الوطن والمواطنة (المبحث الخامس + الحاشية)
صفحة 1 من اصل 1
الوطن والمواطنة (المبحث الخامس + الحاشية)
المبحث الخامس
الأقليات والمواثيق الدولية
مخطط البحث:
أولا:- تعريف الأقلية
ثانيا:-الأقلية في العهد النبوي
ثالثا:- الأقليات على امتداد التاريخ الإسلامي
رابعا:- الأقليات في العالم وكيف عوملت؟
خامسا:- الحرب العلمانية للدولة العثمانية وظهور فكرة الأقليات
سادسا:- الأقليات في خط شريف كولخانة، والخط الهمايوني
سابعا:- الأقليات الإسلامية اليوم وكيف تعامل؟
ثامنا:- الأقليات العِرقية والدينية في الوطن الإسلامي
تاسعا:- مقارنة بين الإسلام والواقع بالنسبة للأقليات
عاشرا:- ما يتعلق بالأقليات في وثيقة حقوق الإنسان
الحادي عشر:- المنطلق العلماني في حقوق الانسان
الثاني عشر:- تطوّرات في حقوق الإنسان:-
1- المرأة 2- مؤتمر السكان 3- الطفل 4- الأسرة
الثالث عشر: -الأقليات في سورية
الرابع عشر:- كيف كانت تُعامَل الأقليات في العهد الإسلامي في سورية؟
الخامس عشر:- الأقليات في عهد الاحتلال
السادس عشر:- الأقليات في عهد الاستقلال
السابع عشر:- الأقليات في عهد البعث وبعد انقلاب 8 آذار
الثامن عشر:- كيف نتعامل مع الأقليات اليوم؟
الأقليات والمواثيق الدولية
1- تعـريف الأقلية:
كلّ ما ذكر في المعجم الوسيط في تعريفها: الأقلية: خلاف الأكثرية، جمع أقليات.
لكن ورد الحديث عنها في تعريف الديمقراطية الحرة:
ديمقراطية حرة: الديمقراطية التي تحاول حلّ التعارض بين السلطة والحرية، والذي ينشأ عن وجود أغلبية يخضع لها الأقلية، وذلك عن طريق وسائل للتوفيق والتعادل، كالاعتراف للأفراد بالحقوق في مواجهة الدولة - بنوع خاص حقّ المعارضة -.
2- الأقلية في العهد النبوي:
عندما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أسس أول حكومة إسلامية من اثني عشر وزيراً موزعين على قبائل المدينة كلها. " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أخرجوا منكم اثني عشر نقيباً)). فأخرجهم، فكان نقيب بني النجار أسعد بن زرارة، وكان نقيب بني سلمة البراء بن معرور وعبد الله ابن عمرو بن حرام، وكان نقيب بني ساعدة سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو، وكان نقيب بني زريق رافع بن مالك بن العجلان، وكان نقيب بني الحارث بن الخزرج عبد الله بن رواحة وسعد بن الربيع، وكان نقيب بني عوف بن الخزرج عبادة بن الصامت، ونقيب بني عبد الأشهل أسيد بن حضير وأبو الهيثم بن التيهان، وكان نقيب بني عمرو بن عوف سعد بن خيثمة.
هذه قبائل المدينة كاملة، وكلّ قياداتها مسلمة، ومعظم أبناء القبائل مسلمين.كان هناك في كلّ قبيلة من هذه القبائل عدد من الأفراد قد اعتنقوا الديانة اليهودية، وكان هناك في كلّ قبيلة من هذه القبائل عدد من الأفراد لا يزالون على شركهم، فجاءت الوثيقة النبوية خصيصاً لتحديد حقوق هذه الأقليات من هؤلاء الأفراد، دون ذكر حقوق المشركين ؛ لأنّ الذين أسلموا كانوا مشركين كلهم، وكلّ يوم ينضمّ جديداً منهم لهذا الدين، أما اليهود فلم يسلم منهم أحد، وبقوا على يهوديتهم.
فما هي الحقوق التي أعطيت لهم؟.
1- اعترف بهم جزء من المجتمع المدني: وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين..
2- الاعتراف بدينهم واستقلالهم فيه: لليهود دينهم وللمسلمين دينهم.
3- ومواليهم لهم مثل حقهم: مواليهم وأنفسهم.
4- يحفظ لهم انتماءهم القبلي: وإن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني الحارث مثل يهود بني عوف، وإن ليهود بني ساعدة مثل يهود بني عوف، وإنّ ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف، وإنّ ليهود الأوس مثل ما ليهود بني عوف، وإنّ لبني الشطينة ما ليهود بني عوف.
5- التعامل معهم بالبرّ والقسط: وإن البرّ دون الإثم.
6- لأتباعهم حقّ مثل حقّ أسيادهم: وإن بطانة يهود كأنفسهم.
الواجبات عليهم:
1- الاشتراك في الإنفاق عند الحرب: وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين دون المحاربين.
2- لا حماية لظالم: إلا من ظلم وأثم فإنه لا............ إلا نفسه وأهل بيته.
3- الاستئذان عند مغادرة المدينة: وإنه لا يخرج أحد منهم إلا بإذن محمد r.
الحقوق والواجبات المشتركة لمواطني المدينة: مسلمين ويهود:
1- خطأ الحليف لا يحمله المتحالف معه، فكلّ مخطئ يحاسب على تقصيره: وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه.
2- والمظلوم أياً كان جنسه أو عقيدته فلا بدّ أن يُنصر: وإن النصر للمظلوم.
3- حدود الوطن واحدة للجميع، يحرم فيها الاعتداء: وإنّ يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة.
4- معاملة الجار كالنفس (المستجير): وإن الجار كالنفس، غير مضار ولا آثم.
5- الحُرمات مصونة، فلا يتدخل فيها أحد إلا بإذن أهلها: وأنه لا تجار حرمة بدون أهلها.
6- الحكم للإسلام دين الأكثرية: وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من اشتجار أو حدث يخاف فساده فإنّ مردّه إلى الله عز وجل، وإلى محمد رسول الله، وذلك في الخلافات بين اليهود والمسلمين.
7- أما خلافاتهم بينهم فيُحكمون بديانتهم بينهم إلا إذا طلبوا حكم الدولة، { فَإِذَا جَاؤُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالقِسْطِ }.
8- جوار العدو ممنوع وجوار حلفائه: وإنه لا تجار قريش ولا من نصرها.
9- ومسؤولية الدفاع عن الوطن مسؤولية شاملة لكلّ فرد: وإن بينهم النصر على مَن دهم يثرب.
10- ما تقره الدولة من سِلم أو حرب يسري على الجميع: وإذا دُعوا إلى صُلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه.
11- ومن حقّ غير المؤمنين على المؤمنين أن ينصروا حلفاءهم: وأنهم إذا دعوا لمثل ذلك فإنّ لهم على المسلمين إلا مَن حارب الدين.
12- لا أمان لظالم أو آثم في الدولة المسلمة مهما كان جنسه أو عقيدته: وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم.
13- وحق الأمن مصون للجميع في أموالهم وتحركهم وتعاملهم: وإنه مَن خرج آمن، ومَن قعد آمن، إلا مَن ظلم وأثم.
14- والدولة عون وكف ونصر لكلّ مَن برّ واتقى: وإن الله جار لكلّ مَن برّ واتقى، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبتفحّص الواجبات لا نجد إلا واجباً خاصاً على اليهود: هو الاستئذان إذا خرجوا من المدينة، وما تبقى فالمواطنون جميعاً شركاء فيه.
وعاش اليهود والأقلية في ظلّ الدولة المسلمة ينعمون بهذه الحقوق. ولم يمسّ أحد منهم بسوء. وكان التعامل قائماً بينهم وبين المسلمين، حتى ليستدين الرسول صلى الله عليه وسلم منهم، ويرهن درعه عندهم، ويزورهم في بيوتهم، ويتزاوجون، ويستضيف بعضهم بعضاً كأنهم لحمة واحدة، ولكلّ دينه.
3- الأقليات على امتداد التاريخ الإسلامي:
نعرض نموذجاً من وضع الأمم في ظلّ الإسلام، وهو نموذج مصر.
" فقال المقوقس عند ذلك لمن حوله: أطيعوني وأجيبوا القوم إلى خصلة من هذه الثلاث، فوالله مالكم بهم من طاقة، ولئن لم تجيبوا إليها طائعين لتجيبنهم إلى ما هو أعظم كارهين.
فقالوا: وأيّ خصلة نجيبهم إليها؟قال: إذن أخبركم:أما دخولكم في غير دينكم فلا آمركم به. وأما قتالهم فأنا أعلم أنكم لن تقووا عليهم، ولن تصبروا صبرهم، ولا بدّ من الثالثة. قالوا: أفنكون لهم عبيداً أبداً؟.
قال: نعم، تكونوا عبيداً مسلطين في بلادكم، آمنين على أنفسكم وذراريكم وأموالكم خيرٌ لكم من أن تموتوا عن آخركم وتكونوا عبيداً تُباعوا وتُمزقوا في البلاد مستبعدين أنتم وأهلوكم وذراريكم.. "([155]).
" فاجتمعوا على عهدٍ بينهم، واصطلحوا على أن يفرض على جميع مَن بمصر أعلاها وأسفلها من القبط ديناران ديناران عن كلّ نفس، شريفهم ووضيعهم، من بلغ الحُلم منهم، ليس على الشيخ الفاني ولا على الصغير الذي لم يبلغ الحُلم ولا النساء شيء. وعلى أن للمسلمين عليهم النزل لجماعتهم حيث نزلوا، ومَن نزل عليه ضيف واحد من المسلمين أو أكثر من ذلك كانت لهم ضيافة ثلاثة أيام مفترضة عليهم، وأن لهم أرضهم وأموالهم لا يعرض لهم في شيء منها... فكان جميع من أحصي يومئذٍ بمصر أعلاها وأسفلها من جميع القبط فيما أحصوا وكتبوا ورفعوا أكثر من ستّة آلاف ألف نفس، فكانت فريضتهم يومئذٍ اثني عشر ألف ألف دينار في كلّ سـنة "([156]).
لم يكن أهل البلاد الأصليين أقلية، لكنهم عندما دخلوا في الإسلام وانضموا إلى الفاتحين المسلمين، بقي الذين حافظوا على دينهم أقلية بالنسبة لكلّ قطر، وبقيت لهم حقوقهم كاملة كما هي من خلال الصورة السابقة.
يقول غوستاف لوبون بهذا الصدد ما يلي:
" وكان يمكن أن تعمي فتوح العرب الأولى أبصارَهم، وأن يقترفوا من المظالم ما يقترفه الفاتِحون عادةً، ويسيئوا معاملة المغلوبين، ويكرهوهم على اعتناق دينهم الذي كانوا يرغبون في نشره في العالم. ولو فعلوا هذا لتألبت عليهم جميع الأمم التي كانت غير خاضعة لهم بعد، ولأصابهم مثل ما أصاب الصليبيين عندما دخلوا بلاد سورية مؤخراً. ولكن العرب اجتنبوا ذلك، فقد أدرك الخلفاء السابقون الذين كان عندهم من العبقرية السياسية ما ندر وجوده في دعاة الديانات الجديدة، أنّ النظم والأديان ليست مما يُفرض قسراً، فعاملوا - كما رأينا - أهل سورية ومصر وأسبانية وكلّ قطر استولوا عليه بلطفٍ عظيم، تاركين لهم قوانينهم ومعتقداتهم، غير فارضين عليهم سوى جزية زهيدة في الغالب إذا قيست بما كانوا يدفعونه سابقاً في مقابل حفظ الأمن بينهم. فالحقّ أنّ الأمم لم تعرف فاتحين متسامحين مثل العرب، ولا ديناً مثل دينهم.
وما جهله المؤرخون من حلم العرب الفاتحين وتسامحهم كان من الأسباب السريعة في اتساع فتوحهم، وفي سهولة اعتناق كثير من الأمم لدينهم ونظمهم ولغتهم التي رسخت وقاومت جميع الغارات، وبقيت قائمة حتى بعد أن توارى سلطان العرب عن مسرح العالم. ونعُدّ من الواضح خاصة أمر مصر التي لم يوفق فاتحوها من الفرس والأغارقة والرومان أن يقلبوا الحضارة الفرعونية القديمة فيها، وأن يقيموا حضارتهم مقامها "([157]).
" ويمكن القول بأنّ التسامح الديني كان مطلقاً في دور ازدهار حضارة العرب، وقد أوردنا على هذا غير دليل، ولا نسهب فيه، وإنما نشير إلى ما ترجم مسيودوزي من قصة أحد علماء الكلام الذي كان يحضر ببغداد دروساً كثيرة في الفلسفة، يشترك فيها أناسٌ من اليهود والزنادقة والمجوس والمسلمين والنصارى، فيستمع إلى كلّ واحدٍ منهم باحترامٍ عظيم، ولا يطلب منه إلا الأدلة الصادرة عن الفعل، لا إلى الأدلة المأخوذة من أيّ كتاب ديني كان، فتسامح مثل هذا هو مالم يتصل إليه أوربا بعدما قامت به في أكثر من ألف سنة من الحروب الطاحنة، وما عانته من الأحقاد المتأصلة، وما مُنيت به من المذابح الدامية "([158]).
ولا نبالغ إذا قلنا: إنّ فكرة الاعتراف بالآخر أو الاعتراف بالأقليات وحقوقها لم توجد في تاريخ البشرية إلا في ظلّ الإسلام. وقد يكون كثير من الظلم قد وقع على المسلمين أنفسهم من خلال صراعاتهم السياسية، لكن الشيء الثابت الذي لم يتغير على الإطلاق، والعدل الذي استمرّ طيلة القرون هو تعامل الإسلام ودولة الإسلام مع غيرهم، حيث لم تمس حريتهم بسوء، وعاشوا أربعة عشر قرناً في ظلّ الخلافة الإسلامية آمنين مطمئنّين، حتى كان القرن الأخير والذي قبله، حيث قامت الفتن الطائفية، وأصبحت سِمة العصر.
* الإسلام ينقذ النصارى من ظلم النصارى: نموذج مصر:
" ولما لم يكن للحكام الجدد من المسلمين اهتمام بالمنازعات الذهبية وأحزاب المجامع الكنسية، رأى عمرو أنّ من حُسن السياسة ألا يفرق بين الملكانية (مذهب الدولة) واليعقوبية (مذهب القبط شعب مصر)، فلم يتحيز لأحد من الطرفين، بل أقرّ الحرية الدينية، ورفع الاضطهاد عن القبط، وأظلّ الفريقين بعدله، وحماهما بحسن تدبيره، فنادت الحياة إلى المذهب اليعقوبي في هذا الجوّ الجديد، جوّ الحرية الدينية، حتى صار المذهب السائر في مصر كلها.
ولما عرف رهبان القبط هذا الأمر من عمرو بن العاص ويتقنوه، خرج عدد عظيم منهم من الأديرة التي كانوا قد اعتصموا بها خوفاً من الاضطهاد والعسف، وساروا في نحو سبعين ألفاً كما يروي المقريزي كلّ منهم يحمل في يده عصا إلى عمرو، ويعلنون له الطاعة، فأحسن لقاءهم ورحب بهم.
وكان عمرو بن العاص من جهة أخرى حريصاً على أن يعود البطريق بنيامين إلى رئاسته الدينية لما عرف من محبة القبط له، وتعلّقهم به، لذلك أرسل عمرو كتاباً إلى بنيامين يقول فيه:
" أينما يكون بطريق القبط بنيامين نعدّه بالأمان والحماية في عهد الله، فليأت البطريق إلى هنا في أمانٍ واطمئنان ليلي أمر ديانته، ويرعى أهل ملّته، أو كما جاء في عهد الأمان هذا في كتاب أبي صالح الأرمني، فليأت الشيخ البطريق آمناً على نفسه، وعلى القبط الذين بأرض مصر والذين في سواها لا ينالهم أذى، ولا تخفر لهم ذمّة.
ولم يلبث عن الأمان الذي كتبه عمرو بن العاص أن بلغ البطريق بنيامين، مناد من مخبئه، ودخل الإسكندرية دخول الظافرين، وفرح الناس برجوعه فرحاً شديداً بعد غياب بلغت مدّته ثلاثة عشر عاماً، ومن هذه المدّة عشر سنين وقع فيها الاضطهاد الأكبر للقبط على يدقيرس...
وأخذ بنيامين يقول لأتباعه: عدت إلى بلدي الإسكندرية، فوجدتُ بها أمناً بعد الخوف، واطمئناناً بعد البلاء، وقد صرف الله عنّا اضطهاد الكفرة وبأسهم..
وقد بلغ من ابتهاج القبط بعودة الحرية الدينية إليهم مبلغاً عبّر عنه ساويرس بقوله: إنهم فرحوا كما تفرح الأسخال (صغار المعز) إذا حلت قيودها، وأطلقت لترتشف من لبن أمّهاتها "... وكان من أثر هذه الحرية الدينية التي أطلق عمرو بن العاص عقالها أن أقبل كثير من عقلاء الروم والمصريين الأقباط على النظر في المذاهب المختلفة، ثم انتهى أكثر هؤلاء إلى قبول الإسلام والدخول فيه "([159]).
4- الأقليات في العالم وكيف عوملت:
خضع الشرق لكثيرٍ من الشعوب، كالفرس والأغارقة والرومان، ولكن تأثير هذه الشعوب السياسي إذا كان عظيماً دائماً فإنّ تأثيرها المدني كان ضعيفاً عموماً، وإذا عدوت المدن التي كانت تملكها هذه الشعوب رأساً رأيتها لم توفق لفرض دينها ولغتها وفنونها، ومن ذلك أن ظلّت مصر الثابتة في زمن البطالمة وفي زمن الرومان وفية لماضيها.. ولم يغير المصريون دينهم سوى مرّة واحدة قبل العرب، وذلك حين خرب قياصرة القسطنطينية بلاد مصر بتحطيمهم جميع آثارها أو تشويهها، وجعلهم القتل عقوبة مَن يخالف حظر عبادة آلهتها الأقدمين. وهكذا عانى المصريون ديناً جديداً فرض عليهم بالقوة أكثر من اعتناقهم له، وما كان من تهافت المصريين على نبذ النصرانية ودخولهم في الإسلام يثبت درجة ضعف تأثير النصرانية فيهم.
في الحروب الصليبية:
ويدلّ على سلوك الصليبيين في جميع المعابد ؛ لأنّهم أشدّ من الوحوش حماقة، فقد كانوا لا يفرّقون بين الحلفاء والأعداء والأهلين العزّل والمحاربين والنساء والشيوخ والأطفال.. ونرى في كلّ صفحة من الكتب التي ألفها مؤرّخو النصارى ذلك الزمن براهين على توحش الصليبيين. ويكفي لبيان ذلك أن ننقل الخبر الآتي الذي.................. الشاهد الراهب روبرت عن سلوك الصليبيين في............... قال المؤرخ التقي:
" وكان قومنا يجوبون الشوارع والميادين وسطوح البيوت ليرووا غليلهم من التقتيل، وذلك كاللبوءات التي خطفت صغارها، وكانوا يذبحون الأولاد والشبان والشيوخ، ويقطعونهم إرْباً إرْباً، وكانوا لا يستَبْقون إنساناً، وكانوا يشنقون أناساً كثيرين بحبلٍ واحد بغية السرعة. فياللعجب، وياللغرابة أن تذبح تلك الجماعة الكبيرة المسلحة بأمضى سلاح من غير أن تقاوم، وكان قومنا يقبضون على كلّ شيء يجدونه فيبقرون بطون الموتى ليخرجوا منها قطعاً ذهبية، وكانت الدماء تسيل كالأنهار في طرق المدينة المغطاة بالجثث. فيا لتلك الشعوب المعدّة للقتل، ولم يكن بين تلك الجماعة الكبرى واحد ليرضى بالنصرانية ديناً.
ثم أحضر بوهيموند جميع الذين اعتقلهم ببرج القصر، وأمر بضرب رقابهم عجائزهم وشيوخهم وضعافهم، ويسوق فتيانهم وكهولهم إلى أنطاقية ليباعوا فيها.
وحدث قتل الترك في يوم الأحد الموافق 12 من ديسمبر، وإذ لم يمكن إنجاز كلّ شيء في ذلك اليوم، قتل قومنا ما بقي من أولئك في اليوم التالي "([160]).
وكانت القدس في ذلك الحين تابعة لسلطان مصر الذي استردّها من الترك، فاستولى عليها الصليبيون في 15 من يوليو سنة 1099م.. وكان سلوك الصليبيين حين دخلوا القدس غير سلوك الخليفة الكريم عمر بن الخطاب نحو النصارى حين دخلها منذ بضعة قرون.
قال كاهن مدينة لوبري ريموند داجيل: " حدث ما هو عجيب بين العرب حين استولى قومنا على أسوار القدس وبروجها، فقد قطعت رؤوس بعضهم، فكان هذا أقلّ ما يصيبهم، وبقرت بطون بعضهم، فكانوا يضطرّون إلى القذف بأنفسهم من أعلى الأسوار، وحرق بعضهم في النار، فكان ذلك بعد عذابٍ طويل، وكان لا يرى في شوارع القدس وميادينها سوى أكداس من رؤوس العرب وأيديهم وأرجلهم، فلا يمرّ المرء إلا على جثث قتلاهم...
لقد أفرط قومنا في سفك الدماء في هيكل سليمان، وكانت جثث القتلى تعوم في الساحة هنا وهنالك.. ولم يكتفِ الفرسان الصليبيون الأنقياء بذلك، فعقدوا مؤتمراً أجمعوا فيه على إبادة جميع سكان القدس من المسلمين واليهود وخوارج النصارى، الذين كان عددهم نحو ستين ألفاً، فأفنوهم على بكرة أبيهم في ثمانية أيام، ولم يستثنوا منهم امرأة ولا ولداً ولا شيخاً "([161]).
في الأندلس ومع محاكم التفتيش:
" وعاهد فردنياند العرب على منحهم حرية الدين واللغة، ولكن سنة (1499) لم تكد تحلّ حتى حلّ بالعرب دور الاضطهاد والتعذيب الذي دامَ قروناً، والذي لم ينتهِ إلا بطرد العرب من إسبانية، وكان تعميد العرب كرهاً فاتحة ذلك الدور، ثمّ صارت محاكم التفتيش تأمر بإحراق كثير من المعمدين على أنهم من النصارى، ولم تتمّ عملية التطهير بالنار إلا بالتدريج ؛ لتقدر إحراق الملايين من العرب دفعة واحدة. ونصح كردنيال طليطلة التقي - الذي كان رئيساً لمحاكم التفتيش - بقطع رؤوس جميع مَن لم يتنصّر من العرب رجالاً ونساءً وشيوخاً وولداناً، وأمرت الحكومة الأسبانية في سنة (1610م) بإجلاء العرب عن أسبانيا، فقتل أكثر مهاجري العرب في الطريق. وأبدى الراهب البارع بليدا ارتياحه لقتل ثلاثة أرباع هؤلاء المهاجرين في أثناء هجرتهم. وهو الذي قتل مائة ألف مهاجر من قافلة واحدة كانت مؤلّفة من (140.000) مهاجر مسلم كانت متّجهة إلى أفريقية.
وخسرت أسبانيا بذلك مليون مسلم من رعاياها في بضعة أشهر، ويقدّر كثير من العلماء - ومنهم سيديو - عدد المسلمين الذين خسرتهم أسبانيا منذ أن فتح فردنياند غرناطة حتى إجلائهم الأخير بثلاثة ملايين، ولا تعد ملحمة بارتلمي إزاء تلك المذابح سوى حادث تافه لا يؤبه له، ولا يسعنا سوى الاعتراف بأنّنا لم نجد بين وحوش الفاتحين من يؤاخذ على اقترافه مظالم قتل، كتلك التي اقترفت ضدّ المسلمين.
ومما يرثى له أن حُرمت أسبانيا عمداً هؤلاء الملايين الثلاثة الذين كانت لهم إمامة السكان الثقافية والصناعية.
ثم رأت محاكم التفتيش أن تبيد كلّ نصراني ترى فيه شيئاً من النباهة والفضل، فكان من نتائج هذه المظالم المزدوجة أن هبطت أسبانيا إلى أسفل دركات الانحطاط بعد أن بلغت قمّة المجد، وأن انهارَ معها كلّ ما كان فيها من الزراعة والصناعة والتجارة والعلوم والآداب والسكان "([162]).
5- الحرب العلمانية على الدولة العثمانية:
كان السلطان عبد المجيد فتىً لم يتجاوز السادسة عشر من عمره بعد وفاة والده السلطان محمود الثاني، وقد هزم الجيش العثماني أمام قوات محمد علي باشا في نصيبين شمالي سورية، وكان السلطان ومحمد علي أن يتفقا على حلٍّ سياسي خلاصته أن تبقى الشام ومصر لمحمد علي باشا وراثية، كما صرّح محمد علي باشا للقنصل البريطاني أنّه واثق بأنّ كلّ الاختلافات سوف تحسم دون تدخل القوى الكبرى ؛ لأنّه يعترف باحترام الكبير والخضوع للسلطان، وهذا ما رفضته الدول الأوربية أن يقوم حكم قويّ في مصر والشام، لذلك أرسلت إلى السلطان العثماني مذكرة مشتركة من سفراء كلّ من إنجلترا وفرنسا وروسيا والنمسا وبروسية تنصّ على عدم اتّخاذ قرار فيما بين السلطان العثماني ومحمد علي إلا بموافقتها وتحت علمها، وعرضت الدول الأوربية استعدادها للتوسط بين الفريقين.
فقبلت الدولة بهذا لحين استرجاعها ما فقدته من جيشها وأسطولها بعد مواجهة محمد علي، وتحت وطأة هذه الأزمة أصدر السلطان عبد المجيد أوّل مرسوم من مراسيم التنظيمات في أول سنة من تولي العرش،وبعد أربعة أشهر من ذلك استُدعي رشيد باشا السفير العثماني في لندن ليعين وزيراً للخارجية، وأقنع السلطان بهذا التنظيم - وهو الماسوني العريق - بحجة أنّ هذا البرنامج التغريبي يجعل الدول الغربية تساند الدولة في أزمتها، وأنها جديرة أن تعامَل معاملة الدول المتحضّرة الحديثة، وذلك بتطوير النظم وجعلها شبيهة بالنمط الأوربي الدستوري على أن تكون بداية الانطلاق هي مصلحة الرعايا المسيحيين وتحسين أحوالهم "([163]).
الحرب مع أوربا:
" وكما تمخضت أزمة محمد علي 1255-1256هـ / 1839-1840م عن صدور خط شريف كولخانة، فقد تمخضت حرب القرم في سنة 1270-1273هـ / 1853-1856م عن صدور خط إصلاحي جديد هو الخطّ الهمايوني، حيث اشتعلت الحرب بين روسيا والدولة العثمانية والحلفاء قرابة ثلاثة أعوام كان لا بدّ من وضع حدٍّ حاسم لها، فاتفق على عقد مؤتمر باريس للسلم وعقد المؤتمر في 11 جمادى الثانية 1273هـ، الموافق 25 شباط 1856م، وذلك بعد الإنذار الذي وجهته النمسا لروسيا، وذلك بانضمامها إلى الحلفاء في حالة رفض روسيا هذه الشروط.
وقد صيغت هذه الشروط في اتفاقية باريس التي وقع عليها كلّ من بريطانيا وفرنسا وروسيا والنمسا وتركية في البنود التالية:
1- تعهد الجميع بحفظ استقلال الدولة العثمانية الإسلامية.
2- المصالحة بين الفريقين المتحاربين، وإخلاء ما احتُلَّ من أراضي كلّ فريق.
3- إعادة المواقع العثمانية التي احتلّتها روسيا إلى العثمانيين.
4- إعلان العفو العامّ وإعادة الأسرى.
5- اعتراف الدول الأوربية باشتراك الباب العالي معهم في الاستفادة من المنافع الأوربية، واحترام استقلاله والمحافظة عليه.
6- تعهد الدول المتعاهدة بالتوسط لمنع الحرب بين الباب العالي العثماني والدول الأخرى.
7- إصدار منشور عثماني لصالح النصارى القاطنين في الدولة العثمانية.
واتفق لقبول العثمانيين ضمن المجموعة الأوربية أن تنفذ البند السابع من المعاهدة، وتصدر خطاً جديداً يضع برنامجاً للإصلاح أكثر اتساعاً ودقّة من خط شريف كولخانة "([164]).
والملاحظ أنّ كلّ تلك البنود في ظاهرها لصالح الدولة العثمانية، واستعدت الدول الأوربية لإعطاء هذه الميزات كلّها للدولة الإسلامية مقابل إصدار هذا المنشور العثماني للأقليات النصرانية في أرضها، وكان التنفيذ على يد ماسوني علماني أصيل.
فقد " ابتدأت التنظيمات الإدارية منذ عهد السلطان عبد المجيد، وكان وزير عبد المجيد رشيد باشا يرى في الغرب مثله الأعلى، وفي الماسونية فلسفته المثلى، وهو الذي أعد الجيل التالي به في الوزارة ورجال الدولة، وبمساعدته أسهم هؤلاء بعده في دفع عجلة التغريب التي بدأها هو أولاً، والذي صار سقوط السلطان عبد الحميد الثاني بعد ذلك وخروج الدولة عن الخط الإسلامي امتداداً طبيعياً لفكرة التغريب فيها، وقد أصدر مرسومين كانا بداية الانحراف عن الخطّ الإسلامي في التشريع الأول منهما في سنة 1839م، وعرف باسم منشور كلخانة، وصدر الآخر في 1856م، وعرف باسم الخط الهمايوني "([165]).
لقد ارتبطت الأقليات في الدولة العثمانية ارتباطاً دينياً ومذهبياً بوجهٍ عام، ففرنسا اعتبرت نفسها حامية للمذهب الكاثوليكي، وروسيا جعلت نفسها حامية للمذهب الأرثوذكسي في ممتلكات الدولة العثمانية، وإنكلترا جعلت نفسها حامية للمذهب البروتستانتي، وتدخل عوامل الغزو الفكري والعسكري في شؤون الدولة العثمانية جنباً إلى جنب، لحماية الأقليات ظاهراً، والقضاء على الإسلام في الحقيقة.
6- الأقليات في خط شريف كولخانة، والخط الهمايوني:
خط شريف كولخانة:
وهو الذي صدر بعد أزمة الدولة العثمانية مع محمد علي باشا.
" ونصّ الخط على تساوي رعايا الدّولة أمام القانون، المسلمين منهم وغير المسلمين، ولكن مع المحافظة على الشريعة الإسلامية أو الإطار الإسلامي، وتوفير الإخاء بين كلّ رعايا الدولة العثمانية بهدف تقوية الدولة، كما أكد على إيجاد ضمانات لأمن جميع رعايا الدولة على أموالهم وأملاكهم وأرواحهم، وهذا يعني وجوب إعلان المحاكمات ومطابقتها للوائح، وإلغاء نظام مصادرة الأملاك، وإيجاد نظام ثابت للضرائب، وتحديد نظام ثابت للجندية، بحيث لا تستمرّ مدى الحياة، ودعا الخط إلى الحرية الشخصية، والتملك الشخصي بحرية، وأعيد تنظيم الإدارة المحلية والمركزية.
الموقف من هذا الخط:
وبالرغم من موافقة هذا الخط لأهداف الدول الأوربية، فقد رفضه النصارى بدعوى أنه يجرّدهم من الامتيازات التي كانوا ينعمون بها عدّة قرون، والتي توفر لهم الحمايات الأجنبية...
لقد كانت الامتيازات التي نالتها الأقليات في الدولة العثمانية تفوق حقوق المسلمين العاديين, ولذلك تأذوا من المساواة معهم، فهناك ما اختصهم به الإسلام ابتداءً من توفير حياتهم وأرواحهم وحماية ممتلكاتهم، وهناك الضغوط من الدول الأجنبية لإعطائهم حقوقاً جديدة فوق الحقوق التي ضمنها لهم الإسلام. ولم تكن المساواة من الناحية العملية إلا إعلاناً للخروج عن المنهج الإسلامي الذي يخرجهم من ذمة المسلمين وحمايتهم إلى إعطائهم المساواة التامّة مع المسلمين.
لقد انتقلت المواطنة في الدولة العثمانية من الفقه الإسلامي إلى القانون العلماني، وهذا كلّه لم يُرضِ الدول الأوربية وأعداء الإسلام، إنما كانوا يريدون هذا الأمر مع الامتيازات التي أعطاها الإسلام لأهل الذمّة، والامتيازات التي فرضوها بضغوطهم على الدولة العثمانية. وبتعبيرٍ آخر: يريدون المواطن النصراني واليهودي مواطن الدرجة الأولى، والمواطن المسلم هو مواطن الدرجة الثانية.
وقد وجد آنذاك من أسبغ الشرعية الإسلامية على خط كولخانة، فعندما ثار المسلمون وقالوا عنه: هذا شرع مخالف للإسلام، " اضطرّت الدولة إلى إرسال شيخ الإسلام عارف حكمت إلى جهات الاضطراب لوعظ الناس وأمرهم بالطاعة والامتثال، فخطب بذلك على المنابر, وبيّن للناس أنّ تلك التنظيمات ليست خارجة على المنهج الشرعي "([166]).
هذا ويمكن أن نعتبر المواطنة أساساً إسلامياً طالما تبنّتها تشريعات الدولة وأقرّها شيخ الإسلام,واعتبار المساواة بين المواطنين مما لا يتناقض مع الإسلام بعد تغير الأوضاع العالمية والدولية ؛ إذ لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان، واعتبار هذا الخطّ هو المنطلق الأساسي لفكرة المواطنة في الدولة الإسلامية.
الخطّ الهمايوني:
بناءً على المادّة السابقة من قرارات مؤتمر باريس، صدر خط همايون، وهو تأكيد على ما جاء في خط كلخانة مع إضافة جديدة تتعلق بحقوق النصارى والتنظيمات الإدارية الجديدة، فكان أكثر دقة من الخط الأول "([167]).
وبالرغم من أنّ الخط الهمايوني جاء نتيجة للضغط الخارجي ومن ضمن شروط الصلح على عكس خط كلخانة، فقد تشابه الخطّان في كثيرٍ من النقاط، إلا أنّ صيغة الخط الهمايوني كان أكثر عصرية، وأكثر اقتباساً عن الغرب بصورة لم تعهد من قبل في الوثائق العثمانية، فهو لم يستشهد بآية قرآنية واحدة، أو بقوانين الدولة العثمانية القديمة وأمجادها.
مضامين هذا الخط:
" يتّضح من هذا الخطّ التركيز على المساواة الدينية، وفصل حقوق معينة للنصارى، منها: أنّ المسائل المدنية تكون العهدة في إدارتها على مجلس مختلط بين المدنيين ورجال الدين النصارى ينتخبه الشعب بنفسه، ومنها عدم إكراه المسلم الذي يعتنق النصرانية على الرجوع إلى الإسلام، بل يُسمح له بالردّة عن الإسلام واعتناق النصرانية "([168]).
ثم فتحت أبواب معاهد التعليم الرسمية، وبالتالي وظائف الدولة المدنية أمام المسيحيين الذين فرضت عليهم الخدمة الإلزامية رسمياً، ووعدوا بزيادة تمثيلهم في مجالس الولايات والمجالس المحلية، ووعد السلطان بإيجاد نظام ضريبي أكثر عدالة، كما وعد بتحديد ميزانية سنوية وإنشاء البنوك، والاستعانة برأس المال والخبرات الأوربية (اليهودية) بهدف تطوير اقتصاد الدولة، وتبويب القانون الجنائي والقانون التجاري، وإصلاح نظام السجون، وإنشاء محاكم مختلطة في القضايا الخاصة بالمسلمين وغير المسلمين. وقد وعدت الدول الأوربية مساندتها التامّة لهذا الخطّ ؛ لضمان تنفيذ العثمانيين لوعودهم "([169]).
وقد أعقب صدور خطّ كلخانة والخط الهمايوني مجموعة من القوانين التنظيمية التي مست المجتمع العثماني، وقد صدرت هذه القوانين في أوقات متفاوتة، كان أوّلها صدور القانون التجاري 1850م، وكان معظمه مأخوذاً من القانون الفرنسي، ثم القانون الجنائي الصادر سنة 1858م.. وكلّ هذه القوانين.............. من القانون الفرنسي "([170]).
الموقف من الخط:
على عكس الموقف من خط شريف كولخانة، حيث حاولوا أن يلبسوه اللباس الإسلامي، ويتبناه شيخ الإسلام، ويمضي في الولايات مبشراً به، ومعلناً أنه منبثق من الإسلام، فلم يكن الأمر كذلك بالنسبة للخطّ الهمايوني، لقد صدر عارياً مدنياً علمانياً دون أية إشارة إلى ارتباطه بالإسلام.. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد انتقده شيخ الإسلام. وعلى الرغم من انتقاد شيخ الإسلام له كما انتقده رجل الإصلاح رشيد باشا بطل الخط - كولخانة -، وتبع هذه الانتقادات انتقادات أخرى من كبار رجال الدولة العثمانية. وقال رشيد باشا: إنه سار أشواطاً إلى الأمام لأنّه جاء كقفزة بدلاً من النص على تنفيذ الإصلاح بالتدريج، وإن إلحاقه بصلح باريس يشكل خطراً على السلطان والدولة.
تحويل الأقلية إلى أكثرية:
عندما كانت الدولة العثمانية في أوج قوّتها وانتصاراتها كانت الأكثرية الإسلامية تاركة الحكم الذاتي للأقلية، ومفسحة لها المجال في المشاركة في الحياة السياسية العامة حسب الكفاءات الموجودة فيها، وعندما ضعفت الدولة العثمانية وبقيت محاولة على أملاكها تحول الأمر من - أهل ذمّة - إلى - أقلية -، فاستفادت من حقوق أهل الذمّة ومن الامتيازات التي فرضتها الدول الأجنبية، وبقيت هذه الدول تتباكى على حقوق الأقليات الدينية ثمّ الأقليات القومية إلى أن طردت الدولة العثمانية من أوربا، فصار المسلمون في أوربا (أقليات) في كلّ دولة يقيمون فيها، فلم يعد أحد يتباكى على الأقليات، ولا على حقوقها، وأصبح همّ كلّ دولة أوربية فيها أقلية مسلمة أن تستأصل هذه الأقليات وتقضي عليها، وبرز الحقد الصليبي ثم الشيوعي على أشدّهما في التعامل مع هذه الأقليات ابتداءً من حرمانها حقوقها وعدم الاعتراف بوجودها، وانتهاءً بالعمل على استئصالها وإبادتها.
إنّ ظهور الدولة القومية في أوربا والتي انطلق شظاها ونارها فأحرق الأتراك والعرب، إنما تجسد في انفصال هذه القوميات العرقية عن الدولة العثمانية، وانتهى بإلغاء الخلافة، وتبرز الروح العلمانية في هذه الدول كلها على السواء بإبعاد الدين عن الدولة، وجعل حقّ التشريع للشعب وممثليه فقط، وإنهاء الأقلية من خلال حكم الأكثرية الديمقراطي.
7- الأقليات الإسلامية في العالم:
يختلف تقدير أعداد الأقليات المسلمة في العالم بين الباحثين لعوامل متعدّدة، وإذا أردنا أن نصل إلى تقديرات أقرب للواقع، فأفضل الأساليب هو توثيق العلاقات بالأقليات المسلمة في العالم، والاستعانة برأيها وخبرتها في هذا المجال، إضافة إلى الاستعانة بالمراكز الإسلامية المبثوثة في العالم.
وهذه التقديرات التقريبية إنما قدمها الباحث د. محمد محمود محمدين([171]) على ضوء بعض الأسس المتاحة التي اقترحها الباحث.
" تناول البحث تقدير أعداد الأقليات المسلمة في العالم بأكثر من (371) مليون، أي (35%) من مجموع المسلمين في العالم الذين قدرهم الباحث بأكثر من (1066) مليون سنة 1985م "([172]).
القـارة
عدد السكان المسلمين في الدول الإسلامية
الأقليات المسلمة بالمليون
المجموع
1
آسيا
470 مليون
282 مليون
752 مليون
2
أفريقيا
223 مليون
70 مليون
293 مليون
3
أوربا
2 مليون
15 مليون
17 مليون
4
الأمريكتان
-
4 مليون
4 مليون
5
أستراليا
-
0.3
0.3
6
المجموع
695 مليون
371.3 مليون
1066.3 مليار
7
النسبة
65%
35%
100%
وتتزايد أعداد المسلمين في العالم ما بين 21-25 مليون في السنة([173]).
أ / الأقليات المسلمة في آسيا:
تقدر أعداد المسلمين في أهمّ أقطار آسيا غير الإسلامية على النحو التالي:
الدولــة
عـدد المسلمين بالمليون
نسبتهم المئوية من مجموع السكان
1
الهند
100 مليون
15%
2
الصين الشعبية
95 مليون
10%
3
الاتحاد السوفيتي([174])
65 مليون
25%
4
سريلانكا
1.2 مليون
8%
5
تايلاند
6.1 مليون
12%
6
بورمـا
2.7 مليون
7%
7
الفلبين
5.7 مليون
11%
8
دول آسيوية أخرى
2.4 مليون
---
ومما تجب الإشارة إليه أنّ مسلمي آسيا يلقون اضطهاداً، ويتعرّضون للمذابح في بعض المناطق، كما هو الحال في الاتّحاد السوفيتي وفي الفلبين، وفي تايلند، وفي الهند... وما حدث في أسام دليل على ذلك، حيث دمرت قرى المسلمين، وذبح الرجال والنساء والأطفال.
ب/ الأقليات الإسلامية في أفريقية:
يقدر عدد المسلمين في أفريقيا بأكثر من (293) مليون، منهم (223) مليون مسلم يعيشون في الأقطار الإسلامية بنسبة 76%، ويعيش أكثر من (70) مليون (24%) في أقطار غير إسلامية.
ويقدر عدد المسلمين في بعض الدول الأفريقية غير الإسلامية على النحو التالي:
الدولــة
عـدد المسلمين بالمليون
الدولــة
عـدد المسلمين بالمليون
أثيوبية
17 مليون
ملاوي
2.8 مليون
تنزانيا
12 مليون
مدغشقر
2 مليون
أوغندا
5 ملايين
موزنبيق
2 مليون
كينيا
4 ملايين
زامبيا
1.2 مليون
غانـا
3.9 ملايين
--
--
وجدير بالذكر أن مسلمي أثيوبيا يلقون معاملات سيئة، ويتعرّضون للاضطهادات الدينية.
ما فعله أقطاب الشيوعية في تلك الأقطار الإسلامية يفوق الخيال. في تركستان (مجموعة الجمهوريات) قتل (6) ملايين مسلم سنة 1919م، هرب منهم مليونان ونصف. في سنة 1933م قتلوا (100.000) مسلم. هذا وقد ثبت بالإحصائيات أنّ ستالين قد قتل (11) مليون مسلم.. أما في القرم.. يقول الشيخ الغزالي في كتابه: (الإسلام في وجه الزحف الأحمر): كان سكان القرم (5) ملايين مسلم سنة 1917م، فأمسوا سنة 1940م (400.000) فقط، أي أقلّ من عُشر السكان. أين ذهب أولئك المسلمون؟. أمسوا عمالاً هائمين في فيافي سيبريا وغيرها. وكان في المناطق الإسلامية (600) مدرسة لتعليم القرآن والدين الإسلامي قبل الثورة الشيوعية، و(24) ألف مسجد، لم يبقَ منها حتى الآن سوى عدد قليل جداً. وحول الكثير منها إلى ملاهي ودور سينما ومستودعات ومتاحف.. وغير ذلك([175]).
وأما الشيشان، ذلك الشعب المسلم الذي لا يتجاوز المليون ونصف المليون، فقد وجهت له قنابل الطائرات وقذائف المدافع وصنوف العذاب، فقتل منه مئات الألوف، وشُرّد الشعب بأكمله، ودُمّرت المدن، وأُحرقت القرى، وانتهكت أعراض، ويتّمت أطفال. فما وهن ولا استكان، وما زاده ذلك إلا صموداً وتمسّكاً بدينه..
والهمجية التي يمارسها الروس على الشيشان تفوق الوصف، ولولا أنّ شبكات التلفزة تنقل صور الحرق والدمار الذي تقوم به الطائرات وراجمات الصواريخ دون تمييز، لَما صدّق أحدٌ صدورها من الحيوانات، بل الإنسان([176]).
هذا وقد استقلّت الجمهوريات الإسلامية عن روسيا، وشكلت دولاً مستقلة هي بتاريخ 2/92.
الجمهورية
العاصمة
عـدد السكان
المسلمين
1
أوزبكستان
طشقند
22.000.000 مليون
88%
2
قازاقستان
ألما أتا
16.782.000 مليون
52%
3
قرغيستان
بيشكيك
4.590.000 ملايين
73%
4
طاجيكستان
دوشنبة
5.500.000 ملايين
90%
5
تركمانستان
عشق أباد
3.789.000 ملايين
86%
6
أذربيجان
باكو
7.270.000 ملايين
82%
ويقدر عدد المسلمين في هذه الجمهوريات بـ(53) مليون مسلم.
جـ/ الأقليات المسلمة في أوربا:
لا توجد في أوربة إلا دولة إسلامية واحدة، هي ألبانيا، وتقع جنوب شرقي أوربا، ويصل عدد المسلمين فيها إلى مليوني نسمة. أما بالنسبة للأقليات المسلمة في أوربا فيصل عددها إلى (15) مليون,ويعيش في يوغسلافيا وحدها أكثر من خمسة ملايين مسلم.
" وقد بدأت مأساة المسلمين في البوسنة والهرسك في إبريل 1992م بعد تفكّك جمهورية الاتحاد اليوغسلافي أعلنت جمهوريتا صربيا والجبل الأسود اتحادهما، كما أعلنت جمهوريات كرواتيا وسلوفينيا ومقدونيا استقلالها، ولكن ما إن أعلنت جمهورية البوسنة والهرسك ذات الغالبية المسلمة استقلالها حتى تكالبَت عليها قوى الشرّ "([177]).
وسقط منهم (250) ألف شهيد، من بينهم (70) ألفاً قضوا نحبهم في مجازر جماعية، ومثّل الصربيون بأجسادهم. وجرحاهم أكثر من عدد شهدائهم، ولم يهنوا، وأصبح من بينهم (150) ألف معاق، ولم يستسلموا. أما المعتقلون في معتقلات تقشعرّ لها أبدان أتباع هتلر، فقد وصل عددهم (300) ألف، لكن المشردين بلا مسكن ولا مأوى عددهم مليون و(800) ألف، هجروا في داخل البوسنة والهرسك، و(375) ألف هجروا إلى خارج أراضي الدولة. أتعرف ما هو العدد الكلي للشعب المسلم في البوسنة والهرسك؟. إنه أكثر من (3) مليون نسمة بقليل. إذن أعد الحساب لتعرف حجم الكارثة "([178]).
وآخر مآسي المسلمين في أوربا قرار منع الحجاب للمسلمات، الصادر عن الرئيس الفرنسي, بحجة تناقضه مع علمانية الدولة، وتبدأ مأساة ملايين المسلمين عند إقراره من مجلس النواب الفرنسي.
د / الأقليات المسلمة في الأمريكيتين:
يقدّر عدد المسلمين في الأمريكيتين بما يقرب من أربعة ملايين مسلم([179]).
وتضمّ الجالية الإسلامية في أمريكا الشمالية أكثر من ثلاثة ملايين مسلم، منهم أكثر من مليونين من أصل أفريقي من المسلمين السود.
ويقدّر عدد المسلمين في أمريكا الجنوبية والوسطى بِـ(400) ألف مسلم. وهناك منظمات إسلامية عديدة في الولايات المتحدة لها نشاط ملموس، مثل المجلس الإسلامي واتّحاد الطلبة المسلمين، وله فروع في أكثر الولايات. وهناك مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية الذي يمثل المسلمين لدى الحكومة الأمريكية، غير أنّ الأوضاع اختلفت كثيراً بعد أحداث 11 أيلول، وتحوّلت أمريكا بقوانينها الاحتياطية إلى دولة بوليسية، حتى ليقول نهاد عوض ؛ المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الإسلامية: لا نطالب بغير العدالة والمساواة، " ونحن كنا ولا نزال نعتقد بأنها سياسة تقوم على التمييز العنصري، ولم تكن مجربة، ولم توفر الأمان والحماية لأحد، بل استهدفت المسلمين والعرب كونهم مسلمين وعرباً، وكنا محقّين برفع دعوى قضائية ضدّ الحكومة. وعندما سئل: هل تَمّ اعتقال أو اتهام أيّ شخص في إطار هذا الإجراء (تسجيل نفسه) خلال العام الماضي بتُهم تتعلق بالإرهاب؟. فأجاب: المشكلة أنه تَمّ اعتقال مجموعة كبيرة من العرب والمسلمين... وتَمّ ترحيل مجموعة كبيرة من العرب والمسلمين، ولم نسمع أحداً أُدين بموجب هذه الاعتقالات بتُهم تتعلق بالإرهاب...
وما نُطالب به هو ما طالبت به أقليات أخرى دفاعاً عن الدستور الأمريكي وعن الحريات، وهو أن تكون عدالة متساوية، وأن لا يستخدم القانون بانتقائية، فمن المعروف أنّ الحريات المدنية في الولايات المتحدة متدهورة، وهو أمر فرضَ نفسه على برامج المرشحين للانتخابات، حتى الجمهوريين منهم "([180]).
هـ/ الأقليات المسلمة في أستراليا:
عدد المسلمين في أستراليا (300) ألف مسلم، ويوجد في أستراليا خمس وخمسون جمعية إسلامية، وأكثر من (35) مسجداً ومركزاً إسلامياً.
والمطلوب من الدول الإسلامية أن تتخذ بعض الإجراءات ضدّ الدول التي تضطهد الأقليات المسلمة.
أما ما تعانيه الأقلية المسلمة عند اليهود في فلسطين فله حديث آخر، وبتفصيل في غير هذا المجال، وإن كان المسلمون قد غدوا............... لليهود المحتلين.
8- الأقليات العِرقية والدينية في الوطن الإسلامي:
لقد اختلف الأمر جذرياً بعد سقوط الخلافة الإسلامية عام 1924م. وفي نظرة شاملة إلى العالم الإسلامي في هذا القرن وبعد سقوط الخلافة أنه تحوّل إلى دويلات وطنية وقومية علمانية أو اشتراكية أو ليبرالية، فما هي الأقليات في الدولة الوطنية؟.
الأقليات العِرقية: ففي ظلّ الدولة القومية والوطنية تعتبر الأكثرية قومية عربية، والأقليات المهمّة والبارزة على ساحة الوطن العربي هم الأكراد بين أربع دول عربية وإسلامية والبربر في الشمال العربي الأفريقي.
فالدولة الوطنية التركية، والدولة الوطنية الإيرانية، والدولة القومية العراقية، والدولة القومية السورية، تريد أن تُذيب هذه الأقليات، وتقضي على وجودها وأصولها. وهذا من التخطيط الاستعماري لتوزيع أرض العرب والإسلام إلى دويلات متنازعة، ورفض الاعتراف بالقومية الكردية كأمّة لها حق تقرير المصير، مثل سائر الأمم.
لم يكن هذا الأمر قائماً في ظلّ الدولة الإسلامية، فالقوميات كلّها معترف بها في ظلّ الراية الإسلامية العثمانية، ولها حقوقها الكاملة، أما وقد أصبحت الدول قومية أو وطنية، فكلّ أقلية عرقية تريد أن تحافظ على وجودها وكيانها وذاتيتها، وتقاوم عمليات الإبادة والتذويب وتغير الهوية.
وما يقال عن الأكراد يُقال عن البربر كذلك، ومعاناتهم وثوراتهم في الجزائر والمغرب أمام عمليات الصهر القومي العربي، وإلغاء التاريخ القومي العِرقي لهم، والثورات والتظاهرات والمواجهات للدول الحاكمة.
وما هي الأقليات في ظلّ الدّولة العلمانية؟.
الأقلية الإسلامية:فبعد أن كان المسلمون يمثلون الأكثرية في كلّ قطر عربي أو إسلامي، أصبحوا في ظلّ الدولة العلمانية أقلية مرفوضة، وأصبحت القوانين في معظم هذه الدول تصرّ على عدم السماح لقيام حزب على أساس ديني، وصارت المواجهة مفروضة بين الإسلاميين الذين يريدون تحكيم الشريعة في حياتهم، وبين العلمانيين الذين يريدون إلغاء الشريعة الإسلامية. لقد صار الإسلام غريباً على الأمّة، وأصبح العلمانيون يتحكّمون في السّلطة ويتحكّمون في القرار، ويرفضون الاعتراف بالوجود الإسلامي في دولهم، ويلاحقون دعاة الإسلام في كلّ مكان، ويزجّونهم في غياهب السجون، ويقودونهم إلى المقاصل، وينفونهم عن أوطانهم، وينزعون عنهم جنسيتهم الوطنية، وينطلقون من الديمقراطية العلمانية.
هذا الواقع المأساوي الذي حوّل الأكثرية الإسلامية إلى أقلية تسعى لتحكيم الإسلام وتلاحق في كلّ مكان، وحوّل الأقليات العِرقية من الأكراد والبربر إلى غرباء عن أوطانهم وأجانب على بلدهم. وعليهم إن أرادوا أن يدخلوا في نسيج بلدهم أن يتخلّوا عن انتمائهم العِرقي.
وهذا هو الهدف الرئيس وراء إلغاء الخلافة الإسلامية، بينما نجد أنّ دولاً قامت بمئات الأجناس والأعراق والأديان تحت الراية البوذية في الهند، والراية الشيوعية في الصين والاتحاد السوفيتي من قبل، والراية الليبرالية في الولايات المتحدة الأمريكية، والراية الأوربية اليوم في دول الاتحاد الأوربي، وكذلك كان الأمر تحت الراية العثمانية. بينما يحرم ذلك على العرب والمسلمين، بعد توزعهم بددا وتفرقهم شتى.
11- المنطلق العلماني في حقوق الإنسان:
المواثيق الدولية:
والارتباط وثيق جداً بين الحديث عن المواثيق الدولية والأقليات، فالمواثيق الدولية في القرن العشرين هي نتاج حربين عالميتين طاحنتين، أنتجت الأولى عصبة الأمم المتحدة، وأنتجت الثانية جمعية الأمم المتحدة، وانتهت الحرب الأولى باقتسام أملاك الدولة العثمانية والاتفاق على توزيعها، وخرجوا بفكرة الانتداب الذي برروا به احتلالهم لهذه الدول، وبعد أن كرسوا الإقليمية بها، أعطوها الحرية ظاهراً بحيث تقوم كلّ دولة بكيانها وحدودها، وفسحوا لها المجال بالانضمام إلى الأمم المتحدة.
2- ربع دول الأمم المتحدة دول إسلامية، أي ما ينوف عن خمسٍ وخمسين دولة، والأصل أن تكونَ هذه الدول الخمس والخمسون دولة واحدة، كما أنّ الهندوس دولة واحدة هي الهند، والبوذيون دولة واحدة هم الصين، والشيوعيون دول عدّة بينهما أكبر دولتين في العالم الاتحاد السوفيتي سابقاً، والصين الشيوعية، ولو أن المسلمين دولة واحدة لكانوا على الأقلّ واحدة من الدول الكبرى في العالم، كما كانت تركيا في بداية هذا القرن، وكان لوجودهم أثر حاسم في التحكم في مصير العالم، إنهم خمس سكّان العالم، ومع ذلك هم على هامش هذا العالم. فُرضت إسرائيل رغماً عنهم، حيث قامت دولة اليهود في فلسطين، وشرّد الشعب الفلسطيني في الأرض، وهم عاجزون عن اتّخاذ أيّ قرار يخصّهم إذا لم ترضَ الدول الكبرى عنه، فقضية كشمير، وقضية فلسطين، وغيرها من القضايا الإسلامية العالقة منذ خمسين عاماً، وتلك قضية البوسنة والهرسك عجزوا عن فرض أيّ قرار فيها، إلا القرار الذي اتّخذته أمريكا، وهذه قضية الشيشان، حيث يُذبح شعبٌ بأكمله، ودول العالم الإسلامي تعجز حتى عن توحيد رأي، بل اتّخاذ قرار.
الأقليات والمواثيق الدولية
مخطط البحث:
أولا:- تعريف الأقلية
ثانيا:-الأقلية في العهد النبوي
ثالثا:- الأقليات على امتداد التاريخ الإسلامي
رابعا:- الأقليات في العالم وكيف عوملت؟
خامسا:- الحرب العلمانية للدولة العثمانية وظهور فكرة الأقليات
سادسا:- الأقليات في خط شريف كولخانة، والخط الهمايوني
سابعا:- الأقليات الإسلامية اليوم وكيف تعامل؟
ثامنا:- الأقليات العِرقية والدينية في الوطن الإسلامي
تاسعا:- مقارنة بين الإسلام والواقع بالنسبة للأقليات
عاشرا:- ما يتعلق بالأقليات في وثيقة حقوق الإنسان
الحادي عشر:- المنطلق العلماني في حقوق الانسان
الثاني عشر:- تطوّرات في حقوق الإنسان:-
1- المرأة 2- مؤتمر السكان 3- الطفل 4- الأسرة
الثالث عشر: -الأقليات في سورية
الرابع عشر:- كيف كانت تُعامَل الأقليات في العهد الإسلامي في سورية؟
الخامس عشر:- الأقليات في عهد الاحتلال
السادس عشر:- الأقليات في عهد الاستقلال
السابع عشر:- الأقليات في عهد البعث وبعد انقلاب 8 آذار
الثامن عشر:- كيف نتعامل مع الأقليات اليوم؟
الأقليات والمواثيق الدولية
1- تعـريف الأقلية:
كلّ ما ذكر في المعجم الوسيط في تعريفها: الأقلية: خلاف الأكثرية، جمع أقليات.
لكن ورد الحديث عنها في تعريف الديمقراطية الحرة:
ديمقراطية حرة: الديمقراطية التي تحاول حلّ التعارض بين السلطة والحرية، والذي ينشأ عن وجود أغلبية يخضع لها الأقلية، وذلك عن طريق وسائل للتوفيق والتعادل، كالاعتراف للأفراد بالحقوق في مواجهة الدولة - بنوع خاص حقّ المعارضة -.
2- الأقلية في العهد النبوي:
عندما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أسس أول حكومة إسلامية من اثني عشر وزيراً موزعين على قبائل المدينة كلها. " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أخرجوا منكم اثني عشر نقيباً)). فأخرجهم، فكان نقيب بني النجار أسعد بن زرارة، وكان نقيب بني سلمة البراء بن معرور وعبد الله ابن عمرو بن حرام، وكان نقيب بني ساعدة سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو، وكان نقيب بني زريق رافع بن مالك بن العجلان، وكان نقيب بني الحارث بن الخزرج عبد الله بن رواحة وسعد بن الربيع، وكان نقيب بني عوف بن الخزرج عبادة بن الصامت، ونقيب بني عبد الأشهل أسيد بن حضير وأبو الهيثم بن التيهان، وكان نقيب بني عمرو بن عوف سعد بن خيثمة.
هذه قبائل المدينة كاملة، وكلّ قياداتها مسلمة، ومعظم أبناء القبائل مسلمين.كان هناك في كلّ قبيلة من هذه القبائل عدد من الأفراد قد اعتنقوا الديانة اليهودية، وكان هناك في كلّ قبيلة من هذه القبائل عدد من الأفراد لا يزالون على شركهم، فجاءت الوثيقة النبوية خصيصاً لتحديد حقوق هذه الأقليات من هؤلاء الأفراد، دون ذكر حقوق المشركين ؛ لأنّ الذين أسلموا كانوا مشركين كلهم، وكلّ يوم ينضمّ جديداً منهم لهذا الدين، أما اليهود فلم يسلم منهم أحد، وبقوا على يهوديتهم.
فما هي الحقوق التي أعطيت لهم؟.
1- اعترف بهم جزء من المجتمع المدني: وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين..
2- الاعتراف بدينهم واستقلالهم فيه: لليهود دينهم وللمسلمين دينهم.
3- ومواليهم لهم مثل حقهم: مواليهم وأنفسهم.
4- يحفظ لهم انتماءهم القبلي: وإن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني الحارث مثل يهود بني عوف، وإن ليهود بني ساعدة مثل يهود بني عوف، وإنّ ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف، وإنّ ليهود الأوس مثل ما ليهود بني عوف، وإنّ لبني الشطينة ما ليهود بني عوف.
5- التعامل معهم بالبرّ والقسط: وإن البرّ دون الإثم.
6- لأتباعهم حقّ مثل حقّ أسيادهم: وإن بطانة يهود كأنفسهم.
الواجبات عليهم:
1- الاشتراك في الإنفاق عند الحرب: وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين دون المحاربين.
2- لا حماية لظالم: إلا من ظلم وأثم فإنه لا............ إلا نفسه وأهل بيته.
3- الاستئذان عند مغادرة المدينة: وإنه لا يخرج أحد منهم إلا بإذن محمد r.
الحقوق والواجبات المشتركة لمواطني المدينة: مسلمين ويهود:
1- خطأ الحليف لا يحمله المتحالف معه، فكلّ مخطئ يحاسب على تقصيره: وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه.
2- والمظلوم أياً كان جنسه أو عقيدته فلا بدّ أن يُنصر: وإن النصر للمظلوم.
3- حدود الوطن واحدة للجميع، يحرم فيها الاعتداء: وإنّ يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة.
4- معاملة الجار كالنفس (المستجير): وإن الجار كالنفس، غير مضار ولا آثم.
5- الحُرمات مصونة، فلا يتدخل فيها أحد إلا بإذن أهلها: وأنه لا تجار حرمة بدون أهلها.
6- الحكم للإسلام دين الأكثرية: وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من اشتجار أو حدث يخاف فساده فإنّ مردّه إلى الله عز وجل، وإلى محمد رسول الله، وذلك في الخلافات بين اليهود والمسلمين.
7- أما خلافاتهم بينهم فيُحكمون بديانتهم بينهم إلا إذا طلبوا حكم الدولة، { فَإِذَا جَاؤُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالقِسْطِ }.
8- جوار العدو ممنوع وجوار حلفائه: وإنه لا تجار قريش ولا من نصرها.
9- ومسؤولية الدفاع عن الوطن مسؤولية شاملة لكلّ فرد: وإن بينهم النصر على مَن دهم يثرب.
10- ما تقره الدولة من سِلم أو حرب يسري على الجميع: وإذا دُعوا إلى صُلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه.
11- ومن حقّ غير المؤمنين على المؤمنين أن ينصروا حلفاءهم: وأنهم إذا دعوا لمثل ذلك فإنّ لهم على المسلمين إلا مَن حارب الدين.
12- لا أمان لظالم أو آثم في الدولة المسلمة مهما كان جنسه أو عقيدته: وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم.
13- وحق الأمن مصون للجميع في أموالهم وتحركهم وتعاملهم: وإنه مَن خرج آمن، ومَن قعد آمن، إلا مَن ظلم وأثم.
14- والدولة عون وكف ونصر لكلّ مَن برّ واتقى: وإن الله جار لكلّ مَن برّ واتقى، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبتفحّص الواجبات لا نجد إلا واجباً خاصاً على اليهود: هو الاستئذان إذا خرجوا من المدينة، وما تبقى فالمواطنون جميعاً شركاء فيه.
وعاش اليهود والأقلية في ظلّ الدولة المسلمة ينعمون بهذه الحقوق. ولم يمسّ أحد منهم بسوء. وكان التعامل قائماً بينهم وبين المسلمين، حتى ليستدين الرسول صلى الله عليه وسلم منهم، ويرهن درعه عندهم، ويزورهم في بيوتهم، ويتزاوجون، ويستضيف بعضهم بعضاً كأنهم لحمة واحدة، ولكلّ دينه.
3- الأقليات على امتداد التاريخ الإسلامي:
نعرض نموذجاً من وضع الأمم في ظلّ الإسلام، وهو نموذج مصر.
" فقال المقوقس عند ذلك لمن حوله: أطيعوني وأجيبوا القوم إلى خصلة من هذه الثلاث، فوالله مالكم بهم من طاقة، ولئن لم تجيبوا إليها طائعين لتجيبنهم إلى ما هو أعظم كارهين.
فقالوا: وأيّ خصلة نجيبهم إليها؟قال: إذن أخبركم:أما دخولكم في غير دينكم فلا آمركم به. وأما قتالهم فأنا أعلم أنكم لن تقووا عليهم، ولن تصبروا صبرهم، ولا بدّ من الثالثة. قالوا: أفنكون لهم عبيداً أبداً؟.
قال: نعم، تكونوا عبيداً مسلطين في بلادكم، آمنين على أنفسكم وذراريكم وأموالكم خيرٌ لكم من أن تموتوا عن آخركم وتكونوا عبيداً تُباعوا وتُمزقوا في البلاد مستبعدين أنتم وأهلوكم وذراريكم.. "([155]).
" فاجتمعوا على عهدٍ بينهم، واصطلحوا على أن يفرض على جميع مَن بمصر أعلاها وأسفلها من القبط ديناران ديناران عن كلّ نفس، شريفهم ووضيعهم، من بلغ الحُلم منهم، ليس على الشيخ الفاني ولا على الصغير الذي لم يبلغ الحُلم ولا النساء شيء. وعلى أن للمسلمين عليهم النزل لجماعتهم حيث نزلوا، ومَن نزل عليه ضيف واحد من المسلمين أو أكثر من ذلك كانت لهم ضيافة ثلاثة أيام مفترضة عليهم، وأن لهم أرضهم وأموالهم لا يعرض لهم في شيء منها... فكان جميع من أحصي يومئذٍ بمصر أعلاها وأسفلها من جميع القبط فيما أحصوا وكتبوا ورفعوا أكثر من ستّة آلاف ألف نفس، فكانت فريضتهم يومئذٍ اثني عشر ألف ألف دينار في كلّ سـنة "([156]).
لم يكن أهل البلاد الأصليين أقلية، لكنهم عندما دخلوا في الإسلام وانضموا إلى الفاتحين المسلمين، بقي الذين حافظوا على دينهم أقلية بالنسبة لكلّ قطر، وبقيت لهم حقوقهم كاملة كما هي من خلال الصورة السابقة.
يقول غوستاف لوبون بهذا الصدد ما يلي:
" وكان يمكن أن تعمي فتوح العرب الأولى أبصارَهم، وأن يقترفوا من المظالم ما يقترفه الفاتِحون عادةً، ويسيئوا معاملة المغلوبين، ويكرهوهم على اعتناق دينهم الذي كانوا يرغبون في نشره في العالم. ولو فعلوا هذا لتألبت عليهم جميع الأمم التي كانت غير خاضعة لهم بعد، ولأصابهم مثل ما أصاب الصليبيين عندما دخلوا بلاد سورية مؤخراً. ولكن العرب اجتنبوا ذلك، فقد أدرك الخلفاء السابقون الذين كان عندهم من العبقرية السياسية ما ندر وجوده في دعاة الديانات الجديدة، أنّ النظم والأديان ليست مما يُفرض قسراً، فعاملوا - كما رأينا - أهل سورية ومصر وأسبانية وكلّ قطر استولوا عليه بلطفٍ عظيم، تاركين لهم قوانينهم ومعتقداتهم، غير فارضين عليهم سوى جزية زهيدة في الغالب إذا قيست بما كانوا يدفعونه سابقاً في مقابل حفظ الأمن بينهم. فالحقّ أنّ الأمم لم تعرف فاتحين متسامحين مثل العرب، ولا ديناً مثل دينهم.
وما جهله المؤرخون من حلم العرب الفاتحين وتسامحهم كان من الأسباب السريعة في اتساع فتوحهم، وفي سهولة اعتناق كثير من الأمم لدينهم ونظمهم ولغتهم التي رسخت وقاومت جميع الغارات، وبقيت قائمة حتى بعد أن توارى سلطان العرب عن مسرح العالم. ونعُدّ من الواضح خاصة أمر مصر التي لم يوفق فاتحوها من الفرس والأغارقة والرومان أن يقلبوا الحضارة الفرعونية القديمة فيها، وأن يقيموا حضارتهم مقامها "([157]).
" ويمكن القول بأنّ التسامح الديني كان مطلقاً في دور ازدهار حضارة العرب، وقد أوردنا على هذا غير دليل، ولا نسهب فيه، وإنما نشير إلى ما ترجم مسيودوزي من قصة أحد علماء الكلام الذي كان يحضر ببغداد دروساً كثيرة في الفلسفة، يشترك فيها أناسٌ من اليهود والزنادقة والمجوس والمسلمين والنصارى، فيستمع إلى كلّ واحدٍ منهم باحترامٍ عظيم، ولا يطلب منه إلا الأدلة الصادرة عن الفعل، لا إلى الأدلة المأخوذة من أيّ كتاب ديني كان، فتسامح مثل هذا هو مالم يتصل إليه أوربا بعدما قامت به في أكثر من ألف سنة من الحروب الطاحنة، وما عانته من الأحقاد المتأصلة، وما مُنيت به من المذابح الدامية "([158]).
ولا نبالغ إذا قلنا: إنّ فكرة الاعتراف بالآخر أو الاعتراف بالأقليات وحقوقها لم توجد في تاريخ البشرية إلا في ظلّ الإسلام. وقد يكون كثير من الظلم قد وقع على المسلمين أنفسهم من خلال صراعاتهم السياسية، لكن الشيء الثابت الذي لم يتغير على الإطلاق، والعدل الذي استمرّ طيلة القرون هو تعامل الإسلام ودولة الإسلام مع غيرهم، حيث لم تمس حريتهم بسوء، وعاشوا أربعة عشر قرناً في ظلّ الخلافة الإسلامية آمنين مطمئنّين، حتى كان القرن الأخير والذي قبله، حيث قامت الفتن الطائفية، وأصبحت سِمة العصر.
* الإسلام ينقذ النصارى من ظلم النصارى: نموذج مصر:
" ولما لم يكن للحكام الجدد من المسلمين اهتمام بالمنازعات الذهبية وأحزاب المجامع الكنسية، رأى عمرو أنّ من حُسن السياسة ألا يفرق بين الملكانية (مذهب الدولة) واليعقوبية (مذهب القبط شعب مصر)، فلم يتحيز لأحد من الطرفين، بل أقرّ الحرية الدينية، ورفع الاضطهاد عن القبط، وأظلّ الفريقين بعدله، وحماهما بحسن تدبيره، فنادت الحياة إلى المذهب اليعقوبي في هذا الجوّ الجديد، جوّ الحرية الدينية، حتى صار المذهب السائر في مصر كلها.
ولما عرف رهبان القبط هذا الأمر من عمرو بن العاص ويتقنوه، خرج عدد عظيم منهم من الأديرة التي كانوا قد اعتصموا بها خوفاً من الاضطهاد والعسف، وساروا في نحو سبعين ألفاً كما يروي المقريزي كلّ منهم يحمل في يده عصا إلى عمرو، ويعلنون له الطاعة، فأحسن لقاءهم ورحب بهم.
وكان عمرو بن العاص من جهة أخرى حريصاً على أن يعود البطريق بنيامين إلى رئاسته الدينية لما عرف من محبة القبط له، وتعلّقهم به، لذلك أرسل عمرو كتاباً إلى بنيامين يقول فيه:
" أينما يكون بطريق القبط بنيامين نعدّه بالأمان والحماية في عهد الله، فليأت البطريق إلى هنا في أمانٍ واطمئنان ليلي أمر ديانته، ويرعى أهل ملّته، أو كما جاء في عهد الأمان هذا في كتاب أبي صالح الأرمني، فليأت الشيخ البطريق آمناً على نفسه، وعلى القبط الذين بأرض مصر والذين في سواها لا ينالهم أذى، ولا تخفر لهم ذمّة.
ولم يلبث عن الأمان الذي كتبه عمرو بن العاص أن بلغ البطريق بنيامين، مناد من مخبئه، ودخل الإسكندرية دخول الظافرين، وفرح الناس برجوعه فرحاً شديداً بعد غياب بلغت مدّته ثلاثة عشر عاماً، ومن هذه المدّة عشر سنين وقع فيها الاضطهاد الأكبر للقبط على يدقيرس...
وأخذ بنيامين يقول لأتباعه: عدت إلى بلدي الإسكندرية، فوجدتُ بها أمناً بعد الخوف، واطمئناناً بعد البلاء، وقد صرف الله عنّا اضطهاد الكفرة وبأسهم..
وقد بلغ من ابتهاج القبط بعودة الحرية الدينية إليهم مبلغاً عبّر عنه ساويرس بقوله: إنهم فرحوا كما تفرح الأسخال (صغار المعز) إذا حلت قيودها، وأطلقت لترتشف من لبن أمّهاتها "... وكان من أثر هذه الحرية الدينية التي أطلق عمرو بن العاص عقالها أن أقبل كثير من عقلاء الروم والمصريين الأقباط على النظر في المذاهب المختلفة، ثم انتهى أكثر هؤلاء إلى قبول الإسلام والدخول فيه "([159]).
4- الأقليات في العالم وكيف عوملت:
خضع الشرق لكثيرٍ من الشعوب، كالفرس والأغارقة والرومان، ولكن تأثير هذه الشعوب السياسي إذا كان عظيماً دائماً فإنّ تأثيرها المدني كان ضعيفاً عموماً، وإذا عدوت المدن التي كانت تملكها هذه الشعوب رأساً رأيتها لم توفق لفرض دينها ولغتها وفنونها، ومن ذلك أن ظلّت مصر الثابتة في زمن البطالمة وفي زمن الرومان وفية لماضيها.. ولم يغير المصريون دينهم سوى مرّة واحدة قبل العرب، وذلك حين خرب قياصرة القسطنطينية بلاد مصر بتحطيمهم جميع آثارها أو تشويهها، وجعلهم القتل عقوبة مَن يخالف حظر عبادة آلهتها الأقدمين. وهكذا عانى المصريون ديناً جديداً فرض عليهم بالقوة أكثر من اعتناقهم له، وما كان من تهافت المصريين على نبذ النصرانية ودخولهم في الإسلام يثبت درجة ضعف تأثير النصرانية فيهم.
في الحروب الصليبية:
ويدلّ على سلوك الصليبيين في جميع المعابد ؛ لأنّهم أشدّ من الوحوش حماقة، فقد كانوا لا يفرّقون بين الحلفاء والأعداء والأهلين العزّل والمحاربين والنساء والشيوخ والأطفال.. ونرى في كلّ صفحة من الكتب التي ألفها مؤرّخو النصارى ذلك الزمن براهين على توحش الصليبيين. ويكفي لبيان ذلك أن ننقل الخبر الآتي الذي.................. الشاهد الراهب روبرت عن سلوك الصليبيين في............... قال المؤرخ التقي:
" وكان قومنا يجوبون الشوارع والميادين وسطوح البيوت ليرووا غليلهم من التقتيل، وذلك كاللبوءات التي خطفت صغارها، وكانوا يذبحون الأولاد والشبان والشيوخ، ويقطعونهم إرْباً إرْباً، وكانوا لا يستَبْقون إنساناً، وكانوا يشنقون أناساً كثيرين بحبلٍ واحد بغية السرعة. فياللعجب، وياللغرابة أن تذبح تلك الجماعة الكبيرة المسلحة بأمضى سلاح من غير أن تقاوم، وكان قومنا يقبضون على كلّ شيء يجدونه فيبقرون بطون الموتى ليخرجوا منها قطعاً ذهبية، وكانت الدماء تسيل كالأنهار في طرق المدينة المغطاة بالجثث. فيا لتلك الشعوب المعدّة للقتل، ولم يكن بين تلك الجماعة الكبرى واحد ليرضى بالنصرانية ديناً.
ثم أحضر بوهيموند جميع الذين اعتقلهم ببرج القصر، وأمر بضرب رقابهم عجائزهم وشيوخهم وضعافهم، ويسوق فتيانهم وكهولهم إلى أنطاقية ليباعوا فيها.
وحدث قتل الترك في يوم الأحد الموافق 12 من ديسمبر، وإذ لم يمكن إنجاز كلّ شيء في ذلك اليوم، قتل قومنا ما بقي من أولئك في اليوم التالي "([160]).
وكانت القدس في ذلك الحين تابعة لسلطان مصر الذي استردّها من الترك، فاستولى عليها الصليبيون في 15 من يوليو سنة 1099م.. وكان سلوك الصليبيين حين دخلوا القدس غير سلوك الخليفة الكريم عمر بن الخطاب نحو النصارى حين دخلها منذ بضعة قرون.
قال كاهن مدينة لوبري ريموند داجيل: " حدث ما هو عجيب بين العرب حين استولى قومنا على أسوار القدس وبروجها، فقد قطعت رؤوس بعضهم، فكان هذا أقلّ ما يصيبهم، وبقرت بطون بعضهم، فكانوا يضطرّون إلى القذف بأنفسهم من أعلى الأسوار، وحرق بعضهم في النار، فكان ذلك بعد عذابٍ طويل، وكان لا يرى في شوارع القدس وميادينها سوى أكداس من رؤوس العرب وأيديهم وأرجلهم، فلا يمرّ المرء إلا على جثث قتلاهم...
لقد أفرط قومنا في سفك الدماء في هيكل سليمان، وكانت جثث القتلى تعوم في الساحة هنا وهنالك.. ولم يكتفِ الفرسان الصليبيون الأنقياء بذلك، فعقدوا مؤتمراً أجمعوا فيه على إبادة جميع سكان القدس من المسلمين واليهود وخوارج النصارى، الذين كان عددهم نحو ستين ألفاً، فأفنوهم على بكرة أبيهم في ثمانية أيام، ولم يستثنوا منهم امرأة ولا ولداً ولا شيخاً "([161]).
في الأندلس ومع محاكم التفتيش:
" وعاهد فردنياند العرب على منحهم حرية الدين واللغة، ولكن سنة (1499) لم تكد تحلّ حتى حلّ بالعرب دور الاضطهاد والتعذيب الذي دامَ قروناً، والذي لم ينتهِ إلا بطرد العرب من إسبانية، وكان تعميد العرب كرهاً فاتحة ذلك الدور، ثمّ صارت محاكم التفتيش تأمر بإحراق كثير من المعمدين على أنهم من النصارى، ولم تتمّ عملية التطهير بالنار إلا بالتدريج ؛ لتقدر إحراق الملايين من العرب دفعة واحدة. ونصح كردنيال طليطلة التقي - الذي كان رئيساً لمحاكم التفتيش - بقطع رؤوس جميع مَن لم يتنصّر من العرب رجالاً ونساءً وشيوخاً وولداناً، وأمرت الحكومة الأسبانية في سنة (1610م) بإجلاء العرب عن أسبانيا، فقتل أكثر مهاجري العرب في الطريق. وأبدى الراهب البارع بليدا ارتياحه لقتل ثلاثة أرباع هؤلاء المهاجرين في أثناء هجرتهم. وهو الذي قتل مائة ألف مهاجر من قافلة واحدة كانت مؤلّفة من (140.000) مهاجر مسلم كانت متّجهة إلى أفريقية.
وخسرت أسبانيا بذلك مليون مسلم من رعاياها في بضعة أشهر، ويقدّر كثير من العلماء - ومنهم سيديو - عدد المسلمين الذين خسرتهم أسبانيا منذ أن فتح فردنياند غرناطة حتى إجلائهم الأخير بثلاثة ملايين، ولا تعد ملحمة بارتلمي إزاء تلك المذابح سوى حادث تافه لا يؤبه له، ولا يسعنا سوى الاعتراف بأنّنا لم نجد بين وحوش الفاتحين من يؤاخذ على اقترافه مظالم قتل، كتلك التي اقترفت ضدّ المسلمين.
ومما يرثى له أن حُرمت أسبانيا عمداً هؤلاء الملايين الثلاثة الذين كانت لهم إمامة السكان الثقافية والصناعية.
ثم رأت محاكم التفتيش أن تبيد كلّ نصراني ترى فيه شيئاً من النباهة والفضل، فكان من نتائج هذه المظالم المزدوجة أن هبطت أسبانيا إلى أسفل دركات الانحطاط بعد أن بلغت قمّة المجد، وأن انهارَ معها كلّ ما كان فيها من الزراعة والصناعة والتجارة والعلوم والآداب والسكان "([162]).
5- الحرب العلمانية على الدولة العثمانية:
كان السلطان عبد المجيد فتىً لم يتجاوز السادسة عشر من عمره بعد وفاة والده السلطان محمود الثاني، وقد هزم الجيش العثماني أمام قوات محمد علي باشا في نصيبين شمالي سورية، وكان السلطان ومحمد علي أن يتفقا على حلٍّ سياسي خلاصته أن تبقى الشام ومصر لمحمد علي باشا وراثية، كما صرّح محمد علي باشا للقنصل البريطاني أنّه واثق بأنّ كلّ الاختلافات سوف تحسم دون تدخل القوى الكبرى ؛ لأنّه يعترف باحترام الكبير والخضوع للسلطان، وهذا ما رفضته الدول الأوربية أن يقوم حكم قويّ في مصر والشام، لذلك أرسلت إلى السلطان العثماني مذكرة مشتركة من سفراء كلّ من إنجلترا وفرنسا وروسيا والنمسا وبروسية تنصّ على عدم اتّخاذ قرار فيما بين السلطان العثماني ومحمد علي إلا بموافقتها وتحت علمها، وعرضت الدول الأوربية استعدادها للتوسط بين الفريقين.
فقبلت الدولة بهذا لحين استرجاعها ما فقدته من جيشها وأسطولها بعد مواجهة محمد علي، وتحت وطأة هذه الأزمة أصدر السلطان عبد المجيد أوّل مرسوم من مراسيم التنظيمات في أول سنة من تولي العرش،وبعد أربعة أشهر من ذلك استُدعي رشيد باشا السفير العثماني في لندن ليعين وزيراً للخارجية، وأقنع السلطان بهذا التنظيم - وهو الماسوني العريق - بحجة أنّ هذا البرنامج التغريبي يجعل الدول الغربية تساند الدولة في أزمتها، وأنها جديرة أن تعامَل معاملة الدول المتحضّرة الحديثة، وذلك بتطوير النظم وجعلها شبيهة بالنمط الأوربي الدستوري على أن تكون بداية الانطلاق هي مصلحة الرعايا المسيحيين وتحسين أحوالهم "([163]).
الحرب مع أوربا:
" وكما تمخضت أزمة محمد علي 1255-1256هـ / 1839-1840م عن صدور خط شريف كولخانة، فقد تمخضت حرب القرم في سنة 1270-1273هـ / 1853-1856م عن صدور خط إصلاحي جديد هو الخطّ الهمايوني، حيث اشتعلت الحرب بين روسيا والدولة العثمانية والحلفاء قرابة ثلاثة أعوام كان لا بدّ من وضع حدٍّ حاسم لها، فاتفق على عقد مؤتمر باريس للسلم وعقد المؤتمر في 11 جمادى الثانية 1273هـ، الموافق 25 شباط 1856م، وذلك بعد الإنذار الذي وجهته النمسا لروسيا، وذلك بانضمامها إلى الحلفاء في حالة رفض روسيا هذه الشروط.
وقد صيغت هذه الشروط في اتفاقية باريس التي وقع عليها كلّ من بريطانيا وفرنسا وروسيا والنمسا وتركية في البنود التالية:
1- تعهد الجميع بحفظ استقلال الدولة العثمانية الإسلامية.
2- المصالحة بين الفريقين المتحاربين، وإخلاء ما احتُلَّ من أراضي كلّ فريق.
3- إعادة المواقع العثمانية التي احتلّتها روسيا إلى العثمانيين.
4- إعلان العفو العامّ وإعادة الأسرى.
5- اعتراف الدول الأوربية باشتراك الباب العالي معهم في الاستفادة من المنافع الأوربية، واحترام استقلاله والمحافظة عليه.
6- تعهد الدول المتعاهدة بالتوسط لمنع الحرب بين الباب العالي العثماني والدول الأخرى.
7- إصدار منشور عثماني لصالح النصارى القاطنين في الدولة العثمانية.
واتفق لقبول العثمانيين ضمن المجموعة الأوربية أن تنفذ البند السابع من المعاهدة، وتصدر خطاً جديداً يضع برنامجاً للإصلاح أكثر اتساعاً ودقّة من خط شريف كولخانة "([164]).
والملاحظ أنّ كلّ تلك البنود في ظاهرها لصالح الدولة العثمانية، واستعدت الدول الأوربية لإعطاء هذه الميزات كلّها للدولة الإسلامية مقابل إصدار هذا المنشور العثماني للأقليات النصرانية في أرضها، وكان التنفيذ على يد ماسوني علماني أصيل.
فقد " ابتدأت التنظيمات الإدارية منذ عهد السلطان عبد المجيد، وكان وزير عبد المجيد رشيد باشا يرى في الغرب مثله الأعلى، وفي الماسونية فلسفته المثلى، وهو الذي أعد الجيل التالي به في الوزارة ورجال الدولة، وبمساعدته أسهم هؤلاء بعده في دفع عجلة التغريب التي بدأها هو أولاً، والذي صار سقوط السلطان عبد الحميد الثاني بعد ذلك وخروج الدولة عن الخط الإسلامي امتداداً طبيعياً لفكرة التغريب فيها، وقد أصدر مرسومين كانا بداية الانحراف عن الخطّ الإسلامي في التشريع الأول منهما في سنة 1839م، وعرف باسم منشور كلخانة، وصدر الآخر في 1856م، وعرف باسم الخط الهمايوني "([165]).
لقد ارتبطت الأقليات في الدولة العثمانية ارتباطاً دينياً ومذهبياً بوجهٍ عام، ففرنسا اعتبرت نفسها حامية للمذهب الكاثوليكي، وروسيا جعلت نفسها حامية للمذهب الأرثوذكسي في ممتلكات الدولة العثمانية، وإنكلترا جعلت نفسها حامية للمذهب البروتستانتي، وتدخل عوامل الغزو الفكري والعسكري في شؤون الدولة العثمانية جنباً إلى جنب، لحماية الأقليات ظاهراً، والقضاء على الإسلام في الحقيقة.
6- الأقليات في خط شريف كولخانة، والخط الهمايوني:
خط شريف كولخانة:
وهو الذي صدر بعد أزمة الدولة العثمانية مع محمد علي باشا.
" ونصّ الخط على تساوي رعايا الدّولة أمام القانون، المسلمين منهم وغير المسلمين، ولكن مع المحافظة على الشريعة الإسلامية أو الإطار الإسلامي، وتوفير الإخاء بين كلّ رعايا الدولة العثمانية بهدف تقوية الدولة، كما أكد على إيجاد ضمانات لأمن جميع رعايا الدولة على أموالهم وأملاكهم وأرواحهم، وهذا يعني وجوب إعلان المحاكمات ومطابقتها للوائح، وإلغاء نظام مصادرة الأملاك، وإيجاد نظام ثابت للضرائب، وتحديد نظام ثابت للجندية، بحيث لا تستمرّ مدى الحياة، ودعا الخط إلى الحرية الشخصية، والتملك الشخصي بحرية، وأعيد تنظيم الإدارة المحلية والمركزية.
الموقف من هذا الخط:
وبالرغم من موافقة هذا الخط لأهداف الدول الأوربية، فقد رفضه النصارى بدعوى أنه يجرّدهم من الامتيازات التي كانوا ينعمون بها عدّة قرون، والتي توفر لهم الحمايات الأجنبية...
لقد كانت الامتيازات التي نالتها الأقليات في الدولة العثمانية تفوق حقوق المسلمين العاديين, ولذلك تأذوا من المساواة معهم، فهناك ما اختصهم به الإسلام ابتداءً من توفير حياتهم وأرواحهم وحماية ممتلكاتهم، وهناك الضغوط من الدول الأجنبية لإعطائهم حقوقاً جديدة فوق الحقوق التي ضمنها لهم الإسلام. ولم تكن المساواة من الناحية العملية إلا إعلاناً للخروج عن المنهج الإسلامي الذي يخرجهم من ذمة المسلمين وحمايتهم إلى إعطائهم المساواة التامّة مع المسلمين.
لقد انتقلت المواطنة في الدولة العثمانية من الفقه الإسلامي إلى القانون العلماني، وهذا كلّه لم يُرضِ الدول الأوربية وأعداء الإسلام، إنما كانوا يريدون هذا الأمر مع الامتيازات التي أعطاها الإسلام لأهل الذمّة، والامتيازات التي فرضوها بضغوطهم على الدولة العثمانية. وبتعبيرٍ آخر: يريدون المواطن النصراني واليهودي مواطن الدرجة الأولى، والمواطن المسلم هو مواطن الدرجة الثانية.
وقد وجد آنذاك من أسبغ الشرعية الإسلامية على خط كولخانة، فعندما ثار المسلمون وقالوا عنه: هذا شرع مخالف للإسلام، " اضطرّت الدولة إلى إرسال شيخ الإسلام عارف حكمت إلى جهات الاضطراب لوعظ الناس وأمرهم بالطاعة والامتثال، فخطب بذلك على المنابر, وبيّن للناس أنّ تلك التنظيمات ليست خارجة على المنهج الشرعي "([166]).
هذا ويمكن أن نعتبر المواطنة أساساً إسلامياً طالما تبنّتها تشريعات الدولة وأقرّها شيخ الإسلام,واعتبار المساواة بين المواطنين مما لا يتناقض مع الإسلام بعد تغير الأوضاع العالمية والدولية ؛ إذ لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان، واعتبار هذا الخطّ هو المنطلق الأساسي لفكرة المواطنة في الدولة الإسلامية.
الخطّ الهمايوني:
بناءً على المادّة السابقة من قرارات مؤتمر باريس، صدر خط همايون، وهو تأكيد على ما جاء في خط كلخانة مع إضافة جديدة تتعلق بحقوق النصارى والتنظيمات الإدارية الجديدة، فكان أكثر دقة من الخط الأول "([167]).
وبالرغم من أنّ الخط الهمايوني جاء نتيجة للضغط الخارجي ومن ضمن شروط الصلح على عكس خط كلخانة، فقد تشابه الخطّان في كثيرٍ من النقاط، إلا أنّ صيغة الخط الهمايوني كان أكثر عصرية، وأكثر اقتباساً عن الغرب بصورة لم تعهد من قبل في الوثائق العثمانية، فهو لم يستشهد بآية قرآنية واحدة، أو بقوانين الدولة العثمانية القديمة وأمجادها.
مضامين هذا الخط:
" يتّضح من هذا الخطّ التركيز على المساواة الدينية، وفصل حقوق معينة للنصارى، منها: أنّ المسائل المدنية تكون العهدة في إدارتها على مجلس مختلط بين المدنيين ورجال الدين النصارى ينتخبه الشعب بنفسه، ومنها عدم إكراه المسلم الذي يعتنق النصرانية على الرجوع إلى الإسلام، بل يُسمح له بالردّة عن الإسلام واعتناق النصرانية "([168]).
ثم فتحت أبواب معاهد التعليم الرسمية، وبالتالي وظائف الدولة المدنية أمام المسيحيين الذين فرضت عليهم الخدمة الإلزامية رسمياً، ووعدوا بزيادة تمثيلهم في مجالس الولايات والمجالس المحلية، ووعد السلطان بإيجاد نظام ضريبي أكثر عدالة، كما وعد بتحديد ميزانية سنوية وإنشاء البنوك، والاستعانة برأس المال والخبرات الأوربية (اليهودية) بهدف تطوير اقتصاد الدولة، وتبويب القانون الجنائي والقانون التجاري، وإصلاح نظام السجون، وإنشاء محاكم مختلطة في القضايا الخاصة بالمسلمين وغير المسلمين. وقد وعدت الدول الأوربية مساندتها التامّة لهذا الخطّ ؛ لضمان تنفيذ العثمانيين لوعودهم "([169]).
وقد أعقب صدور خطّ كلخانة والخط الهمايوني مجموعة من القوانين التنظيمية التي مست المجتمع العثماني، وقد صدرت هذه القوانين في أوقات متفاوتة، كان أوّلها صدور القانون التجاري 1850م، وكان معظمه مأخوذاً من القانون الفرنسي، ثم القانون الجنائي الصادر سنة 1858م.. وكلّ هذه القوانين.............. من القانون الفرنسي "([170]).
الموقف من الخط:
على عكس الموقف من خط شريف كولخانة، حيث حاولوا أن يلبسوه اللباس الإسلامي، ويتبناه شيخ الإسلام، ويمضي في الولايات مبشراً به، ومعلناً أنه منبثق من الإسلام، فلم يكن الأمر كذلك بالنسبة للخطّ الهمايوني، لقد صدر عارياً مدنياً علمانياً دون أية إشارة إلى ارتباطه بالإسلام.. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد انتقده شيخ الإسلام. وعلى الرغم من انتقاد شيخ الإسلام له كما انتقده رجل الإصلاح رشيد باشا بطل الخط - كولخانة -، وتبع هذه الانتقادات انتقادات أخرى من كبار رجال الدولة العثمانية. وقال رشيد باشا: إنه سار أشواطاً إلى الأمام لأنّه جاء كقفزة بدلاً من النص على تنفيذ الإصلاح بالتدريج، وإن إلحاقه بصلح باريس يشكل خطراً على السلطان والدولة.
تحويل الأقلية إلى أكثرية:
عندما كانت الدولة العثمانية في أوج قوّتها وانتصاراتها كانت الأكثرية الإسلامية تاركة الحكم الذاتي للأقلية، ومفسحة لها المجال في المشاركة في الحياة السياسية العامة حسب الكفاءات الموجودة فيها، وعندما ضعفت الدولة العثمانية وبقيت محاولة على أملاكها تحول الأمر من - أهل ذمّة - إلى - أقلية -، فاستفادت من حقوق أهل الذمّة ومن الامتيازات التي فرضتها الدول الأجنبية، وبقيت هذه الدول تتباكى على حقوق الأقليات الدينية ثمّ الأقليات القومية إلى أن طردت الدولة العثمانية من أوربا، فصار المسلمون في أوربا (أقليات) في كلّ دولة يقيمون فيها، فلم يعد أحد يتباكى على الأقليات، ولا على حقوقها، وأصبح همّ كلّ دولة أوربية فيها أقلية مسلمة أن تستأصل هذه الأقليات وتقضي عليها، وبرز الحقد الصليبي ثم الشيوعي على أشدّهما في التعامل مع هذه الأقليات ابتداءً من حرمانها حقوقها وعدم الاعتراف بوجودها، وانتهاءً بالعمل على استئصالها وإبادتها.
إنّ ظهور الدولة القومية في أوربا والتي انطلق شظاها ونارها فأحرق الأتراك والعرب، إنما تجسد في انفصال هذه القوميات العرقية عن الدولة العثمانية، وانتهى بإلغاء الخلافة، وتبرز الروح العلمانية في هذه الدول كلها على السواء بإبعاد الدين عن الدولة، وجعل حقّ التشريع للشعب وممثليه فقط، وإنهاء الأقلية من خلال حكم الأكثرية الديمقراطي.
7- الأقليات الإسلامية في العالم:
يختلف تقدير أعداد الأقليات المسلمة في العالم بين الباحثين لعوامل متعدّدة، وإذا أردنا أن نصل إلى تقديرات أقرب للواقع، فأفضل الأساليب هو توثيق العلاقات بالأقليات المسلمة في العالم، والاستعانة برأيها وخبرتها في هذا المجال، إضافة إلى الاستعانة بالمراكز الإسلامية المبثوثة في العالم.
وهذه التقديرات التقريبية إنما قدمها الباحث د. محمد محمود محمدين([171]) على ضوء بعض الأسس المتاحة التي اقترحها الباحث.
" تناول البحث تقدير أعداد الأقليات المسلمة في العالم بأكثر من (371) مليون، أي (35%) من مجموع المسلمين في العالم الذين قدرهم الباحث بأكثر من (1066) مليون سنة 1985م "([172]).
القـارة
عدد السكان المسلمين في الدول الإسلامية
الأقليات المسلمة بالمليون
المجموع
1
آسيا
470 مليون
282 مليون
752 مليون
2
أفريقيا
223 مليون
70 مليون
293 مليون
3
أوربا
2 مليون
15 مليون
17 مليون
4
الأمريكتان
-
4 مليون
4 مليون
5
أستراليا
-
0.3
0.3
6
المجموع
695 مليون
371.3 مليون
1066.3 مليار
7
النسبة
65%
35%
100%
وتتزايد أعداد المسلمين في العالم ما بين 21-25 مليون في السنة([173]).
أ / الأقليات المسلمة في آسيا:
تقدر أعداد المسلمين في أهمّ أقطار آسيا غير الإسلامية على النحو التالي:
الدولــة
عـدد المسلمين بالمليون
نسبتهم المئوية من مجموع السكان
1
الهند
100 مليون
15%
2
الصين الشعبية
95 مليون
10%
3
الاتحاد السوفيتي([174])
65 مليون
25%
4
سريلانكا
1.2 مليون
8%
5
تايلاند
6.1 مليون
12%
6
بورمـا
2.7 مليون
7%
7
الفلبين
5.7 مليون
11%
8
دول آسيوية أخرى
2.4 مليون
---
ومما تجب الإشارة إليه أنّ مسلمي آسيا يلقون اضطهاداً، ويتعرّضون للمذابح في بعض المناطق، كما هو الحال في الاتّحاد السوفيتي وفي الفلبين، وفي تايلند، وفي الهند... وما حدث في أسام دليل على ذلك، حيث دمرت قرى المسلمين، وذبح الرجال والنساء والأطفال.
ب/ الأقليات الإسلامية في أفريقية:
يقدر عدد المسلمين في أفريقيا بأكثر من (293) مليون، منهم (223) مليون مسلم يعيشون في الأقطار الإسلامية بنسبة 76%، ويعيش أكثر من (70) مليون (24%) في أقطار غير إسلامية.
ويقدر عدد المسلمين في بعض الدول الأفريقية غير الإسلامية على النحو التالي:
الدولــة
عـدد المسلمين بالمليون
الدولــة
عـدد المسلمين بالمليون
أثيوبية
17 مليون
ملاوي
2.8 مليون
تنزانيا
12 مليون
مدغشقر
2 مليون
أوغندا
5 ملايين
موزنبيق
2 مليون
كينيا
4 ملايين
زامبيا
1.2 مليون
غانـا
3.9 ملايين
--
--
وجدير بالذكر أن مسلمي أثيوبيا يلقون معاملات سيئة، ويتعرّضون للاضطهادات الدينية.
ما فعله أقطاب الشيوعية في تلك الأقطار الإسلامية يفوق الخيال. في تركستان (مجموعة الجمهوريات) قتل (6) ملايين مسلم سنة 1919م، هرب منهم مليونان ونصف. في سنة 1933م قتلوا (100.000) مسلم. هذا وقد ثبت بالإحصائيات أنّ ستالين قد قتل (11) مليون مسلم.. أما في القرم.. يقول الشيخ الغزالي في كتابه: (الإسلام في وجه الزحف الأحمر): كان سكان القرم (5) ملايين مسلم سنة 1917م، فأمسوا سنة 1940م (400.000) فقط، أي أقلّ من عُشر السكان. أين ذهب أولئك المسلمون؟. أمسوا عمالاً هائمين في فيافي سيبريا وغيرها. وكان في المناطق الإسلامية (600) مدرسة لتعليم القرآن والدين الإسلامي قبل الثورة الشيوعية، و(24) ألف مسجد، لم يبقَ منها حتى الآن سوى عدد قليل جداً. وحول الكثير منها إلى ملاهي ودور سينما ومستودعات ومتاحف.. وغير ذلك([175]).
وأما الشيشان، ذلك الشعب المسلم الذي لا يتجاوز المليون ونصف المليون، فقد وجهت له قنابل الطائرات وقذائف المدافع وصنوف العذاب، فقتل منه مئات الألوف، وشُرّد الشعب بأكمله، ودُمّرت المدن، وأُحرقت القرى، وانتهكت أعراض، ويتّمت أطفال. فما وهن ولا استكان، وما زاده ذلك إلا صموداً وتمسّكاً بدينه..
والهمجية التي يمارسها الروس على الشيشان تفوق الوصف، ولولا أنّ شبكات التلفزة تنقل صور الحرق والدمار الذي تقوم به الطائرات وراجمات الصواريخ دون تمييز، لَما صدّق أحدٌ صدورها من الحيوانات، بل الإنسان([176]).
هذا وقد استقلّت الجمهوريات الإسلامية عن روسيا، وشكلت دولاً مستقلة هي بتاريخ 2/92.
الجمهورية
العاصمة
عـدد السكان
المسلمين
1
أوزبكستان
طشقند
22.000.000 مليون
88%
2
قازاقستان
ألما أتا
16.782.000 مليون
52%
3
قرغيستان
بيشكيك
4.590.000 ملايين
73%
4
طاجيكستان
دوشنبة
5.500.000 ملايين
90%
5
تركمانستان
عشق أباد
3.789.000 ملايين
86%
6
أذربيجان
باكو
7.270.000 ملايين
82%
ويقدر عدد المسلمين في هذه الجمهوريات بـ(53) مليون مسلم.
جـ/ الأقليات المسلمة في أوربا:
لا توجد في أوربة إلا دولة إسلامية واحدة، هي ألبانيا، وتقع جنوب شرقي أوربا، ويصل عدد المسلمين فيها إلى مليوني نسمة. أما بالنسبة للأقليات المسلمة في أوربا فيصل عددها إلى (15) مليون,ويعيش في يوغسلافيا وحدها أكثر من خمسة ملايين مسلم.
" وقد بدأت مأساة المسلمين في البوسنة والهرسك في إبريل 1992م بعد تفكّك جمهورية الاتحاد اليوغسلافي أعلنت جمهوريتا صربيا والجبل الأسود اتحادهما، كما أعلنت جمهوريات كرواتيا وسلوفينيا ومقدونيا استقلالها، ولكن ما إن أعلنت جمهورية البوسنة والهرسك ذات الغالبية المسلمة استقلالها حتى تكالبَت عليها قوى الشرّ "([177]).
وسقط منهم (250) ألف شهيد، من بينهم (70) ألفاً قضوا نحبهم في مجازر جماعية، ومثّل الصربيون بأجسادهم. وجرحاهم أكثر من عدد شهدائهم، ولم يهنوا، وأصبح من بينهم (150) ألف معاق، ولم يستسلموا. أما المعتقلون في معتقلات تقشعرّ لها أبدان أتباع هتلر، فقد وصل عددهم (300) ألف، لكن المشردين بلا مسكن ولا مأوى عددهم مليون و(800) ألف، هجروا في داخل البوسنة والهرسك، و(375) ألف هجروا إلى خارج أراضي الدولة. أتعرف ما هو العدد الكلي للشعب المسلم في البوسنة والهرسك؟. إنه أكثر من (3) مليون نسمة بقليل. إذن أعد الحساب لتعرف حجم الكارثة "([178]).
وآخر مآسي المسلمين في أوربا قرار منع الحجاب للمسلمات، الصادر عن الرئيس الفرنسي, بحجة تناقضه مع علمانية الدولة، وتبدأ مأساة ملايين المسلمين عند إقراره من مجلس النواب الفرنسي.
د / الأقليات المسلمة في الأمريكيتين:
يقدّر عدد المسلمين في الأمريكيتين بما يقرب من أربعة ملايين مسلم([179]).
وتضمّ الجالية الإسلامية في أمريكا الشمالية أكثر من ثلاثة ملايين مسلم، منهم أكثر من مليونين من أصل أفريقي من المسلمين السود.
ويقدّر عدد المسلمين في أمريكا الجنوبية والوسطى بِـ(400) ألف مسلم. وهناك منظمات إسلامية عديدة في الولايات المتحدة لها نشاط ملموس، مثل المجلس الإسلامي واتّحاد الطلبة المسلمين، وله فروع في أكثر الولايات. وهناك مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية الذي يمثل المسلمين لدى الحكومة الأمريكية، غير أنّ الأوضاع اختلفت كثيراً بعد أحداث 11 أيلول، وتحوّلت أمريكا بقوانينها الاحتياطية إلى دولة بوليسية، حتى ليقول نهاد عوض ؛ المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الإسلامية: لا نطالب بغير العدالة والمساواة، " ونحن كنا ولا نزال نعتقد بأنها سياسة تقوم على التمييز العنصري، ولم تكن مجربة، ولم توفر الأمان والحماية لأحد، بل استهدفت المسلمين والعرب كونهم مسلمين وعرباً، وكنا محقّين برفع دعوى قضائية ضدّ الحكومة. وعندما سئل: هل تَمّ اعتقال أو اتهام أيّ شخص في إطار هذا الإجراء (تسجيل نفسه) خلال العام الماضي بتُهم تتعلق بالإرهاب؟. فأجاب: المشكلة أنه تَمّ اعتقال مجموعة كبيرة من العرب والمسلمين... وتَمّ ترحيل مجموعة كبيرة من العرب والمسلمين، ولم نسمع أحداً أُدين بموجب هذه الاعتقالات بتُهم تتعلق بالإرهاب...
وما نُطالب به هو ما طالبت به أقليات أخرى دفاعاً عن الدستور الأمريكي وعن الحريات، وهو أن تكون عدالة متساوية، وأن لا يستخدم القانون بانتقائية، فمن المعروف أنّ الحريات المدنية في الولايات المتحدة متدهورة، وهو أمر فرضَ نفسه على برامج المرشحين للانتخابات، حتى الجمهوريين منهم "([180]).
هـ/ الأقليات المسلمة في أستراليا:
عدد المسلمين في أستراليا (300) ألف مسلم، ويوجد في أستراليا خمس وخمسون جمعية إسلامية، وأكثر من (35) مسجداً ومركزاً إسلامياً.
والمطلوب من الدول الإسلامية أن تتخذ بعض الإجراءات ضدّ الدول التي تضطهد الأقليات المسلمة.
أما ما تعانيه الأقلية المسلمة عند اليهود في فلسطين فله حديث آخر، وبتفصيل في غير هذا المجال، وإن كان المسلمون قد غدوا............... لليهود المحتلين.
8- الأقليات العِرقية والدينية في الوطن الإسلامي:
لقد اختلف الأمر جذرياً بعد سقوط الخلافة الإسلامية عام 1924م. وفي نظرة شاملة إلى العالم الإسلامي في هذا القرن وبعد سقوط الخلافة أنه تحوّل إلى دويلات وطنية وقومية علمانية أو اشتراكية أو ليبرالية، فما هي الأقليات في الدولة الوطنية؟.
الأقليات العِرقية: ففي ظلّ الدولة القومية والوطنية تعتبر الأكثرية قومية عربية، والأقليات المهمّة والبارزة على ساحة الوطن العربي هم الأكراد بين أربع دول عربية وإسلامية والبربر في الشمال العربي الأفريقي.
فالدولة الوطنية التركية، والدولة الوطنية الإيرانية، والدولة القومية العراقية، والدولة القومية السورية، تريد أن تُذيب هذه الأقليات، وتقضي على وجودها وأصولها. وهذا من التخطيط الاستعماري لتوزيع أرض العرب والإسلام إلى دويلات متنازعة، ورفض الاعتراف بالقومية الكردية كأمّة لها حق تقرير المصير، مثل سائر الأمم.
لم يكن هذا الأمر قائماً في ظلّ الدولة الإسلامية، فالقوميات كلّها معترف بها في ظلّ الراية الإسلامية العثمانية، ولها حقوقها الكاملة، أما وقد أصبحت الدول قومية أو وطنية، فكلّ أقلية عرقية تريد أن تحافظ على وجودها وكيانها وذاتيتها، وتقاوم عمليات الإبادة والتذويب وتغير الهوية.
وما يقال عن الأكراد يُقال عن البربر كذلك، ومعاناتهم وثوراتهم في الجزائر والمغرب أمام عمليات الصهر القومي العربي، وإلغاء التاريخ القومي العِرقي لهم، والثورات والتظاهرات والمواجهات للدول الحاكمة.
وما هي الأقليات في ظلّ الدّولة العلمانية؟.
الأقلية الإسلامية:فبعد أن كان المسلمون يمثلون الأكثرية في كلّ قطر عربي أو إسلامي، أصبحوا في ظلّ الدولة العلمانية أقلية مرفوضة، وأصبحت القوانين في معظم هذه الدول تصرّ على عدم السماح لقيام حزب على أساس ديني، وصارت المواجهة مفروضة بين الإسلاميين الذين يريدون تحكيم الشريعة في حياتهم، وبين العلمانيين الذين يريدون إلغاء الشريعة الإسلامية. لقد صار الإسلام غريباً على الأمّة، وأصبح العلمانيون يتحكّمون في السّلطة ويتحكّمون في القرار، ويرفضون الاعتراف بالوجود الإسلامي في دولهم، ويلاحقون دعاة الإسلام في كلّ مكان، ويزجّونهم في غياهب السجون، ويقودونهم إلى المقاصل، وينفونهم عن أوطانهم، وينزعون عنهم جنسيتهم الوطنية، وينطلقون من الديمقراطية العلمانية.
هذا الواقع المأساوي الذي حوّل الأكثرية الإسلامية إلى أقلية تسعى لتحكيم الإسلام وتلاحق في كلّ مكان، وحوّل الأقليات العِرقية من الأكراد والبربر إلى غرباء عن أوطانهم وأجانب على بلدهم. وعليهم إن أرادوا أن يدخلوا في نسيج بلدهم أن يتخلّوا عن انتمائهم العِرقي.
وهذا هو الهدف الرئيس وراء إلغاء الخلافة الإسلامية، بينما نجد أنّ دولاً قامت بمئات الأجناس والأعراق والأديان تحت الراية البوذية في الهند، والراية الشيوعية في الصين والاتحاد السوفيتي من قبل، والراية الليبرالية في الولايات المتحدة الأمريكية، والراية الأوربية اليوم في دول الاتحاد الأوربي، وكذلك كان الأمر تحت الراية العثمانية. بينما يحرم ذلك على العرب والمسلمين، بعد توزعهم بددا وتفرقهم شتى.
11- المنطلق العلماني في حقوق الإنسان:
المواثيق الدولية:
والارتباط وثيق جداً بين الحديث عن المواثيق الدولية والأقليات، فالمواثيق الدولية في القرن العشرين هي نتاج حربين عالميتين طاحنتين، أنتجت الأولى عصبة الأمم المتحدة، وأنتجت الثانية جمعية الأمم المتحدة، وانتهت الحرب الأولى باقتسام أملاك الدولة العثمانية والاتفاق على توزيعها، وخرجوا بفكرة الانتداب الذي برروا به احتلالهم لهذه الدول، وبعد أن كرسوا الإقليمية بها، أعطوها الحرية ظاهراً بحيث تقوم كلّ دولة بكيانها وحدودها، وفسحوا لها المجال بالانضمام إلى الأمم المتحدة.
2- ربع دول الأمم المتحدة دول إسلامية، أي ما ينوف عن خمسٍ وخمسين دولة، والأصل أن تكونَ هذه الدول الخمس والخمسون دولة واحدة، كما أنّ الهندوس دولة واحدة هي الهند، والبوذيون دولة واحدة هم الصين، والشيوعيون دول عدّة بينهما أكبر دولتين في العالم الاتحاد السوفيتي سابقاً، والصين الشيوعية، ولو أن المسلمين دولة واحدة لكانوا على الأقلّ واحدة من الدول الكبرى في العالم، كما كانت تركيا في بداية هذا القرن، وكان لوجودهم أثر حاسم في التحكم في مصير العالم، إنهم خمس سكّان العالم، ومع ذلك هم على هامش هذا العالم. فُرضت إسرائيل رغماً عنهم، حيث قامت دولة اليهود في فلسطين، وشرّد الشعب الفلسطيني في الأرض، وهم عاجزون عن اتّخاذ أيّ قرار يخصّهم إذا لم ترضَ الدول الكبرى عنه، فقضية كشمير، وقضية فلسطين، وغيرها من القضايا الإسلامية العالقة منذ خمسين عاماً، وتلك قضية البوسنة والهرسك عجزوا عن فرض أيّ قرار فيها، إلا القرار الذي اتّخذته أمريكا، وهذه قضية الشيشان، حيث يُذبح شعبٌ بأكمله، ودول العالم الإسلامي تعجز حتى عن توحيد رأي، بل اتّخاذ قرار.
عدل سابقا من قبل أبو عبدالرحمن في الجمعة أغسطس 26, 2011 10:18 am عدل 1 مرات
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
رد: الوطن والمواطنة (المبحث الخامس + الحاشية)
3- وحين نذكر الدول الإسلامية السبع والخمسين، نذكر أنّ قرابة نصفهم دول عربية، أي أنّ الدول العربية في الأمم المتحدة اثنان وعشرون دولة، والأصل أن يكونوا دولة واحدة، فهم جنس واحد، وأغلبية دينه الإسلام، وكلّ مقوّمات وحدته قائمة، ولو كانت هذه الدول الاثنان والعشرون دولة واحدة، لأمكنَ أن تكونَ عضواً في مجلس الأمن قادراً على أن يتحكّم في السياسة الدولية.
لقد نجحت المؤامرة في هذا القرن أيّما نجاح، وهمّشت العرب والمسلمين، ولم تُعطِ لكتلتهم أيّ وزن أمام الدّول الكبرى أعضاء مجلس الأمن الذين يتحكّمون في مصير العالم.
4- ولكي تبقى الدّول الصليبية الأوربية والأمريكية صاحبة القرار الوحيد في العالم، أنشأت مجلس الأمن. فما هو مجلس الأمن؟.
" ينصّ ميثاق الأمم المتحدة على أنّ مهمّة مجلس الأمن في اتخاذ الإجراءات نيابة عن المنظمة لكل للحفاظ على السلام والأمن في العالم، وإذا دعت الضرورة يمكن لمجلس الأمن أن يفرض عقوبات صارمة على أيّ دولة من الدول، بغضّ النظر عن أنّ تلك الدولة عضو في الأمم المتحدة أم لا، وللمجلس صلاحية البتّ في الإجراءات، مثل قطع العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية، وإذا لم تفِ هذه الإجراءات بالغرض، فمن حقّه أن يقوم بإجراء مسلح ضدّ الطرف المعتدي، إلا أنّ الأمور في الواقع تختلف، فأيّ إجراءٍ من الأنواع المذكورة أعلاه يستلزم أن يتفق عليه الأعضاء الخمسة الدائمون في المجلس، وهم: بريطانيا، والصين، وفرنسا، وروسيا (الاتحاد السوفيتي سابقاً)، والولايات المتحدة، ولكن أحداث الأربعين سنة الماضية من تاريخ الأمم أثبتت أنّ هذه الدول كثيراً ما تختلف إلى حدٍّ بعيد حول النزاعات العالمية "([181]).
5- وعندما عرف المعسكر الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفيتي يخوض الحرب الباردة ضدّ المعسكر الغربي بقيادة أمريكا، أمكنَ لكثيرٍ من الشعوب المقهورة أن تستفيد من هذا الخلاف، وتنال استقلالها من استعمار الدول الغربية.
لكن بعد انهيار المعسكر الشيوعي بقيت الصين وحدها غير قادرة على مواجهة المعسكر الغربي، وأصبحت أمريكا تتحكم في مصير العالم وفي قرارات مجلس الأمن، ومع هذا فما يسمى بحقّ الفيتو لهذه الدول الخمس يجعل مصير العالم كلّه بيدهم، ويعطّل أيّ قرار يمكن أن يتّخذ بالأغلبية خمس دول تتحكم بمصير مائة وثمانين دولة بما يسمى حقّ الفيتو، وهو حقّ الاعتراض، وعندما تستعمل واحدة من الدول الخمس هذا الحقّ فيسقط القرار، وليس للمعسكر الإسلامي والعربي أيّ وجود في هذه الدول الدائمة العضوية بمجلس الأمن، فالعالم لا يزال حتى اليوم بيد القطب الأحادي الأمريكي بعد أن كان موزّعاً بين القطبين ؛ الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، وتحاول أوربا أن تقف على قدميها في إيجاد كيان ثابت لها أمام الهيمنة الأمريكية، ولكنّها لم تفلح بعد. وأكبر أسباب فشلها هو تخاذل بريطانيا وانسياقها دائماً في فلك الولايات المتحدة.
6- وأما ما يسمى بمحكمة العدل الدولية، فلا تزال حتى الآن نظرية أكثر منها عملية، وهي " التي أنشئت في عام 1945م في لاهاي في هولندا، وتتألف من خمسة عشر قاضياً مداومين، ينتخب كلّ قاضٍ منهم لمدّة تسع سنوات، ويجوز إعادة انتخابه، غير أنه لا يجوز أن يكون اثنان منهم في دولة واحدة، وتتمّ الانتخاب من جانب الجمعية العامّة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
إنّ فكرة وجود قاضٍ لدولة معينة عضواً في المحكمة على الدوام أمرٌ ليس مقبولاً رسمياً، ولكن على الصعيد العملي فإنّ أربعاً من الدول الأعضاء الخمسة الدائمة في مجلس الأمن الدولي لها دائماً قاضٍ من رعاياها في المحكمة، وهذه الدول هي: أمريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا، ومعظم النزاعات لا يمكن أن تحال إلى المحكمة إلا إذا وافق الفرقاء المعنيون على ذلك، وقرارات المحكمة تعدّ ملزمة للفرقاء، وفي حالة رفض أحد الفريقين تنفيذ القرار يجوز للفرق الآخر أن يطلب المساعدة من مجلس الأمن الذي باستطاعته من الناحية النظرية أن يقرر الإجراءات التي يجب اتّخاذها لإعطاء مفعولٍ لقرار المحكمة، ولكن المجلس لم يتصرف قطّ على هذا النحو طيلة الفترة اللاحقة لإنشائه سوى أنه في عام 1990م اتخذ قرار استخدام كلّ السبل المتاحة لإخراج العراق من الكويت بعد احتلاله لها في 2 أغسطس 1990م "([182]).
وبما أنّ الدّعوى لا ترفع للمحكمة إلا بموافقة الطرفين المتنازعين فيبقى الطرف الأقوى رافضاً للموافقة ومعتمداً على قوّته دون أن توجد أيّ قوة تجبره على الالتجاء للتحكيم.
7- وبمقدار ضعف فاعلية محكمة العدل الدولية، وكونها على هامش الحياة العالمية السياسية بمقدار فاعلية صندوق النقد الدولي وتحكمه في مصير العالم الاقتصادي، " فقد تأسّس في أعقاب الحرب العالمية الثانية لمراقبة نظام النقد الدولي في عالم ما بعد الحرب، ومساعدة الدول الأعضاء التي تصادف مصاعب اقتصادية، وبعد الحرب العالمية الثانية تقرر أنّ أفضل وسيلة للعمل على تحقيق الرخاء الدولي هي تشكيل نظام نقد دولي يضمن استقرار تبادل العملة، وهذا ما حقّقته الاتّفاقيات التي وضعت في بريتون وودننر في الولايات المتحدة ؛ إذ تَمّ الاتفاق على أسعار تبادل العملات الدولية الهامّة في العالم بالنسبة للعملات الأخرى، وكذلك بالنسبة للذهب، وكان من مهمّة صندوق النقد الدولي أن يضمن الحفاظ على أسعار تبادل العملات لأطول فترة ممكنة، وأنّ تخفيض قيمة العملة أو رفع قيمتها يجب أن يكون منظماً، وأن لا يحدث إلا إذا اقتضت الضرورة القصوى.
وفي بداية السبعينات استبدل نظام السعر الثابت للعملات بتعويم العملات ؛ لأنّ الدور الأمريكي أصبح مرتفعاً ارتفاعاً كبيراً مقابل الذهب، وكانت حكومة الولايات المتحدة قد أصدرت عدداً كبيراً من الدولارات، لدرجة أنّها لم تعد تستطيع مواجهة جميع المطالب الأجنبية مقابل من احتياطي للذهب. لذا أوقف العمل بتحويل الدولار إلى الذهب، وخفضت قيمة الدولار، وطبقاً للنظام الجديد فإنّ أسعار تبادل العملة تعوَّم بصورة حرّة مقابل بعضها، ويتحدّد سعرها بعوامل العرض والطلب في أسواق العملات الدولية، ومن حين لآخر تتدخّل الحكومات ببيع أو شراء عملتها أو عملات أخرى في محاولة للتأثير على قيمتها ما زال الصندوق نشطاً كمصدر للمال للأقطار التي تواجه مشاكل تتعلق بالمدفوعات الدولة، وكثير من المصارف تنتظر حتى يوافق صندوق النقد الدولي على صفقة معونة لدولةٍ ما قبل أن تبدي هذه المصارف استعداداً لإقراض المال، والتمويل من الصندوق يهدف إلى مساعدة الدول التي تواجه مشاكل مؤقّتة في المدفوعات بتقديم القروض ذات الشروط المحدّدة، ومع أنّ الشروط ليست سياسية في حدّ ذاتها، ولكن قد تكون لها عواقب سياسية، وتعتبر مثل هذه الشروط في كثيرٍ من الأحيان مكروهة، وينظر إليها على أنها تدخُّل خارجي لا مبرّر له، ولكنّ الصندوق يعتبرها ضرورية لضمان تنظيم الحسابات المالية للدولة المعنية "([183]).
والحقيقة المرّة اليوم بالنسبة لصندوق النقد الدولي، أنّ على الدّولة التي تريد الاستفادة من الصندوق أن تخضع خضوعاً كاملاً لشروطه، وعليها أن تتبنّى النظام الاقتصادي الحرّ، وتصبح في تبعيتها مستعمرة اقتصادية للنظام العالمي الجديد، وإلا فالحرمان جزاؤها، وعليها أن تعاني من ذلك أصعب المعاناة، والكثير من الدول الفقيرة اضطرّت أن تركع أمام هذه الشروط، وأمام تبني هذا الاقتصاد حتى لا تنفذ شعوبها من الجوع القاتل. لقد بلغ الظلم مبلغه حتى لنجد جريدة الحياة في صفحتها الأولى تكتب: الشرطة الأمريكية تعتقل (600) من أعداء البنك الدولي، وتكتب تحت هذا العنوان: عقد مندوبو البنك الدولي وصندوق النقد الدولي اجتماعهم الدوري أمس متجاهلين الاحتجاجات الصاخبة والاشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين الذين توافدوا إلى وسط واشنطن محاولين عرقلة الاجتماع، رافعين شعارات ضدّ العولمة الأمريكية، واعتقلت الشرطة حوالي (600) متظاهر تقدّموا مسيرة غير مرخَّص بها، واستخدمت القنابل المسيلة للدموع والهراوات لتفريق المتظاهرين، وحصلت معظم الاشتباكات في محيط البنك الدولي وجامعة جورج تاون، واعترف بعض منظمي التظاهرات أمس بفشلهم في عرقلة الاجتماعات، وفي توحيد شعاراتهم، فبالإضافة إلى دعوتهم إلى محاربة العولمة وانعكاساتها السلبية على العمال والمزارعين والبيئة، ظهرت شعارات جديدة تطالب بإلغاء أحكام الإعدام، والدفاع عن حقوق الإنسان والحيوان، ورفع بعض المشاركين شعارات تدعو إلى رفع الحصار عن العراق، ووقف تدخّل الولايات المتحدة في شؤون العالم الثالث "([184]).
وكان آخر مؤتمراته في دافوس، حيث يعقد (2100) من كبار الشخصيات الدولية في مجالي السياسة والاقتصاد اجتماعات............. اليوم في دافوس([185]).
وقد قامت مؤتمرات ضدّ منتدى دافوس العالمي الذي يمثل تيار البنك الدولي والاقتصاد الدولي، كان آخرها المؤتمر الذي عقد في بومباي: " نحن هنا اليوم ؛ لأنّ مهمّتنا هي الدعوة لحقوق الإنسان، ولنجعل حلم العالم الأفضل ممكناً ". هكذا افتتحت الإيرانية (شيرين عبادي) - الفائزة بجائزة نوبل للسلام العام الماضي - جلسات المنتدى الاجتماعي العالمي أمس في بومباي ؛ العاصمة المالية للهند، ويضمّ المنتدى عشرات الألوف من الناشطين المناهضين للعولمة من كافّة أنحاء العالم. وتجري جلسات المؤتمر الرابع الذي يعقده المنتدى على مدى ستّة أيام تجري خلالها مناقشات، وتتصدر معارضة الاحتلال الأمريكي للعراق القضايا التي سيبحثها المنتدى الذي سيحضر فعالياته نحو (80) ألف شخص من (150) دولة.. واعتبر الناشط الفلسطيني مصطفى البرغوثي أن من الصعب فصل الديمقراطية الاجتماعية عن الديمقراطية السياسية في عالم اليوم، وأضاف أن الصراع الفلسطيني لا يختلف عن الهندي والجزائري والفيتنامي والجنوب أفريقي، حان الوقت لوقف هذا الظلم...
وقال النائب العمالي البريطاني جيرمي كورين: إن المؤتمر الذي عُقد خلال السنوات الثلاث............. في البرازيل سينتقد بوش وإداراته لغزو العراق. وأضاف: طبعاً هذه هي النقطة التي سيتمّ التركيز عليها، فإذا لم تعارض الحرب فستقع حرب أخرى قريباً([186]).
8- حقوق الإنسان: " إنّ ميثاق الأمم المتحدة الذي يرجع تاريخه إلى عام 1945م هو دستور عالمي.. وكان الاعتقاد واضحاً بعد الحرب العالمية الثانية أن الاعتداءات النازية على الكائن البشري وضدّ النظام السياسي الدولي يجب أن لا يتكرر أبداً.. وأسفر ردّ الفعل ضدّ العدوان النازي وإبادة الجنس عن عدّة إشارات في ميثاق الأمم المتحدة، أكثرها أهمية هي المادة (55): من أجل خلق ظروف من الاستقرار والرفاهية الضروريان للعلاقة السلمية والودية بين الأمم القائمة على احترام لمبدأ الحقوق المتساوية، وتقرير مصير الشعب، فإن الولايات المتحدة سوف تعزز:
أ / مستويات أعلى من المعيشة والعمالة الكاملة وظروف التقدّم الاقتصادي والاجتماعي والتنمية.
ب/ حلول للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والدولية وما يتّصل بها؛ التعاون الثقافي والتعليمي الدولي.
جـ/ احترام عالمي لحقوق الإنسان ومراعاتها، وحريات أساسية للجميع بدون تفرقة بسبب العنصر أو الجنس أو اللغة أو الدين.
وإن هذه المادة الواحدة والطويلة بشأن حقوق الإنسان هي التي تشكل حجر الزاوية لجهود الأمم المتحدة التالية لحماية حقوق الإنسان على أساس عالمي، هذه القاعدة القانونية في شكل معاهدة ملزمة قبلتها كلّ دول العالم تقريباً من حيث المبدأ.. وبسبب الأسلوب العام في المادة (55) فإنّ الدول في الأمم المتحدة سرعان ما تحولت إلى بذل جهود لتحديد معناها، وكانت النتيجة الأولى هي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يعترف به عالمياً، والذي يحتفل به غالباً، والذي قررته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948م بدون أي صوت سلبي ".
9- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: والملاحظ أن المسلمين في العالم هم المحرومون من هذه الحقوق، إما من الدول الكبرى التي تطغى مصالحها وعصبيتها الدينية الحاقدة عليها، وإما من الحكومات المستبدّة التي تذبح هذه الشعوب. والتمسك بهذا الميثاق الدولي مهمّ جداً ؛ لأنّه جزء من الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان الذي أعلنه رسول الله صلى الله عليه وسلم للبشرية في كتاب الله وسنّة رسوله في حجة الوداع، والميثاق مكوّن من ثلاثين مادّة..
ديباجة: حيث إنّ الاعتراف بأنّ الكرامة الفطرية، والحقوق المتساوية وغير القابلة للانتقاص منها لكلّ أعضاء الأسرة الإنسانية هي أساس الحرية والعدالة والسلام في العالم، وحيث إنّ تجاهل وازدراء حقوق الإنسان قد أدى إلى أعمال همجية أثارت غضب ضمير الجنس البشري، وحلول عالم سوف تتمتع فيه الكائنات البشرية بحرية الكلام والعقيدة، والتحرر من الخوف والحاجة قد أعلن باعتباره أعلى مطمح لعامة الشعب، وحيث إنّ من الضروري إذا لم يجبر الإنسان على اللجوء كملجأ أخير إلى الثورة ضدّ الطغيان والقمع، فإن حقوق الإنسان يجب أن تحمى بحكم القانون، وحيث إن من الضروري تعزيز نموّ العلاقات الودية بين الدول، وحيث إن شعوب الأمم المتحدة قد أكدت مرة أخرى في الميثاق إيمانها بحقوق الإنسان الأساسية، وفي كرامة وقيمة الشخص البشري، وفي الحقوق المتساوية للرجال والنساء، وعقدت العزم على التقدّم الاجتماعي ومستويات أفضل من الحياة في حرية أكبر، وحيث إن الدول الأعضاء تعهدت بنفسها بأن تعمل بالتعاون مع الأمم المتحدة على تعزيز الاحترام العالمي لحقوق الإنسان والحريات الأساسية والتقيد بها، وحيث إن الفهم المشترك لهذه الحقوق والحريات على أعظم قَدر من الأهمية من أجل التحقيق الكامل لهذا التعهد، ومن ثَمّ فإن الجمعية العامة الآن تعلن هذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان باعتباره مستوىً مشترك من الإنجاز لكلّ الشعوب وكلّ الأمم من أجل غاية أن يحتفظ كلّ فرد وكلّ عضو من المجتمع بهذا الإعلان في ذاكرته باستمرار، وسوف يجاهد بالتدريس والتعليم لتعزيز الاحترام لهذه الحقوق والحريات، بواسطة إجراءات تدريجية وطنية ودولية للتأكد من الاعتراف والتقيد بها بصورة عالمية وفعّالة، سواء بين شعوب الدّول الأعضاء أنفسها في الأمم المتحدة، أو بين شعوب الأراضي التي تقع تحت الاختصاص القضائي لهذه الدول، المادة (1) ولدت كلّ الكائنات.. "([187]).
10- ولنا هذه الملاحظات السريعة على هذا الإعلان وديباجته:
أ / لقد انتقص هذا الإعلان حقّ الأمم والشعوب في الاحتكام إلى شريعة الله المنزلة، وذلك لأنّ واضعي هذا القانون جميعاً علمانيون يؤمنون بفصل الدين عن الدولة، فذكروا قناعاتهم متجاهلين القناعات البشرية الأخرى التي تؤمن بأن الله أنزل شريعة يحتكم إليها البشر في حياتهم، واكتفوا بالتعامل مع الدين عقيدة في القلب وكلمة على اللسان، وعبادة في المعبد، وحتى يزال النقص في هذا الإعلان لا بدّ من المادة (31) من حقّ كلّ فرد وكلّ شعب أن يحتكم إلى الشريعة التي أنزلها الله تعالى في كتبه على أنبيائه، وأن تكون لهذه الشريعة الهيمنة العليا على كلّ قانون بشري طالما أنّ الفرد أو الشعب ارتضى ذلك.
ب/ هذه الحقوق أكبر المحرومين منها هم المسلمون ودُعاة الإسلام في الأرض، إما من طغيان وتجبر الدول العظمى، أو طغيان وتجبر الأنظمة المستبدة.
جـ/ يمكن أن يكون التحفظ - وهو رأي اجتهادي - على المساواة التامة بين المرأة والرجل، وعلى تفسير الدين، وما سوى ذلك منطلقات إسلامية خالصة([188]).
د / نتمسك بهذه المواثيق الدولية، ونعضّ عليها بالنواجذ؛ لنصل إلى هذه الحقوق التي حرمنا منها عملياً، وأعطيناها نظرياً على الأوراق.
هـ/ إلى أن تقوم دولة الإسلام العالمية باختيار شعوب الإسلام، وتكون أحد أعضاء مجلس الأمن الدائمين فيه يمكن أن تعيد النظر في هذا الإعلان، بحيث تكون منطلقاته قائمة على أسس إسلامية من الله سبحانه، لا من منِّ البشر أو منعهم أو إعطائهم، الله تعالى الذي قال: (( يا عبادي، إنّي حرّمتُ الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرّماً، فلا تظالموا، يا عبادي، كلّكم جائع إلا مَن أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي، كلّكم عارٍ إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي، لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحدٍ ما زاد في مُلكي شيئاً، يا عبادي، لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أشقى قلب رجلٍ واحدٍ ما نقصَ في ملكي شيئاً، يا عبادي، لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم قاموا على صعيدٍ واحدٍ فسألوني، فأعطيتُ كلَّ واحد شأنهُ ما نقص ذلك من ملكي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، فمَن عمل صالحاً فليحمد الله، ومَن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه)). من الله ربّ العباد العليم الخبير الخالق الحاكم،
{ أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ }.
12- تطورات خطيرة في حقوق الإنسان:
" والحقيقة التي لا بدّ من إبرازها هنا هي أن هذه المؤتمرات خاصة المؤتمرات المتعلقة بالمرأة، ابتداء من المؤتمر العالمي الأول للمرأة "، وكان شعاره (رفع التمييز ضدّ المرأة)([189])، الذي انعقد في مكسيكوستي عام 1975م، مروراً بمؤتمر كوبنهاغن عام 1980م، ومؤتمر نيردبي 1985م، ومؤتمر السكان والتنمية في القاهرة عام 1994م، ومؤتمر بكين 1995م، ووصولاً إلى مؤتمر استامبول للإسكان والإعمار 1996م، تنطلق من أهداف محددة وتحكمها فلسفة واحدة، وتلتزم إستراتيجية طويلة المدى في تطوير وسائلها، وتستظلّ بمظلة الأمم المتحدة، وحراسة النظام العالمي الجديد، بكلّ ما يمتلك من قدرات مالية وخبرات إعلامية، وسلطان سياسي قاهر، قادر على أن يفرض ما يريد من قيم ومبادئ تعمل على نسخ ثقافات الشعوب الأخرى وحضاراتها,
وتهميشها لتصبح جزراً صغيرة في المحيط الكبير القائم على التسلط والإغراق الثقافي باسم العالمية، دون أن يمثل هذا النظام الذي تدّعي له العالمية شيئاً من المشترك الإنساني "([190]).
" ولعلّ أهم قضايا وثيقة مؤتمر السكان هي الربط بين زيادة السكان وبين الفقر واستحالة التنمية، وأن الحدّ من النمو السكاني هو الطريق الأمثل للتنمية وتحقيق الرفاه الاجتماعي والقضاء على الفقر، لذلك ترى أن السبيل إلى ذلك يتركز في:
1- إباحة الإجهاض بجعلهِ قانونياً معتمداً.. وقد حاول واضعو الوثيقة استخدام تعابير متعددة لإباحة الإجهاض، مثل: الحمل غير المرغوب فيه.. إنهاء الحمل، وتخفيف عواقب الإجهاض، الإجهاض غير المأمون.
2- تقديم المعلومات والثقافة الجنسية للمراهقين، وإباحة الممارسات الجنسية، و............. في سرية هذه الأمور، وعدم انتهاكها من قِبل الأسرة.
3- التشجيع على الممارسات التي تقع خارج نطاق العلاقات الشرعية.
4- إلغاء القوانين التي تحدّ من ممارسة الأفراد لنشاطهم الجنسي، واعتبار ممارسة الجنس والإنجاب حرية شخصية، وليست مسؤولية جماعية. (انظر: تقارير حول الوثيقة، لرابطة العالم الإسلامي) "([191]).
وقد يكون من المفيد الإشارة إلى أن مؤتمر السكان والتنمية الذي عقد بالقاهرة.. أيلول 1994م، يُعدّ حلقة من سلسلة متصلة من المؤتمرات التي اتخذت طابعاً عالمياً.. وهذه المؤتمرات على تنوع طروحاتها، وتعدد أساليبها ترمي إلى ابتداع أنماط وأشكال جديدة من الحياة الاجتماعية والاقتصادية، تُحطّم الحواجز الأخلاقية، وتعارض القيم الدينية، وتنشر الإباحية باسم الحرية، وتشجع على التحلل باسم التحرر، حيث لم يكتفِ واضعو البرامج لهذه المؤتمرات عند حدّ التشكيك في اعتبار الأسرة هي الوحدة الأساسية للمجتمع، ومطالبة الوالدين بالتغاضي عن النشاط الجنسي للمراهقين عن غير طريق الزواج، واعتبار ذلك من الشؤون الشخصية، أو من الحرية الشخصية التي لا يحقّ لأحد أن يتدخّل فيها، ولكنهم قفزوا فوق الكثير من الضوابط والقيم الدينية الأخرى أيضاً، ليقرروا بأنّ مفهوم الأسرة بالمفهوم الذي يشرعه الدين ليس إلا مفهوماً عقيماً، وقيداً على الحرية الشخصية ؛ لأنّه لا يتقبل العلاقات الجنسية الحرة بين مختلف الأعمار، ويشترط أن تكون بين أنثى وذكر فقط، وضمن الإطار الشرعي، ولأنّه لا يمنح الشواذّ حقهم في تكوين أسر بينهم.. لذلك حاولوا الترويج والإقرار لأنماط أسرية بديلة دون أي اعتبار للنواحي الشرعية والقانونية والأخلاقية، مثل زواج الجنس الواحد، والمعاشرة بدون زواج، وإعطاء الجميع حقوقاً متساوية.. "([192]).
13- الأقليات في سورية:
لا بدّ أن نلقي ضوءاً على تركيبة المجتمع السوري، وتنوّع الأقليات العِرقية والمذهبية والدينية فيه.
القوميات:
" 1- العرب، ويمثلون الأكثرية الساحقة من سكان سورية، وأكثر العرب في سورية متحضرون، وقليل منهم بدو رُحَّل، ويسكنون المدن الهامّة في سورية: دمشق، حلب، حمص، حماة، إدلب، دير الزور.
2- الأكراد، وتزيد نسبتهم عن 9% من سكان سورية، وهم أهمّ العناصر غير العربية شأناً؛ لكثرة عددهم، وتجمعهم في مناطق معينة، ولاسيما في محافظة الجزيرة، على الحدود مع تركيا.
كما يوجدون في بعض أقضية حلب (عفرين، وعين العرب)، وفي حيّ كبير من أحياء دمشق. وهناك مناطق أخرى، كقضاء الحفة، وغيرها. وهم عنصر أصيل في الأرض السورية، ويمثلون مع إخوانهم الأكراد في العراق وتركيا وإيران، ما يسمى كرد ستان فيما مضى، وقبل توزيع العرب دويلات شتى، وتوزيع الأكراد بين هذه الدول الأربعة، والأكراد عموماً مسلمون سنيون.
3- الجركس والداغستان والشاشان، وهم مهاجرون من قفقاسيا من أواسط القرن التاسع عشر إلى ما بعد الثورة الشيوعية، ويسكنون في جنوب سورية في منطقة القنيطرة قبل احتلالها عام 67، وفي بعض قرى دمشق شرقاً، وبعض قرى حمص، وبعض أقضية حلب. وكلّهم مسلمون سنّيون.
4- التركمان، وقد وجدت هذه الأقلية في محافظة اللاذقية نتيجة تقسيم الأراضي وتحديد الحدود بين سورية وتركية، ويتكلّمون التركية القديمة، وهناك أقلية تركية مبعثرة في الأراضي السورية، كالموجودين في حيّ الصالحية في سفح جبل قاسيون، وفي قرية قلدون، وفي الجزيمة، وهم مسلمون سنيون.
5- الأقليات غير العربية وغير المسلمة، وأهمّهم الأرمن، وهي أقلية قومية كثيرة العدد نسبياً في سورية، وقد هاجروا إلى سورية على دفعات متتالية منذ نصف قرن على وجه التقريب، وخاصة خلال الحرب العالمية الأولى، نتيجة تهجير الأتراك لعناصرهم المناوئة، وإبعادهم عن مواطنهم الأصلية، وهم موزّعون في أنحاء البلاد السورية، ومتكتّلون في بعض المناطق، كالجزيرة، وبعض قرى اللاذقية على الحدود التركية وفي مدينة حلب ودمشق.. ويدين الأرمن بالمسيحية.
6- السريان، وهم غير الطائفة المسيحية الشرقية، فهؤلاء من أقدم الطوائف الشرقية المسيحية في البلاد، إنما المقصود بالسريان أولئك الذين هاجروا من تركيا على إثر حوادث واصطدامات، وسكنوا في سوريا في عهد الانتداب الفرنسي، ولهم لغة خاصة بهم، وشعور قومي خاص، ويسكن هؤلاء في الجزيرة، وهم أكبر أقلية مسيحية فيها، ولهم حيّ في مدينة حلب، يقع في جنوبها الغربي، ويسمى باسمهم (حي السريان).
7- ويمكن أن يُلحق بالسريان طائفتين قليلتي العدد والأهمية، وهي الكلدانيون والآشوريون، وقد هاجروا من العراق إثر الحرب العالمية الأولى، وهم مسيحيون من الطوائف الشرقية القديمة "([193]).
الأديان والطوائف:
1- المسلمون السنّيون:
وهم الأكثرية الغالبة من السكان، إذ تبلغ نسبتهم 71% أو تزيد قليلاً، والإسلام الذي دخل سورية في عهد الخلفاء الراشدين، وانتشر في عهد الأمويين، قد طبع البلاد بطابع قوي ظاهر في جميع نواحي الحياة، في المدن والأرياف، وهم يمثلون الأكثرية في المدن والأرياف، وأكثر هؤلاء السنيون من العرب، والباقون من غير العرب، كالأكراد والجركس والتركمان. والمذهب السنّي هو السائد في التعليم.
2- العــلويون:
وهم فرقة من غُلاة الشيعة، عقائدهم تقوم على أساس حلول الألوهية في الإمام علي بن أبي طالب، وأنه خلق محمداً، وخلق محمد سلمان الفارسي، وهذه هي الأقانيم الثلاثة التي يرمز إليها بِـ(ع. م. س)، ولهم سوَر خاصة بهم من صنع بشري، ويسقطون التكاليف الشرعية من صلاةٍ وصوم وحج، ولهم أعياد خاصّة بهم ؛ إسلامية وفارسية ومسيحية. وهذه العقائد مكتومة إلا عن أبنائهم. وتبلغ نسبتهم في المجتمع السوري 10%، ويسكن أكثرهم في محافظة اللاذقية، وفي محافظتي حمص وحماة عدد كبير منهم، وتليهما محافظة دمشق إن لم تكن تفوقهما.
3- الإسـماعيليون:
الإسماعيليون في سورية فئتان مختلفتان اختلافاً كبيراً، أما إحداهما فهي من فئة الشيعة المعتدلة، كالإمامية، وقد افترقوا عنهم في الإمام السابع، وهم لا يخرجون عن تعاليم الإسلام وعقائده المعروفة، ويقيمون شعائره من صلاةٍ وصوم وغيرهما، وتسكن هذه الفئة غرب حماة وفي بعض أقضية حمص، وفي محافظة اللاذقية (ناحية الخوابي، وناحية القدموس). أما الفئة الثانية من الإسماعيلية فهم من غُلاة الشيعة والباطنية، تحلّلوا من جميع تعاليم الإسلام وشرائعه، ويعتقدون بألوهية آغا خان ونبيه.. ونسبتهم إلى المجتمع السوري 1%، ويسكنون في شرقي حماة في قضاء السلمية في مركز القضاء وقراه.
4- الجعفــرية:
وهي الفرقة الشيعية المعروفة، والمنتشرة في بلاد الإسلام، ويختلفون عن جمهرة المسلمين السنيين في موضوع الإمامة، فالإمام عندهم من الاثني عشر لم يصل إلى مرتبة ملك مقرّب ولا نبي مرسل، ولا يأخذون بالحديث إلا إذا كان مروياً عن أهل البيت. ونسبتهم في المجتمع 0.4%، ويسكنون في قُرى مناطق حلب وحمص، وفي مدينة دمشق، حيث يقيم رئيسهم الديني.
5- الــدّروز:
ويعتبرون الأقلية الطائفية التي تأتي بالدرجة الثانية بعد العلويين، ونسبتهم إلى المجتمع السوري 3%، وهم متكتّلون في مناطق معينة تقع على حدود لبنان والأردن وفلسطين، ويسكنون في الجبل المعروف باسمهم (جبل الدروز) جنوبي سوريا، وفي سفوح جبل الشيخ أو حرمون المتصل بلبنان. وقد انشقّوا عن المسلمين في زمن الحاكم بأمر الله، الذي يعتقدون أنه مظهر للذات الإلهية، ولا يؤمنون بالحياة الآخرة، ويؤمنون بتناسخ الأرواح والحلول، ولا يعتقدون مطلقاً بنبوّة محمد r، ولا يعترفون بأيّ شعيرة من شعائر الإسلام، ولهم معابد تسمى مجالس. ولا يلقنون دينهم إلا لِمن تجاوز الأربعين من أبنائهم.
6- اليزيـديــة:
وهم عبدة الشيطان في محافظتي الحسكة وحلب، وليس لهم شأن يُذكر في عداد المجتمع السوري "([194]).
7- المسيحيــون:
لما فتح المسلمون الأوّلون من العرب بلادَ الشام، لم يكرهوا الناس على تغيير دينهم، فبقي فيها عدد كبير من المسيحيين على دينهم، سواء العرب الذين كانوا مستقرين قبل الإسلام في البلاد، أو غيرهم من الساميين من سكان البلاد، ومن أقام من الروم البيزنطيين، ويؤلف المسيحيون في سورية مجموعة تبلغ نسبتها الثمن من مجموع السكان، وهم موزّعون في المدن والأرياف على السواء.
وللمسيحيين في سورية طوائف كثيرة يمكننا أن نرجعها إلى ثلاث:
أ / الأرثوذكس والطوائف الشرقية عامة. ب/ الكاثوليك. جـ/ البروتستانت.
أ) الأرثوذكس: وهم ثلاث طوائف: الروم الأرثوذكس، السريان الأرثوذكس، الأرمن الأرثوذكس.
1ً- الروم الأرثوذكس: وهم الطائفة الأكثر عدداً من بين الطوائف المسيحية؛ إذ يؤلّفون 70% من مجموع المسيحيين، كما أنهم من أقدم هذه الطوائف منشأً وتاريخاً، وهي الطائفة المنتشرة في شرقي أوربا؛ في اليونان، وروسيا، ويوغسلافيا (سابقاً).. وغيرها.
2ً- السريان الأرثوذكس: هم المسيحيون السوريون القدماء الذين رأوا أن ينفصلوا عن كنيسة بيزنطة ويستقلّوا عنها، وعرفوا في التاريخ باليعاقبة. وكان يقيم بطريرك السريان الأرثوذكس في ماردين ثم في الموصل، وأصبح مقرّه الآن في حمص، ويتبعه سائر السريان الأرثوذكس في سورية والعراق، ولغتهم السريانية.
3ً- الأرمن الأرثوذكس: وهم لا يختلفون عن سائر الأرثوذكس، حيث إنّ الكنيسة الأرثوذكسية مستقلة بقوميتها، فانتقلت الكنيسة بانتقال الأرمن إليها، ثم حدث خلاف لا يزال مستمراً بين رئيسين يدّعي كلّ منهما أنه بطريرك الأرمن، أحدهما في دمشق، والآخر في بيروت، ويمكن أن نلحق بالكنيسة الأرثوذكسية سائر الطوائف الشرقية، كالنسطوريين المعروفين بالآشوريين.
ب) الكاثوليك: (الروم الكاثوليك، السريان الكاثوليك، المارونيون، الأرمن).
1ً- الروم الكاثوليك: وقد انفصلوا عن الروم الأرثوذكس منذ ثلاثة قرون، وهم أكثر الكاثوليك عدداً، ويقيم بطريركهم في دمشق، وينتقل ما بينها وبين الإسكندرية.
2ً- السريان الكاثوليك: وأصلهم من الأرثوذكس، وتقربوا من روما منذ الحروب الصليبية، وانضمّوا منذ القرن الثامن عشر إلى المذهب الكاثوليكي، ويستعملون السريانية والعربية في صلواتهم.
3ً- الموارنة: ويرجع تاريخهم إلى القرن الخامس الميلادي، وينسبون إلى (مارمارون)، وقد ظهرت كنيستهم مستقلة منذ القرن السابع للميلاد، والتجأ أكثرهم إلى لبنان على إثر الفتح الإسلامي، وتقربوا من كنيسة روما وانضموا إليها، ولكن لغتهم الدينية بقيت الآرامية. ويقيم بطريركهم في (بكركي) بلبنان.
4ً- اللاتين: أنشأ الصليبيون كنيسة في سورية، واعتنق بعض السوريين مذهبهم، وبقيت بذلك الكنيسة اللاتينية بعد ذهاب الصليبيين، والرئيس الأعلى يقيم في بيروت.
هذا ويقيم أكثرية الكاثوليك في المدن السورية، وقليل منهم في الأرياف، ولهم مؤسسات ومدارس وجمعيات ومستشفيات.
ج) البروتستانت: وهي أحدث الطوائف المسيحية وأقلّها عدداً، وقد ظهرت نتيجة التبشير الذي قامت به بعض البعثات الأجنبية من دانمركية وإيرلندية وإنكليزية وأمريكية منذ قرن تقريباً، وأغلب أبناء هذه الطائفة في الأصل من الأرثوذكس الذين اعتنقوا المذهب البروتستانتي بتأثير التبشير والتعليم. ويميل أبناء هذه الطائفة إلى الأمم التي تدين بالبروتستانتية، كالإنكليز والأمريكان "([195]).
8- اليهــود: وعددهم قليل جداً بالنسبة للسكان، لهم حيّ خاصّ بهم في دمشق، وفي بعض المدن السورية، ونسبتهم 0.9% من السكان.
14- كيف كانت تُعامَل الأقليات في العهد الإسلامي في سورية؟.
أولاً: الأقليات الدينية (النصارى واليهود):
لقد ابتدأ التعامل معهم منذ الفتح الإسلامي لدمشق من خلال الكتاب الذي كتبه خالد رضي الله عنه لأهل دمشق: " هذا ما أعطى خالد بن الوليد أهل دمشق، إذ دخلها أماناً على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم، وسور مدينتهم لا يهدم، ولا يسكن شيء من دورهم، لهم بذلك عهد الله وذمّة رسوله r والخلفاء والمؤمنين، لا يعرض لهم إلا بخير إذا أعطوا الجزية "([196]).
أما بقية سورية فـ" لما افتتح أبو عبيدة بن الجراح دمشق استخلف يزيد بن أبي سفيان على دمشق، وعمرو بن العاص على فلسطين، وشرحبيل على الأردن، وأتى حمص فصالحها على نحو صلح بعلبك، ثم خلف بحمص عبادة بن الصامت الأنصاري ومضى نحو أهلها، فتلقاه أهلها مذعنين، فصالحهم على الجزية في رؤوسهم والخراج في أرضهم. فمضى نحو شيزر، فخرجوا يكفرون([197]) ومعهم المقلسون([198])، ورضوا بمثل ما رضي به أهل حماة، وبلغت خليه الزراعة والقسطل "([199]).
ومرّ أبو عبيدة بمعرة حمص.. فخرجوا يقلسون بين يديه، ثم أتى فامية ففعل أهلها مثل ذلك وأذعنوا بالجزية والخراج، واستتمّ أمر حمص، فكانت حمص وقنسرين شيئاً واحداً... "([200]).
وحدثني أبو حفص الدمشقي عن أشياخه قالوا: " افتتح أبو عبيدة اللاذقية وجبلة وانطرطوس على يدي عبادة بن الصامت "([201]).
" قالوا: ورحل أبو عبيدة إلى حلب وعلى مقدمته عياض بن غنم الفهري، فوجد أهلها قد تحصنوا، فنزل عليها، فلم يلبثوا أن طلبوا الصلح والأمان على أنفسهم وأموالهم وسور مدينتهم وكنائسهم ومنازلهم والحصن الذي بها، فأُعطوا ذلك، فاستثنى عليهم موضع المسجد. وكان الذي صالحهم عليه عياض، فأنفذ أبو عبيدة صلحه... وسار أبو عبيدة من حلب إلى أنطاكية.. وكانت أنطاكية عظيمة الذكر والأمر عند عمرو بن عثمان، فلما فتحت كتب عمر إلى أبي عبيدة أن رتب بأنطاكية جماعة أهل نيات وحسبة، واجعلهم بها مرابطة "([202]).
قالوا: ولما بلغ هرقل خبر أهل اليرموك وإيقاع المسلمين بجنده، هرب من أنطاكية إلى القسطنطينية، فلما جاوز الدرب قال: عليكِ يا سورية السلام، ونعمَ البلد هذا للعدد (يعني أرض الشام ؛ لكثرة مراعيها)([203]).
إعادة الجزية عند خطر العدد:
" وحدثني أبو حفص الدمشقي قال: حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال: بلغني أنّه لما جمع هرقل للمسلمين الجموع، وبلغ المسلمين إقبالهم إليهم، ردوا على أهل حمص ما كانوا أخذوا منهم من الخراج، وقالوا: قد شغلنا عن نصرتكم والدفع عنكم، فأنتم على أمركم، فقال أهل حمص: لَولايتكم وعدلكم أحبّ إلينا مما كنا فيه من الظلم والغشم. ولندفعنّ جند هرقل عن المدينة مع عاملكم.. ونهض اليهود فقالوا: والتوراة لا يدخل عامل هرقل مدينة حمص إلا أن نغلب ونجهد.
فأغلقوا الأبواب وحرسوها، وكذلك فعل أهل المدن التي صولحت من النصارى واليهود، وقالوا: إن ظهر الروم وأتباعهم صِرنا إلى ما كنّا عليه، وإلا فإنا على أمرنا ما بقي للمسلمين عدد. فلما هزم الله الكفرة وأظهرَ المسلمين، فتحوا مدنهم، وأخرجوا المقلسين فلعبوا، وأدوا الخراج. وسار أبو عبيدة إلى جند قنسرين وأنطاكية ففتحها "([204]).
على امتداد التاريخ:
أبدى العرب تسامحاً تجاه المدن السورية، ولم يلبث جميع سكانها أن رضوا بسيادة العرب، واعتنق أكثر أولئك السكان الإسلام بدلاً من النصرانية، وأقبلوا على تعلّم اللغة العربية، وظلّت سورية بلداً عربياً إسلامياً كما كانت في أوائل الفتح العربي مع تداول كثير من الفاتحين لسيادتها بعد ذلك... واستردّت سورية أيام الحكم العربي ما أضاعته من الرخاء منذ زمنٍ طويل، وبلغت درجة رفيعة من الرقي في العهد الأموي، والصدر الأول من العهد العباسي، وكان العدل بين الرعية دستور العرب السياسي. وترك العرب الناس أحراراً في أمور دينهم، وأظل العرب أساقفة الروم ومطارنة اللاتين لحمايتهم. فنال هؤلاء مالم يعرفوه سابقاً من الدعة والطمأنينة... "([205]).
في الحروب الصليبية:
" ومن أشأم نتائج الحروب الصليبية أن ساد عدم التسامح العالم عدة قرون، وأن صبغته بمالم تعرفه ديانة، خلا اليهودية بصبغة القسوة والجور. أجل، كان العالم قبل الحروب الصليبية يعرف الشيء الكثير من عدم التسامح، ولكنه ندر أن كان عدم التسامح هذا يصل إلى حدّ الجلف والطغيان.
وقد بلغ عدم التسامح هذا مبلغاً من الحميا الشديدة في الحروب الصليبية ما لا يزال العالم يقاسي أثره إلى زماننا هذا. فلم يلبث رجال الدين الذين تعوّدوا سفك الدماء أن صاروا ينشرون المعتقد، ويبيدون أصحاب البدع على الطريقة التي كانوا يبيدون بها الكافرين، ويرون أنه يجب إخماد أقلّ انحراف بأفظع تعذيب.
ومن نتائج ما نما في الحروب الصليبية من روح عدم التسامح المشؤومة، ما حدث من ذبح اليهود والألبيجوا، وكلّ ذي بدعة. ومن إنشاء محاكم التفتيش، ومن الحروب الدينية، ومن الحروب الوحشية التي ضرجت أوربة بالدماء زمناً طويلاً "([206]).
في ظلّ الدولة العثمانية:
كان انضمام الشام للدولة العثمانية عام 1518م، واستمرت تحت الحكم العثماني أربعة قرون حين دخل الجيش العربي الشام، وأسقط العلم العثماني عام 1918م، وكان وضع الأقليات في القرنين الأولين من الحكم، خاصة الأقليات الدينية من النصارى واليهود، لهم امتيازاتهم الخاصة بصفتهم أهل الذمّة، ويتمتّعون بحرية تامّة في أمورهم الدينية وأحوالهم الشخصية. أما الأقليات الطائفية فقد تعرّضت لمواجهات عنيفة مع الدولة ألجأتهم إلى السكن في الجبال التي عرفت باسمهم: جبال النصيرية وجبل الدروز.
أما القرنان الأخيران من الحكم العثماني، فقد رافقهما تدخل الدول الأوربية في شؤون الأقليات.
وقامت الإرساليات التبشيرية بدورها في تعميق الهوة والخلاف بين أبناء الأمة،
" وهكذا نلاحظ أن الجمعيات التبشيرية التي انتشرت في الدولة العثمانية معظمها إنكليزية وفرنسية وأمريكية، وتغلغل النفوذ الفرنسي والبريطاني عن طريقها، وأصبحت هي الموجهة للحركات القومية والمسيطرة على توجيه المتعلمين من المسلمين العرب والأتراك، وكانت تستهدف: 1/ فصل العرب عن الدولة العثمانية. 2/ إبعاد المسلمين عن رابطة الإسلام. وجاء إنشاء هذه الجمعيات نتيجة لِما عاناه الأوربيون في الحروب الصليبية بعد أن خذلهم نصارى العالم الإسلامي. ولم تنفعهم قوة أوربا في مواجهة الإسلام والمسلمين، بل إن المستر بن روزا الذي تسلم رئاسة الجامعة الأمريكية عام 1948م قال: لقد كشف الاختبار عن أنّ التعليم أقوى وسيلة استغلّها المبشرون الأمريكيون في سعيهم لتنصير سورية ولبنان "([207]).
" ثم بدأت الفتنة بين المسلمين والنصارى والدروز 1841م عقب انسحاب إبراهيم باشا بيوم واحد، وبضغط من أوربا وضع العثمانيون لجبل لبنان نظاماً خاصاً، وقُسم قسمين لمنع الاحتكاك بين الدروز والمسيحيين، واستمرّ إشعال الفتنة لانحياز الإنكليز لجانب الدروز والفرنسيين لجانب المسيحيين الموارنة. وعادت الاضطرابات.. واتسعت الفتنة في تموز 1860م، حيث هاجم مسلمو دمشق حيّ النصارى، وأوقف العثمانيون الفتنة بالقوة، لكنّ الغرب لم يشأ أن يضيع الفرصة، فنزلت حملة برية فرنسية في بيروت، ومنح لبنان على إثر ذلك امتيازات خاصة ونظام محلي للإدارة على رأسها حاكم مسيحي "([208]).
المشروطية العثمانية:
وهو الدستور العثماني الذي أعلن عام 1976م قبل قرن وثلث من اليوم. وقد طبق على سوريا كما طبق على غيرها من الولايات. ومن أهمّ بنوده:
المادة (8): يطلق لقب عثماني على كلّ فرد من أفراد التبعة العثمانية بلا استثناء من أيّ دين أو مذهب كان، ويسوغ الحصول على الصفة العثمانية وفقدانها بحسب الأحوال المعنية في القانون.
المادة (9): إنّ جميع العثمانيين متمتّعون بحريتهم الشخصية، وكلّ منهم مكلّف بعدم تجاوزه حقوق غيره.
المادة (10): إن الحرية الشخصية هي مصونة من جميع أنواع التعدي، ولا يجوز إجراء مجازاة أحد بأيّ وسيلة كانت إلا بالأسباب التي يعينها القانون.
المادة (11): إن دين الدولة العثمانية هو الدين الإسلامي، ومع مراعاة هذا الأساس وعدم الإخلال براحة الخلق والآداب العمومية، تجري جميع الأديان المعروفة في الممالك العثمانية بحرية حماية الدولة، مع دوام الامتيازات المعطاة للجماعات المختلفة كما كانت عليه.
المادة (17): إن العثمانيين جميعهم متساوون أمام القانون، كما أنهم متساوون كذلك في حقوق ووظائف المملكة، ما عدا الأحوال الدينية والمذهبية.
المادة (18): يشترط على التبعة العثمانية معرفة التركية التي هي اللغة الرسمية؛ لأجل تقلد مأموريات الدولة.
المادة (19): إنّ تكاليف الدولة تطرح وتوزع بين جميع التبعة بحسب اقتدار كلّ منها وفقاً لنظاماتها المخصوصة.
المادة (47): إنّ أعضاء المجلس العمومي (النيابي) أحرار بإبراز آرائهم وأفكارهم، ولا يقيد أحد منهم بوعد أو تهديد ما، ولا يرتبط بتعليمات البتة، ولا يجوز إلقاء التهمة على أحد منهم بوجهٍ من الوجوه بسبب إبراز آرائه أو بيان أفكاره بإثناء مفاوضات المجلس... "([209]).
لقد أعلنت الحرية والعدالة والمساواة في الدولة العثمانية، وتساوى الجميع في الحقوق والواجبات، وبقي لأهل الذمّة امتيازاتهم السابقة، كما نصّت المادة (11) على ذلك، والأصل أن تكون قضية الأقليات قد عولجت في الدولة الإسلامية العثمانية.
في الدولة الفيصلية:
وهي أول دولة سورية بعد الاستقلال عن الدولة العثمانية، تجاوزت موضوع الأقليات في الدستور من خلال النص على المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات المادة (9): يطلق لقب (سوري) على كلّ فرد من أهل المملكة السورية العربية، ويسوغ الحصول على الجنسية السورية وفقدانها بحسب الأحوال التي يعينها قانون التابعية.
المادة (10): السوريون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات.
المادة (11): الحرية الشخصية مصونة من كلّ تعدّ، ولا يجوز توقيف أحد إلا بالأسباب والأوجه التي يعينها القانون.
المادة (13): لا يجوز التعرض لحرية المعتقدات والديانات، ولا منع الحفلات الدينية لطائفة من الطوائف، على أن لا تخلّ بالأمن، أو تمسّ بشعائر الأديان والمذاهب الأخرى.. "([210]).
15- الأقليات في عهد الاحتلال:
كان دخول الفرنسيين إلى سورية فرصة للأقليات للتعبير عن رغبتها في الاستقلال والانفصال، وكان هذا يخدم الفرنسيين خدمة جلى، فالتقت الأهداف، ومزقت سوريا إلى أربع دول:
1- انفصال دولة حلب:
" جاء في العدد (155) من جريدة العاصمة؛ الجريدة الرسمية الصادرة في 16 أيلول سنة 1920م بشأن فصل حلب عن دمشق، وجعلها حكومة مستقلة، ما يلي:
من القائد كاتر ورئيس البعثة الفرنسية إلى دولة رئيس الوزراء دمشق:
أتشرّف بأن أحيطكم علماً بأنّ فخاتة الجنرال غورو المندوب السامي قد اتخذ قراراً بتاريخ أول أيلول، بجعل ولاية حلب حكومة مستقلة مركزها حلب، تنفيذاً لأماني أهالي الولاية التي أيدوها بحرية، ولوضع حدّ لإدارة مركزية تعرقل إدارة حكومة دمشق. وقد ألحق سنجق اسكندرونة بهذه الحكومة الجديدة مع حفظ استقلاله الإداري. وتفضلوا يا دولة رئيس الوزراء بقبول فائق احترامي "([211]).
2- دولة العــلويين:
" إنّ الجنرال غورو المندوب السامي للجمهورية الفرنسية في سورية... ولما كان العلويون ما بينهم من الأقليات قد صرّحوا جلياً ومراراً بآمالهم بأن تكون لهم إدارة قائمة بذاتها تحت رعاية فرنسوية، لأجل ذلك يجب أن تنشأ مقاطعة تجمع أكثرية هؤلاء الأهلين ليتيح لهم أن يواصلوا السعي في سبيل مصالحهم السياسية والاقتصادية تحقيقاً للأماني التي صرّحوا بها. من أجل تلك الأسباب قد قرر:
- المادة الأولى: أنشئت تحت اسم مقاطعة العلويين دائرة إدارية تتألف مما يلي:
1) من سنجق اللاذقية ما عدا... 2) من سنجق طرابلس ما عدا... 3) قضاء مصياف..
- المادة الثانية: عينت حدود مقاطعة العلويين كما يلي: شمالاً: حدود مديريات بوجاك وباهر.. شرقاً: حدود قضاء جسر الشغور.. جنوباً: حدود دولة لبنان الكبير.غرباً: البحر المتوسط.
- المادة الثالثة: يوضع هذا القرار موضع التنفيذ اعتباراً من (1) أيلول 1920م "([212]).
3- دولة جبـل الدروز:
استمال الفرنسيون في زمن الحكومة الفيصلية بما بذلوه لهم من أموال وافرة، وبعد أن احتلّوا البلاد وانصرفوا إلى تنظيم الحكم في سورية دارت بينهم وبين شيوخ الجبل مباحثات بالاتفاق على النظام الإداري الذي ينفذ في جبلهم. فعقد الدروز في كانون الأول 1920م مؤتمراً اتّخذوا فيه قرارات بشأن استقلال الجبل استقلالاً داخلياً، وقد حملها وفد إلى دمشق برئاسة سليم الأطرش لإبلاغها إلى السلطة الفرنسية، فدارت بينهما مفاوضات انتهت باتفاق 4 آذار 1921م، الذي تضمّن إنشاء حكم وطني في الجبل، وفي 25 نيسان 1922م أعلن استقلال جبل الدروز رسمياً، وهذا نصّ الاتفاق:
1/ نشأ في جبل الدروز حوران، حكومة وطنية مستقلة استقلالاً إدارياً واسعاً تحت الانتداب الفرنسوي، وتعين حدود هذه الحكومة لجنة ثم تقرّها الدولة المنتدبة. 2/... 3/ يرأس هذه الحكومة حاكم أهلي... "([213]).
4- دولة دمشق:
بعد أن دخلت الجيوش الفرنسية دمشق في 25 تموز 1920م، واستتبّ الأمر للجنرال غورو المفوض السامي الفرنسي فيها، تم تقسيم البلاد إلى دويلات، هي: دولة لبنان الكبير، ودولة دمشق، ودولة حلب، ودولة العلويين.. وفي 30 تشرين الثاني 1920م أنهى الجنرال غورو مهمة السيد الألشي رئيس مجلس الوزراء، وعين مكانه اعتباراً من أول كانون أول 1920م السيد حقي العظم، الذي أصدر من توّه قراراً بقلب الوزارات إلى مديريات، ولقبَ نفسه بحاكم دولة دمشق، فأقرّ الفرنسيون ما وقع.. "([214]).
وتطوّرت الأمور بعد ذلك إلى ما يلي:
1/ ليس هناك أية وثيقة تثبت رغبة المواطنين في حلب ودمشق بالانفصال عن بعضهم، بينما تمت دولة العلويين بالاتفاق مع الأهالي، وكذلك دولة الدروز.
2/ في عام 1920م وعن التقسيم إلى دويلات لم تكن دولة الدروز جزءاً من المخطط، إنما تَمّ تأسيسها عام 1922م بناءً على المؤتمر الذي عقده الدروز، وطالبوا فيه بالانفصال عن دولة دمشق، وتكوين دولة مستقلة كما رأينا في تأسيسها من قبل.
3/ ولأنّ الانفصال بين دمشق وحلب كان مفروضاً على الشعب، فقد قامت المقاومة السياسية لإلغاء هذا الانفصال، " وقابلت الأمة التجزئة التي أقدم عليها الفرنسيون بأشدّ مظاهر الاستياء والاستنكار... ورأى الجنرال غورو أن يعدّل مشروع التجزئة تعديلاً ظنّ أنه يرضي الشعب، فأصدر يوم 28 يونيو سنة 1922م قراراً بإنشاء اتّحاد بين دول دمشق وحلب والعلويين، جاء في المادة الأولى منه أنه قد أنشئ اتحاد بين الدول السورية المؤلفة من دولة حلب ودولة دمشق وأراضي العلويين المستقلة... "([215]).
لقد نجحت المؤامرة في هذا القرن أيّما نجاح، وهمّشت العرب والمسلمين، ولم تُعطِ لكتلتهم أيّ وزن أمام الدّول الكبرى أعضاء مجلس الأمن الذين يتحكّمون في مصير العالم.
4- ولكي تبقى الدّول الصليبية الأوربية والأمريكية صاحبة القرار الوحيد في العالم، أنشأت مجلس الأمن. فما هو مجلس الأمن؟.
" ينصّ ميثاق الأمم المتحدة على أنّ مهمّة مجلس الأمن في اتخاذ الإجراءات نيابة عن المنظمة لكل للحفاظ على السلام والأمن في العالم، وإذا دعت الضرورة يمكن لمجلس الأمن أن يفرض عقوبات صارمة على أيّ دولة من الدول، بغضّ النظر عن أنّ تلك الدولة عضو في الأمم المتحدة أم لا، وللمجلس صلاحية البتّ في الإجراءات، مثل قطع العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية، وإذا لم تفِ هذه الإجراءات بالغرض، فمن حقّه أن يقوم بإجراء مسلح ضدّ الطرف المعتدي، إلا أنّ الأمور في الواقع تختلف، فأيّ إجراءٍ من الأنواع المذكورة أعلاه يستلزم أن يتفق عليه الأعضاء الخمسة الدائمون في المجلس، وهم: بريطانيا، والصين، وفرنسا، وروسيا (الاتحاد السوفيتي سابقاً)، والولايات المتحدة، ولكن أحداث الأربعين سنة الماضية من تاريخ الأمم أثبتت أنّ هذه الدول كثيراً ما تختلف إلى حدٍّ بعيد حول النزاعات العالمية "([181]).
5- وعندما عرف المعسكر الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفيتي يخوض الحرب الباردة ضدّ المعسكر الغربي بقيادة أمريكا، أمكنَ لكثيرٍ من الشعوب المقهورة أن تستفيد من هذا الخلاف، وتنال استقلالها من استعمار الدول الغربية.
لكن بعد انهيار المعسكر الشيوعي بقيت الصين وحدها غير قادرة على مواجهة المعسكر الغربي، وأصبحت أمريكا تتحكم في مصير العالم وفي قرارات مجلس الأمن، ومع هذا فما يسمى بحقّ الفيتو لهذه الدول الخمس يجعل مصير العالم كلّه بيدهم، ويعطّل أيّ قرار يمكن أن يتّخذ بالأغلبية خمس دول تتحكم بمصير مائة وثمانين دولة بما يسمى حقّ الفيتو، وهو حقّ الاعتراض، وعندما تستعمل واحدة من الدول الخمس هذا الحقّ فيسقط القرار، وليس للمعسكر الإسلامي والعربي أيّ وجود في هذه الدول الدائمة العضوية بمجلس الأمن، فالعالم لا يزال حتى اليوم بيد القطب الأحادي الأمريكي بعد أن كان موزّعاً بين القطبين ؛ الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، وتحاول أوربا أن تقف على قدميها في إيجاد كيان ثابت لها أمام الهيمنة الأمريكية، ولكنّها لم تفلح بعد. وأكبر أسباب فشلها هو تخاذل بريطانيا وانسياقها دائماً في فلك الولايات المتحدة.
6- وأما ما يسمى بمحكمة العدل الدولية، فلا تزال حتى الآن نظرية أكثر منها عملية، وهي " التي أنشئت في عام 1945م في لاهاي في هولندا، وتتألف من خمسة عشر قاضياً مداومين، ينتخب كلّ قاضٍ منهم لمدّة تسع سنوات، ويجوز إعادة انتخابه، غير أنه لا يجوز أن يكون اثنان منهم في دولة واحدة، وتتمّ الانتخاب من جانب الجمعية العامّة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
إنّ فكرة وجود قاضٍ لدولة معينة عضواً في المحكمة على الدوام أمرٌ ليس مقبولاً رسمياً، ولكن على الصعيد العملي فإنّ أربعاً من الدول الأعضاء الخمسة الدائمة في مجلس الأمن الدولي لها دائماً قاضٍ من رعاياها في المحكمة، وهذه الدول هي: أمريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا، ومعظم النزاعات لا يمكن أن تحال إلى المحكمة إلا إذا وافق الفرقاء المعنيون على ذلك، وقرارات المحكمة تعدّ ملزمة للفرقاء، وفي حالة رفض أحد الفريقين تنفيذ القرار يجوز للفرق الآخر أن يطلب المساعدة من مجلس الأمن الذي باستطاعته من الناحية النظرية أن يقرر الإجراءات التي يجب اتّخاذها لإعطاء مفعولٍ لقرار المحكمة، ولكن المجلس لم يتصرف قطّ على هذا النحو طيلة الفترة اللاحقة لإنشائه سوى أنه في عام 1990م اتخذ قرار استخدام كلّ السبل المتاحة لإخراج العراق من الكويت بعد احتلاله لها في 2 أغسطس 1990م "([182]).
وبما أنّ الدّعوى لا ترفع للمحكمة إلا بموافقة الطرفين المتنازعين فيبقى الطرف الأقوى رافضاً للموافقة ومعتمداً على قوّته دون أن توجد أيّ قوة تجبره على الالتجاء للتحكيم.
7- وبمقدار ضعف فاعلية محكمة العدل الدولية، وكونها على هامش الحياة العالمية السياسية بمقدار فاعلية صندوق النقد الدولي وتحكمه في مصير العالم الاقتصادي، " فقد تأسّس في أعقاب الحرب العالمية الثانية لمراقبة نظام النقد الدولي في عالم ما بعد الحرب، ومساعدة الدول الأعضاء التي تصادف مصاعب اقتصادية، وبعد الحرب العالمية الثانية تقرر أنّ أفضل وسيلة للعمل على تحقيق الرخاء الدولي هي تشكيل نظام نقد دولي يضمن استقرار تبادل العملة، وهذا ما حقّقته الاتّفاقيات التي وضعت في بريتون وودننر في الولايات المتحدة ؛ إذ تَمّ الاتفاق على أسعار تبادل العملات الدولية الهامّة في العالم بالنسبة للعملات الأخرى، وكذلك بالنسبة للذهب، وكان من مهمّة صندوق النقد الدولي أن يضمن الحفاظ على أسعار تبادل العملات لأطول فترة ممكنة، وأنّ تخفيض قيمة العملة أو رفع قيمتها يجب أن يكون منظماً، وأن لا يحدث إلا إذا اقتضت الضرورة القصوى.
وفي بداية السبعينات استبدل نظام السعر الثابت للعملات بتعويم العملات ؛ لأنّ الدور الأمريكي أصبح مرتفعاً ارتفاعاً كبيراً مقابل الذهب، وكانت حكومة الولايات المتحدة قد أصدرت عدداً كبيراً من الدولارات، لدرجة أنّها لم تعد تستطيع مواجهة جميع المطالب الأجنبية مقابل من احتياطي للذهب. لذا أوقف العمل بتحويل الدولار إلى الذهب، وخفضت قيمة الدولار، وطبقاً للنظام الجديد فإنّ أسعار تبادل العملة تعوَّم بصورة حرّة مقابل بعضها، ويتحدّد سعرها بعوامل العرض والطلب في أسواق العملات الدولية، ومن حين لآخر تتدخّل الحكومات ببيع أو شراء عملتها أو عملات أخرى في محاولة للتأثير على قيمتها ما زال الصندوق نشطاً كمصدر للمال للأقطار التي تواجه مشاكل تتعلق بالمدفوعات الدولة، وكثير من المصارف تنتظر حتى يوافق صندوق النقد الدولي على صفقة معونة لدولةٍ ما قبل أن تبدي هذه المصارف استعداداً لإقراض المال، والتمويل من الصندوق يهدف إلى مساعدة الدول التي تواجه مشاكل مؤقّتة في المدفوعات بتقديم القروض ذات الشروط المحدّدة، ومع أنّ الشروط ليست سياسية في حدّ ذاتها، ولكن قد تكون لها عواقب سياسية، وتعتبر مثل هذه الشروط في كثيرٍ من الأحيان مكروهة، وينظر إليها على أنها تدخُّل خارجي لا مبرّر له، ولكنّ الصندوق يعتبرها ضرورية لضمان تنظيم الحسابات المالية للدولة المعنية "([183]).
والحقيقة المرّة اليوم بالنسبة لصندوق النقد الدولي، أنّ على الدّولة التي تريد الاستفادة من الصندوق أن تخضع خضوعاً كاملاً لشروطه، وعليها أن تتبنّى النظام الاقتصادي الحرّ، وتصبح في تبعيتها مستعمرة اقتصادية للنظام العالمي الجديد، وإلا فالحرمان جزاؤها، وعليها أن تعاني من ذلك أصعب المعاناة، والكثير من الدول الفقيرة اضطرّت أن تركع أمام هذه الشروط، وأمام تبني هذا الاقتصاد حتى لا تنفذ شعوبها من الجوع القاتل. لقد بلغ الظلم مبلغه حتى لنجد جريدة الحياة في صفحتها الأولى تكتب: الشرطة الأمريكية تعتقل (600) من أعداء البنك الدولي، وتكتب تحت هذا العنوان: عقد مندوبو البنك الدولي وصندوق النقد الدولي اجتماعهم الدوري أمس متجاهلين الاحتجاجات الصاخبة والاشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين الذين توافدوا إلى وسط واشنطن محاولين عرقلة الاجتماع، رافعين شعارات ضدّ العولمة الأمريكية، واعتقلت الشرطة حوالي (600) متظاهر تقدّموا مسيرة غير مرخَّص بها، واستخدمت القنابل المسيلة للدموع والهراوات لتفريق المتظاهرين، وحصلت معظم الاشتباكات في محيط البنك الدولي وجامعة جورج تاون، واعترف بعض منظمي التظاهرات أمس بفشلهم في عرقلة الاجتماعات، وفي توحيد شعاراتهم، فبالإضافة إلى دعوتهم إلى محاربة العولمة وانعكاساتها السلبية على العمال والمزارعين والبيئة، ظهرت شعارات جديدة تطالب بإلغاء أحكام الإعدام، والدفاع عن حقوق الإنسان والحيوان، ورفع بعض المشاركين شعارات تدعو إلى رفع الحصار عن العراق، ووقف تدخّل الولايات المتحدة في شؤون العالم الثالث "([184]).
وكان آخر مؤتمراته في دافوس، حيث يعقد (2100) من كبار الشخصيات الدولية في مجالي السياسة والاقتصاد اجتماعات............. اليوم في دافوس([185]).
وقد قامت مؤتمرات ضدّ منتدى دافوس العالمي الذي يمثل تيار البنك الدولي والاقتصاد الدولي، كان آخرها المؤتمر الذي عقد في بومباي: " نحن هنا اليوم ؛ لأنّ مهمّتنا هي الدعوة لحقوق الإنسان، ولنجعل حلم العالم الأفضل ممكناً ". هكذا افتتحت الإيرانية (شيرين عبادي) - الفائزة بجائزة نوبل للسلام العام الماضي - جلسات المنتدى الاجتماعي العالمي أمس في بومباي ؛ العاصمة المالية للهند، ويضمّ المنتدى عشرات الألوف من الناشطين المناهضين للعولمة من كافّة أنحاء العالم. وتجري جلسات المؤتمر الرابع الذي يعقده المنتدى على مدى ستّة أيام تجري خلالها مناقشات، وتتصدر معارضة الاحتلال الأمريكي للعراق القضايا التي سيبحثها المنتدى الذي سيحضر فعالياته نحو (80) ألف شخص من (150) دولة.. واعتبر الناشط الفلسطيني مصطفى البرغوثي أن من الصعب فصل الديمقراطية الاجتماعية عن الديمقراطية السياسية في عالم اليوم، وأضاف أن الصراع الفلسطيني لا يختلف عن الهندي والجزائري والفيتنامي والجنوب أفريقي، حان الوقت لوقف هذا الظلم...
وقال النائب العمالي البريطاني جيرمي كورين: إن المؤتمر الذي عُقد خلال السنوات الثلاث............. في البرازيل سينتقد بوش وإداراته لغزو العراق. وأضاف: طبعاً هذه هي النقطة التي سيتمّ التركيز عليها، فإذا لم تعارض الحرب فستقع حرب أخرى قريباً([186]).
8- حقوق الإنسان: " إنّ ميثاق الأمم المتحدة الذي يرجع تاريخه إلى عام 1945م هو دستور عالمي.. وكان الاعتقاد واضحاً بعد الحرب العالمية الثانية أن الاعتداءات النازية على الكائن البشري وضدّ النظام السياسي الدولي يجب أن لا يتكرر أبداً.. وأسفر ردّ الفعل ضدّ العدوان النازي وإبادة الجنس عن عدّة إشارات في ميثاق الأمم المتحدة، أكثرها أهمية هي المادة (55): من أجل خلق ظروف من الاستقرار والرفاهية الضروريان للعلاقة السلمية والودية بين الأمم القائمة على احترام لمبدأ الحقوق المتساوية، وتقرير مصير الشعب، فإن الولايات المتحدة سوف تعزز:
أ / مستويات أعلى من المعيشة والعمالة الكاملة وظروف التقدّم الاقتصادي والاجتماعي والتنمية.
ب/ حلول للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والدولية وما يتّصل بها؛ التعاون الثقافي والتعليمي الدولي.
جـ/ احترام عالمي لحقوق الإنسان ومراعاتها، وحريات أساسية للجميع بدون تفرقة بسبب العنصر أو الجنس أو اللغة أو الدين.
وإن هذه المادة الواحدة والطويلة بشأن حقوق الإنسان هي التي تشكل حجر الزاوية لجهود الأمم المتحدة التالية لحماية حقوق الإنسان على أساس عالمي، هذه القاعدة القانونية في شكل معاهدة ملزمة قبلتها كلّ دول العالم تقريباً من حيث المبدأ.. وبسبب الأسلوب العام في المادة (55) فإنّ الدول في الأمم المتحدة سرعان ما تحولت إلى بذل جهود لتحديد معناها، وكانت النتيجة الأولى هي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يعترف به عالمياً، والذي يحتفل به غالباً، والذي قررته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948م بدون أي صوت سلبي ".
9- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: والملاحظ أن المسلمين في العالم هم المحرومون من هذه الحقوق، إما من الدول الكبرى التي تطغى مصالحها وعصبيتها الدينية الحاقدة عليها، وإما من الحكومات المستبدّة التي تذبح هذه الشعوب. والتمسك بهذا الميثاق الدولي مهمّ جداً ؛ لأنّه جزء من الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان الذي أعلنه رسول الله صلى الله عليه وسلم للبشرية في كتاب الله وسنّة رسوله في حجة الوداع، والميثاق مكوّن من ثلاثين مادّة..
ديباجة: حيث إنّ الاعتراف بأنّ الكرامة الفطرية، والحقوق المتساوية وغير القابلة للانتقاص منها لكلّ أعضاء الأسرة الإنسانية هي أساس الحرية والعدالة والسلام في العالم، وحيث إنّ تجاهل وازدراء حقوق الإنسان قد أدى إلى أعمال همجية أثارت غضب ضمير الجنس البشري، وحلول عالم سوف تتمتع فيه الكائنات البشرية بحرية الكلام والعقيدة، والتحرر من الخوف والحاجة قد أعلن باعتباره أعلى مطمح لعامة الشعب، وحيث إنّ من الضروري إذا لم يجبر الإنسان على اللجوء كملجأ أخير إلى الثورة ضدّ الطغيان والقمع، فإن حقوق الإنسان يجب أن تحمى بحكم القانون، وحيث إن من الضروري تعزيز نموّ العلاقات الودية بين الدول، وحيث إن شعوب الأمم المتحدة قد أكدت مرة أخرى في الميثاق إيمانها بحقوق الإنسان الأساسية، وفي كرامة وقيمة الشخص البشري، وفي الحقوق المتساوية للرجال والنساء، وعقدت العزم على التقدّم الاجتماعي ومستويات أفضل من الحياة في حرية أكبر، وحيث إن الدول الأعضاء تعهدت بنفسها بأن تعمل بالتعاون مع الأمم المتحدة على تعزيز الاحترام العالمي لحقوق الإنسان والحريات الأساسية والتقيد بها، وحيث إن الفهم المشترك لهذه الحقوق والحريات على أعظم قَدر من الأهمية من أجل التحقيق الكامل لهذا التعهد، ومن ثَمّ فإن الجمعية العامة الآن تعلن هذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان باعتباره مستوىً مشترك من الإنجاز لكلّ الشعوب وكلّ الأمم من أجل غاية أن يحتفظ كلّ فرد وكلّ عضو من المجتمع بهذا الإعلان في ذاكرته باستمرار، وسوف يجاهد بالتدريس والتعليم لتعزيز الاحترام لهذه الحقوق والحريات، بواسطة إجراءات تدريجية وطنية ودولية للتأكد من الاعتراف والتقيد بها بصورة عالمية وفعّالة، سواء بين شعوب الدّول الأعضاء أنفسها في الأمم المتحدة، أو بين شعوب الأراضي التي تقع تحت الاختصاص القضائي لهذه الدول، المادة (1) ولدت كلّ الكائنات.. "([187]).
10- ولنا هذه الملاحظات السريعة على هذا الإعلان وديباجته:
أ / لقد انتقص هذا الإعلان حقّ الأمم والشعوب في الاحتكام إلى شريعة الله المنزلة، وذلك لأنّ واضعي هذا القانون جميعاً علمانيون يؤمنون بفصل الدين عن الدولة، فذكروا قناعاتهم متجاهلين القناعات البشرية الأخرى التي تؤمن بأن الله أنزل شريعة يحتكم إليها البشر في حياتهم، واكتفوا بالتعامل مع الدين عقيدة في القلب وكلمة على اللسان، وعبادة في المعبد، وحتى يزال النقص في هذا الإعلان لا بدّ من المادة (31) من حقّ كلّ فرد وكلّ شعب أن يحتكم إلى الشريعة التي أنزلها الله تعالى في كتبه على أنبيائه، وأن تكون لهذه الشريعة الهيمنة العليا على كلّ قانون بشري طالما أنّ الفرد أو الشعب ارتضى ذلك.
ب/ هذه الحقوق أكبر المحرومين منها هم المسلمون ودُعاة الإسلام في الأرض، إما من طغيان وتجبر الدول العظمى، أو طغيان وتجبر الأنظمة المستبدة.
جـ/ يمكن أن يكون التحفظ - وهو رأي اجتهادي - على المساواة التامة بين المرأة والرجل، وعلى تفسير الدين، وما سوى ذلك منطلقات إسلامية خالصة([188]).
د / نتمسك بهذه المواثيق الدولية، ونعضّ عليها بالنواجذ؛ لنصل إلى هذه الحقوق التي حرمنا منها عملياً، وأعطيناها نظرياً على الأوراق.
هـ/ إلى أن تقوم دولة الإسلام العالمية باختيار شعوب الإسلام، وتكون أحد أعضاء مجلس الأمن الدائمين فيه يمكن أن تعيد النظر في هذا الإعلان، بحيث تكون منطلقاته قائمة على أسس إسلامية من الله سبحانه، لا من منِّ البشر أو منعهم أو إعطائهم، الله تعالى الذي قال: (( يا عبادي، إنّي حرّمتُ الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرّماً، فلا تظالموا، يا عبادي، كلّكم جائع إلا مَن أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي، كلّكم عارٍ إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي، لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحدٍ ما زاد في مُلكي شيئاً، يا عبادي، لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أشقى قلب رجلٍ واحدٍ ما نقصَ في ملكي شيئاً، يا عبادي، لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم قاموا على صعيدٍ واحدٍ فسألوني، فأعطيتُ كلَّ واحد شأنهُ ما نقص ذلك من ملكي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، فمَن عمل صالحاً فليحمد الله، ومَن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه)). من الله ربّ العباد العليم الخبير الخالق الحاكم،
{ أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ }.
12- تطورات خطيرة في حقوق الإنسان:
" والحقيقة التي لا بدّ من إبرازها هنا هي أن هذه المؤتمرات خاصة المؤتمرات المتعلقة بالمرأة، ابتداء من المؤتمر العالمي الأول للمرأة "، وكان شعاره (رفع التمييز ضدّ المرأة)([189])، الذي انعقد في مكسيكوستي عام 1975م، مروراً بمؤتمر كوبنهاغن عام 1980م، ومؤتمر نيردبي 1985م، ومؤتمر السكان والتنمية في القاهرة عام 1994م، ومؤتمر بكين 1995م، ووصولاً إلى مؤتمر استامبول للإسكان والإعمار 1996م، تنطلق من أهداف محددة وتحكمها فلسفة واحدة، وتلتزم إستراتيجية طويلة المدى في تطوير وسائلها، وتستظلّ بمظلة الأمم المتحدة، وحراسة النظام العالمي الجديد، بكلّ ما يمتلك من قدرات مالية وخبرات إعلامية، وسلطان سياسي قاهر، قادر على أن يفرض ما يريد من قيم ومبادئ تعمل على نسخ ثقافات الشعوب الأخرى وحضاراتها,
وتهميشها لتصبح جزراً صغيرة في المحيط الكبير القائم على التسلط والإغراق الثقافي باسم العالمية، دون أن يمثل هذا النظام الذي تدّعي له العالمية شيئاً من المشترك الإنساني "([190]).
" ولعلّ أهم قضايا وثيقة مؤتمر السكان هي الربط بين زيادة السكان وبين الفقر واستحالة التنمية، وأن الحدّ من النمو السكاني هو الطريق الأمثل للتنمية وتحقيق الرفاه الاجتماعي والقضاء على الفقر، لذلك ترى أن السبيل إلى ذلك يتركز في:
1- إباحة الإجهاض بجعلهِ قانونياً معتمداً.. وقد حاول واضعو الوثيقة استخدام تعابير متعددة لإباحة الإجهاض، مثل: الحمل غير المرغوب فيه.. إنهاء الحمل، وتخفيف عواقب الإجهاض، الإجهاض غير المأمون.
2- تقديم المعلومات والثقافة الجنسية للمراهقين، وإباحة الممارسات الجنسية، و............. في سرية هذه الأمور، وعدم انتهاكها من قِبل الأسرة.
3- التشجيع على الممارسات التي تقع خارج نطاق العلاقات الشرعية.
4- إلغاء القوانين التي تحدّ من ممارسة الأفراد لنشاطهم الجنسي، واعتبار ممارسة الجنس والإنجاب حرية شخصية، وليست مسؤولية جماعية. (انظر: تقارير حول الوثيقة، لرابطة العالم الإسلامي) "([191]).
وقد يكون من المفيد الإشارة إلى أن مؤتمر السكان والتنمية الذي عقد بالقاهرة.. أيلول 1994م، يُعدّ حلقة من سلسلة متصلة من المؤتمرات التي اتخذت طابعاً عالمياً.. وهذه المؤتمرات على تنوع طروحاتها، وتعدد أساليبها ترمي إلى ابتداع أنماط وأشكال جديدة من الحياة الاجتماعية والاقتصادية، تُحطّم الحواجز الأخلاقية، وتعارض القيم الدينية، وتنشر الإباحية باسم الحرية، وتشجع على التحلل باسم التحرر، حيث لم يكتفِ واضعو البرامج لهذه المؤتمرات عند حدّ التشكيك في اعتبار الأسرة هي الوحدة الأساسية للمجتمع، ومطالبة الوالدين بالتغاضي عن النشاط الجنسي للمراهقين عن غير طريق الزواج، واعتبار ذلك من الشؤون الشخصية، أو من الحرية الشخصية التي لا يحقّ لأحد أن يتدخّل فيها، ولكنهم قفزوا فوق الكثير من الضوابط والقيم الدينية الأخرى أيضاً، ليقرروا بأنّ مفهوم الأسرة بالمفهوم الذي يشرعه الدين ليس إلا مفهوماً عقيماً، وقيداً على الحرية الشخصية ؛ لأنّه لا يتقبل العلاقات الجنسية الحرة بين مختلف الأعمار، ويشترط أن تكون بين أنثى وذكر فقط، وضمن الإطار الشرعي، ولأنّه لا يمنح الشواذّ حقهم في تكوين أسر بينهم.. لذلك حاولوا الترويج والإقرار لأنماط أسرية بديلة دون أي اعتبار للنواحي الشرعية والقانونية والأخلاقية، مثل زواج الجنس الواحد، والمعاشرة بدون زواج، وإعطاء الجميع حقوقاً متساوية.. "([192]).
13- الأقليات في سورية:
لا بدّ أن نلقي ضوءاً على تركيبة المجتمع السوري، وتنوّع الأقليات العِرقية والمذهبية والدينية فيه.
القوميات:
" 1- العرب، ويمثلون الأكثرية الساحقة من سكان سورية، وأكثر العرب في سورية متحضرون، وقليل منهم بدو رُحَّل، ويسكنون المدن الهامّة في سورية: دمشق، حلب، حمص، حماة، إدلب، دير الزور.
2- الأكراد، وتزيد نسبتهم عن 9% من سكان سورية، وهم أهمّ العناصر غير العربية شأناً؛ لكثرة عددهم، وتجمعهم في مناطق معينة، ولاسيما في محافظة الجزيرة، على الحدود مع تركيا.
كما يوجدون في بعض أقضية حلب (عفرين، وعين العرب)، وفي حيّ كبير من أحياء دمشق. وهناك مناطق أخرى، كقضاء الحفة، وغيرها. وهم عنصر أصيل في الأرض السورية، ويمثلون مع إخوانهم الأكراد في العراق وتركيا وإيران، ما يسمى كرد ستان فيما مضى، وقبل توزيع العرب دويلات شتى، وتوزيع الأكراد بين هذه الدول الأربعة، والأكراد عموماً مسلمون سنيون.
3- الجركس والداغستان والشاشان، وهم مهاجرون من قفقاسيا من أواسط القرن التاسع عشر إلى ما بعد الثورة الشيوعية، ويسكنون في جنوب سورية في منطقة القنيطرة قبل احتلالها عام 67، وفي بعض قرى دمشق شرقاً، وبعض قرى حمص، وبعض أقضية حلب. وكلّهم مسلمون سنّيون.
4- التركمان، وقد وجدت هذه الأقلية في محافظة اللاذقية نتيجة تقسيم الأراضي وتحديد الحدود بين سورية وتركية، ويتكلّمون التركية القديمة، وهناك أقلية تركية مبعثرة في الأراضي السورية، كالموجودين في حيّ الصالحية في سفح جبل قاسيون، وفي قرية قلدون، وفي الجزيمة، وهم مسلمون سنيون.
5- الأقليات غير العربية وغير المسلمة، وأهمّهم الأرمن، وهي أقلية قومية كثيرة العدد نسبياً في سورية، وقد هاجروا إلى سورية على دفعات متتالية منذ نصف قرن على وجه التقريب، وخاصة خلال الحرب العالمية الأولى، نتيجة تهجير الأتراك لعناصرهم المناوئة، وإبعادهم عن مواطنهم الأصلية، وهم موزّعون في أنحاء البلاد السورية، ومتكتّلون في بعض المناطق، كالجزيرة، وبعض قرى اللاذقية على الحدود التركية وفي مدينة حلب ودمشق.. ويدين الأرمن بالمسيحية.
6- السريان، وهم غير الطائفة المسيحية الشرقية، فهؤلاء من أقدم الطوائف الشرقية المسيحية في البلاد، إنما المقصود بالسريان أولئك الذين هاجروا من تركيا على إثر حوادث واصطدامات، وسكنوا في سوريا في عهد الانتداب الفرنسي، ولهم لغة خاصة بهم، وشعور قومي خاص، ويسكن هؤلاء في الجزيرة، وهم أكبر أقلية مسيحية فيها، ولهم حيّ في مدينة حلب، يقع في جنوبها الغربي، ويسمى باسمهم (حي السريان).
7- ويمكن أن يُلحق بالسريان طائفتين قليلتي العدد والأهمية، وهي الكلدانيون والآشوريون، وقد هاجروا من العراق إثر الحرب العالمية الأولى، وهم مسيحيون من الطوائف الشرقية القديمة "([193]).
الأديان والطوائف:
1- المسلمون السنّيون:
وهم الأكثرية الغالبة من السكان، إذ تبلغ نسبتهم 71% أو تزيد قليلاً، والإسلام الذي دخل سورية في عهد الخلفاء الراشدين، وانتشر في عهد الأمويين، قد طبع البلاد بطابع قوي ظاهر في جميع نواحي الحياة، في المدن والأرياف، وهم يمثلون الأكثرية في المدن والأرياف، وأكثر هؤلاء السنيون من العرب، والباقون من غير العرب، كالأكراد والجركس والتركمان. والمذهب السنّي هو السائد في التعليم.
2- العــلويون:
وهم فرقة من غُلاة الشيعة، عقائدهم تقوم على أساس حلول الألوهية في الإمام علي بن أبي طالب، وأنه خلق محمداً، وخلق محمد سلمان الفارسي، وهذه هي الأقانيم الثلاثة التي يرمز إليها بِـ(ع. م. س)، ولهم سوَر خاصة بهم من صنع بشري، ويسقطون التكاليف الشرعية من صلاةٍ وصوم وحج، ولهم أعياد خاصّة بهم ؛ إسلامية وفارسية ومسيحية. وهذه العقائد مكتومة إلا عن أبنائهم. وتبلغ نسبتهم في المجتمع السوري 10%، ويسكن أكثرهم في محافظة اللاذقية، وفي محافظتي حمص وحماة عدد كبير منهم، وتليهما محافظة دمشق إن لم تكن تفوقهما.
3- الإسـماعيليون:
الإسماعيليون في سورية فئتان مختلفتان اختلافاً كبيراً، أما إحداهما فهي من فئة الشيعة المعتدلة، كالإمامية، وقد افترقوا عنهم في الإمام السابع، وهم لا يخرجون عن تعاليم الإسلام وعقائده المعروفة، ويقيمون شعائره من صلاةٍ وصوم وغيرهما، وتسكن هذه الفئة غرب حماة وفي بعض أقضية حمص، وفي محافظة اللاذقية (ناحية الخوابي، وناحية القدموس). أما الفئة الثانية من الإسماعيلية فهم من غُلاة الشيعة والباطنية، تحلّلوا من جميع تعاليم الإسلام وشرائعه، ويعتقدون بألوهية آغا خان ونبيه.. ونسبتهم إلى المجتمع السوري 1%، ويسكنون في شرقي حماة في قضاء السلمية في مركز القضاء وقراه.
4- الجعفــرية:
وهي الفرقة الشيعية المعروفة، والمنتشرة في بلاد الإسلام، ويختلفون عن جمهرة المسلمين السنيين في موضوع الإمامة، فالإمام عندهم من الاثني عشر لم يصل إلى مرتبة ملك مقرّب ولا نبي مرسل، ولا يأخذون بالحديث إلا إذا كان مروياً عن أهل البيت. ونسبتهم في المجتمع 0.4%، ويسكنون في قُرى مناطق حلب وحمص، وفي مدينة دمشق، حيث يقيم رئيسهم الديني.
5- الــدّروز:
ويعتبرون الأقلية الطائفية التي تأتي بالدرجة الثانية بعد العلويين، ونسبتهم إلى المجتمع السوري 3%، وهم متكتّلون في مناطق معينة تقع على حدود لبنان والأردن وفلسطين، ويسكنون في الجبل المعروف باسمهم (جبل الدروز) جنوبي سوريا، وفي سفوح جبل الشيخ أو حرمون المتصل بلبنان. وقد انشقّوا عن المسلمين في زمن الحاكم بأمر الله، الذي يعتقدون أنه مظهر للذات الإلهية، ولا يؤمنون بالحياة الآخرة، ويؤمنون بتناسخ الأرواح والحلول، ولا يعتقدون مطلقاً بنبوّة محمد r، ولا يعترفون بأيّ شعيرة من شعائر الإسلام، ولهم معابد تسمى مجالس. ولا يلقنون دينهم إلا لِمن تجاوز الأربعين من أبنائهم.
6- اليزيـديــة:
وهم عبدة الشيطان في محافظتي الحسكة وحلب، وليس لهم شأن يُذكر في عداد المجتمع السوري "([194]).
7- المسيحيــون:
لما فتح المسلمون الأوّلون من العرب بلادَ الشام، لم يكرهوا الناس على تغيير دينهم، فبقي فيها عدد كبير من المسيحيين على دينهم، سواء العرب الذين كانوا مستقرين قبل الإسلام في البلاد، أو غيرهم من الساميين من سكان البلاد، ومن أقام من الروم البيزنطيين، ويؤلف المسيحيون في سورية مجموعة تبلغ نسبتها الثمن من مجموع السكان، وهم موزّعون في المدن والأرياف على السواء.
وللمسيحيين في سورية طوائف كثيرة يمكننا أن نرجعها إلى ثلاث:
أ / الأرثوذكس والطوائف الشرقية عامة. ب/ الكاثوليك. جـ/ البروتستانت.
أ) الأرثوذكس: وهم ثلاث طوائف: الروم الأرثوذكس، السريان الأرثوذكس، الأرمن الأرثوذكس.
1ً- الروم الأرثوذكس: وهم الطائفة الأكثر عدداً من بين الطوائف المسيحية؛ إذ يؤلّفون 70% من مجموع المسيحيين، كما أنهم من أقدم هذه الطوائف منشأً وتاريخاً، وهي الطائفة المنتشرة في شرقي أوربا؛ في اليونان، وروسيا، ويوغسلافيا (سابقاً).. وغيرها.
2ً- السريان الأرثوذكس: هم المسيحيون السوريون القدماء الذين رأوا أن ينفصلوا عن كنيسة بيزنطة ويستقلّوا عنها، وعرفوا في التاريخ باليعاقبة. وكان يقيم بطريرك السريان الأرثوذكس في ماردين ثم في الموصل، وأصبح مقرّه الآن في حمص، ويتبعه سائر السريان الأرثوذكس في سورية والعراق، ولغتهم السريانية.
3ً- الأرمن الأرثوذكس: وهم لا يختلفون عن سائر الأرثوذكس، حيث إنّ الكنيسة الأرثوذكسية مستقلة بقوميتها، فانتقلت الكنيسة بانتقال الأرمن إليها، ثم حدث خلاف لا يزال مستمراً بين رئيسين يدّعي كلّ منهما أنه بطريرك الأرمن، أحدهما في دمشق، والآخر في بيروت، ويمكن أن نلحق بالكنيسة الأرثوذكسية سائر الطوائف الشرقية، كالنسطوريين المعروفين بالآشوريين.
ب) الكاثوليك: (الروم الكاثوليك، السريان الكاثوليك، المارونيون، الأرمن).
1ً- الروم الكاثوليك: وقد انفصلوا عن الروم الأرثوذكس منذ ثلاثة قرون، وهم أكثر الكاثوليك عدداً، ويقيم بطريركهم في دمشق، وينتقل ما بينها وبين الإسكندرية.
2ً- السريان الكاثوليك: وأصلهم من الأرثوذكس، وتقربوا من روما منذ الحروب الصليبية، وانضمّوا منذ القرن الثامن عشر إلى المذهب الكاثوليكي، ويستعملون السريانية والعربية في صلواتهم.
3ً- الموارنة: ويرجع تاريخهم إلى القرن الخامس الميلادي، وينسبون إلى (مارمارون)، وقد ظهرت كنيستهم مستقلة منذ القرن السابع للميلاد، والتجأ أكثرهم إلى لبنان على إثر الفتح الإسلامي، وتقربوا من كنيسة روما وانضموا إليها، ولكن لغتهم الدينية بقيت الآرامية. ويقيم بطريركهم في (بكركي) بلبنان.
4ً- اللاتين: أنشأ الصليبيون كنيسة في سورية، واعتنق بعض السوريين مذهبهم، وبقيت بذلك الكنيسة اللاتينية بعد ذهاب الصليبيين، والرئيس الأعلى يقيم في بيروت.
هذا ويقيم أكثرية الكاثوليك في المدن السورية، وقليل منهم في الأرياف، ولهم مؤسسات ومدارس وجمعيات ومستشفيات.
ج) البروتستانت: وهي أحدث الطوائف المسيحية وأقلّها عدداً، وقد ظهرت نتيجة التبشير الذي قامت به بعض البعثات الأجنبية من دانمركية وإيرلندية وإنكليزية وأمريكية منذ قرن تقريباً، وأغلب أبناء هذه الطائفة في الأصل من الأرثوذكس الذين اعتنقوا المذهب البروتستانتي بتأثير التبشير والتعليم. ويميل أبناء هذه الطائفة إلى الأمم التي تدين بالبروتستانتية، كالإنكليز والأمريكان "([195]).
8- اليهــود: وعددهم قليل جداً بالنسبة للسكان، لهم حيّ خاصّ بهم في دمشق، وفي بعض المدن السورية، ونسبتهم 0.9% من السكان.
14- كيف كانت تُعامَل الأقليات في العهد الإسلامي في سورية؟.
أولاً: الأقليات الدينية (النصارى واليهود):
لقد ابتدأ التعامل معهم منذ الفتح الإسلامي لدمشق من خلال الكتاب الذي كتبه خالد رضي الله عنه لأهل دمشق: " هذا ما أعطى خالد بن الوليد أهل دمشق، إذ دخلها أماناً على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم، وسور مدينتهم لا يهدم، ولا يسكن شيء من دورهم، لهم بذلك عهد الله وذمّة رسوله r والخلفاء والمؤمنين، لا يعرض لهم إلا بخير إذا أعطوا الجزية "([196]).
أما بقية سورية فـ" لما افتتح أبو عبيدة بن الجراح دمشق استخلف يزيد بن أبي سفيان على دمشق، وعمرو بن العاص على فلسطين، وشرحبيل على الأردن، وأتى حمص فصالحها على نحو صلح بعلبك، ثم خلف بحمص عبادة بن الصامت الأنصاري ومضى نحو أهلها، فتلقاه أهلها مذعنين، فصالحهم على الجزية في رؤوسهم والخراج في أرضهم. فمضى نحو شيزر، فخرجوا يكفرون([197]) ومعهم المقلسون([198])، ورضوا بمثل ما رضي به أهل حماة، وبلغت خليه الزراعة والقسطل "([199]).
ومرّ أبو عبيدة بمعرة حمص.. فخرجوا يقلسون بين يديه، ثم أتى فامية ففعل أهلها مثل ذلك وأذعنوا بالجزية والخراج، واستتمّ أمر حمص، فكانت حمص وقنسرين شيئاً واحداً... "([200]).
وحدثني أبو حفص الدمشقي عن أشياخه قالوا: " افتتح أبو عبيدة اللاذقية وجبلة وانطرطوس على يدي عبادة بن الصامت "([201]).
" قالوا: ورحل أبو عبيدة إلى حلب وعلى مقدمته عياض بن غنم الفهري، فوجد أهلها قد تحصنوا، فنزل عليها، فلم يلبثوا أن طلبوا الصلح والأمان على أنفسهم وأموالهم وسور مدينتهم وكنائسهم ومنازلهم والحصن الذي بها، فأُعطوا ذلك، فاستثنى عليهم موضع المسجد. وكان الذي صالحهم عليه عياض، فأنفذ أبو عبيدة صلحه... وسار أبو عبيدة من حلب إلى أنطاكية.. وكانت أنطاكية عظيمة الذكر والأمر عند عمرو بن عثمان، فلما فتحت كتب عمر إلى أبي عبيدة أن رتب بأنطاكية جماعة أهل نيات وحسبة، واجعلهم بها مرابطة "([202]).
قالوا: ولما بلغ هرقل خبر أهل اليرموك وإيقاع المسلمين بجنده، هرب من أنطاكية إلى القسطنطينية، فلما جاوز الدرب قال: عليكِ يا سورية السلام، ونعمَ البلد هذا للعدد (يعني أرض الشام ؛ لكثرة مراعيها)([203]).
إعادة الجزية عند خطر العدد:
" وحدثني أبو حفص الدمشقي قال: حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال: بلغني أنّه لما جمع هرقل للمسلمين الجموع، وبلغ المسلمين إقبالهم إليهم، ردوا على أهل حمص ما كانوا أخذوا منهم من الخراج، وقالوا: قد شغلنا عن نصرتكم والدفع عنكم، فأنتم على أمركم، فقال أهل حمص: لَولايتكم وعدلكم أحبّ إلينا مما كنا فيه من الظلم والغشم. ولندفعنّ جند هرقل عن المدينة مع عاملكم.. ونهض اليهود فقالوا: والتوراة لا يدخل عامل هرقل مدينة حمص إلا أن نغلب ونجهد.
فأغلقوا الأبواب وحرسوها، وكذلك فعل أهل المدن التي صولحت من النصارى واليهود، وقالوا: إن ظهر الروم وأتباعهم صِرنا إلى ما كنّا عليه، وإلا فإنا على أمرنا ما بقي للمسلمين عدد. فلما هزم الله الكفرة وأظهرَ المسلمين، فتحوا مدنهم، وأخرجوا المقلسين فلعبوا، وأدوا الخراج. وسار أبو عبيدة إلى جند قنسرين وأنطاكية ففتحها "([204]).
على امتداد التاريخ:
أبدى العرب تسامحاً تجاه المدن السورية، ولم يلبث جميع سكانها أن رضوا بسيادة العرب، واعتنق أكثر أولئك السكان الإسلام بدلاً من النصرانية، وأقبلوا على تعلّم اللغة العربية، وظلّت سورية بلداً عربياً إسلامياً كما كانت في أوائل الفتح العربي مع تداول كثير من الفاتحين لسيادتها بعد ذلك... واستردّت سورية أيام الحكم العربي ما أضاعته من الرخاء منذ زمنٍ طويل، وبلغت درجة رفيعة من الرقي في العهد الأموي، والصدر الأول من العهد العباسي، وكان العدل بين الرعية دستور العرب السياسي. وترك العرب الناس أحراراً في أمور دينهم، وأظل العرب أساقفة الروم ومطارنة اللاتين لحمايتهم. فنال هؤلاء مالم يعرفوه سابقاً من الدعة والطمأنينة... "([205]).
في الحروب الصليبية:
" ومن أشأم نتائج الحروب الصليبية أن ساد عدم التسامح العالم عدة قرون، وأن صبغته بمالم تعرفه ديانة، خلا اليهودية بصبغة القسوة والجور. أجل، كان العالم قبل الحروب الصليبية يعرف الشيء الكثير من عدم التسامح، ولكنه ندر أن كان عدم التسامح هذا يصل إلى حدّ الجلف والطغيان.
وقد بلغ عدم التسامح هذا مبلغاً من الحميا الشديدة في الحروب الصليبية ما لا يزال العالم يقاسي أثره إلى زماننا هذا. فلم يلبث رجال الدين الذين تعوّدوا سفك الدماء أن صاروا ينشرون المعتقد، ويبيدون أصحاب البدع على الطريقة التي كانوا يبيدون بها الكافرين، ويرون أنه يجب إخماد أقلّ انحراف بأفظع تعذيب.
ومن نتائج ما نما في الحروب الصليبية من روح عدم التسامح المشؤومة، ما حدث من ذبح اليهود والألبيجوا، وكلّ ذي بدعة. ومن إنشاء محاكم التفتيش، ومن الحروب الدينية، ومن الحروب الوحشية التي ضرجت أوربة بالدماء زمناً طويلاً "([206]).
في ظلّ الدولة العثمانية:
كان انضمام الشام للدولة العثمانية عام 1518م، واستمرت تحت الحكم العثماني أربعة قرون حين دخل الجيش العربي الشام، وأسقط العلم العثماني عام 1918م، وكان وضع الأقليات في القرنين الأولين من الحكم، خاصة الأقليات الدينية من النصارى واليهود، لهم امتيازاتهم الخاصة بصفتهم أهل الذمّة، ويتمتّعون بحرية تامّة في أمورهم الدينية وأحوالهم الشخصية. أما الأقليات الطائفية فقد تعرّضت لمواجهات عنيفة مع الدولة ألجأتهم إلى السكن في الجبال التي عرفت باسمهم: جبال النصيرية وجبل الدروز.
أما القرنان الأخيران من الحكم العثماني، فقد رافقهما تدخل الدول الأوربية في شؤون الأقليات.
وقامت الإرساليات التبشيرية بدورها في تعميق الهوة والخلاف بين أبناء الأمة،
" وهكذا نلاحظ أن الجمعيات التبشيرية التي انتشرت في الدولة العثمانية معظمها إنكليزية وفرنسية وأمريكية، وتغلغل النفوذ الفرنسي والبريطاني عن طريقها، وأصبحت هي الموجهة للحركات القومية والمسيطرة على توجيه المتعلمين من المسلمين العرب والأتراك، وكانت تستهدف: 1/ فصل العرب عن الدولة العثمانية. 2/ إبعاد المسلمين عن رابطة الإسلام. وجاء إنشاء هذه الجمعيات نتيجة لِما عاناه الأوربيون في الحروب الصليبية بعد أن خذلهم نصارى العالم الإسلامي. ولم تنفعهم قوة أوربا في مواجهة الإسلام والمسلمين، بل إن المستر بن روزا الذي تسلم رئاسة الجامعة الأمريكية عام 1948م قال: لقد كشف الاختبار عن أنّ التعليم أقوى وسيلة استغلّها المبشرون الأمريكيون في سعيهم لتنصير سورية ولبنان "([207]).
" ثم بدأت الفتنة بين المسلمين والنصارى والدروز 1841م عقب انسحاب إبراهيم باشا بيوم واحد، وبضغط من أوربا وضع العثمانيون لجبل لبنان نظاماً خاصاً، وقُسم قسمين لمنع الاحتكاك بين الدروز والمسيحيين، واستمرّ إشعال الفتنة لانحياز الإنكليز لجانب الدروز والفرنسيين لجانب المسيحيين الموارنة. وعادت الاضطرابات.. واتسعت الفتنة في تموز 1860م، حيث هاجم مسلمو دمشق حيّ النصارى، وأوقف العثمانيون الفتنة بالقوة، لكنّ الغرب لم يشأ أن يضيع الفرصة، فنزلت حملة برية فرنسية في بيروت، ومنح لبنان على إثر ذلك امتيازات خاصة ونظام محلي للإدارة على رأسها حاكم مسيحي "([208]).
المشروطية العثمانية:
وهو الدستور العثماني الذي أعلن عام 1976م قبل قرن وثلث من اليوم. وقد طبق على سوريا كما طبق على غيرها من الولايات. ومن أهمّ بنوده:
المادة (8): يطلق لقب عثماني على كلّ فرد من أفراد التبعة العثمانية بلا استثناء من أيّ دين أو مذهب كان، ويسوغ الحصول على الصفة العثمانية وفقدانها بحسب الأحوال المعنية في القانون.
المادة (9): إنّ جميع العثمانيين متمتّعون بحريتهم الشخصية، وكلّ منهم مكلّف بعدم تجاوزه حقوق غيره.
المادة (10): إن الحرية الشخصية هي مصونة من جميع أنواع التعدي، ولا يجوز إجراء مجازاة أحد بأيّ وسيلة كانت إلا بالأسباب التي يعينها القانون.
المادة (11): إن دين الدولة العثمانية هو الدين الإسلامي، ومع مراعاة هذا الأساس وعدم الإخلال براحة الخلق والآداب العمومية، تجري جميع الأديان المعروفة في الممالك العثمانية بحرية حماية الدولة، مع دوام الامتيازات المعطاة للجماعات المختلفة كما كانت عليه.
المادة (17): إن العثمانيين جميعهم متساوون أمام القانون، كما أنهم متساوون كذلك في حقوق ووظائف المملكة، ما عدا الأحوال الدينية والمذهبية.
المادة (18): يشترط على التبعة العثمانية معرفة التركية التي هي اللغة الرسمية؛ لأجل تقلد مأموريات الدولة.
المادة (19): إنّ تكاليف الدولة تطرح وتوزع بين جميع التبعة بحسب اقتدار كلّ منها وفقاً لنظاماتها المخصوصة.
المادة (47): إنّ أعضاء المجلس العمومي (النيابي) أحرار بإبراز آرائهم وأفكارهم، ولا يقيد أحد منهم بوعد أو تهديد ما، ولا يرتبط بتعليمات البتة، ولا يجوز إلقاء التهمة على أحد منهم بوجهٍ من الوجوه بسبب إبراز آرائه أو بيان أفكاره بإثناء مفاوضات المجلس... "([209]).
لقد أعلنت الحرية والعدالة والمساواة في الدولة العثمانية، وتساوى الجميع في الحقوق والواجبات، وبقي لأهل الذمّة امتيازاتهم السابقة، كما نصّت المادة (11) على ذلك، والأصل أن تكون قضية الأقليات قد عولجت في الدولة الإسلامية العثمانية.
في الدولة الفيصلية:
وهي أول دولة سورية بعد الاستقلال عن الدولة العثمانية، تجاوزت موضوع الأقليات في الدستور من خلال النص على المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات المادة (9): يطلق لقب (سوري) على كلّ فرد من أهل المملكة السورية العربية، ويسوغ الحصول على الجنسية السورية وفقدانها بحسب الأحوال التي يعينها قانون التابعية.
المادة (10): السوريون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات.
المادة (11): الحرية الشخصية مصونة من كلّ تعدّ، ولا يجوز توقيف أحد إلا بالأسباب والأوجه التي يعينها القانون.
المادة (13): لا يجوز التعرض لحرية المعتقدات والديانات، ولا منع الحفلات الدينية لطائفة من الطوائف، على أن لا تخلّ بالأمن، أو تمسّ بشعائر الأديان والمذاهب الأخرى.. "([210]).
15- الأقليات في عهد الاحتلال:
كان دخول الفرنسيين إلى سورية فرصة للأقليات للتعبير عن رغبتها في الاستقلال والانفصال، وكان هذا يخدم الفرنسيين خدمة جلى، فالتقت الأهداف، ومزقت سوريا إلى أربع دول:
1- انفصال دولة حلب:
" جاء في العدد (155) من جريدة العاصمة؛ الجريدة الرسمية الصادرة في 16 أيلول سنة 1920م بشأن فصل حلب عن دمشق، وجعلها حكومة مستقلة، ما يلي:
من القائد كاتر ورئيس البعثة الفرنسية إلى دولة رئيس الوزراء دمشق:
أتشرّف بأن أحيطكم علماً بأنّ فخاتة الجنرال غورو المندوب السامي قد اتخذ قراراً بتاريخ أول أيلول، بجعل ولاية حلب حكومة مستقلة مركزها حلب، تنفيذاً لأماني أهالي الولاية التي أيدوها بحرية، ولوضع حدّ لإدارة مركزية تعرقل إدارة حكومة دمشق. وقد ألحق سنجق اسكندرونة بهذه الحكومة الجديدة مع حفظ استقلاله الإداري. وتفضلوا يا دولة رئيس الوزراء بقبول فائق احترامي "([211]).
2- دولة العــلويين:
" إنّ الجنرال غورو المندوب السامي للجمهورية الفرنسية في سورية... ولما كان العلويون ما بينهم من الأقليات قد صرّحوا جلياً ومراراً بآمالهم بأن تكون لهم إدارة قائمة بذاتها تحت رعاية فرنسوية، لأجل ذلك يجب أن تنشأ مقاطعة تجمع أكثرية هؤلاء الأهلين ليتيح لهم أن يواصلوا السعي في سبيل مصالحهم السياسية والاقتصادية تحقيقاً للأماني التي صرّحوا بها. من أجل تلك الأسباب قد قرر:
- المادة الأولى: أنشئت تحت اسم مقاطعة العلويين دائرة إدارية تتألف مما يلي:
1) من سنجق اللاذقية ما عدا... 2) من سنجق طرابلس ما عدا... 3) قضاء مصياف..
- المادة الثانية: عينت حدود مقاطعة العلويين كما يلي: شمالاً: حدود مديريات بوجاك وباهر.. شرقاً: حدود قضاء جسر الشغور.. جنوباً: حدود دولة لبنان الكبير.غرباً: البحر المتوسط.
- المادة الثالثة: يوضع هذا القرار موضع التنفيذ اعتباراً من (1) أيلول 1920م "([212]).
3- دولة جبـل الدروز:
استمال الفرنسيون في زمن الحكومة الفيصلية بما بذلوه لهم من أموال وافرة، وبعد أن احتلّوا البلاد وانصرفوا إلى تنظيم الحكم في سورية دارت بينهم وبين شيوخ الجبل مباحثات بالاتفاق على النظام الإداري الذي ينفذ في جبلهم. فعقد الدروز في كانون الأول 1920م مؤتمراً اتّخذوا فيه قرارات بشأن استقلال الجبل استقلالاً داخلياً، وقد حملها وفد إلى دمشق برئاسة سليم الأطرش لإبلاغها إلى السلطة الفرنسية، فدارت بينهما مفاوضات انتهت باتفاق 4 آذار 1921م، الذي تضمّن إنشاء حكم وطني في الجبل، وفي 25 نيسان 1922م أعلن استقلال جبل الدروز رسمياً، وهذا نصّ الاتفاق:
1/ نشأ في جبل الدروز حوران، حكومة وطنية مستقلة استقلالاً إدارياً واسعاً تحت الانتداب الفرنسوي، وتعين حدود هذه الحكومة لجنة ثم تقرّها الدولة المنتدبة. 2/... 3/ يرأس هذه الحكومة حاكم أهلي... "([213]).
4- دولة دمشق:
بعد أن دخلت الجيوش الفرنسية دمشق في 25 تموز 1920م، واستتبّ الأمر للجنرال غورو المفوض السامي الفرنسي فيها، تم تقسيم البلاد إلى دويلات، هي: دولة لبنان الكبير، ودولة دمشق، ودولة حلب، ودولة العلويين.. وفي 30 تشرين الثاني 1920م أنهى الجنرال غورو مهمة السيد الألشي رئيس مجلس الوزراء، وعين مكانه اعتباراً من أول كانون أول 1920م السيد حقي العظم، الذي أصدر من توّه قراراً بقلب الوزارات إلى مديريات، ولقبَ نفسه بحاكم دولة دمشق، فأقرّ الفرنسيون ما وقع.. "([214]).
وتطوّرت الأمور بعد ذلك إلى ما يلي:
1/ ليس هناك أية وثيقة تثبت رغبة المواطنين في حلب ودمشق بالانفصال عن بعضهم، بينما تمت دولة العلويين بالاتفاق مع الأهالي، وكذلك دولة الدروز.
2/ في عام 1920م وعن التقسيم إلى دويلات لم تكن دولة الدروز جزءاً من المخطط، إنما تَمّ تأسيسها عام 1922م بناءً على المؤتمر الذي عقده الدروز، وطالبوا فيه بالانفصال عن دولة دمشق، وتكوين دولة مستقلة كما رأينا في تأسيسها من قبل.
3/ ولأنّ الانفصال بين دمشق وحلب كان مفروضاً على الشعب، فقد قامت المقاومة السياسية لإلغاء هذا الانفصال، " وقابلت الأمة التجزئة التي أقدم عليها الفرنسيون بأشدّ مظاهر الاستياء والاستنكار... ورأى الجنرال غورو أن يعدّل مشروع التجزئة تعديلاً ظنّ أنه يرضي الشعب، فأصدر يوم 28 يونيو سنة 1922م قراراً بإنشاء اتّحاد بين دول دمشق وحلب والعلويين، جاء في المادة الأولى منه أنه قد أنشئ اتحاد بين الدول السورية المؤلفة من دولة حلب ودولة دمشق وأراضي العلويين المستقلة... "([215]).
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
رد: الوطن والمواطنة (المبحث الخامس + الحاشية)
4/ لم يعش الاتحاد السوري طويلاً ؛ لأنّه لم يرض الشعب السوري الذي ظلّ يواصل الاحتجاج مطالباً بالوحدة الصحيحة وبالحكم النيابي الديمقراطي الحر، وبالاستقلال الكامل، فلم يرَ الجنرال فيجان - وهو الذي خلف الجنرال غورو - بُدّاً من إلغائه، فأصدر يوم 5 ديسمبر 1924م قراراً بإلغاء الاتّحاد السوري وإنشاء وحدة بين دولة دمشق ودولة حلب، وإبقاء حكومة العلويين في خارج الدولة الجديدة، وهذا نصّ قراره:
" تتحد دولتا حلب ودمشق، اعتباراً من أول يناير سنة 1925م، وتؤلفان دولة واحدة تسمى الدولة السورية، تؤلف الدولة السورية ضمن الحدود الحالية لدولتي دمشق وحلب دولة مستقلة عاصمتها دمشق... "([216]).
5/ بعد صمت طويل وتسويف وتأجيل استمرّ أربع سنين، وبعد سفرات متعددة إلى باريس، أصدر المسيو بونسو المفوض السامي الفرنسي في 14 أيار 1930م قراراً تحت رقم (3111) بنشر دستور سوريا الجديد، كما أصدر معه بنفس التاريخ قرارات بنشر النظام الأساسي للواء اسكندرون. والقانونين الأساسيّين لحكومتي اللاذقية وجبل الدروز والنظام الأساسي. وقد أقرّت هذه المجموعة من القرارات خطة التجزئة التي سارت عليها فرنسا وثبتتها في نصوصها.
6/ بعد أن بلغت حركة النضال في البلاد في مطلع عام 1936م ذروتها في الشدّة في سبيل الاستقلال والوحدة، وبعد أن استمرّ إضراب دمشق خمسين يوماً احتجاجاً على أعمال العنف التي تقوم بها فرنسا، لم يجد المفوض السامي الفرنسي بُدّاً من مفاوضة الوطنين من أجل عقد معاهدة مع سورية... ووقع في بيروت اتفاقاً مع هاشم الأتاسي رئيس الكتلة الوطنية ينصّ على موافقة الحكومة الفرنسية على استقبال وفد رسمي للمفاوضة.. وسافر الوفد في 21 آذار 1936م إلى باريس، ومكث فيها إلى شهر أيلول 1936م، حيث وقع في اليوم التاسع منه على المعاهدة التي تنهي الانتداب، وتضمن لسوريا استقلالها، وإن كان استقلالاً تشوبه بعض الشوائب، وذلك مع ضمّ منطقتي اللاذقية وجبل الدروز إلى الوحدة السورية ضمن إطار إداري ومالي خاص بهما.
7/ عندما شعر العلويّون أنّ فرنسا يمكن أن توافق على انضمام دولة العلويين إلى الدولة السورية، وبعد ثلاثة أشهر من صيغة المعاهدة المقترحة، رفع زعماء الطائفة خطاباً يرجون به فرنسا ألا تضمهم إلى الدولة السورية.
" ففي سجلات وزارة الخارجية الفرنسية وثيقة تحت رقم (3547) تاريخ 15/6/1936م، تتضمن الوثيقة عريضة رفعها زعماء الطائفة في سورية يطلبون فيها عدم إنهاء الانتداب الفرنسي لسورية.
نصّ الوثيقة: دولة ليون بلوم رئيس الحكومة الفرنسية.
إن الشعب العلوي الذي حافظَ على استقلاله سنة فسنة بكثير من الغيرة والتضحيات الكبيرة في النفوس، هو شعب يختلف في معتقداته الدينية وعاداته وتاريخه عن الشعب المسلم - السني -، ولم يحدث في يومٍ من الأيام أن خضع لسلطة من الداخل.
إنا نلمس اليوم كيف أن مواطني دمشق يرغمون اليهود القاطنين بين ظهرانيهم على عدم إرسال المواد الغذائية لإخوانهم اليهود الطيبين الذين جاؤوا إلى العرب المسلمين بالحضارة والسلام، ونشروا على أرض فلسطين الذهب والرفاه، ولم يوقعوا الأذى بأحد، ولم يأخذوا شيئاً بالقوة. ومع ذلك أعلن المسلمون ضدّهم الحرب المقدّسة بالرغم من وجود إنكلترا في فلسطين، وفرنسا في سوريا.
إننا نقدر نبل الشعور الذي يحملكم على الدفاع عن الشعب السوري، ورغبته في تحقيق استقلاله، ولكن سورية لا تزال بعيدة عن هذا الهدف الشريف، خاصة لروح الإقطاعية الدينية للمسلمين.
ونحن الشعب العلوي الذي مثله الموقعون على هذه المذكرة نستصرخ حكومة فرنسا ضماناً لحريته واستقلاله، ويضع بين يديها مصيره ومستقبله، وهو واثق أنه لا بدّ واجد لديهم سنداً قوياً لشعب علوي صديق، قدّم لفرنسا خدمات عظيمة.
الموقعون: محمد سليمان الأحمد، محمود آغا حديد، عزي آغا غواش، سلمان المرشد، محمد بيك جنيد، سليمان الأسد ".
8/ قرار المفوض السامي الفرنسي تاريخ 1 تموز سنة 1939م، ورقم (132) ل، والمتضمن إعادة منطقة اللاذقية إلى ما كانت عليه قبل معاهدة أيلول (936) بعد أن نكلت فرنسا أخيراً عن إبرام المعاهدة المذكورة، وقرار المفوض السامي الفرنسي تاريخ 1 تموز سنة 1939م، ورقم (133) ل، والمتضمن إعادة منطقة جبل الدروز إلى ما كانت عليه قبل معاهدة أيلول 1936م بعد أن نكلت فرنسا أخيراً عن إبرام المعاهدة المذكورة.
9/ بعد جهاد شاقّ، وكفاح مرير، وتضحيات غالية في الأموال والأنفس أرغمت سورية فرنسا على التخلي عن انتدابها والاعتراف بها دولة مستقلة ذات سيادة، وذلك في خطابٍ ألقاه الجنرال كاترو والمندوب العامّ لفرنسا الحرة في مهرجان أقيم في دار الحكومة في 6 رمضان المبارك 1390هـ، و27 أيلول 1921م بحضور رئيس الجمهورية الشيخ تاج الدين الحسني، ورئيس الوزراء السيد حسن الحكيم ". وعلى أثرها صدر قرار المندوب العامّ الفرنسي تاريخ 12 كانون ثاني 1942م، ورقم (22) بشأن إعادة محافظة جبل الدروز كجزء متمم لدولة سورية، وقرار المندوب العام لفرنسا الحرة في 12 كانون ثاني 1942م، ورقم (23) بإعادة محافظة اللاذقية إلى الوطن الأم كجزء متمم لدولة سورية ".
ولنا بعد هذا العرض الواقعي أن نقدم الملاحظات التالية:
1- يكاد يكون عهد الاحتلال عهد انفصال للأقليتين (الدرزية والعلوية) عن جسم الأمة، وعن استقلال ذاتي أو كامل عنها، من خلال رغبة مشتركة من فرنسا، ومن أبناء هاتين الطائفتين أو أكثريتهما على الأقلّ.
2- واشتراك الدروز في الثورة السورية عام 1925م بقيادة سلطان باشا الأطرش، إنما كان ردّاً على إهانة شخصية وجهت له من جهة، ونقضاً لموعد فرنسي للدروز أن يكونَ الحاكم محلياً، فخالفوا هذا الاتفاق، وعينوا الكابتن كارابيه حاكماً بالوكالة عام 1923م نتيجة التنافس بين آل الأطرش على السلطة، وثار الدروز كذلك على الفرنسيين لأسبابٍ تتعلق بأوضاعهم وتقاليدهم، واستفاد الوطنيون من............ على الفرنسيين.
3- " أنّ الكنيسة الأرثوذكسية لسبب صبغتها الشرقية وقدم تاريخها كانت أكثر تغلغلاً وانتشاراً في البلاد السورية، وأكثر مشاركة في الحركات الوطنية، وأكثر تأثراً وتجادباً مع الحركة العربية منذ عهد العثمانيين. وقد برز عدد من رجالهم في الميادين الوطنية والسياسية، وإن لم يشاركوا في الثورات مشاركة عملية "([217]).
4- " وأكثرية الكاثوليك في سورية يقيمون في المدن.. كما أنهم يستفيدون ويتعاونون مع المؤسسات الأجنبية الكاثوليكية، كمدرسة الآباء........... الفرنسية الأصل، وراهبات الفرنسيسكين والفلبين الأقدسين، والأخوة المريميون، وجلّها في حلب ودمشق، وهي على الغالب فرنسية وإيطالية.. وللكاثوليك عطف خاص على الأمم اللاتينية "([218]). وكانت فرنسا تتبنى حمايتهم في العهد العثماني، وتعاونوا مع الفرنسيين في العهد الوطني ضدّ الثوار.
5- " للأكراد ماضي ناصع من الناحية الوطنية ؛ إذ كانوا دوماً من العناصر التي اشتركت في الحركات الوطنية ضدّ الاستعمار، واشترك كثير منهم في الثورات التي قامت ضدّ الفرنسيين. ولم يستطع المستعمر في أيّ يوم من الأيام أن يفصلهم عن المجتمع العام الذي يعيشون فيه. ولا شكّ أن للدين أثره العميق في هذه الناحية "([219]).
6- انخرط عدد كبير من الأرمن في الجيش الفرنسي، وشاركوا في قمع الثورة الوطنية.. كما أن السريان الوافدين كانوا هم قوام الجيش الفرنسي في الجزيرة في عهد الانتداب، ولا يزال عدد منهم يتقاضى راتباً تقاعدياً عن خدمته في ذلك العهد.
7- كان الصراع محتدماً بين الإسماعيليين والنصيريين، وقاد الشيخ صالح العلي قومه العلويين لمواجهة الإسماعيليين، وكانت فرنسا تؤيد الإسماعيليين، وإنكلترا تؤيد النصيريين، فاصطدم العلي مع الفرنسيين نتيجة هذه الحرب. وعندما صدر العفو عنه بقي متوارياً حتى تأسست دولة العلويين المستقلة بالاتفاق بينهم وبين فرنسا.
8- سلمان بن مرشد بن يونس علوي متأله من النصيرية من قرية - جوبة برغال -، بدأت سيرته عام 1920م، وسجن سنة 1923م، ونفي إلى الرقة حتى سنة 1925م، وعاد من منفاه، وتزعم أبناء نحلته - النصيرية -، وكانت الثورة أيام عودته قائمة على الفرنسيين، وانتهت بتأليف حكومة وطنية لها شيء من الاستقلال الداخلي، فاستماله الفرنسيون واستخدموه، وجعلوا لبلاد - العلويين - نظاماً خاصاً، فقويت شوكته، وتلقب بِـ(رئيس الشعب العلوي الحيدري الغساني)... وكان خلال ذلك يزور دمشق نائباً عن العلويين في المجلس النيابي السوري، فلما تحررت سورية وجلا الفرنسيون عنها، ترك هؤلاء له من سلاحهم ما أغراه بالعصيان، فجردت حكومة سوريا قوة فتكت ببعض أتباعه، واعتقلته مع آخرين، ثم قتلته شنقاً في دمشق "([220]).
9- لا ننفي أبداً أن كثيراً من ضعاف النفوس من السنة كانوا يتعاونون مع فرنسا ضدّ شعبهم وأمّتهم، ولكنهم لا يمثلون الجمهور العام للسنة.
16- الأقليات في عهد الاستقلال:
جاء الدستور السوري عام 1949م مؤكداً على المساواة التامة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، ومؤكداً على النظام البرلماني الديمقراطي، وعاشت سورية قرابة عشرين عاماً في ظلّ هذا النظام وما تخلله من الانقلابات العسكرية الخمسة. وبرزت الحياة السياسية من خلال الأحزاب الوطنية، والأحزاب القومية، لا وجود لذِكر الأقليات، ولم يحرم مواطن حقه لانتسابه الطائفي، وكانت الصراعات حزبية بحتة، بغضّ النظر عن أصلها الطائفي، حتى جماعة الإخوان المسلمين التي قامت على أساس ديني لم تعترض على هذه المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات.
يقول الدكتور السباعي المراقب العام للإخوان المسلمين في سورية: " إنّ هذه البلاد أحبت النظام الجمهوري واعتنقته واعتقدت بصلاحه، وإننا نعلن بكلّ إيمانٍ وصراحة ووضوح بأننا لا نريد عن النظام الجمهوري بديلاً، إننا نريد لوطننا نظاماً شعبياً يقوم على إرادة الشعب، وتتمثل فيه إرادة الشعب "([221]).
كما يقول: " المواطنون متساوون في الحقوق، لا يحال بين مواطن وبين الوصول إلى أعلى مناصب الدولة بسبب الدين أو الجنس أو اللغة ".
وقد وقع استثناءان في عهد الاستقلال، ظهرت فيهما الطائفية البغيضة:
الاستثناء الأول: ما قام به الزعيم أديب الشيشكلي من ضرب جبل الدروز، ومن ضرب جبل العلويين، وقتل مجيب المرشد، الذي ادّعى الألوهية بعد أبيه. ولا شكّ أن هناك أسباباً كامنة لذلك، ومع هذا فلا يحمل العهد الديمقراطي مسؤولية هذا التصرف، إنما هو عهد الدكتاتورية العسكرية.
الاستثناء الثاني: المؤامرة التي قامت ضدّ النظام السوري، وشاركت فيه فئات من السنة والدروز والعلويين والعشائر.
" وقد ضاعف المتآمرون نشاطهم في أواخر صيف 1956م، مجندين أعضاءً جدداً في اللجنتين العسكرية والسياسية، ومتصلين بالدروز والعلويين والعشائر ينفقون الأموال على الدعاية على أمل كسب الدعم الشعبي لقضيتهم، وتدفقت الأسلحة والذخيرة من العراق لتغص بها مستودعات الحزب القومي السوري في لبنان، لتهرب من ثَمّ إلى سورية. واتفق المتآمرون على أن يؤمن الحزب القومي السوري فرق الهجوم.
وكان على تنظيمات الشباب شبه العسكرية أن تتسلل إلى سورية عبر الحدود لتسيطر على المراكز الهامّة بدمشق بعد أن يتنكر أفرادها على هيئة شرطة عسكرية، وينفذوا الاغتيالات كما تَمّ تخطيطها.
وفي نفس الوقت كان على غسان جديد - القومي السوري العلوي، أخي صلاح جديد - أن يحتلّ حمص على رأس قوة أخرى من القوميين السوريين، بينما يستولي صلاح الشيشكلي على حماة بمساعدة رجال هناك. وعلى الدروز في الجنوب، والعلويين في الغرب أن يثوروا في الوقت نفسه لاستدراج جنود الحكومة "([222]).
هذا وقد فشلت المؤامرة بعد كشف خيوطها الرئيسية، وكانت عضوية اللجنة السياسية أخيراً على الشكل التالي:
ميخائيل ليان (الحزب الوطني)، عدنان الأتاسي (حزب الشعب)، منير العجلاني، جلال السيد، حسن الأطرش، سعيد تقي الدين (درزيان)، محمد الفاضل (المفكر العلوي المعروف). ونشرت قائمة الاتهام، وتضمنت (47) متهماً، منهم ديب الشيشكلي (الذي ضرب العلويين والدروز ثم تآمر معهم)، ومحمد صفا وغسان جديد ومحمد معروف وصلاح الشيشكلي وسعيد تقي الدين وحسن الأطرش.. وغيرهم.
17- الأقليات في عهد البعث وبعد انقلاب 8 آذار:
تكتل الأقليات الباطنية والطائفية:
كان انقلاب الثامن من آذار انتصاراً لحزب البعث العربي الاشتراكي من جهة، وفرصة ذهبية لظهور الأقليات الباطنية من دروز وإسماعيلية ونصيرية من جهة أخرى، وكذلك النصارى، فالأقليات الباطنية جاءت من الريف والجبل، بحكم نشأة الحزب بعيداً عن المدن الكبرى، حيث إنّ معظم أهلها من السنّة.
يقول الدكتور سامي الجندي - وهو من مؤسسي الحزب القدماء -: " لقد انتشر الحزب في الريف، ولكنه كان ضعيفاً في دمشق، وباقي المدن السورية، وصار الحزب كبيراً في جسمه صغيراً في رأسه، حيث إنّ الأقليات الدينية كانت متواجدة أصلاً في الريف، ومنها النصيريون والدروز، وأن المدن كانت أساساً مسلمة سنية في تكوينها الديمغرافي "([223]).
وقد ندر في فرع دمشق الأعضاء الدمشقيون الذين ينحدرون أصلاً من عائلات دمشقية، ففي سنة 1964م تجمد نشاط الحزب فيها ؛ لأنّ أعضاء الحزب كانوا غرباء عن دمشق، حتى اضطرّت القيادة القطرية في الحزب أن تطعم قيادة فرع دمشق وفرع حماة بعناصر جديدة، وخاصة حينما واجه الحزب مشاكل عديدة في المدينتين المذكورتين، باعتبار أن معظم أهلهما من السنّة، وفي عام 1964م ثارَ أهل حماة ضدّ النظام، فقمعت الثورة بقسوة ووحشية.
وقد قام بعملية القمع الدموي في حماة: ضابط بعثي درزي، هو: حمد عبيد، وقصفت المساجد، وأولها مسجد السلطان([224]).
تصفية الضباط السنّة بعد انقلاب الثامن من آذار:
لقد تغلغلت الأقليات الباطنية في حزب البعث، مما جعل تأثير الحزب في الأوساط الإسلامية ضعيفاً، وصارت سياسته مناوئة لتوجّهات المسلمين وعقائدهم عدوانية لأبناء أهل السنّة في الجيش وقوى الأمن، ففي الفترة التي أعقبت انقلاب النحلاوي في 8/3/1962م كانت التسريحات (في أوساط المسلمين السنّة داخل المؤسسة العسكرية) قوية وعنيفة، واستلم الضباط الباطنيون محل الضباط المسرحين الذين كانوا من دمشق خاصة وعامة أهل السنة في المدن الأخرى([225]). وعندما جاء انقلاب الثامن من آذار 1963م احتكر البعث السلطة.
1- انقلاب الثامن من آذار 1963م واحتكار البعث للسلطة:
تجمعت القوى العسكرية المناوئة للانفصال، وهم الضباط الناصريون والوحدويون، وكذا الضباط البعثيون والذين ينتسبون إلى الأقليات الباطنية من الدروز والنصيريين، فقام هؤلاء جميعاً بانقلابهم ضدّ حكومة الانفصال وضباطها، وكان عدد من الضباط الباطنيين قد عادوا إلى الجيش بعد أن كانوا مفصولين من الجيش، ومنهم: محمد عمران وحافظ الأسد، وصلاح جديد وعبد الكريم الجندي وآخرون، وقد ترأس العميد لؤي الأتاسي المجلس الوطني لقيادة الثورة فترة من الزمن، فيما ترأس صلاح البيطار الوزارة([226]).
وكان اللواء زياد الحريري (رئيس الأركان) هو الذي قاد الانقلاب، إلا أن شركاءه البعثيين استغلّوا رحلة قام بها إلى الجزائر، فجُرِّد من وظيفته وعُيّن سفيراً في أسبانيا([227]).
وفي 14 آذار 1963م كان قد توجّه وفد إلى القاهرة من أجل المفاوضات لصالح الوحدة، وكان من أعضاء الوفد: نهاد القاسم (نائب رئيس الوزراء)، عبد الكريم زهور (وزير الاقتصاد)، اللواء راشد قطيني (معاون القائد العامّ للقوات المسلحة)، اللواء زياد الحريري (رئيس الأركان)، والمقدم فواز محارب، والمقدم فهو الشاعر (عضو المجلس الوطني لقيادة الثورة)، واجتمع بهم عبد الناصر وبعض رجاله، وانضمّ إليهم وفد العراق بعد ثورة البعث، منهم: صالح السعدي (نائب رئيس الوزراء)، ووزير الدفاع (صالح مهدي عماش)، وكانت المباحثات تدور حول اتحاد بين الجمهوريات الثلاث، لكنها لم تسفر عن شيء([228]).
ويلاحظ أن البعثيين السوريين لم يكن لهم تمثيل واضح في مباحثات الوحدة، وأن شركاءهم في الانقلاب كانوا يظنون أنّ الوحدة مع مصر قاب قوسين أو أدنى. ففي سوريا كانت المنازعات قد أثيرت منذ الأيام الأولى لثورة آذار، إذ شكل جاسم علوان ورائف المعري ومحمد نبهان وذوقان قرقوط، منظمة سرية أطلقوا عليها (أنصار الوحدة)([229]).
وكان إذاعة عبد الناصر قد بدأت تذيع تقارير مباحثات الوحدة والاتحاد خلال شهري (آذار ونيسان)، وأظهرت قادة البعث (عفلق والبيطار) بمظهر المفاوضين الدنيئين، وجعلتهما سخرية للسامعين.
وكان الصراع بين الناصريين والبعثيين قد فجر الأوضاع في سوريا، وبرز الصراع قوياً داخل الجيش، وكان المجلس الوطني لقياد الثورة (8 آذار 1963م) يتكوّن من هيئة سرية تتألف من عشرين عضواً، ثمانية من الناصريين، واثني عشر من البعثيين، وسرحت اللجنة العسكرية ما يزيد عن خمسين ضابطاً من الناصريين، واستقال بسبب ذلك: وزير الدفاع (محمد الصوفي)، وهو ناصري، و(راشد قطيني) رئيس الأركان - ناصري أيضاً -، ثم استقال معهما خمسة وزراء ناصريين([230]).
2- انقلاب الناصريين في 18 تموز ونتائجه المريرة:
قام الضباط الناصريون والوحدويون بمحاولة انقلابية على سلطات حزب البعث، بقيادة: اللواء لؤي الأتاسي، وجاسم علوان، ورفاقهما، وكانت القاهرة تؤيد هذه الحركة، لكن خطة الانقلاب فشلت، وتسربت أخبارها عن طريق بعض النصيريين المشاركين في تلك المحاولة، أمثال: محمد نبهان، الذي كان جاسوساً لصالح الطائفة النصيرية([231]).
وبعد فشل المحاولة الانقلابية، شُكّلت محكمة عرفية من شركاء الثورة، برئاسة المقدم صلاح الضللي، وعضوية النقيب محمد رباح الطويل، والنقيب سليم حاطوم، والنقيب سليمان العلي في 19 تموز، وأصدرت أحكاماً مختلفة، فأُعدم هشام شبيب (عقيد)، وصدرت أحكام أخرى مختلفة ما بين الإعدام لجاسم علوان، ومحمد نبهان، ورائف المعري، وآخرين، حيث بلغ عددهم العشرين ضابطاً وانقلابياً، وبالأشغال الشاقة والمؤبّدة والسجن سنوات عدّة للآخرين، وعيّن اللواء أمين الحافظ وزيراً للداخلية([232]).
لقد تَمّ احتكار البعث للسلطة بعد هذه الأحداث، فتمكن الضباط الطائفيون من السيطرة على اللجنة العسكرية المنوط بها الإشراف على التنظيم العسكري البعثي في صفوف الجيش والقوات المسلحة، تأسست هذه اللجنة عام 1959م خلال الوحدة مع مصر، وكانت في البداية تتكوّن من خمسة ضباط، ثلاثة منهم نصيريون (محمد عمران، صلاح جديد، حافظ الأسد)، واثنان إسماعيليان (عبد الكريم الجندي، وأحمد المير)، ثم وسعت اللجنة وصار عدد أعضائها خمسة عشر عضواً كانوا كالتالي: (5) نصيريون، (2) من الإسماعيلية، (2) من الدروز: سليم حاطوم وحمد عبيد، و(6) من السنّة، منهم: موسى الزعبي، ومصطفى الحاج علي، وأحمد سويداني، وأمين الحافظ، ومحمد رباح الطويل([233]).
3- التكتّل الطائفي داخل الجيش، وتسريح المئات من الضباط السنّة:
لقد تَمّ تسريح ما لا يقلّ عن سبعمائة من كبار الضباط السنّة، بعد انقلاب 8/3/1963م، وتَمّ تعيين مثل هذا العدد لملء الفراغات من أبناء الطائفة النصيرية، فصارت قيادة اللجنة العسكرية بين ثلاثة من الضباط النصيريين: عمران، جديد، الأسد.
وصار صلاح جديد رئيساً للأركان العامّة في الجيش (ما بين شهر آب 1963م، وشهر أيلول 1965م)، وأصبح حافظ الأسد قائداً لسلاح الجوّ، ومحمد عمران، وهو أكبرهم سنّاً، يتحكّم بقيادة القوات الخاصة، أي اللواء المدرع السبعين، وكان دائم الحضور جنوبي دمشق، ويشكل العمود الفقري لجهاز البعث العسكري.
ومن خلال هذه الأجهزة العسكرية الهامة، استطاع النصيريون التحكم بمصير سوريا لفترة طويلة، فتخلصوا من رفاقهم الناصريين والوحدويين: (لؤي الأتاسي، وزياد الحريري، محمد الصوفي، محمد الجراح، جاسم علوان).
ويلاحظ أن هؤلاء جميعاً كانوا من الضباط السنّة، ولو بحكم المولد والنشأة، وقد بدأ الثلاثي النصيري (عمران، أسد، جديد) يكرس الطائفية، في أوساط الطائفة النصيرية والجيش السوري، يقول منيف الرزاز: " إن رائحة التوجه الطائفي داخل الحزب بدأت تظهر بعد أن كانت همساً، ثم تطوّرت هذه الأصوات إلى اتّهامات لا تفتقر إلى الأدلة الكافية "([234]).
لقد كان انقلاب الثامن من آذار نقطة تحوّل أساسية في تاريخ سوريا المعاصر، من ناحية بروز الدور السياسي للأقليات الطائفية، وخاصة النصيريين، ولقد ضمر دور المسلمين السنّة، وخاصة في المدن الكبرى، بعد ذلك الانقلاب المشؤوم، فتمّ انحسار دور أبناء المسلمين في تلك المدن (دمشق، حلب، حمص، حماة). فبعد انقلاب آذار 1963م أصبح تمثيل الضباط النصيريين في القيادات القطرية يشكّل أعلى نسبة، حيث وصلت إلى نسبة (37.7%)، وبعدهم الدروز (9.4%)، ثم الإسماعيليون([235]).
يقول الدكتور سامي الجندي أحد مؤسسي حزب البعث، وكان قد تقلد منصب وزير الإعلام بعد انقلاب آذار: " إنه بعد أن أسندت إليه مسؤولية وزارة الإعلام بثلاثة أيام، زاره (الرفاق) في مكتبه من أبناء طائفته مطالبين بالتخلص من أبناء دمشق وحلب وحماة، وتعيين أبناء الطائفة في وظائفهم مكان المسلمين "([236]).
كما أن الصراع على السلطة بدأ يظهر بين قادة اللجنة العسكرية البعثية عقب الانقلاب الناصري الفاشل في 18 تموز 1963م، حيث لجأ هؤلاء القادة إلى تجميع عسكريين حولهم، ممن تربطهم بهم روابط طائفية أو عشائرية أو إقليمية. ونتيجة لذلك قُوِّضت بنية القيادة والانضباط داخل القوات المسلحة وداخل تنظيم الحزب العسكري بشكلٍ ملحوظ([237]).
وفي تقريرحزبي وصف أمينال مكتب التنظيمي العسكري لحزب البعث هذه العملية فقال: " لقد وصل التنظيم إلى حالة من التشويه، لم يعد من الممكن تحملها من قِبل الرفاق، وحلّ الولاء الشخصي والتكتّلي محل الولاء الحزبي "([238]).
وكان أهل السنّة هم الخاسرين في كلّ مرحلة، فقد عانى أبناؤهم من التمييز لدى تقدّمهم للالتحاق بالكلية العسكرية ومراكز التدريب الأخرى، وتكرّر الأمر عندما جند أعضاء جدد في الحرس الوطني البعثي، أو الشعبة السياسية والمخابرات، بينما كان (العلويون والدروز والإسماعيليون) والنصارى - الروم الأرثوذكس - يحظَوْن بتميز إيجابي في المعاملة في كثيرٍ من الحالات([239]).
وطبقاً لمطاع الصفدي - بعثي قديم - في كتابه (حزب البعث): " فقد أغلق باب الكليات العسكرية ومختلف المدارس العسكرية في وجه شباب المدن السنية، حتى إنّ دورات كاملة من هذه الكليات قد سرحت جميعها من الخدمة قبل أن تتخرّج "([240]).
وكلّ مَن عاصر تلك الفترة يعلم ذلك جيداً. هذا وإن تفويض سلطة القادة العسكريين بالسيطرة على الولاءات الطائفية التي تتبعهم في قطعهم، لم يكن بظاهرة جديدة في تاريخ الجيش السوري، فقد استخدمت مثل هذه التكتلات على سبيل المثال خلال (فترة الانفصال)، ففي بداية عام 1963م فشل المقدم الدمشقي عبد الكريم النحلاوي في محاولة استرداد سلطته على الجيش، وأحد أسباب فشله يعود إلى أنّ بعض الضباط فقدوا السيطرة على جنودهم الذين رفضوا الامتثال لمزيد من الأوامر، لقادتهم الدمشقيين أو الذين هجروا وحداتهم العسكرية، بتحريض من الشيوخ النصيريين([241]).
وهكذا أحكمت القبضة على مقدرات البلاد من قِبل الأقليات الطائفية، فظهرت أحقادها الدفينة، وتعاونت على الفتك بأهل السنّة، حتى ولو كان الضباط السنيون متحلّلين سلوكياً، فَجَرة مجرمين أخلاقياً، ذاق المسلمون على أيديهم الويلات كما هو شأن الباطنيين، ومن هؤلاء: أمين الحافظ، يوسف رعيّن، أحمد سويداني.. ثمّ تطوّرت الأحداث، فأطاح التعاون الباطني برئيس الدولة أمين الحافظ وبعصابته من أهل السنّة، تحت شعار الإطاحة بالقيادة القومية، وذلك في حركة 23 شباط 1966م ؛ إذ تعاون فيها الدروز والإسماعيليون مع النصيريين في تلك الحركة، ثم تخلص النصيريون من رفاق التآمر والإجرام، من الدروز والإسماعيليّين، فسجن كثير منهم، وأعدم آخرون، وبذلك تدور على الباغين الدوائر. واستمرّ مسلسل التناحر والتصفيات داخل الطائفة النصيرية، فانتصرت العشائرية والانتهازية والطائفية على بعض رموز الطائفة النصيرية، فتخلص حافظ الأسد من خصومه: صلاح جديد، ومحمد عمران، وآخرين.. وهاهو التناحر يستمرّ، والتفرد بالسلطة يلقي بكابوسه على الأمّة، ولا نجاة من الله إلا إليه.
18- كيف نتعامل مع الأقليات اليوم:
سورية التي نريد:
l نريد سورية بلداً تسود فيها كلمة الحقّ والعدل، ويقوم فيه المواطن وهو آمن على نفسه، بدوره الفاعل في بناء وطنه، وحماية معتقداته، يقطف ثمار تقدّمه وازدهاره.
l نريدها بلداً ذا هوية عربية إسلامية، فالإسلام دين للمواطن المسلم، وهوية حضارية للمواطن غير المسلم.
l نريدها بلداً ينعم فيها الجميع بظلّ شريعة الله عز وجل، من خلال رضى الناس واختيارهم.
l نريدها بلداً تتحقّق فيها الوحدة الوطنية، وينبذ التعصب الطائفي، وتتعايش فيها مختلف الديانات والمذاهب والأعراق، ضمن إطار المصلحة العُليا للوطن.
l نريدها بلداً يؤمن بالحقّ في الممارسة السياسية وتشكيل الأحزاب في إطار دستور البلاد، ويكون الاقتراع الحرّ النزيه أساساً لتداول السلطة دون تسلّط أو إراقة دماء.
l نريدها بلداً يمتنع فيه استبداد السلطة والتفرد بها، ويرسي قواعد المؤسسات الرقابية والقضائية، والآليات الكفيلة بذلك، وتستقرّ فيه قواعد الحكم عن طريق اختيار الشعب، لا عن طريق الإكراه.
l نريدها بلداً ينتهي فيه الصراع بين التيارات الإسلامية والقومية، ويتنافس فيه الجميع لِما فيه مصلحة الوطن، وتثبيت هويته العربية والإسلامية.
l نريدها بلداً يأخذ فيه التيار الإسلامي دوره الفاعل في بناء الأمّة والوطن، دون تهميش أو إلغاء.
l نريدها بلداً ينعم بالازدهار الاقتصادي، وتتحقّق فيه العدالة في توزيع الثروات، ويضمن فيه حقّ المواطن في التعليم، والسكن، والرعاية الصحية، والعمل، والضمان الاجتماعي في حالتي العجز والشيخوخة.
l نريدها بلداً يتساوى فيه الجميع أمام القانون، دون حصانة لأحدٍ أمام القضاء، رئيساً كان أم مرؤوساً.
l نريدها بلداً تعلو فيه سيادة القانون، ويتقدّم فيها أمن المجتمع على أمن السلطة، ولا تحل فيها قوانين الطوارئ محلّ القوانين العادية.
l نريدها بلداً النساء فيه شقائق الرجال، متساوون في الكرامة الإنسانية، ومتكاملون في الوظائف والواجبات.
l نريدها بلداً ذا جيشٍ وطني يحقّ لكلّ مواطن شرف الانتساب إليه حسب المؤهلات والكفاءات، وعدم اقتصاره على فئة دون أخرى من أبناء الوطن.
l نريدها بلداً تحتفظ بكفاءات أبنائها الوطنية، وتكون عامل جذب للكفاءات الوطنية والعربية المهاجرة.
l نريدها بلداً تسود فيه أساليب الإدارة الحديثة، وتعمّ فيه وسائل الثورة التكنولوجية والمعلوماتية في المدارس والجامعات ومؤسسات البحث العلمي، والمؤسسات العامّة والخاصة.
l نريدها بلداً ذا مناهج تربوية ترسخ الانتماء العربي والإسلامي باعتباره شرطاً من شروط النهضة، وتربي الأجيال على تعزيز قيمة الحرية، وربطها بالمسؤولية، كما تربيهم على نصرة المستضعفين، والدفاع عن حقوق الإنسان، وكذا على أصول الحوار، وتتضمن هذه التربية منهج التعايش عند الاختلاف، والوقاية من الالتجاء للعنف، وتصفية المخالفين بدلاً من السعي لتغير أفكارهم.
l نريدها بلداً ذا إعلامٍ حرّ، يعمل على دعم وترسيخ حرية التعبير والتفكير والإبداع والتنمية، وينسجم مع هوية الأمة الثقافية والحضارية.
l نريدها بلداً يلتزم التزاماً صادقاً بقضايا الأمّة والوطن، ومواجهة المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلّة.
l نريدها بلداً ذا مشروع عربي إسلامي ناجح، ينطلق من آفاق الوحدة الوطنية إلى التكامل الإقليمي والعربي والإسلامي.
l نريدها بلداً يعمل على تعزيز التعاون الدولي القائم على تبادل المصالح بين الشعوب، ودعم السلام العالمي المقام على العدل.
ونخلص بعـد هذا العرض إلى ما يلي:
1- تعريف الأقلية لا يتجاوز أنها خلاف الأكثرية، وتجمع على أقليات. ومنها العِرقية ومنها الدينية.
2- وأول مجتمع مدني في الأرض العربية أعطيت الحقوق فيه من خلال دولة هو مجتمع المدنية، حيث حددت الوثيقة حقوق وواجبات المواطنين في الدولة الإسلامية.
3- وعلى امتداد التاريخ الإسلامي كانت الأقليات، أو الأمم التي فتحت أراضيها تتمتع أراضيها باستقلال ديني وسياسي كامل، وكان لحسن المعاملة هذه أن دفعت الكثير من هذه الأمم لتدخل في الإسلام عن اختيار وطواعية، ومَن بقي على دينه بقي يمثل هذه الأقليات بجوار المسلمين على امتداد القرون. ومصر النموذج الحيّ على ذلك.
4- لم يعرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب، ولم تعرف أمّة من التسامح مع الآخر ما عرفه العرب والمسلمون.
5- بينما كانت القرون الوسطى، والحروب الصليبية نموذجاً لوحشية الأمم الأخرى في التعامل مع العرب والمسلمين.
6- كانت الدولة العثمانية هي الممثلة للإسلام لعدّة قرون، وعاملت الأقليات عندها خير معاملة.
7- من خلال حروب أوربا مع الدولة العثمانية، ومع نشوء الحركات القومية في أوربا، ومع ضعف الدولة، بدأت أوربا في التدخّل في شؤون الدولة الداخلية من خلال الأقليات الدينية، كالكاثوليك، والأرثوذكس، والبروتستانت. ومن خلال الأقليات القومية، كالصرب، والبلغار، واليونان، والعرب بعد ذلك.
8- طالب خط شريف كولخانة بمصلحة الرعايا المسيحيين وتحسين أحوالهم، كما طالب الخط الهمايوني بإصدار مشروع عثماني خاص بالنصارى القاطنين في الدولة العثمانية، واعترف رسمياً برعاية روسيا للأرثوذكس، وفرنسا للكاثوليك، وإنكلترا للبروتستانت. وتقررت المساواة بين المواطنين العثمانيين جميعاً في الدستور، مع بقاء امتيازات (أهل الذمّة) التي كانت خاصة باليهود والنصارى، وعدم اشتراكهم في الحرب مع الدولة العثمانية.
9- بعد طرد الخلافة العثمانية من أوربا، التي كانت الأكثرية الإسلامية فيها صاحبة القرار، تمزّقت إلى دويلات متعدّدة في أوربا، وصار المسلمون في كلّ دولة أقلية تحكم من الأكثرية النصرانية.
10- وبعد سقوط الدولة العثمانية وانفصال الأمم والشعوب عنها، وسيادة النظرة الديمقراطية العلمانية، أصبح دعاة الإسلام وتطبيقه أقلّية في كلّ مجتمع تلاحق من العلمانيين الدكتاتوريين الذين سيطروا على الوطن الإسلامي. وصار واقع الحال وجود أقليات مسلمة في أنحاء العالم، وأقليات داخل دول العالم الإسلامي.
11- وفي إحصاء في الثمانينات كان عدد الأقليات المسلمة في العالم حوالي (371) مليون من (1066) مليون موزّعين على دول العالم في أوربا وآسيا والأمريكيتين. ولهم معاناة في التعامل مع الأكثرية غير المسلمة.
12- واستقلّت الجمهوريات الإسلامية عن الاتّحاد السوفيتي، وهي ستّة، ومع تفكيك الاتحاد اليوغسلافي وقيام حروب البوسنة والهرسك وكوسوفو فيها، وحروب دولة الشيشان التي تصرّ روسيا على إبقائها جزءاً منها، والاحتلال اليهودي لفلسطين، ومعاناة الشعب الفلسطيني، ومشكلة كشمير التي بقيت عالقة بين الهند والباكستان، وتعاني من الاستعمار الهندوسي لها، كانت هذه المناطق جميعاً مناطق اشتعال للمقاومة الإسلامية، وتآلب الأعداء على المسلمين، وقامت مجازر يشيب من هولها الوِلدان، وقدّم المسلمون أعظم التضحيات في المحافظة على وجودهم وهويتهم الإسلامية، ومقاومة المحتلّ لهم في كلّ أرض.
13- من خلال المنظمات والمواثيق الدولية التي كانت نتاج الفكر الأوربي العلماني، نلاحظ أن ربع دول الأمم المتحدة دول إسلامية، والأصل أن تكون دولة واحدة، ولما تعاني من تجزئة فليس لها أي تأثير في تقدير مصيرها وتقرير مصير العالم، في الوقت الذي تتحكم الدول الخمس الكبرى والتي تمثل الشيوعية والنصرانية بمصير العالم.
14- حتى في محكمة العدل الدولية فالتميز لهذه الدول الخمس قائم؛ إذ
لا بدّ أن يكون من أربعة أخماسها قاض يمثل كلّ دولة من قضاة المحكمة التسعة عشر.
15- وبرزت فكرة حقوق الإنسان التي تبنّتها منظمة الأمم المتحدة في قيام العالم على أساس المواطنة والمساواة بين المواطنين، بغضّ النظر عن الجنس أو الدين أو العِرق أو اللغة. ونقض هذا الميثاق من جهة حقّ الشعوب في الاحتكام إلى شريعة الله المنزّلة، لكن كان عاملاً مساعداً في المطالبة بتحرير المستضعفين المسلمين من خلاله، وأعطيت المرأة حقّ المساواة الكاملة مع الرجل في كلّ شيء.
16- ثم جرت تطوّرات خطيرة تحت ستار حقوق الإنسان وتحت سقف الأمم المتحدة في إباحة الإجهاض والربط بين الفقر والنموّ السكاني، وإباحة الممارسات الجنسية غير الشرعية بحجة أنّها حقّ شخصي، وإلغاء القوانين التي تحدّ من هذه الممارسة، ونقض مفهوم الأسرة الذي يقوم على الزواج بين الذّكر والأنثى، لتقرير شرعية الأسرة القائمة على الزواج المثلي والشذوذ الجنسي.
17- وفي نقلة واضحة للحديث عن الأقليات في سورية نرى أنّ الأكثرية فيها تمثل العربية والإسلامية، فالعرب أكثرية بالنسبة للقوميات حوالي (80%)، والمسلمون السنّة أكثرية بالنسبة للأقليات الدينية والطائفية (71%).
18- أكبر الأقليات العِرقية هم الأكراد (9%)، ثم يمثل البقية من الجركس والداغستان والشاشان والتركمان والسريان والكلدانيين والآشوريين.
19- أكبر الأقليات الطائفية العلويون (10%)، والدروز (3%)، والنصارى بجميع فروعهم (12.5%)، ثم يأتي بعدها الإسماعيليون والجعفريون واليهود بنسب لا تكاد تُذكر.
20- كانت الأقليات في سوريا في العهد الإسلامي تعامل بإعطاء الحرية الدينية لها مقابل جزية ضئيلة تؤخذ من القادرين عليها، ولها استقلالها الخاص، وعلى المسلمين الدفاع عنها كما يدافعون عن أنفسهم.
21- واستمرّ هذا التعامل على امتداد التاريخ الذي يحوي الحروب الصليبية التي كان من أشأم نتائجها أن ساد عدم التسامح في العالم لعدّة قرون.
22- وفي ظلّ الدولة العثمانية بقيت الأقليات الدينية على المستوى نفسه من التعامل، وإن كانت الأقليات الطائفية قد خاضت حروباً ضدّ الدولة العثمانية، كالعلويين والدروز.
23- في القرنين الأخيرين للدولة العثمانية قامت الإرساليات التبشيرية بتعميق الهوة والخلاف بين أبناء الأمة وتغلغل النفوذ البريطاني والإيطالي والفرنسي من خلال هذه الإرساليات، وتدخل الدول الأوربية في شؤون الأقليات في الدولة العثمانية.
24- وفي دستور الدولة العثمانية عام 1976م ألغيت فكرة الأقليات، ونصّ الدستور على أن العثمانيين جميعاً متساوون أمام القانون، كما أنهم متساوون في حقوق ووظائف المملكة ما عدا الأحوال الدينية والمذهبية.
25- وجاءت الحكومة الفيصلية وأقرّت في دستورها أن سورية مملكة مدنية، وأنّ السوريين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات.
26- جاء عهد الاحتلال الفرنسي، واعتمد التفرقة الطائفية والدينية أساساً لحكمة، وأبقى للدروز دولتهم المستقلة، وللعلويين دولتهم المستقلة خلال أطول فترة من حكمه التي استمرّت عشرين عاماً من خمس وعشرين.
27- وتعاونت معظم الأقليات مع المحتلّ الفرنسي، واعتبرت وجوده فرصة ذهبية للاستقلال عن جسم الدولة السورية.
28- وهذا لا ينفي حدوث صدام وحرب بين الدروز والفرنسيين من جهة، لغمطهم حقوقهم، ولا ينفي حرب صالح العلي لفرنسا، مستقوياً بها على الإسماعيليين الذين كانت إنكلترا تمدّهم بالمال.
29- للأكراد ماضٍ ناصع من الناحية الوطنية؛ إذ كانوا دوماً من العناصر التي اشتركت في الحركات الوطنية ضدّ الاستعمار.
30- وقام كيان الجيش الذي يواجه الوطنيين على الأقليات النصرانية والدرزية والعلوية، وكثير من ضعاف النفوس السنة الذين باعوا أنفسهم للأجنبي المستعمر.
31- جاء عهد الاستقلال، وجاء الدستور السوري الذي يسوي بين المواطنين جميعاً في الحقوق والواجبات، بغضّ النظر عن الجنس أو العِرق أو الدين أو الطائفة أو المذهب، واستمرّت الحياة السياسية بعيدة عن المنطلق الطائفي. وهذا لا ينفي قيام بعض المؤامرات التي تذرعت ببعض الطوائف وبعض الساسة............. لإسقاط الحكم السوري.
32- ثم جاء عهد البعث وانقلاب الثامن من آذار الذي حوّل الجيش السوري خلال ثلاث سنوات إلى جيش قوام قياداته كلّها من الطائفة النصيرية، وعندما ثار الشعب ضدّ هذا الاستقلال الحزبي والطائفي قمع بوحشية كبيرة، وخاصة في حماة، حيث أزهقت أرواح عشرات الألوف، وتوزع معظم أهلها بين أسير وشريد وشهيد.
33- ولا يزال الاستئثار الحزبي والطائفي قائماً حتى اليوم في الجيش وأجهزة الأمن، واعتبار البعث هو القائد للشعب السوري، وبيده السلطة التنفيذية التي تحكم هذا الشعب.
34- ولن يقضى على هذا التميز إلا بسقوط هذا النظام الحزبي الطائفي، والعودة إلى المساواة التامة بين أبناء الوطن في الحقوق والواجبات ووظائف الدولة. وتركيب الجيش وأجهزة الأمن حيث يكون بلداً تتحقق فيه الوحدة الوطنية، وينبذ التعصب الطائفي، وتتعايش فيه مختلف الديانات والمذاهب والأعراق ضمن إطار المصلحة العُليا للبلد.
35- ويكون حقّ الممارسة السياسية وتشكيل الأحزاب في إطار دستور جديد للبلاد، ويكون الاقتراع الحرّ النزيه أساساً لتداول السلطة دون تسلّط
أو إراقة دماء.
" تتحد دولتا حلب ودمشق، اعتباراً من أول يناير سنة 1925م، وتؤلفان دولة واحدة تسمى الدولة السورية، تؤلف الدولة السورية ضمن الحدود الحالية لدولتي دمشق وحلب دولة مستقلة عاصمتها دمشق... "([216]).
5/ بعد صمت طويل وتسويف وتأجيل استمرّ أربع سنين، وبعد سفرات متعددة إلى باريس، أصدر المسيو بونسو المفوض السامي الفرنسي في 14 أيار 1930م قراراً تحت رقم (3111) بنشر دستور سوريا الجديد، كما أصدر معه بنفس التاريخ قرارات بنشر النظام الأساسي للواء اسكندرون. والقانونين الأساسيّين لحكومتي اللاذقية وجبل الدروز والنظام الأساسي. وقد أقرّت هذه المجموعة من القرارات خطة التجزئة التي سارت عليها فرنسا وثبتتها في نصوصها.
6/ بعد أن بلغت حركة النضال في البلاد في مطلع عام 1936م ذروتها في الشدّة في سبيل الاستقلال والوحدة، وبعد أن استمرّ إضراب دمشق خمسين يوماً احتجاجاً على أعمال العنف التي تقوم بها فرنسا، لم يجد المفوض السامي الفرنسي بُدّاً من مفاوضة الوطنين من أجل عقد معاهدة مع سورية... ووقع في بيروت اتفاقاً مع هاشم الأتاسي رئيس الكتلة الوطنية ينصّ على موافقة الحكومة الفرنسية على استقبال وفد رسمي للمفاوضة.. وسافر الوفد في 21 آذار 1936م إلى باريس، ومكث فيها إلى شهر أيلول 1936م، حيث وقع في اليوم التاسع منه على المعاهدة التي تنهي الانتداب، وتضمن لسوريا استقلالها، وإن كان استقلالاً تشوبه بعض الشوائب، وذلك مع ضمّ منطقتي اللاذقية وجبل الدروز إلى الوحدة السورية ضمن إطار إداري ومالي خاص بهما.
7/ عندما شعر العلويّون أنّ فرنسا يمكن أن توافق على انضمام دولة العلويين إلى الدولة السورية، وبعد ثلاثة أشهر من صيغة المعاهدة المقترحة، رفع زعماء الطائفة خطاباً يرجون به فرنسا ألا تضمهم إلى الدولة السورية.
" ففي سجلات وزارة الخارجية الفرنسية وثيقة تحت رقم (3547) تاريخ 15/6/1936م، تتضمن الوثيقة عريضة رفعها زعماء الطائفة في سورية يطلبون فيها عدم إنهاء الانتداب الفرنسي لسورية.
نصّ الوثيقة: دولة ليون بلوم رئيس الحكومة الفرنسية.
إن الشعب العلوي الذي حافظَ على استقلاله سنة فسنة بكثير من الغيرة والتضحيات الكبيرة في النفوس، هو شعب يختلف في معتقداته الدينية وعاداته وتاريخه عن الشعب المسلم - السني -، ولم يحدث في يومٍ من الأيام أن خضع لسلطة من الداخل.
إنا نلمس اليوم كيف أن مواطني دمشق يرغمون اليهود القاطنين بين ظهرانيهم على عدم إرسال المواد الغذائية لإخوانهم اليهود الطيبين الذين جاؤوا إلى العرب المسلمين بالحضارة والسلام، ونشروا على أرض فلسطين الذهب والرفاه، ولم يوقعوا الأذى بأحد، ولم يأخذوا شيئاً بالقوة. ومع ذلك أعلن المسلمون ضدّهم الحرب المقدّسة بالرغم من وجود إنكلترا في فلسطين، وفرنسا في سوريا.
إننا نقدر نبل الشعور الذي يحملكم على الدفاع عن الشعب السوري، ورغبته في تحقيق استقلاله، ولكن سورية لا تزال بعيدة عن هذا الهدف الشريف، خاصة لروح الإقطاعية الدينية للمسلمين.
ونحن الشعب العلوي الذي مثله الموقعون على هذه المذكرة نستصرخ حكومة فرنسا ضماناً لحريته واستقلاله، ويضع بين يديها مصيره ومستقبله، وهو واثق أنه لا بدّ واجد لديهم سنداً قوياً لشعب علوي صديق، قدّم لفرنسا خدمات عظيمة.
الموقعون: محمد سليمان الأحمد، محمود آغا حديد، عزي آغا غواش، سلمان المرشد، محمد بيك جنيد، سليمان الأسد ".
8/ قرار المفوض السامي الفرنسي تاريخ 1 تموز سنة 1939م، ورقم (132) ل، والمتضمن إعادة منطقة اللاذقية إلى ما كانت عليه قبل معاهدة أيلول (936) بعد أن نكلت فرنسا أخيراً عن إبرام المعاهدة المذكورة، وقرار المفوض السامي الفرنسي تاريخ 1 تموز سنة 1939م، ورقم (133) ل، والمتضمن إعادة منطقة جبل الدروز إلى ما كانت عليه قبل معاهدة أيلول 1936م بعد أن نكلت فرنسا أخيراً عن إبرام المعاهدة المذكورة.
9/ بعد جهاد شاقّ، وكفاح مرير، وتضحيات غالية في الأموال والأنفس أرغمت سورية فرنسا على التخلي عن انتدابها والاعتراف بها دولة مستقلة ذات سيادة، وذلك في خطابٍ ألقاه الجنرال كاترو والمندوب العامّ لفرنسا الحرة في مهرجان أقيم في دار الحكومة في 6 رمضان المبارك 1390هـ، و27 أيلول 1921م بحضور رئيس الجمهورية الشيخ تاج الدين الحسني، ورئيس الوزراء السيد حسن الحكيم ". وعلى أثرها صدر قرار المندوب العامّ الفرنسي تاريخ 12 كانون ثاني 1942م، ورقم (22) بشأن إعادة محافظة جبل الدروز كجزء متمم لدولة سورية، وقرار المندوب العام لفرنسا الحرة في 12 كانون ثاني 1942م، ورقم (23) بإعادة محافظة اللاذقية إلى الوطن الأم كجزء متمم لدولة سورية ".
ولنا بعد هذا العرض الواقعي أن نقدم الملاحظات التالية:
1- يكاد يكون عهد الاحتلال عهد انفصال للأقليتين (الدرزية والعلوية) عن جسم الأمة، وعن استقلال ذاتي أو كامل عنها، من خلال رغبة مشتركة من فرنسا، ومن أبناء هاتين الطائفتين أو أكثريتهما على الأقلّ.
2- واشتراك الدروز في الثورة السورية عام 1925م بقيادة سلطان باشا الأطرش، إنما كان ردّاً على إهانة شخصية وجهت له من جهة، ونقضاً لموعد فرنسي للدروز أن يكونَ الحاكم محلياً، فخالفوا هذا الاتفاق، وعينوا الكابتن كارابيه حاكماً بالوكالة عام 1923م نتيجة التنافس بين آل الأطرش على السلطة، وثار الدروز كذلك على الفرنسيين لأسبابٍ تتعلق بأوضاعهم وتقاليدهم، واستفاد الوطنيون من............ على الفرنسيين.
3- " أنّ الكنيسة الأرثوذكسية لسبب صبغتها الشرقية وقدم تاريخها كانت أكثر تغلغلاً وانتشاراً في البلاد السورية، وأكثر مشاركة في الحركات الوطنية، وأكثر تأثراً وتجادباً مع الحركة العربية منذ عهد العثمانيين. وقد برز عدد من رجالهم في الميادين الوطنية والسياسية، وإن لم يشاركوا في الثورات مشاركة عملية "([217]).
4- " وأكثرية الكاثوليك في سورية يقيمون في المدن.. كما أنهم يستفيدون ويتعاونون مع المؤسسات الأجنبية الكاثوليكية، كمدرسة الآباء........... الفرنسية الأصل، وراهبات الفرنسيسكين والفلبين الأقدسين، والأخوة المريميون، وجلّها في حلب ودمشق، وهي على الغالب فرنسية وإيطالية.. وللكاثوليك عطف خاص على الأمم اللاتينية "([218]). وكانت فرنسا تتبنى حمايتهم في العهد العثماني، وتعاونوا مع الفرنسيين في العهد الوطني ضدّ الثوار.
5- " للأكراد ماضي ناصع من الناحية الوطنية ؛ إذ كانوا دوماً من العناصر التي اشتركت في الحركات الوطنية ضدّ الاستعمار، واشترك كثير منهم في الثورات التي قامت ضدّ الفرنسيين. ولم يستطع المستعمر في أيّ يوم من الأيام أن يفصلهم عن المجتمع العام الذي يعيشون فيه. ولا شكّ أن للدين أثره العميق في هذه الناحية "([219]).
6- انخرط عدد كبير من الأرمن في الجيش الفرنسي، وشاركوا في قمع الثورة الوطنية.. كما أن السريان الوافدين كانوا هم قوام الجيش الفرنسي في الجزيرة في عهد الانتداب، ولا يزال عدد منهم يتقاضى راتباً تقاعدياً عن خدمته في ذلك العهد.
7- كان الصراع محتدماً بين الإسماعيليين والنصيريين، وقاد الشيخ صالح العلي قومه العلويين لمواجهة الإسماعيليين، وكانت فرنسا تؤيد الإسماعيليين، وإنكلترا تؤيد النصيريين، فاصطدم العلي مع الفرنسيين نتيجة هذه الحرب. وعندما صدر العفو عنه بقي متوارياً حتى تأسست دولة العلويين المستقلة بالاتفاق بينهم وبين فرنسا.
8- سلمان بن مرشد بن يونس علوي متأله من النصيرية من قرية - جوبة برغال -، بدأت سيرته عام 1920م، وسجن سنة 1923م، ونفي إلى الرقة حتى سنة 1925م، وعاد من منفاه، وتزعم أبناء نحلته - النصيرية -، وكانت الثورة أيام عودته قائمة على الفرنسيين، وانتهت بتأليف حكومة وطنية لها شيء من الاستقلال الداخلي، فاستماله الفرنسيون واستخدموه، وجعلوا لبلاد - العلويين - نظاماً خاصاً، فقويت شوكته، وتلقب بِـ(رئيس الشعب العلوي الحيدري الغساني)... وكان خلال ذلك يزور دمشق نائباً عن العلويين في المجلس النيابي السوري، فلما تحررت سورية وجلا الفرنسيون عنها، ترك هؤلاء له من سلاحهم ما أغراه بالعصيان، فجردت حكومة سوريا قوة فتكت ببعض أتباعه، واعتقلته مع آخرين، ثم قتلته شنقاً في دمشق "([220]).
9- لا ننفي أبداً أن كثيراً من ضعاف النفوس من السنة كانوا يتعاونون مع فرنسا ضدّ شعبهم وأمّتهم، ولكنهم لا يمثلون الجمهور العام للسنة.
16- الأقليات في عهد الاستقلال:
جاء الدستور السوري عام 1949م مؤكداً على المساواة التامة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، ومؤكداً على النظام البرلماني الديمقراطي، وعاشت سورية قرابة عشرين عاماً في ظلّ هذا النظام وما تخلله من الانقلابات العسكرية الخمسة. وبرزت الحياة السياسية من خلال الأحزاب الوطنية، والأحزاب القومية، لا وجود لذِكر الأقليات، ولم يحرم مواطن حقه لانتسابه الطائفي، وكانت الصراعات حزبية بحتة، بغضّ النظر عن أصلها الطائفي، حتى جماعة الإخوان المسلمين التي قامت على أساس ديني لم تعترض على هذه المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات.
يقول الدكتور السباعي المراقب العام للإخوان المسلمين في سورية: " إنّ هذه البلاد أحبت النظام الجمهوري واعتنقته واعتقدت بصلاحه، وإننا نعلن بكلّ إيمانٍ وصراحة ووضوح بأننا لا نريد عن النظام الجمهوري بديلاً، إننا نريد لوطننا نظاماً شعبياً يقوم على إرادة الشعب، وتتمثل فيه إرادة الشعب "([221]).
كما يقول: " المواطنون متساوون في الحقوق، لا يحال بين مواطن وبين الوصول إلى أعلى مناصب الدولة بسبب الدين أو الجنس أو اللغة ".
وقد وقع استثناءان في عهد الاستقلال، ظهرت فيهما الطائفية البغيضة:
الاستثناء الأول: ما قام به الزعيم أديب الشيشكلي من ضرب جبل الدروز، ومن ضرب جبل العلويين، وقتل مجيب المرشد، الذي ادّعى الألوهية بعد أبيه. ولا شكّ أن هناك أسباباً كامنة لذلك، ومع هذا فلا يحمل العهد الديمقراطي مسؤولية هذا التصرف، إنما هو عهد الدكتاتورية العسكرية.
الاستثناء الثاني: المؤامرة التي قامت ضدّ النظام السوري، وشاركت فيه فئات من السنة والدروز والعلويين والعشائر.
" وقد ضاعف المتآمرون نشاطهم في أواخر صيف 1956م، مجندين أعضاءً جدداً في اللجنتين العسكرية والسياسية، ومتصلين بالدروز والعلويين والعشائر ينفقون الأموال على الدعاية على أمل كسب الدعم الشعبي لقضيتهم، وتدفقت الأسلحة والذخيرة من العراق لتغص بها مستودعات الحزب القومي السوري في لبنان، لتهرب من ثَمّ إلى سورية. واتفق المتآمرون على أن يؤمن الحزب القومي السوري فرق الهجوم.
وكان على تنظيمات الشباب شبه العسكرية أن تتسلل إلى سورية عبر الحدود لتسيطر على المراكز الهامّة بدمشق بعد أن يتنكر أفرادها على هيئة شرطة عسكرية، وينفذوا الاغتيالات كما تَمّ تخطيطها.
وفي نفس الوقت كان على غسان جديد - القومي السوري العلوي، أخي صلاح جديد - أن يحتلّ حمص على رأس قوة أخرى من القوميين السوريين، بينما يستولي صلاح الشيشكلي على حماة بمساعدة رجال هناك. وعلى الدروز في الجنوب، والعلويين في الغرب أن يثوروا في الوقت نفسه لاستدراج جنود الحكومة "([222]).
هذا وقد فشلت المؤامرة بعد كشف خيوطها الرئيسية، وكانت عضوية اللجنة السياسية أخيراً على الشكل التالي:
ميخائيل ليان (الحزب الوطني)، عدنان الأتاسي (حزب الشعب)، منير العجلاني، جلال السيد، حسن الأطرش، سعيد تقي الدين (درزيان)، محمد الفاضل (المفكر العلوي المعروف). ونشرت قائمة الاتهام، وتضمنت (47) متهماً، منهم ديب الشيشكلي (الذي ضرب العلويين والدروز ثم تآمر معهم)، ومحمد صفا وغسان جديد ومحمد معروف وصلاح الشيشكلي وسعيد تقي الدين وحسن الأطرش.. وغيرهم.
17- الأقليات في عهد البعث وبعد انقلاب 8 آذار:
تكتل الأقليات الباطنية والطائفية:
كان انقلاب الثامن من آذار انتصاراً لحزب البعث العربي الاشتراكي من جهة، وفرصة ذهبية لظهور الأقليات الباطنية من دروز وإسماعيلية ونصيرية من جهة أخرى، وكذلك النصارى، فالأقليات الباطنية جاءت من الريف والجبل، بحكم نشأة الحزب بعيداً عن المدن الكبرى، حيث إنّ معظم أهلها من السنّة.
يقول الدكتور سامي الجندي - وهو من مؤسسي الحزب القدماء -: " لقد انتشر الحزب في الريف، ولكنه كان ضعيفاً في دمشق، وباقي المدن السورية، وصار الحزب كبيراً في جسمه صغيراً في رأسه، حيث إنّ الأقليات الدينية كانت متواجدة أصلاً في الريف، ومنها النصيريون والدروز، وأن المدن كانت أساساً مسلمة سنية في تكوينها الديمغرافي "([223]).
وقد ندر في فرع دمشق الأعضاء الدمشقيون الذين ينحدرون أصلاً من عائلات دمشقية، ففي سنة 1964م تجمد نشاط الحزب فيها ؛ لأنّ أعضاء الحزب كانوا غرباء عن دمشق، حتى اضطرّت القيادة القطرية في الحزب أن تطعم قيادة فرع دمشق وفرع حماة بعناصر جديدة، وخاصة حينما واجه الحزب مشاكل عديدة في المدينتين المذكورتين، باعتبار أن معظم أهلهما من السنّة، وفي عام 1964م ثارَ أهل حماة ضدّ النظام، فقمعت الثورة بقسوة ووحشية.
وقد قام بعملية القمع الدموي في حماة: ضابط بعثي درزي، هو: حمد عبيد، وقصفت المساجد، وأولها مسجد السلطان([224]).
تصفية الضباط السنّة بعد انقلاب الثامن من آذار:
لقد تغلغلت الأقليات الباطنية في حزب البعث، مما جعل تأثير الحزب في الأوساط الإسلامية ضعيفاً، وصارت سياسته مناوئة لتوجّهات المسلمين وعقائدهم عدوانية لأبناء أهل السنّة في الجيش وقوى الأمن، ففي الفترة التي أعقبت انقلاب النحلاوي في 8/3/1962م كانت التسريحات (في أوساط المسلمين السنّة داخل المؤسسة العسكرية) قوية وعنيفة، واستلم الضباط الباطنيون محل الضباط المسرحين الذين كانوا من دمشق خاصة وعامة أهل السنة في المدن الأخرى([225]). وعندما جاء انقلاب الثامن من آذار 1963م احتكر البعث السلطة.
1- انقلاب الثامن من آذار 1963م واحتكار البعث للسلطة:
تجمعت القوى العسكرية المناوئة للانفصال، وهم الضباط الناصريون والوحدويون، وكذا الضباط البعثيون والذين ينتسبون إلى الأقليات الباطنية من الدروز والنصيريين، فقام هؤلاء جميعاً بانقلابهم ضدّ حكومة الانفصال وضباطها، وكان عدد من الضباط الباطنيين قد عادوا إلى الجيش بعد أن كانوا مفصولين من الجيش، ومنهم: محمد عمران وحافظ الأسد، وصلاح جديد وعبد الكريم الجندي وآخرون، وقد ترأس العميد لؤي الأتاسي المجلس الوطني لقيادة الثورة فترة من الزمن، فيما ترأس صلاح البيطار الوزارة([226]).
وكان اللواء زياد الحريري (رئيس الأركان) هو الذي قاد الانقلاب، إلا أن شركاءه البعثيين استغلّوا رحلة قام بها إلى الجزائر، فجُرِّد من وظيفته وعُيّن سفيراً في أسبانيا([227]).
وفي 14 آذار 1963م كان قد توجّه وفد إلى القاهرة من أجل المفاوضات لصالح الوحدة، وكان من أعضاء الوفد: نهاد القاسم (نائب رئيس الوزراء)، عبد الكريم زهور (وزير الاقتصاد)، اللواء راشد قطيني (معاون القائد العامّ للقوات المسلحة)، اللواء زياد الحريري (رئيس الأركان)، والمقدم فواز محارب، والمقدم فهو الشاعر (عضو المجلس الوطني لقيادة الثورة)، واجتمع بهم عبد الناصر وبعض رجاله، وانضمّ إليهم وفد العراق بعد ثورة البعث، منهم: صالح السعدي (نائب رئيس الوزراء)، ووزير الدفاع (صالح مهدي عماش)، وكانت المباحثات تدور حول اتحاد بين الجمهوريات الثلاث، لكنها لم تسفر عن شيء([228]).
ويلاحظ أن البعثيين السوريين لم يكن لهم تمثيل واضح في مباحثات الوحدة، وأن شركاءهم في الانقلاب كانوا يظنون أنّ الوحدة مع مصر قاب قوسين أو أدنى. ففي سوريا كانت المنازعات قد أثيرت منذ الأيام الأولى لثورة آذار، إذ شكل جاسم علوان ورائف المعري ومحمد نبهان وذوقان قرقوط، منظمة سرية أطلقوا عليها (أنصار الوحدة)([229]).
وكان إذاعة عبد الناصر قد بدأت تذيع تقارير مباحثات الوحدة والاتحاد خلال شهري (آذار ونيسان)، وأظهرت قادة البعث (عفلق والبيطار) بمظهر المفاوضين الدنيئين، وجعلتهما سخرية للسامعين.
وكان الصراع بين الناصريين والبعثيين قد فجر الأوضاع في سوريا، وبرز الصراع قوياً داخل الجيش، وكان المجلس الوطني لقياد الثورة (8 آذار 1963م) يتكوّن من هيئة سرية تتألف من عشرين عضواً، ثمانية من الناصريين، واثني عشر من البعثيين، وسرحت اللجنة العسكرية ما يزيد عن خمسين ضابطاً من الناصريين، واستقال بسبب ذلك: وزير الدفاع (محمد الصوفي)، وهو ناصري، و(راشد قطيني) رئيس الأركان - ناصري أيضاً -، ثم استقال معهما خمسة وزراء ناصريين([230]).
2- انقلاب الناصريين في 18 تموز ونتائجه المريرة:
قام الضباط الناصريون والوحدويون بمحاولة انقلابية على سلطات حزب البعث، بقيادة: اللواء لؤي الأتاسي، وجاسم علوان، ورفاقهما، وكانت القاهرة تؤيد هذه الحركة، لكن خطة الانقلاب فشلت، وتسربت أخبارها عن طريق بعض النصيريين المشاركين في تلك المحاولة، أمثال: محمد نبهان، الذي كان جاسوساً لصالح الطائفة النصيرية([231]).
وبعد فشل المحاولة الانقلابية، شُكّلت محكمة عرفية من شركاء الثورة، برئاسة المقدم صلاح الضللي، وعضوية النقيب محمد رباح الطويل، والنقيب سليم حاطوم، والنقيب سليمان العلي في 19 تموز، وأصدرت أحكاماً مختلفة، فأُعدم هشام شبيب (عقيد)، وصدرت أحكام أخرى مختلفة ما بين الإعدام لجاسم علوان، ومحمد نبهان، ورائف المعري، وآخرين، حيث بلغ عددهم العشرين ضابطاً وانقلابياً، وبالأشغال الشاقة والمؤبّدة والسجن سنوات عدّة للآخرين، وعيّن اللواء أمين الحافظ وزيراً للداخلية([232]).
لقد تَمّ احتكار البعث للسلطة بعد هذه الأحداث، فتمكن الضباط الطائفيون من السيطرة على اللجنة العسكرية المنوط بها الإشراف على التنظيم العسكري البعثي في صفوف الجيش والقوات المسلحة، تأسست هذه اللجنة عام 1959م خلال الوحدة مع مصر، وكانت في البداية تتكوّن من خمسة ضباط، ثلاثة منهم نصيريون (محمد عمران، صلاح جديد، حافظ الأسد)، واثنان إسماعيليان (عبد الكريم الجندي، وأحمد المير)، ثم وسعت اللجنة وصار عدد أعضائها خمسة عشر عضواً كانوا كالتالي: (5) نصيريون، (2) من الإسماعيلية، (2) من الدروز: سليم حاطوم وحمد عبيد، و(6) من السنّة، منهم: موسى الزعبي، ومصطفى الحاج علي، وأحمد سويداني، وأمين الحافظ، ومحمد رباح الطويل([233]).
3- التكتّل الطائفي داخل الجيش، وتسريح المئات من الضباط السنّة:
لقد تَمّ تسريح ما لا يقلّ عن سبعمائة من كبار الضباط السنّة، بعد انقلاب 8/3/1963م، وتَمّ تعيين مثل هذا العدد لملء الفراغات من أبناء الطائفة النصيرية، فصارت قيادة اللجنة العسكرية بين ثلاثة من الضباط النصيريين: عمران، جديد، الأسد.
وصار صلاح جديد رئيساً للأركان العامّة في الجيش (ما بين شهر آب 1963م، وشهر أيلول 1965م)، وأصبح حافظ الأسد قائداً لسلاح الجوّ، ومحمد عمران، وهو أكبرهم سنّاً، يتحكّم بقيادة القوات الخاصة، أي اللواء المدرع السبعين، وكان دائم الحضور جنوبي دمشق، ويشكل العمود الفقري لجهاز البعث العسكري.
ومن خلال هذه الأجهزة العسكرية الهامة، استطاع النصيريون التحكم بمصير سوريا لفترة طويلة، فتخلصوا من رفاقهم الناصريين والوحدويين: (لؤي الأتاسي، وزياد الحريري، محمد الصوفي، محمد الجراح، جاسم علوان).
ويلاحظ أن هؤلاء جميعاً كانوا من الضباط السنّة، ولو بحكم المولد والنشأة، وقد بدأ الثلاثي النصيري (عمران، أسد، جديد) يكرس الطائفية، في أوساط الطائفة النصيرية والجيش السوري، يقول منيف الرزاز: " إن رائحة التوجه الطائفي داخل الحزب بدأت تظهر بعد أن كانت همساً، ثم تطوّرت هذه الأصوات إلى اتّهامات لا تفتقر إلى الأدلة الكافية "([234]).
لقد كان انقلاب الثامن من آذار نقطة تحوّل أساسية في تاريخ سوريا المعاصر، من ناحية بروز الدور السياسي للأقليات الطائفية، وخاصة النصيريين، ولقد ضمر دور المسلمين السنّة، وخاصة في المدن الكبرى، بعد ذلك الانقلاب المشؤوم، فتمّ انحسار دور أبناء المسلمين في تلك المدن (دمشق، حلب، حمص، حماة). فبعد انقلاب آذار 1963م أصبح تمثيل الضباط النصيريين في القيادات القطرية يشكّل أعلى نسبة، حيث وصلت إلى نسبة (37.7%)، وبعدهم الدروز (9.4%)، ثم الإسماعيليون([235]).
يقول الدكتور سامي الجندي أحد مؤسسي حزب البعث، وكان قد تقلد منصب وزير الإعلام بعد انقلاب آذار: " إنه بعد أن أسندت إليه مسؤولية وزارة الإعلام بثلاثة أيام، زاره (الرفاق) في مكتبه من أبناء طائفته مطالبين بالتخلص من أبناء دمشق وحلب وحماة، وتعيين أبناء الطائفة في وظائفهم مكان المسلمين "([236]).
كما أن الصراع على السلطة بدأ يظهر بين قادة اللجنة العسكرية البعثية عقب الانقلاب الناصري الفاشل في 18 تموز 1963م، حيث لجأ هؤلاء القادة إلى تجميع عسكريين حولهم، ممن تربطهم بهم روابط طائفية أو عشائرية أو إقليمية. ونتيجة لذلك قُوِّضت بنية القيادة والانضباط داخل القوات المسلحة وداخل تنظيم الحزب العسكري بشكلٍ ملحوظ([237]).
وفي تقريرحزبي وصف أمينال مكتب التنظيمي العسكري لحزب البعث هذه العملية فقال: " لقد وصل التنظيم إلى حالة من التشويه، لم يعد من الممكن تحملها من قِبل الرفاق، وحلّ الولاء الشخصي والتكتّلي محل الولاء الحزبي "([238]).
وكان أهل السنّة هم الخاسرين في كلّ مرحلة، فقد عانى أبناؤهم من التمييز لدى تقدّمهم للالتحاق بالكلية العسكرية ومراكز التدريب الأخرى، وتكرّر الأمر عندما جند أعضاء جدد في الحرس الوطني البعثي، أو الشعبة السياسية والمخابرات، بينما كان (العلويون والدروز والإسماعيليون) والنصارى - الروم الأرثوذكس - يحظَوْن بتميز إيجابي في المعاملة في كثيرٍ من الحالات([239]).
وطبقاً لمطاع الصفدي - بعثي قديم - في كتابه (حزب البعث): " فقد أغلق باب الكليات العسكرية ومختلف المدارس العسكرية في وجه شباب المدن السنية، حتى إنّ دورات كاملة من هذه الكليات قد سرحت جميعها من الخدمة قبل أن تتخرّج "([240]).
وكلّ مَن عاصر تلك الفترة يعلم ذلك جيداً. هذا وإن تفويض سلطة القادة العسكريين بالسيطرة على الولاءات الطائفية التي تتبعهم في قطعهم، لم يكن بظاهرة جديدة في تاريخ الجيش السوري، فقد استخدمت مثل هذه التكتلات على سبيل المثال خلال (فترة الانفصال)، ففي بداية عام 1963م فشل المقدم الدمشقي عبد الكريم النحلاوي في محاولة استرداد سلطته على الجيش، وأحد أسباب فشله يعود إلى أنّ بعض الضباط فقدوا السيطرة على جنودهم الذين رفضوا الامتثال لمزيد من الأوامر، لقادتهم الدمشقيين أو الذين هجروا وحداتهم العسكرية، بتحريض من الشيوخ النصيريين([241]).
وهكذا أحكمت القبضة على مقدرات البلاد من قِبل الأقليات الطائفية، فظهرت أحقادها الدفينة، وتعاونت على الفتك بأهل السنّة، حتى ولو كان الضباط السنيون متحلّلين سلوكياً، فَجَرة مجرمين أخلاقياً، ذاق المسلمون على أيديهم الويلات كما هو شأن الباطنيين، ومن هؤلاء: أمين الحافظ، يوسف رعيّن، أحمد سويداني.. ثمّ تطوّرت الأحداث، فأطاح التعاون الباطني برئيس الدولة أمين الحافظ وبعصابته من أهل السنّة، تحت شعار الإطاحة بالقيادة القومية، وذلك في حركة 23 شباط 1966م ؛ إذ تعاون فيها الدروز والإسماعيليون مع النصيريين في تلك الحركة، ثم تخلص النصيريون من رفاق التآمر والإجرام، من الدروز والإسماعيليّين، فسجن كثير منهم، وأعدم آخرون، وبذلك تدور على الباغين الدوائر. واستمرّ مسلسل التناحر والتصفيات داخل الطائفة النصيرية، فانتصرت العشائرية والانتهازية والطائفية على بعض رموز الطائفة النصيرية، فتخلص حافظ الأسد من خصومه: صلاح جديد، ومحمد عمران، وآخرين.. وهاهو التناحر يستمرّ، والتفرد بالسلطة يلقي بكابوسه على الأمّة، ولا نجاة من الله إلا إليه.
18- كيف نتعامل مع الأقليات اليوم:
سورية التي نريد:
l نريد سورية بلداً تسود فيها كلمة الحقّ والعدل، ويقوم فيه المواطن وهو آمن على نفسه، بدوره الفاعل في بناء وطنه، وحماية معتقداته، يقطف ثمار تقدّمه وازدهاره.
l نريدها بلداً ذا هوية عربية إسلامية، فالإسلام دين للمواطن المسلم، وهوية حضارية للمواطن غير المسلم.
l نريدها بلداً ينعم فيها الجميع بظلّ شريعة الله عز وجل، من خلال رضى الناس واختيارهم.
l نريدها بلداً تتحقّق فيها الوحدة الوطنية، وينبذ التعصب الطائفي، وتتعايش فيها مختلف الديانات والمذاهب والأعراق، ضمن إطار المصلحة العُليا للوطن.
l نريدها بلداً يؤمن بالحقّ في الممارسة السياسية وتشكيل الأحزاب في إطار دستور البلاد، ويكون الاقتراع الحرّ النزيه أساساً لتداول السلطة دون تسلّط أو إراقة دماء.
l نريدها بلداً يمتنع فيه استبداد السلطة والتفرد بها، ويرسي قواعد المؤسسات الرقابية والقضائية، والآليات الكفيلة بذلك، وتستقرّ فيه قواعد الحكم عن طريق اختيار الشعب، لا عن طريق الإكراه.
l نريدها بلداً ينتهي فيه الصراع بين التيارات الإسلامية والقومية، ويتنافس فيه الجميع لِما فيه مصلحة الوطن، وتثبيت هويته العربية والإسلامية.
l نريدها بلداً يأخذ فيه التيار الإسلامي دوره الفاعل في بناء الأمّة والوطن، دون تهميش أو إلغاء.
l نريدها بلداً ينعم بالازدهار الاقتصادي، وتتحقّق فيه العدالة في توزيع الثروات، ويضمن فيه حقّ المواطن في التعليم، والسكن، والرعاية الصحية، والعمل، والضمان الاجتماعي في حالتي العجز والشيخوخة.
l نريدها بلداً يتساوى فيه الجميع أمام القانون، دون حصانة لأحدٍ أمام القضاء، رئيساً كان أم مرؤوساً.
l نريدها بلداً تعلو فيه سيادة القانون، ويتقدّم فيها أمن المجتمع على أمن السلطة، ولا تحل فيها قوانين الطوارئ محلّ القوانين العادية.
l نريدها بلداً النساء فيه شقائق الرجال، متساوون في الكرامة الإنسانية، ومتكاملون في الوظائف والواجبات.
l نريدها بلداً ذا جيشٍ وطني يحقّ لكلّ مواطن شرف الانتساب إليه حسب المؤهلات والكفاءات، وعدم اقتصاره على فئة دون أخرى من أبناء الوطن.
l نريدها بلداً تحتفظ بكفاءات أبنائها الوطنية، وتكون عامل جذب للكفاءات الوطنية والعربية المهاجرة.
l نريدها بلداً تسود فيه أساليب الإدارة الحديثة، وتعمّ فيه وسائل الثورة التكنولوجية والمعلوماتية في المدارس والجامعات ومؤسسات البحث العلمي، والمؤسسات العامّة والخاصة.
l نريدها بلداً ذا مناهج تربوية ترسخ الانتماء العربي والإسلامي باعتباره شرطاً من شروط النهضة، وتربي الأجيال على تعزيز قيمة الحرية، وربطها بالمسؤولية، كما تربيهم على نصرة المستضعفين، والدفاع عن حقوق الإنسان، وكذا على أصول الحوار، وتتضمن هذه التربية منهج التعايش عند الاختلاف، والوقاية من الالتجاء للعنف، وتصفية المخالفين بدلاً من السعي لتغير أفكارهم.
l نريدها بلداً ذا إعلامٍ حرّ، يعمل على دعم وترسيخ حرية التعبير والتفكير والإبداع والتنمية، وينسجم مع هوية الأمة الثقافية والحضارية.
l نريدها بلداً يلتزم التزاماً صادقاً بقضايا الأمّة والوطن، ومواجهة المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلّة.
l نريدها بلداً ذا مشروع عربي إسلامي ناجح، ينطلق من آفاق الوحدة الوطنية إلى التكامل الإقليمي والعربي والإسلامي.
l نريدها بلداً يعمل على تعزيز التعاون الدولي القائم على تبادل المصالح بين الشعوب، ودعم السلام العالمي المقام على العدل.
ونخلص بعـد هذا العرض إلى ما يلي:
1- تعريف الأقلية لا يتجاوز أنها خلاف الأكثرية، وتجمع على أقليات. ومنها العِرقية ومنها الدينية.
2- وأول مجتمع مدني في الأرض العربية أعطيت الحقوق فيه من خلال دولة هو مجتمع المدنية، حيث حددت الوثيقة حقوق وواجبات المواطنين في الدولة الإسلامية.
3- وعلى امتداد التاريخ الإسلامي كانت الأقليات، أو الأمم التي فتحت أراضيها تتمتع أراضيها باستقلال ديني وسياسي كامل، وكان لحسن المعاملة هذه أن دفعت الكثير من هذه الأمم لتدخل في الإسلام عن اختيار وطواعية، ومَن بقي على دينه بقي يمثل هذه الأقليات بجوار المسلمين على امتداد القرون. ومصر النموذج الحيّ على ذلك.
4- لم يعرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب، ولم تعرف أمّة من التسامح مع الآخر ما عرفه العرب والمسلمون.
5- بينما كانت القرون الوسطى، والحروب الصليبية نموذجاً لوحشية الأمم الأخرى في التعامل مع العرب والمسلمين.
6- كانت الدولة العثمانية هي الممثلة للإسلام لعدّة قرون، وعاملت الأقليات عندها خير معاملة.
7- من خلال حروب أوربا مع الدولة العثمانية، ومع نشوء الحركات القومية في أوربا، ومع ضعف الدولة، بدأت أوربا في التدخّل في شؤون الدولة الداخلية من خلال الأقليات الدينية، كالكاثوليك، والأرثوذكس، والبروتستانت. ومن خلال الأقليات القومية، كالصرب، والبلغار، واليونان، والعرب بعد ذلك.
8- طالب خط شريف كولخانة بمصلحة الرعايا المسيحيين وتحسين أحوالهم، كما طالب الخط الهمايوني بإصدار مشروع عثماني خاص بالنصارى القاطنين في الدولة العثمانية، واعترف رسمياً برعاية روسيا للأرثوذكس، وفرنسا للكاثوليك، وإنكلترا للبروتستانت. وتقررت المساواة بين المواطنين العثمانيين جميعاً في الدستور، مع بقاء امتيازات (أهل الذمّة) التي كانت خاصة باليهود والنصارى، وعدم اشتراكهم في الحرب مع الدولة العثمانية.
9- بعد طرد الخلافة العثمانية من أوربا، التي كانت الأكثرية الإسلامية فيها صاحبة القرار، تمزّقت إلى دويلات متعدّدة في أوربا، وصار المسلمون في كلّ دولة أقلية تحكم من الأكثرية النصرانية.
10- وبعد سقوط الدولة العثمانية وانفصال الأمم والشعوب عنها، وسيادة النظرة الديمقراطية العلمانية، أصبح دعاة الإسلام وتطبيقه أقلّية في كلّ مجتمع تلاحق من العلمانيين الدكتاتوريين الذين سيطروا على الوطن الإسلامي. وصار واقع الحال وجود أقليات مسلمة في أنحاء العالم، وأقليات داخل دول العالم الإسلامي.
11- وفي إحصاء في الثمانينات كان عدد الأقليات المسلمة في العالم حوالي (371) مليون من (1066) مليون موزّعين على دول العالم في أوربا وآسيا والأمريكيتين. ولهم معاناة في التعامل مع الأكثرية غير المسلمة.
12- واستقلّت الجمهوريات الإسلامية عن الاتّحاد السوفيتي، وهي ستّة، ومع تفكيك الاتحاد اليوغسلافي وقيام حروب البوسنة والهرسك وكوسوفو فيها، وحروب دولة الشيشان التي تصرّ روسيا على إبقائها جزءاً منها، والاحتلال اليهودي لفلسطين، ومعاناة الشعب الفلسطيني، ومشكلة كشمير التي بقيت عالقة بين الهند والباكستان، وتعاني من الاستعمار الهندوسي لها، كانت هذه المناطق جميعاً مناطق اشتعال للمقاومة الإسلامية، وتآلب الأعداء على المسلمين، وقامت مجازر يشيب من هولها الوِلدان، وقدّم المسلمون أعظم التضحيات في المحافظة على وجودهم وهويتهم الإسلامية، ومقاومة المحتلّ لهم في كلّ أرض.
13- من خلال المنظمات والمواثيق الدولية التي كانت نتاج الفكر الأوربي العلماني، نلاحظ أن ربع دول الأمم المتحدة دول إسلامية، والأصل أن تكون دولة واحدة، ولما تعاني من تجزئة فليس لها أي تأثير في تقدير مصيرها وتقرير مصير العالم، في الوقت الذي تتحكم الدول الخمس الكبرى والتي تمثل الشيوعية والنصرانية بمصير العالم.
14- حتى في محكمة العدل الدولية فالتميز لهذه الدول الخمس قائم؛ إذ
لا بدّ أن يكون من أربعة أخماسها قاض يمثل كلّ دولة من قضاة المحكمة التسعة عشر.
15- وبرزت فكرة حقوق الإنسان التي تبنّتها منظمة الأمم المتحدة في قيام العالم على أساس المواطنة والمساواة بين المواطنين، بغضّ النظر عن الجنس أو الدين أو العِرق أو اللغة. ونقض هذا الميثاق من جهة حقّ الشعوب في الاحتكام إلى شريعة الله المنزّلة، لكن كان عاملاً مساعداً في المطالبة بتحرير المستضعفين المسلمين من خلاله، وأعطيت المرأة حقّ المساواة الكاملة مع الرجل في كلّ شيء.
16- ثم جرت تطوّرات خطيرة تحت ستار حقوق الإنسان وتحت سقف الأمم المتحدة في إباحة الإجهاض والربط بين الفقر والنموّ السكاني، وإباحة الممارسات الجنسية غير الشرعية بحجة أنّها حقّ شخصي، وإلغاء القوانين التي تحدّ من هذه الممارسة، ونقض مفهوم الأسرة الذي يقوم على الزواج بين الذّكر والأنثى، لتقرير شرعية الأسرة القائمة على الزواج المثلي والشذوذ الجنسي.
17- وفي نقلة واضحة للحديث عن الأقليات في سورية نرى أنّ الأكثرية فيها تمثل العربية والإسلامية، فالعرب أكثرية بالنسبة للقوميات حوالي (80%)، والمسلمون السنّة أكثرية بالنسبة للأقليات الدينية والطائفية (71%).
18- أكبر الأقليات العِرقية هم الأكراد (9%)، ثم يمثل البقية من الجركس والداغستان والشاشان والتركمان والسريان والكلدانيين والآشوريين.
19- أكبر الأقليات الطائفية العلويون (10%)، والدروز (3%)، والنصارى بجميع فروعهم (12.5%)، ثم يأتي بعدها الإسماعيليون والجعفريون واليهود بنسب لا تكاد تُذكر.
20- كانت الأقليات في سوريا في العهد الإسلامي تعامل بإعطاء الحرية الدينية لها مقابل جزية ضئيلة تؤخذ من القادرين عليها، ولها استقلالها الخاص، وعلى المسلمين الدفاع عنها كما يدافعون عن أنفسهم.
21- واستمرّ هذا التعامل على امتداد التاريخ الذي يحوي الحروب الصليبية التي كان من أشأم نتائجها أن ساد عدم التسامح في العالم لعدّة قرون.
22- وفي ظلّ الدولة العثمانية بقيت الأقليات الدينية على المستوى نفسه من التعامل، وإن كانت الأقليات الطائفية قد خاضت حروباً ضدّ الدولة العثمانية، كالعلويين والدروز.
23- في القرنين الأخيرين للدولة العثمانية قامت الإرساليات التبشيرية بتعميق الهوة والخلاف بين أبناء الأمة وتغلغل النفوذ البريطاني والإيطالي والفرنسي من خلال هذه الإرساليات، وتدخل الدول الأوربية في شؤون الأقليات في الدولة العثمانية.
24- وفي دستور الدولة العثمانية عام 1976م ألغيت فكرة الأقليات، ونصّ الدستور على أن العثمانيين جميعاً متساوون أمام القانون، كما أنهم متساوون في حقوق ووظائف المملكة ما عدا الأحوال الدينية والمذهبية.
25- وجاءت الحكومة الفيصلية وأقرّت في دستورها أن سورية مملكة مدنية، وأنّ السوريين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات.
26- جاء عهد الاحتلال الفرنسي، واعتمد التفرقة الطائفية والدينية أساساً لحكمة، وأبقى للدروز دولتهم المستقلة، وللعلويين دولتهم المستقلة خلال أطول فترة من حكمه التي استمرّت عشرين عاماً من خمس وعشرين.
27- وتعاونت معظم الأقليات مع المحتلّ الفرنسي، واعتبرت وجوده فرصة ذهبية للاستقلال عن جسم الدولة السورية.
28- وهذا لا ينفي حدوث صدام وحرب بين الدروز والفرنسيين من جهة، لغمطهم حقوقهم، ولا ينفي حرب صالح العلي لفرنسا، مستقوياً بها على الإسماعيليين الذين كانت إنكلترا تمدّهم بالمال.
29- للأكراد ماضٍ ناصع من الناحية الوطنية؛ إذ كانوا دوماً من العناصر التي اشتركت في الحركات الوطنية ضدّ الاستعمار.
30- وقام كيان الجيش الذي يواجه الوطنيين على الأقليات النصرانية والدرزية والعلوية، وكثير من ضعاف النفوس السنة الذين باعوا أنفسهم للأجنبي المستعمر.
31- جاء عهد الاستقلال، وجاء الدستور السوري الذي يسوي بين المواطنين جميعاً في الحقوق والواجبات، بغضّ النظر عن الجنس أو العِرق أو الدين أو الطائفة أو المذهب، واستمرّت الحياة السياسية بعيدة عن المنطلق الطائفي. وهذا لا ينفي قيام بعض المؤامرات التي تذرعت ببعض الطوائف وبعض الساسة............. لإسقاط الحكم السوري.
32- ثم جاء عهد البعث وانقلاب الثامن من آذار الذي حوّل الجيش السوري خلال ثلاث سنوات إلى جيش قوام قياداته كلّها من الطائفة النصيرية، وعندما ثار الشعب ضدّ هذا الاستقلال الحزبي والطائفي قمع بوحشية كبيرة، وخاصة في حماة، حيث أزهقت أرواح عشرات الألوف، وتوزع معظم أهلها بين أسير وشريد وشهيد.
33- ولا يزال الاستئثار الحزبي والطائفي قائماً حتى اليوم في الجيش وأجهزة الأمن، واعتبار البعث هو القائد للشعب السوري، وبيده السلطة التنفيذية التي تحكم هذا الشعب.
34- ولن يقضى على هذا التميز إلا بسقوط هذا النظام الحزبي الطائفي، والعودة إلى المساواة التامة بين أبناء الوطن في الحقوق والواجبات ووظائف الدولة. وتركيب الجيش وأجهزة الأمن حيث يكون بلداً تتحقق فيه الوحدة الوطنية، وينبذ التعصب الطائفي، وتتعايش فيه مختلف الديانات والمذاهب والأعراق ضمن إطار المصلحة العُليا للبلد.
35- ويكون حقّ الممارسة السياسية وتشكيل الأحزاب في إطار دستور جديد للبلاد، ويكون الاقتراع الحرّ النزيه أساساً لتداول السلطة دون تسلّط
أو إراقة دماء.
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
رد: الوطن والمواطنة (المبحث الخامس + الحاشية)
الهوامش
-------------------------------------------------------------------------------------------------
([1]) الوطنية كائن هلامي، فصل المواطنون الصالحون بدلاً عن الإنسان الصالح / د. عبد العزيز الوهيبي / 156- 158.
([2]) المصدر السابق، فصل تضاد الهويتين / محمد محمود العمر / 82.
([3]) معجم المصطلحات السياسية / 26 / د. أحمد زكي بدوي.
([4]) العاني: الأسير.
([5]) المعاقل: الديات.
([6]) مفرحاً: المثقل بالدين كثير العيال.
([7]) الدسيعة: العظيمة من الظلم.
([8]) يبيء بعضهم على بعض: يرجع بعضهم على بعض بالمعونة.
([9]) السير النبوية لابن هشام / 1 / 501 – 502.
([10]) السيرة النبوية لابن هشام، 502 - 503.
([11]) الاتفاقية الدولية عن حقوق الإنسان والسياسة الدولية / دافيد ب. فورستاين، ملاحق، ص 341.
([12]) مواطنون لا ذميون لـ د. فهمي هويدي / 126.
([13]) المصدر نفسه / 126.
([14]) الدستور السوري عام 1928 مقتطفات من ص 246 – 247 في كتاب فجر الاستقلال في سورية لـ سهيل العشي.
([15]) المصدر نفسه، ص / 2.
([16]) المصدر نفسه، ص / 2.
([17]) المصدر نفسه، ص / 3.
([18]) المصدر نفسه، ص / 9.
([19]) المصدر نفسه، ص / 11.
([20]) دستور الجمهورية العربية السورية / 1973 / ص 2.
([21]) المصدر نفسه / ص 7.
([22]) المصدر نفسه / ص 10.
([23]) الحكم الحزبي في سورية فترة الانتداب الفرنسي / د. سهيلة الريحاوي / ص 305.
([24]) الدستور السوري / ص 40 و13.
([25]) المصدر نفسه / ص 8 – 9.
([26]) المصدر نفسه / ص40.
([27]) مجلة الوطن السعودية – العدد 194، الأربعاء 17 محرم / 1422 الموافق 11 أبريل / 2001.
([28]) مجلة الوطن السعودية، العدد 194، الأربعاء 17 محرم / 1422 الموافق 11 أبريل / 2001.
([29]) الوطن، العدد السابق.
([30]) الوطن، العدد السابق.
([31]) الحياة / الجمعة 12 / 1 / 2001، كانون الثاني.
([32]) فقه الشورى والاستشارة للدكتور توفيق الشاوي / 410 – 412، بتصرف.
([33]) ص 17.
([34]) مواطنون لا ذميون للدكتور فهمي الهويدي / ص 65، 66 بتصرف، نقلاً عن الكتاب الآنف الذكر.
([35]) قاموس الفكر السياسي / ج 2، تأليف مجموعة من المختصين، ترجمة د. أنطون حمصي، منشورات وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية، دمشق / 1994.
([36]) معجم المصطلحات السياسية والدولية / دار الكتاب اللبناني / ص 93.
([37]) البداية والنهاية لابن كثير 4 / 7 / 42، 43.
([38]) سورة النساء / 75.
([39]) الرحيق المختوم للمباركفوري / 378.
([40]) سورة الفتح / 27.
([41]) فجر الاستقلال في سورية / محمد سهيل العشي / 234.
([42]) أُخذ النص عن كتاب الوثائق الرئيسية في قضية فلسطين المجموعة الأولى 1910 – 1946، إصدار الأمانة العامة لجامعة الدول العربية.
([43]) ملاحق فجر الاستقلال في سورية للعشي / 234.
([44]) المعلومات / 1991 / ص 643 / نشر الآفاق العالمية المتحدة.
([45]) فجر الاستقلال في سورية / 246.
([46]) الحكم الحزبي في سورية / 262.
([47]) دستور الجمهورية العربية السورية 1973 / ص 7.
([48]) المصدر نفسه، المادة 8 / ص 2.
([49]) الحكم الحزبي في سورية لسهيلة الريحاوي / 263.
([50]) فجر الاستقلال في سورية للعشي / 146.
([51]) دستور الجمهورية العربية السورية / ص 9.
([52]) المصدر السابق / 1.
([53]) الحكم الحزبي للريحاوي / 266.
([54]) دستور الجمهورية العربية السورية 1973 / ص 13.
([55]) المصدر السابق / ص 1.
([56]) سورة النساء / الآيات 60 – 63.
([57]) في ظلال القرآن 2 / 5 / 695.
([58]) سورة النساء / الآية 65.
([59]) سورة النساء / الآيات 66- 68.
([60]) سورة آل عمران / 195.
([61]) الحزورة: قال البكري موضع بمكة يلي البيت.. فلما زيد في المسجد الحرام دخل فيه.
([62]) سبل الهدى والرشاد للصالحي 3/ 333، وهو من الأحاديث الصحاح.
([63]) فخ: موضع خارج مكة.
([64]) الإذخر: نبات طيب الرائحة ينبت حول مكة.
([65]) جليل: النمام.
([66]) مجنة: سوق للعرب في الجاهلية وهي بأسفل مكة.
([67]) شامة وطفيل: جبلان في مدخل مكة.
([68]) السيرة النبوية لابن هشام 13/ 589.
([69]) صحيح مسلم / ح 11365 / ص 538، بيت الأفكار الدولية.
([70]) أخرجه أحمد 3 / 483 والنسائي 6 / 21.
([71]) كفاية الأخبار للحصين الشافعي الدمشقي 2 / 128.
([72]) صحيح مسلم / ح 2 و3 – 1731 / ص 720.
([73]) صحيح البخاري / ح 4110 / ص 781.
([74]) سورة التوبة / 29.
([75]) تفسير ابن كثير 2 / 382، 383.
([76]) في ظلال القرآن 3 / 1633 – 1634 بتصرف لسيد قطب.
([77]) المغازي للواقدي 2 / 711.
([78]) الخارص: هو الذي يحزر ويقدِّر ما على النخل من ثمر.
([79]) المصدر السابق / 1031، ومعنى كفَّر: أي أحنى رأسه كالتسليم عند المسلمين.
([80]) المصدر نفسه / 102.
([81]) الطبقات الكبرى لابن سعد 1 / 266.
([82]) المصدر السابق / 266.
([83]) أبو داود / 3052.
([84]) المصدر نفسه.
([85]) البخاري / ح 3166 عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، ص 709.
([86]) فتوح البلدان للبلاذري / 128.
([87]) المصدر نفسه / 130.
([88]) تاريخ الطبري 2 / 449.
([89]) تاريخ الطبري 2 / 449.
([90]) فتوح مصر وأخبارها لابن عبد الحكم / 68.
([91]) تاريخ الطبري / 2 / 436.
([92]) المصدر نفسه / 436.
([93]) وزير التفويض هو الذي يقوم مقام الخليفة فكما عرَّفها الماوردي: فأما وزارة التفويض فهو أن يستوزر الإمام من يفوض إليه تدبير الأمور برأيه وإمضائها على اجتهاده، وهو بمثابة رئيس الوزراء في الدولة البرلمانية.
([94]) الأحكام السلطانية للماوردي / 27، 28.
([95]) تفسير المنار لمحمد رشيد رضا 10 / 295 – 297، والطراء: الغرباء، والتناء: المقيمون.
([96]) مواطنون لا ذميون للدكتور فهيم هويدي (مع التحفظ على العنوان) 154، 155.
([97]) البداية والنهاية لابن كثير / 5 / 9 / 197.
([98]) عمرو بن العاص لـ عبد الخالق سيد أبو رابية / 351، 352 بتصرف.
([99]) الطبري 2 / 425.
([100]) فتوح البلدان للبُلاذري / 185، 186.
([101]) مواطنون لا ذميون للدكتور فهيم هويدي / 69 – 71 بتصرف.
([102]) مواطنون لا ذميون للدكتور هويدي / 64، 65، عن الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري لآدم ميتز.
([103]) حاضر العالم الإسلامي للأمير شكيب أرسلان، 2 / ج / 2 / 210.
([104]) زاد المعاد 3 / 158، 159.
([105]) زاد المعاد في هدي خير العباد للإمام ابن القيم 3 / 159، 160.
([106]) صحيح مسلم 2 / ح 1731 عن بريدة بن الخصيب الأسلمي ص 720 (بيت الأفكار الدولية).
([107]) الأحكام السلطانية للماوردي / 60.
([108]) المبسوط للسرخسي 2 / 28.
([109]) السير الكبير وشرحه لمحمد بن حسن الشيباني 1 / 251.
([110]) السير الكبير للشيباني 1 / 249 – 250.
([111]) حاشية البجيرمي 4 / 220.
([112]) الأحكام السلطانية للماوردي مقتطفات / 137- 138.
([113]) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2 / 188.
([114]) المعتمد في أصول الدين لأبي يعلى / 267.
([115]) كشاف القناع 3 / 43.
([116]) المحلى لابن حزم 13 / 140.
([117]) الفتاوى 18 / 282.
([118]) الفتاوى 28 / 240.
([119]) مختصر اختلاف العلماء للطحاوي 3 / 469 – 471، مقتطفات.
([120]) روضة الطالبين 5 / 433 ونهاية المحتاج / 8 / 454.
([121]) المعتمد في أصول الدين لأبي يعلى / 276.
([122]) مختصر اختلاف العلماء للطحاوي 3 / 469.
([123]) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2 / 188.
([124]) الأحكام السلطانية للماوردي، مقتطفات / 49 – 51.
([125]) الأحكام السلطانية لأبي يعلى الفراء الحنبلي / 47، 48.
([126]) المصدر السابق.
([127]) كتاب السير الكبير وشرحه لمحمد بن حسن الشيباني 5 / 1689 – 1691، مقتطفات.
([128]) بلغة السالك لأقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك 1 / 370.
([129]) السير الكبير / 1692- 1697، مقتطفات.
([130]) الأم: للشافعي ج 3 / 188.
([131]) أسهل المدارك 2/ 18.
([132]) خاصة بعد ظهور وسائل الإعلام العالمية والقنوات الفضائية التي تتيح عرض الإسلام لجميع الدول والناس في الأرض.
([133]) الأم ج 4 / 155 وشرح فتح القدير ومعه شرح العناية / جـ 5 / 455 وغيرها.
([134]) سورة محمد / الآية 35.
([135]) أسهل المدارك / ج 2 / 18.
([136]) فقه الكتاب والسنة / ج 3 / 1367، 1368 للدكتور أمير عبد العزيز.
([137]) أفحكم الجاهلية يبغون.
([138]) في ظلال القرآن لسيد قطب 2 / 6 / 904.
([139]) المصدر نفسه 2 / 5 / 744 – 745.
([140]) رسائل الإمام الشهيد / 268 تحت عنوان حق الإسلام.
([141]) من فقه الدولة في الإسلام، د. يوسف القرضاوي / 32.
([142]) مجموعة بجوث فقهية مختارة للدكتور عبد الكريم زيدان / 50 – 51، هذا ويمثل الفقهاء الستة المذكورون فكر الإخوان المسلمين الذي يعتبر سيادة شريعة الإسلام الميزان في دار الحرب ودار الإسلام.
([143]) الجهاد والقتال في السياسة الشرعية 1 / 669 – 671، للدكتور محمد خير هيكل.
([144]) السياسة الشرعية / الشيخ عبد الوهاب خلاف / 69.
([145]) الشخصية الإسلامية / تقي الدين النبهاني ج 2 / 215- 216.
([146]) آثار الحرب / الدكتور وهبة الزحيلي / 155.
([147]) هكذا فلندع للإسلام / الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي.
([148]) المعلوماتية / الآفاق العالمية المتحدة / 1991 / ص 634.
([149]) اخترنا هذا الدستور لأنه أول دستور بعد استقلال سورية عن الدولة العثمانية عام 1918.
([150]) الحكم الحزبي في سوريا أمام العهد الفيصلي 1918 – 1920، للدكتورة سهيلة الريحاوي / ص 262، ملاحق.
([151]) وهو دستور عام 1928.
([152]) فجر الاستقلال في سورية / محمد سهيل العشي / ص 246، ملاحق.
([153]) سورة الحج / 39، 40.
([154]) سورة الحج / الآية 41.
([155]) فتوح مصر، لابن عبد الحكم، ص70-71.
([156]) المصدر نفسه.
([157]) حضارة العرب، لفوستاف لويون، ت: عادل زعيتر، ص605.
([158]) المصدر نفسه، ص570.
([159]) عمرو بن العاص، لعبد الخالق سيد أبي رابية، ص249 وما بعدها، أخذاً من مراجعة فتح مصر.............. وحسن المحاضرة لسيوطي، والخطط، للمقريزي، وكتاب الجناح، لأبي صالح الأرمني، وسايرويس الكتاب الأول.
([160]) حضارة العرب، لِلوبون، ص327.
([161]) المصدر نفسه، ص328-329، باختصار.
([162]) حضارة العرب، لِلوبون، ص370-372، باختصار.
([163]) الدولة العثمانية والغزو الفكري، للدكتور: خلف الوذيناني، ص339-340.
([164]) الشعوب الإسلامية، لعبد العزيز نوار، ص193.
([165]) الدولة العثمانية والغزو الفكري، للدكتور: خلف الوذيناني، ص339-340.
([166]) تاريخ الدولة الإسلامية، لعلي حسون، ص152.
([167]) العلمانية وأثرها على الأوضاع الإسلامية في تركية، للدكتور: عبد الكريم مشيداني، ص75.
([168]) تاريخ الدولة العثمانية، للدكتور: علي حسون، ص161.
([169]) في أصول التاريخ العثماني، ص211.
([170]) الدولة العثمانية والغزو الفكري، ص365.
([171]) وقد ذكر هذا البحث في كتاب الأقليات المسلمة في العالم، الصادر عن الندوة العالمية للشباب المسلم، مجلد 2، ص403-410، وسننقله بنصّه ما عدا المقدمات غير الضرورية، ومع الاختصار.
([172]) فقرة من ملخص البحث، ص403.
([173]) بناءً على هذا التقدير فسيكون عدد المسلمين في العالم عام 1904م يزيد عن مليار وثلاثمائة مليون مسلم، كما هو المعروف في هذا العام.
([174]) وقد تفككت دول الاتحاد السوفيتي، وبرزت الجمهوريات الإسلامية. أما في روسيا فعدد المسلمين حوالي (50) مليون.
([175]) انظر: الجمهوريات الإسلامية من الظلمات إلى النور، ص40.
([176]) انظر: الجمهوريات الإسلامية، ص182.
([177]) البوسنة والهرسك: حقائق وأرقام، ص13.
([178]) المصدر نفسه، ص179. للأستاذ: خالد الأصدر، من سلسلة دعوة الحق التي تصدر عن رابطة العالم الإسلامي، العدد (166).
([179]) يقدّر عدد المسلمين اليوم بِـ(12) مليون مسلم.
([180]) الوسط، مقابلة مع: نهاد عوض، المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الأمريكية، بتاريخ 15/12/2003م.
([181]) المعلومات، الآفاق العالمية المتحدة، 1990م، ص634-635.
([182]) المصدر السابق، ص635.
([183]) المعلومات، الآفاق العالمية المتحدة، ص636.
([184]) الحياة 17 نيسان / إبريل، 2000م، العدد (13550)، ص1 و6.
([185]) الحياة 25/2.
([186]) الحياة 17/1/2004.
([187]) حقوق الإنسان والسياسة الدولية، لِدافيد. ب. فورسايت، ترجمة: محمد مصطفى غنيم، ص319-327.
([188]) كثير من الدول وقعت على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة، المعتمدة من الأمم المتحدة، بتحفظات على بعض بنودها، بما في ذلك سورية، كما ورد في صحيفة تشرين 6/12/2003م، المرسوم رقم (330): " رئيس الجمهورية وبناءً على أحكام الدستور يرسم ما يلي: المادة (1) يصدق على انضمام سورية إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة، المعتمدة من قِبل الجمعية العامّة للأمم المتحدة بموجب قرارها رقم 34/180، المؤرّخ في 28/2/1979م، وذلك مع التحفظ على المادة (2) والمادة (9) الفقرة الثانية بمنح الأطفال جنسية المرأة، والمادة (15) الفقرة الرابعة بحرية التنقل والسكن، والمادة (16) البند الأول الفقرات: ج. ذ. و. ز. والمتعلقة بالمساواة في الحقوق، والمادة (16) البند الثاني حول الأثر القانوني لخطوبة الطفل أو زواجه؛ لتعارضهما مع أحكام الشريعة الإسلامية، وكذلك على المادة (29) الفقرة الأولى المتعلقة بالتحكيم بين الدول في حالة حصول تنازع بينها. المادة (2) ينشر هذا المرسوم في الجريدة الرسمية، دمشق، في 19/7/1423هـ - 25/9/2002م.
([189]) والتي نشأ عنها الوثيقة الآنفة الذكر، والتي تبنتها الأمم المتحدة عام 1967م، ودعت الدول للتوقيع عليها.
([190]) من مقدمة الأستاذ عمر عيد............ لكتاب وثيقة مؤتمر السكان والتنمية، للدكتور الحسيني، ص18.
([191]) المصدر نفسه، ص17-18.
([192]) المصدر نفسه، ص12، بتصرف.
([193]) أخذ البحث باختصار شديد من كتاب: تركيبة المجتمع السوري، للأستاذ: محمد المبارك
- رحمه الله -، ص30-47.
([194]) أخذت باختصار عن كتاب: تركيبة المجتمع السوري، للأستاذ: محمد المبارك، مع تعديل طفيف في العقائد والمفاهيم التي لم تكن معروفة في أيّامه - رحمه الله -.
([195]) أخذ البحث باختصار من كتاب: تركيبة المجتمع السوري، للأستاذ: محمد المبارك، ص69-79.
([196]) فتوح البلدان، للبلاذري، ص128.
([197]) يكفرون: التكفير والتقليس هو: وضع اليدين على الصدر، والانحناء خضوعاً واستكانة.
([198]) المقلسون: الذين يلعبون بين يدي الأمير إذا دخل البلد.
([199]) المصدر نفسه، ص137.
([200]) المصدر نفسه، ص137.
([201]) المصدر نفسه، ص139.
([202]) المصدر نفسه، ص152-153.
([203]) المصدر نفسه، ص142.
([204]) المصدر نفسه، ص143.
([205]) حضارة العرب، لِغوستاف لوبون، ص152.
([206]) المصدر نفسه، ص335.
([207]) صحوة الرجل المريض، للدكتور: موفق نبي المرجة، ص168.
([208]) المصدر نفسه، ص168-169.
([209]) المصدر نفسه، موادّ موزعة في الصفحات 438-440.
([210]) الوثائق التاريخية المتعلقة بالقضية السورية، لرئيس وزراء سوريا الأسبق (حسن الحكيم)، ص195-196.
([211]) المصدر نفسه، ص253.
([212]) المصدر نفسه، ص254-255.
([213]) المصدر نفسه، ص257.
([214]) الوثائق التاريخية، لِحسن الحكيم.
([215])....................؟.؟.؟.
([216])....................؟.؟.؟.
([217]) تركيبة المجتمع السوري، للأستاذ: محمد المبارك، ص71-72.
([218]) المصدر نفسه، ص77-78.
([219]) المصدر نفسه، ص34.
([220]) المصدر نفسه، ص41 و43.
([221]) من خطاب السباعي في الجلسة الرابعة للجمعية التأسيسية بتاريخ 17 كانون أول 1949م.
([222]) مصطفى السباعي: الداعية المجدد، للدكتور: عدنان زرزور، ص295.
([223]) كتاب البعث، د. سامي الجندي، ص39-40، طبعة بيروت، 1969م.
([224]) ينظر: حزب البعث، مطاع الصفدي، ص341.
([225]) التجربة المرة، د. منيف الرزاز، ص159، بيروت، 1967م.
([226]) هؤلاء حكموا سوريا، د. سليمان المدني، ص149.
([227]) المصدر نفسه، ص151.
([228]) الانقلابات العسكرية في سورية، محمد أبو عزة، ص386.
([229]) الانقلابات العسكرية في سورية، محمد أبو عزة، ص389.
([230]) ينظر: الانقلابات العسكرية في سوريا، محمد أبو عزة، ص406.
([231]) المرجع السابق، ص604.
([232]) المصدر نفسه، ص410-411، وهؤلاء حكموا سورية، ص151.
([233]) ينظر: التجربة المرة، منيف الرزاز، ص87، والبعث، لسامي الجندي، ص85، ومقال في مجلة الدعوة المصرية، العدد (72)، بعنوان: سقوط سوريا في براثن الأقليات الطائفية.
([234]) التجربة المرة، ص159.
([235]) الصراع على السلطة في سوريا، د. نيقولاوس فان دام، ص130.
([236]) البعث، لسامي الجندي، ص136.
([237]) الصراع على السلطة في سوريا، طبعة 1995م، ص64.
([238]) حزب البعث العربي الاشتراكي، القطر السوري، المكتب العسكري، مشروع تقرير عن واقع الحزب في التنظيم العسكري، 19/10/1965م.
([239]) الصراع على السلطة في سوريا، ص66، والتجربة المرة، د. منيف الرزاز، ص159، وجريدة النهار، 9 تموز 1963م.
([240]) كتاب حزب البعث، مطاع الصفدي، ص339-340.
([241]) البعث، د. سامي الجندي، ص109-110، والصراع على السلطة في سوريا، د. نيقولاوس
فان دام، ص68.
البحث من منقول من المركز الإعلامي لإخوان سوريا
-------------------------------------------------------------------------------------------------
([1]) الوطنية كائن هلامي، فصل المواطنون الصالحون بدلاً عن الإنسان الصالح / د. عبد العزيز الوهيبي / 156- 158.
([2]) المصدر السابق، فصل تضاد الهويتين / محمد محمود العمر / 82.
([3]) معجم المصطلحات السياسية / 26 / د. أحمد زكي بدوي.
([4]) العاني: الأسير.
([5]) المعاقل: الديات.
([6]) مفرحاً: المثقل بالدين كثير العيال.
([7]) الدسيعة: العظيمة من الظلم.
([8]) يبيء بعضهم على بعض: يرجع بعضهم على بعض بالمعونة.
([9]) السير النبوية لابن هشام / 1 / 501 – 502.
([10]) السيرة النبوية لابن هشام، 502 - 503.
([11]) الاتفاقية الدولية عن حقوق الإنسان والسياسة الدولية / دافيد ب. فورستاين، ملاحق، ص 341.
([12]) مواطنون لا ذميون لـ د. فهمي هويدي / 126.
([13]) المصدر نفسه / 126.
([14]) الدستور السوري عام 1928 مقتطفات من ص 246 – 247 في كتاب فجر الاستقلال في سورية لـ سهيل العشي.
([15]) المصدر نفسه، ص / 2.
([16]) المصدر نفسه، ص / 2.
([17]) المصدر نفسه، ص / 3.
([18]) المصدر نفسه، ص / 9.
([19]) المصدر نفسه، ص / 11.
([20]) دستور الجمهورية العربية السورية / 1973 / ص 2.
([21]) المصدر نفسه / ص 7.
([22]) المصدر نفسه / ص 10.
([23]) الحكم الحزبي في سورية فترة الانتداب الفرنسي / د. سهيلة الريحاوي / ص 305.
([24]) الدستور السوري / ص 40 و13.
([25]) المصدر نفسه / ص 8 – 9.
([26]) المصدر نفسه / ص40.
([27]) مجلة الوطن السعودية – العدد 194، الأربعاء 17 محرم / 1422 الموافق 11 أبريل / 2001.
([28]) مجلة الوطن السعودية، العدد 194، الأربعاء 17 محرم / 1422 الموافق 11 أبريل / 2001.
([29]) الوطن، العدد السابق.
([30]) الوطن، العدد السابق.
([31]) الحياة / الجمعة 12 / 1 / 2001، كانون الثاني.
([32]) فقه الشورى والاستشارة للدكتور توفيق الشاوي / 410 – 412، بتصرف.
([33]) ص 17.
([34]) مواطنون لا ذميون للدكتور فهمي الهويدي / ص 65، 66 بتصرف، نقلاً عن الكتاب الآنف الذكر.
([35]) قاموس الفكر السياسي / ج 2، تأليف مجموعة من المختصين، ترجمة د. أنطون حمصي، منشورات وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية، دمشق / 1994.
([36]) معجم المصطلحات السياسية والدولية / دار الكتاب اللبناني / ص 93.
([37]) البداية والنهاية لابن كثير 4 / 7 / 42، 43.
([38]) سورة النساء / 75.
([39]) الرحيق المختوم للمباركفوري / 378.
([40]) سورة الفتح / 27.
([41]) فجر الاستقلال في سورية / محمد سهيل العشي / 234.
([42]) أُخذ النص عن كتاب الوثائق الرئيسية في قضية فلسطين المجموعة الأولى 1910 – 1946، إصدار الأمانة العامة لجامعة الدول العربية.
([43]) ملاحق فجر الاستقلال في سورية للعشي / 234.
([44]) المعلومات / 1991 / ص 643 / نشر الآفاق العالمية المتحدة.
([45]) فجر الاستقلال في سورية / 246.
([46]) الحكم الحزبي في سورية / 262.
([47]) دستور الجمهورية العربية السورية 1973 / ص 7.
([48]) المصدر نفسه، المادة 8 / ص 2.
([49]) الحكم الحزبي في سورية لسهيلة الريحاوي / 263.
([50]) فجر الاستقلال في سورية للعشي / 146.
([51]) دستور الجمهورية العربية السورية / ص 9.
([52]) المصدر السابق / 1.
([53]) الحكم الحزبي للريحاوي / 266.
([54]) دستور الجمهورية العربية السورية 1973 / ص 13.
([55]) المصدر السابق / ص 1.
([56]) سورة النساء / الآيات 60 – 63.
([57]) في ظلال القرآن 2 / 5 / 695.
([58]) سورة النساء / الآية 65.
([59]) سورة النساء / الآيات 66- 68.
([60]) سورة آل عمران / 195.
([61]) الحزورة: قال البكري موضع بمكة يلي البيت.. فلما زيد في المسجد الحرام دخل فيه.
([62]) سبل الهدى والرشاد للصالحي 3/ 333، وهو من الأحاديث الصحاح.
([63]) فخ: موضع خارج مكة.
([64]) الإذخر: نبات طيب الرائحة ينبت حول مكة.
([65]) جليل: النمام.
([66]) مجنة: سوق للعرب في الجاهلية وهي بأسفل مكة.
([67]) شامة وطفيل: جبلان في مدخل مكة.
([68]) السيرة النبوية لابن هشام 13/ 589.
([69]) صحيح مسلم / ح 11365 / ص 538، بيت الأفكار الدولية.
([70]) أخرجه أحمد 3 / 483 والنسائي 6 / 21.
([71]) كفاية الأخبار للحصين الشافعي الدمشقي 2 / 128.
([72]) صحيح مسلم / ح 2 و3 – 1731 / ص 720.
([73]) صحيح البخاري / ح 4110 / ص 781.
([74]) سورة التوبة / 29.
([75]) تفسير ابن كثير 2 / 382، 383.
([76]) في ظلال القرآن 3 / 1633 – 1634 بتصرف لسيد قطب.
([77]) المغازي للواقدي 2 / 711.
([78]) الخارص: هو الذي يحزر ويقدِّر ما على النخل من ثمر.
([79]) المصدر السابق / 1031، ومعنى كفَّر: أي أحنى رأسه كالتسليم عند المسلمين.
([80]) المصدر نفسه / 102.
([81]) الطبقات الكبرى لابن سعد 1 / 266.
([82]) المصدر السابق / 266.
([83]) أبو داود / 3052.
([84]) المصدر نفسه.
([85]) البخاري / ح 3166 عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، ص 709.
([86]) فتوح البلدان للبلاذري / 128.
([87]) المصدر نفسه / 130.
([88]) تاريخ الطبري 2 / 449.
([89]) تاريخ الطبري 2 / 449.
([90]) فتوح مصر وأخبارها لابن عبد الحكم / 68.
([91]) تاريخ الطبري / 2 / 436.
([92]) المصدر نفسه / 436.
([93]) وزير التفويض هو الذي يقوم مقام الخليفة فكما عرَّفها الماوردي: فأما وزارة التفويض فهو أن يستوزر الإمام من يفوض إليه تدبير الأمور برأيه وإمضائها على اجتهاده، وهو بمثابة رئيس الوزراء في الدولة البرلمانية.
([94]) الأحكام السلطانية للماوردي / 27، 28.
([95]) تفسير المنار لمحمد رشيد رضا 10 / 295 – 297، والطراء: الغرباء، والتناء: المقيمون.
([96]) مواطنون لا ذميون للدكتور فهيم هويدي (مع التحفظ على العنوان) 154، 155.
([97]) البداية والنهاية لابن كثير / 5 / 9 / 197.
([98]) عمرو بن العاص لـ عبد الخالق سيد أبو رابية / 351، 352 بتصرف.
([99]) الطبري 2 / 425.
([100]) فتوح البلدان للبُلاذري / 185، 186.
([101]) مواطنون لا ذميون للدكتور فهيم هويدي / 69 – 71 بتصرف.
([102]) مواطنون لا ذميون للدكتور هويدي / 64، 65، عن الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري لآدم ميتز.
([103]) حاضر العالم الإسلامي للأمير شكيب أرسلان، 2 / ج / 2 / 210.
([104]) زاد المعاد 3 / 158، 159.
([105]) زاد المعاد في هدي خير العباد للإمام ابن القيم 3 / 159، 160.
([106]) صحيح مسلم 2 / ح 1731 عن بريدة بن الخصيب الأسلمي ص 720 (بيت الأفكار الدولية).
([107]) الأحكام السلطانية للماوردي / 60.
([108]) المبسوط للسرخسي 2 / 28.
([109]) السير الكبير وشرحه لمحمد بن حسن الشيباني 1 / 251.
([110]) السير الكبير للشيباني 1 / 249 – 250.
([111]) حاشية البجيرمي 4 / 220.
([112]) الأحكام السلطانية للماوردي مقتطفات / 137- 138.
([113]) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2 / 188.
([114]) المعتمد في أصول الدين لأبي يعلى / 267.
([115]) كشاف القناع 3 / 43.
([116]) المحلى لابن حزم 13 / 140.
([117]) الفتاوى 18 / 282.
([118]) الفتاوى 28 / 240.
([119]) مختصر اختلاف العلماء للطحاوي 3 / 469 – 471، مقتطفات.
([120]) روضة الطالبين 5 / 433 ونهاية المحتاج / 8 / 454.
([121]) المعتمد في أصول الدين لأبي يعلى / 276.
([122]) مختصر اختلاف العلماء للطحاوي 3 / 469.
([123]) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2 / 188.
([124]) الأحكام السلطانية للماوردي، مقتطفات / 49 – 51.
([125]) الأحكام السلطانية لأبي يعلى الفراء الحنبلي / 47، 48.
([126]) المصدر السابق.
([127]) كتاب السير الكبير وشرحه لمحمد بن حسن الشيباني 5 / 1689 – 1691، مقتطفات.
([128]) بلغة السالك لأقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك 1 / 370.
([129]) السير الكبير / 1692- 1697، مقتطفات.
([130]) الأم: للشافعي ج 3 / 188.
([131]) أسهل المدارك 2/ 18.
([132]) خاصة بعد ظهور وسائل الإعلام العالمية والقنوات الفضائية التي تتيح عرض الإسلام لجميع الدول والناس في الأرض.
([133]) الأم ج 4 / 155 وشرح فتح القدير ومعه شرح العناية / جـ 5 / 455 وغيرها.
([134]) سورة محمد / الآية 35.
([135]) أسهل المدارك / ج 2 / 18.
([136]) فقه الكتاب والسنة / ج 3 / 1367، 1368 للدكتور أمير عبد العزيز.
([137]) أفحكم الجاهلية يبغون.
([138]) في ظلال القرآن لسيد قطب 2 / 6 / 904.
([139]) المصدر نفسه 2 / 5 / 744 – 745.
([140]) رسائل الإمام الشهيد / 268 تحت عنوان حق الإسلام.
([141]) من فقه الدولة في الإسلام، د. يوسف القرضاوي / 32.
([142]) مجموعة بجوث فقهية مختارة للدكتور عبد الكريم زيدان / 50 – 51، هذا ويمثل الفقهاء الستة المذكورون فكر الإخوان المسلمين الذي يعتبر سيادة شريعة الإسلام الميزان في دار الحرب ودار الإسلام.
([143]) الجهاد والقتال في السياسة الشرعية 1 / 669 – 671، للدكتور محمد خير هيكل.
([144]) السياسة الشرعية / الشيخ عبد الوهاب خلاف / 69.
([145]) الشخصية الإسلامية / تقي الدين النبهاني ج 2 / 215- 216.
([146]) آثار الحرب / الدكتور وهبة الزحيلي / 155.
([147]) هكذا فلندع للإسلام / الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي.
([148]) المعلوماتية / الآفاق العالمية المتحدة / 1991 / ص 634.
([149]) اخترنا هذا الدستور لأنه أول دستور بعد استقلال سورية عن الدولة العثمانية عام 1918.
([150]) الحكم الحزبي في سوريا أمام العهد الفيصلي 1918 – 1920، للدكتورة سهيلة الريحاوي / ص 262، ملاحق.
([151]) وهو دستور عام 1928.
([152]) فجر الاستقلال في سورية / محمد سهيل العشي / ص 246، ملاحق.
([153]) سورة الحج / 39، 40.
([154]) سورة الحج / الآية 41.
([155]) فتوح مصر، لابن عبد الحكم، ص70-71.
([156]) المصدر نفسه.
([157]) حضارة العرب، لفوستاف لويون، ت: عادل زعيتر، ص605.
([158]) المصدر نفسه، ص570.
([159]) عمرو بن العاص، لعبد الخالق سيد أبي رابية، ص249 وما بعدها، أخذاً من مراجعة فتح مصر.............. وحسن المحاضرة لسيوطي، والخطط، للمقريزي، وكتاب الجناح، لأبي صالح الأرمني، وسايرويس الكتاب الأول.
([160]) حضارة العرب، لِلوبون، ص327.
([161]) المصدر نفسه، ص328-329، باختصار.
([162]) حضارة العرب، لِلوبون، ص370-372، باختصار.
([163]) الدولة العثمانية والغزو الفكري، للدكتور: خلف الوذيناني، ص339-340.
([164]) الشعوب الإسلامية، لعبد العزيز نوار، ص193.
([165]) الدولة العثمانية والغزو الفكري، للدكتور: خلف الوذيناني، ص339-340.
([166]) تاريخ الدولة الإسلامية، لعلي حسون، ص152.
([167]) العلمانية وأثرها على الأوضاع الإسلامية في تركية، للدكتور: عبد الكريم مشيداني، ص75.
([168]) تاريخ الدولة العثمانية، للدكتور: علي حسون، ص161.
([169]) في أصول التاريخ العثماني، ص211.
([170]) الدولة العثمانية والغزو الفكري، ص365.
([171]) وقد ذكر هذا البحث في كتاب الأقليات المسلمة في العالم، الصادر عن الندوة العالمية للشباب المسلم، مجلد 2، ص403-410، وسننقله بنصّه ما عدا المقدمات غير الضرورية، ومع الاختصار.
([172]) فقرة من ملخص البحث، ص403.
([173]) بناءً على هذا التقدير فسيكون عدد المسلمين في العالم عام 1904م يزيد عن مليار وثلاثمائة مليون مسلم، كما هو المعروف في هذا العام.
([174]) وقد تفككت دول الاتحاد السوفيتي، وبرزت الجمهوريات الإسلامية. أما في روسيا فعدد المسلمين حوالي (50) مليون.
([175]) انظر: الجمهوريات الإسلامية من الظلمات إلى النور، ص40.
([176]) انظر: الجمهوريات الإسلامية، ص182.
([177]) البوسنة والهرسك: حقائق وأرقام، ص13.
([178]) المصدر نفسه، ص179. للأستاذ: خالد الأصدر، من سلسلة دعوة الحق التي تصدر عن رابطة العالم الإسلامي، العدد (166).
([179]) يقدّر عدد المسلمين اليوم بِـ(12) مليون مسلم.
([180]) الوسط، مقابلة مع: نهاد عوض، المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الأمريكية، بتاريخ 15/12/2003م.
([181]) المعلومات، الآفاق العالمية المتحدة، 1990م، ص634-635.
([182]) المصدر السابق، ص635.
([183]) المعلومات، الآفاق العالمية المتحدة، ص636.
([184]) الحياة 17 نيسان / إبريل، 2000م، العدد (13550)، ص1 و6.
([185]) الحياة 25/2.
([186]) الحياة 17/1/2004.
([187]) حقوق الإنسان والسياسة الدولية، لِدافيد. ب. فورسايت، ترجمة: محمد مصطفى غنيم، ص319-327.
([188]) كثير من الدول وقعت على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة، المعتمدة من الأمم المتحدة، بتحفظات على بعض بنودها، بما في ذلك سورية، كما ورد في صحيفة تشرين 6/12/2003م، المرسوم رقم (330): " رئيس الجمهورية وبناءً على أحكام الدستور يرسم ما يلي: المادة (1) يصدق على انضمام سورية إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة، المعتمدة من قِبل الجمعية العامّة للأمم المتحدة بموجب قرارها رقم 34/180، المؤرّخ في 28/2/1979م، وذلك مع التحفظ على المادة (2) والمادة (9) الفقرة الثانية بمنح الأطفال جنسية المرأة، والمادة (15) الفقرة الرابعة بحرية التنقل والسكن، والمادة (16) البند الأول الفقرات: ج. ذ. و. ز. والمتعلقة بالمساواة في الحقوق، والمادة (16) البند الثاني حول الأثر القانوني لخطوبة الطفل أو زواجه؛ لتعارضهما مع أحكام الشريعة الإسلامية، وكذلك على المادة (29) الفقرة الأولى المتعلقة بالتحكيم بين الدول في حالة حصول تنازع بينها. المادة (2) ينشر هذا المرسوم في الجريدة الرسمية، دمشق، في 19/7/1423هـ - 25/9/2002م.
([189]) والتي نشأ عنها الوثيقة الآنفة الذكر، والتي تبنتها الأمم المتحدة عام 1967م، ودعت الدول للتوقيع عليها.
([190]) من مقدمة الأستاذ عمر عيد............ لكتاب وثيقة مؤتمر السكان والتنمية، للدكتور الحسيني، ص18.
([191]) المصدر نفسه، ص17-18.
([192]) المصدر نفسه، ص12، بتصرف.
([193]) أخذ البحث باختصار شديد من كتاب: تركيبة المجتمع السوري، للأستاذ: محمد المبارك
- رحمه الله -، ص30-47.
([194]) أخذت باختصار عن كتاب: تركيبة المجتمع السوري، للأستاذ: محمد المبارك، مع تعديل طفيف في العقائد والمفاهيم التي لم تكن معروفة في أيّامه - رحمه الله -.
([195]) أخذ البحث باختصار من كتاب: تركيبة المجتمع السوري، للأستاذ: محمد المبارك، ص69-79.
([196]) فتوح البلدان، للبلاذري، ص128.
([197]) يكفرون: التكفير والتقليس هو: وضع اليدين على الصدر، والانحناء خضوعاً واستكانة.
([198]) المقلسون: الذين يلعبون بين يدي الأمير إذا دخل البلد.
([199]) المصدر نفسه، ص137.
([200]) المصدر نفسه، ص137.
([201]) المصدر نفسه، ص139.
([202]) المصدر نفسه، ص152-153.
([203]) المصدر نفسه، ص142.
([204]) المصدر نفسه، ص143.
([205]) حضارة العرب، لِغوستاف لوبون، ص152.
([206]) المصدر نفسه، ص335.
([207]) صحوة الرجل المريض، للدكتور: موفق نبي المرجة، ص168.
([208]) المصدر نفسه، ص168-169.
([209]) المصدر نفسه، موادّ موزعة في الصفحات 438-440.
([210]) الوثائق التاريخية المتعلقة بالقضية السورية، لرئيس وزراء سوريا الأسبق (حسن الحكيم)، ص195-196.
([211]) المصدر نفسه، ص253.
([212]) المصدر نفسه، ص254-255.
([213]) المصدر نفسه، ص257.
([214]) الوثائق التاريخية، لِحسن الحكيم.
([215])....................؟.؟.؟.
([216])....................؟.؟.؟.
([217]) تركيبة المجتمع السوري، للأستاذ: محمد المبارك، ص71-72.
([218]) المصدر نفسه، ص77-78.
([219]) المصدر نفسه، ص34.
([220]) المصدر نفسه، ص41 و43.
([221]) من خطاب السباعي في الجلسة الرابعة للجمعية التأسيسية بتاريخ 17 كانون أول 1949م.
([222]) مصطفى السباعي: الداعية المجدد، للدكتور: عدنان زرزور، ص295.
([223]) كتاب البعث، د. سامي الجندي، ص39-40، طبعة بيروت، 1969م.
([224]) ينظر: حزب البعث، مطاع الصفدي، ص341.
([225]) التجربة المرة، د. منيف الرزاز، ص159، بيروت، 1967م.
([226]) هؤلاء حكموا سوريا، د. سليمان المدني، ص149.
([227]) المصدر نفسه، ص151.
([228]) الانقلابات العسكرية في سورية، محمد أبو عزة، ص386.
([229]) الانقلابات العسكرية في سورية، محمد أبو عزة، ص389.
([230]) ينظر: الانقلابات العسكرية في سوريا، محمد أبو عزة، ص406.
([231]) المرجع السابق، ص604.
([232]) المصدر نفسه، ص410-411، وهؤلاء حكموا سورية، ص151.
([233]) ينظر: التجربة المرة، منيف الرزاز، ص87، والبعث، لسامي الجندي، ص85، ومقال في مجلة الدعوة المصرية، العدد (72)، بعنوان: سقوط سوريا في براثن الأقليات الطائفية.
([234]) التجربة المرة، ص159.
([235]) الصراع على السلطة في سوريا، د. نيقولاوس فان دام، ص130.
([236]) البعث، لسامي الجندي، ص136.
([237]) الصراع على السلطة في سوريا، طبعة 1995م، ص64.
([238]) حزب البعث العربي الاشتراكي، القطر السوري، المكتب العسكري، مشروع تقرير عن واقع الحزب في التنظيم العسكري، 19/10/1965م.
([239]) الصراع على السلطة في سوريا، ص66، والتجربة المرة، د. منيف الرزاز، ص159، وجريدة النهار، 9 تموز 1963م.
([240]) كتاب حزب البعث، مطاع الصفدي، ص339-340.
([241]) البعث، د. سامي الجندي، ص109-110، والصراع على السلطة في سوريا، د. نيقولاوس
فان دام، ص68.
البحث من منقول من المركز الإعلامي لإخوان سوريا
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
مواضيع مماثلة
» الوطن والمواطنة (المبحث الأول)
» الوطن والمواطنة (المبحث الثاني)
» الوطن والمواطنة (المبحث الثالث)
» الوطن والمواطنة (المبحث الرابع)
» الديمقراطية و الحكم (المبحث الرابع+الحاشية)
» الوطن والمواطنة (المبحث الثاني)
» الوطن والمواطنة (المبحث الثالث)
» الوطن والمواطنة (المبحث الرابع)
» الديمقراطية و الحكم (المبحث الرابع+الحاشية)
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى