شبكة واحة العلوم الثقافية
أسعدتنا زيارتك و أضاءت الدنيا بوجودك

أهلا بك فى شبكة واحة العلوم الثقافية

يسعدنا تواجدك معنا يدا بيد و قلبا بقلب

لنسبح معا فى سماء الإبداع

ننتظر دخولك الآن

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

شبكة واحة العلوم الثقافية
أسعدتنا زيارتك و أضاءت الدنيا بوجودك

أهلا بك فى شبكة واحة العلوم الثقافية

يسعدنا تواجدك معنا يدا بيد و قلبا بقلب

لنسبح معا فى سماء الإبداع

ننتظر دخولك الآن
شبكة واحة العلوم الثقافية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الوطن والمواطنة (المبحث الرابع)

اذهب الى الأسفل

الوطن والمواطنة (المبحث الرابع) Empty الوطن والمواطنة (المبحث الرابع)

مُساهمة من طرف سامح عسكر الجمعة أغسطس 26, 2011 10:03 am

المبحث الرابع
دار الكفر ودار الإسلام رؤية معاصرة

ملخص البحث:
1- تمهيد:
آ- متى وُجد مصطلح دار الإسلام ودار الحرب.
ب- مراحل الدعوة والجهاد في السيرة النبوية كما عرضها ابن القيم.
2- أساس تسمية هذه الديار.
3- دار الإسلام ودار الحرب عند المذاهب الأربعة:
أولاً - الحنفية.
ثانياً - الشافعية.
ثالثاً - المالكية.
رابعاً - الحنابلة.
4- رأي الفقيهين الكبيرين ابن حزم وابن تيمية:
آ- ابن حزم.
ب- ابن تيمية.
5- تحول دار الإسلام إلى دار حرب:
آ- الطحاوي.
ب- الرأي الأول.
جـ- الرأي الثاني.
د- الرأي الثالث.
هـ- الرأي الرابع.
6- دار الموادعة:
آ- الموادعة عند الشافعية.
ب- الموادعة عند الحنابلة.
جـ- الموادعة عند الحنفية.
د- الموادعة عند المالكية.
هـ- الموادعة على المال: 1ً- الإباحة. 2ً- الرفض.
و- شروط الموادعة.
7- آراء الفقهاء المعاصرين في دار الحرب ودار الإسلام:
1- الصنعاني.
2- عبد القادر عودة.
3- سيد قطب.
4- حسن البنا.
5- عبد الكريم زيدان.
6- الدكتور محمد خير هيكل.
8- الشيخ عبد الوهاب خلاف.
9- الشيخ تقي الدين النبهاني.
10- الدكتور وهبة الزحيلي.
11- الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي.
8- إلغاء الخلافة الإسلامية وقيام الدولة القطرية.
9- أثر ذلك في تغير الأحكام.
10- خارطة العالم الإسلامي.
11- ديار المسلمين وأحكامها.
12- ملخص البحث.

1- تمهيد:
آ- إذا أردنا أن نوجز البحث بكلمة واحدة نسأل:
متى وُجد مصطلح دار الإسلام؟ والجواب واضح: بعد قيام الدولة الإسلامية، فإذا لم تكن الدولة الإسلامية قائمة فلا دار إسلام ولا دار حرب.
وحتى نصل إلى هذه النتيجة التي ابتدأنا بها البحث، لا بد من المرور طويلاً على الماضي حتى نصل إلى فهم الواقع على ضوئه.
ب- ولعل متابعة مراحل الدعوة والجهاد كما عرضها العلامة - ابن القيم – في كتابه زاد المعاد تقدم الإضاءة المطلوبة:
( وأول ما أوحى إليه ربه تبارك وتعالى: أن يقرأ باسم ربه الذي خلق، وذلك أول نبوته، فأمره أن يقرأ في نفسه، ولم يأمره إذ ذاك بتبليغ، ثم أنزل عليه } يا أيها المدَّثر، قم فأنذر { فنبأه بقوله } اقرأ { وأرسله بقوله } يا أيها المدثر { ثم أمره أن ينذر عشيرته الأقربين، ثم أنذر قومه، ثم أنذر من حولهم من العرب، ثم أنذر العرب قاطبة، ثم أنذر العالمين، فأقام بضعة عشر سنة بعد نبوته ينذر بالدعوة بغير قتال ولا جزية، ويُؤمر بالكف والصبر والصفح، ثم أُذن له بالهجرة، وأُذن له في القتال..)([104]).
إذن فدار الحرب ابتدأت بعد قيام دار الإسلام في المدينة أي دولة الإسلام وكان يواجهها دار الحرب في مكة المكرمة، ثم تطور الأمر باتساع دار الإسلام ودار الحرب، (... وأُذن له في القتال، ثم أمره أن يقاتل من قاتله، ويكف عمن اعتزله ولم يقاتله، ثم أمره بقتال المشركين حتى يكون الدين كله لله، ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام، أهل صلح وهدنة، وأهل حرب، وأهل ذمة، فأمر أن يتم لأهل العهد والصلح عهدهم، وأن يوفي لهم ما استقاموا على العهد، فإن خاف منهم خيانة نبذ إليهم عهدهم، ولم يقاتلهم حتى يعلمهم بنقض لعهد، وأُمر أن يقاتل من نقض عهده...).
وهذه مرحلة كان فيها (دار إسلام) وهي التي يحكمها رسول الله r بالإسلام، و(دار عهد) هي دار شرك وكفر، لكن بينها وبين المسلمين عهد وميثاق وهدنة، و( دار حرب) وهي التي تقوم الحرب بينها وبين المسلمين، فماذا عن المرحلة النهائية؟: (ولما نزلت سورة براءة نزلت ببيان حكم هذه الأقسام كلها، فأمره فيها أن يقاتل عدوه من أهل الكتاب حتى يعطوه الجزية أو يدخلوا في الإسلام، وأمره فيها بجهاد الكفار والمنافقين والغلظة عليهم، فجاهد الكفار بالسيف والسنان، والمنافقين بالحجة واللسان، وأمره فيها بالبراءة من عهود الكفار...
فاستقر أمر الكفار معه بعد نزول براءة على ثلاثة أقسام محاربين له، وأهل عهد وأهل ذمة، ثم آلت حال أهل العهد والصلح إلى الإسلام فصاروا معه قسمين: محاربين، وأهل ذمة، والمحاربون له خائفون منه، فصار أهل الأرض معه ثلاثة أقسام: مسلم مؤمن به، ومسالم له آمن، وخائف محارب) ([105]).

2-أساس تسمية هذه الديار:
إذا نظرنا في السيرة النبوية المطهرة نستطيع أن نلحظ الأساس لهذه المصطلحات، والتي ذُكرت لأول مرة بعد أن اعترفت قريش بالدولة الإسلامية في المدينة من خلال صلح الحديبية، وأصبحت دولة الإسلام دولة متمكنة راسخة متميزة، وعندما توجه المسلمون إلى الشام في غزوة مؤتة كانت الوصية النبوية التالية لجيشه:
(( أوصيكم بتقوى الله، وبمن معكم من المسلمين خيراً، اغزو باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله واغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً.
وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال (أو خلال) فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم.
1- ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا عنها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين.
2- فإن هم أبوا، فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل عنهم وكف عنهم.
3- فإن هم أبوا، فاستعن بالله وقاتلهم)([106]).
فنحن إذن أمام دارين كما هو الواضح في هذا النص النبوي المبين بعد تمكن دولة الإسلام وليس قيامها فقط:
1- دار الإسلام وتشمل دار المهاجرين ودار الأعراب، ودار الذمة التي تنفذ حكم الله، وهم الذين يقبلون دفع الجزية ويرضخون لأحكم الإسلام في ما هو محرم عليهم.
2- دار الحرب (فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم).
ومع ذلك فلم يرد في النصوص النبوية استعمال (دار الإسلام) و( دار الكفر) إلا ما ذكره الماوردي في الأحكام السلطانية من حديث نسبه إلى رسول الله r بقوله، (روي عن رسول الله r أنه قال: (( منعت دار الإسلام ما فيها، وأباحت دار الشرك ما فيها)) ([107])، ولو صح الحديث لكان حجة قاطعة في موطن النزاع فيكون اللفظ توفيقياً لا اجتهادياً.
وأما ما ورد عن الصحابة فقد جاء في كتاب الصلح الذي كتبه خالد بن الوليد لأهل الحيرة ما نصه:
(... وجعلت لهم - أي لأهل الحيرة الذين عقد لهم الذمة – أيما شيخ ضعف عن العمل، أو أصابته آفة من الآفات، أو كان غنياً فافتقر، وصار أهل دينه يتصدقون عليه طرحت عنه جزيته، وعيل من بيت مال المسلمين وعياله ما ألام بدار الهجرة ودار الإسلام، فإن خرجوا إلى غير دار الهجرة ودار الإسلام فليس على المسلمين النفقة على عيالهم...).

3- دار الإسلام ودار الحرب عند المذاهب الأربعة:
أولاً- الحنفية:
(دار الإسلام اسم للموضع الذي يكون تحت يد المسلمين، وعلامة ذلك أن يأمن فيه المسلمون)([108]).
345- (وكذلك عسكر من المسلمين دخلوا دار الحرب على مدينة فإن اتخذوها داراً فقد صارت دار الإسلام يتمون فيها الصلاة، فإن لم يتخذوها داراً ولكن هم أرادوا الإقامة بها شهراً أو أكثر فإنهم يقصرون الصلاة)([109]).
341- ألا ترى أن أهل مدينة من أهل الحرب لو أسلموا فقاتلهم أهل الحرب وهم مقيمون في مدينتهم فإنهم يتمون الصلاة وكذلك إن أغلبهم أهل الحرب على مدينتهم فخرجوا منها يريدون مسيرة يومٍ فإنهم يتمون الصلاة، وإن خرجوا منها يريدون مسيرة ثلاثة أيام فقد صاروا مسافرين يقصرون الصلاة، فإن أقاموا في موضع من دار الحرب عند مدينتهم قصروا الصلاة أيضاً لأنهم محاربون، ومن حصل مسافراً في دار الحرب محارباً للمشركين لا يصير مقيماً بنية الإقامة في موضع منها.
342- وإن رجعوا إلى مدينتهم ولم يكن المشركون عرضوا لها فعادوا فيها أتموا الصلاة لأن مدينتهم كانت دار إسلام حين أسلموا فيها، وكانت موضع إقامة لهم، فما لم يعرض لها المشركون فهي موطن أصلي في حقهم فيتمون الصلاة إذا وصلوا إليها.
343- وإن كان المشركون غلبوا عليها وأقاموا فيها، ثم إن المسلمين رجعوا إليها، وخلا المشركون عنها، فإن كانوا اتخذوها داراً ومنزلاً لا يبرحونها فصارت دار إسلام يتمون فيها الصلاة.
لأنها صارت في حكم دار الحرب حين غلب المشركون عليها، فحين ظهر المسلمون عليها وعزموا على المقام فقد صارت دار الإسلام ونية المسلم الإقامة في دار الإسلام صحيحة).
ثانياً- الشافعية:
آ- (دار الإسلام: هي كل أرض تظهر فيها أحكام الإسلام أو تكون مسكونة من قبل المسلمين، وإن خالطهم غيرهم، أو فتحها المسلمون وأقروها بأيدي الكفار، أو سكنها المسلمون ثم أجلاها الكفار عنها)([110]).
2- قال الماوردي: إذا قدر على إظهار الإسلام في بلد من بلاد الكفر فقد صارت البلد به دار إسلام، فالإقامة فيها أفضل من الرحلة عنها لما يترجى من دخول غيره الإسلام).
3- دار الإسلام: هي كل أرض تظهر فيها أحكام الإسلام أو تكون مسكونة من قبل المسلمين وإن خالطهم غيرهم، أو فتحها المسلمون ثم أجلاهم الكفار عنها)([111]).
فصل: وأما الأرضون إذا استولى عليها المسلمون فتنقسم ثلاثة أقسام:
أحدها ما ملكت عنوة وقهراً حتى فارقوها بقتل أو أسرٍ أو جلاء.. يكون المشركون فيها أهل ذمة... وتصير هذه الأرض دار إسلام سواءً سكنها المسلمون أو أعيد إليها المشركون لملك المسلمين لها ولا يجوز أن يستنزل عنها للمشركين لئلا تصير دار حرب.
والقسم الثاني منها ما ملك عفواً لا نجلائهم عنها خوفاً فتصير بالاستيلاء عليها وقفاً.. ولا يجوز بيع هذه الأرض ولا رهنها، ويجوز بيع ما استحدث فيها من نخل أو شجر.
والقسم الثالث أن يستولي عليها صلحاً على أن تقر في أيديهم بخراج يؤدونه عنها، فهذا على ضربين ؛ أحدهما أن يصالحهم على ملك الأرض لنا فتصير بها الصلح وقفاً في دار الإسلام... والضرب الثاني أن يصالحوا على أن الأرضين لهم ويضرب عليها خراج يؤدونه عنها، وهذا الخراج في حكم الجزية متى أسلموا سقط عنهم، ولا تصير أرضهم دار إسلام وتكون دار عهد)([112]).
ثالثاً- المالكية:
تبقى كذلك (أي دار إسلام) ما دام أهلها يقومون بشعائر الإسلام كالأذان والصلاة والجمع والأعياد لما يترتب على تحويلها إلى دار كفر من فساد كبير، وتغير في الأحكام)([113]).
رابعاً– الحنابلة:
كل دار كانت الغلبة فيها لأحكام الكفر دون أحكام الإسلام فهي دار الكفر)([114]).
( وتجب الهجرة على من يعجز عن إظهار دينه بدار الحرب وهي ما يغلب فيها حكم الكفر)([115]).
ونخلص إلى أن جميع المذاهب اتفقت في أن ظهور أحكام الإسلام في قطر تجعله دار إسلام، واختلفوا في تحولها إلى دار حرب، وهو ما نعالجه في الفصل القادم.

4- رأي الفقيهين الكبيرين ابن حزم وابن تيمية:
آ- ابن حزم:
( وإذا كان أهل الذمة في مدائنهم لا يمازجهم غيرهم فلا يُسمى الساكن فيهم لإمارة عليهم أو لتجارة بينهم كافراً ولا مسيئاً بل هو مسلم محسن، ودارهم دار إسلام لا دار شرك لأن الدار إنما تنسب للغالب عليها، والحاكم والمالك لها، ولو أن كافراً غلب على دار من دور الإسلام، وأقر المسلمين على حالهم إلا أنه المالك لها، المتفرد بنفسه في ضبطها وهو معلن بدين غير الإسلام، لكفر بالبقاء معه من عاونه وأقام معه وادعى أنه مسلم)([116]).
ب- ابن تيمية:
( وكون الأرض دار كفر ودار إيمان أو دار فاسقين ليست صفة لازمة لها بل هي صفة عارضة بحسب سكانها، فكل أرض سكانها المؤمنون المتقون هي دار أولياء الله في ذلك الوقت، وكل أرض سكانها الكفار فهي دار كفر في ذلك الوقت، وكل أرض سكانها الفساق فهي دار فسوق في ذلك الوقت، فإن صار سكانها غير ما ذكرنا، وتبدلت بغيرهم فهي دارهم، وكذلك المسجد إذا بُدل بخمارة أو صار دار فسق أو دار ظلم، أو كنيسة يشرك فيها بالله كان حسب سكانه، وقد قال تعالى: } وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان، فكفرت بأنعم الله.. { (النحل /112) نزلت في مكة لما كانت دار كفر، وهي ما زالت في نفسها خير أرض الله وأحب أرض الله إليه، وإنما أراد سكانها... فالمساكن بحسب سكانها، وقد كتب سلمان إلى أبي الدرداء: إن الأرض لا تقدس أحداً)([117]).
وسُئل رحمه الله عن بلد ماردين هل هي بلد حرب أم بلد سلم، فقال:
وأما كونها دار حرب أو دار سلم فهي مركبة فيها المعنيان، ليست بمنزلة دار السلم التي تجري عليها أحكام الإسلام لكون جندها مسلمين، ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار، بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه، ويقاتل الخارج على الإسلام بما يستحقه)([118]).
والقول الثاني لابن تيمية يفسر القول الأول، فأحكام الإسلام وسكان الأرض لا بد أن ينظر إليهما عند الحكم على دار الإسلام ودار الحرب، وموقف ساكن الأرض من حكم الإسلام يعامل به ويحكم عليه من خلاله.
أما ابن حزم فلا ينظر إلا إلى غلبة الأحكام فقط بغض النظر عن الساكنين فيها.

5- تحول دار الإسلام إلى دار حرب:
آ- الطحاوي:
( قال أبو حنيفة: لا يصيرون حرباً حتى لا يكون بينهما وبين دار الحرب دار للمسلمين، وحتى يحكموا فيها بحكم المشرك ولا يبقى فيها مسلم ولا ذمي آمن، فإن فقد شيء من ذلك لم تكن دار حرب، وكانوا بمنزلة أهل البغي.
وقال أبو يوسف ومحمد: إذا كان جرى فيها حكم الشرك، فقد صارت دار حرب.
وقال مالك: إذا قطعوا الطريق، وخرجوا متلصصين فهم بمنزلة المحاربين من المسلمين، وإن منعوا الجزية ونقضوا العهد، وامتنعوا عن حكم الإسلام من غير أن يظلموا فهؤلاء فيء إذا كان الإمام يعدل فيهم..
وقال الشافعي: في المرتدين سواءً كانوا في دار الإسلام أو في دار الحرب يقاتلون فإن أسلموا فمالُهُم لهم وإلا قُتلوا، ونساؤهم لم نُسبهم، فإذا قتلوا كان مالهم فيئاً...
قال أبو جعفر الطحاوي: والواجب أن تصير دار الحرب، فغلبة الكفار وجريان حكمهم فيها لقول الله تعالى } هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام.. { (الفتح / 25)، ولم يخرجها من أن تكون دار حرب ببقاء من بقي فيها من المسلمين إذ كان قد قال } وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم { أي في الغنيمة منهم } فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا { (الممتحنة / 11) أي ما غنمتم.
فدل على أن جريان حكم الشرك في الدار هو الذي يجعلها دار حرب)([119]).
ونستطيع أن نلخص الآراء الفقهية في تحول دار الإسلام إلى دار حرب بالآراء التالية:
ب- الرأي الأول: تتحول دار الإسلام إلى دار حرب في جريان أحكام المشرك عليها، وعلى هذا الرأي الصاحبان من الحنفية (أبو يوسف ومحمد).
جـ- الرأي الثاني: الشافعية: لا يرون تحول دار الإسلام إلى دار حرب إذا توفر فيها شروط أربعة:
آ - تظهر فيها أحكام الإسلام.
ب - أن تكون مسكونة من قبل المسلمين وإن خالطهم غيرهم.
جـ- فتحها المسلمون وأقروها بأيدي الكفار.
د - سكنها المسلمون ثم أجلاهم الكفار عنها.
لكن ترجيح النووي رحمه الله يلتقي في النهاية مع الصاحبين أبي محمد ويوسف).
( وجه النووي المسألة مشترطاً أن لا يمنع أهلُها المسلمين من عباداتهم والتمسك بشريعتهم فإن هم منعوها صارت دار حرب)([120]).
د- الرأي الثالث: رأي الحنابلة، ويلتقي مع رأي الصاحبين، ومع ترجيح النووي حيث قدَّم أبو يعلى تعريف دار الإسلام ودار الكفر بقوله: كل دار كانت الغلبة فيها لأحكام الكفر دون أحكام الإسلام فهي دار الكفر)([121]).
وتكاد تكون هذه الآراء، مع رأي ابن حزم تمثل رأياً واحداً في النهاية.
هـ- الرأي الرابع: رأي أبي حنيفة رحمه الله:
قال أبو حنيفة: لا يصيرون حرباً حتى لا يكون بينهما وبين دار الحرب دار للمسلمين، وحتى يحكموا فيها بحكم الشرك ولا يبقى فيها مسلم ولا ذمي آمن، فإن فقد شيء من ذلك لم تكن دار حرب، وكانوا بمنزلة أهل البغي)([122]).
ح- الرأي الخامس: رأي المالكية:
تبقى كذلك (دار إسلام) ما دام أهلها يقومون بشعائر الإسلام كالآذان والصلاة والحج والجمع والأعياد، لما يترتب على تحويلها إلى دار كفر من فساد كبير وتغير في الأحكام)([123]).
ويلتقي ابن تيمية رحمه الله مع رأي المالكية، حيث يربط بين وجود المسلمين في الأرض، وسريان أحكام الإسلام فيها، ويرجح تسميتها بدار المسلمين لا دار الإسلام.

6- دار الموادعة:
وهي دار ثالثة نصَّ عليها الفقهاء ليست بدار حرب ولا دار إسلام..
آ- الموادعة عند الشافعية:
يقول الإمام الماوردي في الأحكام السلطانية:
( وإذا كانت مصابرة القتال من حقوق الجهاد فهي لازمة حتى يظفر بخصلة من أربع خصال:
إحداهن: أن يسلموا فيصير لهم بالإسلام مالنا وعليهم ما علينا ويقروا على ما ملكوا من ديار وأموال، قال رسول الله r: (( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها))، وتصير بلادهم إذا أسلموا دار إسلام تجري عليهم حكم الإسلام..
الخصلة الثانية: أن يظفره الله تعالى بهم مع مقامهم على شركهم فتسبى ذراريهم وتغنم أموالهم.
الخصلة الثالثة: أن يبذلوا مالاً على المسالمة والموادعة فيجوز أن يقبله منهم ويوادعهم أن يعاود جهادهم ما كانوا مقيمين على بذل المال لاستقرار الموادعة عليه، وإذا دخل أحدهم إلى دار الإسلام كان له بعقد الموادعة الأمان على نفسه وماله...
الخصلة الرابعة: أن يسألوا الأمان والمهادنة، فيجوز إذا تعذر الظفر بهم، وأخذ المال منهم أن يهادنهم على المسالمة في مدة مقررة يعقد الهدنة عليها.. ويقتصر في مدة الهدنة على أقل ما يمكن ولا يجاوز أكثرها عشر سنين.. ولهم الأمان إلى انقضاء مدتها، ولا يجاهدون فيها ما أقاموا على العهد...)([124]).
ب- الموادعة عند الحنابلة:
يقول أبو يعلى الفراء الحنبلي في كتابه (الأحكام السلطانية)
( وإذا كانت مصابرة القتال من حقوق الجهاد فهي لازمة حتى يظفر بأربع خصال..)([125]).
وكرر ما قاله الماوردي بالنص...
( الخصلة الرابعة: أن يسألوا الأمان والمهادنة، فيجوز ذلك عند تعذر الظفر بهم، وعند (تعذر) أخذ المال منهم، وإذا نقضوا العهد صاروا حرباً يجاهدون من غير إيذان...)([126]).
وفي الروض المربع:
( والهدنة عقد الإمام أو نائبه على ترك القتال مدة معلومة ولو طالت بقدر الحاجة، وهي لازمة يجوز عقدها لمصلحة حيث جاز تأخير الجهاد لنحو ضعف بالمسلمين ولو بمالٍ منا ضرورة.
أما في عقد الذمة فيقول:
( معنى عقد الذمة إقرار بعض الكفار على كفرهم بشرط بذل الجزية والتزام أحكام الملة، والأصل فيه قوله تعالى } حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون {.
فالفرق هام بين عقد الذمة، وعقد الموادعة، لأن عقد الذمة بشرط بذلك الجزية والتزام أحكام الملة، أما عقد الموادعة فيبقون على كفرهم، ولا تطبق عليهم أحكام الإسلام، ولا يحاربون، فهم ليسو دار إسلام وليسو دار حرب، إنما هم دار سلم.
جـ- الموادعة عند الحنفية:
قال أبو حنيفة رضي الله عنه: لا ينبغي موادعة أهل الشرك إذا كان بالمسلمين عليهم قوة.. وإن لم يكن بالمسلمين قوة عليهم فلا بأس بالموادعة لأن الموادعة خير للمسلمين في هذه الحالة، واستدل بجواز الموادعة بمباشرة رسول الله r ذلك والمسلمين بعده إلى يومنا هذا.
فقد قال محمد بن كعب القرظي: لما قدم رسول الله r المدينة وادعته يهودها كلها، وكتب بينه وبينها كتاباً، وألحق كل قوم بحلفائهم، وكان فيما شرط عليهم ألا يظاهروا عليه عدواً، فصار هذا أصلاً بجواز الموادعة عند ضعف المسلمين.. ولا بأس في هذه الحالة بموادعة المرتدين الذين غلبوا على دارهم لأنه لا قوة للمسلمين على قتالهم، فكانت الموادعة خير لهم، ولكن يكره أخذ الجعل منهم على الموادعة بخلاف أهل الحرب.. وكذلك لا بأس بموادعة أهل البغي لما بيَّنا والحاجة إلى الموادعة في هذا الفصل أظهر)([127]).
د- الموادعة عند المالكية: للإمام المهادنة على ترك القتال بالمصلحة مدة باجتهاده، وندب أن لا تجاوز أربعة أشهر إلا لمصلحة)([128]).
هـ- الموادعة على المال:
1َ- الإباحة: (وإذا خاف المسلمون المشركين فطلبوا موادعتهم، فأبى المشركون أن يوادعوهم حتى يعطيهم المسلمون على ذلك مالاً فلا بأس بذلك عند تحقق الضرورة، ولا بأس بدفع بعض المال على سبيل الدفع عن البعض إذا خاف ذهاب الكل، فأما إن كان بالمسلمين قوة عليهم فإنه لا يجوز الموادعة بهذه الصفة...
قال: ولو بدا للإمام بعد الموادعة أن القتال خير، فبعث إلى ملكهم ينبذ إليهم فقد صار ذلك نقضاً، ولكن لا ينبغي للمسلمين أن يغيروا عليهم ولا على أطراف مملكتهم حتى يمضي من الوقت مقدار ما يبعث إلى الملك إلى ذلك الموضع من ينذرهم)([129]).
هذا وتبقى الموادعة هدنة مؤقتة تبقي دار الكفر على حالها، ودار الإسلام على حالها، لكن دار الكفر لا تكون دار حرب، فلا تحل الأموال ولا النفوس، ولا يجوز الاعتداء عليهم ولا الإغارة عليهم، ولو وقعت هذه الموادعة بطلب من المسلمين، ودفعوا المال لتحقيقها فالأمر مرتبط بوضع المسلمين قوة وضعفاً، فلو كان المسلمون قادرين على المواجهة، أو قادرين على الحرب دون بذل المال فيحرم عليهم ذلك.
2ً- الرفض: بينما نرى الشافعية لا يقرون الموادعة الدائمة على المال.
يقول الشافعي:
ولا خير في أن يعطيهم المسلمون شيئاً بحال على أن يكفوا عنهم لأن القتل للمسلمين شهادة، وإن الإسلام أعز من أن يعطى مشرك على أن يُكفَّ عن أهله، لأن أهله – قاتلين أو مقتولين – ظاهرون على الحق إلا في حال واحدة وأخرى أكثر منها، وذلك أن يلتحم قوم من المسلمين فيخافون أن يصطلحوا لكثرة العدو، وقلتهم دخلة فيهم، فلا بأس أن يعطوا في تلك الحال شيئاً من أموالهم على أن يتخلصوا من المشركين، لأنه من معاني الضرورات يجوز فيها ما لا يجوز بغيرها، أو يؤسر مسلم فلا يخلى إلا بفدية فلا بأس أن يُفدى، لأن رسول الله r فدى رجلاً من أصحابه أسره العدو برجلين)([130]).
ح- شروط الموادعة:
هذا وتشير النصوص الفقهية عند حديثها عن (الموادعة) مع العدو إلى معنىً آخر إضافة إلى معنى ضعف المسلمين، هذا المعنى هو مصلحة الإسلام والطمع في إسلام هؤلاء الموادعين.
يقول الدكتور أمير عبد العزيز في كتابه فقه الكتاب والسنة:
( يُشترط لصحة الهدنة بين المسلمين والكافرين جملة شروط.. وهي:
الشرط الأول: أن يُناط عقد الهدنة بالإمام أو نائبه فقط.. وذلك الذي عليه أكثر أهل العلم خلافاً للحنفية، قالوا بعدم اشتراط الإذن من الإمام نفسه، فإذا صالحهم بعض المسلمين من غير إذن الإمام جاز لأن المقصود هو تحقق مصلحة المسلمين، وقد وجد ذلك بعقد الهدنة([131]).
الشرط الثاني: أن يكون للمسلمين مصلحة في عقد الهدنة، كما لو كانوا يرجون إسلام عدوهم من غير قتال، أو ليُفرغوا لقتال عدوٍ لهم آخر، أو كانت مصلحتهم في الاستفادة من المال يؤديه العدو لهم، إن كانوا مفتقرين للمال، وكذلك ما لو كان ثمة ضرورة يجد المسلمون أنفسهم معها في حاجة ملحة لعقد الهدنة مع العدو بأن كانوا عاجزين عن القتال لضعفهم وقوة عدوهم، فإن كانت الحال كذلك جاز لهم عقد الهدنة.. فإن من أظهر وأجلى وظائف المسلمين وعلى رأسهم إمامهم هو نشر الإسلام في العالم، كيما يعم الخير والنور والهداية وجه الأرض([132])، فإذا لم يجد المسلمون مندوحة من القتال وجب في حقهم أن يحاربوا عدوهم لإعلاء كلمة الله وأيما مهادنة بغير حاجة أو مصلحة أو ضرورة إنما تعني الجنوح للخور والهوان([133]) وفي ذلك يقول الله جلَّت قدرته } فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم { ([134]).
الشرط الثالث: أن لا يتضمن عقد الهدنة ما فيه ضرر للمسلمين كما لو اشترطوا بقاء مسلم أسير بأيدي الكفار، أو إخلاء قرية من المسلمين..
الشرط الرابع: أن لا تزيد مدة الهدنة على المدة المعتبرة لذلك، وذلك موضع خلاف بين الفقهاء.. وجملة ذلك أن مدة الهدنة تتراوح ما بين أربعة أشهر وسنة وعشر سنوات على الخلاف في ذلك بين الشافعية والحنابلة، وقالت الحنفية بجواز مدة الهدنة مطلقاً على التوقيت، أما المالكية فقالوا بجواز تحديد المدة تبعاً لحاجة المسلمين إلى ذلك([135])، وهو ما نرجحه لأن المعتبر في الهدنة تحقيق المصلحة للمسلمين، أو درء الشر عنهم، وإنما تتحدد مدة ذلك بحسب المصلحة للمسلمين، والله سبحانه وتعالى أعلم)([136]).




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

الوطن والمواطنة (المبحث الرابع) Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28716
السٌّمعَة : 23
العمر : 45
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الوطن والمواطنة (المبحث الرابع) Empty رد: الوطن والمواطنة (المبحث الرابع)

مُساهمة من طرف سامح عسكر الجمعة أغسطس 26, 2011 10:05 am

7- آراء الفقهاء المعاصرين في دار الحرب ودار الإسلام:
1- الصنعاني: ذكر الصنعاني عدة آراء في دار الإسلام ودار الكفر نوردها بإيجاز:
الرأي الأول: دار الإسلام ما ظهرت فيها الشهادتان والصلاة، ولم تظهر فيها خصلة كفرية.. إلا بجوار وذمة من المسلمين.
الرأي الثاني: دار الإسلام ما ظهرت فيها الشهادتان والصلاة ولو ظهرت فيها الخصال الكفرية من غير جوار.
الرأي الثالث: العبرة في الدار بالغلبة والقوة، فإن كانت القوة للكفار من سلطان أو رعية كان الدار دار كفر، وإن كانت القوة للمسلمين كانت دار إسلام.
الرأي الرابع: العبرة بالكثرة، فإن كان الأكثر مسلمين فهي دار إسلام، وإن كان الأكثر كفاراً فهي دار كفر.
الرأي الخامس: الحكم للسلطان، فإن كان كافراً كانت الدار دار كفر ولو كانت الرعية كلهم مؤمنين، وإن كان مسلماً كانت الدار دار إسلام ولو كانت الرعية كلهم كفاراً.
واختار الصنعاني الرأي الأول إذ قال: متى علمنا يقيناً.. أن الكفار استولوا على بلد من بلاد الإسلام التي تليهم وغلبوا عليها وقهروا أهلها بحيث لا يتم لهم إبراز كلمة الإسلام إلا بجوار من الكفار صارت دار حرب، وإن أقيمت فيها الصلاة.
2- عبد القادر عودة: دار الإسلام: البلاد التي يظهر فيها أحكام الإسلام أو يستطيع سكانها المسلمون أن يظهروا فيها أحكام الإسلام، فيدخل في دار الإسلام كل بلد سكانه كلهم أو أغلبهم مسلمون، وكل بلد يتسلط عليه المسلمون ويحكمونه، ولو كانت غالبية السكان من غير المسلمين، ويدخل في دار الإسلام كل بلد يحكمه ويتسلط عليه غير المسلمين ما دام فيه سكان مسلمون يظهرون أحكام الإسلام, أو لا يوجد لديهم ما يمنعهم من إظهار أحكام الإسلام.
3- سيد قطب: لم يستعمل سيد قطب لفظ (دار الإسلام ودار الحرب) مباشرة، إنما يتحدث عن (الجاهلية) و( الإسلام) بقوله:
إن الجاهلية في ضوء هذا النص([137]) ليست فترة من الزمان ولكنها وضع من الأوضاع، هذا الوضع يوجد بالأمس، ويوجد اليوم، ويوجد غداً، فيأخذ صفة الجاهلية المقابلة للإسلام والمناقضة للإسلام والناس في أي زمان وفي أي مكان، إما أنهم يحكمون بشريعة الله دون فتنة عن بعض منها، ويقبلونها ويسلمون بها تسليماً، فهم إذن في دين الله، وإما أنهم يحكمون بشريعة من صنع البشر – في أي صورة من الصور – ويقبلونها هم إذن في جاهلية، وهم في دين من يُحكمون بشريعته، وليسوا بحالٍ في دين الله، والذي لا يبتغي حكم الله يبتغي حكم الجاهلية، والذي يرفض شريعة الله يقبل شريعة الجاهلية، ويعيش في الجاهلية)([138]).
لكنه يتحدث عن (دار الإسلام) و( دار الحرب) عرضاً في تفسير قوله تعالى: } ألم تر إلى الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم.. { يقول:
} قالوا: ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها.. { إنه لم يكن العجز الحقيقي هو الذي يحملهم على قبول الذل والهوان والاستضعاف، والفتنة عن الإيمان، إنما كان هناك شيء آخر، حرصهم على أموالهم ومصالحهم وأنفسهم يمسكهم في دار الكفر، وهناك دار الإسلام..} فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا { ثم يستثني من لا حيلة له بالبقاء في دار الكفر، والتعرض للفتنة في الدين، والحرمان من الحياة في دار الإسلام من الشيوخ الضعاف، والنساء والأطفال، فيعلقهم بالرجاء في عفو الله ومغفرته ورحمته بسبب عذرهم البيِّن وعجزهم عن الفرار: } إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان، لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم، وكان الله عفواً غفوراً {.
ويمضي هذا الحكم إلى آخر الزمان متجاوزاً تلك الحالة الخاصة التي كان يواجهها النص في تاريخ معين، وفي بيئة معينة، يمضي حكماً عاماً يلحق كل مسلم تناله الفتنة في دينه في أية أرض، وتمسكه أمواله ومصالحه، أو قراباته أو صداقاته، أو إشفاقه من آلام الهجرة ومتاعبها، متى كان هناك في الأرض في أي مكان دار للإسلام يأمن فيها على دينه، ويجهر فيها بعقيدته، ويؤدي فيها عباداته، ويحيا حياة إسلامية في ظل شريعة الله)([139]).
وخلاصة رأي سيد رحمه الله أن الحكم بشريعة الله هو القول الفصل في الحكم في (الجاهلية) أو (الإسلام) أو (دار الحرب) و( دار الإسلام).
4- حسن البنا: كذلك لم يتناول البنا رحمه الله حديثاً مباشراً عن (دار الإسلام) و( دار الحرب) لكنه حدد مفهوم الدولة الإسلامية بقوله: (فنحن نطلب من أية حكومة مصرية أولاً وعربية أو إسلامية بعد ذلك أن تعود في نظام حياتها الإسلامية والمدنية إلى الإسلام، ويكون من المظاهر العملية لذلك:
1- أن تعلن أنها حكومة إسلامية تمثل فكرة الإسلام دولياً تمثيلاً رسمياً.
2- أن تحترم فرائضه وشعائره وأن تلزم بأدائها كل موظفيها وعمالها، وأن يكون الكبار في ذلك قدوة لغيرهم.
3- أن تحرَّم الموبقات التي حرمها الإسلام من الخمر وما يلحق بها، ومن الزنا وما يمهد له، ومن الربا وما يتصل به...
4- أن تجدد مناهج التعليم بحيث تقوم على التربية الإسلامية والوطنية...
5- أن تكون الشريعة الإسلامية المصدر الأول للقانون...
6- أن تصدر الحكومات عن هذا التوجيه الإسلامي في كل التصرفات..)([140]).
فالدولة المسلمة أو (دار الإسلام) هي التي يكون حكامها ورعيتها ينطلقون من الإسلام في كل شيء.
5- د. يوسف القرضاوي: ولا مانع أن لا نجد الدكتور القرضاوي يحدثنا مباشرة عن هذا الموضوع إنما يعرضه في سياق الحديث عن دولة الإسلام العالمية فيقول:
ولا مانع من أن تبدأ هذه الدولة العالمية في طبيعتها بدولة إقليمية في قطر معين اختار شعبه الإسلام شرعة ومنهاجاً، وآثر أن يجسد النموذج الإسلامي على الأرض.. فإذا ظهرت نماذج من عدة أقطار أمكن أن تكون بينها دولة واحدة تقوم على الوحدة أو الاتحاد.
وبهذا تقوم الخلافة الإسلامية المنشودة التي يفرض الإسلام على الأمة إقامتها وتذليل العقبات التي تعترضها، فالخلافة ليست مجرد حكم إسلامي في إقليم، ولكنه حكم الأمة بالإسلام، فهي تقوم على مبادئ ثلاثة:
الأول: وحدة دار الإسلام، فمهما تتعدد أوطانها وأقاليمها فهي دار واحدة لأمة واحدة.
الثاني: وحدة المرجعية التشريعية العليا المتمثلة في القرآن والسنة.
الثالث: وحدة القيادة المركزية المتمثلة في الإمام الأعظم أو الخليفة الذي يقود دولة المؤمنين بالإسلام)([141]).
6- الدكتور عبد الكريم زيدان:
( دار الإسلام عند الفقهاء تضم جميع البلاد التي يحكمها المسلمون، ويطبقون فيها أحكام الشريعة الإسلامية... فيجوز أن تكون الدار دار إسلام ولو لم يكن فيها مواطن مسلم ما دام حكمها مسلماً ويطبق أحكام الإسلام، وفي هذا المعنى يقول فقهاء الشافعية: (وليس من شرط دار الإسلام أن يكون فيها مسلمون، بل يكتفي كونها في يد الإمام وإسلامه ويتابع الدكتور زيدان فيقول:
ويُلاحظ على هذا القول أنه لم يرد فيه شرط تطبيق أحكام الإسلام لاعتبار الدار دار إسلام، والسبب في ذلك أن تطبيق أحكام الإسلام أمر بديهي في نظر الفقهاء ما دامت الدار محكومة من قبل حاكم مسلم لأن الشأن بالحكام المسلمين تطبيق الشريعة الإسلامية.
أما دار الحرب فهي جميع البلدان الأخرى التي لا تجري فيها أحكام الإسلام، ولا يحكمها مسلمون، ثم يقول: وتصير دار الحرب دار إسلام بجريان أحكام الإسلام فيها، ودخولها في السلطان السياسي لدار الإسلام، وتصير دار الإسلام دار حرب بإظهار أحكام الكفر فيها، أي تطبيق غير أحكام الإسلام، وهذا ما صرَّح به الإمام أبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني، وفقهاء الزيدية([142]).
7- الدكتور محمد خير هيكل:
( الرأي المختار في مسألة دار الإسلام ودار الكفر أو دار الحرب....
دار الإسلام: هي البلاد التي يكون فيها نظام الحكم هو النظام الإسلامي، وفي الوقت نفسه يكون الأمن الداخلي والخارجي فيها هو بيد المسلمين من أبنائها بمعنى أن القوة التي تقر الأمن في الداخل، وتحمي حدود البلاد من العدو في الخارج هذه القوة يسيطر عليها المسلمون بحيث لو شاركهم فيها غير المسلمين تكون مشاركتهم فيها ثانوية، وتبقى السيطرة للمسلمين.
أما القول بأن البلاد يمكن أن توصف بأنها دار إسلام إذا حكمت بالإسلام وحده، ولو تخلف شرط الأمان الذاتي، أو بمجرد ظهور بعض شرائع الإسلام دون الحكم بالإسلام كله ما دام الأمان الذاتي، أو بأن تكون القوة المسيطرة على البلاد هي بيد المسلمين ولو لم يحكموا بالإسلام، فهذا واقع يتعارض مع واقع المدينة المنورة التي لم تصبح دار إسلام إلا بالأمرين معاً، الحكم بالإسلام كله، والأمان الإسلامي الذاتي، ومعنى هذا أنه إذا تخلف أحد الأمرين لا تكون البلاد دار إسلام)([143]).
8- الشيخ عبد الوهاب خلاف: (وجاء في " السياسة الشرعية " للشيخ عبد الوهاب خلاف (دار الإسلام: هي الدار التي تجري عليها أحكام الإسلام، ويأمن من فيها بأمان المسلمين سواءً أكانوا مسلمين أو ذميين.
ودار الحرب هي الدار التي لا تجري عليها أحكام الإسلام، ولا يأمن من فيها بأمان المسلمين)([144]).
9- الشيخ تقي الدين النبهاني: (وفصل الشيخ تقي الدين النبهاني ما جاء في كتاب السياسة الشرعية للشيخ خلاف فقال: (اعتبار الدار دار إسلام أو دار كفر لا بد من أن ينظر فيها إلى أمرين ؛ أحدهما: الحكم بالإسلام، والثاني الأمان بأمان المسلمين أي بسلطانهم، فإذا توفر في الدار هذان العنصران... كانت دار إسلام، وتحولت من دار كفر إلى دار إسلام، أما إذا فقدت أحدهما فلا تصير دار إسلام، وكذلك دار الإسلام إذا لم تُحكم بأحكام الإسلام فهي دار كفر، وكذلك إذا حُكمت بالإسلام ولم يكن أمانها بأمان المسلمين أي بسلطانهم بأن كان أمانها بأمان الكفار أي بسلطانهم، فإنها تكون أيضاً دار كفر.
ثم يقرر الشيخ النبهاني ما سبق للشيخ أبي زهرة أن قرره في الحكم على البلاد الإسلامية اليوم بأنها دار كفر أو دار حرب، بناء على رأي أبي يوسف ومحمد فيقول:
وعلى هذا فإن جميع بلاد المسلمين هي دار كفر لأنها لا تحكم بالإسلام، وكذلك تبقى دار كفر لو أقام فيها الكفار مسلماً يحكم بأحكام الإسلام، ولكن يكون تحت سلطانهم، ويكون أمانه بأمانهم فإنها تظل دار كفر)([145]).
10- الدكتور وهبة الزحيلي: (ويقول الدكتور وهبة الزحيلي: والمعول عليه في تمييز الدار هو وجود السلطة وسريان الأحكام، فإذا كانت إسلامية كانت الدار دار إسلام، وإن كانت غير إسلامية كانت الدار دار حرب)([146]).
11- الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي: ويقول الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي: البلد تصبح دار إسلام إذا دخلت في منعة المسلمين وسيادتهم بحيث يقدرون على إظهار إسلامهم والامتناع عن أعدائهم... ثم يقول.. المعول عليه تسمية الأرض بدار الإسلام أن يمتلك المسلمون فيها السيادة لأنفسهم بحيث يملك المسلم أن يستعلن بأحكام الإسلام وشعائره، ثم إن هذه السمة لا تنحسر بعد ذلك لأي عارض من عدوان أو ضعف ونحوه.. ثم يقول: تطبيق عموم الأحكام الشرعية واجب يترتب على أولئك الذين تضمهم دار الإسلام، وليس شرطاً لا بد منه لتسمية الدار دار إسلام)([147]).
ويًلاحظ أن الفقهاء المعاصرين جميعاً اشترطوا تطبيق عموم الأحكام الشرعية لتكون الدار دار إسلام ما عدا الدكتور البوطي الذي اعتبره واجباً على المسلمين (وليس شرطاً لا بد منه لتسمية الدار دار إسلام).

8- إلغاء الخلافة الإسلامية، وقيام الدول القطرية:
بالرغم من كل الانحرافات التي تعرضت لها الخلافة العثمانية لكنها كانت هي دار الإسلام الكبرى في الأرض، وكانت الدول الأوربية الكبرى إما متحالفة معها فهي دار هدنة أو صلح أو متحاربة معها فهي دار حرب، والعالم كله يتعامل معها بصفتها الدولة التي تمثل الإسلام في الأرض، وكانت كل الحركات الانفصالية التي تنفصل عنها معتبرة داراً للإسلام وتحاول الدولة استرجاعها بالقوة أو السكوت عنها لحالة الضعف والتردي التي وصلت إليها، واستطاع العدو الأوروبي أن يدخل إلى كيان الدولة الإسلامية من خلال جمعيتي الاتحاد والترقي، وتركيا الفتاة، ويُدخل في صلب الدستور العثماني مواداً تتنافى مع الإسلام وشرائعه بحجة حماية الأقليات، وبحجة إعطاء الحريات، وكان أخطر انفصال قام عنها هو الثورة العربية التي تحالفت مع الإنكليز عدوها أثناء الحرب العالمية الأولى بينما كانت دولة الخلافة العثمانية متحالفة مع ألمانيا وإيطاليا ضد إنكلترا وفرنسا وغيرهما وانتهت الحرب العالمية الأولى بهزيمة دول الخلافة العثمانية، وصار من حق المنتصرين أن يتحكموا في مصير الدول المنهزمة، وثار مصطفى كمال من عاصمة الدولة الآستانة ضد الإنكليز في محاولة ظاهرها استعادة هيبة الخلافة، وتراجع الحلفاء أمامه، وصار أمل المسلمين في الأرض حتى ليذبح له شوقي قصيدته المشهورة:
الله أكبر كم للفتح من عجب
يا خالد الترك جدد خالد العرب
ثم انكشفت المؤامرة بعد أشهر قليلة عندما أُعلن رسمياً إلغاء الخلافة الإسلامية العثمانية، وإقامة الدولة التركية العلمانية والاعتراف بجميع الحركات الإنفصالية التي قامت بالانفصال عن جسم الخلافة ورسمت الحدود الجديدة للدولة التركية، وتم الاعتراف العالمي بها، وكان أخطر أحداث هذا القرن هو هذا الإعلان، ولا نبالغ إذا قلنا أخطر حدث في التاريخ الإسلامي.
إذ أن دولة الإسلام و(دار الإسلام) التي قامت في المدينة المنورة واستمرت أربعة عشر قرناً – رغم كل عوامل الضعف والإبادة والإفناء – ها هي اليوم تغيب عن الوجود، وتمحي دار الإسلام من الأرض كما يعلن شوقي في قصيدته:
عادت أغاني العرس رجع نواح
وتـأيمت في موسم الأفراح
كفنت في ليل الزفـاف بثوبه
ودفنت عند تبلج الإصباح
الهند والهـة ومصـر حزينـة
تبكي عليك بمدمع سحساح
والشام تسأل والعراق وفارس
أمحا من الأرض الخلافة ماح
وأفاق المسلمون على دولهم كلها في براثن الاستعمار الصليبي، ولم يخرج الاستعمار من أرضهم حتى كوَّن في ديارهم أحزاباً وقادة يؤمنون بالعلمانية بديلاً عن الدين، ويفصل الدين عن الدولة، وحلَّ القانون البريطاني والفرنسي في بلادهم محل مجلة الأحكام العدلية، وخلال خمسة وسبعين عاماً تقريباً نشأت أجيال وأجيال... بقي الإسلام ممنوعاً بالقوة من الوصول إلى الحكم، فقد تحولت هذه الجيوش من حامية لثغور الإسلام، وحامية لحمى الشريعة إلى جيوش حارسة لأنظمة الكفر، ومدافعة عن الأقطار الإقليمية من العدو الخارجي، وجاءت الشرائع في هذه الدول لتحدد حدود كل دولة وعلمها وعاصمتها.
وصار مفهوم الجهاد في سبيل الله، دفاعاً عن ثرى الوطن من أن تمسَّه أية يد اعتداء عليه، وحيث أن الدول الإسلامية متجاورة، فأصبحت مهمة الجيوش الدفاع عن الدولة الجديدة ضد اعتداء الدولة المجاورة، وأصبح الهم الأول لكل حكومات هذه الدول هو الحفاظ على الوطن وحماية الأنظمة، وتمت تربية الأجيال الجديدة على العبودية لهذا الإقليم والموت في سبيله، والمحافظة على كل ذرة تراب من أرضه، وصار دعاة الإسلام، وخاصة الذين يطرحون العودة إلى حكم الإسلام فئة من الشعب، تُحارَب وتُمنع وتُضطهد، وأصبح وصفهم بالضبط كما كان وضع المسلمين في مكة المكرمة مع فارق واحد هو أن المسلمين في مكة المكرمة هم المسلمون في الأرض وهم العصابة المؤمنة فيها، بينما نجد سكان العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه أكثريتهم الساحقة من المسلمين، وكل دولة داخلة في منظمة العالم الإسلامي أكثرية سكانها من المسلمين غدا تعداد الدول الإسلامية أربعاً وخمسين دولة في الأرض أي أكثر من ثلث دول العالم.
وإذا استثنينا دولاً لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة وضعت في دستورها الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للتشريع، بقيت الدول الخمسون تجعل التشريع نظاماً أو واقعاً لأهواء البشر وقناعاتهم، وبالتعبير الديمقراطي التشريع للشعب ممثلاً بمجلس نوابه وبرلمانه ولم يكن هذا وضعاً طارئاً استمر عدة سنوات أو عشر سنوات، التي اعتبرت الحد الأقسى لصلح المسلمين مع عدوهم، إنما امتد خمسة وسبعين عاماً، أصبح مفهوم الدولة القطرية هو الذي يحكم الأجيال الناشئة، وانضمت هذه الدول جميعها إلى الأمم المتحدة التي تعترف باستقلال كل دولة على حدة، وتحرِّم الاعتداء عليها أو المس من حدودها، وتمثلت قيادة الأمم المتحدة بمجلس الأمن الدولي الذي يسهر على الحفاظ على استقلال هذه الدول، ويمنع الاعتداء عليها و( وينص ميثاق الأمم المتحدة على أن مهمة مجلس الأمن تتمثل في اتخاذ الإجراءات نيابة عن المنظمة ككل للحفاظ على السلام والأمن في العالم، وإذا دعت الضرورة يمكن لمجلس الأمن أن يفرض عقوبات صارمة على أي دولة من الدول بغض النظر عن أن تلك الدولة عضو في الأمم المتحدة أم لا وللمجلس صلاحيات البت في الإجراءات، مثل قطع العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية، وإذا لم تفِ هذه الإجراءات بالغرض، فمن حقه أن يقوم بإجراء مسلح ضد الطرف المعتدي...)([148]).
إلا أن الأمور في الواقع تختلف، فأي إجراء من الأنواع المذكورة أعلاه يستلزم أن يتفق عليه الأعضاء الخمسة الدائمون في المجلس، وهم بريطانيا والصين وفرنسا والاتحاد السوفياتي (الذي أصبح روسا اليوم) والولايات المتحدة.
فإذن هناك خمس دول دائمة في مجلس الأمن لا بد أن تتفق، وهذه الدول الخمس ليس فيها أي دولة إسلامية، فكلها دول كافرة، ومن حق أي دولة من هذه الدول الخمس أن توقف أي قرار لرد اعتداءٍ، أو فرض عقوبات، أو إجراء مسلح بما يسمى (حق الفيتو)، ومن أجل هذا وجدنا نصف القرن الماضي يحفل بتأسيس دولة اليهود في قلب أرض المسلمين بالقوة، وتمنع هذه الدول الكافرة أو أي واحدة منها من المساس بها بينما تفضي على اعتداءاتها المتكررة على الدول المجاورة، وتتحكم في مصائر العالم دولاً وشعوباً تحت راية حق تقرير المصير، فتعطيه لمن تشاء، وتمنعه عمن تشاء، ولا بد لأي حق يناله المسلمون – دولاً وشعوباً – أن تتفق عليه الدول الدائمة أولاً وبعدها يُعرض القرار على التصويت بالأكثرية.

9- أثر ذلك في تغير الأحكام:
وإذا عدنا إلى قول أبي حنيفة رضي الله عنه، جاء في بدائع الصنائع ما نصه:
لا خلاف بين أصحابنا في أن دار الكفر تصير دار إسلام بظهور أحكام الإسلام فيها، واختلفوا في دار الإسلام أنها بماذا تصير دار الكفر قال أبو حنيفة:
إنها لا تصير دار الكفر إلا بثلاث شرائط:
أحدها: ظهور أحكام الكفر فيها. والثاني: أن تكون متاخمة لدار الكفر. والثالث: أن لا يبقى فيها مسلم ولا ذمي آمن بالأمان الأول، وهو أمان المسلمين.
قال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: إنها تصير دار الكفر بظهور أحكام الكفر فيها).
وهو رأي الجمهور وأكثرية الفقهاء.
وإذا عدنا إلى رأي أبي حنيفة رضي الله عنه (باستثناء الدول التي تنص على الإسلام المصدر الوحيد للتشريع) وطبقنا هذه الشروط الثلاثة لوجدنا أن ديار الإسلام تحولت كلها إلى ديار كفر، فقد ظهرت فيها أحكام الكفر، وكلها متاخم لديار الكفر التي أعلنت كلها التخلي عن الإسلام ولم يعد فيها مسلم ولا ذمي آمن بالأمان الأول وهو أمان المسلمين.
لقد أصبح اليوم أمن المسلم والنصراني والمجوسي والوثني من أمن الدولة التي ينتمي إليها، ومن حق المواطنة والجنسية للأرض التي وُلد فيها، وانتهت قضية الجزية وأمان أهل الكتاب بذمة المسلمين، فمنذ عام 1920 على سبيل المثال وفي الدستور([149]) الذي أعلنه الحسين وبايع فيصل بن الحسين ملكاً على سورية تنص المادة التاسعة فيه:
يُطلق لقب سوري على كل فرد من أهل المملكة السورية العربية ويسوغ الحصول على الجنسية السورية أو فقدانها بحسب الأحوال التي يعينها قانون التابعية.
وتنص المادة العاشرة: السوريون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات)([150]).
وفي الدستور الذي أُعلن في عهد الاستقلال([151]) وفي ظل الحكومة الفرنسية وبعد إلغاء الخلافة الإسلامية:
المادة 5- الجنسية السورية تُحدد في قانون خاص.
المادة 6- السوريون لدى القانون سواء، وهم متساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية وفي ما عليهم من الواجبات والتكاليف، ولا تمييز بينهم بسبب الدين أو المذهب أو الأصل أو اللغة.
المادة 15- حرية الاعتقاد مطلقة، وتحترم الدولة جميع المذاهب والأديان الموجودة في البلاد وتكفل حرية القيام بجميع شعائر الأديان والعقائد على أن لا يخل ذلك بالنظام العام ولا يُنافي الآداب، وتضمن الدولة أيضاً للأهليين على اختلاف طوائفهم احترام مصالحهم الدينية وأحوالهم الشخصية)([152]).
وعلى هذا النسق تنص دساتير العالم الإسلامي كله، فقد صار الأمان أمان الدولة الجديدة بدستورها وقانونها الجديد الذي ينبثق من الشعب، ويشرع الشعب فيه ما يشاء.
لقد فُقدت العناصر الثلاثة من ديار الإسلام اليوم ولا نقول إنها غدت دار حرب لكنها لم تعد دار إسلام.

10- خارطة العالم الإسلامي اليوم:
يمكننا إذا نظرنا إلى الساحة الإسلامية اليوم وتصفحنا دساتير الدول الإسلامية أن نلحظ أربع نماذج تنطلق منها هذه الدول.
1- دول تعلن انطلاقها من تحكيم الإسلام في تشريعها وانطلاقها من الكتاب والسنة، وتنص على ذلك صراحة بأن تقول أن الإسلام هو المصدر الوحيد والرئيسي للتشريع أو عرفاً، وهذه الدول لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة ونعتبر هذه الدول (دور إسلام) لأن الفقهاء المعاصرين والأقدمين اعتبروا دار الإسلام من خلال سريان أحكام الإسلام فيها، واختلفوا في تحولها إلى دار حرب، لكن هذه الدول جميعاً مرتبطة بميثاق الأمم المتحدة والمواثيق الدولية الأخرى التي تنص على عدم الاعتداء أو التدخل في شؤون الدول الأخرى، وعلى هذا الأساس فتعتبر جميع الدول في الأرض (دار عهد وموادعة) وليست دار حرب، خاصة وأن هناك من نص على استمرار الهدنة ما دامت مصلحة المسلمين مرتبطة بذلك، إلا ما كان منها غير معترف بدولة اليهود في فلسطين، فتعتبر هذه الدولة وحدها (دار حرب) بالنسبة لهم.
2- دول تنص في دساتيرها على أن دين الدولة الإسلام، أو الإسلام مصدر رئيسي من مصادر التشريع أو دين رئيس الدولة الإسلام، ولا تحكم بشرائع الإسلام في واقعها إلا بما يتعلق بقوانين الأحوال الشخصية، فهذه فقدت الشرط الأساسي لاعتبارها دار إسلام وهو الحكم بما أنزل الله، لكن أهلها يطبقون الإسلام في شعائره التعبدية، فلا نقول عنها دار كفر، إنما نطلق عليها (دار مسلمين) لغلبة الإسلام عند أهلها، ولواجب الدفاع عنها والمسلمين فيها وتعبئتهم ليعملوا على إقامة حكم الإسلام فيها لتصير (دار إسلام).
3- دولا لا تذكر الإسلام إطلاقاً في دساتيرها، وتعلن تبني القوانين الوضعية الأرضية، ولو كانت منطلقة من فكر إلحادي مثل الفكر الشيوعي، فهذه الديار (ديار كفر) من جهة لإعلانها ذلك صراحة في دساتيرها، و( دار مسلمين) لإقامة المسلمين فيها، وعلى المسلمين في هذه الديار مسؤولية مضاعفة، في إزالة الكفر البواح المعلن، ثم العمل لإقامة حكم الإسلام في هذه الأرض، ومثل هذه الدول قد لا تسلم الشعائر التعبدية فيها من التطبيق.
4- دول يعتبر المسلمون أقلية فيها، والأغلبية من غيرهم، فهذه تعتبر لهم (دار دعوة) عليهم أن يحافظوا على إسلامهم ويقوموا بالدعوة إلى الله في بلدانهم، ليصبح المسلمون غالبية قادرة على اتخاذ القرار في دولتها، أو المشاركة فيه على الأقل، وهي ديار كفر، وليست ديار حرب.

11- ديار المسلمين وأحكامها:
إذا كان العالم الإسلام اليوم قد فقد مسمى دار الإسلام بعد تخليه عن شريعة الله وانطلاقه من المواطنة الإقليمية لكل دولة، وغدا دعاة الإسلام في معظم المجتمعات الإسلامية فصيل يطالب بتحكيم شريعة الله، وقد مر عليهم قرابة ثلاثة أرباع القرن دون أن يتمكنوا من تنفيذ أحكام الإسلام في دولهم، فقد غدا وضع المسلمين يشبه وضعهم في مكة، لقد كانت مكة دار كفر يُلاحق فيها المسلمون ويُضطهدون ويُهجرون.
لكن فارقاً رئيسياً بين وضع الدعاة اليوم، ووضع حزب الله في مكة، هو أن القاعدة الكبرى في مكة هي دار كفار ومشركين، بينما هي اليوم ديار مسلمين، وكثير منهم متدينون ملتزمون بشعائر الإسلام دون شرائعه، ولهذا نحن أمام وضع جديد فيه مسلمون بلا تحكيم الإسلام، ونرى أن يكون الاسم هو (ديار المسلمين) وليست (دار الإسلام)
وأهم أحكام هذه الديار بالوضع الجديد الذي لم يسبق له مثيل من قبل.
1- العمل على توحيد ديار المسلمين إلى دار واحدة هي دار المسلمين وتحقيق الوحدات المتسلسلة الإقليمية والعربية والإسلامية
2- الدعوة إلى الله تعالى في تفهيم المسلمين حقيقة دينهم، وأن هذا الدين جاء ليحكم (ويكون الدين كله لله) وتعبئة القواعد العامة للمسلمين بهذا الفهم.
3- العمل من خلال هذه القواعد الإسلامية لإقامة حكم الله في كل قطر لإعادة تسميتها (دار الإسلام) بدل أن تكون داراً للكفر يحكم بغير ما أنزل الله.
4- الدفاع عن ديار المسلمين ضد كل عدو كافر يريد أن يحتل أرضهم، ويغتصب أوطانهم، والجهاد بالنفس والنفيس في سبيل الله، والمستضعفين في الأرض الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهدفون سبيلاً، وتبليغ الدعوة إلى كل الآفاق حتى يتبين للناس جميعاً أنه الحق.
وهذا ما يراه الدكتور هيكل بقوله:
والجواب أن هذه البلاد الإسلامية، وإن تكن من حيث نظام حكمها أو أمانها تُسمى في الإصطلاح الشرعي دار كفر إلا أنها تبقى ملكاً للمسلمين أنه يجب الدفاع عنه ضد أي اعتداء يقع عليه من الكفار سواءً أكان مالاً أو أرضاً وبلاداً أم غير ذلك، لأن النصوص في وجوب رد العدوان هي نصوص عامة تشمل كل ما هو حق وملك للمسلمين، ولا يعفي المسلمين من وجوب الدفاع عن هذه البلاد أنها تسمى اصطلاحاً (دار كفر) أو (دار حرب).
ونحن نرى أن تسمية الأرض (بدار إسلام) و( دار حرب) مرهون بقيام الدولة الإسلامية التي يحكم فيها الإسلام، وبما أن هذا الأمر غير قائم، فلسنا أمام دار حرب أو دار إسلام إنما أمام ديار للمسلمين يجب عليهم أن يذودوا عن أنفسهم ويدافعوا عن حياتهم ضد الكفار الذين يريدون احتلال أرضهم، والحكم الذي يحكمهم الآن هو قول الله عز وجل ضد الكفار } أذن للذين يقاتلون بأنهم ظُلموا وإن الله على نصرهم لقدير، الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يُذكر فيها اسم الله كثيراً، ولينصر الله من ينصره إن الله لقوي عزيز { ([153]).
أما دار الإسلام وما يقابلها بذلك من دار الكفر أو دار الحرب بعد التمكين في الأرض } الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، ولله عاقبة الأمور { ([154]).

12- ملخص البحث:
ونخلص في نهاية البحث إلى النتائج التالية:
1- مصطلح (دار الإسلام) و( دار الحرب) إنما وُجد بعد قيام الدولة الإسلامية، ولم يكن له وجود خلال المرحلة المكية.
2- طيلة العهد المكي كان القتال ممنوعاً، وكان كف اليد هو الأمر الرباني، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ودعوة المسلمين إلى الصبر، وتحمل الأذى في سبيل الله.
3- أول ما استُعمل لفظ (دار الكفار) و( دار المهاجرين) في التعبير النبوي في وصية r لأمرائه في مؤتة، وذلك بعد صلح الحديبية، واعتراف المشركين بدولة الإسلام.
4- روى الماوردي عن رسول الله r (( منعت دار الإسلام ما فيها، وأباحت دار الشرك ما فيها)) ولو صح الحديث لكان حجة قاطعة في موطن النزاع، وأن هذه التسمية توقيفية لا اجتهادية.
5- جميع المذاهب اتفقت في أن ظهور أحكام الإسلام في قطر تجعله دار إسلام.
6- يرى ابن حزم أن الدار تبعاً للغالب، إن كافراً فهي دار كفر أو مسلماً فهي دار إسلام، بينما يرى ابن تيمية أن الدار لساكنيها وموقفهم من الإسلام.
7- تحول دار الإسلام إلى دار حرب له ثلاثة شروط عند أبي حنيفة أولها: ظهور الكفر فيها، وثانيها أن تكون متاخمة لدار كفر، وثالثها أن لا يبقى فيها مسلم ولا ذمي آمن بالأمان الأول.
8- الشافعية والصاحبان: يكفي ظهور أحكام الكفر فيها لتصير دار حرب، ويزيد الشافعية أن يُمنع أهلها المسلمون من عباداتهم والتمسك بشريعتهم، والحنابلة رأيهم رأي الصاحبين.
9- تبقى الدار دار إسلام ما دام أهلها يقومون بشعائر الإسلام لما يترتب على تحويلها إلى دار كفر من فساد كبير وتغير في الأحكام، وهذا هو رأي المالكية.
10- دار الموادعة هي دار كفر وقعت هدنة مؤقتة مع المسلمين، والجمهور على أن لا تزيد هذه الهدنة على عشر سنين، وذلك عند ضعف المسلمين عن الجهاد.
11- ويجيز الحنفية الموادعة على مال عند الضرورة، بينما لم يقر الشافعية ذلك إلا في إيقاف الحرب وفداء الأسير، الحرب التي تبيد المسلمين، بينما يرى المالكية عدم اشتراط مدة للهدنة.
12- للموادعة أربعة شروط: أن يُناط عقد الهدنة بالإمام أو نائبه، وأن يكون للمسلمين مصلحة في عقد الهدنة كرجاء إسلام عدوهم أو حاجتهم إلى المال، وأن لا يتضمن العقد ما فيه ضرر للمسلمين، وأن تكون المدة معلومة حسب المصلحة.
13- آراء الفقهاء المعاصرين تجمع كلها على اشتراط تطبيق عموم الأحكام الشرعية، أو القدرة على تطبيقها دون أي سلطة تمنعهم من ذلك، وكذلك إقامة الشعائر، ما عدا الدكتور البوطي الذي اعتبره واجباً على المسلمين وليس شرطاً لا بد منه لتسمية الدار دار إسلام.
14- إلغاء الخلافة الإسلامية ألغى دار الإسلام الواحدة في الأرض، وأدى إلى قيام الدول القطرية التي لا تحكم بما أنزل الله، وتنطلق من المواطنة أو الديمقراطية أساساً للحكم.
15- على رأي جميع المذاهب تحولت هذه الدور إلى دور كفر، حيث ظهرت فيها أحكام الكفر، وكلها متاخمة لبعضها، ولم يعد فيها مسلم ولا ذمي آمن بالأمان الأول... ما عدا بضع دول لا تزال تنطلق من تحكيم شريعة الله.
16- وإذا ألقينا نظرة على خارطة العالم الإسلامي نلاحظ النماذج الأربعة التالية:
آ- دول تعلن انطلاقها من الكتاب والسنة في الحكم، وتعتبر الإسلام المصدر الوحيد للتشريع فهي دور إسلام وعلاقتها مع الدول المجاورة علاقة عهود فهي دار عهد وليست دار حرب.
ب- دول تعلن دين الدولة الإسلام، أو الإسلام مصدر رئيسي للتشريع فهي (دور مسلمين).
جـ- دول لا تذكر الإسلام في دساتيرها، وتعلن تبني القوانين الوضعية ولو كانت من فكر إلحادي، فهي (ديار كفر) من جهة لسيادة الكفر فيها، و( دور مسلمين) لأن أكثريتها من المسلمين المضطهدين.
د- دول يكون المسلمون فيها أقلية، وتُحكم بغير الإسلام فهي (ديار كفر) لغير المسلمين (ودار دعوة) للمسلمين.
17- نرى أن يكون الاسم (ديار المسلمين) وليست (دار الإسلام) وأهم أحكام هذه الديار: آ - العمل على توحيد ديار المسلمين إلى دار واحدة.
ب - الدعوة إلى الله تعالى في تفهيم المسلمين حقيقة دينهم.
جـ- العمل من خلال هذه الشعوب لإقامة حكم الله في الأرض.
د - الدفاع عن ديار المسلمين ضد كل عدو كافر.




صفحتي على الفيس بوك

الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر



سامح عسكر
سامح عسكر
المدير العام
المدير العام

الوطن والمواطنة (المبحث الرابع) Empty
الديانه : الاسلام
البلد : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 14253
نقاط : 28716
السٌّمعَة : 23
العمر : 45
مثقف

https://azhar.forumegypt.net/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى