الديمقراطية و الحكم (المبحث الرابع+الحاشية)
صفحة 1 من اصل 1
الديمقراطية و الحكم (المبحث الرابع+الحاشية)
المبحث الرابع: المشاركة في النظام الديمقراطي
المشاركة في الحكم
مخطط البحث
أولاً- المقدمة
ثانياً- المانعون من المشاركة:
آ - رأي الحركات المتطرفة.
ب - تغير في المواقف.
جـ- رأي الأستاذ محمد قطب.
د - حوار مع الأستاذ محمد قطب:
1- المزلق العقيدي.
2- الموقف السياسي.
3- لعبة الدبلوماسية.
ثالثاً- المشاركة في وزارة تنفيذية:
آ - رأي المانعين: (نموذج: د. محمد عبد القادر أبو فارس)
ب- رأي المؤيدين: (نماذج: الغنوشي، مولوي، القرضاوي).
رابعاً- ردود ومناقشات وترجيح:
آ - الاستشهاد بقصة يوسف عليه السلام:
1- تفسير القرطبي.
2- من الحق إلى الواجب.
3- سيد قطب مع هذا الرأي.
ب - فتوى العز بن عبد السلام.
جـ- فتوى ابن تيمية.
خامساً- شروط المشاركة في الحكم
سادساً: أهداف المشاركة في الحكم:
آ - إقامة الدولة المسلمة.
ب - انتشار الفكر الإسلامي.
جـ- الاتصال المباشر بالشعب.
د - اكتساب الخبرات.
هـ- المشاركة في صنع القرار السياسي.
و- تقديم نماذج القدوة.
سابعاً- رأي التنظيم العالمي في المشاركة في الحكم
ثامناً- تجربة المشاركة الإسلامية في سورية
تاسعاً- المشاركة الفردية
عاشراً- ملخص البحث
***********************************************************************************
المشاركة في الحكم
أولاً- مقدمة:
المشاركة في الحكم اليوم هي من القضايا الخلافية الكبرى بين العاملين في الحقل الإسلامي السياسي، ومنها المشاركة في الانتخابات النيابية.
ومرد هذا الخلاف إلى أن الحكم بغير ما أنزل الله كفر وفسوق وعصيان، ومعظم الدول القائمة اليوم تحكم بغير ما أنزل الله، وللوهلة الأولى يتبادر إلى الذهن أن المشاركة تدخل تحت هذا الإطار من الكفر والظلم والفسوق، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فمبرر وجود الحركات الإسلامية على الساحة السياسية هو دعوتها إلى تحكيم شريعة الله في الأرض، فإذا شارك أعلام هذه الحركات في حكومات غير إسلامية فقد فقدوا مبرر وجودهم وأضاعوا القضية الأولى التي قاموا عليها وهي تحكيم شريعة الله.
بينما نرى في الطرف الآخر من يطالب ويلح بضرورة المشاركة في الحكومات حتى لا تُترك الساحة للعلمانيين يتحكمون في رقاب الناس، وحتى يظهر للناس نزاهة واستقامة الإسلاميين فتوليهم الأمة ثقتها، خصوصاً حين لا يُفرض على الوزير التقيد بقيد علماني أو عقائدي، أو تكون الوزارات وزارات خدمات ترفع عن كاهل الشعب الكثير من الضيم والظلم وتساهم في حل مشاكل الناس ورفع همومهم وآلامهم، ومن جهة ثانية تقدم المشاركة في الحكم في الأنظمة لقائمة الكثير من الخبرات الواقعية، والتعرف على معاناة الناس وهموم الجماهير، فتجعلهم ألصق بالشارع العادي، وأقدر على حل مشاكل الناس.
إن الأساس في استنباط حكم إسلامي على قضية مستجدة هو فهم الواقع تماماً كما هو وفهم الإسلام كما هو، وتقديم الحل الإسلامي للمعاناة الواقعية، أما البقاء في الأطر النظرية وطرح الكلام العام، الإسلام هو الحل، دون الغوص في التعرف على الواقع ومشكلاته هو ضرب من الوهم لا يؤهل الحركة الإسلامية لتكون هي البديل عن الحركات المعاصرة.
وتبرز هذه القضية، قضية المشاركة في الحكم بشكل حاد هو ينظر إليها من الجانب العقائدي، فتدخل في إطار الحرمة أو إطار التكفير عند من يرون عدم جواز ذلك، بينما ينظر الآخرون إلى هؤلاء العاملين على أنهم متطرفون وأن أفقهم ضيق، ويسيئون للإسلام أكثر مما يحسنون له.
ونحن نرى ابتداءً أن المسألة أخلاقية اجتهادية وسنعرض لحجج الفريقين كاملة في هذا المجال، ونرجح بعدها الرأي المختار للحركة من خلال هذه الحجج سواءً كانت عقدية أو مصلحية، والله نسأل أن يوفقنا إلى الحق.
ثانياً- المانعون للمشاركة:
آ- الحركات المتطرفة:
وبعض العلماء ينظر إليها على أنها أخطر من المشاركة في وزارة تنفيذية، لأن دخول البرلمان دخول تحت القبة التي تشرع بغير ما أنزل الله فتحل الحرام وتحرم الحلال، وهي هيئة واحدة، تخرج القوانين والتشريعات باسمها، وتمثل شرعية النظام الذي لا يجوز الاعتداء عليه، وعلينا أن نعترف بشرعيته وهو يشرع بغير ما أنزل الله.
يقول الدكتور أيمن الظواهري، والذي يمثل فكرة الجماعات الجهادية:
[ إن مسائل الحكم بغير ما أنزل الله والديمقراطية، والموالاة والمعاداة ليست من مسائل الفروع التي يسوغ فيها الاختلاف الفقهي، بل إنها من أصول الإيمان، بل إنها متعلقة بأصل أصول الإيمان وهو عقيدة التوحيد.
أما الحكم: فإما أن تحكم بما أنزل الله فيصدق فعلنا قولنا (لا إله إلا الله)، وإما أن يحكم بغير ما أنزل الله، فتكون قد اتخذت آلهة أخرى من دون الله، إذ الحكم لله وحده، قال تعالى } إن الحكم إلا لله { ([138])، وقال تعالى } ولا يشرك بعبادة ربه أحدا { ([139]).
وأما الديمقراطية: فإما أن يكون التشريع لله وحده، وإليه سبحانه الرد عند التنازع فيصدق فعلنا قولنا (لا إله إلا الله) وإما أن يعطى حق التشريع لغير الله، للشعب ونوابه، ويكون إليهم الرد عند التنازع، وهذا اتخاذ الآلهة والأنداد والشركاء من دون الله، قال تعالى } أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله {([140]).
الموالاة: فلا تجتمع موالاة أعداء الله الكافرين ومحبتهم والثناء عليهم ومدح مذاهبهم الفكرية كالدستور والقانون والديمقراطية، لا يجتمع هذا مع الإيمان أبداً، قال تعالى: } ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون، ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي، وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء، ولكن كثيراً منهم فاسقون { ([141]) ] ([142]).
ب- تغير في المواقف:
لكننا لن نقف طويلاً عند أفكار (الجهاد، والجماعة الإسلامية) التي ذكرها الدكتور الظواهري أحد أقطاب جماعة (الجهاد) لأن تطوراً هاماً حدث لهاتين الجماعتين وذلك في إعلان الكثير من قياداتهما نبذ العنف، وتأسيس حزب سياسي يؤمن بالحوار والتداول السلمي للسلطة والعمل من خلال الأجواء الديمقراطية.
فالحزب الذي يمثل (الجماعة الإسلامية) يشرح أبعاده ممدوح اسماعيل المحامي ووكيل مؤسسي (حزب الشريعة) قائلاً: (أما الأسباب الحقيقية التي دعت لتأسيس هذا الحزب فهي – كما يؤكد للمجتمع – وقوع الدولة المصرية في أزمة بشأن كيفية التعامل مع الجماعات الإسلامية منذ مبادرة وقف العنف التي أعلنها القادة، الأمر الذي استدعى إيجاد قناة شرعية علنية تعبر عن الحركة الإسلامية بوضوح، وبطريقة حضارية بحيث تكون البديل السلمي للتعبير عن آراء الجماعة) ([143]).
والحزب الذي يمثل جماعة (الجهاد) هو حزب (الإصلاح) الذي يشرح مبادئه المؤسس الثاني، الصحفي كمال حبيب، والذي حكم عليه بالسجن 10 سنوات في قضية اغتيال السادات (والذي أصدر وثيقة فكرية باسم (البيان الإسلامي الجدي) تشرح أسباب التحول من العنف للعمل السياسي أن مشروع الإصلاح خضع لمناقشات كثيرة وموسعة مع رموز الحركة الإسلامية، ويضيف أن مشروع الحزب قابل للتطوير والتصحيح وأن نفي قادة الحركة الإسلامية في السجون صلتهم به لا يعني أنهم ضده وهو ما أكدوه بأنفسهم)([144]).
وبرنامج (حزب الشريعة) ينص على التحول عن فكرة العنف والتأكيد عن إيمانه بالتعددية السياسية، وحق الآخرين في تكوين أحزاب مشيراً إلى أن اختلاف الرأي سنة من سنن الخلق.. ومن الجديد على فكر الحركة والذي تضمنه برنامج الحزب، الإيمان بحرية الاعتقاد على أساس مبدأ (لا إكراه في الدين)، كما ينص المبدأ الثالث على إعادة الاعتبار لدور الأمة والوحدة الوطنية بين عناصرها، وقال البرنامج (انطلاقاً من إيماننا الإسلامي الصحيح بحرية الاعتقاد الديني، وحتمية الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين في مصر، وغيرها من البلاد العربية، فإننا ننطلق من هذا المعنى لأن الإسلام قدم خبرة تاريخية متميزة في حماية الأقليات والدفاع عنهم، وفي إدماجهم داخل السياق الحضاري العام، فأصبحوا بذلك جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والسياسي للأمة) وشدد البرنامج على أن التطبيق الصحيح للشريعة الإسلامية يضمن حقوقاً كاملة للنصارى في مصر، وبل ويصونها تماماً) ([145]).
جـ- رأي الأستاذ محمد قطب:
إنما الذي نقف معه ملياً هو ما كتبه الأستاذ محمد قطب في كتابه (واقعنا المعاصر)، وهو أقوى ما كتب في تبني فكرة حرمة دخول البرلمانات، يقول حفظه الله:
[ كذلك نناقش الشيوخ المتعجلين الذين يظنون أنهم يحركون العمل الإسلامي بولوج هذا الطريق غير المسدود، ويصلون عن طريقه إلى تحقيق الأمل المنشود، نقول لهم نفس الشيء إن استخدم هذا الطريق (دخول البرلمانات والانتخابات وإعلان صوت الإسلام من هناك ما دام لا يمسح بإعلانه من غير هذا الطريق) عبث لا يؤدي إلى نتيجة قبل تكوُّن (القاعدة المسلمة) ذات الحجم المعقول، ولنفرض جدلاً أننا توصلنا إلى تشكيل برلمان مسلم مائة في المائة، كل أعضائه يطالبون بتحكيم شريعة الله، فماذا يستطيع هذا البرلمان أن يصنع بدون (القاعدة المسلمة) التي تسند قيام الحكم الإسلامي، ثم تسند استمراره في الوجود بعد قيامه؟
انقلاب عسكر يحل البرلمان ويقبض على أعضائه فيودعهم السجون والمعتقلات وينتهي كل شيء في لحظات، إنه تفكير ساذج رغم كل ما يقدم له من المبررات، وفوق ذلك فهو يحتوي على مزالق خطيرة تصيب الدعوة في الصميم، وتعوقها كثيراً على الرغم مما يبدو – لأول وهلة – من أنها تمكن لها في التربة وتجل لها الخطوات.
1- المزلق الأول: هو المزلق العقيدي: فكيف يجوز للمسلم الذي يأمره دينه بالتحاكم إلى شريعة الله وحدها دون سواها، والذي يقول له دينه إن كل حكم غير حكم الله هو حكم جاهلي، لا يجوز قبوله ولا الرضى عنه ولا المشاركة فيه، كيف يجوز له أن يشارك في المجلس الذي يشرع بغير ما أنزل الله، ويعلن بسلوكه العملي – في كل مناسبة أنه التحاكم إلى شريعة الله.
كيف يجوز له أن يشارك فيه، فضلاً عن أن يقسم يمين الولاء له، ويتعهد بالمحافظة عليه وعلى الدستور الذي ينبثق منه والله يقول سبحانه:
} وقد نزِّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها، ويُستهزأ بها، فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره، إنكم إذا مثلهم { ([146]).
وهؤلاء حديثهم الدائم هو مخالفة شريعة الله، والإعراض عنها، ولا حديث لهم غيره ينتظره المنتظر حتى يخوضوا فيه!... فكيف إذن يقعد معهم؟!
كل ما يُقال من مبررات: أننا نسمعهم صوت الإسلام... أننا نعلن رفضنا المستمر للتشريع بغير ما أنزل الله... أننا نتكلم من المنبر الرسمي فندعو إلى تحكيم شريعة الله، كل ذلك لا يبرر تلك المخالفة العقيدية الواضحة.
يقولون ألم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يذهب إلى قريش في ندوتها ليبلغها كلام الله، بلى! كان يذهب إليهم في ندوتهم لينذرهم.. ولكنه لم يكن يشاركهم في ندوتهم.
ولو أن مسلماً يدعو إلى تحكيم شريعة الله، استطاع أن يذهب إلى ندوة الجاهلية المعاصرة ويُسمح له بالكلام فيها كما كانت تسمح الجاهلية الأولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكان واجباً عليه أن يذهب وأن يبلغ لأنه في هذه الحالة لا يكون (عضواً) في الندوة وإنما هو داعية من خارجها، جاء يدعوها إلى اتباع ما أنزل الله، فلا الندوة تعتبره منها، ولا هو يعتبر نفسه من الندوة.. إنما هو مبلغ جاء يلقي كلمته ثم يمضي...
أما المشاركة في عضوية الندوة بحجة إتاحة الفرصة لتبليغها كلمة الحق، فأمر ليس له سند من دين الله ]([147]).
د- حوار مع الأستاذ محمد قطب:
ونقف مع الفكرة الأولى:
( لنفرض أننا توصلنا إلى تشكيل برلمان مسلم مائة في المائة، كل أعضائه يطالبون بتحكيم شريعة الله، فماذا يستطيع هذا البرلمان أن يصنع بدون (القاعدة المسلمة) التي تسند قيام الحكم الإسلامي، ثم تسند استمراره في الوجود بعد قيامه؟!.
انقلاب عسكري على البرلمان، ويقبض على النواب فيودعهم السجون والمعتقلات، وينتهي كل شيء في لحظات).
نقول لأستاذنا محمد قطب:
إن البرلمان المسلم الذي يطالب كل أعضائه بتحكيم شريعة الله، لا ينبثق إلا عن (القاعدة المسلمة) التي اختارته، والتي مثلت الأكثرية الكبرى في الأمة حتى استطاعت أن توصل هذه النوعيات المسلمة إلى البرلمان وتسيطر عليه، وإلا لما تحقق هذا الأمر، ونتوجه بدورنا بالسؤال نفسه إلى الأستاذ محمد قطب:
إذا تكونت القاعدة المسلمة، ومثلت أكثرية الأمة وأقنعت الأمة بالإسلام وتحكيم شريعة الله، وقامت تحكم بهذه الشريعة، وقام انقلاب عسكري بالقبض على الحاكمين بشريعة الله، وأودعه السجون والمعتقلات وانتهى كل شيء في لحظات، فما العمل آنذاك؟! وهو أدرى الناس بأن الحكام العسكريين لا يحكمون برأي الجماهير، وإنما يحكمون أمتهم بالحديد والنار، ولو تخلوا عن قوتهم لما اختارهم أحد.
إن الذي يجب أن تعمله القاعدة المسلمة حين يقوم الانقلاب بعد تكوينها لأكثرية الأمة هو هو نفسه الذي يجب أن تعمله الأكثرية المسلمة التي اختارت كل أعضاء برلمانها من الذين يعملون لتحكيم شريعة الله، المقاومة للظلم والاستبداد حتى ينتهي، وتعود الحاكمية لله ولشريعته، وإذا كان يقول أنه عند قيام القاعدة المسلمة فلن يكون هناك انقلاب عسكري لأن الجيش جزء من القاعدة المسلمة، يُقال نفس الكلام حين توصل القاعدة المسلمة الدعاة إلى الله ليكونوا أعضاء برلمانها مائة في المائة، فلن يكون الجيش ضد هذه القاعدة، بل يكون جزءاً منها.
ونؤكد أن هذا قد وقع في تاريخ الحركة الإسلامية ثلاث مرات.
مرة في السودان، ومرة في سورية، ومرة في الجزائر؟
ففي السودان، وقبل انقلاب إبراهيم عبود صوَّت مجلس النواب على تحكيم شريعة الله وكان الانقلاب خلال أيام.
وفي سورية في الستينات حين قوي نفوذ الحركة الإسلامية في المجلس النيابي، وكانت تستعد لانتخابات نيابية توصل هذا التيار الغالب إلى البرلمان، قام انقلاب الثامن من آذار عام 1963 لينهي كل الإرادة المسلمة للأمة، وليحكم سورية قرابة أربعين عاماً بقوة الحديد والنار، فقبل الثامن من آذار كانت المدن السورية تتنافس في استقبال زعيم الجماعة آنذاك الأستاذ عصام العطار، حتى ليفتي الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله بجواز الصلاة على ظهور المصلين من شدة الازدحام.
وكانت التجربة الثالثة يوم فازت جبهة الإنقاذ في الجزائر بما ينوف عن ثمانين بالمائة من الأصوات، وصار استلامها وشيكاً، قام الجيش بانقلابه وأودع الجبهة ورجالاتها السجون بما يزيد عن ثلاثين ألفاً من قواعدها وقياداتها.
وتبنت الحل العسكري قرابة سبع سنوات، ثم رأت عدم جدواه، فعادت لتتعامل مع الواقع، وتوقع اتفاق نبذ العنف مع الرئيس بوتفليقة لحل سلمي سياسي، وقبله مع زروال.
هذا هو واقعنا البائس في عالمنا الثالث الذي يحتكم للبندقية لا للإرادة الشعبية، وننتقل إلى الحجة الثانية وهي أخطر الحجج وأقواها، لأنها حديث في التحليل والتحريم ويتناول الجواز وعدمه من وجهة نظر شرعية.
( يقول الأستاذ محمد قطب: المزلق الأول هو المزلق العقيدي.. كيف يجوز للمسلم الذي يأمره دينه بالتحاكم إلى شريعة الله وحدها دون سواها، والذي يقول له دينه إن كل حكم غير حكم الله هو حكم جاهلي، لا يجوز قبوله، ولا الرضى عنه، ولا المشاركة فيه، كيف يجوز له أن يشارك في المجلس الذي يشرع بغير ما أنزل الله، ويعلن بسلوكه العملي في كل مناسبة أنه يرفض التحاكم إلى شريعة الله...
كيف يجوز له أن يُشارك فيه فضلاً عن أن يقسم يمين الولاء له، ويتعهد بالمحافظة عليه، وعلى الدستور الذي ينبثق عنه، والله يقول سبحانه:
} وقد نزِّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يُكفر بها، ويُستهزأ بها، فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره، إنكم إذا مثلهم.. {.
وهؤلاء حديثهم الدائم هو مخالفة شريعة الله، والإعراض عنها، ولا حديث لهم غيره ينتظره المنتظر حتى يخوضوا فيه، فكيف إذن يقعد معهم؟!.
كل ما يُقال من مبررات: إننا نسمعهم صوت الإسلام، إننا نعلن رفضنا المستمر للتشريع بغير ما أنزل الله، إننا نتكلم من المنبر الرسمي، فندعو إلى تحكيم شريعة الله، كل ذلك لا يُبرر تلك المخالفة العقيدية الواضحة).
يقول الأستاذ محمد قطب:
إن هذه الآية مدنية وليست مكية، وهي تتحدث عن واجب المسلمين في ظل الدولة الإسلامية أن لا يكونوا مع المنافقين (الضعفاء) الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، ونعلم أن منهج الأستاذ محمد قطب وأخيه سيد رحمه الله هو أن أوضاعنا اليوم إنما تحكمها الآيات المكية في التعامل مع المشركين، وإلا لكان الجهاد الكفار هو المأمور به الآن بالسلاح حتى لا تكون فتنة، ونحتكم إلى الظلال بيننا وبينه في تفسير هذه الآية:
[ وقد كان بعض المسلمين في المدينة يجلسون في مجالس كبار المنافقين – ذوي النفوذ – وكان وما يزال لهم ذلك النفوذ، وجاء المنهج القرآني ينبه في النفوس تلك الحقيقة، حقيقة أن غشيان هذه المجالس، والسكوت على ما يجري فيها هو أولى مراحل الهزيمة، وأراد أن يجنبهم إياها، ولكن الملابسات في ذلك الحين لم تكن تسمح بأن يأمرهم أمراً بمقاطعة مجالس القوم إطلاقاً، فبدأ يأمرهم بمقاطعتها حين يسمعون آيات الله يُكفر بها، ويُستهزأ بها.. وإلا فهو النفاق، وهو المصير المفزع، مصير المنافقين والكافرين.
} وقد نزل عليكم في كتابه أن إذا سمعتم آيات الله يُكفر بها ويُستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضا في حديث غيره، إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً { ] ([148]).
فسيد رحمه الله يتحدث عن هؤلاء الذين يمضون لمجالس المنافقين بدون هدف ومصانعة لهم وفي ظل الدولة الإسلامية الحاكمة، ولقوة نفوذهم لم تنزل الآيات التي تأمر بالمقاطعة الكاملة، فالاستشهاد إذن هنا في هذه الآية ليس في محله وفي ظلال المجتمع المكي.
نعم الذي يحكم هذه المرحلة قوله تعالى في سورة الأنعام (المكية):
} وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا، فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره، وإما ينسينك الشطيان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين، وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء، ولكن ذكرى لعلهم يتقون { ([149]).
والمطلوب ابتداءً الإعراض، وانتهاءً عدم القعود، حين يكون حديثهم الخوض في آيات الله، لكن إذا كان هناك حديث آخر غير الخوض في آيات الله، كأن يكون الأمر لمصلحة الفريقين أو نقاش عقيدي أو دعوة إلى الله أو حوار فكري، فهذه الحالات لا تحكمها هذه الآية إنما يحكمها ما كنا نشهده من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعوة والحوار مع أعداء الله، حتى ليستمع إلى كل عبثهم وتبجحهم واعتزازهم بعقائدهم، ثم يرد عليهم أفكارهم بأدبه النبوي صلى الله عليه وسلم والحوارات التي كانت تتم بين المصطفى عليه الصلاة والسلام وزعماء قومه حتى ليتجرءوا بقذفه بالجنون والكهانة والرغبة في المال أو الباهة والجنس، أو الطموح إلى الملك أو الطمع في الحكم، لم يكن كل هذا ليمنعه من متابعة الحوار معهم حتى النهاية.
أما إذا كان المجلس معقوداً للخوض في آيات الله دون القدرة على التسديد والتصحيح والدعوة فالأصل الإعراض، وحين يستمرون في ذلك } فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين {.
المشاركة في الحكم
مخطط البحث
أولاً- المقدمة
ثانياً- المانعون من المشاركة:
آ - رأي الحركات المتطرفة.
ب - تغير في المواقف.
جـ- رأي الأستاذ محمد قطب.
د - حوار مع الأستاذ محمد قطب:
1- المزلق العقيدي.
2- الموقف السياسي.
3- لعبة الدبلوماسية.
ثالثاً- المشاركة في وزارة تنفيذية:
آ - رأي المانعين: (نموذج: د. محمد عبد القادر أبو فارس)
ب- رأي المؤيدين: (نماذج: الغنوشي، مولوي، القرضاوي).
رابعاً- ردود ومناقشات وترجيح:
آ - الاستشهاد بقصة يوسف عليه السلام:
1- تفسير القرطبي.
2- من الحق إلى الواجب.
3- سيد قطب مع هذا الرأي.
ب - فتوى العز بن عبد السلام.
جـ- فتوى ابن تيمية.
خامساً- شروط المشاركة في الحكم
سادساً: أهداف المشاركة في الحكم:
آ - إقامة الدولة المسلمة.
ب - انتشار الفكر الإسلامي.
جـ- الاتصال المباشر بالشعب.
د - اكتساب الخبرات.
هـ- المشاركة في صنع القرار السياسي.
و- تقديم نماذج القدوة.
سابعاً- رأي التنظيم العالمي في المشاركة في الحكم
ثامناً- تجربة المشاركة الإسلامية في سورية
تاسعاً- المشاركة الفردية
عاشراً- ملخص البحث
***********************************************************************************
المشاركة في الحكم
أولاً- مقدمة:
المشاركة في الحكم اليوم هي من القضايا الخلافية الكبرى بين العاملين في الحقل الإسلامي السياسي، ومنها المشاركة في الانتخابات النيابية.
ومرد هذا الخلاف إلى أن الحكم بغير ما أنزل الله كفر وفسوق وعصيان، ومعظم الدول القائمة اليوم تحكم بغير ما أنزل الله، وللوهلة الأولى يتبادر إلى الذهن أن المشاركة تدخل تحت هذا الإطار من الكفر والظلم والفسوق، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فمبرر وجود الحركات الإسلامية على الساحة السياسية هو دعوتها إلى تحكيم شريعة الله في الأرض، فإذا شارك أعلام هذه الحركات في حكومات غير إسلامية فقد فقدوا مبرر وجودهم وأضاعوا القضية الأولى التي قاموا عليها وهي تحكيم شريعة الله.
بينما نرى في الطرف الآخر من يطالب ويلح بضرورة المشاركة في الحكومات حتى لا تُترك الساحة للعلمانيين يتحكمون في رقاب الناس، وحتى يظهر للناس نزاهة واستقامة الإسلاميين فتوليهم الأمة ثقتها، خصوصاً حين لا يُفرض على الوزير التقيد بقيد علماني أو عقائدي، أو تكون الوزارات وزارات خدمات ترفع عن كاهل الشعب الكثير من الضيم والظلم وتساهم في حل مشاكل الناس ورفع همومهم وآلامهم، ومن جهة ثانية تقدم المشاركة في الحكم في الأنظمة لقائمة الكثير من الخبرات الواقعية، والتعرف على معاناة الناس وهموم الجماهير، فتجعلهم ألصق بالشارع العادي، وأقدر على حل مشاكل الناس.
إن الأساس في استنباط حكم إسلامي على قضية مستجدة هو فهم الواقع تماماً كما هو وفهم الإسلام كما هو، وتقديم الحل الإسلامي للمعاناة الواقعية، أما البقاء في الأطر النظرية وطرح الكلام العام، الإسلام هو الحل، دون الغوص في التعرف على الواقع ومشكلاته هو ضرب من الوهم لا يؤهل الحركة الإسلامية لتكون هي البديل عن الحركات المعاصرة.
وتبرز هذه القضية، قضية المشاركة في الحكم بشكل حاد هو ينظر إليها من الجانب العقائدي، فتدخل في إطار الحرمة أو إطار التكفير عند من يرون عدم جواز ذلك، بينما ينظر الآخرون إلى هؤلاء العاملين على أنهم متطرفون وأن أفقهم ضيق، ويسيئون للإسلام أكثر مما يحسنون له.
ونحن نرى ابتداءً أن المسألة أخلاقية اجتهادية وسنعرض لحجج الفريقين كاملة في هذا المجال، ونرجح بعدها الرأي المختار للحركة من خلال هذه الحجج سواءً كانت عقدية أو مصلحية، والله نسأل أن يوفقنا إلى الحق.
ثانياً- المانعون للمشاركة:
آ- الحركات المتطرفة:
وبعض العلماء ينظر إليها على أنها أخطر من المشاركة في وزارة تنفيذية، لأن دخول البرلمان دخول تحت القبة التي تشرع بغير ما أنزل الله فتحل الحرام وتحرم الحلال، وهي هيئة واحدة، تخرج القوانين والتشريعات باسمها، وتمثل شرعية النظام الذي لا يجوز الاعتداء عليه، وعلينا أن نعترف بشرعيته وهو يشرع بغير ما أنزل الله.
يقول الدكتور أيمن الظواهري، والذي يمثل فكرة الجماعات الجهادية:
[ إن مسائل الحكم بغير ما أنزل الله والديمقراطية، والموالاة والمعاداة ليست من مسائل الفروع التي يسوغ فيها الاختلاف الفقهي، بل إنها من أصول الإيمان، بل إنها متعلقة بأصل أصول الإيمان وهو عقيدة التوحيد.
أما الحكم: فإما أن تحكم بما أنزل الله فيصدق فعلنا قولنا (لا إله إلا الله)، وإما أن يحكم بغير ما أنزل الله، فتكون قد اتخذت آلهة أخرى من دون الله، إذ الحكم لله وحده، قال تعالى } إن الحكم إلا لله { ([138])، وقال تعالى } ولا يشرك بعبادة ربه أحدا { ([139]).
وأما الديمقراطية: فإما أن يكون التشريع لله وحده، وإليه سبحانه الرد عند التنازع فيصدق فعلنا قولنا (لا إله إلا الله) وإما أن يعطى حق التشريع لغير الله، للشعب ونوابه، ويكون إليهم الرد عند التنازع، وهذا اتخاذ الآلهة والأنداد والشركاء من دون الله، قال تعالى } أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله {([140]).
الموالاة: فلا تجتمع موالاة أعداء الله الكافرين ومحبتهم والثناء عليهم ومدح مذاهبهم الفكرية كالدستور والقانون والديمقراطية، لا يجتمع هذا مع الإيمان أبداً، قال تعالى: } ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون، ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي، وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء، ولكن كثيراً منهم فاسقون { ([141]) ] ([142]).
ب- تغير في المواقف:
لكننا لن نقف طويلاً عند أفكار (الجهاد، والجماعة الإسلامية) التي ذكرها الدكتور الظواهري أحد أقطاب جماعة (الجهاد) لأن تطوراً هاماً حدث لهاتين الجماعتين وذلك في إعلان الكثير من قياداتهما نبذ العنف، وتأسيس حزب سياسي يؤمن بالحوار والتداول السلمي للسلطة والعمل من خلال الأجواء الديمقراطية.
فالحزب الذي يمثل (الجماعة الإسلامية) يشرح أبعاده ممدوح اسماعيل المحامي ووكيل مؤسسي (حزب الشريعة) قائلاً: (أما الأسباب الحقيقية التي دعت لتأسيس هذا الحزب فهي – كما يؤكد للمجتمع – وقوع الدولة المصرية في أزمة بشأن كيفية التعامل مع الجماعات الإسلامية منذ مبادرة وقف العنف التي أعلنها القادة، الأمر الذي استدعى إيجاد قناة شرعية علنية تعبر عن الحركة الإسلامية بوضوح، وبطريقة حضارية بحيث تكون البديل السلمي للتعبير عن آراء الجماعة) ([143]).
والحزب الذي يمثل جماعة (الجهاد) هو حزب (الإصلاح) الذي يشرح مبادئه المؤسس الثاني، الصحفي كمال حبيب، والذي حكم عليه بالسجن 10 سنوات في قضية اغتيال السادات (والذي أصدر وثيقة فكرية باسم (البيان الإسلامي الجدي) تشرح أسباب التحول من العنف للعمل السياسي أن مشروع الإصلاح خضع لمناقشات كثيرة وموسعة مع رموز الحركة الإسلامية، ويضيف أن مشروع الحزب قابل للتطوير والتصحيح وأن نفي قادة الحركة الإسلامية في السجون صلتهم به لا يعني أنهم ضده وهو ما أكدوه بأنفسهم)([144]).
وبرنامج (حزب الشريعة) ينص على التحول عن فكرة العنف والتأكيد عن إيمانه بالتعددية السياسية، وحق الآخرين في تكوين أحزاب مشيراً إلى أن اختلاف الرأي سنة من سنن الخلق.. ومن الجديد على فكر الحركة والذي تضمنه برنامج الحزب، الإيمان بحرية الاعتقاد على أساس مبدأ (لا إكراه في الدين)، كما ينص المبدأ الثالث على إعادة الاعتبار لدور الأمة والوحدة الوطنية بين عناصرها، وقال البرنامج (انطلاقاً من إيماننا الإسلامي الصحيح بحرية الاعتقاد الديني، وحتمية الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين في مصر، وغيرها من البلاد العربية، فإننا ننطلق من هذا المعنى لأن الإسلام قدم خبرة تاريخية متميزة في حماية الأقليات والدفاع عنهم، وفي إدماجهم داخل السياق الحضاري العام، فأصبحوا بذلك جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والسياسي للأمة) وشدد البرنامج على أن التطبيق الصحيح للشريعة الإسلامية يضمن حقوقاً كاملة للنصارى في مصر، وبل ويصونها تماماً) ([145]).
جـ- رأي الأستاذ محمد قطب:
إنما الذي نقف معه ملياً هو ما كتبه الأستاذ محمد قطب في كتابه (واقعنا المعاصر)، وهو أقوى ما كتب في تبني فكرة حرمة دخول البرلمانات، يقول حفظه الله:
[ كذلك نناقش الشيوخ المتعجلين الذين يظنون أنهم يحركون العمل الإسلامي بولوج هذا الطريق غير المسدود، ويصلون عن طريقه إلى تحقيق الأمل المنشود، نقول لهم نفس الشيء إن استخدم هذا الطريق (دخول البرلمانات والانتخابات وإعلان صوت الإسلام من هناك ما دام لا يمسح بإعلانه من غير هذا الطريق) عبث لا يؤدي إلى نتيجة قبل تكوُّن (القاعدة المسلمة) ذات الحجم المعقول، ولنفرض جدلاً أننا توصلنا إلى تشكيل برلمان مسلم مائة في المائة، كل أعضائه يطالبون بتحكيم شريعة الله، فماذا يستطيع هذا البرلمان أن يصنع بدون (القاعدة المسلمة) التي تسند قيام الحكم الإسلامي، ثم تسند استمراره في الوجود بعد قيامه؟
انقلاب عسكر يحل البرلمان ويقبض على أعضائه فيودعهم السجون والمعتقلات وينتهي كل شيء في لحظات، إنه تفكير ساذج رغم كل ما يقدم له من المبررات، وفوق ذلك فهو يحتوي على مزالق خطيرة تصيب الدعوة في الصميم، وتعوقها كثيراً على الرغم مما يبدو – لأول وهلة – من أنها تمكن لها في التربة وتجل لها الخطوات.
1- المزلق الأول: هو المزلق العقيدي: فكيف يجوز للمسلم الذي يأمره دينه بالتحاكم إلى شريعة الله وحدها دون سواها، والذي يقول له دينه إن كل حكم غير حكم الله هو حكم جاهلي، لا يجوز قبوله ولا الرضى عنه ولا المشاركة فيه، كيف يجوز له أن يشارك في المجلس الذي يشرع بغير ما أنزل الله، ويعلن بسلوكه العملي – في كل مناسبة أنه التحاكم إلى شريعة الله.
كيف يجوز له أن يشارك فيه، فضلاً عن أن يقسم يمين الولاء له، ويتعهد بالمحافظة عليه وعلى الدستور الذي ينبثق منه والله يقول سبحانه:
} وقد نزِّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها، ويُستهزأ بها، فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره، إنكم إذا مثلهم { ([146]).
وهؤلاء حديثهم الدائم هو مخالفة شريعة الله، والإعراض عنها، ولا حديث لهم غيره ينتظره المنتظر حتى يخوضوا فيه!... فكيف إذن يقعد معهم؟!
كل ما يُقال من مبررات: أننا نسمعهم صوت الإسلام... أننا نعلن رفضنا المستمر للتشريع بغير ما أنزل الله... أننا نتكلم من المنبر الرسمي فندعو إلى تحكيم شريعة الله، كل ذلك لا يبرر تلك المخالفة العقيدية الواضحة.
يقولون ألم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يذهب إلى قريش في ندوتها ليبلغها كلام الله، بلى! كان يذهب إليهم في ندوتهم لينذرهم.. ولكنه لم يكن يشاركهم في ندوتهم.
ولو أن مسلماً يدعو إلى تحكيم شريعة الله، استطاع أن يذهب إلى ندوة الجاهلية المعاصرة ويُسمح له بالكلام فيها كما كانت تسمح الجاهلية الأولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكان واجباً عليه أن يذهب وأن يبلغ لأنه في هذه الحالة لا يكون (عضواً) في الندوة وإنما هو داعية من خارجها، جاء يدعوها إلى اتباع ما أنزل الله، فلا الندوة تعتبره منها، ولا هو يعتبر نفسه من الندوة.. إنما هو مبلغ جاء يلقي كلمته ثم يمضي...
أما المشاركة في عضوية الندوة بحجة إتاحة الفرصة لتبليغها كلمة الحق، فأمر ليس له سند من دين الله ]([147]).
د- حوار مع الأستاذ محمد قطب:
ونقف مع الفكرة الأولى:
( لنفرض أننا توصلنا إلى تشكيل برلمان مسلم مائة في المائة، كل أعضائه يطالبون بتحكيم شريعة الله، فماذا يستطيع هذا البرلمان أن يصنع بدون (القاعدة المسلمة) التي تسند قيام الحكم الإسلامي، ثم تسند استمراره في الوجود بعد قيامه؟!.
انقلاب عسكري على البرلمان، ويقبض على النواب فيودعهم السجون والمعتقلات، وينتهي كل شيء في لحظات).
نقول لأستاذنا محمد قطب:
إن البرلمان المسلم الذي يطالب كل أعضائه بتحكيم شريعة الله، لا ينبثق إلا عن (القاعدة المسلمة) التي اختارته، والتي مثلت الأكثرية الكبرى في الأمة حتى استطاعت أن توصل هذه النوعيات المسلمة إلى البرلمان وتسيطر عليه، وإلا لما تحقق هذا الأمر، ونتوجه بدورنا بالسؤال نفسه إلى الأستاذ محمد قطب:
إذا تكونت القاعدة المسلمة، ومثلت أكثرية الأمة وأقنعت الأمة بالإسلام وتحكيم شريعة الله، وقامت تحكم بهذه الشريعة، وقام انقلاب عسكري بالقبض على الحاكمين بشريعة الله، وأودعه السجون والمعتقلات وانتهى كل شيء في لحظات، فما العمل آنذاك؟! وهو أدرى الناس بأن الحكام العسكريين لا يحكمون برأي الجماهير، وإنما يحكمون أمتهم بالحديد والنار، ولو تخلوا عن قوتهم لما اختارهم أحد.
إن الذي يجب أن تعمله القاعدة المسلمة حين يقوم الانقلاب بعد تكوينها لأكثرية الأمة هو هو نفسه الذي يجب أن تعمله الأكثرية المسلمة التي اختارت كل أعضاء برلمانها من الذين يعملون لتحكيم شريعة الله، المقاومة للظلم والاستبداد حتى ينتهي، وتعود الحاكمية لله ولشريعته، وإذا كان يقول أنه عند قيام القاعدة المسلمة فلن يكون هناك انقلاب عسكري لأن الجيش جزء من القاعدة المسلمة، يُقال نفس الكلام حين توصل القاعدة المسلمة الدعاة إلى الله ليكونوا أعضاء برلمانها مائة في المائة، فلن يكون الجيش ضد هذه القاعدة، بل يكون جزءاً منها.
ونؤكد أن هذا قد وقع في تاريخ الحركة الإسلامية ثلاث مرات.
مرة في السودان، ومرة في سورية، ومرة في الجزائر؟
ففي السودان، وقبل انقلاب إبراهيم عبود صوَّت مجلس النواب على تحكيم شريعة الله وكان الانقلاب خلال أيام.
وفي سورية في الستينات حين قوي نفوذ الحركة الإسلامية في المجلس النيابي، وكانت تستعد لانتخابات نيابية توصل هذا التيار الغالب إلى البرلمان، قام انقلاب الثامن من آذار عام 1963 لينهي كل الإرادة المسلمة للأمة، وليحكم سورية قرابة أربعين عاماً بقوة الحديد والنار، فقبل الثامن من آذار كانت المدن السورية تتنافس في استقبال زعيم الجماعة آنذاك الأستاذ عصام العطار، حتى ليفتي الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله بجواز الصلاة على ظهور المصلين من شدة الازدحام.
وكانت التجربة الثالثة يوم فازت جبهة الإنقاذ في الجزائر بما ينوف عن ثمانين بالمائة من الأصوات، وصار استلامها وشيكاً، قام الجيش بانقلابه وأودع الجبهة ورجالاتها السجون بما يزيد عن ثلاثين ألفاً من قواعدها وقياداتها.
وتبنت الحل العسكري قرابة سبع سنوات، ثم رأت عدم جدواه، فعادت لتتعامل مع الواقع، وتوقع اتفاق نبذ العنف مع الرئيس بوتفليقة لحل سلمي سياسي، وقبله مع زروال.
هذا هو واقعنا البائس في عالمنا الثالث الذي يحتكم للبندقية لا للإرادة الشعبية، وننتقل إلى الحجة الثانية وهي أخطر الحجج وأقواها، لأنها حديث في التحليل والتحريم ويتناول الجواز وعدمه من وجهة نظر شرعية.
( يقول الأستاذ محمد قطب: المزلق الأول هو المزلق العقيدي.. كيف يجوز للمسلم الذي يأمره دينه بالتحاكم إلى شريعة الله وحدها دون سواها، والذي يقول له دينه إن كل حكم غير حكم الله هو حكم جاهلي، لا يجوز قبوله، ولا الرضى عنه، ولا المشاركة فيه، كيف يجوز له أن يشارك في المجلس الذي يشرع بغير ما أنزل الله، ويعلن بسلوكه العملي في كل مناسبة أنه يرفض التحاكم إلى شريعة الله...
كيف يجوز له أن يُشارك فيه فضلاً عن أن يقسم يمين الولاء له، ويتعهد بالمحافظة عليه، وعلى الدستور الذي ينبثق عنه، والله يقول سبحانه:
} وقد نزِّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يُكفر بها، ويُستهزأ بها، فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره، إنكم إذا مثلهم.. {.
وهؤلاء حديثهم الدائم هو مخالفة شريعة الله، والإعراض عنها، ولا حديث لهم غيره ينتظره المنتظر حتى يخوضوا فيه، فكيف إذن يقعد معهم؟!.
كل ما يُقال من مبررات: إننا نسمعهم صوت الإسلام، إننا نعلن رفضنا المستمر للتشريع بغير ما أنزل الله، إننا نتكلم من المنبر الرسمي، فندعو إلى تحكيم شريعة الله، كل ذلك لا يُبرر تلك المخالفة العقيدية الواضحة).
يقول الأستاذ محمد قطب:
إن هذه الآية مدنية وليست مكية، وهي تتحدث عن واجب المسلمين في ظل الدولة الإسلامية أن لا يكونوا مع المنافقين (الضعفاء) الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، ونعلم أن منهج الأستاذ محمد قطب وأخيه سيد رحمه الله هو أن أوضاعنا اليوم إنما تحكمها الآيات المكية في التعامل مع المشركين، وإلا لكان الجهاد الكفار هو المأمور به الآن بالسلاح حتى لا تكون فتنة، ونحتكم إلى الظلال بيننا وبينه في تفسير هذه الآية:
[ وقد كان بعض المسلمين في المدينة يجلسون في مجالس كبار المنافقين – ذوي النفوذ – وكان وما يزال لهم ذلك النفوذ، وجاء المنهج القرآني ينبه في النفوس تلك الحقيقة، حقيقة أن غشيان هذه المجالس، والسكوت على ما يجري فيها هو أولى مراحل الهزيمة، وأراد أن يجنبهم إياها، ولكن الملابسات في ذلك الحين لم تكن تسمح بأن يأمرهم أمراً بمقاطعة مجالس القوم إطلاقاً، فبدأ يأمرهم بمقاطعتها حين يسمعون آيات الله يُكفر بها، ويُستهزأ بها.. وإلا فهو النفاق، وهو المصير المفزع، مصير المنافقين والكافرين.
} وقد نزل عليكم في كتابه أن إذا سمعتم آيات الله يُكفر بها ويُستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضا في حديث غيره، إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً { ] ([148]).
فسيد رحمه الله يتحدث عن هؤلاء الذين يمضون لمجالس المنافقين بدون هدف ومصانعة لهم وفي ظل الدولة الإسلامية الحاكمة، ولقوة نفوذهم لم تنزل الآيات التي تأمر بالمقاطعة الكاملة، فالاستشهاد إذن هنا في هذه الآية ليس في محله وفي ظلال المجتمع المكي.
نعم الذي يحكم هذه المرحلة قوله تعالى في سورة الأنعام (المكية):
} وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا، فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره، وإما ينسينك الشطيان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين، وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء، ولكن ذكرى لعلهم يتقون { ([149]).
والمطلوب ابتداءً الإعراض، وانتهاءً عدم القعود، حين يكون حديثهم الخوض في آيات الله، لكن إذا كان هناك حديث آخر غير الخوض في آيات الله، كأن يكون الأمر لمصلحة الفريقين أو نقاش عقيدي أو دعوة إلى الله أو حوار فكري، فهذه الحالات لا تحكمها هذه الآية إنما يحكمها ما كنا نشهده من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعوة والحوار مع أعداء الله، حتى ليستمع إلى كل عبثهم وتبجحهم واعتزازهم بعقائدهم، ثم يرد عليهم أفكارهم بأدبه النبوي صلى الله عليه وسلم والحوارات التي كانت تتم بين المصطفى عليه الصلاة والسلام وزعماء قومه حتى ليتجرءوا بقذفه بالجنون والكهانة والرغبة في المال أو الباهة والجنس، أو الطموح إلى الملك أو الطمع في الحكم، لم يكن كل هذا ليمنعه من متابعة الحوار معهم حتى النهاية.
أما إذا كان المجلس معقوداً للخوض في آيات الله دون القدرة على التسديد والتصحيح والدعوة فالأصل الإعراض، وحين يستمرون في ذلك } فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين {.
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
رد: الديمقراطية و الحكم (المبحث الرابع+الحاشية)
ونتابع حديثنا مع الأستاذ محمد قطب، وهو يرد على مثل هذه الحجج بقوله:
يقولون: ألم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يذهب إلى قريش في ندوتها ليبلغها كلام الله؟، بلى، كان يذهب إليهم في ندوتهم لينذرهم، ولكنه لم يكن يشاركهم في ندوتهم.
ولو أن مسلماً يدعو إلى تحكيم شريعة الله، استطاع أن يذهب إلى ندوة الجاهلية المعاصرة ويُسمح له بالكامل فيها كما كانت الجاهلية الأولى تسمح لرسول الله صلى الله عليه وسلم لكان واجباً عليه أن يذهب ويبلغ لأنه في هذه الحالة لا يكون (عضواً) في الندوة إنما هو داعية من خارجها، جاء يدعوها إلى اتباع ما أنزل الله، فلا الندوة تعتبره منها، ولا هو يعتبر نفسه من الندوة، إنما هو مبلغ جاء يلقي كلمته ثم يمضي، أما المشاركة في عضوية الندوة بحجة إتاحة الفرصة لتبليغها كلمة الحق، فأمر ليس له سند من دين الله.
ونقول لأستاذنا حفظه الله: بل له سند من دين الله..
ماذا يقول الأستاذ محمد قطب، حول حصار الشعب، وحول حلف المسلمين مع بني هاشم وبني المطلب المشركين ضد قبائل مكة، ألم يعيشوا معاً وفي شُعبٍ واحد ما ينوف عن ثلاث سنين.
ومع أن نص الوثيقة المكية هي حرب بني هاشم وبني المطلب لأنهم حموا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس ضد المسلمين:
قال ابن إسحاق: فلما رأت قريش أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نزلوا بلداً أصابوا به أمناً وقراراً، وأن النجاشي قد منع من لجأ إليه منهم، وأن عمر قد أسلم، فكان هو وحمزة بن عبد المطلب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، جعل الإسلام يفشو بين القبائل، اجتمعوا وائتمروا بينهم أن يكتبوا كتاباً يتعاقدون فيه على بني هاشم وبني عبد المطلب على أن لا ينكحوا إليهم ولا يُنكحوهم، ولا يبيعوهم شيئاً، ولا يبتاعوا منهم، فلما اجتمعوا لذلك كتبوه في صحيفة ثم تعاهدوا وتواثقوا على ذلك، ثم علقوا الصحيفة في جوف الكعبة) ([150]).
لقد كان الأمر بين الفريقين المؤمنين والمشركين أكثر من لقاء وأكثر من عضوية، وأكثر من اجتماعات متباعدة، لقد كان حياة مشتركة ومصيراً مشتركاً، والتحاماً كاملاً في المواقف والمواجهة رغم اختلاف العقيدة بينهم، ورغم احتكام المشركين إلى آلهتهم، وأخذهم بكل التشريعات التي لم يأذن بها الله، بل نقول أكثر من ذلك، إن هذا الالتحام والمصير المشترك والحياة المشتركة كانت، وكل آيات التشريع بغير ما أنزل الله وكفر أصحابها تشمل أبا طالب وحزبه، وهذا كله لم يمنع من التحالف، وتحمل المواقف والصعوبات والجوع والعطش في هذا الحصار، لماذا؟ كل هذا لإيمانهم بحق محمد صلى الله عليه وسلم في حرية الدعوة واستعدادهم للدفاع عنه رغم اختلاف عقائدهم، ورغم أنهم مشركون مثل قومهم، وحتى لا يُقال بأنه استدلال بحادثة قد تكون منقطعة السند فنسوق ما كتب عنها في صحيح السيرة النبوية.
( من حديث أسامة بن يزيد رضي الله عنهما، قال: قلت: يا رسول الله أين ننزل غداً؟ في حجته قال: وهل ترك لنا عقيل منزلاً، ثم قال: نحن نازلون غداً – إن شاء الله – بخيف بني كنانة (يعني المحصب) حيث قاسمت قريش على الكفر، وذلك أن بني كنانة حالفت قريشاً على بني هاشم، أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يؤوهم، ثم قال عند ذلك (لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر) واللفظ لأحمد، قال الزهري: الخيف: الوادي ([151]).
ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمنى: (نحن نازلون غداً بخيف بني كنانة حين تقاسموا على الكفر) وذلك أن قريشاً وبني كنانة تحالفت على بني هاشم وبني عبد المطلب أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يعني بذلك المحصب) ([152]).
وكانوا يتخذون من القرارات المشتركة لمواجهة العدو، من كنانة وقريش، فقد روى عروة بن الزبير رضي الله عنهما، وكان أبو طالب إذا أخذ الناس مضاجعهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى فراشه حتى يراه من أراد به مكراً أو غائلة، فإذا نوَّم الناس أخذ أحد بنيه أو أخواته أو بني عمه فاضطجع على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بعضهم فرشهم ليرقد عليها) ([153]).
وكان مصير رسول الله صلى الله عليه وسلم يُتخذ بقرار مشترك بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمه أبي طالب الذي مات على ملة عبد المطلب، ففي حديث عروة السابق:
( فأطلع الله تعالى رسوله على الذي صنع بالصحيفة، فقال أبو طالب: لا، والثواقب ما كذبني، فانطلق يمشي بعصابة من بين عبد المطلب حتى أتى المسجد.. فقال أبو طالب:
إنما أتيتكم لأعطيكم أمراً فيه نصف بين وبينكم، هذه الصحيفة التي في أيديكم، إن ابن أخي قد أخبرني، ولم يكذبني، أن الله عز وجل بعث عليها دابة فلم تترك فيها اسماً لله إلا لحسته، وترك فيها غدركم وتظاهركم علينا بالظلم، فإن كان الحديث كما يقول فأفيقوا، فوالله لا نسلمه حتى نموت عن آخرنا، وإن كان الذي يقول باطلاً دفعنا إليكم صاحبنا فقتلتم أو استحييتم، قالوا: لقد رضينا بالذي تقول، وفُتحت الصحيفة، فوجدوا الصادق المصدوق قد أخبر خبرها قبل أن تُفتح) ([154]).
إن الذي جمع بين الفريقين هو النصرة والحماية لحرية قائد الدعوة، واستعدادهم للموت في سبيل ذلك، فكان هذا المصير والتحالف المشترك، وفي النظام الديمقراطي يحصل النواب على الحصانة وحرية الدعوة، ضد المستبدين الذين يريدون أن يئدوا الدعوة ورجالها، ويجمع بينهم حرية كل فريق بما يدعو إليه، ليس بينهم إلا التذكير، فلم تذكر كتب السيرة في هذه السنوات الثلاث في الحصار عن إيمان واحد من الحزب الهاشمي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل هذه أكبر أم عضوية الندوة؟؟
2- الموقف السياسي:
وإذا تجاوزنا الموقف العقدي من حيث الجواز والحل والحرمة، فيدخل الموقف السياسي في إطار التقدير والاجتهاد، وتكون مسألة خلافية.
وسنعرض هنا لبقية رأي الأستاذ محمد قطب، بعد أن ناقشنا ما أسماه (المزلق العقيدي).
( والمزلق الثاني هو تمييع القضية بالنسبة للجماهير: إننا نقول للجماهير في كل مناسبة: إن الحكم بغير ما أنزل الله باطل، وإنه لا شرعية إلا للحكم الذي يحكم بشريعة الله، لم تنظر الجماهير فترانا قد شاركنا ندعوها هي لعدم المشاركة فيه، فكيف تكون النتيجة؟
... إننا نحسب أننا بدخولنا البرلمانات نقوم (بعمل) ييسر (قيام القاعدة الإسلامية) لأنه يدعو إليها من فوق المنبر الرسمي الذي له عند الناس رنين مسموع، ولكنا في الحقيقة نعوِّق قيام هذه القاعدة بهذا التمييع الذي نصنعه في قضية الحكم بما أنزل الله، فلا يعود عند الجماهير تصور واضح للسلوك الإسلامي الواجب في هذه الشؤون، ولن تتكون القاعدة في الحجم المطلوب لقيام الحكم الإسلامي حتى ينضج وعي الجماهير، وتعلم علم اليقين أن عليها عقيدة أن تسعى لإقامة الحكم الإسلامي وحده دون أي حكم سواه، وألا تقبل وجود حكم غير حكم الله.
وكما قلنا فهذه نظرة اجتهادية احتمالية وليست قطعية، والواقع العملي الإسلامي مع الذين دخلوا البرلمانات من الإسلاميين يقول غير ذلك، فهذا الدكتور ناصر الصانع يتحدث عن ثمار دخول الإسلاميين للبرلمان الكويتي: (ومما استفدناه من هذا الحديث عن الشريعة والديمقراطية، الشعور بضرورة تحويل القضايا الإسلامية إلى هموم شعبية، فهي لا تخص فئة معينة من الناس.. إذ يجب أن تكون القضية الإسلامية قضية عامة.. ويجب أن لا نكتفي بالقول بأننا نعمل من أجل تعزيز الشريعة وأن الشريعة هي الحل قد يكون هذا نافعاً في بعض المناسبات، أو لأغراض المناورات السياسية، ولكن يتعين علينا في نهاية المطاف أن نترجم تلك المناورات إلى أمثلة حقيقية، يمكن من خلالها إيصال الفكرة التي نروج لها إلى الناس بنجاح، أما الدرس الثالث الذي تعلمناه من خلال هذه التجربة، فهو التقرب من الناس، فماذا سيكون موقف من يتحدث جهاراً عن تطبيق الشريعة الإسلامية، ثم يتقدم من شخص يفتقر إلى المادة أو يحتاج إلى الرعاية الصحية ليقول له: ماذا تعني الشريعة في هذا المجلس هي من الأمور الرائعة، إذ لا يمكننا أن نكتفي بالقول بأننا نريد الشريعة، بل يتعين علينا أن نغرسها ونرعاها) ([155]).
ويلخص هدام رأيه بتجربة الجزائر:
نعتبر الجبهة الإسلامية للإنقاذ حرية التعبير عن الرأي، وحرية تشكيل الأحزاب، وضمان انتخابات تشريعية حرة ونزيهة، متطلبات أساسية للخروج من الأزمة التي تكتوي الجزائر بنارها ليل نهار، وتعتقد الجبهة أن على العالم أن يعي بأن الإسلام هو أساس المجتمع الجزائري، وأن جبهة الإنقاذ، إنما هي وسيلة لتحقيق البرنامج الإسلامي الذي يعبر عن طموحات وآمال الشعب المسلم في الجزائر، وما نجاح جبهة الإنقاذ في الانتخابات إلا تعبير عن رغبة الشعب في استعادة هويته التاريخية والحضارية) ([156]).
وعن تجربة اليمن في البرلمانات يقول نصر طه مصطفى:
بلغت الحملة ذروتها بالمسيرة المليونية التي قادها الإصلاح داخل العاصمة، وشارك فيها مواطنون من مختلف أنحاء البلاد اتجهوا إلى مقر رئاسة الجمهورية مطالبين بالتعديل، فأصدر مجلس الرئاسة الحاكم بياناً سياسياً ضمنه أهم مطالب الإصلاح منها الالتزام بأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع وبطلان أي قانون يخالفها) ([157]).
فالملاحظ إذن أن قضية الشريعة زادت عمقاً في نفس الشعوب، ولم يتمتع بنتيجة المشاركة في الحياة البرلمانية.
وأخيراً يتحدث الأستاذ محمد قطب عن:
3- المزلق الثالث: لعبة الدبلوماسية: فهي (لعبة يأكل القوي فيها الضعيف، ولا يُتاح للضعيف من خلالها أن يغافل القوي، فينتزع من يده شيئاً من السلطان.. أما توهم من يتصور أن الجاهلية تظل غافلة حتى يتسلل الإسلاميون إلى مراكز السلطة، ثم على حين غفلة من أهلها ينتزعون السلطة، ويقيمون الحكم الإسلامي، فوصف بالسذاجة قد لا يكفي لتصويره) ([158])، وهذا القول يصح على الإسلاميين سواء كانوا في البرلمان أم خارجه، وسواء كانوا الأكثرية في الأمة أو الأقلية، فيستبقى الجاهلية لهم بالمرصاد، تمنعهم وتمنع دعوتهم، وتمنع وصولهم إلى السلطة } ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا { ([159]).
ولكننا نتساءل: هل الحرمان من التربية ومنعها، والحرمان من الدعوة واعتبارها جريمة طريق يوصل إلى الهدف، أم إتاحة الأجواء (للتربية) و( الدعوة) واعتبارها حقاً شريعياً وحمايتها بقانون حاكم هو الأجدى للوصول إلى تحكيم هذه الشريعة؟؟
نحن نتفق مع أستاذنا محمد قطب في (لعبة الدبلوماسية) مع الإسلاميين بالذات، لكننا نختلف معه في الطريق.
فهاتان خلاصتان لتجربتين أخريين، ظهر فيهما حرب الجاهلية للإسلام، ومع ذلك فالقناعة عند دعاتها بقيت تؤكد أن هذا هو الطريق:
التجربة الماليزية: يقول مصطفى علي (من كبار مسؤولي الحزب الإسلامي الماليزي):
نعتقد أنه لا يوجد نظام علماني واحد في العالم يمكن أن يسمح عن طيب خاطر بازدهار ونمو الحركة الإسلامية، سواءً كانت مشتركة في السلطة أو كانت خارجها، كما ونعتقد أنه عندما تنمو القوى الإسلامية وتبلغ بنضالها حداً معيناً، فستسعى القوى العلمانية بكل ما أوتيت من قوة إلى تدميرها، إذ لم يستطع نظام علماني واحد حتى الآن التكيف مع الحركة الإسلامية، أو التوصل معها إلى تفاهم حقيقي، بل كانت سياسة الأنظمة العلمانية، ولا زالت تعتمد الاضطهاد والقمع في التعامل مع الإسلاميين.. وإلى أن تنهض الأمة الإسلامية وتقيم نظام الحكم الإسلامي، فإننا نعتقد أنه لا يكفي أن نكلم الجماهير عن هذا الاضطهاد، بل لا بد أن نطلب منها أن تكون شاهدة عليه، ومشاركة بشكل فعّال في الجهد المبذول للقضاء عليه) ([160]).
التجربة المصرية: (إن موقف النظام المعادي للحركات والجماعات الإسلامية لا يؤدي إلا إلى توسيع الشقة الكبيرة بين أجهزة الدولة وعامة الناس الذين ينمو دعمهم وتأييدهم للحركة الإسلامية يوماً بعد يوم.. ومهما عمل النظام ففي نظرنا لا يوجد إلا حل واحد للأزمة في مصر، ولا يوجد إلا طريق واحد إلى مستقبل أفضل ألا وهو الديمقراطية الحقيقية نزيهة عادلة، ديمقراطية تكفل للشعب حق اختيار حكامه وحق استبدالهم متى انحرفوا عن السبيل أو بدلوا تبديلا).
ثالثاً- المشاركة في وزارة تنفيذية:
هناك أصل متفق عليه بين المجيزين والمانعين هو أن الأصل عدم المشاركة إلا في حكم إسلامي ينفذ شرع الله، وإنما الخلاف هو حِلُّ جواز الاستثناء من هذا الأصل أم لا.
آ- رأي المانعين: وسنعرض أقوى ما كتب في الرد على هذا الاستثناء للدكتور محمد عبد القادر أبو فارس، ونحصر الحديث عنه، لأن الأصل متفق عليه بين الجميع، مع العلم بأن الدكتور أبو فارس يبيح الاشتراك في المجالس النيابية، مؤصلاً ذلك بالأصول الشرعية، كما ساهم شخصياً في هذا المجال، وكان نائباً عن مدينة عمان لأكثر من دورة نيابية.
1ً- يقول الدكتور أبو فارس:
أما إجازة المشاركة استثناءً من هذا الأصل احتجاجاً بمشاركة يوسف عليه السلام فهذا لا نسلم به للأدلة التالية:
1- إن تصرف يوسف عليه السلام إن صح أنه حكم بغير ما أنزل الله، فهو يقع تحت قاعدة (شرع من قبلنا) والقول فيه: إن شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا إذ ورد في شرعنا ما يخالفه.
2- إن يوسف عليه السلام رفض الحكم بغير ما أنزل الله، وأنكر على الطواغيت ذلك ولقد حكى القرآن ذلك على لسانه } إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه، ذلك الدين القيم { وتطبيق أحكام كافرة يتنافى مع عصمة الأنبياء.
3- إن القول إن يوسف عليه السلام شارك في الوزارة استنتاج وفهم من قائله، وليس هناك من نصٍ يؤيد هذا الفهم، لقد وقف هذا الموقف والملك يطلب مقابلته ومكافأته وقد أصبح مطلق الإرادة في تدبير الشؤون المالية قد فوض الملك إليه الأمر تفويضاً تاماً.
4- إن يوسف عليه السلام حينما فوض الملك أمر تدبير الملك له قد أصبح هو الحاكم الفعلي يدير دفة الحكم، وتلاشت شخصية العزيز، بل أصبح هو العزيز.. بل صار الملك يصدر عن رأي يوسف عليه السلام.
2ً- الرد على الاحتجاج بإسلام النجاشي:
آ- النجاشي الذي أسلم.. كان حاكماً وملكاً ولم يكن تحت وصاية أحد ولا آلة طيعة في يد غيره.
ب- ونستطيع أن نحدد فترة حكمه بعد إسلامية وأنها كانت قصيرة جداً جداً فهو أسلم في نهاية العام السابع للهجرة، أو بداية العام الثامن ووفاته كانت قبل فتح مكة كما ذكر البيهقي، فهي لا تعدو شهوراً قليلة.
جـ- إن الشعب الذي كان يحكمه النجاشي في هذه الفترة القصيرة جداً.. كان شعباً يدين بالنصرانية.. فلا تطبق عليه الأحكام التي يخاطب بها المسلمون، علماً بأن الأحكام الشرعية لم تكتمل بعد، وبعضها لم ينزل بعد.
3ً- الاحتجاج بالمصالح المرسلة:
آ- مما لا شك فيه أن أي شيء في الغالب له سلبيات وإيجابيات وله فوائد ومضار كالخمر والميسر ومع هذا فقد حرمهما الله عز وجل } وإثمهما أكبر من نفعهما { وكذلك المشاركة في الوزارة في الأنظمة الجاهلية التي لا تطبق شرع الله، فيها فوائد وفيها منافع لا تقول إنها مباحة، وقد صرحت النصوص بحرمتها.
ب- قد توجد منافع في المشاركة في الوزارة في الأنظمة الجاهلية، لكن يمكن تحصيل هذه المنافع عن غير هذا الطريق.
جـ- القول بأن المشاركة في الوزارة في الأنظمة الجاهلية تعيد الثقة بالإسلام والمسلمين، حين يرون الوزراء المسلمين يسوسون الأمة بهذا الدين، فهذا أمر محل نظر، فهل سيسمح النظام الجاهلي لهؤلاء أن يسوسوا الناس بالإسلام.
د- قد يقول قائل: إن المشاركة في وزارة برلمانية بقصد الإصلاح والتغيير واجب شرعي لأنها تحافظ على المكاسب الإسلامية القديمة، وتعمل على أسلمة نصية القوانين وترسخ الهوية الإسلامية للأمة ونقول:
1- الواجب الشرعي يحتاج إلى نص شرعي، فتبقى هذه دعوى بدون برهان طالما لا نص في ذلك.
2- يترتب على القول بالوجوب إثم تركه، فهل الإخوان المسلمون قد تركوا واجباً حينما يتح لهم ذلك وتركوه فأثموا.
3- وهل يترك أعمدة الأنظمة الجاهلية الإسلاميين يغيروا قوانينهم ليقضوا على أنفسهم بالدمار؟
4- إن مجلس الأمة هو الذي يغير القوانين أو يعدلها أو يرفضها وليس الوزير، وهذا يتحقق في الاشتراك بمجلس الأمة.
5- إن المشاركة في الوزارة في الأنظمة الجاهلية ترسخ الهوية التي يقوم على أساسها النظام، لا هوية الأمة المسلمة.
هـ- إن الطريق لاستئناف الحياة الإسلامية، وإقامة الحكم الإسلامي يكون تدريجياً، ولا يعني هذا أن يكون عن طريق الوزارة في الأنظمة الجاهلية، فهذا طريق لا يوصل إلى هدف، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسلكه ولم يشارك في حكم مكة، إنما التوجه إلى الناس بالتصورات الصحيحة، وتعريفهم بالإسلام، ثم تربيتهم على القيم والأخلاق الإيمانية والأخذ بالأسباب حتى تتكون القاعدة الصلبة التي تحقق حكم الله في واقع الحياة وتحافظ عليه.
ب- رأي المؤيدين:
وقد مثَّل هذا الرأي عدد من قيادات الحركات الإسلامية نذكر منهم على سبيل المثال...
آ- رأي الشيخ راشد الغنوشي: وهو لهذا الاستثناء يقول:
واضح أن البحث هنا ينطلق من التسليم بأن الإسلام دين ودولة، وأن العمل على إقامة دولة الإسلام فريضة لازمة على المسلمين أفراداً وجماعات، وأنه إذا وجد نظام يحتكم للإسلام فالواجب موالاته، وإن لم يكن موجوداً وتوفرت إمكانية قيامه فالواجب النهوض بذلك واسترخاص الأنفس والأموال قربى إلى الله عز وجل، غير أنه إذا تعذر في أي صورة من الصور، فهل يسع المسلمين اللجوء إلى حلول استثنائية كأن يشاركوا في إدارة حكم غير إسلامي سوءً أكان ذلك من قبيل التمهيدات لإقامة الحكم الإسلامي حسب عبارة الإمام الشهيد: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وباعتباره أيسر السبل وأقلها مؤونة وإهلاكاً للأنفس والأموال، أم هو لمجرد دفع مفاسد وتحقيق مصالح للمسلمين؟...
إن ما نفهمه من رسالة الإسلام لا يمنع في حال تعذر قيام حكم الإسلام من المشاركة في إقامة إدارة أو سلطة تتوفر على أقدار من العدالة وحقوق الإنسان، حتى وإن لم نتلمس تلك القيم الإنسانية التي هي جزء من الإسلام على عقائد الإسلام، فإن السياسة الشرعية كما عرفها ابن عقيق (فعل من يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، وإن لم يصفه الرسول صلى الله عليه وسلم ولا نزل به وحي) ([161]).
مع تأكيد أن ذلك هو خلاف الأصل الذي هو وجوب الاحتكام إلى شريعة الإسلام وإقامة دولته، وهو ما يجب أن يكون ديدن كل مسلم، وحلم يقظته ومنامه، والمقصد الأسنى للحركة الإسلامية) ([162]).
ب- رأي الشيخ فيصل مولوي: المشاركة في الوزارة:
لا شك أن الأصل عدم جواز المشاركة في الوزارة التي تحكم بشريعة غير شريعة الله تعالى، وذلك لعموم النصوص الواردة في وصف من يحكم بغير ما أنزل الله بالكفر والظلم والفسق.. وأن الحاكمية يجب أن تكون له وحده } إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه {، وكذلك نهى الله المؤمنين أن يحتكموا إلى شريعة غير شريعة الله، وجعل ذلك منافياً للإيمان، حينما قال: } فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت، ويسلموا تسليما {.. كما نعى على المنافقين موقفهم من الاحتكام إلى غير ما أنزل الله فقال: } ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك، يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت، وقد أمروا أن يكفروا به، ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً {.
هذه النصوص ومثالها، تدل على عدم جواز المشاركة في نظام يحكم بغير ما أنزل الله، وأن ذلك هو الأصل، لأنه لا يجوز ترك حكم الله إلى حكم غيره، وأن من يفعل ذلك يكون مؤثراً لحكم الجاهلية على حكم الله تعالى } أفحكم الجاهلية يبغون، ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون { ([163])، وتجوز المشاركة استثناء من الأصل استدلالاً بالأدلة التالية:
آ- مشاركة يوسف عليه السلام في الوزارة.
ب- موقف النجاشي.
جـ- المصلحة.
وفيما يلي تفصيل القول في الأدلة) ([164]).
د- رأي الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:
الأصل عدم المشاركة: لا ريب أن الأصل في القضية: ألا يشارك المسلم إلا في حكم يستطيع أن ينفذ شرع الله فيما يوكل إليه من مهام الولاية والوزارة، وألا يخالف أمر الله تعالى ورسوله الذي يجب أن يخضع لهما بمقتضى إيمانه كما قال تعالى: } وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى... {، وقال تعالى } فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم {، فإذا كان الحكم غير إسلامي بمعنى أنه لا يلتزم بتطبيق شريعة الإسلام وأحكامه في شؤون الحياة المختلفة... إنما يتخذ مصادر أخرى من غير الإسلام يستوردها من الشرق والغرب... ويُشرك معه مصادر أخرى قد قدمها على الإسلام المحكم، فهذا كله مرفوض في نظر الإسلام الذي يوجب على المسلمين الاحتكام إلى ما أنزل الله عز وجل وكل ما أنزل الله، ولا يجوز أخذ بعضه وترك بعضه كما قال تعالى لرسوله } وأن احكم بينهم بما أنزل الله، ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك... {.
وإذا كان المسؤول الأول عن هذا الانحراف عن شرع الله هو رئيس الدولة، ملكاً كان أو رئيس جمهورية أم حاكماً عسكرياً، فإن الذين يعاونونه شركاء في الإثم بقدر معاونتهم حتى إن القرآن الكريم أشرك جنود فرعون معه.. } إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين {...
الخروج عن الأصل لاعتبارات شرعية: هذا الذي ذكرنا في تحريم التعاون مع الذين ظلموا هو الأصل وقولنا هو الأصل، أي القاعدة الأساسية أو الأعم الأغلب ومفهومه أن هناك حالات يُخرج فيها عن الأصل لاعتبارات يقدرها الشرع قدرها، من هذه الاعتبارات:
1- تقليل الشر والظلم مطلوب بقدر الاستطاعة:....
2- ارتكاب أخف الضررين...
3- النزول من المثل الأعلى إلى الواقع الأدنى:....
4- سنة التدرج:....
5- شروط لا بد منها:....
6- فتوى الأئمة الأعلام:.. فتوى عز الدين بن عبد السلام... فتوى ابن تيمية...) ([165]).
وسنعرض أقوى ما كُتب في الرد على هذا الاستثناء للدكتور محمد عبد القادر أبو فارس ونحصر الحديث عنه لأن الأصل متفق عليه بين الجميع.
هذا ونشير عرضاً إلى أن المشاركة في الانتخابات النيابية لاختيار الأفضل أو الأقل سواءً لم نسمع أن هناك من حرَّمه، إنما التحريم ينصب عند المانعين على الترشيح للمجالس النيابية والدخول فيها.
رابعاً- ردود ومناقشات وترجيح:
آ- الاستشهاد بقصة يوسف عليه السلام:
وما لنا نبعد وندع كتب التفسير التي أعطتنا الإجابات الصريحة في ذلك..
1ً- تفسير القرطبي:
يقول القرطبي رحمه الله تعليقاً وإيضاحاً لقوله عز وجل: } اجعلني على خزائن الأرض.. {، والثانية: قال بعض أهل العلم في هذه الآية ما يبيح للرجل الفاضل أن يعمل للرجل الفاجر، والسلطان الكافر، بشرك أن يعلم أنه يفوض إليه في فعل لا يعارضه فيه، فيصلح منه ما شاء، وأما إذا كان عمله بحسب اختيار الفاجر وشهواته وفجوره فلا يجوز ذلك، وقال قوم: إن هذا كان ليوسف خاصة، وهذا اليوم غير جائز، والأولى أولى إذا كان على الشرط الذي ذكرناه) ([166]).
فقد رجح القرطبي رحمه الله أن هذا ليس خاصاً بيوسف عليه الصلاة والسلام كما ذهب إليه بعض العلماء، وأن الميزان في ذلك هو التفويض المطلق، من الفاجر أو الكافر، وعدم حله بدونه.
ثانياً: (قال الماوردي: فإن كان المولّي ظالماً فقد اختلف الناس في جواز الولاية على قولين أحدهما: جوازها إذا عمل بالحق فيما تقلده، لأن يوسف ولّي من قبل فرعون، ولأن الاعتبار في حقه بفعله لا يفعل غيره، الثاني أنه لا يجوز ذلك لما فيه من تولي الظلمة بالمعونة لهم وتزكيتهم بتقليد أعمى، فأجاب من ذهب إلى هذا المذهب عن ولاية يوسف من قبل فرعون بجوابين؛ أحدهما: أن فرعون يوسف كان صالحاً، وإنما الطاغي فرعون موسى، الثاني أنه نظر في أملاكه دون أعماله فزالت عنه التبعة فيه) ([167]).
ويُلاحظ إذن حتى لو كان ظالماً واستطاع أن يزيل هذا الظلم فمن حقه ذلك على الرأي الأول، بينما لا يجيزون ذلك على الرأي الثاني بحيث لا يكون التولي للظلمة عوناً لهم، ونلاحظ كذلك أن المصلحة أبداً هي التي ينظر إليها في هذا الموضوع.
ثالثاً: (قال الماوردي: والأصح من إطلاق هذين القولين أن يفصل ما يتولاه من جهة الظالم على ثلاثة أقسام:
أحدها؛ ما يجوز لأهله فعله من غير اجتهاد في تنفيذه كالصدقات والزكوات، فيجوز توليه من جهة الظالم لأن النص على مستحقه قد أغنى عن الاجتهاد فيه، وجواز تفرد أربابه به قد أغنى عن التقليد.
القسم الثاني: ما لا يجوز أن يتفردوا به ويلزم الاجتهاد في مصرفه كأموال الفيء، فلا يجوز توليه من جهة الظالم لأنه يتصرف بغير حق، ويجتهد فيما لا يستحق.
القسم الثالث: ما يجوز أن يتولاه لأهله وللاجتهاد فيه مدخل كالقضايا والأحكام، فعقد التقليد محلول، فإن كان النظر تنفيذاً للحكم بين متراضيين، وتوسطاً بين مجبورين جاز، وإن كان إلزام إجبار لم يجز) ([168]).
ونلاحظ أن وزارات الخدمات في النظام الديمقراطي كلها تدخل ضمن إطار المباح، فالقانون في النظام الديمقراطي لا يعطي ميزة لفرد فيه ولا درهماً واحداً لموقعه أو نسبه أو مسؤوليته زيادة عن حقه، وإنما هو تحرٍ للعدل في توزيع هذه الخدمات على الشعب، وكل الحكام يستأثرون فوق القانون بثروات الشعب ويستنـزفونها باللعب على القانون، وليس فيها على الأعم الأغلب أي تشريع بغير ما أنزل الله.
2ً- من الحق إلى الواجب: في تفسير غرائب القرآن (على هامش تفسير الطبري) للنيسابوري يقول بصدد هذه الآية: (قال المفسرون: لما حكى يوسف رؤيا الملك وغيرها بين يديه قال له الملك: فما ترى أيها الصدِّيق، قال: أرى أن تزرع في هذه السنين الخصبة زرعاً كثيراً، وتبني الخزائن والأهراء، وتجمع الطعام فيها فيأتيك الخلق من النواحي ويمتارون لك ويجتمع لك من الكنوز ما لم يجتمع لأحد من قبلك، فقال الملك: ومن لي بهذا الشغل، فقال يوسف: اجعلني على خزائن الأرض.. إني حفيظ (للأمانات والأموال) عليم (بوجوه التصرف فيها على وجه المصلحة).. فعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رحم الله أخي يوسف لو لم يقل اجعلني على خزائن الأرض لاستعمله من ساعته، لكنه لما قال ذلك أخره الله تعالى عنه سنة وقال آخرون إن التصرف في أمور الخلق كان واجباً عليه، لأن النبي يجب عليه رعاية الأصلح لأمته بقدر الإمكان، وقد علم بالوحي أن سيحصل القحط والضنك فأراد السعي إلى إيصال النفع إلى المستحقين ودفع الضرر عنهم، وإذا علم النبي أو العالم أنه لا سبيل إلى دفع الظلم والضرر عن الناس إلا بالاستعانة من كافر أو فاسق فله أن يستظهر به على أن مجاهداً قد زعم أن الملك قد أسلم، وقيل كان الملك يصدر عن رأيه فكان في حكم التابع لا المتبوع، ووصف نفسه عليه السلام بالعلم والحفظ على سبيل المبالغة لم يكن لأجل التمدح، ولكن للتوصل إلى الغرض المذكور) ([169]).
3ً- سيد قطب مع هذا الرأي: ويطلع علينا سيد رحمه لله في الظلال – وهو من أعظم من دعا للمفاصلة بين المؤمنين والكافرين، وأبرز الحاكمية لله في هذا القرن – يطلع علينا بهذا الرأي العظيم فيقول: } إني حفيظ عليم { ولم يكن يوسف يطلب لشخصه وهو يرى إقبال الملك عليه، فيطلب أن يجعله على خزائن الأرض، إنما كان حصيفاً في اختيار اللحظة التي يُستجاب له فيها لينهض بالواجب المرهق الثقيل ذي التبعة الضخمة في أشد أوقات الأزمة، وليكون مسؤولاً عن إطعام شعب كامل وشعوب كذلك تجاوره طوال سبع سنوات لا زرع فيها ولا ضرع، فليس هذا غُنماً يطلبه يوسف لنفسه، فإن التكفل بإطعام شعب جائع طوال سنوات متوالية لا يقول أحد عنه إنه غنيمة، إنما هي تبعة يهرب منها الرجال، لأنها قد تكلفهم رؤوسهم، والجوع كافر وقد تمزق الجماهير الجائعة أجسادهم في لحظات الكفر والجنون) ([170]).
ب- فتوى عز الدين بن عبد السلام:
من ذلك فتوى سلطان العلماء الإمام عز الدين بن عبد السلام في كتابه " قواعد الأحكام " فقد قال رضي الله عنه: (ولو استولى الكفار على عظيم فولوا القضاء لمن يقدم مصالح المسلمين العامة، فالذي يظهر: إنفاذ ذلك كله جلباً للمصالح العامة، ودفعاً للمفاسد الشاملة، إذ يبعد من رحمة الشرع ورعايته لمصالح العباد: تعيل المصالح العامة، وتحمل المفاسد الشاملة لقوات الكمال فيمن يتعاطى توليتها لمن هو أهل لها.
جـ- فتوى ابن تيمية:
سُئل الشيخ قدس الله روحه: عن رجل متولٍ ولايات، ومقطع إقطاعات، وعليها من الكُلف السلطانية ما جرت به العادة، وهو يختار أن يسقط الظلم كله، ويجتهد في ذلك بسحب ما قدر عليه، وهو يعلم أنه إن ترك ذلك، وأُقطعَها غيره، ووُلِّي غيره، فإن الظلم لا يترك منه شيء بل ربما يزداد، وهو يمكنه أن يخفف تلك المكوس التي في إقطاعه، فيسقط النصف، والنصف الآخر جهة مصارف لا يمكنه إسقاطه، فإنه يطلب منه لتلك المصارف عوضها، وهو عاجز عن ذلك لا يمكن ردها فهل يجوز لمثل هذا بقاؤه على ولايته وإقطاعه؟
فأجاب رحمه الله: احمد الله، نعم إذا كان مجتهداً في العدل، ورفع الظلم بحسب إمكانه وولاياته خير وأصلح للمسلمين من ولاية غيره، واستيلاؤه على الإقطاع خير من استيلاء غيره كما ذكر.
فإنه يجوز له البقاء في الولاية والإقطاع، ولا إثم عليه في ذلك، بل بقاؤه على ذلك أفضل من تركه إذا لم يشتغل إذا تركه بما هو أفضل منه، وقد يكون ذلك عليه واجباً إذا لم يقم به غيره قادراً عليه، فنشر العدل بحسب الإمكان، ورفع الظلم بحسب الإمكان فرض على الكفاية، يقوم كل إنسان بما يقدر عليه من ذلك إذا لم يقم غيره في ذلك مقامه، ولا يطالب والحالة هذه بما يعجز عنه من رفع الظلم) ([171]).
وينص على الولاية صراحة في دولة كافرة بقوله:
ثم الولاية وإن كانت جائزة أو مستحبة أو واجبة، فقد يكون في حق الرجل المعين غيرها أوجب أو أحب، فيقدم عندئذ خير الخيرين وجوباً تارة، واستحباباً أخرى.
ومن هذا الباب تولي يوسف الصديق الأرض لملك مصر، ومسألته أن يجعله على خزائن الأرض وكان هو وقومه كفاراً كما قال تعالى: } ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به..{ (1) وقوله تعالى: } يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار، ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم.. { ([172])، ومعلوم أنه مع كفرهم لا بد أن يكون لهم عادة وسنة في قبض الأموال، وصرفها على حاشية الملك، وأهل بيته وجنده ورعيته، ولا تكون تلك جارية على سنة الأنبياء وعدلهم، ولم يكن يوسف يمكنه أن يفعل كل ما يريد، وهو ما يراه في دين الله فإن القوم لن يستجيبوا له، لكن فعل الممكن من العدل والإحسان، ونال بالسلطان من إكرام المؤمنين من أهل بيته ما لم يمكن أن يناله بدون ذلك، وهذا كله داخل في قوله تعالى } فاتقوا الله ما استطعتم { ([173])) ([174]).
ونشأ أمران عظيمان غير تحقيق العدل في الأمة، وإطعام شعب بأكمله لسبع سنوات، وصد الجوع عنه:
أولاً- إسلام الملك بعد سنة من استلام يوسف عليه السلام الوزارة، قال الطبري: استخلف الملك الأكبر الريان يوسف على عمله اطفير عزله، قال مجاهد: وأسلم على يديه) ([175]).
ثانياً- انتشار الإسلام في مصر (ولما فوَّض الملك أمر مصر إلى يوسف، تلطف بالناس وجعل يدعوهم إلى الإسلام حتى آمنوا به، وأقام فيهم العدل، فأحبه الرجال والنساء) ([176]).
ثالثاً- حرر أهل مصر بعد أن دفعوا حريتهم ثمناً لطعامهم فقال إني لم أعتقهم من الجوع لأستعبدهم، وإني أُشهد الله وأشهدك (أي الملك) أني أعتقهم عن آخرهم ورددت عليهم أموالهم وأملاكهم، ورددت عليك ملكك بشرط أن تستن بسنتي ([177]).
يقولون: ألم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يذهب إلى قريش في ندوتها ليبلغها كلام الله؟، بلى، كان يذهب إليهم في ندوتهم لينذرهم، ولكنه لم يكن يشاركهم في ندوتهم.
ولو أن مسلماً يدعو إلى تحكيم شريعة الله، استطاع أن يذهب إلى ندوة الجاهلية المعاصرة ويُسمح له بالكامل فيها كما كانت الجاهلية الأولى تسمح لرسول الله صلى الله عليه وسلم لكان واجباً عليه أن يذهب ويبلغ لأنه في هذه الحالة لا يكون (عضواً) في الندوة إنما هو داعية من خارجها، جاء يدعوها إلى اتباع ما أنزل الله، فلا الندوة تعتبره منها، ولا هو يعتبر نفسه من الندوة، إنما هو مبلغ جاء يلقي كلمته ثم يمضي، أما المشاركة في عضوية الندوة بحجة إتاحة الفرصة لتبليغها كلمة الحق، فأمر ليس له سند من دين الله.
ونقول لأستاذنا حفظه الله: بل له سند من دين الله..
ماذا يقول الأستاذ محمد قطب، حول حصار الشعب، وحول حلف المسلمين مع بني هاشم وبني المطلب المشركين ضد قبائل مكة، ألم يعيشوا معاً وفي شُعبٍ واحد ما ينوف عن ثلاث سنين.
ومع أن نص الوثيقة المكية هي حرب بني هاشم وبني المطلب لأنهم حموا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس ضد المسلمين:
قال ابن إسحاق: فلما رأت قريش أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نزلوا بلداً أصابوا به أمناً وقراراً، وأن النجاشي قد منع من لجأ إليه منهم، وأن عمر قد أسلم، فكان هو وحمزة بن عبد المطلب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، جعل الإسلام يفشو بين القبائل، اجتمعوا وائتمروا بينهم أن يكتبوا كتاباً يتعاقدون فيه على بني هاشم وبني عبد المطلب على أن لا ينكحوا إليهم ولا يُنكحوهم، ولا يبيعوهم شيئاً، ولا يبتاعوا منهم، فلما اجتمعوا لذلك كتبوه في صحيفة ثم تعاهدوا وتواثقوا على ذلك، ثم علقوا الصحيفة في جوف الكعبة) ([150]).
لقد كان الأمر بين الفريقين المؤمنين والمشركين أكثر من لقاء وأكثر من عضوية، وأكثر من اجتماعات متباعدة، لقد كان حياة مشتركة ومصيراً مشتركاً، والتحاماً كاملاً في المواقف والمواجهة رغم اختلاف العقيدة بينهم، ورغم احتكام المشركين إلى آلهتهم، وأخذهم بكل التشريعات التي لم يأذن بها الله، بل نقول أكثر من ذلك، إن هذا الالتحام والمصير المشترك والحياة المشتركة كانت، وكل آيات التشريع بغير ما أنزل الله وكفر أصحابها تشمل أبا طالب وحزبه، وهذا كله لم يمنع من التحالف، وتحمل المواقف والصعوبات والجوع والعطش في هذا الحصار، لماذا؟ كل هذا لإيمانهم بحق محمد صلى الله عليه وسلم في حرية الدعوة واستعدادهم للدفاع عنه رغم اختلاف عقائدهم، ورغم أنهم مشركون مثل قومهم، وحتى لا يُقال بأنه استدلال بحادثة قد تكون منقطعة السند فنسوق ما كتب عنها في صحيح السيرة النبوية.
( من حديث أسامة بن يزيد رضي الله عنهما، قال: قلت: يا رسول الله أين ننزل غداً؟ في حجته قال: وهل ترك لنا عقيل منزلاً، ثم قال: نحن نازلون غداً – إن شاء الله – بخيف بني كنانة (يعني المحصب) حيث قاسمت قريش على الكفر، وذلك أن بني كنانة حالفت قريشاً على بني هاشم، أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يؤوهم، ثم قال عند ذلك (لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر) واللفظ لأحمد، قال الزهري: الخيف: الوادي ([151]).
ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمنى: (نحن نازلون غداً بخيف بني كنانة حين تقاسموا على الكفر) وذلك أن قريشاً وبني كنانة تحالفت على بني هاشم وبني عبد المطلب أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يعني بذلك المحصب) ([152]).
وكانوا يتخذون من القرارات المشتركة لمواجهة العدو، من كنانة وقريش، فقد روى عروة بن الزبير رضي الله عنهما، وكان أبو طالب إذا أخذ الناس مضاجعهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى فراشه حتى يراه من أراد به مكراً أو غائلة، فإذا نوَّم الناس أخذ أحد بنيه أو أخواته أو بني عمه فاضطجع على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بعضهم فرشهم ليرقد عليها) ([153]).
وكان مصير رسول الله صلى الله عليه وسلم يُتخذ بقرار مشترك بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمه أبي طالب الذي مات على ملة عبد المطلب، ففي حديث عروة السابق:
( فأطلع الله تعالى رسوله على الذي صنع بالصحيفة، فقال أبو طالب: لا، والثواقب ما كذبني، فانطلق يمشي بعصابة من بين عبد المطلب حتى أتى المسجد.. فقال أبو طالب:
إنما أتيتكم لأعطيكم أمراً فيه نصف بين وبينكم، هذه الصحيفة التي في أيديكم، إن ابن أخي قد أخبرني، ولم يكذبني، أن الله عز وجل بعث عليها دابة فلم تترك فيها اسماً لله إلا لحسته، وترك فيها غدركم وتظاهركم علينا بالظلم، فإن كان الحديث كما يقول فأفيقوا، فوالله لا نسلمه حتى نموت عن آخرنا، وإن كان الذي يقول باطلاً دفعنا إليكم صاحبنا فقتلتم أو استحييتم، قالوا: لقد رضينا بالذي تقول، وفُتحت الصحيفة، فوجدوا الصادق المصدوق قد أخبر خبرها قبل أن تُفتح) ([154]).
إن الذي جمع بين الفريقين هو النصرة والحماية لحرية قائد الدعوة، واستعدادهم للموت في سبيل ذلك، فكان هذا المصير والتحالف المشترك، وفي النظام الديمقراطي يحصل النواب على الحصانة وحرية الدعوة، ضد المستبدين الذين يريدون أن يئدوا الدعوة ورجالها، ويجمع بينهم حرية كل فريق بما يدعو إليه، ليس بينهم إلا التذكير، فلم تذكر كتب السيرة في هذه السنوات الثلاث في الحصار عن إيمان واحد من الحزب الهاشمي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل هذه أكبر أم عضوية الندوة؟؟
2- الموقف السياسي:
وإذا تجاوزنا الموقف العقدي من حيث الجواز والحل والحرمة، فيدخل الموقف السياسي في إطار التقدير والاجتهاد، وتكون مسألة خلافية.
وسنعرض هنا لبقية رأي الأستاذ محمد قطب، بعد أن ناقشنا ما أسماه (المزلق العقيدي).
( والمزلق الثاني هو تمييع القضية بالنسبة للجماهير: إننا نقول للجماهير في كل مناسبة: إن الحكم بغير ما أنزل الله باطل، وإنه لا شرعية إلا للحكم الذي يحكم بشريعة الله، لم تنظر الجماهير فترانا قد شاركنا ندعوها هي لعدم المشاركة فيه، فكيف تكون النتيجة؟
... إننا نحسب أننا بدخولنا البرلمانات نقوم (بعمل) ييسر (قيام القاعدة الإسلامية) لأنه يدعو إليها من فوق المنبر الرسمي الذي له عند الناس رنين مسموع، ولكنا في الحقيقة نعوِّق قيام هذه القاعدة بهذا التمييع الذي نصنعه في قضية الحكم بما أنزل الله، فلا يعود عند الجماهير تصور واضح للسلوك الإسلامي الواجب في هذه الشؤون، ولن تتكون القاعدة في الحجم المطلوب لقيام الحكم الإسلامي حتى ينضج وعي الجماهير، وتعلم علم اليقين أن عليها عقيدة أن تسعى لإقامة الحكم الإسلامي وحده دون أي حكم سواه، وألا تقبل وجود حكم غير حكم الله.
وكما قلنا فهذه نظرة اجتهادية احتمالية وليست قطعية، والواقع العملي الإسلامي مع الذين دخلوا البرلمانات من الإسلاميين يقول غير ذلك، فهذا الدكتور ناصر الصانع يتحدث عن ثمار دخول الإسلاميين للبرلمان الكويتي: (ومما استفدناه من هذا الحديث عن الشريعة والديمقراطية، الشعور بضرورة تحويل القضايا الإسلامية إلى هموم شعبية، فهي لا تخص فئة معينة من الناس.. إذ يجب أن تكون القضية الإسلامية قضية عامة.. ويجب أن لا نكتفي بالقول بأننا نعمل من أجل تعزيز الشريعة وأن الشريعة هي الحل قد يكون هذا نافعاً في بعض المناسبات، أو لأغراض المناورات السياسية، ولكن يتعين علينا في نهاية المطاف أن نترجم تلك المناورات إلى أمثلة حقيقية، يمكن من خلالها إيصال الفكرة التي نروج لها إلى الناس بنجاح، أما الدرس الثالث الذي تعلمناه من خلال هذه التجربة، فهو التقرب من الناس، فماذا سيكون موقف من يتحدث جهاراً عن تطبيق الشريعة الإسلامية، ثم يتقدم من شخص يفتقر إلى المادة أو يحتاج إلى الرعاية الصحية ليقول له: ماذا تعني الشريعة في هذا المجلس هي من الأمور الرائعة، إذ لا يمكننا أن نكتفي بالقول بأننا نريد الشريعة، بل يتعين علينا أن نغرسها ونرعاها) ([155]).
ويلخص هدام رأيه بتجربة الجزائر:
نعتبر الجبهة الإسلامية للإنقاذ حرية التعبير عن الرأي، وحرية تشكيل الأحزاب، وضمان انتخابات تشريعية حرة ونزيهة، متطلبات أساسية للخروج من الأزمة التي تكتوي الجزائر بنارها ليل نهار، وتعتقد الجبهة أن على العالم أن يعي بأن الإسلام هو أساس المجتمع الجزائري، وأن جبهة الإنقاذ، إنما هي وسيلة لتحقيق البرنامج الإسلامي الذي يعبر عن طموحات وآمال الشعب المسلم في الجزائر، وما نجاح جبهة الإنقاذ في الانتخابات إلا تعبير عن رغبة الشعب في استعادة هويته التاريخية والحضارية) ([156]).
وعن تجربة اليمن في البرلمانات يقول نصر طه مصطفى:
بلغت الحملة ذروتها بالمسيرة المليونية التي قادها الإصلاح داخل العاصمة، وشارك فيها مواطنون من مختلف أنحاء البلاد اتجهوا إلى مقر رئاسة الجمهورية مطالبين بالتعديل، فأصدر مجلس الرئاسة الحاكم بياناً سياسياً ضمنه أهم مطالب الإصلاح منها الالتزام بأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع وبطلان أي قانون يخالفها) ([157]).
فالملاحظ إذن أن قضية الشريعة زادت عمقاً في نفس الشعوب، ولم يتمتع بنتيجة المشاركة في الحياة البرلمانية.
وأخيراً يتحدث الأستاذ محمد قطب عن:
3- المزلق الثالث: لعبة الدبلوماسية: فهي (لعبة يأكل القوي فيها الضعيف، ولا يُتاح للضعيف من خلالها أن يغافل القوي، فينتزع من يده شيئاً من السلطان.. أما توهم من يتصور أن الجاهلية تظل غافلة حتى يتسلل الإسلاميون إلى مراكز السلطة، ثم على حين غفلة من أهلها ينتزعون السلطة، ويقيمون الحكم الإسلامي، فوصف بالسذاجة قد لا يكفي لتصويره) ([158])، وهذا القول يصح على الإسلاميين سواء كانوا في البرلمان أم خارجه، وسواء كانوا الأكثرية في الأمة أو الأقلية، فيستبقى الجاهلية لهم بالمرصاد، تمنعهم وتمنع دعوتهم، وتمنع وصولهم إلى السلطة } ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا { ([159]).
ولكننا نتساءل: هل الحرمان من التربية ومنعها، والحرمان من الدعوة واعتبارها جريمة طريق يوصل إلى الهدف، أم إتاحة الأجواء (للتربية) و( الدعوة) واعتبارها حقاً شريعياً وحمايتها بقانون حاكم هو الأجدى للوصول إلى تحكيم هذه الشريعة؟؟
نحن نتفق مع أستاذنا محمد قطب في (لعبة الدبلوماسية) مع الإسلاميين بالذات، لكننا نختلف معه في الطريق.
فهاتان خلاصتان لتجربتين أخريين، ظهر فيهما حرب الجاهلية للإسلام، ومع ذلك فالقناعة عند دعاتها بقيت تؤكد أن هذا هو الطريق:
التجربة الماليزية: يقول مصطفى علي (من كبار مسؤولي الحزب الإسلامي الماليزي):
نعتقد أنه لا يوجد نظام علماني واحد في العالم يمكن أن يسمح عن طيب خاطر بازدهار ونمو الحركة الإسلامية، سواءً كانت مشتركة في السلطة أو كانت خارجها، كما ونعتقد أنه عندما تنمو القوى الإسلامية وتبلغ بنضالها حداً معيناً، فستسعى القوى العلمانية بكل ما أوتيت من قوة إلى تدميرها، إذ لم يستطع نظام علماني واحد حتى الآن التكيف مع الحركة الإسلامية، أو التوصل معها إلى تفاهم حقيقي، بل كانت سياسة الأنظمة العلمانية، ولا زالت تعتمد الاضطهاد والقمع في التعامل مع الإسلاميين.. وإلى أن تنهض الأمة الإسلامية وتقيم نظام الحكم الإسلامي، فإننا نعتقد أنه لا يكفي أن نكلم الجماهير عن هذا الاضطهاد، بل لا بد أن نطلب منها أن تكون شاهدة عليه، ومشاركة بشكل فعّال في الجهد المبذول للقضاء عليه) ([160]).
التجربة المصرية: (إن موقف النظام المعادي للحركات والجماعات الإسلامية لا يؤدي إلا إلى توسيع الشقة الكبيرة بين أجهزة الدولة وعامة الناس الذين ينمو دعمهم وتأييدهم للحركة الإسلامية يوماً بعد يوم.. ومهما عمل النظام ففي نظرنا لا يوجد إلا حل واحد للأزمة في مصر، ولا يوجد إلا طريق واحد إلى مستقبل أفضل ألا وهو الديمقراطية الحقيقية نزيهة عادلة، ديمقراطية تكفل للشعب حق اختيار حكامه وحق استبدالهم متى انحرفوا عن السبيل أو بدلوا تبديلا).
ثالثاً- المشاركة في وزارة تنفيذية:
هناك أصل متفق عليه بين المجيزين والمانعين هو أن الأصل عدم المشاركة إلا في حكم إسلامي ينفذ شرع الله، وإنما الخلاف هو حِلُّ جواز الاستثناء من هذا الأصل أم لا.
آ- رأي المانعين: وسنعرض أقوى ما كتب في الرد على هذا الاستثناء للدكتور محمد عبد القادر أبو فارس، ونحصر الحديث عنه، لأن الأصل متفق عليه بين الجميع، مع العلم بأن الدكتور أبو فارس يبيح الاشتراك في المجالس النيابية، مؤصلاً ذلك بالأصول الشرعية، كما ساهم شخصياً في هذا المجال، وكان نائباً عن مدينة عمان لأكثر من دورة نيابية.
1ً- يقول الدكتور أبو فارس:
أما إجازة المشاركة استثناءً من هذا الأصل احتجاجاً بمشاركة يوسف عليه السلام فهذا لا نسلم به للأدلة التالية:
1- إن تصرف يوسف عليه السلام إن صح أنه حكم بغير ما أنزل الله، فهو يقع تحت قاعدة (شرع من قبلنا) والقول فيه: إن شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا إذ ورد في شرعنا ما يخالفه.
2- إن يوسف عليه السلام رفض الحكم بغير ما أنزل الله، وأنكر على الطواغيت ذلك ولقد حكى القرآن ذلك على لسانه } إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه، ذلك الدين القيم { وتطبيق أحكام كافرة يتنافى مع عصمة الأنبياء.
3- إن القول إن يوسف عليه السلام شارك في الوزارة استنتاج وفهم من قائله، وليس هناك من نصٍ يؤيد هذا الفهم، لقد وقف هذا الموقف والملك يطلب مقابلته ومكافأته وقد أصبح مطلق الإرادة في تدبير الشؤون المالية قد فوض الملك إليه الأمر تفويضاً تاماً.
4- إن يوسف عليه السلام حينما فوض الملك أمر تدبير الملك له قد أصبح هو الحاكم الفعلي يدير دفة الحكم، وتلاشت شخصية العزيز، بل أصبح هو العزيز.. بل صار الملك يصدر عن رأي يوسف عليه السلام.
2ً- الرد على الاحتجاج بإسلام النجاشي:
آ- النجاشي الذي أسلم.. كان حاكماً وملكاً ولم يكن تحت وصاية أحد ولا آلة طيعة في يد غيره.
ب- ونستطيع أن نحدد فترة حكمه بعد إسلامية وأنها كانت قصيرة جداً جداً فهو أسلم في نهاية العام السابع للهجرة، أو بداية العام الثامن ووفاته كانت قبل فتح مكة كما ذكر البيهقي، فهي لا تعدو شهوراً قليلة.
جـ- إن الشعب الذي كان يحكمه النجاشي في هذه الفترة القصيرة جداً.. كان شعباً يدين بالنصرانية.. فلا تطبق عليه الأحكام التي يخاطب بها المسلمون، علماً بأن الأحكام الشرعية لم تكتمل بعد، وبعضها لم ينزل بعد.
3ً- الاحتجاج بالمصالح المرسلة:
آ- مما لا شك فيه أن أي شيء في الغالب له سلبيات وإيجابيات وله فوائد ومضار كالخمر والميسر ومع هذا فقد حرمهما الله عز وجل } وإثمهما أكبر من نفعهما { وكذلك المشاركة في الوزارة في الأنظمة الجاهلية التي لا تطبق شرع الله، فيها فوائد وفيها منافع لا تقول إنها مباحة، وقد صرحت النصوص بحرمتها.
ب- قد توجد منافع في المشاركة في الوزارة في الأنظمة الجاهلية، لكن يمكن تحصيل هذه المنافع عن غير هذا الطريق.
جـ- القول بأن المشاركة في الوزارة في الأنظمة الجاهلية تعيد الثقة بالإسلام والمسلمين، حين يرون الوزراء المسلمين يسوسون الأمة بهذا الدين، فهذا أمر محل نظر، فهل سيسمح النظام الجاهلي لهؤلاء أن يسوسوا الناس بالإسلام.
د- قد يقول قائل: إن المشاركة في وزارة برلمانية بقصد الإصلاح والتغيير واجب شرعي لأنها تحافظ على المكاسب الإسلامية القديمة، وتعمل على أسلمة نصية القوانين وترسخ الهوية الإسلامية للأمة ونقول:
1- الواجب الشرعي يحتاج إلى نص شرعي، فتبقى هذه دعوى بدون برهان طالما لا نص في ذلك.
2- يترتب على القول بالوجوب إثم تركه، فهل الإخوان المسلمون قد تركوا واجباً حينما يتح لهم ذلك وتركوه فأثموا.
3- وهل يترك أعمدة الأنظمة الجاهلية الإسلاميين يغيروا قوانينهم ليقضوا على أنفسهم بالدمار؟
4- إن مجلس الأمة هو الذي يغير القوانين أو يعدلها أو يرفضها وليس الوزير، وهذا يتحقق في الاشتراك بمجلس الأمة.
5- إن المشاركة في الوزارة في الأنظمة الجاهلية ترسخ الهوية التي يقوم على أساسها النظام، لا هوية الأمة المسلمة.
هـ- إن الطريق لاستئناف الحياة الإسلامية، وإقامة الحكم الإسلامي يكون تدريجياً، ولا يعني هذا أن يكون عن طريق الوزارة في الأنظمة الجاهلية، فهذا طريق لا يوصل إلى هدف، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسلكه ولم يشارك في حكم مكة، إنما التوجه إلى الناس بالتصورات الصحيحة، وتعريفهم بالإسلام، ثم تربيتهم على القيم والأخلاق الإيمانية والأخذ بالأسباب حتى تتكون القاعدة الصلبة التي تحقق حكم الله في واقع الحياة وتحافظ عليه.
ب- رأي المؤيدين:
وقد مثَّل هذا الرأي عدد من قيادات الحركات الإسلامية نذكر منهم على سبيل المثال...
آ- رأي الشيخ راشد الغنوشي: وهو لهذا الاستثناء يقول:
واضح أن البحث هنا ينطلق من التسليم بأن الإسلام دين ودولة، وأن العمل على إقامة دولة الإسلام فريضة لازمة على المسلمين أفراداً وجماعات، وأنه إذا وجد نظام يحتكم للإسلام فالواجب موالاته، وإن لم يكن موجوداً وتوفرت إمكانية قيامه فالواجب النهوض بذلك واسترخاص الأنفس والأموال قربى إلى الله عز وجل، غير أنه إذا تعذر في أي صورة من الصور، فهل يسع المسلمين اللجوء إلى حلول استثنائية كأن يشاركوا في إدارة حكم غير إسلامي سوءً أكان ذلك من قبيل التمهيدات لإقامة الحكم الإسلامي حسب عبارة الإمام الشهيد: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وباعتباره أيسر السبل وأقلها مؤونة وإهلاكاً للأنفس والأموال، أم هو لمجرد دفع مفاسد وتحقيق مصالح للمسلمين؟...
إن ما نفهمه من رسالة الإسلام لا يمنع في حال تعذر قيام حكم الإسلام من المشاركة في إقامة إدارة أو سلطة تتوفر على أقدار من العدالة وحقوق الإنسان، حتى وإن لم نتلمس تلك القيم الإنسانية التي هي جزء من الإسلام على عقائد الإسلام، فإن السياسة الشرعية كما عرفها ابن عقيق (فعل من يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، وإن لم يصفه الرسول صلى الله عليه وسلم ولا نزل به وحي) ([161]).
مع تأكيد أن ذلك هو خلاف الأصل الذي هو وجوب الاحتكام إلى شريعة الإسلام وإقامة دولته، وهو ما يجب أن يكون ديدن كل مسلم، وحلم يقظته ومنامه، والمقصد الأسنى للحركة الإسلامية) ([162]).
ب- رأي الشيخ فيصل مولوي: المشاركة في الوزارة:
لا شك أن الأصل عدم جواز المشاركة في الوزارة التي تحكم بشريعة غير شريعة الله تعالى، وذلك لعموم النصوص الواردة في وصف من يحكم بغير ما أنزل الله بالكفر والظلم والفسق.. وأن الحاكمية يجب أن تكون له وحده } إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه {، وكذلك نهى الله المؤمنين أن يحتكموا إلى شريعة غير شريعة الله، وجعل ذلك منافياً للإيمان، حينما قال: } فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت، ويسلموا تسليما {.. كما نعى على المنافقين موقفهم من الاحتكام إلى غير ما أنزل الله فقال: } ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك، يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت، وقد أمروا أن يكفروا به، ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً {.
هذه النصوص ومثالها، تدل على عدم جواز المشاركة في نظام يحكم بغير ما أنزل الله، وأن ذلك هو الأصل، لأنه لا يجوز ترك حكم الله إلى حكم غيره، وأن من يفعل ذلك يكون مؤثراً لحكم الجاهلية على حكم الله تعالى } أفحكم الجاهلية يبغون، ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون { ([163])، وتجوز المشاركة استثناء من الأصل استدلالاً بالأدلة التالية:
آ- مشاركة يوسف عليه السلام في الوزارة.
ب- موقف النجاشي.
جـ- المصلحة.
وفيما يلي تفصيل القول في الأدلة) ([164]).
د- رأي الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:
الأصل عدم المشاركة: لا ريب أن الأصل في القضية: ألا يشارك المسلم إلا في حكم يستطيع أن ينفذ شرع الله فيما يوكل إليه من مهام الولاية والوزارة، وألا يخالف أمر الله تعالى ورسوله الذي يجب أن يخضع لهما بمقتضى إيمانه كما قال تعالى: } وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى... {، وقال تعالى } فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم {، فإذا كان الحكم غير إسلامي بمعنى أنه لا يلتزم بتطبيق شريعة الإسلام وأحكامه في شؤون الحياة المختلفة... إنما يتخذ مصادر أخرى من غير الإسلام يستوردها من الشرق والغرب... ويُشرك معه مصادر أخرى قد قدمها على الإسلام المحكم، فهذا كله مرفوض في نظر الإسلام الذي يوجب على المسلمين الاحتكام إلى ما أنزل الله عز وجل وكل ما أنزل الله، ولا يجوز أخذ بعضه وترك بعضه كما قال تعالى لرسوله } وأن احكم بينهم بما أنزل الله، ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك... {.
وإذا كان المسؤول الأول عن هذا الانحراف عن شرع الله هو رئيس الدولة، ملكاً كان أو رئيس جمهورية أم حاكماً عسكرياً، فإن الذين يعاونونه شركاء في الإثم بقدر معاونتهم حتى إن القرآن الكريم أشرك جنود فرعون معه.. } إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين {...
الخروج عن الأصل لاعتبارات شرعية: هذا الذي ذكرنا في تحريم التعاون مع الذين ظلموا هو الأصل وقولنا هو الأصل، أي القاعدة الأساسية أو الأعم الأغلب ومفهومه أن هناك حالات يُخرج فيها عن الأصل لاعتبارات يقدرها الشرع قدرها، من هذه الاعتبارات:
1- تقليل الشر والظلم مطلوب بقدر الاستطاعة:....
2- ارتكاب أخف الضررين...
3- النزول من المثل الأعلى إلى الواقع الأدنى:....
4- سنة التدرج:....
5- شروط لا بد منها:....
6- فتوى الأئمة الأعلام:.. فتوى عز الدين بن عبد السلام... فتوى ابن تيمية...) ([165]).
وسنعرض أقوى ما كُتب في الرد على هذا الاستثناء للدكتور محمد عبد القادر أبو فارس ونحصر الحديث عنه لأن الأصل متفق عليه بين الجميع.
هذا ونشير عرضاً إلى أن المشاركة في الانتخابات النيابية لاختيار الأفضل أو الأقل سواءً لم نسمع أن هناك من حرَّمه، إنما التحريم ينصب عند المانعين على الترشيح للمجالس النيابية والدخول فيها.
رابعاً- ردود ومناقشات وترجيح:
آ- الاستشهاد بقصة يوسف عليه السلام:
وما لنا نبعد وندع كتب التفسير التي أعطتنا الإجابات الصريحة في ذلك..
1ً- تفسير القرطبي:
يقول القرطبي رحمه الله تعليقاً وإيضاحاً لقوله عز وجل: } اجعلني على خزائن الأرض.. {، والثانية: قال بعض أهل العلم في هذه الآية ما يبيح للرجل الفاضل أن يعمل للرجل الفاجر، والسلطان الكافر، بشرك أن يعلم أنه يفوض إليه في فعل لا يعارضه فيه، فيصلح منه ما شاء، وأما إذا كان عمله بحسب اختيار الفاجر وشهواته وفجوره فلا يجوز ذلك، وقال قوم: إن هذا كان ليوسف خاصة، وهذا اليوم غير جائز، والأولى أولى إذا كان على الشرط الذي ذكرناه) ([166]).
فقد رجح القرطبي رحمه الله أن هذا ليس خاصاً بيوسف عليه الصلاة والسلام كما ذهب إليه بعض العلماء، وأن الميزان في ذلك هو التفويض المطلق، من الفاجر أو الكافر، وعدم حله بدونه.
ثانياً: (قال الماوردي: فإن كان المولّي ظالماً فقد اختلف الناس في جواز الولاية على قولين أحدهما: جوازها إذا عمل بالحق فيما تقلده، لأن يوسف ولّي من قبل فرعون، ولأن الاعتبار في حقه بفعله لا يفعل غيره، الثاني أنه لا يجوز ذلك لما فيه من تولي الظلمة بالمعونة لهم وتزكيتهم بتقليد أعمى، فأجاب من ذهب إلى هذا المذهب عن ولاية يوسف من قبل فرعون بجوابين؛ أحدهما: أن فرعون يوسف كان صالحاً، وإنما الطاغي فرعون موسى، الثاني أنه نظر في أملاكه دون أعماله فزالت عنه التبعة فيه) ([167]).
ويُلاحظ إذن حتى لو كان ظالماً واستطاع أن يزيل هذا الظلم فمن حقه ذلك على الرأي الأول، بينما لا يجيزون ذلك على الرأي الثاني بحيث لا يكون التولي للظلمة عوناً لهم، ونلاحظ كذلك أن المصلحة أبداً هي التي ينظر إليها في هذا الموضوع.
ثالثاً: (قال الماوردي: والأصح من إطلاق هذين القولين أن يفصل ما يتولاه من جهة الظالم على ثلاثة أقسام:
أحدها؛ ما يجوز لأهله فعله من غير اجتهاد في تنفيذه كالصدقات والزكوات، فيجوز توليه من جهة الظالم لأن النص على مستحقه قد أغنى عن الاجتهاد فيه، وجواز تفرد أربابه به قد أغنى عن التقليد.
القسم الثاني: ما لا يجوز أن يتفردوا به ويلزم الاجتهاد في مصرفه كأموال الفيء، فلا يجوز توليه من جهة الظالم لأنه يتصرف بغير حق، ويجتهد فيما لا يستحق.
القسم الثالث: ما يجوز أن يتولاه لأهله وللاجتهاد فيه مدخل كالقضايا والأحكام، فعقد التقليد محلول، فإن كان النظر تنفيذاً للحكم بين متراضيين، وتوسطاً بين مجبورين جاز، وإن كان إلزام إجبار لم يجز) ([168]).
ونلاحظ أن وزارات الخدمات في النظام الديمقراطي كلها تدخل ضمن إطار المباح، فالقانون في النظام الديمقراطي لا يعطي ميزة لفرد فيه ولا درهماً واحداً لموقعه أو نسبه أو مسؤوليته زيادة عن حقه، وإنما هو تحرٍ للعدل في توزيع هذه الخدمات على الشعب، وكل الحكام يستأثرون فوق القانون بثروات الشعب ويستنـزفونها باللعب على القانون، وليس فيها على الأعم الأغلب أي تشريع بغير ما أنزل الله.
2ً- من الحق إلى الواجب: في تفسير غرائب القرآن (على هامش تفسير الطبري) للنيسابوري يقول بصدد هذه الآية: (قال المفسرون: لما حكى يوسف رؤيا الملك وغيرها بين يديه قال له الملك: فما ترى أيها الصدِّيق، قال: أرى أن تزرع في هذه السنين الخصبة زرعاً كثيراً، وتبني الخزائن والأهراء، وتجمع الطعام فيها فيأتيك الخلق من النواحي ويمتارون لك ويجتمع لك من الكنوز ما لم يجتمع لأحد من قبلك، فقال الملك: ومن لي بهذا الشغل، فقال يوسف: اجعلني على خزائن الأرض.. إني حفيظ (للأمانات والأموال) عليم (بوجوه التصرف فيها على وجه المصلحة).. فعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رحم الله أخي يوسف لو لم يقل اجعلني على خزائن الأرض لاستعمله من ساعته، لكنه لما قال ذلك أخره الله تعالى عنه سنة وقال آخرون إن التصرف في أمور الخلق كان واجباً عليه، لأن النبي يجب عليه رعاية الأصلح لأمته بقدر الإمكان، وقد علم بالوحي أن سيحصل القحط والضنك فأراد السعي إلى إيصال النفع إلى المستحقين ودفع الضرر عنهم، وإذا علم النبي أو العالم أنه لا سبيل إلى دفع الظلم والضرر عن الناس إلا بالاستعانة من كافر أو فاسق فله أن يستظهر به على أن مجاهداً قد زعم أن الملك قد أسلم، وقيل كان الملك يصدر عن رأيه فكان في حكم التابع لا المتبوع، ووصف نفسه عليه السلام بالعلم والحفظ على سبيل المبالغة لم يكن لأجل التمدح، ولكن للتوصل إلى الغرض المذكور) ([169]).
3ً- سيد قطب مع هذا الرأي: ويطلع علينا سيد رحمه لله في الظلال – وهو من أعظم من دعا للمفاصلة بين المؤمنين والكافرين، وأبرز الحاكمية لله في هذا القرن – يطلع علينا بهذا الرأي العظيم فيقول: } إني حفيظ عليم { ولم يكن يوسف يطلب لشخصه وهو يرى إقبال الملك عليه، فيطلب أن يجعله على خزائن الأرض، إنما كان حصيفاً في اختيار اللحظة التي يُستجاب له فيها لينهض بالواجب المرهق الثقيل ذي التبعة الضخمة في أشد أوقات الأزمة، وليكون مسؤولاً عن إطعام شعب كامل وشعوب كذلك تجاوره طوال سبع سنوات لا زرع فيها ولا ضرع، فليس هذا غُنماً يطلبه يوسف لنفسه، فإن التكفل بإطعام شعب جائع طوال سنوات متوالية لا يقول أحد عنه إنه غنيمة، إنما هي تبعة يهرب منها الرجال، لأنها قد تكلفهم رؤوسهم، والجوع كافر وقد تمزق الجماهير الجائعة أجسادهم في لحظات الكفر والجنون) ([170]).
ب- فتوى عز الدين بن عبد السلام:
من ذلك فتوى سلطان العلماء الإمام عز الدين بن عبد السلام في كتابه " قواعد الأحكام " فقد قال رضي الله عنه: (ولو استولى الكفار على عظيم فولوا القضاء لمن يقدم مصالح المسلمين العامة، فالذي يظهر: إنفاذ ذلك كله جلباً للمصالح العامة، ودفعاً للمفاسد الشاملة، إذ يبعد من رحمة الشرع ورعايته لمصالح العباد: تعيل المصالح العامة، وتحمل المفاسد الشاملة لقوات الكمال فيمن يتعاطى توليتها لمن هو أهل لها.
جـ- فتوى ابن تيمية:
سُئل الشيخ قدس الله روحه: عن رجل متولٍ ولايات، ومقطع إقطاعات، وعليها من الكُلف السلطانية ما جرت به العادة، وهو يختار أن يسقط الظلم كله، ويجتهد في ذلك بسحب ما قدر عليه، وهو يعلم أنه إن ترك ذلك، وأُقطعَها غيره، ووُلِّي غيره، فإن الظلم لا يترك منه شيء بل ربما يزداد، وهو يمكنه أن يخفف تلك المكوس التي في إقطاعه، فيسقط النصف، والنصف الآخر جهة مصارف لا يمكنه إسقاطه، فإنه يطلب منه لتلك المصارف عوضها، وهو عاجز عن ذلك لا يمكن ردها فهل يجوز لمثل هذا بقاؤه على ولايته وإقطاعه؟
فأجاب رحمه الله: احمد الله، نعم إذا كان مجتهداً في العدل، ورفع الظلم بحسب إمكانه وولاياته خير وأصلح للمسلمين من ولاية غيره، واستيلاؤه على الإقطاع خير من استيلاء غيره كما ذكر.
فإنه يجوز له البقاء في الولاية والإقطاع، ولا إثم عليه في ذلك، بل بقاؤه على ذلك أفضل من تركه إذا لم يشتغل إذا تركه بما هو أفضل منه، وقد يكون ذلك عليه واجباً إذا لم يقم به غيره قادراً عليه، فنشر العدل بحسب الإمكان، ورفع الظلم بحسب الإمكان فرض على الكفاية، يقوم كل إنسان بما يقدر عليه من ذلك إذا لم يقم غيره في ذلك مقامه، ولا يطالب والحالة هذه بما يعجز عنه من رفع الظلم) ([171]).
وينص على الولاية صراحة في دولة كافرة بقوله:
ثم الولاية وإن كانت جائزة أو مستحبة أو واجبة، فقد يكون في حق الرجل المعين غيرها أوجب أو أحب، فيقدم عندئذ خير الخيرين وجوباً تارة، واستحباباً أخرى.
ومن هذا الباب تولي يوسف الصديق الأرض لملك مصر، ومسألته أن يجعله على خزائن الأرض وكان هو وقومه كفاراً كما قال تعالى: } ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به..{ (1) وقوله تعالى: } يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار، ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم.. { ([172])، ومعلوم أنه مع كفرهم لا بد أن يكون لهم عادة وسنة في قبض الأموال، وصرفها على حاشية الملك، وأهل بيته وجنده ورعيته، ولا تكون تلك جارية على سنة الأنبياء وعدلهم، ولم يكن يوسف يمكنه أن يفعل كل ما يريد، وهو ما يراه في دين الله فإن القوم لن يستجيبوا له، لكن فعل الممكن من العدل والإحسان، ونال بالسلطان من إكرام المؤمنين من أهل بيته ما لم يمكن أن يناله بدون ذلك، وهذا كله داخل في قوله تعالى } فاتقوا الله ما استطعتم { ([173])) ([174]).
ونشأ أمران عظيمان غير تحقيق العدل في الأمة، وإطعام شعب بأكمله لسبع سنوات، وصد الجوع عنه:
أولاً- إسلام الملك بعد سنة من استلام يوسف عليه السلام الوزارة، قال الطبري: استخلف الملك الأكبر الريان يوسف على عمله اطفير عزله، قال مجاهد: وأسلم على يديه) ([175]).
ثانياً- انتشار الإسلام في مصر (ولما فوَّض الملك أمر مصر إلى يوسف، تلطف بالناس وجعل يدعوهم إلى الإسلام حتى آمنوا به، وأقام فيهم العدل، فأحبه الرجال والنساء) ([176]).
ثالثاً- حرر أهل مصر بعد أن دفعوا حريتهم ثمناً لطعامهم فقال إني لم أعتقهم من الجوع لأستعبدهم، وإني أُشهد الله وأشهدك (أي الملك) أني أعتقهم عن آخرهم ورددت عليهم أموالهم وأملاكهم، ورددت عليك ملكك بشرط أن تستن بسنتي ([177]).
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
رد: الديمقراطية و الحكم (المبحث الرابع+الحاشية)
خامساً- شروط في المشاركة في الحكم:
1- الأصل عدم المشاركة إلا في نظام يحكم بما أنزل الله، ويشرع بما أنزل الله، والحديث عن الاستثناء.
2- لا تجوز المشاركة في الأعم الأغلب في نظام دكتاتوري مستبد (وأما إذا كان عمله بحسب اختيار الفاجر وشهواته وفجوره فلا يجوز ذلك، القرطبي 5 / 215) وعند القرضاوي:
( ومن هنا لا يجوز للمسلم الملتزم ولا للجماعة المسلمة الملتزمة أن يشاركا في حكم دكتاتوري متسلط على رقاب الناس سواءً كان حكم فرد مطلقاً أم حكماً عسكرياً متعسفاً) من فقه الدولة / 184.
3- ومع ذلك فقد أجاز بعضهم ذلك (فإن كان الوالي ظالماً فقد اختلف في جواز الولاية على قولين، أحدهما: جوازها إذا عمل بالحق فيما تقلده (أي إذ فُوِّض بالحكم) القرطبي 5 / 215).
4- وأما المشاركة في نظام ديمقراطي، فالاستثناء من القاعدة هو جواز الاشتراك في وزارة تنفيذية مع مراعاة الفوارق التالية.
5- إن الدول التي نصت في دستورها على أن الإسلام هو المصدر الوحيد للتشريع (كم هو الحال في اليمن والسعودية وغيرهما) أو المصدر الرئيسي للتشريع، فيمكن القول بجواز الاشتراك على الإطلاق في أيٍ من وزارات الدولة، لأنها وإن كانت تنهج الديمقراطية أسلوب حكم، فقد اختارت الإسلام تشريع حياة.
6- والدول التي نصّت في دستورها على أن الإسلام مصدر رئيسي للتشريع، ودين الدولة الإسلام وهو غالب في معظم الدول العربية والإسلامية، وانتهجت الديمقراطية أسلوب حكم، فالقول بجواز الاشتراك على الأعم الأغلب إلا ما يُقطع بالتشريع فيه لغير الله.
7- وبالمقابل فالدول العقائدية التي تنطلق من عقائد محاربة للإسلام كالشيوعية والعلمانية والاشتراكية العلمية، فالأصل عدم جواز الاشتراك في أي وزارة فيها لأنها تنطلق صراحة من حرب الإسلام ومواجهته.
8- وتبقى الدول التي تنطلق من الديمقراطية أسلوب حكم وتؤمن بالتعددية السياسية، وللحركة الإسلامية حرية الدعوة ولها الاعتراف المباشر أو غير المباشر، فيتعادل الجواز والحظر على التفصيل التالي:
9- إذا كان نظام الحكم رئاسياً ديمقراطياً فالأصل عدم الجواز لأن رئيس الدولة هو صاحب القرار، والوزراء بمثابة مستشارين عنده (ومجلس الوزراء لا وجود له بالمعنى القانوني، لأن الوزراء ما هم إلا مجرد سكرتيرين لديه يختارهم لمعاونته في السلطة التنفيذية) علم السياسة لعبيدان / 253.
10- ويكون الاستثناء بالمشاركة إذا كان الوزير يشير بالحق ويدل عليه، ومسؤولية التنفيذ على رئيس الدولة، وأما المشاركة في نظام ديمقراطي برلماني فالأصل الجواز لوجود المسؤولية الفردية للوزير (أما المسؤولية الفردية فهي تنصب على وزير بعينه حيث يُسأل عن تصرفاته الفردية التي يأتيها وتتعلق بإدارته لوزارته، فتكون النتيجة سحب الثقة من هذا الوزير، ومن ثم تقديم استقالته من الحكومة) دراسات في علم السياسية لعبيدان / 243، 244.
سادساً- أهداف المشاركة في الحكم:
آ- إقامة الدولة الإسلامية:
فقد تمكن الإسلاميون في كلٍ من اليمن والسودان من جعل الإسلام المصدر الوحيد في التشريع، وتحويل دولتهم إلى دولة إسلامية، ومن خلال اللعبة السياسية تقترب الكويت من هذه الخطوة.
ب- انتشار الفكر الإسلامي:
فتحت مظلة حق الترشيح للمجالس النيابية أمكان طرح الفكر الإسلامي على الأمة في كل الأصعدة، وإيضاح التصور الإسلامي لمعالجة مشكلات المجتمع والقضاء على أمراضه المستعصية.
والذين نجحوا استطاعوا تحت قبة البرلمان أن يتحدثوا عن الإسلام في معالجة كل مشكلة والدعوة إلى تبني شريعة الله، وتفنيد كل ما يُثار ضد الإسلام في صفوف أعدائه، لقد تغلغل فكر الحركة في قطاعات كبيرة جداً في الشعب مثل الأردن ومصر وتركيا وغيرها.
جـ- الاتصال المباشر بالشعب:
فمن خلال المشاركة في المجالس النيابية والوزارات التنفيذية يتم الاتصال بكل قطاعات الأمة والحوار معها، ففي ظل النميري مثلاً حين شاركت الحركة الإسلامية في الحكم، فقد عملت الحركة على تأسيس واجهات نسائية وطلابية تعمل في المجالات الاجتماعية والثقافية والفنية، فأسست جمعية رائدات النهضة في عام 1979 التي أصبح لها 67 فرعاً بحلول 1984، كما أنشئت جمعية الإصلاح والمواساة التي تخصصت في رعاية الأسر الفقيرة، وجمعية فكرية باسم جماعة الفكر والثقافة الإسلامية، وأنشأت في أول الثمانينات منظمة شباب البناء التي نمت سريعاً ليكون لها خمسمائة فرع في أنحاء البلاد المختلفة، وكان من أوائل الأهداف التي وضعتها الجماعة لنفسها مضاعفة عدد عضويتها عشر مرات، ولم تستطع أن تحقق هذا الهدف كاملاً إلا أنها أحدثت قفزة نوعية كبيرة في عضوية الجماعة وخاصة في أوساط النساء والطلاب) ([178]).
د- اكتساب الخبرات:
فالمشاركة في لجان المجالس النيابية المختلفة تكسب الإسلاميين خبرة عالية في فهم مشاكل الناس والطرق العملية لحلها والتوسع النوعي فيها بحيث تتنازل جميع المجالات الحياتية، (فقد فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر في الانتخابات البلدية المحلية يونيو 1990 بالأغلبية (853 بلدية من أصل 1541))([179]) ويقول الدكتور حمزة منصور عن تجربة الأردن: (إن المشاركة البرلمانية فتحت الباب أمام اكتساب خبرات غنية لدى الإخوة المشاركين في هذه العملية في المجالات السياسية والقانونية والاقتصادية وغيرها أطلعتهم من خلال الوسائل البرلمانية على معلومات ما كان يتسنى لهم الاطلاع عليها) ([180]).
هـ- المشاركة في صنع القرار السياسي:
فإن الأحزاب والتنظيمات والجماعات السياسية يكون في طليعة أهدافها الوصول إلى السلطة أو المشاركة فيها لتحقيق مصالح عامة من وجهة نظر كل منها، وقد تستطيع أن تغير خللاً أو انحرافاً في الخط السياسي، إذا أحسنت الاستفادة من موقعها في السلطة.
و- تقديم نماذج القدوة في الساسة:
بعيداً عن المصالح الشخصية، وتمثيلاً للنزاهة والتجرد والصالح العام في الأمة.
هذا وقدم هشام جعفر رئيس قسم البحوث بالمركز الدولي للدراسات بالقاهرة أهداف المشاركة بما يلي:
( 1- نشر الفكرة الإسلامية الصحيحة، وتكوين رأي عام إسلامي صحيح.
2- تربية وإعداد كوادر (اختصاصيين).
3- ترجمة شعار (الإسلام هو الحل) عملياً، وتقديم نموذج في هذا الصدد.
4- اكتساب مواقع جديدة وتوسيع رقعة التأثير.
5- اكتساب مهارات إدارة العملية الانتخابية.
6- حصر الكفاءات والخبرات بغرض التعرف عليها تمهيداً للاستفادة منهم حال تحقيق الحكم الإسلامي.
7- التواجد على المستوى العربي والإسلامي، والاستفادة من ذلك.
8- عمل مراكز ضغط على عملية صنع القرار ومراكزه.
9- الحث على مشاركة الناس مشاركة إيجابية، ومعالجة السلبية المتفشية بينهم) ([181]).
سابعاً: رأي التنظيم العالمي في المشاركة في الحكم...
ثامناً: تجربة المشاركة الإسلامية في سورية:
لقد كانت مشاركة الإسلاميين في الحياة السياسية في سورية من أقدم التجارب الديمقراطية في الوطن العربي، ففي عام 1949 دخل الدكتور مصطفى السباعي المراقب العام للإخوان عضواً في البرلمان عن مدينة دمشق، ثم صار نائباً لرئيس البرلمان، وعندما تحول البرلمان إلى جمعية تأسيسية كان أحد الأعضاء التسعة الذين كُلفوا بوضع الدستور، وقد خاض معركة عنيفة ضد خصوم الإسلام حتى استطاع أن يضع المواد الإسلامية في الدستور السوري.
1- جاء في مقدمة الدستور ([182]):
إن الدولة تعلن استمساكها بالإسلام ومثُله العليا.
2- وإننا نعلن أيضاً أن شعبنا عازم على توطيد أواصر التعاون بينه وبين شعوب العالم العربي والإسلامي.
3- وعلى بناء دولته الحديثة على أسس من الأخلاق القويمة التي جاء بها الإسلام والأديان السماوية الأخرى.
4- وعلى مكافحة الإلحاد وانحلال الأخلاق) ([183]).
أما المبادئ والنصوص الإسلامية في صلب الدستور فقد تجلت في المواد التالية:
1- دين رئيس الجمهورية الإسلام.
2- الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع.
3- حرية الاعتقاد مصونة، والدولة تحترم جميع الأديان السماوية، وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على أن لا يخل ذلك بالنظام العام.
4- الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مرعية) ([184]).
فالمستلم الأستاذ محمد المبارك رحمه الله وزارة الأشغال العامة في ذلك العهد.
أما المشاركة في الوزارات التنفيذية، فقد كانت أجلى ما يكون بعد الوحدة وفي مرحلة وإعادة المجلس النيابي، حيث شكل الأستاذ خالد العظم وزارة شارك فيها الاشتراكيون والإسلاميون بثلاث وزارات، أما الوزارات التي استلمها الإسلاميون فهي وزارة الصحة والتموين والزراعة، وقد اختاروا وزارات الخدمات في دولة غير إلى شريعة الله، ومع هذا فقد منع الأستاذ عمر عودة الخطيب وزير التموين استيراد الخمور، كما قام الأستاذ أحمد مظهر العظمة بإلغاء بدعة انتخاب ملكات الجمال للمواسم الزراعية.
وأصبحت البلاد بعد هذه المشاركات مهيأة لانتخابات نيابية لصالح الإسلاميين، بعد الشعبية الكبيرة التي كسبوها لولا قيام الانقلاب العسكري في 8 آذار الذي أنهى الحياة الديمقراطية في البلاد، لقد شارك الإخوان في الحياة الديمقراطية خلال عشرين عاماً من حياة سورية، وأثبتوا كفاءة عالية ونزاهة كبيرة في هذه المشاركات، ومارسوا التعددية السياسية عملاً لا قولاً حتى جاء الجيش وحسم الموقف لصالح الحزب القائد والفرد القائد.
تاسعاً- المشاركة الفردية:
لا بد أن نشير إلى أن هناك فرقاً كبيراً بين المشاركة الحزبية من الحركة الإسلامية والمشاركة الفردية من بعض الإسلاميين، فالمشاركة الفردية يحمل مسؤوليتها نجاحاً أو إخفاقاً الفرد المشارك نفسه، وهو صاحب تقدير المصلحة في ذلك.
والملاحظ أن المشاركة الشخصية كثيراً ما تنتهي بشهوة الحكم عند المشارك، وحرصه على أن يستوزر فلا يفوته هذا المجد، ومثال الباقوري رحمه الله دليل على ذلك، فقد تم إعدام إخوانه الستة وهو وزير للأوقاف في دولة عبد الناصر، وكان يُشارك المسؤولين في الدولة حضور احتفالات غناء أم كلثوم كل ليلة خميس حتى ساعة متأخرة من الليل، بل كثيراً ما ينتهي من تستهويه الوزارة وشهوة السلطة والحكم إلى أن يكون عدواً لدوداً للحركة الإسلامية التي أبرزته، أو جاسوساً ينقل أخبارها ومعلوماته عنها إلى السلطة.
ولا يمكن أن نعمم هذا الأمر فهناك أفراد كثيرون اجتهدوا في المشاركة، وأفادوا أمتهم والعاملين في الإسلام فيها.
كما نشير إلى أن الحركة الإسلامية حين تتخذ موقفاً سياسياً برفض المشاركة في الحكم من خلال المصلحة، ويقوم بعض أفرادها بتحدي قرارها، فكثيراً ما تنتهي تجربته هذه بفصله من الحركة وبعده عنها وتحوله إلى خصم لها، والتجربة الإسلامية الأردنية تحوي العديد من هذه النماذج ونشير أخيراً إلى نموذج وسط في المشاركة الفردية، حين يدخل فرد ما في وزارة بعد استشارة الحركة وموافقتها دون أن تتحمل مسؤولية هذه المشاركة، أو ترغب فيها لظروف معينة تمر بها.
عاشراً - ملخص البحث:
ونخلص من هذا البحث إلى النتائج التالية:
1- تكمن أهمية هذا البحث في موضوع المشاركة في الحكم لافتراق وجهات النظر بين مانعٍ لها وعلى أساس عقدي، وبين مبيح لها وداعٍ إليها لمصلحة الإسلام نفسه.
2- يقول المانعون للمشاركة: إن مسائل الحكم بغير ما أنزل الله، والديمقراطية ليست من مسائل الفروع التي يسوغ لها الاختلاف الفقهي، بل إنها من أصول الإيمان، بل إنها متعلقة بأصل أصول الإيمان وهو عقيدة التوحيد، والديمقراطية إعطاء حق التشريع لغير الله وهو الشعب.
3- غير أن هذا الفكر للجماعات المتطرفة قد تغير من خلال حزبي الشريعة والإصلاح اللذين مثلا جماعة (الجهاد) و( الجماعة الإسلامية) وقد نبذ العنف، وطرحا العمل السياسي بديلاً عنه وأعلنا قبولهما للتعددية السياسية.
4- يعرض الأستاذ محمد قطب حول حرمة دخول البرلمانات ثلاثة مزالق، فالمزلق العقيدي هو حرمة المشاركة في المجلس الذي يشرع بغير ما أنزل الله ولو لم يوافق المؤمنون على تلك التشريعات. ونقول إن المسلمين اشتركوا في حصار الشعب مع المشركين ثلاث سنوات يجمعهم مصير مشترك.
5- والمزلق الثاني هو الموقف السياسي، حيث نعوِّق قيام القاعدة الإسلامية بهذا التميع الذي نصنعه في قضية الحكم بما أنزل الله، ونقول لأستاذنا محمد قطب: إن التجارب البرلمانية للمسلمين أكدت اتساع القاعدة الإسلامية المطالبة بالحكم بما أنزل الله.
6- والمزلق الثالث هو لعبة الدبلوماسية حيث يأكل القوي فيها الضعيف، وتصور العاملين للإسلام أن يُتاح لهم الوصول لحكم من خلال البرلمان هو توهم وسذاجة، ونحن مع أستاذنا سيد قطب في صحة تصوره، لكن العاملين للإسلام يعتبرون البرلمان منبراً إسلامياً يتصلون بالجماهير من خلاله.
7- المشاركة في وزارة تنفيذية: يذهب المانعون لها برفض جميع حجج المبيحين وخاصة حين يحتجون بالمصالح المرسلة، والطريق الوحيد لاستئناف الحياة الإسلامية هي التوجه إلى الناس بالتصورات الصحيحة، وتعريفهم بالإسلام، ثم تربيتهم على الأخلاق والقيم الإيمانية والأخذ بالأسباب حتى تتكون القاعدة الصلبة التي تحقق حكم الله في واقع الحياة وتحافظ عليه.
8- أما رأي المجيزين وعلى رأسهم العديد من قيادات الحركات الإسلامية، يعتبرون الأصل عدم المشاركة، والاستثناء يقوم بهدف تقليل الشر والظلم، ثم ارتكاب أخف الضررين، ثم سنة التدرج والنزول من المثل الأعلى إلى الواقع الأدنى.
9- ويؤكد رأي المجيزين ما ورد عن استلام يوسف الحكم في قوله لعزيز مصر: } اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم { في دولة غير مسلمة، فقد رجح القرطبي في تفسيره على أن هذا ليس خاصاً بيوسف عليه الصلاة والسلام، وأن الميزان في ذلك هو التفويض المطلق، وعدم حله بدونه.
10- وفي تفسير غرائب القرآن للنيسابوري، ينتقل الأمر من الحق أو الجواز إلى الواجب (وقال آخرون: إن التصرف في أمور الخلق كان واجباً عليه لأن النبي يجب عليه رعاية الأصلح لأمته قدر الإمكان، وإذا علم النبي أو العالم أن لا سبيل إلى دفع الظلم والضر على الناس إلا بالاستعانة بكافر أو فاسق فله أن يستظهر به.
11- وهذا هو رأي سيد قطب رحمه الله وهو من أشد الداعين للمفاصلة بين المؤمنين والكافرين (ولم يكن يوسف يطلب لشخصه وهو يرى إقبال الملك عليه، إنما كان حصيفاً في اختيار اللحظة التي يُستجاب له فيها لينهض بالواجب المرهق الثقيل.. وليكون مسؤولاً عن إطعام شعب كامل وشعوب كذلك تجاوره طوال سبع سنوات لا زرع فيها ولا ضرع.
12- ولسلطان العلماء العز بن عبد السلام فتوى في شأن المشاركة إذ يقول: ولو استولى الكفار على بلد عظيم فولوا القضاء لمن يقدم مصالح المسلمين العامة فالذي يظهر إنفاذ ذلك كله جلباً للمصالح العامة ودفعاً للمفاسد الشاملة.
13- وسُئل ابن تيمية رحمه الله عن رجل متولٍ ولايات، وهو يختار أن يسقط الظلم كله فأجاب رحمه الله: نعم إذا كان مجتهداً في العدل، ورفع الظلم بحسب إمكانه، وولايته خير وأصلح للمسلمين من ولاية غيره، واستيلاؤه على الإقطاع خير من استيلاء غيره.
14- وهناك شروط في المشاركة في الحكم غير الإسلامي منها:
1- الأصل عدم المشاركة إلا في نظام يحكم بما أنزل الله، والمشاركة في استثناء.
2- في الأعم الغالب لا تجوز المشاركة في نظام دكتاتوري ثابت إلا إذا فوض بالحكم.
3- جواز الاشتراك في وزارة تنفيذية في نظام ديمقراطي لا ينص على العلمانية ونبذ الدين.
4- جواز الاشتراك في أيٍ من وزارات الدولة في نظام ينص على أن الإسلام هو المصدر الوحيد أو الرئيس للتشريع.
5- جواز الاشتراك في دول نص دستورها على أن الإسلام مصدر رئيسي للتشريع، وانتهجت أسلوب حكم إلا ما تُقطع فيه بالتشريع بغير ما أنزل الله.
15- أهداف المشاركة في الحكم منها:
1- العمل على إقامة دولة الإسلام.
2 - انتشار الفكر الإسلامي.
3 - الاتصال المباشر بالأمة.
4- اكتساب الخبرات.
5- المشاركة في صنع القرار السياسي.
16- وقد ساهمت الحركة الإسلامية في سورية بهذه المشاركة في دخول البرلمانات، في الوزارات التنفيذية في العهود الديمقراطية، وكان للدكتور مصطفى السباعي المراقب العام للإخوان المسلمين الدور الكامل في إدخال الفقرات الإسلامية في الدستور السوري، كما ألغى الوزراء كثيراً من التشريعات غير الإسلامية عندما شاركوا في الحكم.
17- والتنظيم العالمي للإخوان المسلمين بعد دراسة شرعية مستفيضة للمشاركة في الحكم من علمائه المجيزين والمانعين، رجح المشاركة عندما توجد مصلحة عامة بذلك.
ونشير إلى أن المشاركة الفردية مع الأنظمة الحاكمة لا تحمل الحركة الإسلامية مسؤوليتها، وكثيراً ما تكون سلبياتها أكثر من إيجابياتها. إلا إذا كانت بتنسيق مع الحركة وموافق
____________________________________________________
([1]) سورة القصص / 50.
([2]) سورة الشورى /21.
([3]) سورة الجاثية / 18.
([4]) المائدة / 50.
([5]) سورة المؤمنون / 71.
([6]) في ظلال القرآن لسيد قطب، 2 / 890، 891.
([7]) تفسير ابن كثير 2/ 384.
([8]) سورة الأنعام / 89.
([9]) الإسلام والديمقراطية لـ: حسن العلكيم من كتاب مشاركة الإسلاميين في السلطة لعزام التميمي / 38.
([10]) الحريات العامة في الدولة الإسلامية لـ: راشد الغوشي 88 / 278.
([11]) دراسات في علم السياسة لـ: د. يوسف محمد عبيدان / 267، 268.
([12]) دراسات في علم السياسة لـ عبيدان / 273.
([13]) المصدر نفسه / 275.
([14]) المصدر نفسه / 289، 290.
([15]) دراسات في علم السياسة لـ عبيدان / 292.
([16]) فقه الشورى والاستشارة للدكتور توفيق الشاوي / 13، 14.
([17]) دراسات في علم السياسة لعبيدان / 296.
([18]) دراسات في علم السياسة لـ عبيدان / مختارات 298، 299.
([19]) المصدر نفسه، مختارات / 300.
([20]) المصدر نفسه، مختارات / 300، 302.
([21]) دراسات في علم السياسة، لعبيدان، مختارات / 310 – 312.
([22]) المصدر نفسه لعبيدان / 313
([23]) دراسات في علم السياسة لعبيدان، مقتطفات / 313 – 316.
([24]) تاريخ الأمم والملوك للطبري 2/581 وهي رواية عمر بن شبة عن علي بن محمد عن وكيع عن الأعمش وهو سند لا بأس به.
([25]) البداية والنهاية لابن كثير 7/151.
([26]) تاريخ الطبري 2/696.
([27]) تاريخ الأمم والملوك 2 / 696.
([28]) البداية والنهاية لابن كثير 4/7/270.
([29]) كل ما يتعلق بالسلطة القضائية، مقتطفات من: دراسات في علم السياسة لعبيدان / 317 – 321.
([30]) هو لـ: دانييل بانكلوفيتش، وترجمه إلى العربية كمال عبد الرؤوف.
([31]) غلاف الكتاب الخارجي، الناشر: الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية.
([32]) الديمقراطية وقرار الجماهير، كيف تنجح الديمقراطية في عالم أكثر تعقيداً / 16.
([33]) الديمقراطية وقرار الجماهير / 21.
([34]) المصدر نفسه / 22،ط 1993.
([35]) مقتطفات من: دراسات في عالم السياسة لـ عبيدان، ص / 325 – 344.
([36]) دلائل النبوة للبيهقي، ورجال الحديث ثقات لكنه منقطع.
([37]) رسائل الإمام الشهيد حسن البنا، رسالة 2/ 414، المؤتمر الخامس / 172.
([38]) لسان العرب 7 / 167.
([39]) المعجم المحيط للفيروز أبادي / 834.
([40]) المعجم الوسيط لـ. ابراهيم أنيس وزملائه 2 / 594.
([41]) المعارضة في الإسلام لـ د. جابر قمحية / 51.
([42]) المصدر نفسه / 52، عن نيفين عبد الخالق ص / 12، المعارضة في الفكر السياسي.
([43]) السيرة النبوية لابن هشام 1 / 295 – 296.
([44]) السيرة النبوية لابن هشام / 297.
([45]) السيرة النبوية لابن هشام / 64.
([46]) السيرة الحلبية 2 / 504.
([47]) المصدر نفسه.
([48]) السيرة النبوية لابن هشام 2 / 317.
([49]) المصدر السابق.
([50]) سبل الهدى والرشاد للصالحي 5 / 92.
([51]) صحيح البخاري / من ح 7284.
([52]) البخاري / ص 1404.
([53]) الخراج / 72 – 73.
([54]) المصدر السابق.
([55]) صحيح البخاري / ح 1406 / ص 274.
([56]) تاريخ الطبري 2 / 651- 652.
([57]) المصدر نفسه / 3 / 115.
([58]) سورة آل عمران / 104.
([59]) سورة آل عمران / 105.
([60]) سورة آل عمران / 110.
([61]) سورة المائدة / 78، 79.
([62]) سورة الأعراف / 165.
([63]) رواه الترمذي وأبو داود والترمذي وقال: حديث حسن، وهو عند أبي داود كتاب الملاحم ح 4336/ج 4/ص 122.
([64]) رواه مسلم / 1854 / ص 744، (بيت الأفكار الدولية).
([65]) رواه مسلم / ح 50 / ص 52.
([66]) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن / ح 2134.
([67]) رواه النسائي بإسناد صحيح.
([68]) البخاري / ح 7144.
([69]) البخاري / ح 7257.
([70]) رياض الصالحين / ص 79.
([71]) الجهاد والقتال في السياسة الشرعية للدكتور محمد خير هيكل 1 / 133، 134.
([72]) مسلم / ح 2755.
([73]) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 2 / 4 / 249.
([74]) إعلام الموقعين 4 / 373.
([75]) السياسة الشرعية للدكتور يوسف القرضاوي / 33.
([76]) من فقه الدولة في الإسلام للدكتور يوسف القرضاوي / 149.
([77]) ولا عجب أن يشمل مثل هذا الحزب: الحزب الاشتراكي الإسلامي أو التقدمي الإسلامي أو غير ذلك.
([78]) من فقه الدولة في الإسلام للدكتور يوسف القرضاوي / 151، 152.
([79]) سورة المائدة / الآية 5.
([80]) الحياة، الجمعة 12 كانون ثاني / 2001 العدد 1317.
([81]) الإخوان المسلمون، لـ د. يوسف القرضاوي بين 30 أبريل / 1995.
([82]) موسوعة السياسة 2 / 311.
([83]) مبادئ علم السياسة لـ. د. نظام بركات وإخوانه.
([84]) الربعة: الحال التي جاء الإسلام وهم عليها.
([85]) يتعاقلون: يدفعون دية القتيل من أهل القاتل وهم العاقلة.
([86]) يفدون عانيهم: يفدون أسيرهم.
([87]) السيرة النبوية لابن هشام 1 / 503.
([88]) المصدر نفسه 1 / 507.
([89]) السيرة النبوية لابن هشام 1 / 505.
([90]) هامش الصفحة / 505، من السيرة النبوية لابن هشام ج 1.
([91]) السيرة النبوية لابن هشام 1 / 55 / 556.
([92]) سورة آل عمران / الآيات من 97 – 105.
([93]) السيرة النبوية لابن هشام 1 / 615.
([94]) قليب: والقُلُب جمع قليب وهي الآبار ومفردها قليب.
([95]) المصدر نفسه / 620.
([96]) السيرة النبوية لابن هشام 2 / 274.
([97]) اللحن: للغزو وهو يخالف ظاهر الكلام معناه.
([98]) لا تفتوا في أعضاد الناس: لا تضعفوهم.
([99]) قبال النعل: زمام ما بين الإصبع الوسطى والتي يليها.
([100]) المغازي للواقدي 2 / 458.
([101]) المغازي للواقدي 2 / 478.
([102]) وجدوا: عتبوا عتباً شديداً.
([103]) السيرة النبوية لابن هشام 2 / 499، 500.
([104]) فتح الباري شرح صحيح البخاري للعسقلاني وابن حجر، 7 / 381.
([105]) فتح الباري شرح صحيح البخاري 7 / 379، 380.
([106]) فتح الباري شرح صحيح البخاري للعسقلاني 7 / 384.
([107]) وهو شرط من مجموعة كبيرة من الشروط تعتمد الكفاءة والقدرة.
([108]) سورة الحجرات / 15.
([109]) مجمع الزوائد للهيثمي 5 / 211.
([110]) مجمع الزوائد 5/ 232.
([111]) مجمع الزوائد للهيثمي 5 / 232، وقال فيه رواه أحمد وفيه الأجلح الكندي وهو ثقة.
([112]) مبادئ علم السياسة لـ د. نظام بركات وزملائه، الطبعة الثالثة، الرياض 1989 م
([113]) سورة الأنعام / من الآية 159.
([114]) سورة الروم / 31 – 32.
([115]) آل عمران / 103.
([116]) أخرجه الترمذي في السنن، والحاكم في مستدركه، وقال صحيح على شرط الشيخين.
([117]) أخرجه مسلم.
([118]) صحيح الجامع الصغير / 1، 356.
([119]) المائدة / 55 – 56.
([120]) سورة النساء / الآية 49.
([121]) سورة النجم / من الآية 32.
([122]) سورة الحجرات / من الآية 11.
([123]) صحيح البخاري / ح 7142/ ص 1362.
([124]) صحيح مسلم / ح 1843 / ص 770.
([125]) لخصنا هذا العرض الجيد للبحث في كتاب التعددية السياسية في الدولة الإسلامية للدكتور صلاح الصاوي من الصفحات 42 – 73، وهو المبحث الثاني من الفصل الثاني من الكتاب.
([126]) الطرق الحكمية للسياسية الشرعية لابن القيم / 13.
([127]) المصدر نفسه / 14.
([128]) الموافقات للشاطبي 4 / 194 – 195.
([129]) نُقلت هذه الوثيقة من كتاب محمد الهاشمي الحامدي، أشواق الحرية / ص 79، دار القلم للنشر والتوزيع، وذكرها الأستاذ راشد الغنوشي في كتابه الحريات العامة في الدولة الإسلامية / 259.
([130]) الحريات العامة / 260.
([131]) جريدة الشعب 2 / 10 / 1993، علماً بأن الأستاذ مصطفى مشهور هو اليوم المرشد العام للإخوان المسلمين ويمثل رأيه رأي التنظيم العالمي للإخوان المسلمين.
([132]) ميثاق الثورة الإسلامية في سوريا 1 / 1 / 1401.
([133]) ميثاق الشرف الوطني، الحياة.
([134]) أخرجه أحمد 5 / 440 والترمذي 3927.
([135]) كان هذا في الوثيقة الصادرة عن مركز الدراسات الحضارية الذي يشرف عليه الدكتور محمود عاكف، انظر الحريات العامة في الدولة الإسلامية، شارك في مناقشتها مع الورقة الثانية عدداً من المؤتمرين مع الوثيقة الثانية التي قدمها سليم العوا.
([136]) الحريات العامة في الدولة الإسلامية / 263.
([137]) سورة الأنعام / من الآية 81 والآية 82.
([138]) سورة يوسف / 40.
([139]) الكهف / الآية الأخيرة.
([140]) الشورى.
([141]) المائدة / 80، 81.
([142]) الحصاد المر، الإخوان المسلمون في ستين عاماً للدكتور أيمن الظواهري / 214.
([143]) مجلة المجتمع الكويتية العدد 1395 / 20 – 27، جمادى الأولى 1420، السنة 30.
([144]) المصدر السابق.
([145]) مجلة المجتمع الكويتية، العدد المذكور.
([146]) سورة النساء / 140.
([147]) واقعنا المعاصر، للأستاذ محمد قطب / 463 – 464.
([148]) في ظلال القرآن لسيد قطب 2 / 781.
([149]) سورة الأنعام / 68، 69.
([150]) السيرة النبوية لابن هشام 1 / 350.
([151]) أخرجه البخاري / رقم 6764، ومسلم (الفرائض) وأبو داود وأحمد وابن ماجه وعند أحمد 2 / 370 وغيرها.
([152]) أخرجه البخاري / رقم 1590، ومسلم كتاب الحج / 1314.
([153]) مغازي عروة بن الزبير / 114.
([154]) مغازي عروة بن الزبير / 115، 116.
([155]) مشاركة الإسلاميين في السلطة لعزام التميمي / 117، 118.
([156]) المصدر نفسه / 188.
([157]) المصدر نفسه / 161، 162.
([158]) واقعنا المعاصر: لمحمد قطب / 464، 465.
([159]) البقرة / 217.
([160]) مشاركة الإسلاميين في الحكم للتميمي / 139، 140.
([161]) مشاركة الإسلاميين في السلطة / 224.
([162]) الطرق الحكيمة للسياسة الشرعية لابن القيم / 131.
([163]) سورة المائدة.
([164]) من أوراق ووثائق التنظيم العالمي للشيخ فيصل مولوي.
([165]) من فقه الدولة في الإسلام، للدكتور يوسف القرضاوي، مقتطفات. (178 – 188) وهو من أوفى ما كتب في هذا الموضوع، ط: دار الشروق.
([166]) تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن) 5 / 215.
([167]) المصدر السابق.
([168]) جامع أحكام القرآن للقرطبي 5 / 215.
([169]) تفسير جامع البيان (الطبري) الهامش / تفسير غرائب القرآن للنيسابوري 7 / 13 / 19.
([170]) في ظلال القرآن لسيد قطب 4 / 2005.
([171]) الفتاوى لابن تيمية ج 30 ص 356 – 358.
([172]) سورة يوسف / 39.
([173]) سورة التغابن / 16.
([174]) مختصر من مجموع الفتاوى 30 / 48 – 58.
([175]) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي / 5 / 217.
([176]) المصدر نفسه / 218.
([177]) المصدر نفسه / 219.
([178]) تجربة الحركة الإسلامية في السودان / ص 22، من مجلة قضايا شرق أوسطية.
([179]) المصدر نفسه / تجربة الجزائر / ص 31.
([180]) قضايا شرق أوسطية / أغسطس 1998 / ص 25.
([181]) قضايا شرق أوسطية / مارس 1999 / ص 49 لـ. هشام جعفر عن تجربة الحركة الإسلامية في مصر.
([182]) جاء في مقدمة الدستور (إن هذه المقدمة جزء لا يتجزأ من الدستور وضعت لتذكر المواطنين بالمبادئ التي قام عليها قانونهم الأساسي / مصطفى السباعي لـ. عدنان زرزور / 266.
([183]) المصدر السابق / 267، 268، 269.
([184]) المصدر نفسه.
البحث منقول من المركز الإعلامي لإخوان سوريا
1- الأصل عدم المشاركة إلا في نظام يحكم بما أنزل الله، ويشرع بما أنزل الله، والحديث عن الاستثناء.
2- لا تجوز المشاركة في الأعم الأغلب في نظام دكتاتوري مستبد (وأما إذا كان عمله بحسب اختيار الفاجر وشهواته وفجوره فلا يجوز ذلك، القرطبي 5 / 215) وعند القرضاوي:
( ومن هنا لا يجوز للمسلم الملتزم ولا للجماعة المسلمة الملتزمة أن يشاركا في حكم دكتاتوري متسلط على رقاب الناس سواءً كان حكم فرد مطلقاً أم حكماً عسكرياً متعسفاً) من فقه الدولة / 184.
3- ومع ذلك فقد أجاز بعضهم ذلك (فإن كان الوالي ظالماً فقد اختلف في جواز الولاية على قولين، أحدهما: جوازها إذا عمل بالحق فيما تقلده (أي إذ فُوِّض بالحكم) القرطبي 5 / 215).
4- وأما المشاركة في نظام ديمقراطي، فالاستثناء من القاعدة هو جواز الاشتراك في وزارة تنفيذية مع مراعاة الفوارق التالية.
5- إن الدول التي نصت في دستورها على أن الإسلام هو المصدر الوحيد للتشريع (كم هو الحال في اليمن والسعودية وغيرهما) أو المصدر الرئيسي للتشريع، فيمكن القول بجواز الاشتراك على الإطلاق في أيٍ من وزارات الدولة، لأنها وإن كانت تنهج الديمقراطية أسلوب حكم، فقد اختارت الإسلام تشريع حياة.
6- والدول التي نصّت في دستورها على أن الإسلام مصدر رئيسي للتشريع، ودين الدولة الإسلام وهو غالب في معظم الدول العربية والإسلامية، وانتهجت الديمقراطية أسلوب حكم، فالقول بجواز الاشتراك على الأعم الأغلب إلا ما يُقطع بالتشريع فيه لغير الله.
7- وبالمقابل فالدول العقائدية التي تنطلق من عقائد محاربة للإسلام كالشيوعية والعلمانية والاشتراكية العلمية، فالأصل عدم جواز الاشتراك في أي وزارة فيها لأنها تنطلق صراحة من حرب الإسلام ومواجهته.
8- وتبقى الدول التي تنطلق من الديمقراطية أسلوب حكم وتؤمن بالتعددية السياسية، وللحركة الإسلامية حرية الدعوة ولها الاعتراف المباشر أو غير المباشر، فيتعادل الجواز والحظر على التفصيل التالي:
9- إذا كان نظام الحكم رئاسياً ديمقراطياً فالأصل عدم الجواز لأن رئيس الدولة هو صاحب القرار، والوزراء بمثابة مستشارين عنده (ومجلس الوزراء لا وجود له بالمعنى القانوني، لأن الوزراء ما هم إلا مجرد سكرتيرين لديه يختارهم لمعاونته في السلطة التنفيذية) علم السياسة لعبيدان / 253.
10- ويكون الاستثناء بالمشاركة إذا كان الوزير يشير بالحق ويدل عليه، ومسؤولية التنفيذ على رئيس الدولة، وأما المشاركة في نظام ديمقراطي برلماني فالأصل الجواز لوجود المسؤولية الفردية للوزير (أما المسؤولية الفردية فهي تنصب على وزير بعينه حيث يُسأل عن تصرفاته الفردية التي يأتيها وتتعلق بإدارته لوزارته، فتكون النتيجة سحب الثقة من هذا الوزير، ومن ثم تقديم استقالته من الحكومة) دراسات في علم السياسية لعبيدان / 243، 244.
سادساً- أهداف المشاركة في الحكم:
آ- إقامة الدولة الإسلامية:
فقد تمكن الإسلاميون في كلٍ من اليمن والسودان من جعل الإسلام المصدر الوحيد في التشريع، وتحويل دولتهم إلى دولة إسلامية، ومن خلال اللعبة السياسية تقترب الكويت من هذه الخطوة.
ب- انتشار الفكر الإسلامي:
فتحت مظلة حق الترشيح للمجالس النيابية أمكان طرح الفكر الإسلامي على الأمة في كل الأصعدة، وإيضاح التصور الإسلامي لمعالجة مشكلات المجتمع والقضاء على أمراضه المستعصية.
والذين نجحوا استطاعوا تحت قبة البرلمان أن يتحدثوا عن الإسلام في معالجة كل مشكلة والدعوة إلى تبني شريعة الله، وتفنيد كل ما يُثار ضد الإسلام في صفوف أعدائه، لقد تغلغل فكر الحركة في قطاعات كبيرة جداً في الشعب مثل الأردن ومصر وتركيا وغيرها.
جـ- الاتصال المباشر بالشعب:
فمن خلال المشاركة في المجالس النيابية والوزارات التنفيذية يتم الاتصال بكل قطاعات الأمة والحوار معها، ففي ظل النميري مثلاً حين شاركت الحركة الإسلامية في الحكم، فقد عملت الحركة على تأسيس واجهات نسائية وطلابية تعمل في المجالات الاجتماعية والثقافية والفنية، فأسست جمعية رائدات النهضة في عام 1979 التي أصبح لها 67 فرعاً بحلول 1984، كما أنشئت جمعية الإصلاح والمواساة التي تخصصت في رعاية الأسر الفقيرة، وجمعية فكرية باسم جماعة الفكر والثقافة الإسلامية، وأنشأت في أول الثمانينات منظمة شباب البناء التي نمت سريعاً ليكون لها خمسمائة فرع في أنحاء البلاد المختلفة، وكان من أوائل الأهداف التي وضعتها الجماعة لنفسها مضاعفة عدد عضويتها عشر مرات، ولم تستطع أن تحقق هذا الهدف كاملاً إلا أنها أحدثت قفزة نوعية كبيرة في عضوية الجماعة وخاصة في أوساط النساء والطلاب) ([178]).
د- اكتساب الخبرات:
فالمشاركة في لجان المجالس النيابية المختلفة تكسب الإسلاميين خبرة عالية في فهم مشاكل الناس والطرق العملية لحلها والتوسع النوعي فيها بحيث تتنازل جميع المجالات الحياتية، (فقد فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر في الانتخابات البلدية المحلية يونيو 1990 بالأغلبية (853 بلدية من أصل 1541))([179]) ويقول الدكتور حمزة منصور عن تجربة الأردن: (إن المشاركة البرلمانية فتحت الباب أمام اكتساب خبرات غنية لدى الإخوة المشاركين في هذه العملية في المجالات السياسية والقانونية والاقتصادية وغيرها أطلعتهم من خلال الوسائل البرلمانية على معلومات ما كان يتسنى لهم الاطلاع عليها) ([180]).
هـ- المشاركة في صنع القرار السياسي:
فإن الأحزاب والتنظيمات والجماعات السياسية يكون في طليعة أهدافها الوصول إلى السلطة أو المشاركة فيها لتحقيق مصالح عامة من وجهة نظر كل منها، وقد تستطيع أن تغير خللاً أو انحرافاً في الخط السياسي، إذا أحسنت الاستفادة من موقعها في السلطة.
و- تقديم نماذج القدوة في الساسة:
بعيداً عن المصالح الشخصية، وتمثيلاً للنزاهة والتجرد والصالح العام في الأمة.
هذا وقدم هشام جعفر رئيس قسم البحوث بالمركز الدولي للدراسات بالقاهرة أهداف المشاركة بما يلي:
( 1- نشر الفكرة الإسلامية الصحيحة، وتكوين رأي عام إسلامي صحيح.
2- تربية وإعداد كوادر (اختصاصيين).
3- ترجمة شعار (الإسلام هو الحل) عملياً، وتقديم نموذج في هذا الصدد.
4- اكتساب مواقع جديدة وتوسيع رقعة التأثير.
5- اكتساب مهارات إدارة العملية الانتخابية.
6- حصر الكفاءات والخبرات بغرض التعرف عليها تمهيداً للاستفادة منهم حال تحقيق الحكم الإسلامي.
7- التواجد على المستوى العربي والإسلامي، والاستفادة من ذلك.
8- عمل مراكز ضغط على عملية صنع القرار ومراكزه.
9- الحث على مشاركة الناس مشاركة إيجابية، ومعالجة السلبية المتفشية بينهم) ([181]).
سابعاً: رأي التنظيم العالمي في المشاركة في الحكم...
ثامناً: تجربة المشاركة الإسلامية في سورية:
لقد كانت مشاركة الإسلاميين في الحياة السياسية في سورية من أقدم التجارب الديمقراطية في الوطن العربي، ففي عام 1949 دخل الدكتور مصطفى السباعي المراقب العام للإخوان عضواً في البرلمان عن مدينة دمشق، ثم صار نائباً لرئيس البرلمان، وعندما تحول البرلمان إلى جمعية تأسيسية كان أحد الأعضاء التسعة الذين كُلفوا بوضع الدستور، وقد خاض معركة عنيفة ضد خصوم الإسلام حتى استطاع أن يضع المواد الإسلامية في الدستور السوري.
1- جاء في مقدمة الدستور ([182]):
إن الدولة تعلن استمساكها بالإسلام ومثُله العليا.
2- وإننا نعلن أيضاً أن شعبنا عازم على توطيد أواصر التعاون بينه وبين شعوب العالم العربي والإسلامي.
3- وعلى بناء دولته الحديثة على أسس من الأخلاق القويمة التي جاء بها الإسلام والأديان السماوية الأخرى.
4- وعلى مكافحة الإلحاد وانحلال الأخلاق) ([183]).
أما المبادئ والنصوص الإسلامية في صلب الدستور فقد تجلت في المواد التالية:
1- دين رئيس الجمهورية الإسلام.
2- الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع.
3- حرية الاعتقاد مصونة، والدولة تحترم جميع الأديان السماوية، وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على أن لا يخل ذلك بالنظام العام.
4- الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مرعية) ([184]).
فالمستلم الأستاذ محمد المبارك رحمه الله وزارة الأشغال العامة في ذلك العهد.
أما المشاركة في الوزارات التنفيذية، فقد كانت أجلى ما يكون بعد الوحدة وفي مرحلة وإعادة المجلس النيابي، حيث شكل الأستاذ خالد العظم وزارة شارك فيها الاشتراكيون والإسلاميون بثلاث وزارات، أما الوزارات التي استلمها الإسلاميون فهي وزارة الصحة والتموين والزراعة، وقد اختاروا وزارات الخدمات في دولة غير إلى شريعة الله، ومع هذا فقد منع الأستاذ عمر عودة الخطيب وزير التموين استيراد الخمور، كما قام الأستاذ أحمد مظهر العظمة بإلغاء بدعة انتخاب ملكات الجمال للمواسم الزراعية.
وأصبحت البلاد بعد هذه المشاركات مهيأة لانتخابات نيابية لصالح الإسلاميين، بعد الشعبية الكبيرة التي كسبوها لولا قيام الانقلاب العسكري في 8 آذار الذي أنهى الحياة الديمقراطية في البلاد، لقد شارك الإخوان في الحياة الديمقراطية خلال عشرين عاماً من حياة سورية، وأثبتوا كفاءة عالية ونزاهة كبيرة في هذه المشاركات، ومارسوا التعددية السياسية عملاً لا قولاً حتى جاء الجيش وحسم الموقف لصالح الحزب القائد والفرد القائد.
تاسعاً- المشاركة الفردية:
لا بد أن نشير إلى أن هناك فرقاً كبيراً بين المشاركة الحزبية من الحركة الإسلامية والمشاركة الفردية من بعض الإسلاميين، فالمشاركة الفردية يحمل مسؤوليتها نجاحاً أو إخفاقاً الفرد المشارك نفسه، وهو صاحب تقدير المصلحة في ذلك.
والملاحظ أن المشاركة الشخصية كثيراً ما تنتهي بشهوة الحكم عند المشارك، وحرصه على أن يستوزر فلا يفوته هذا المجد، ومثال الباقوري رحمه الله دليل على ذلك، فقد تم إعدام إخوانه الستة وهو وزير للأوقاف في دولة عبد الناصر، وكان يُشارك المسؤولين في الدولة حضور احتفالات غناء أم كلثوم كل ليلة خميس حتى ساعة متأخرة من الليل، بل كثيراً ما ينتهي من تستهويه الوزارة وشهوة السلطة والحكم إلى أن يكون عدواً لدوداً للحركة الإسلامية التي أبرزته، أو جاسوساً ينقل أخبارها ومعلوماته عنها إلى السلطة.
ولا يمكن أن نعمم هذا الأمر فهناك أفراد كثيرون اجتهدوا في المشاركة، وأفادوا أمتهم والعاملين في الإسلام فيها.
كما نشير إلى أن الحركة الإسلامية حين تتخذ موقفاً سياسياً برفض المشاركة في الحكم من خلال المصلحة، ويقوم بعض أفرادها بتحدي قرارها، فكثيراً ما تنتهي تجربته هذه بفصله من الحركة وبعده عنها وتحوله إلى خصم لها، والتجربة الإسلامية الأردنية تحوي العديد من هذه النماذج ونشير أخيراً إلى نموذج وسط في المشاركة الفردية، حين يدخل فرد ما في وزارة بعد استشارة الحركة وموافقتها دون أن تتحمل مسؤولية هذه المشاركة، أو ترغب فيها لظروف معينة تمر بها.
عاشراً - ملخص البحث:
ونخلص من هذا البحث إلى النتائج التالية:
1- تكمن أهمية هذا البحث في موضوع المشاركة في الحكم لافتراق وجهات النظر بين مانعٍ لها وعلى أساس عقدي، وبين مبيح لها وداعٍ إليها لمصلحة الإسلام نفسه.
2- يقول المانعون للمشاركة: إن مسائل الحكم بغير ما أنزل الله، والديمقراطية ليست من مسائل الفروع التي يسوغ لها الاختلاف الفقهي، بل إنها من أصول الإيمان، بل إنها متعلقة بأصل أصول الإيمان وهو عقيدة التوحيد، والديمقراطية إعطاء حق التشريع لغير الله وهو الشعب.
3- غير أن هذا الفكر للجماعات المتطرفة قد تغير من خلال حزبي الشريعة والإصلاح اللذين مثلا جماعة (الجهاد) و( الجماعة الإسلامية) وقد نبذ العنف، وطرحا العمل السياسي بديلاً عنه وأعلنا قبولهما للتعددية السياسية.
4- يعرض الأستاذ محمد قطب حول حرمة دخول البرلمانات ثلاثة مزالق، فالمزلق العقيدي هو حرمة المشاركة في المجلس الذي يشرع بغير ما أنزل الله ولو لم يوافق المؤمنون على تلك التشريعات. ونقول إن المسلمين اشتركوا في حصار الشعب مع المشركين ثلاث سنوات يجمعهم مصير مشترك.
5- والمزلق الثاني هو الموقف السياسي، حيث نعوِّق قيام القاعدة الإسلامية بهذا التميع الذي نصنعه في قضية الحكم بما أنزل الله، ونقول لأستاذنا محمد قطب: إن التجارب البرلمانية للمسلمين أكدت اتساع القاعدة الإسلامية المطالبة بالحكم بما أنزل الله.
6- والمزلق الثالث هو لعبة الدبلوماسية حيث يأكل القوي فيها الضعيف، وتصور العاملين للإسلام أن يُتاح لهم الوصول لحكم من خلال البرلمان هو توهم وسذاجة، ونحن مع أستاذنا سيد قطب في صحة تصوره، لكن العاملين للإسلام يعتبرون البرلمان منبراً إسلامياً يتصلون بالجماهير من خلاله.
7- المشاركة في وزارة تنفيذية: يذهب المانعون لها برفض جميع حجج المبيحين وخاصة حين يحتجون بالمصالح المرسلة، والطريق الوحيد لاستئناف الحياة الإسلامية هي التوجه إلى الناس بالتصورات الصحيحة، وتعريفهم بالإسلام، ثم تربيتهم على الأخلاق والقيم الإيمانية والأخذ بالأسباب حتى تتكون القاعدة الصلبة التي تحقق حكم الله في واقع الحياة وتحافظ عليه.
8- أما رأي المجيزين وعلى رأسهم العديد من قيادات الحركات الإسلامية، يعتبرون الأصل عدم المشاركة، والاستثناء يقوم بهدف تقليل الشر والظلم، ثم ارتكاب أخف الضررين، ثم سنة التدرج والنزول من المثل الأعلى إلى الواقع الأدنى.
9- ويؤكد رأي المجيزين ما ورد عن استلام يوسف الحكم في قوله لعزيز مصر: } اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم { في دولة غير مسلمة، فقد رجح القرطبي في تفسيره على أن هذا ليس خاصاً بيوسف عليه الصلاة والسلام، وأن الميزان في ذلك هو التفويض المطلق، وعدم حله بدونه.
10- وفي تفسير غرائب القرآن للنيسابوري، ينتقل الأمر من الحق أو الجواز إلى الواجب (وقال آخرون: إن التصرف في أمور الخلق كان واجباً عليه لأن النبي يجب عليه رعاية الأصلح لأمته قدر الإمكان، وإذا علم النبي أو العالم أن لا سبيل إلى دفع الظلم والضر على الناس إلا بالاستعانة بكافر أو فاسق فله أن يستظهر به.
11- وهذا هو رأي سيد قطب رحمه الله وهو من أشد الداعين للمفاصلة بين المؤمنين والكافرين (ولم يكن يوسف يطلب لشخصه وهو يرى إقبال الملك عليه، إنما كان حصيفاً في اختيار اللحظة التي يُستجاب له فيها لينهض بالواجب المرهق الثقيل.. وليكون مسؤولاً عن إطعام شعب كامل وشعوب كذلك تجاوره طوال سبع سنوات لا زرع فيها ولا ضرع.
12- ولسلطان العلماء العز بن عبد السلام فتوى في شأن المشاركة إذ يقول: ولو استولى الكفار على بلد عظيم فولوا القضاء لمن يقدم مصالح المسلمين العامة فالذي يظهر إنفاذ ذلك كله جلباً للمصالح العامة ودفعاً للمفاسد الشاملة.
13- وسُئل ابن تيمية رحمه الله عن رجل متولٍ ولايات، وهو يختار أن يسقط الظلم كله فأجاب رحمه الله: نعم إذا كان مجتهداً في العدل، ورفع الظلم بحسب إمكانه، وولايته خير وأصلح للمسلمين من ولاية غيره، واستيلاؤه على الإقطاع خير من استيلاء غيره.
14- وهناك شروط في المشاركة في الحكم غير الإسلامي منها:
1- الأصل عدم المشاركة إلا في نظام يحكم بما أنزل الله، والمشاركة في استثناء.
2- في الأعم الغالب لا تجوز المشاركة في نظام دكتاتوري ثابت إلا إذا فوض بالحكم.
3- جواز الاشتراك في وزارة تنفيذية في نظام ديمقراطي لا ينص على العلمانية ونبذ الدين.
4- جواز الاشتراك في أيٍ من وزارات الدولة في نظام ينص على أن الإسلام هو المصدر الوحيد أو الرئيس للتشريع.
5- جواز الاشتراك في دول نص دستورها على أن الإسلام مصدر رئيسي للتشريع، وانتهجت أسلوب حكم إلا ما تُقطع فيه بالتشريع بغير ما أنزل الله.
15- أهداف المشاركة في الحكم منها:
1- العمل على إقامة دولة الإسلام.
2 - انتشار الفكر الإسلامي.
3 - الاتصال المباشر بالأمة.
4- اكتساب الخبرات.
5- المشاركة في صنع القرار السياسي.
16- وقد ساهمت الحركة الإسلامية في سورية بهذه المشاركة في دخول البرلمانات، في الوزارات التنفيذية في العهود الديمقراطية، وكان للدكتور مصطفى السباعي المراقب العام للإخوان المسلمين الدور الكامل في إدخال الفقرات الإسلامية في الدستور السوري، كما ألغى الوزراء كثيراً من التشريعات غير الإسلامية عندما شاركوا في الحكم.
17- والتنظيم العالمي للإخوان المسلمين بعد دراسة شرعية مستفيضة للمشاركة في الحكم من علمائه المجيزين والمانعين، رجح المشاركة عندما توجد مصلحة عامة بذلك.
ونشير إلى أن المشاركة الفردية مع الأنظمة الحاكمة لا تحمل الحركة الإسلامية مسؤوليتها، وكثيراً ما تكون سلبياتها أكثر من إيجابياتها. إلا إذا كانت بتنسيق مع الحركة وموافق
____________________________________________________
([1]) سورة القصص / 50.
([2]) سورة الشورى /21.
([3]) سورة الجاثية / 18.
([4]) المائدة / 50.
([5]) سورة المؤمنون / 71.
([6]) في ظلال القرآن لسيد قطب، 2 / 890، 891.
([7]) تفسير ابن كثير 2/ 384.
([8]) سورة الأنعام / 89.
([9]) الإسلام والديمقراطية لـ: حسن العلكيم من كتاب مشاركة الإسلاميين في السلطة لعزام التميمي / 38.
([10]) الحريات العامة في الدولة الإسلامية لـ: راشد الغوشي 88 / 278.
([11]) دراسات في علم السياسة لـ: د. يوسف محمد عبيدان / 267، 268.
([12]) دراسات في علم السياسة لـ عبيدان / 273.
([13]) المصدر نفسه / 275.
([14]) المصدر نفسه / 289، 290.
([15]) دراسات في علم السياسة لـ عبيدان / 292.
([16]) فقه الشورى والاستشارة للدكتور توفيق الشاوي / 13، 14.
([17]) دراسات في علم السياسة لعبيدان / 296.
([18]) دراسات في علم السياسة لـ عبيدان / مختارات 298، 299.
([19]) المصدر نفسه، مختارات / 300.
([20]) المصدر نفسه، مختارات / 300، 302.
([21]) دراسات في علم السياسة، لعبيدان، مختارات / 310 – 312.
([22]) المصدر نفسه لعبيدان / 313
([23]) دراسات في علم السياسة لعبيدان، مقتطفات / 313 – 316.
([24]) تاريخ الأمم والملوك للطبري 2/581 وهي رواية عمر بن شبة عن علي بن محمد عن وكيع عن الأعمش وهو سند لا بأس به.
([25]) البداية والنهاية لابن كثير 7/151.
([26]) تاريخ الطبري 2/696.
([27]) تاريخ الأمم والملوك 2 / 696.
([28]) البداية والنهاية لابن كثير 4/7/270.
([29]) كل ما يتعلق بالسلطة القضائية، مقتطفات من: دراسات في علم السياسة لعبيدان / 317 – 321.
([30]) هو لـ: دانييل بانكلوفيتش، وترجمه إلى العربية كمال عبد الرؤوف.
([31]) غلاف الكتاب الخارجي، الناشر: الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية.
([32]) الديمقراطية وقرار الجماهير، كيف تنجح الديمقراطية في عالم أكثر تعقيداً / 16.
([33]) الديمقراطية وقرار الجماهير / 21.
([34]) المصدر نفسه / 22،ط 1993.
([35]) مقتطفات من: دراسات في عالم السياسة لـ عبيدان، ص / 325 – 344.
([36]) دلائل النبوة للبيهقي، ورجال الحديث ثقات لكنه منقطع.
([37]) رسائل الإمام الشهيد حسن البنا، رسالة 2/ 414، المؤتمر الخامس / 172.
([38]) لسان العرب 7 / 167.
([39]) المعجم المحيط للفيروز أبادي / 834.
([40]) المعجم الوسيط لـ. ابراهيم أنيس وزملائه 2 / 594.
([41]) المعارضة في الإسلام لـ د. جابر قمحية / 51.
([42]) المصدر نفسه / 52، عن نيفين عبد الخالق ص / 12، المعارضة في الفكر السياسي.
([43]) السيرة النبوية لابن هشام 1 / 295 – 296.
([44]) السيرة النبوية لابن هشام / 297.
([45]) السيرة النبوية لابن هشام / 64.
([46]) السيرة الحلبية 2 / 504.
([47]) المصدر نفسه.
([48]) السيرة النبوية لابن هشام 2 / 317.
([49]) المصدر السابق.
([50]) سبل الهدى والرشاد للصالحي 5 / 92.
([51]) صحيح البخاري / من ح 7284.
([52]) البخاري / ص 1404.
([53]) الخراج / 72 – 73.
([54]) المصدر السابق.
([55]) صحيح البخاري / ح 1406 / ص 274.
([56]) تاريخ الطبري 2 / 651- 652.
([57]) المصدر نفسه / 3 / 115.
([58]) سورة آل عمران / 104.
([59]) سورة آل عمران / 105.
([60]) سورة آل عمران / 110.
([61]) سورة المائدة / 78، 79.
([62]) سورة الأعراف / 165.
([63]) رواه الترمذي وأبو داود والترمذي وقال: حديث حسن، وهو عند أبي داود كتاب الملاحم ح 4336/ج 4/ص 122.
([64]) رواه مسلم / 1854 / ص 744، (بيت الأفكار الدولية).
([65]) رواه مسلم / ح 50 / ص 52.
([66]) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن / ح 2134.
([67]) رواه النسائي بإسناد صحيح.
([68]) البخاري / ح 7144.
([69]) البخاري / ح 7257.
([70]) رياض الصالحين / ص 79.
([71]) الجهاد والقتال في السياسة الشرعية للدكتور محمد خير هيكل 1 / 133، 134.
([72]) مسلم / ح 2755.
([73]) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 2 / 4 / 249.
([74]) إعلام الموقعين 4 / 373.
([75]) السياسة الشرعية للدكتور يوسف القرضاوي / 33.
([76]) من فقه الدولة في الإسلام للدكتور يوسف القرضاوي / 149.
([77]) ولا عجب أن يشمل مثل هذا الحزب: الحزب الاشتراكي الإسلامي أو التقدمي الإسلامي أو غير ذلك.
([78]) من فقه الدولة في الإسلام للدكتور يوسف القرضاوي / 151، 152.
([79]) سورة المائدة / الآية 5.
([80]) الحياة، الجمعة 12 كانون ثاني / 2001 العدد 1317.
([81]) الإخوان المسلمون، لـ د. يوسف القرضاوي بين 30 أبريل / 1995.
([82]) موسوعة السياسة 2 / 311.
([83]) مبادئ علم السياسة لـ. د. نظام بركات وإخوانه.
([84]) الربعة: الحال التي جاء الإسلام وهم عليها.
([85]) يتعاقلون: يدفعون دية القتيل من أهل القاتل وهم العاقلة.
([86]) يفدون عانيهم: يفدون أسيرهم.
([87]) السيرة النبوية لابن هشام 1 / 503.
([88]) المصدر نفسه 1 / 507.
([89]) السيرة النبوية لابن هشام 1 / 505.
([90]) هامش الصفحة / 505، من السيرة النبوية لابن هشام ج 1.
([91]) السيرة النبوية لابن هشام 1 / 55 / 556.
([92]) سورة آل عمران / الآيات من 97 – 105.
([93]) السيرة النبوية لابن هشام 1 / 615.
([94]) قليب: والقُلُب جمع قليب وهي الآبار ومفردها قليب.
([95]) المصدر نفسه / 620.
([96]) السيرة النبوية لابن هشام 2 / 274.
([97]) اللحن: للغزو وهو يخالف ظاهر الكلام معناه.
([98]) لا تفتوا في أعضاد الناس: لا تضعفوهم.
([99]) قبال النعل: زمام ما بين الإصبع الوسطى والتي يليها.
([100]) المغازي للواقدي 2 / 458.
([101]) المغازي للواقدي 2 / 478.
([102]) وجدوا: عتبوا عتباً شديداً.
([103]) السيرة النبوية لابن هشام 2 / 499، 500.
([104]) فتح الباري شرح صحيح البخاري للعسقلاني وابن حجر، 7 / 381.
([105]) فتح الباري شرح صحيح البخاري 7 / 379، 380.
([106]) فتح الباري شرح صحيح البخاري للعسقلاني 7 / 384.
([107]) وهو شرط من مجموعة كبيرة من الشروط تعتمد الكفاءة والقدرة.
([108]) سورة الحجرات / 15.
([109]) مجمع الزوائد للهيثمي 5 / 211.
([110]) مجمع الزوائد 5/ 232.
([111]) مجمع الزوائد للهيثمي 5 / 232، وقال فيه رواه أحمد وفيه الأجلح الكندي وهو ثقة.
([112]) مبادئ علم السياسة لـ د. نظام بركات وزملائه، الطبعة الثالثة، الرياض 1989 م
([113]) سورة الأنعام / من الآية 159.
([114]) سورة الروم / 31 – 32.
([115]) آل عمران / 103.
([116]) أخرجه الترمذي في السنن، والحاكم في مستدركه، وقال صحيح على شرط الشيخين.
([117]) أخرجه مسلم.
([118]) صحيح الجامع الصغير / 1، 356.
([119]) المائدة / 55 – 56.
([120]) سورة النساء / الآية 49.
([121]) سورة النجم / من الآية 32.
([122]) سورة الحجرات / من الآية 11.
([123]) صحيح البخاري / ح 7142/ ص 1362.
([124]) صحيح مسلم / ح 1843 / ص 770.
([125]) لخصنا هذا العرض الجيد للبحث في كتاب التعددية السياسية في الدولة الإسلامية للدكتور صلاح الصاوي من الصفحات 42 – 73، وهو المبحث الثاني من الفصل الثاني من الكتاب.
([126]) الطرق الحكمية للسياسية الشرعية لابن القيم / 13.
([127]) المصدر نفسه / 14.
([128]) الموافقات للشاطبي 4 / 194 – 195.
([129]) نُقلت هذه الوثيقة من كتاب محمد الهاشمي الحامدي، أشواق الحرية / ص 79، دار القلم للنشر والتوزيع، وذكرها الأستاذ راشد الغنوشي في كتابه الحريات العامة في الدولة الإسلامية / 259.
([130]) الحريات العامة / 260.
([131]) جريدة الشعب 2 / 10 / 1993، علماً بأن الأستاذ مصطفى مشهور هو اليوم المرشد العام للإخوان المسلمين ويمثل رأيه رأي التنظيم العالمي للإخوان المسلمين.
([132]) ميثاق الثورة الإسلامية في سوريا 1 / 1 / 1401.
([133]) ميثاق الشرف الوطني، الحياة.
([134]) أخرجه أحمد 5 / 440 والترمذي 3927.
([135]) كان هذا في الوثيقة الصادرة عن مركز الدراسات الحضارية الذي يشرف عليه الدكتور محمود عاكف، انظر الحريات العامة في الدولة الإسلامية، شارك في مناقشتها مع الورقة الثانية عدداً من المؤتمرين مع الوثيقة الثانية التي قدمها سليم العوا.
([136]) الحريات العامة في الدولة الإسلامية / 263.
([137]) سورة الأنعام / من الآية 81 والآية 82.
([138]) سورة يوسف / 40.
([139]) الكهف / الآية الأخيرة.
([140]) الشورى.
([141]) المائدة / 80، 81.
([142]) الحصاد المر، الإخوان المسلمون في ستين عاماً للدكتور أيمن الظواهري / 214.
([143]) مجلة المجتمع الكويتية العدد 1395 / 20 – 27، جمادى الأولى 1420، السنة 30.
([144]) المصدر السابق.
([145]) مجلة المجتمع الكويتية، العدد المذكور.
([146]) سورة النساء / 140.
([147]) واقعنا المعاصر، للأستاذ محمد قطب / 463 – 464.
([148]) في ظلال القرآن لسيد قطب 2 / 781.
([149]) سورة الأنعام / 68، 69.
([150]) السيرة النبوية لابن هشام 1 / 350.
([151]) أخرجه البخاري / رقم 6764، ومسلم (الفرائض) وأبو داود وأحمد وابن ماجه وعند أحمد 2 / 370 وغيرها.
([152]) أخرجه البخاري / رقم 1590، ومسلم كتاب الحج / 1314.
([153]) مغازي عروة بن الزبير / 114.
([154]) مغازي عروة بن الزبير / 115، 116.
([155]) مشاركة الإسلاميين في السلطة لعزام التميمي / 117، 118.
([156]) المصدر نفسه / 188.
([157]) المصدر نفسه / 161، 162.
([158]) واقعنا المعاصر: لمحمد قطب / 464، 465.
([159]) البقرة / 217.
([160]) مشاركة الإسلاميين في الحكم للتميمي / 139، 140.
([161]) مشاركة الإسلاميين في السلطة / 224.
([162]) الطرق الحكيمة للسياسة الشرعية لابن القيم / 131.
([163]) سورة المائدة.
([164]) من أوراق ووثائق التنظيم العالمي للشيخ فيصل مولوي.
([165]) من فقه الدولة في الإسلام، للدكتور يوسف القرضاوي، مقتطفات. (178 – 188) وهو من أوفى ما كتب في هذا الموضوع، ط: دار الشروق.
([166]) تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن) 5 / 215.
([167]) المصدر السابق.
([168]) جامع أحكام القرآن للقرطبي 5 / 215.
([169]) تفسير جامع البيان (الطبري) الهامش / تفسير غرائب القرآن للنيسابوري 7 / 13 / 19.
([170]) في ظلال القرآن لسيد قطب 4 / 2005.
([171]) الفتاوى لابن تيمية ج 30 ص 356 – 358.
([172]) سورة يوسف / 39.
([173]) سورة التغابن / 16.
([174]) مختصر من مجموع الفتاوى 30 / 48 – 58.
([175]) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي / 5 / 217.
([176]) المصدر نفسه / 218.
([177]) المصدر نفسه / 219.
([178]) تجربة الحركة الإسلامية في السودان / ص 22، من مجلة قضايا شرق أوسطية.
([179]) المصدر نفسه / تجربة الجزائر / ص 31.
([180]) قضايا شرق أوسطية / أغسطس 1998 / ص 25.
([181]) قضايا شرق أوسطية / مارس 1999 / ص 49 لـ. هشام جعفر عن تجربة الحركة الإسلامية في مصر.
([182]) جاء في مقدمة الدستور (إن هذه المقدمة جزء لا يتجزأ من الدستور وضعت لتذكر المواطنين بالمبادئ التي قام عليها قانونهم الأساسي / مصطفى السباعي لـ. عدنان زرزور / 266.
([183]) المصدر السابق / 267، 268، 269.
([184]) المصدر نفسه.
البحث منقول من المركز الإعلامي لإخوان سوريا
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
مواضيع مماثلة
» الديمقراطية و الحكم (المبحث الأول)
» الديمقراطية و الحكم (المبحث الثاني)
» الديمقراطية و الحكم (المبحث الثالث)
» الوطن والمواطنة (المبحث الخامس + الحاشية)
» الوطن والمواطنة (المبحث الرابع)
» الديمقراطية و الحكم (المبحث الثاني)
» الديمقراطية و الحكم (المبحث الثالث)
» الوطن والمواطنة (المبحث الخامس + الحاشية)
» الوطن والمواطنة (المبحث الرابع)
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى