءه من لب أوطاني
لم يعد لهذا الشعار وجود إلا في عالم الحس والمشاعر، وما الحرب العراقية الكويتية بسر.
18- رافق المواطنة في الدولة القطرية التخلي عن الإسلام تقليداً للدول القطرية الغربية التي قامت على فصل الدين عن الدولة، متناسين أن الإسلام فوق أنه عبادة وعقيدة مثل النصرانية هو شريعة تحكم في الحياة.
19- ورافق ذلك المساواة بين المواطنين دون تميز على أساس الدين أو المذهب أو الجنس.
20- وقد ابتدأت الدولة القطرية بهذا المفهوم قبل قرن وربع في العالم العربي الإسلامي، عندما صدر أول دستور عثماني عام 1876 مقرراً مبدأ المساواة في جميع الحقوق والواجبات بين جميع مواطني الدولة على اختلاف أديانهم.
21- وأنهى هذا الدستور التقسيم السابق لأبناء الأمة بين مسلمين، وأهل ذمة لهؤلاء حقوق وواجبات، ولهؤلاء حقوق وواجبات، وعلى الذميين أن يدفعوا الجزية للمسلمين مقابل حمايتهم من العدو والدفاع عن أموالهم وأعراضهم ووطنهم.
22- كانت الدولة الإسلامية الأولى في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وسطاً بين الدولة الإسلامية في عهد الفتوح حيث تلتقي معها بتحكيم شريعة الإسلام، وبين الدولة القطرية المعاصرة التي تلتقي معها في مبدأ المواطنة، والدفاع المشترك عن الوطن، وعدم وجود التمييز على أساس الجزية.
23- وتبنت الدساتير العربية والإسلامية مبدأ الدولة القطرية، والمواطنة على أساسها خلال هذا القرن، وصار الإسلام خاصاً في الدستور بحرية الاعتقاد والأحوال الشخصية، أما القوانين الأخرى فقد أخذت من القوانين الغربية التي تفصل الدين عن الدولة، والدساتير السورية أكبر شاهد على ذلك، فليس في واحد منها الإسلام المصدر الوحيد أو الرئيسي للتشريع.
24- والعاملون للإسلام اليوم مواطنون في ظل الدولة القطرية أو القومية يحلمون بحقوقهم التي يحملها كل مواطن من حرية العقيدة والعبادة والدعوة، وصاروا محاربين في كثير من الدول لأنهم يعملون لتحكيم شريعة الإسلام بدل أهواء البشر.
25- وفي النصف الثاني من القرن العشرين قامت الدولة العقائدية الاشتراكية ذات الأنظمة الشمولية وتُعتبر سوريا نموذجاً لذلك حيث ألغيت فكرة المساواة بين المواطنين، والديمقراطية الحقيقية ليحل محلها الديمقراطية الشعبية التي تعني حكم الحزب القائد، والجبهة التقدمية، والشعب رعاع يسيرون وراءه.
26- وبرز التناقض جلياً بين نصوص الدستور، الذي جمع بين قيادة الحزب والديمقراطية الشعبية إلى جانب الحقوق النظرية في الحريات العامة، ليضرب بعضها بعضاً كما هو الحال في دستور 1973 السوري.
27- ومع هذا كان من الممكن تحمل هذا التناقض، ومن الممكن المطالبة بالحريات العامة كما نص عليها الدستور لو أن أحكام الدستور كانت هي السائدة، لقد كانت أحكام قانون الطوارئ هي التي تحكم سورية ونص الدستور على ذلك بقوله: (تبقى التشريعات النافذة والصادرة قبل إعلان هذا الدستور سارية المفعول إلى أن تُعدل بما يوافق أحكامه) ومضى ثلث قرن ولم تُعدل بما يوافق أحكامه، وبقي قانون الطوارئ الذي يغتال الحريات ويُذل المواطنين ويدوس كرامة الإنسان هو السائد.
28- وحين وُجد بعد ثلاثين عاماً متنفس للشعب أن أبيح له أن يشكو ويتكلم لفترة قصيرة، برزت القضية واضحة في لجان حقوق الإنسان التي تحدثت عن معاناة الشعب في السجون والمعتقلات والتي تطالب بإنهاء حالة الطوارئ، والقوانين المترتبة عليها والعودة إلى تحكيم القوانين المدنية.
29- كما برز بيان الألف الذي يمثل اليسار السوري يطالب بوقف العمل بقانون الطوارئ وإلغاء الأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية، وتدارك ما نجم عنها من ظلم وحيف، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وتسوية أوضاع المحرومين من الحقوق المدنية، والسماح بعودة المبعدين عن الوطن.
30- وكان الإخوان المسلمون أكبر فصيل معارض، قد طالب بهذه الحقوق، وما زال يطالب فيها منذ عشرين عاماً أو تزيد، وبذلك أجمع الشعب بجميع أطيافه وفئاته على هذه المطالب، وبقي الحزب القائد يرفض هذه المطالب ويمنع المنتديات التي تمثلها.
31- وكم الفرق شاسع بين الدولة العقائدية الإسلامية والدولة العقائدية المعاصرة، فالدولة الشمولية المعاصرة تضع القيادة للحزب القائد فهو الذي يقرر مصير الأمة ويتحكم بمقدراتها ولا سلطان فوقه لأحد.
32- بينما تقوم الدولة العقائدية المسلمين على مبدأين لا تحيد عنهما:
أولهما: إن سيادة الشريعة تقيد سيادة الشعب وسلطان الأغلبية وقرارات الشورى.
ثانيهما: إن القرار في الشورى يكون ثمرة حوار وتشاور يهدف الوصول إلى اتفاق، وليس بفرض رأي الأكثرية، ونتج عن هذين المبدأين أن تكون ولاية الحكم على أساس تعاقدي بين الحاكم وشعبه، وأن تقيد قرارات الأغلبية بشريعة الله التي لا تظلم أحداً، حيث لا يوجد هذا القيد في النظام الديمقراطي.
33- والفضل ما شهدت به الأعداء، فتأتي شهادة أدمون رباط واحدة من الشهادات التي تبرز ميزة الحكم الإسلامي في التاريخ، إنه للمرة الأولى في التاريخ انطلقت دولة هي دينية في مبدئها ودينية في سبب وجودها، ودينية في هدفها، وهو نشر الإسلام عن طريق الجهاد، إلى الإقرار في الوقت ذاته بأنه من حق الشعوب الخاضعة لسلطانها أن تحافظ على معتقداتها وتقاليدها وطراز حياتها، وذلك في زمن كان يقضي المبدأ السائد بإكراه الرعايا على اعتناق دين ملوكهم، هذه القاعدة التي لم تندثر في البلاد الغربية إلا بفضل الثورة الأمريكية والثورة الفرنسية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر.
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
مواضيع مماثلة
» الوطن والمواطنة (المبحث الثاني)
» الوطن والمواطنة (المبحث الثالث)
» الوطن والمواطنة (المبحث الرابع)
» الوطن والمواطنة (المبحث الخامس + الحاشية)
» الديمقراطية و الحكم (المبحث الرابع+الحاشية)
» الوطن والمواطنة (المبحث الثالث)
» الوطن والمواطنة (المبحث الرابع)
» الوطن والمواطنة (المبحث الخامس + الحاشية)
» الديمقراطية و الحكم (المبحث الرابع+الحاشية)
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى