الوطن والمواطنة (المبحث الثالث)
صفحة 1 من اصل 1
الوطن والمواطنة (المبحث الثالث)
المبحث الثالث
أهل الذمـــة
مخطط البحث
1- لماذا نتحدث عن أهل الذمة؟
2- مصطلح أهل الذمة.
3- أهل الكتاب في ظل الدولة الإسلامية.
4- أهل الكتاب في العهد النبوي:
آ- وثيقة خيبر.
ب- وثيقة تبوك.
جـ- وثيقة نصارى نجران.
5- أهل الكتاب في العهد الراشدي:
آ- فتح دمشق.
ب- فتح القدس.
جـ- فتح مصر.
د- فتح سواد العراق.
6- نهج الإسلام مع أهل الذمة (المبادئ السبعة).
7- فقه الحماية ومسؤولية الدولة الإسلامية مقابل الجزية.
8- المعايشة طريق دخول الإسلام.
9- أهل الكتاب في ظل الدولتين الأموية والعباسية.
10- شهادتان من خصوم الإسلام.
11- أهل الكتاب في ظل الدولة العثمانية.
12- شبهات حول أهل الذمة.
13- ملخص البحث.
1- لماذا نتحدث عن أهل الذمة؟:
لقد كان التردد كثيراً قبل إضافة هذا البحث إلى القضايا المعاصرة، فنعتقد أنه موضوع تاريخي لا وجود له الآن في الساحة العالمية، ومن جهة ثانية يشكل الحديث عنه بعض الحساسيات مع أبناء الوطن الواحد من أتباع الديانات الأخرى.
لكن الذي دفع إلى الحديث عنه ثلاث نقاط جوهرية:
الأولى: أنه قائم في ذهن الكثيرين من الدعاة أنه موضوع معاصر، وفي تصورهم أنه مجرد قيام دولةٍ للإسلام في قطر من الأقطار فسيكون التعامل مع غير المسلمين مباشرة على أنهم أهل ذمة، فكان لا بد من تصحيح هذا المفهوم، وإيضاح أن دولة الإسلام الأولى في المدينة والتي كان على رأسها رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن الوضع بين سكانها على أنهم مسلمون وأهل ذمة، إنما كان الوضع بينهم قائماً على المواطنة فهم سكان يثرب، لهم حقوق مشتركة ولو اختلفوا في أديانهم.
ثانياً: يحسن الحديث عنه لما لحقه من تشويه وسوء استغلال في اتهام الإسلام بالتمييز بين أبناء الأمة وحرمان الأقليات من حقوقها، وهو موضوع له مساحة واسعة في أذهان الناس اليوم.
ثالثاً: ويحسن الحديث عنه كذلك للمقارنة بين الإسلام في تعامله مع الأقليات والاعتراف فيها، وبين الدول الديمقراطية المعاصرة وتعاملها مع الأقليات المسلمة اليوم، والتي تعاني كثيراً من الجور والظلم في ظل هذه الأنظمة.
ومن أجل هذا سيتناول الحديث في هذا المجال هذه الأفكار الرئيسية بعيداً عن الخوض في الجزئيات التي غدت موضوعاً تاريخياً يرجع إليه في مظانه في كتب الفقه.
2- مصطلح أهل الذمة:
لا بد من الإشارة إلى أن مصطلح أهل الذمة مرتبط ارتباطاً وثيقاً في قيام وجود دولة إسلامية كبرى تحمل راية الإسلام وتجاهد في سبيلها لنشر هذا الدين، وإذا أردنا أن نحدد لها بداية تاريخية فيمكن العودة إلى الحديث التالي، عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً ثم قال:
(( أغزو باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، واغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال (أو خلال) فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك اقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تتركهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا)) ([72]).
1- هذا الحديث الذي أخرجه مسلم ذكره الواقدي في غزوة مؤتة بقوله: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مشيعاً لأهل مؤتة حتى بلغ ثنية الوداع فوقف ووقفوا حوله فقال: (( اغزوا باسم الله....)).
إذن فنحن في المرحلة التي انتقلت الدولة الإسلامية فيها من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم، وغزو العدو في دياره، وأصبحت مهمة الغزو الانطلاق بدين الله في هذه الأرض، أما قبل ذلك فإنما كانت مهمة الإسلام هي الدفاع عن أرض الإسلام، وقد حدَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم بداية هذه المرحلة بعد غزوة الأحزاب بقوله صلى الله عليه وسلم:
(( الآن نغزوهم ولا يغزونا، نحن نسير إليهم)) ([73]).
2- وحديثنا عن هذا الأمر إنما هو حديث عن ناحية تاريخية، وحرصنا على ذكرها لتكون بمثابة تمهيد لما آل إليه وضع المسلمين اليوم، حين غدوا أقليات في بعض الدول، أو خضعوا لنظام الدولة العلمانية الديمقراطية، وخضعوا للمواثيق الدولية التي صاغها هؤلاء العلمانيون بما يتناسب مع مصالحهم ومبادئهم.
3- ولا نبالغ إذا قلنا أن هذا التاريخ الذي امتد ألف عام ونيف حيث كان للإسلام دولته العظمى ولها رباطها على ثغورها، ولها امتداداتها وفتوحاتها، لا نبالغ إذا قلنا أن هذه الصفحة من أنصع صفحات تاريخنا - على ما فيها من مد وجزر – وعلى ما فيها من بعض النقاط الداكنة كذلك، لكن تبقى منارة للبشرية تفيء إليها حين تقارن بعهود الظلام الكبرى في تاريخ البشرية حين كان للمبادئ والطغاة والسلطة والقوة على من هو دونهم.
3- أهل الكتاب في ظل الدولة الإسلامية:
ولقد جاءت الآية القرآنية في سنة التاسعة للهجرة، والتي وجهت أنظار الجيل النبوي إلى مهمته في الأرض لتبليغ دين الله وشريعته إلى عباد الله في كل صقع وتحت كل سماء، والتي تم على ضوئها التحرك بالجيش الإسلامي إلى تبوك تنفيذاً لأحكام هذه الآية.
} قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون { ([74]).
يقول الإمام ابن كثير: وهذه الآية الكريمة أول الأمر بقتال أهل الكتاب بعد ما تمهدت أمور المشركين ودخل الناس في دين الله أفواجاً، واستقامت جزيرة العرب، أمر الله ورسوله بقتال أهل الكتابين ؛ اليهود والنصارى وكان ذلك في سنة تسع، ولهذا تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتال الروم، ودعا الناس إلى ذلك وأظهره لهم وبعث إلى أحياء العرب حول المدينة فأوعبوا معه، واجتمع من المقاتلة نحو من ثلاثين ألفاً وتخلف بعض الناس.. وقد استدل بهذه الآية الكريمة من يرى أنه لا تُؤخذ الجزية إلا من أهل الكتاب أو من أشبههم كالمجوس، كما صح فيهم الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذه من مجوس هجر وهذا مذهب الشافعي وأحمد في المشهور عنه، وقال أبو حنيفة رحمه الله بل تؤخذ من جميع الأعاجم سواءً كانوا من أهل الكتاب أو من المشركين ولا تُؤخذ من العرب إلا من أهل الكتاب، وقال الإمام مالك: بل يصح أن تضرب الجزية على جميع الكفار من كتابي ومجوسي ووثني وغير ذلك، ولمأخذ هذه المذاهب وذكر أدلتها مكان غير هذا والله أعلم)([75]).
فالخيار الذي ذكره القرآن ليس هو الإسلام مع أنه واضح في كل نصوص الأحاديث والمأثور عن الصحابة والتابعين، ولم يذكر الخيارات الثلاثة، إنما ذكرت الجزية فقط حتى لا يتطرق أدنى شك إلى الإكراه على العقيدة أو فرض الإسلام بالسيف، إنما هو الاستسلام لشريعة الله أن تسود في الأرض، ومن حق كل فرد بعد ذلك أن يعتنق هذا الدين أو يرفضه ويتحمل تبعة موقفه ومسؤولية اختياره.
( وهذه الآية تصف أهل الكتاب هؤلاء بأنهم } لا يحرمون ما حرم الله ورسوله {.. كذلك تصفهم بأنهم } لا يدينون دين الحق {.. فليس بدين الحق أي اعتقاد بربوبية أحد مع الله كما أنه ليس بدين الحق التعامل بشريعة غير شريعة الله وتلقي الأحكام من غير الله، والدينونة لسلطان غير سلطان الله، وهذا كله قائم في أهل الكتاب اليوم كما كان قائماً فيهم يومذاك.
والشرط الذي يشترطه النص للكف عن قتالهم ليس أن يسلموا فلا إكراه في الدين، ولكن أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، فما حكمة هذا الشرط، ولماذا كانت هذه الغاية التي ينتهي عندها القتال؟.
إن أهل الكتاب بصفاتهم تلك حرب على دين الله اعتقاداً وسلوكاً كما أنهم حرب على المجتمع المسلم بحكم طبيعة التعارض والتصادم الذاتيين بين منهج الله ومنهج الجاهلية المتمثلة في عقيدة أهل الكتاب وواقعهم وفق ما تصوره هذه الآيات.. والإسلام – بوصفه دين الحق الوحيد القائم في الأرض – لا بد أن ينطلق لإزالة العوائق المادية من وجهه، ولتحرير الإنسان من الدينونة بغير دين الحق، على أن يدع لكل فردٍ حرية الاختيار بلا إكراه منه ولا من تلك العوائق المادية كذلك..
فالوسيلة العملية لضمان إزالة العوائق المادية وعدم الإكراه على اعتناق الإسلام في الوقت نفسه هي كسر شوكة السلطات القائمة على غير دين الحق حتى تستلم وتعلن استسلامها بقبول إعطاء الجزية فعلاً، وعندئذ تتم عملية التحرير فعلاً بضمان الحرية لكل فرد أن يختار دين الحق عن اقتناع، فإن لم يقتنع بقي على عقيدته، وأعطى الجزية لتحقيق عدة أهداف.
أولهما: أن يعلن استسلامه وعدم مقاومته بالقوة المادية للدعوة إلى دين الله الحق.
وثانيهما: أن يساهم في نفقات الدفاع عن نفسه وماله وعرضه وحرماته التي يكفلها الإسلام لأهل الذمة (الذين يؤدون الجزية فيصبحون في ذمة المسلمين وضمانتهم) ويدفع عنها من يريد الاعتداء عليها من الداخل أو الخارج بالمجاهدين من المسلمين.
ثالثهما: المساهمة في بيت مال المسلمين الذي يضمن الكفالة والإعاشة لكل عاجز عن العمل، بما في ذلك أهل الذمة بلا تفرقة بينهم وبين المسلمين دافعي الزكاة.
ولا نحب أن نستطرد هنا إلى الخلافات الفقهية حول من تُؤخذ منهم الجزية ومن لا تُؤخذ منهم، ولا عن تقادير هذه الجزية، ولا عن طرق ربطها ومواضع هذا الربط.. ذلك أن هذه القضية برمتها ليست معروضة علينا اليوم كما كانت معروضة على الفقهاء الذين أفتوا فيها، واجتهدوا رأيهم في وقتها.
إنها تُعتبر اليوم تاريخية وليس واقعية، إن المسلمين اليوم ليس لهم دولة ولا قوة والدعوة الآن تبلغ بأساليب وطرق مختلفة.
قضية (وجود) الإسلام و( وجود) المسلمين هي التي تحتاج اليوم إلى علاج..
إن نقطة البدء الآن هي مماثلة لنقطة البدء في أول عهد الناس برسالة الإسلام، أن يوجد في بقعة من الأرض ناس يدينون دين الحق فيشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ومن ثم يدينون لله وحده بالحاكمية والسلطان والتشريع، ويطبقون هذا في واقع الحياة فيقيموا دولة الإسلام على أرضهم، ثم يحاولون أن ينطلقوا في الأرض بهذا الإعلان العام لتحرير الإنسان، ويومئذ – ويومئذ فقط – سيكون هناك مجال لتطبيق النصوص القرآنية والأحكام الإسلامية في مجال العلاقات بين المجتمع المسلم وغيره من المجتمعات)([76]).
4- أهل الكتاب في العهد النبوي:
آ- فكان فتح خيبر أول فتح إسلامي وتعامل دولي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين خصومه بعد صلح الحديبية الذي كان فتحاً معنوياً للمسلمين.
( وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي القرى أربعة أيام، وقسم ما أصاب على أصحابه بوادي القرى وترك النخل والأرض بأيدي اليهود وعاملهم عليها، فلما بلغ يهود تيماء ما وطئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر وفدك ووادي القرى صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجزية وأقاموا بأيديهم وأموالهم، فلما كان زمن عمر رضي الله عنه أخرج يهود خيبر وفدك، ولم يخرج أهل تيماء ووادي القرى لأنهما داخلتان في أرض الشام، ويرى أن ما دون وادي القرى إلى المدينة حجاز، وأن ما وراء ذلك من الشام) ([77]).
وروى البخاري والبيهقي عن ابن عمر أن خيبر لما فتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم سألت يهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم فيها على نصف ما خرج منها من التمر، وقالوا: (دعنا يا محمد نكون في هذه الأرض، نصلحها ونقوم عليها، ولم يكن لرسول الله ولا لأصحابه غلمان يقومون عليها، وكانوا لا يفرغون أن يقوموا عليها، فأعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر على أن لهم الشطر من كل زرع ونخل وشيء ما بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي لفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( نقركم فيها على ما شئنا))، وفي لفظ (( ما أقركم الله)).
وكان عبد الله بن رواحة يأتيهم كل عام فيخرصها([78]) عليهم، ثم يضمنهم الشطر، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شدة خرص ابن رواحة، وأرادوا أن يرشوا ابن رواحة، فقال: يا أعداء الله، تطعموني السحت؟.
وروى الواقدي بسنده: جابر بن عبد الله قال: رأيت يحنة بن رؤية يوم أتى به النبي صلى الله عليه وسلم عليه صليب من ذهب وهو معقود الناصية، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم كفَّرَ وأومأ برأسه فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم: أن ارفع رأسك، وصالحه يومئذ، وكساه رسول الله صلى الله عليه وسلم برداً يمنه، وأمر له بمنزل عند بلال)([79])، فكان العدل هو الأولى في التعامل مع أهل الكتاب.
إنما الثانية التي هي هم الإنسان أياً كان هذا الإنسان، إنها الأمن بعد العدل، ولذلك كانت الجملة الثانية بعد البسملة: هذا أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله ليحنة بن رؤبة وأهل الديلة (وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل جرباء وأذرح هذا الكتاب..
قال الواقدي: نسخت كتاب أذرح وإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم ؛ من محمد النبي صلى الله عليه وسلم لأهل أذرح أنهم آمنون بأمان الله وأمان محمد، وأن عليهم مائة دينار في كل رجب وافية طيبة، والله كفيل عليهم بالنصح والإحسان للمسلمين، ومن لجأ إليهم من المسلمين من المخافة والتعزير إذا خشوا على المسلمين وهم آمنون حتى يحدث إليهم محمد قبل خروجه.
قالوا: وكتب لأهل مقنا أنهم آمنون بأمان الله، وأمان محمد وأن عليهم ربع غزولهم وربع ثمارهم)([80])، وبذلك كان شمال الجزيرة، وجنوب الشام أول من نعم بالأمن والحكم الإسلامي من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
جـ- ومن الشام إلى اليمن:
( قالوا: وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسقف بني الحارث بن كعب وأساقفة نجران وكهنتهم ومن تبعهم ورهبانهم أن لهم ما تحت أيديهم من قليل وكثير من بيعهم وصلواتهم ورهبانيتهم وجوار الله ورسوله لا يغير أسقف عن أسقفيته، ولا راهب عن رهبانيته، ولا كاهن عن كهانته، ولا يغير حق من حقوقهم، ولا سلطانهم ولا شيء مما كانوا عليه ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم غير مثقلين بظلم ولا ظالمين، وكتب المغيرة)([81]).
وتأتي القضية الثالثة هنا بعد قضيتي العدل والأمن ألا وهي حرية العقيدة، فهم على دينهم لهم ما تحت أيديهم من بيعهم وصلواتهم ورهبانيتهم لا يغير فيه القليل ولا الكثير.
والقضية الرابعة التي قدمها الإسلام للإنسان المخالف له في العقيدة والخاضع لحكمه بعد العدل والأمن وحرية العقدية هي الحكم الذاتي، بحيث يبقى لهم حق حكم أنفسهم بأنفسهم كما يريدون.
(( ولا يغير حق من حقوقهم، ولا سلطانهم، ولا شيء مما كانوا عليه ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم))، وما عليهم لا يعدو أن يكون دينارين أو دينار واحد على القادر منهم، يُعفى الشيخ والصبي والمرأة، ويُعفى الذي لا يملك، هذا ما عليهم هو الثمن لاستقلالهم الإداري، وحكمهم الذاتي وحرية عقيدتهم، وأمنهم والعدل بالقسطاس فيهم.
( قالوا: وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لربيعة بن ذي مرحب الحضرمي وإخوته وأعمامه أن لهم أموالهم ونخلهم ورقيقهم وآبارهم وشجرهم ومياههم وسواقيهم ونبتهم وشراجعهم بحضرموت، وكل مال لآل ذي مرحب، وإن كل رهن بأرضهم يُحسب ثمره وسدره وقضبه من رهنه الذي هو فيه، وأن كل ما كان في ثمارهم من خير فإنه لا يسأل أحد عنه، وأن الله ورسوله براء منه، وأن نَصْرَ آل ذي مرحب على جماعة المسلمين، وأن أرضهم بريئة من الجور، وأن أموالهم وأنفسهم وزافر حائط الملك الذي كان يسيل إلى آل قيس، وأن الله جار على ذلك، وكتب معاوية) ([82]).
والقضية الخامسة التي يهديها الإسلام للإنسان المخالف له في عقيدته، والداخل في ذمته من خلال الجزية بعد العدل والأمن وحرية العقيدة، والحكم الذاتي، هي الحماية من أي عدوٍ داخلي أو خارجي (( وأن نصر آل ذي مرحب على جماعة المسلمين)) فالمسلمون يقدمون حياتهم وأرواحهم ودماءهم فدىً لمن دخل في حماهم، وأصبح في ذمتهم، إنها ذمة الله تعالى وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أجل هذا نجد من النصوص المستفيضة الكثير في حق هذا الذمي:
(( من ظلم معاهداً أو كلفه فوق طاقته، فأنا حجيجه)) ([83]).
(( ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه، أو كلَّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة)) ([84]).
(( ومن قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً)) ([85]).
5- أهل الكتاب في العهد الراشدي:
وانطلاقاً من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم القولي في وصيته لأمراء مؤتة فيمن رفض الإسلام والقتال، ومن أحاديثه صلى الله عليه وسلم في التوصية بأهل الذمة والحفاظ على أموالهم وأعراضهم ودمائهم، وانطلاقاً من كتبه وهديه الفعلي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع أهل الذمة، انطلاقاً من هذا الهدي مضى الخلفاء الراشدون يفتحون الأرض بالإسلام ديناً وشريعة لمن أراد الإسلام وبسيادة شريعته لمن اختار الجزية، وبالقتال لمن ناوأه، وكانت الأمصار تفتح عنوة أو صلحاً وتطبق عليها أحكام الإسلام بذلك.
آ- فتح دمشق: أورد البلاذري نص هذا الكتاب في فتح دمشق:
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى خالد بن الوليد أهل دمشق إذا دخلها أماناً على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وسور مدينتهم لا يهدم ولا يسكن شيء من دورهم، لهم بذلك عهد الله وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء والمؤمنين لا يُعرض لهم إلا بخير إذا أعطوا الجزية)([86]).
قال الواقدي: وكان فتح مدينة دمشق في رجب سنة أربع عشرة، وتاريخ كتاب خالد في صلحها في شهر ربيع الآخر سنة خمس عشرة، وذلك أن خالداً كتب الكتاب بغير تاريخ، فلما اجتمع المسلمون للنهوض إلى من تجمع لهم أتى الأسقف خالداً فسأله أن يجدد له كتاباً ويشهد عليه أبا عبيدة والمسلمين، ففعل وأثبت في الكتاب شهادة أبي عبيدة ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة، وغيرهم فأرخه بالوقت الذي جدده) ([87]).
وبعقد الأمان هذا عاش المسلمون والنصارى جنباً إلى جنب خمسة عشر قرناً من الزمان متعايشين يسود بينهم الاحترام والبر كما علم القرآن المسلمين.
} لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين، ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين { والبر أعلى أنواع المعاملة، فهو يطلق للتعامل مع الوالدين، وهو الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: (( البر حسن الخلق...)) إلى أن تدخلت الأيدي الأجنبية، وراحت تثير الإحن والضغائن بين الأهل والجيران فوقع ما وقع.
إن هذا الدين حين قرر مبدأ الجزية، قرر مبدأ التعايش بين العقائد المختلفة في ظل نظام واحد، ورفض مبدأ الإبادة لأبناء العقائد الأخرى، ولو أراد ذلك ما كان في الأرض الإسلامية اليوم إلا المسلمون، وكانت المدن الأخرى في الشام على هذا المنهج.
ت- فتح القدس:
وقام بتنفيذه أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه بشخصه حيث قدم من المدينة إلى الشام بدعوة عمرو بن العاص أميره، حيث اشترط أهل القدس ذلك.
( وعن خالد وعبادة قالا: صالح عمر أهل إيلياء بالجابية وكتب لهم فيها الصلح لكل كورة كتاباً واحداً ما خلا أهل إيلياء، بسم الله الرحمن الرحيم ؛ هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها أن لا تُسكن كنائسهم ولا تُهدم ولا يُنتقص منها ولا من حيزها، ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يُضار أحد منهم، ولا يُسَكَّن بإيلياء معهم أحد من اليهود، وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن وعليهم أن يُخرجوا منها الروم واللصوت، فمن خرج منهم فإن آمن على نفسه وماله حتى يبلغ مأمنه، ومن أقام منهم فهو آمن وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعتهم وصلبهم حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان بها من أهل الأرض قبل مقتل فلان فمن شاء منهم قعد، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع إلى أهله فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية، شهد على ذلك خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان، وكتب وحضر سنة خمس عشرة)([88]).
فلقد كان هذا الأمن الإسلامي إلى ثلاثة نماذج تملك الاختيار في التصرف.
1- إلى أبناء فلسطين والقدس الذين اشترطوا أن لا يساكنهم اليهود فيها، وأقر لهم هذا الشرط.
2- إلى أبناء الروم المحتلين الذين يرغبون الإقامة في القدس مواطنين عاديين، فيسري عليهم حكم الجزية كالمواطنين.
3- إلى أبناء القرى والبلدان الأخرى المقيمين في القدس في حقهم بالاستقرار فيها أو العودة إلى بلادهم وقراهم، ويبقى حق كل فريق من هؤلاء، وحق أبناء القدس بالالتحاق بالروم بالاختيار التام حتى يبلغ مأمنه وموقع اختياره.
- (فأما سائر كتبهم فعلى كتاب لد: بسم الله لرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عبد الله أمير المؤمنين أهل لد ومن دخل معهم من أهل فلسطين أجمعين، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبهم وسقيمهم وبريئهم وسائر ملتهم، أن لا تسكن كنائسهم ولا تُهدم ولا ينتقص منها ولا من حيزها ولا مللها، ولا من صلبهم ولا من أموالهم ولا يكرهون على دينهم، ولا يُضار أحد منهم، وعلى أهل لد ومن دخل معهم من أهل فلسطين أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل مدائن الشام، وعليهم إن خرجوا مثل ذلك الشرط)([89])... إلى آخره.
هـ- فتح مصر: وقد سبقها وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم:
(( إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيراً فإن لهم ذمة ورحماً)) قال ابن شهاب وكان يُقال أن أم إسماعيل بن إبراهيم منهم، وهذا عبادة بن الصامت رسول الإسلام يعرض الموقف الإسلامي على المقوقس:
( إما أجبتم إلى الإسلام.. فإن قبلت ذلك أنت وأصحابك فقد سعدت في الدنيا والآخرة، ورجعنا عن قتالكم ولم نستحل أذاكم ولا التعرض لكم، فإن أبيتم إلا الجزية فأدوا إلينا الجزية عن يد وأنتم صاغرون نعاملكم على شيء نرضى به نحن وأنتم في كل عام أبداً ما بقينا وبقيتم، نقاتل عنكم من ناوأكم وعرض لكم في شيء من أرضكم ودماءكم وأموالكم ونقوم بذلك عنكم إن كنتم في ذمتنا، وكان لكم به عهد علينا، وإن أبيتم فليس بيننا وبينكم إلا السيف...).
واستطاع المقوقس بذكائه ودهائه أن يقنع الأقباط أهل مصر بقبول الجزية، عاصياً أمر هرقل ملك الروم فاجتمعوا (عمرو والمقوقس) على عهد بينهم واصطلحوا على أن يفرض على جميع من بمصر أعلاها وأسفلها من القبط ديناران ديناران عن كل نفس شريفهم ووضيعهم من بلغ الحلم منهم ليس على الشيخ الفاني ولا على الصغير الذي لم يبلغ الحلم ولا النساء شيء، وعلى أن للمسلمين عليهم النزل لجماعتهم حيث نزلوا.. ضيافة ثلاثة أيام مفترضة وأن لهم أرضهم وأموالهم لا يعرض في شيء منها، فشرط ذلك كله على القبط خاصة وحصوا عدد القبط يومئذ خاصة من بلغ منهم الجزية وفُرض عليه الديناران، رفع ذلك عرفاؤهم بالأيمان المؤكدة فكان جميع من أحصي يومئذ بمصر أعلاها وأسفلها من جميع القبط فيما أحصوا وكتبوا ورفعوا أكثر من ستة آلاف ألف، وفي رواية ثمانية آلاف ألف، فكانت فريضتهم يومئذ اثني عشر ألف ألف دينار (12 مليون)) ([90]).
د- سواد العراق: وهم أهل العراق الأصليون المحكومون من فارس، فبعد وقعة القادسية اضطرب وضعهم فكتب سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه مع أبي الهياج الأسدي قال:
إن أهل السواد جلوا، فجاءنا من أمسك بعهد ولم يُجلب علينا، فتممنا لهم ما كان بين المسلمين قبلنا وبينهم وزعموا أن أهل السواد قد لحقوا بالمدائن، فأحدِث إلينا فيمن تمَّ وفيمن جلا، وفيمن ادعى أنه استكره وحشر فهرب ولم يقاتل، أو استسلم، فإنا بأرض رغيبة، والأرض خلاء من أهلها، وعددنا قليل، وقد كثُر أهل صلحنا وإن أعمر لنا ولعدونا تألفهم).
فقام عمر في الناس واستشارهم، ثم كتب الجواب:
أما بعد فإن الله جلَّ وعلا أنزل في كل شيء رخصة في بعض الحالات إلا في أمرين، العدل في السيرة والذكر، فأما الذكر فلا رخصة فيه على حاله، ولم يرض منه إلا الكثير، وأما العدل فلا رخصة فيه في قريب ولا بعيد ولا في شدة ولا في رخاء، والعدل – وإن رئي ليناً – فهو أقوى وأطفأ للجور، وأقمع للباطل من الجور وأن رئي شديداً فهو أنكش للفكر، فمن تم على عهده من أهل السواد، ولم يعن عليكم بشيء فلهم الذمة وعليهم الجزية، وأما من ادعى أنه استكره فمن لم يخالفهم إليكم أو يذهب في الأرض، فلا تصدقوهم بما ادعوا من ذلك إلا أن تشاؤوا، فانبذوهم إليهم، وأبلغوهم مأمنهم.. وأما من أقام ولم يُخلِّ وليس له عهد، فلهم ما لأهل العهد بمقامهم لكم، وكفِّهم عنكم، وكذلك الفلاحون إذا فعلوا ذلك، وكل من ادعى ذلك فصُدِّق فلهم الذمة، وإن كذّبوا نُبذ إليهم، وأما من أعان رجلاً، فذلك أمر جعله الله لكم، فإن شئتم فادعوهم إلى أن يقيموا لكم في أرضهم ولهم الذمة وعليهم الجزية، وإن كرهوا ذلك فاقسموا ما أفاء الله عليكم منهم) ([91]).
وعن عامر الشعبي قال، قلت له: السواد ما حاله؟ قال: أُخذ عنوة، وكذلك كل أرض إلا الحصون فحلا أهلها ؛ فدعوا إلى الصلح والذمة فأجابوا وتراجعوا، فصاروا ذمة وعليهم الجزاء وهم المنعة، وذلك هو السنة، كذلك صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدومة، وبقي ما كان لآل كسرى ومن خرج معهم فيئاً لمن أفاء الله عليه)([92]).
لقد عاشت هذه الأمة في ظل هذا الدين، حيث كان أهل الذمة يمثلون الطبقة الممتازة في المجتمع، يتمتعون بكامل الحقوق العامة التي يتمتع بها المسلمون، وأسقط عنه أفدح واجب وأثقله هو واجب الجهاد وحمايتهم مع مقدساتهم، والدفاع عنهم وبذل أرواحهم وحياتهم من أجلهم.
6- نهج الإسلام مع أهل الذمة:
وضمن المبادئ السبعة التي ذكرناها كانوا يعيشون مع المسلمين:
( البر، العدل، الأمن، الحماية، حرية العقيدة، الحكم الذاتي، المشاركة في الحكم) ويساهمون في الحياة العامة كاملة في كل مجالاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ويمكن أن يرتقوا في سلم المناصب والوظائف العليا عدا الإمامة الكبرى التي تكون لأكثرية الأمة من المسلمين.
وفي عالم الدول المعاصرة اليوم يكون تنظيم الدولة أقرب ما يكون إلى الولايات المتحدة، إذا استثنينا ما يُسمى بالوزارات التي هي من شأن الدولة الاتحادية، فلدى كل ولاية برلمانها ووزاراتها، وتبقى الوزارة الاتحادية مثل العدل والتربية والداخلية والخارجية والدفاع والإعلام هي من حق الوزارة المركزية.
(ويجوز أن يكون هذا الوزير من أهل الذمة وإن لم يجز أن يكون التفويض([93]) منهم، ويكون الفرق بين هاتين الوزارتين من أربعة أوجه أحدها أنه يجوز لوزير التفويض مباشرة الحكم والنظر في المظالم، وليس ذلك لوزير التنفيذ والثاني أنه يجوز لوزير التفويض أن يستبد بتقليد الولاة وليس ذلك لوزير التنفيذ، والثالث أن يجوز لوزير التفويض أن ينفرد بتسيير الجيوش وتدبير الحروب وليس ذلك لوزير التنفيذ، والرابع أنه يجوز لوزير التفويض أن يتصرف في أمور بيت المال بقبض ما يستحق له ويدفع ما يجب فيه وليس ذلك لوزير التنفيذ وليس فيما عدا هؤلاء الأربعة ما يمنع أهل الذمة منها، إلا أن يستطيلوا فيكونوا ممنوعين من الاستطالة، ولهذه الفروق الأربعة بين النظيرين افترق في أربعة من الشروط للوزارتين، أحدهما أن الحرية معتبرة في وزارة التفويض، وليست معتبرة في وزارة التنفيذ، والثاني: أن الإسلام معتبر في وزارة التفويض وغير معتبر في وزارة التنفيذ، والثالث: أن العلم بالأحكام الشرعية معتبر في وزارة التفويض وغير معتبر في وزارة التنفيذ، والرابع: أن المعرفة بأمري الحرب والخراج معتبرة في وزارة التفويض وغير معتبرة في وزارة التنفيذ، فافترقا في شروط التقليد من أربعة وجوه كما افترقا في حقوق النظر من أربعة أوجه واستويا فيما عداها من حقوق وشروط).
وحين ننظر إلى شروط الوزير التنفيذي نجد أنها تعتمد على الكفاءة والخبرة فقط، وهذه الشرط الثمانية هي:
1- الأمانة حتى لا يخون فيما اؤتمن عليه ولا يغش فيما استنصح فيه.
2- صدق اللهجة حتى يوثق بخبره فيما يؤديه، ويعمل على قوله فيما ينهيه.
3- قلة الطمع حتى لا يرتشي فيما يلي ولا ينخدع فيتساهل.
4- أن يسلم فيما بينه وبين الناس من عداوة وشحناء، فإن العداوة تصد عن التناصف وتمنع من التعاطف.
5- أن يكون ذكوراً لما يؤديه إلى الخليفة وعنه لأنه شاهد له وعليه.
6- الذكاء والفطنة حتى لا تدلس عليه الأمور فتشتبه، ولا تموه عليه فتلتبس.
7- أن لا يكون من أهل الأهواء فيخرجه الهوى من الحق إلى الباطل، ويتدلس عليه المحق من المبطل.
فإن كان هذا الوزير مشاركاً في الرأي احتاج إلى وصف ثامن وهو:
8- الحنكة والتجربة التي تؤديه إلى صحة الرأي وصواب التدبير، فإن في التجارب خبرة بعواقب الأمور) ([94]).
والملاحظ أن التركيب لنظام الحكم الحديث في العالم يجعل الوزراء جميعاً يمثلون السلطة التنفيذية في الأمة لا السلطة التشريعية ولا سلطة القضائية، وعلى هذا فكل وزارات الدولة يمكن أن يستلمها الأكفاء والأخلاقيون من أهل الذمة، طالما أنها منطلقة في تشريعاتها جميعاً من الإسلام، وهم منفذون لهذه التشريعات ونظام فصل السلطات هو الذي يؤكد ذلك.
أهل الذمـــة
مخطط البحث
1- لماذا نتحدث عن أهل الذمة؟
2- مصطلح أهل الذمة.
3- أهل الكتاب في ظل الدولة الإسلامية.
4- أهل الكتاب في العهد النبوي:
آ- وثيقة خيبر.
ب- وثيقة تبوك.
جـ- وثيقة نصارى نجران.
5- أهل الكتاب في العهد الراشدي:
آ- فتح دمشق.
ب- فتح القدس.
جـ- فتح مصر.
د- فتح سواد العراق.
6- نهج الإسلام مع أهل الذمة (المبادئ السبعة).
7- فقه الحماية ومسؤولية الدولة الإسلامية مقابل الجزية.
8- المعايشة طريق دخول الإسلام.
9- أهل الكتاب في ظل الدولتين الأموية والعباسية.
10- شهادتان من خصوم الإسلام.
11- أهل الكتاب في ظل الدولة العثمانية.
12- شبهات حول أهل الذمة.
13- ملخص البحث.
1- لماذا نتحدث عن أهل الذمة؟:
لقد كان التردد كثيراً قبل إضافة هذا البحث إلى القضايا المعاصرة، فنعتقد أنه موضوع تاريخي لا وجود له الآن في الساحة العالمية، ومن جهة ثانية يشكل الحديث عنه بعض الحساسيات مع أبناء الوطن الواحد من أتباع الديانات الأخرى.
لكن الذي دفع إلى الحديث عنه ثلاث نقاط جوهرية:
الأولى: أنه قائم في ذهن الكثيرين من الدعاة أنه موضوع معاصر، وفي تصورهم أنه مجرد قيام دولةٍ للإسلام في قطر من الأقطار فسيكون التعامل مع غير المسلمين مباشرة على أنهم أهل ذمة، فكان لا بد من تصحيح هذا المفهوم، وإيضاح أن دولة الإسلام الأولى في المدينة والتي كان على رأسها رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن الوضع بين سكانها على أنهم مسلمون وأهل ذمة، إنما كان الوضع بينهم قائماً على المواطنة فهم سكان يثرب، لهم حقوق مشتركة ولو اختلفوا في أديانهم.
ثانياً: يحسن الحديث عنه لما لحقه من تشويه وسوء استغلال في اتهام الإسلام بالتمييز بين أبناء الأمة وحرمان الأقليات من حقوقها، وهو موضوع له مساحة واسعة في أذهان الناس اليوم.
ثالثاً: ويحسن الحديث عنه كذلك للمقارنة بين الإسلام في تعامله مع الأقليات والاعتراف فيها، وبين الدول الديمقراطية المعاصرة وتعاملها مع الأقليات المسلمة اليوم، والتي تعاني كثيراً من الجور والظلم في ظل هذه الأنظمة.
ومن أجل هذا سيتناول الحديث في هذا المجال هذه الأفكار الرئيسية بعيداً عن الخوض في الجزئيات التي غدت موضوعاً تاريخياً يرجع إليه في مظانه في كتب الفقه.
2- مصطلح أهل الذمة:
لا بد من الإشارة إلى أن مصطلح أهل الذمة مرتبط ارتباطاً وثيقاً في قيام وجود دولة إسلامية كبرى تحمل راية الإسلام وتجاهد في سبيلها لنشر هذا الدين، وإذا أردنا أن نحدد لها بداية تاريخية فيمكن العودة إلى الحديث التالي، عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً ثم قال:
(( أغزو باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، واغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال (أو خلال) فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك اقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تتركهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا)) ([72]).
1- هذا الحديث الذي أخرجه مسلم ذكره الواقدي في غزوة مؤتة بقوله: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مشيعاً لأهل مؤتة حتى بلغ ثنية الوداع فوقف ووقفوا حوله فقال: (( اغزوا باسم الله....)).
إذن فنحن في المرحلة التي انتقلت الدولة الإسلامية فيها من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم، وغزو العدو في دياره، وأصبحت مهمة الغزو الانطلاق بدين الله في هذه الأرض، أما قبل ذلك فإنما كانت مهمة الإسلام هي الدفاع عن أرض الإسلام، وقد حدَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم بداية هذه المرحلة بعد غزوة الأحزاب بقوله صلى الله عليه وسلم:
(( الآن نغزوهم ولا يغزونا، نحن نسير إليهم)) ([73]).
2- وحديثنا عن هذا الأمر إنما هو حديث عن ناحية تاريخية، وحرصنا على ذكرها لتكون بمثابة تمهيد لما آل إليه وضع المسلمين اليوم، حين غدوا أقليات في بعض الدول، أو خضعوا لنظام الدولة العلمانية الديمقراطية، وخضعوا للمواثيق الدولية التي صاغها هؤلاء العلمانيون بما يتناسب مع مصالحهم ومبادئهم.
3- ولا نبالغ إذا قلنا أن هذا التاريخ الذي امتد ألف عام ونيف حيث كان للإسلام دولته العظمى ولها رباطها على ثغورها، ولها امتداداتها وفتوحاتها، لا نبالغ إذا قلنا أن هذه الصفحة من أنصع صفحات تاريخنا - على ما فيها من مد وجزر – وعلى ما فيها من بعض النقاط الداكنة كذلك، لكن تبقى منارة للبشرية تفيء إليها حين تقارن بعهود الظلام الكبرى في تاريخ البشرية حين كان للمبادئ والطغاة والسلطة والقوة على من هو دونهم.
3- أهل الكتاب في ظل الدولة الإسلامية:
ولقد جاءت الآية القرآنية في سنة التاسعة للهجرة، والتي وجهت أنظار الجيل النبوي إلى مهمته في الأرض لتبليغ دين الله وشريعته إلى عباد الله في كل صقع وتحت كل سماء، والتي تم على ضوئها التحرك بالجيش الإسلامي إلى تبوك تنفيذاً لأحكام هذه الآية.
} قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون { ([74]).
يقول الإمام ابن كثير: وهذه الآية الكريمة أول الأمر بقتال أهل الكتاب بعد ما تمهدت أمور المشركين ودخل الناس في دين الله أفواجاً، واستقامت جزيرة العرب، أمر الله ورسوله بقتال أهل الكتابين ؛ اليهود والنصارى وكان ذلك في سنة تسع، ولهذا تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتال الروم، ودعا الناس إلى ذلك وأظهره لهم وبعث إلى أحياء العرب حول المدينة فأوعبوا معه، واجتمع من المقاتلة نحو من ثلاثين ألفاً وتخلف بعض الناس.. وقد استدل بهذه الآية الكريمة من يرى أنه لا تُؤخذ الجزية إلا من أهل الكتاب أو من أشبههم كالمجوس، كما صح فيهم الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذه من مجوس هجر وهذا مذهب الشافعي وأحمد في المشهور عنه، وقال أبو حنيفة رحمه الله بل تؤخذ من جميع الأعاجم سواءً كانوا من أهل الكتاب أو من المشركين ولا تُؤخذ من العرب إلا من أهل الكتاب، وقال الإمام مالك: بل يصح أن تضرب الجزية على جميع الكفار من كتابي ومجوسي ووثني وغير ذلك، ولمأخذ هذه المذاهب وذكر أدلتها مكان غير هذا والله أعلم)([75]).
فالخيار الذي ذكره القرآن ليس هو الإسلام مع أنه واضح في كل نصوص الأحاديث والمأثور عن الصحابة والتابعين، ولم يذكر الخيارات الثلاثة، إنما ذكرت الجزية فقط حتى لا يتطرق أدنى شك إلى الإكراه على العقيدة أو فرض الإسلام بالسيف، إنما هو الاستسلام لشريعة الله أن تسود في الأرض، ومن حق كل فرد بعد ذلك أن يعتنق هذا الدين أو يرفضه ويتحمل تبعة موقفه ومسؤولية اختياره.
( وهذه الآية تصف أهل الكتاب هؤلاء بأنهم } لا يحرمون ما حرم الله ورسوله {.. كذلك تصفهم بأنهم } لا يدينون دين الحق {.. فليس بدين الحق أي اعتقاد بربوبية أحد مع الله كما أنه ليس بدين الحق التعامل بشريعة غير شريعة الله وتلقي الأحكام من غير الله، والدينونة لسلطان غير سلطان الله، وهذا كله قائم في أهل الكتاب اليوم كما كان قائماً فيهم يومذاك.
والشرط الذي يشترطه النص للكف عن قتالهم ليس أن يسلموا فلا إكراه في الدين، ولكن أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، فما حكمة هذا الشرط، ولماذا كانت هذه الغاية التي ينتهي عندها القتال؟.
إن أهل الكتاب بصفاتهم تلك حرب على دين الله اعتقاداً وسلوكاً كما أنهم حرب على المجتمع المسلم بحكم طبيعة التعارض والتصادم الذاتيين بين منهج الله ومنهج الجاهلية المتمثلة في عقيدة أهل الكتاب وواقعهم وفق ما تصوره هذه الآيات.. والإسلام – بوصفه دين الحق الوحيد القائم في الأرض – لا بد أن ينطلق لإزالة العوائق المادية من وجهه، ولتحرير الإنسان من الدينونة بغير دين الحق، على أن يدع لكل فردٍ حرية الاختيار بلا إكراه منه ولا من تلك العوائق المادية كذلك..
فالوسيلة العملية لضمان إزالة العوائق المادية وعدم الإكراه على اعتناق الإسلام في الوقت نفسه هي كسر شوكة السلطات القائمة على غير دين الحق حتى تستلم وتعلن استسلامها بقبول إعطاء الجزية فعلاً، وعندئذ تتم عملية التحرير فعلاً بضمان الحرية لكل فرد أن يختار دين الحق عن اقتناع، فإن لم يقتنع بقي على عقيدته، وأعطى الجزية لتحقيق عدة أهداف.
أولهما: أن يعلن استسلامه وعدم مقاومته بالقوة المادية للدعوة إلى دين الله الحق.
وثانيهما: أن يساهم في نفقات الدفاع عن نفسه وماله وعرضه وحرماته التي يكفلها الإسلام لأهل الذمة (الذين يؤدون الجزية فيصبحون في ذمة المسلمين وضمانتهم) ويدفع عنها من يريد الاعتداء عليها من الداخل أو الخارج بالمجاهدين من المسلمين.
ثالثهما: المساهمة في بيت مال المسلمين الذي يضمن الكفالة والإعاشة لكل عاجز عن العمل، بما في ذلك أهل الذمة بلا تفرقة بينهم وبين المسلمين دافعي الزكاة.
ولا نحب أن نستطرد هنا إلى الخلافات الفقهية حول من تُؤخذ منهم الجزية ومن لا تُؤخذ منهم، ولا عن تقادير هذه الجزية، ولا عن طرق ربطها ومواضع هذا الربط.. ذلك أن هذه القضية برمتها ليست معروضة علينا اليوم كما كانت معروضة على الفقهاء الذين أفتوا فيها، واجتهدوا رأيهم في وقتها.
إنها تُعتبر اليوم تاريخية وليس واقعية، إن المسلمين اليوم ليس لهم دولة ولا قوة والدعوة الآن تبلغ بأساليب وطرق مختلفة.
قضية (وجود) الإسلام و( وجود) المسلمين هي التي تحتاج اليوم إلى علاج..
إن نقطة البدء الآن هي مماثلة لنقطة البدء في أول عهد الناس برسالة الإسلام، أن يوجد في بقعة من الأرض ناس يدينون دين الحق فيشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ومن ثم يدينون لله وحده بالحاكمية والسلطان والتشريع، ويطبقون هذا في واقع الحياة فيقيموا دولة الإسلام على أرضهم، ثم يحاولون أن ينطلقوا في الأرض بهذا الإعلان العام لتحرير الإنسان، ويومئذ – ويومئذ فقط – سيكون هناك مجال لتطبيق النصوص القرآنية والأحكام الإسلامية في مجال العلاقات بين المجتمع المسلم وغيره من المجتمعات)([76]).
4- أهل الكتاب في العهد النبوي:
آ- فكان فتح خيبر أول فتح إسلامي وتعامل دولي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين خصومه بعد صلح الحديبية الذي كان فتحاً معنوياً للمسلمين.
( وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي القرى أربعة أيام، وقسم ما أصاب على أصحابه بوادي القرى وترك النخل والأرض بأيدي اليهود وعاملهم عليها، فلما بلغ يهود تيماء ما وطئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر وفدك ووادي القرى صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجزية وأقاموا بأيديهم وأموالهم، فلما كان زمن عمر رضي الله عنه أخرج يهود خيبر وفدك، ولم يخرج أهل تيماء ووادي القرى لأنهما داخلتان في أرض الشام، ويرى أن ما دون وادي القرى إلى المدينة حجاز، وأن ما وراء ذلك من الشام) ([77]).
وروى البخاري والبيهقي عن ابن عمر أن خيبر لما فتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم سألت يهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم فيها على نصف ما خرج منها من التمر، وقالوا: (دعنا يا محمد نكون في هذه الأرض، نصلحها ونقوم عليها، ولم يكن لرسول الله ولا لأصحابه غلمان يقومون عليها، وكانوا لا يفرغون أن يقوموا عليها، فأعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر على أن لهم الشطر من كل زرع ونخل وشيء ما بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي لفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( نقركم فيها على ما شئنا))، وفي لفظ (( ما أقركم الله)).
وكان عبد الله بن رواحة يأتيهم كل عام فيخرصها([78]) عليهم، ثم يضمنهم الشطر، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شدة خرص ابن رواحة، وأرادوا أن يرشوا ابن رواحة، فقال: يا أعداء الله، تطعموني السحت؟.
وروى الواقدي بسنده: جابر بن عبد الله قال: رأيت يحنة بن رؤية يوم أتى به النبي صلى الله عليه وسلم عليه صليب من ذهب وهو معقود الناصية، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم كفَّرَ وأومأ برأسه فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم: أن ارفع رأسك، وصالحه يومئذ، وكساه رسول الله صلى الله عليه وسلم برداً يمنه، وأمر له بمنزل عند بلال)([79])، فكان العدل هو الأولى في التعامل مع أهل الكتاب.
إنما الثانية التي هي هم الإنسان أياً كان هذا الإنسان، إنها الأمن بعد العدل، ولذلك كانت الجملة الثانية بعد البسملة: هذا أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله ليحنة بن رؤبة وأهل الديلة (وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل جرباء وأذرح هذا الكتاب..
قال الواقدي: نسخت كتاب أذرح وإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم ؛ من محمد النبي صلى الله عليه وسلم لأهل أذرح أنهم آمنون بأمان الله وأمان محمد، وأن عليهم مائة دينار في كل رجب وافية طيبة، والله كفيل عليهم بالنصح والإحسان للمسلمين، ومن لجأ إليهم من المسلمين من المخافة والتعزير إذا خشوا على المسلمين وهم آمنون حتى يحدث إليهم محمد قبل خروجه.
قالوا: وكتب لأهل مقنا أنهم آمنون بأمان الله، وأمان محمد وأن عليهم ربع غزولهم وربع ثمارهم)([80])، وبذلك كان شمال الجزيرة، وجنوب الشام أول من نعم بالأمن والحكم الإسلامي من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
جـ- ومن الشام إلى اليمن:
( قالوا: وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسقف بني الحارث بن كعب وأساقفة نجران وكهنتهم ومن تبعهم ورهبانهم أن لهم ما تحت أيديهم من قليل وكثير من بيعهم وصلواتهم ورهبانيتهم وجوار الله ورسوله لا يغير أسقف عن أسقفيته، ولا راهب عن رهبانيته، ولا كاهن عن كهانته، ولا يغير حق من حقوقهم، ولا سلطانهم ولا شيء مما كانوا عليه ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم غير مثقلين بظلم ولا ظالمين، وكتب المغيرة)([81]).
وتأتي القضية الثالثة هنا بعد قضيتي العدل والأمن ألا وهي حرية العقيدة، فهم على دينهم لهم ما تحت أيديهم من بيعهم وصلواتهم ورهبانيتهم لا يغير فيه القليل ولا الكثير.
والقضية الرابعة التي قدمها الإسلام للإنسان المخالف له في العقيدة والخاضع لحكمه بعد العدل والأمن وحرية العقدية هي الحكم الذاتي، بحيث يبقى لهم حق حكم أنفسهم بأنفسهم كما يريدون.
(( ولا يغير حق من حقوقهم، ولا سلطانهم، ولا شيء مما كانوا عليه ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم))، وما عليهم لا يعدو أن يكون دينارين أو دينار واحد على القادر منهم، يُعفى الشيخ والصبي والمرأة، ويُعفى الذي لا يملك، هذا ما عليهم هو الثمن لاستقلالهم الإداري، وحكمهم الذاتي وحرية عقيدتهم، وأمنهم والعدل بالقسطاس فيهم.
( قالوا: وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لربيعة بن ذي مرحب الحضرمي وإخوته وأعمامه أن لهم أموالهم ونخلهم ورقيقهم وآبارهم وشجرهم ومياههم وسواقيهم ونبتهم وشراجعهم بحضرموت، وكل مال لآل ذي مرحب، وإن كل رهن بأرضهم يُحسب ثمره وسدره وقضبه من رهنه الذي هو فيه، وأن كل ما كان في ثمارهم من خير فإنه لا يسأل أحد عنه، وأن الله ورسوله براء منه، وأن نَصْرَ آل ذي مرحب على جماعة المسلمين، وأن أرضهم بريئة من الجور، وأن أموالهم وأنفسهم وزافر حائط الملك الذي كان يسيل إلى آل قيس، وأن الله جار على ذلك، وكتب معاوية) ([82]).
والقضية الخامسة التي يهديها الإسلام للإنسان المخالف له في عقيدته، والداخل في ذمته من خلال الجزية بعد العدل والأمن وحرية العقيدة، والحكم الذاتي، هي الحماية من أي عدوٍ داخلي أو خارجي (( وأن نصر آل ذي مرحب على جماعة المسلمين)) فالمسلمون يقدمون حياتهم وأرواحهم ودماءهم فدىً لمن دخل في حماهم، وأصبح في ذمتهم، إنها ذمة الله تعالى وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أجل هذا نجد من النصوص المستفيضة الكثير في حق هذا الذمي:
(( من ظلم معاهداً أو كلفه فوق طاقته، فأنا حجيجه)) ([83]).
(( ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه، أو كلَّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة)) ([84]).
(( ومن قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً)) ([85]).
5- أهل الكتاب في العهد الراشدي:
وانطلاقاً من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم القولي في وصيته لأمراء مؤتة فيمن رفض الإسلام والقتال، ومن أحاديثه صلى الله عليه وسلم في التوصية بأهل الذمة والحفاظ على أموالهم وأعراضهم ودمائهم، وانطلاقاً من كتبه وهديه الفعلي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع أهل الذمة، انطلاقاً من هذا الهدي مضى الخلفاء الراشدون يفتحون الأرض بالإسلام ديناً وشريعة لمن أراد الإسلام وبسيادة شريعته لمن اختار الجزية، وبالقتال لمن ناوأه، وكانت الأمصار تفتح عنوة أو صلحاً وتطبق عليها أحكام الإسلام بذلك.
آ- فتح دمشق: أورد البلاذري نص هذا الكتاب في فتح دمشق:
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى خالد بن الوليد أهل دمشق إذا دخلها أماناً على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وسور مدينتهم لا يهدم ولا يسكن شيء من دورهم، لهم بذلك عهد الله وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء والمؤمنين لا يُعرض لهم إلا بخير إذا أعطوا الجزية)([86]).
قال الواقدي: وكان فتح مدينة دمشق في رجب سنة أربع عشرة، وتاريخ كتاب خالد في صلحها في شهر ربيع الآخر سنة خمس عشرة، وذلك أن خالداً كتب الكتاب بغير تاريخ، فلما اجتمع المسلمون للنهوض إلى من تجمع لهم أتى الأسقف خالداً فسأله أن يجدد له كتاباً ويشهد عليه أبا عبيدة والمسلمين، ففعل وأثبت في الكتاب شهادة أبي عبيدة ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة، وغيرهم فأرخه بالوقت الذي جدده) ([87]).
وبعقد الأمان هذا عاش المسلمون والنصارى جنباً إلى جنب خمسة عشر قرناً من الزمان متعايشين يسود بينهم الاحترام والبر كما علم القرآن المسلمين.
} لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين، ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين { والبر أعلى أنواع المعاملة، فهو يطلق للتعامل مع الوالدين، وهو الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: (( البر حسن الخلق...)) إلى أن تدخلت الأيدي الأجنبية، وراحت تثير الإحن والضغائن بين الأهل والجيران فوقع ما وقع.
إن هذا الدين حين قرر مبدأ الجزية، قرر مبدأ التعايش بين العقائد المختلفة في ظل نظام واحد، ورفض مبدأ الإبادة لأبناء العقائد الأخرى، ولو أراد ذلك ما كان في الأرض الإسلامية اليوم إلا المسلمون، وكانت المدن الأخرى في الشام على هذا المنهج.
ت- فتح القدس:
وقام بتنفيذه أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه بشخصه حيث قدم من المدينة إلى الشام بدعوة عمرو بن العاص أميره، حيث اشترط أهل القدس ذلك.
( وعن خالد وعبادة قالا: صالح عمر أهل إيلياء بالجابية وكتب لهم فيها الصلح لكل كورة كتاباً واحداً ما خلا أهل إيلياء، بسم الله الرحمن الرحيم ؛ هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها أن لا تُسكن كنائسهم ولا تُهدم ولا يُنتقص منها ولا من حيزها، ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يُضار أحد منهم، ولا يُسَكَّن بإيلياء معهم أحد من اليهود، وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن وعليهم أن يُخرجوا منها الروم واللصوت، فمن خرج منهم فإن آمن على نفسه وماله حتى يبلغ مأمنه، ومن أقام منهم فهو آمن وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعتهم وصلبهم حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان بها من أهل الأرض قبل مقتل فلان فمن شاء منهم قعد، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع إلى أهله فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية، شهد على ذلك خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان، وكتب وحضر سنة خمس عشرة)([88]).
فلقد كان هذا الأمن الإسلامي إلى ثلاثة نماذج تملك الاختيار في التصرف.
1- إلى أبناء فلسطين والقدس الذين اشترطوا أن لا يساكنهم اليهود فيها، وأقر لهم هذا الشرط.
2- إلى أبناء الروم المحتلين الذين يرغبون الإقامة في القدس مواطنين عاديين، فيسري عليهم حكم الجزية كالمواطنين.
3- إلى أبناء القرى والبلدان الأخرى المقيمين في القدس في حقهم بالاستقرار فيها أو العودة إلى بلادهم وقراهم، ويبقى حق كل فريق من هؤلاء، وحق أبناء القدس بالالتحاق بالروم بالاختيار التام حتى يبلغ مأمنه وموقع اختياره.
- (فأما سائر كتبهم فعلى كتاب لد: بسم الله لرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عبد الله أمير المؤمنين أهل لد ومن دخل معهم من أهل فلسطين أجمعين، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبهم وسقيمهم وبريئهم وسائر ملتهم، أن لا تسكن كنائسهم ولا تُهدم ولا ينتقص منها ولا من حيزها ولا مللها، ولا من صلبهم ولا من أموالهم ولا يكرهون على دينهم، ولا يُضار أحد منهم، وعلى أهل لد ومن دخل معهم من أهل فلسطين أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل مدائن الشام، وعليهم إن خرجوا مثل ذلك الشرط)([89])... إلى آخره.
هـ- فتح مصر: وقد سبقها وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم:
(( إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيراً فإن لهم ذمة ورحماً)) قال ابن شهاب وكان يُقال أن أم إسماعيل بن إبراهيم منهم، وهذا عبادة بن الصامت رسول الإسلام يعرض الموقف الإسلامي على المقوقس:
( إما أجبتم إلى الإسلام.. فإن قبلت ذلك أنت وأصحابك فقد سعدت في الدنيا والآخرة، ورجعنا عن قتالكم ولم نستحل أذاكم ولا التعرض لكم، فإن أبيتم إلا الجزية فأدوا إلينا الجزية عن يد وأنتم صاغرون نعاملكم على شيء نرضى به نحن وأنتم في كل عام أبداً ما بقينا وبقيتم، نقاتل عنكم من ناوأكم وعرض لكم في شيء من أرضكم ودماءكم وأموالكم ونقوم بذلك عنكم إن كنتم في ذمتنا، وكان لكم به عهد علينا، وإن أبيتم فليس بيننا وبينكم إلا السيف...).
واستطاع المقوقس بذكائه ودهائه أن يقنع الأقباط أهل مصر بقبول الجزية، عاصياً أمر هرقل ملك الروم فاجتمعوا (عمرو والمقوقس) على عهد بينهم واصطلحوا على أن يفرض على جميع من بمصر أعلاها وأسفلها من القبط ديناران ديناران عن كل نفس شريفهم ووضيعهم من بلغ الحلم منهم ليس على الشيخ الفاني ولا على الصغير الذي لم يبلغ الحلم ولا النساء شيء، وعلى أن للمسلمين عليهم النزل لجماعتهم حيث نزلوا.. ضيافة ثلاثة أيام مفترضة وأن لهم أرضهم وأموالهم لا يعرض في شيء منها، فشرط ذلك كله على القبط خاصة وحصوا عدد القبط يومئذ خاصة من بلغ منهم الجزية وفُرض عليه الديناران، رفع ذلك عرفاؤهم بالأيمان المؤكدة فكان جميع من أحصي يومئذ بمصر أعلاها وأسفلها من جميع القبط فيما أحصوا وكتبوا ورفعوا أكثر من ستة آلاف ألف، وفي رواية ثمانية آلاف ألف، فكانت فريضتهم يومئذ اثني عشر ألف ألف دينار (12 مليون)) ([90]).
د- سواد العراق: وهم أهل العراق الأصليون المحكومون من فارس، فبعد وقعة القادسية اضطرب وضعهم فكتب سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه مع أبي الهياج الأسدي قال:
إن أهل السواد جلوا، فجاءنا من أمسك بعهد ولم يُجلب علينا، فتممنا لهم ما كان بين المسلمين قبلنا وبينهم وزعموا أن أهل السواد قد لحقوا بالمدائن، فأحدِث إلينا فيمن تمَّ وفيمن جلا، وفيمن ادعى أنه استكره وحشر فهرب ولم يقاتل، أو استسلم، فإنا بأرض رغيبة، والأرض خلاء من أهلها، وعددنا قليل، وقد كثُر أهل صلحنا وإن أعمر لنا ولعدونا تألفهم).
فقام عمر في الناس واستشارهم، ثم كتب الجواب:
أما بعد فإن الله جلَّ وعلا أنزل في كل شيء رخصة في بعض الحالات إلا في أمرين، العدل في السيرة والذكر، فأما الذكر فلا رخصة فيه على حاله، ولم يرض منه إلا الكثير، وأما العدل فلا رخصة فيه في قريب ولا بعيد ولا في شدة ولا في رخاء، والعدل – وإن رئي ليناً – فهو أقوى وأطفأ للجور، وأقمع للباطل من الجور وأن رئي شديداً فهو أنكش للفكر، فمن تم على عهده من أهل السواد، ولم يعن عليكم بشيء فلهم الذمة وعليهم الجزية، وأما من ادعى أنه استكره فمن لم يخالفهم إليكم أو يذهب في الأرض، فلا تصدقوهم بما ادعوا من ذلك إلا أن تشاؤوا، فانبذوهم إليهم، وأبلغوهم مأمنهم.. وأما من أقام ولم يُخلِّ وليس له عهد، فلهم ما لأهل العهد بمقامهم لكم، وكفِّهم عنكم، وكذلك الفلاحون إذا فعلوا ذلك، وكل من ادعى ذلك فصُدِّق فلهم الذمة، وإن كذّبوا نُبذ إليهم، وأما من أعان رجلاً، فذلك أمر جعله الله لكم، فإن شئتم فادعوهم إلى أن يقيموا لكم في أرضهم ولهم الذمة وعليهم الجزية، وإن كرهوا ذلك فاقسموا ما أفاء الله عليكم منهم) ([91]).
وعن عامر الشعبي قال، قلت له: السواد ما حاله؟ قال: أُخذ عنوة، وكذلك كل أرض إلا الحصون فحلا أهلها ؛ فدعوا إلى الصلح والذمة فأجابوا وتراجعوا، فصاروا ذمة وعليهم الجزاء وهم المنعة، وذلك هو السنة، كذلك صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدومة، وبقي ما كان لآل كسرى ومن خرج معهم فيئاً لمن أفاء الله عليه)([92]).
لقد عاشت هذه الأمة في ظل هذا الدين، حيث كان أهل الذمة يمثلون الطبقة الممتازة في المجتمع، يتمتعون بكامل الحقوق العامة التي يتمتع بها المسلمون، وأسقط عنه أفدح واجب وأثقله هو واجب الجهاد وحمايتهم مع مقدساتهم، والدفاع عنهم وبذل أرواحهم وحياتهم من أجلهم.
6- نهج الإسلام مع أهل الذمة:
وضمن المبادئ السبعة التي ذكرناها كانوا يعيشون مع المسلمين:
( البر، العدل، الأمن، الحماية، حرية العقيدة، الحكم الذاتي، المشاركة في الحكم) ويساهمون في الحياة العامة كاملة في كل مجالاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ويمكن أن يرتقوا في سلم المناصب والوظائف العليا عدا الإمامة الكبرى التي تكون لأكثرية الأمة من المسلمين.
وفي عالم الدول المعاصرة اليوم يكون تنظيم الدولة أقرب ما يكون إلى الولايات المتحدة، إذا استثنينا ما يُسمى بالوزارات التي هي من شأن الدولة الاتحادية، فلدى كل ولاية برلمانها ووزاراتها، وتبقى الوزارة الاتحادية مثل العدل والتربية والداخلية والخارجية والدفاع والإعلام هي من حق الوزارة المركزية.
(ويجوز أن يكون هذا الوزير من أهل الذمة وإن لم يجز أن يكون التفويض([93]) منهم، ويكون الفرق بين هاتين الوزارتين من أربعة أوجه أحدها أنه يجوز لوزير التفويض مباشرة الحكم والنظر في المظالم، وليس ذلك لوزير التنفيذ والثاني أنه يجوز لوزير التفويض أن يستبد بتقليد الولاة وليس ذلك لوزير التنفيذ، والثالث أن يجوز لوزير التفويض أن ينفرد بتسيير الجيوش وتدبير الحروب وليس ذلك لوزير التنفيذ، والرابع أنه يجوز لوزير التفويض أن يتصرف في أمور بيت المال بقبض ما يستحق له ويدفع ما يجب فيه وليس ذلك لوزير التنفيذ وليس فيما عدا هؤلاء الأربعة ما يمنع أهل الذمة منها، إلا أن يستطيلوا فيكونوا ممنوعين من الاستطالة، ولهذه الفروق الأربعة بين النظيرين افترق في أربعة من الشروط للوزارتين، أحدهما أن الحرية معتبرة في وزارة التفويض، وليست معتبرة في وزارة التنفيذ، والثاني: أن الإسلام معتبر في وزارة التفويض وغير معتبر في وزارة التنفيذ، والثالث: أن العلم بالأحكام الشرعية معتبر في وزارة التفويض وغير معتبر في وزارة التنفيذ، والرابع: أن المعرفة بأمري الحرب والخراج معتبرة في وزارة التفويض وغير معتبرة في وزارة التنفيذ، فافترقا في شروط التقليد من أربعة وجوه كما افترقا في حقوق النظر من أربعة أوجه واستويا فيما عداها من حقوق وشروط).
وحين ننظر إلى شروط الوزير التنفيذي نجد أنها تعتمد على الكفاءة والخبرة فقط، وهذه الشرط الثمانية هي:
1- الأمانة حتى لا يخون فيما اؤتمن عليه ولا يغش فيما استنصح فيه.
2- صدق اللهجة حتى يوثق بخبره فيما يؤديه، ويعمل على قوله فيما ينهيه.
3- قلة الطمع حتى لا يرتشي فيما يلي ولا ينخدع فيتساهل.
4- أن يسلم فيما بينه وبين الناس من عداوة وشحناء، فإن العداوة تصد عن التناصف وتمنع من التعاطف.
5- أن يكون ذكوراً لما يؤديه إلى الخليفة وعنه لأنه شاهد له وعليه.
6- الذكاء والفطنة حتى لا تدلس عليه الأمور فتشتبه، ولا تموه عليه فتلتبس.
7- أن لا يكون من أهل الأهواء فيخرجه الهوى من الحق إلى الباطل، ويتدلس عليه المحق من المبطل.
فإن كان هذا الوزير مشاركاً في الرأي احتاج إلى وصف ثامن وهو:
8- الحنكة والتجربة التي تؤديه إلى صحة الرأي وصواب التدبير، فإن في التجارب خبرة بعواقب الأمور) ([94]).
والملاحظ أن التركيب لنظام الحكم الحديث في العالم يجعل الوزراء جميعاً يمثلون السلطة التنفيذية في الأمة لا السلطة التشريعية ولا سلطة القضائية، وعلى هذا فكل وزارات الدولة يمكن أن يستلمها الأكفاء والأخلاقيون من أهل الذمة، طالما أنها منطلقة في تشريعاتها جميعاً من الإسلام، وهم منفذون لهذه التشريعات ونظام فصل السلطات هو الذي يؤكد ذلك.
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
رد: الوطن والمواطنة (المبحث الثالث)
7- فقه الحماية ومسؤولية الدولة في الحماية مقابل فرض الجزية:
هذه القضية من القضايا الشائكة التي اختلطت فيها الأنظار، فإذا اعتبر الإسلام إعفاء أهل الذمة من الدفاع عن وطنهم وأوكل هذا الأمر للمسلمين، ميزة يقدمها لهم مقابل الجزية البسيطة التي يأخذها منهم، فإن الكثير منهم يعتبرون هذا الأمر إهانة لهم، وتجريداً لهم من حق المشاركة في الجيش والدفاع عن الوطن وفي عالمنا الثالث، حين يكون الجيش هو الحاكم، فمعنى هذا الأمر حرمانهم من كل مواقع المسؤولية والنفوذ في البلد التي يقيمون فيها.
وللحقيقة أعترف أن من علمني فقه الحماية هذه هو زميل نصراني من أهل الكتاب وأحد ضباط الجيش السوري البارزين، إذ كنا في جلسة معاً فوجَّه هذا السؤال: هل ستأخذون الجزية منا إذا حكمتم بالإسلام؟
فقلت له: هذا هو حكم الله بالنسبة لأهل الكتاب، فكما يدفع المسلمون الزكاة مساهمة في ميزانية الدولة وأصنافها المستحقين الثمانية، فكذلك يدفع أهل الكتاب الجزية، ولأن الزكاة عبادة فلم يجبر الإسلام أهل الكتاب على هذه العبادة، وسمى المشاركة المالية لهم في ميزانية الدولة بالجزية.
قال دعني أقل لك بصراحة إنكم جبناء، ويقصد دعاة الإسلام، فاستغربت منه ذلك؛ فأردف: لم يكن هناك نظام أعدل من الإسلام وأسمى منه يوم فرض الجزية على أهل الكتاب.
سرني جوابه وقلت له: وأين أعجبتك عدالته؟
قال: الجهاد في الإسلام ليس للدفاع عن الوطن فحسب والدفاع عن الوطن جزء من مهماته إنما المهمة الرئيسية للجهاد في الإسلام هي نشر هذا الدين، وتبليغه للناس كافة، وتصور معي أن الإسلام قد فرض على أهل الكتاب أن يشاركوا في هذا الجيش، يسعوا في الأرض ليحاربوا أهل دينهم ويموتوا ويقتلوا لنشر غير دينهم، فكم هو ظلم وقهر واستعباد لهم يوم يُسخرون لذلك، فجاء الإسلام وأعفاهم من هذه المهمة العسيرة المجحفة بحقهم، وأخذ منهم الجزية مشاركة بسيطة بما لهم مقابل حمايتهم من إخوانهم المسلمين بأرواحهم ودمائهم، وأنتم الدعاة إلى الإسلام تأثرتم بتركيبة الجيش في هذا العصر، حيث أصبحت مهمات الجيوش الدفاع عن الوطن فقط، ولا علاقة لها بالدين من قريب أو بعيد، ورحتم تقيسون الحكم الشرعي الخالد على الوضع المستجد الطارئ.
وأدركت حقيقة ما فاتني من قبل وعلمنيه هذا الزميل الكتابي.
خلال أربعة عشر قرناً من التاريخ الإسلامي، كان الجهاد في سبيل الله ينطلق لتحرير الإنسان بنشر الإسلام في الأرض وتطبيق شريعته، وفي هذا القرن فقط، حصرت مهمة الجيوش، في دول الأرض بحماية الأوطان، والمحافظة على الحدود، ومنع العدو من الاقتراب منها.
وفي اللحظات الحرجة التي شعر فيها المسلمون أنهم عاجزون عن حماية أهل الذمة الذين عاهدوهم على ذلك، أعادوا الجزية لأصحابها، وطلبوا منهم أن يشاركوا في الدفاع عن الوطن أمام الهجوم الكاسح من العدو ن وكان هذا في العهد الراشدي.
( ولا تظنن أن شرط المنعة في الجزية إنما كان يقصد به مجرد تطييب نفوس أهل الذمة، وإسكان غيظهم، ولم يقع العمل قط، فإن من أمعن النظر في سير الصحابة، واطلع على مجاري أحوالهم عرف من غير شك أنهم لم يكتبوا عهداً ولا ذكروا شرطاً إلا عضوا عليه بالنواجذ، وأفرغوا الجهد في الوفاء بها، وكذلك فعلهم في الجزية التي يدور رحى الكلام عليها، فقد روى القاضي أبو يوسف في كتاب الخراج عن مكحول أنه لما رأى أهل الذمة وفاء المسلمين لهم وحسن السيرة فيهم، صاروا أشد على عدو المسلمين، وعيوناً للمسلمين على أعدائهم، فبعث أهل كل مدينة يخبرونهم بأن الروم قد جمعوا جمعاً لم يُر مثله فأتى رؤساء أهل كل مدينة الأمير الذي خلَّفه أبو عبيدة إلى أبي عبيدة يخبره بذلك، وتتابعت الأخبار على أبي عبيدة فاشتد ذلك عليه وعلى المسلمين، فكتب أبو عبيدة لكل والٍ ممن خلَّفه في المدن التي صالح أهلها يأمرهم أن يردوا عليهم ما جُبي منهم من الجزية والخراج، كتب إليهم أن يقولوا لهم إنما رددنا عليكم أموالكم لأنه قد بلغنا ما جمع لنا من الجموع، وإنكم قد اشترطتم علينا أن نمنعكم وأنا لا نقدر على ذلك، وقد رددنا عليكم ما أخذنا منكم ونحن لكم على الشرط وما كان بيننا وبينكم إن نصرنا الله عليهم، فلو كانوا هم لم يردوا علينا شيئاً وأخذوا كل شيء بقي حتى لا يدعوا شيئاً).
وقال العلامة البُلاذري في كتابه فتوح البلدان (بسنده) قال: بلغني أنه لما جمع هرقل للمسلمين الجموع وبلغ المسلمين إقبالهم إليهم لوقعة اليرموك، ردوا على أهل حمص ما كانوا أخذوا منهم من الخراج، قالوا: قد شغلنا عن نصرتكم والدفع عنكم فأنتم على أمركم)، فقال أهل حمص: لولايتكم وعدلكم أحب إلينا مما كنا فيه من الظلم والغشم، ولندفعن جند هرقل عن المدينة مع عاملكم، ونهض اليهود وقالوا: والتوراة لا يدخل عامل هرقل مدينة حمص إلا أن نغلب ونجهد، فأغلقوا الأبواب وحرسوها، وكذلك فعل أهل المدن التي صولحت من النصارى واليهود، وقالوا: إن ظهر الروم وأتباعهم على المسلمين صرنا على ما كنا عليه، وإلا فإنا على أمرنا ما بقي للمسلمين عدد.
وقال العلامة الأذري في كتابه فتوح الشام يذكر إقبال الروم على المسلمين ومسير أبي عبيدة من حمص: (فلما أراد أن يشخص دعا حبيب بن مسلمة فقال: اردد على القوم الذين كنا صالحناهم من أهل البلد ما كنا أخذنا منهم، فإنه لا ينبغي لنا إذ لا نمنعهم أن نأخذ منهم شيئاً، وقل لهم: نحن على ما كنا عليه فيما بيننا وبينكم من الصلح، ولن نرجع عنه إلا أن ترجعوا عنه، وإنما رددنا عليكم أموالكم لأنا كرهنا أن نأخذ أموالكم ولا نمنع بلادكم...
أما ما ادعينا من أن أهل الذمة إذا لم يشترطوا علينا المنعة أو شاركونا في الذب عن حريم المُلك لا يطالبون بالجزية أصلاً، فعمدتنا في ذلك أيضاً صنيع الصحابة، وطريق عملهم فإنهم أولى الناس بالتنبه لغرض الشارع وأحقهم بإدراك سر الشريعة، والروايات في ذلك وإن كانت جمّة نكتفي هنا بقدر يسير يغني عن كثير.
فمنها كتاب العهد الذي كتبه سويد بن مقرن أحد قواد عمر بن الخطاب لرزبان وأهل دهستان وهاك نصه: هذا كتاب من سويد بن مقرن.. ومن استعنا به منكم فله جزاؤه في معونته عوضاً عن جزائه...
ومنها الكتاب الذي كتبه عتبة بن فرقد أحد عمال عمر بن الخطاب وهذا نصه: هذا ما أعطى عتبة بن فرقد عامل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين أهل أذربيجان.. ومن حُشر منهم في سنه وُضع عنه جزاء تلك السنة...
ومنها العهد الذي كان بين سراقة عامل عمر بن الخطاب وبين شهر براز، كتب به سراقة إلى عمر فأجازه وحسنه وهاك نصه:
هذا ما أعطى سراقة بن عمرو عامل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين شهر براز وسكان أرمينية والأرمن من الأمان.
.. وعلى أرمينية والأبواب الطراء منهم والتناء منهم ومن حولهم فدخل معهم أن ينفروا لكل غارة، وينفذوا لك أمر ناب أو لم ينب رآه الوالي صلاحاً على أن يوضع الجزاء عمن أجاب إلى ذلك، ومن استغنى وقعد فعليه ما على أهل أذربيجان) ([95]).
إننا حين نقارن بين ما يعطيه الإسلام لأهل الذمة، وما تعطيه الحكومات الحديثة للأقليات، نجد الحقوق المعطاة لأهل الذمة أكبر، وللأقليات أقل، كما نجد الواجبات المفروضة على الأقليات أفدح من الواجبات المفروضة على أهل الذمة، ففي النظام الديمقراطي يستأثر حزب الأكثرية بالسلطة، ومواقع المسؤولية، وليس هذا الأمر في النظام الإسلامي، فـ (إن حق الأغلبية في أن تحكم مثلاً لا يخل بقاعدة المساواة بأي حال وهو الأساس الذي تقوم عليه الديمقراطيات الغربية، والأمريكيون يصوغون القضية في التعبير الشائع: حكم الأغلبية وحقوق الأقلية، بل إن العرق الأمريكي يذهب في قمة الديمقراطيات الغربية إلى اشتراط أن يكون الرئيس من فئة ذات مواصفات محددة، تعرف باسم (واسب)، وهي اختصار لمواصفات: أبيض وأنجلوا وسكسوني وبروتستانتي، وقيام الدولة على العقيدة يرتب نتيجة بديهية أخرى هي حق الدولة في أن تستخدم كوادرها على رأس الموقع ذات الصلة البعيدة والقريبة بتلك العقيدة، فضلاً عن حقها في أن تصون خصوصيات المؤمنين بعقيدتها عن طريق إدارة ومباشرة تلك الخصوصيات من خلال كوادرها المؤهلة للقيام بتلك المهام.
إن انتقال الرئاسة الأمريكية من حزب إلى حزب يقضي حسب العرف الأمريكي بأن يقدم حوالي ألفين من الموظفين الكبار في الإدارة السابقة استقالاتهم إلى الرئيس الجديد، حتى يتسنى له أن يعيد بناء إدارته الجديدة بأكبر قدر من التوافق والانسجام، وليس مفترضاً هنا أن موظف الحزب الذي تقلد الرئاسة أفضل من موظف الحزب الذي ترك الحكم، ولكن لأن الحزب الجديد يتبنى سياسة معينة، ومن حقه أن يعيد بناء الإدارة الأمريكية بالشكل الذي يخدم هذه السياسة)([96]).
فإذا كانت الصياغة الأمريكية لهذه القضية حكم الأغلبية وحقوق الأقلية، فهي في العرف الإسلامي حقوق الأغلبية والأقلية وواجباتهم، ورأينا في الفقرة السابقة مدى مساهمتهم ومشاركتهم في الحكم، ولا نبالغ إذا قلنا أن إعفاءهم من القتال في العرف الديمقراطي هو وضع ممتاز بالنسبة لهم يتمنى الكثيرون الوصول إليه، وعلية القوم في المجتمعات المعاصرة هم الذين يعفون من الخدمة الإلزامية في الجيش، وحين يختارون المشاركة فكما أفادت النصوص السابقة يُعفون من الجزية مقابل ذلك.
8- المعايشة طريق دخول الإسلام:
حين نقرأ تاريخ الفتوحات الإسلامية نذهل للنتائج الكبرى لسيادة الإسلام في هذه الأراضي المفتوحة، ففي كل قطر لا يتجاوز أعداد الجيوش الإسلامية عشرات الألوف على أبعد تقدير وهم بالنسبة لأهل الأرض نقطة في بحرهم، ومع ذلك، ومع مرور الزمن تحول هؤلاء الذميون إلى الإسلام وأصبحت الغالبية العظمى من المسلمين في هذه البلاد نتيجة التعامل الإسلامي، والعدل الإسلامي، والسلوك الإسلامي، أما المبدأ فلا إكراه في الدين.
وهذا هو الهدف الرئيسي من فكرة الجزية وأهل الذمة، في أن يُتاح من خلال التعامل والمعايشة الإسلامية التعرف على مبادئ هذا الدين وعظمته، فتفتح القلوب له.
والحادثة المشهورة أيام الخليفة عمر بن عبد العزيز تجلي هذا الأمر وتوضحه فقد (عزل عمر بن عبد العزيز الجراح بن عبد الله الحكمي عن إمرة خراسان بعد سنة وخمسة أشهر، وإنما عزله لأنه كان يأخذ الجزية ممن أسلم من الكفار، ويقول: إنما أنتم مسلمون فراراً منها فامتنعوا عن الإسلام وثبتوا على دينهم وأدوا الجزية، فكتب إليه عمر: إن الله إنما بعث محمداً صلى الله عليه وسلم داعياً ولم يبعثه جابياً، وعزله وولى بدله عبد الرحمن بن نعيم القشيري على الحرب وعبد الرحمن بن عبد الله على الخراج)([97]).
لقد أحس النصارى بنعمة الحياة في ظل الإسلام (ولما عرف رهبان القبط هذا الأمر من عمرو بن العاص وتيقنوه خرج عدد عظيم منهم من الأديرة التي كانوا قد اعتصموا بها خوفاً من الاضطهاد والعسف وساروا في نحو سبعين ألفاً كما يروي المقريزي كل منهم يحمل في يده عصا إلى عمرو، ويعلنون له الطاعة.. وكان عمرو بن العاص من جهة أخرى حريصاً على أن يعود البطريق بنيامين إلى رئاسته الدينية لما عرف من محبة القبط له وتعلقهم به لذلك أرسل عمرو إلى بنيامين كتاباً يقول فيه: أينما كان بطريق القبط بنيامين نعده بالحماية والأمان وعهد الله فليأت البطريق إلى هنا في أمان واطمئنان ليلي أمر ديانته، ويرعى أهل ملته... ولم يلبث عهد الأمان الذي كتبه عمرو أن بلغ البطريق بينامين فعاد من مخبئه ودخل الاسكندرية دخول الظافرين، وفرح الناس برجوعه فرحاً عظمياً بعد غياب بلغت مدته ثلاثة عشر عاماً، ومن هذه المدة عشر سنين وقع فيها الاضطهاد الأكبر للقبط على يد قيرس والثلاث الباقية في مدة حكم المسلمين.. وأخذ بنيامين يقول لأتباعه: عدت إلى بلدي الاسكندرية، فوجدت بها أمناً من الخوف واطمئناناً بعد البلاء، وقد صرف الله عنا اضطهاد الكفرة وبأسهم... وكان من أمر هذه الحرية الدينية التي أطلق عقالها عمرو بن العاص أن أقبل كثيرون من عقلاء الروم والمصريون والأقباط على النظر في المذاهب المختلفة، ثم انتهى أكثر هؤلاء إلى قبول الإسلام والدخول فيه)([98]).
وذكر الطبري بسنده قوله: (قال الديلم ورؤساء أهل المسالح الذين استجابوا للمسلمين وقاتلوا معهم على غير الإسلام إخواننا الذين دخلوا في هذا الأمن من أول الشأن أصوب منا وأخير، ولا والله لا يفلح فارس بعد رستم إلا من دخل في هذا الأمر منهم فأسلموا) ([99]).
بنو تغلب حين رفضوا الجزية: روى البُلاذري عن السفاح الشيباني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يأخذ الجزية من نصارى بني تغلب فانطلقوا هاربين، ولحقت طائفة منهم ببعدٍ من الأرض، فقال النعمان بن زرعة: أنشدك الله في تغلب فإنهم قوم من العرب نائفون من الجزية، وهم قوم شديدة نكايتهم، فلا يغْنَ عدوك عليك بهم، فأرسل عمر في طلبهم، فردَّهم وأضعف عليه الصدقة، وفي رواية مخنف وابن الحكم قالا: كتب عمير ابن سعد إلى عمر بن الخطاب يعلمه أن أتى شق الفرات الشامي ففتح عانات وسائر حصون الفرات وأنه أراد من هناك من بني تغلب الإسلام فأبوه وهموا باللحاق في أرض الروم، وقبلهم ما أراد من في الشق الشرقي على ذلك وامتنعوا منه وسألوه أن يأذن لهم في الجلاء واستطلع رأيه فيهم، فكتب إليه عمر رضي الله عنه بأمره أن يضعف عليهم الصدقة التي تُؤخذ من المسلمين في كل سائمة وأرض، وإن أبوا ذلك حاربهم حتى يبيدهم أو يسلموا، فقبلوا أن يؤخذ منهم ضعف الصدقة وقالوا: أما إذا لم تكن جزية كجزية الأعلاج فإنا نرضى ونحفظ ديننا)([100]).
وحين أصبحت شارة للذل ورفضها العرب الذين يأنفون من الجزية يعتبرونها على الأعاجم، فضاعف عليهم الصدقة وغيَّر المُسمى.
9- أهل الذمة في العهدين الأموي والعباسي:
وبقي أهل الذمة في الحضن الإسلامي العظيم طيلة العهدين الأموي والعباسي في أعلى مستويات التكريم (عندما لاحظ آدم ميتز كثرة العمال والمتصرفين غير المسلمين في الدولة الإسلامية في عصورها المبكرة كان تعليقه هو: كأن النصارى هم الذين يحكمون المسلمين في بلاد الشام.
ففي العهد الأموي أسند معاوية بن أبي سفيان الإدارة المالية في الدولة لأسرة مسيحية توارث أبناؤها الوظائف لمدة قرن من الزمان بعد الفتح الإسلامي، ومن أفرادها القديس والمؤرخ يوحنا الدمشقي المعاصر لمعاوية وولده يزيد، كما أسند معاوية إلى طبيبه ابن آثال جباية خراج حمص وهي وظيفة مالية لم يسبق لنصراني قبله أن وصل إليها، وكان سرجون كاتباً مسيحياً لمعاوية.
وكان عبد الملك بن مروان قد اختار عالماً مسيحياً من مدينة الرها يدعى أثناسيوس مؤدباً لأخيه عبد العزيز ورافق أثانيوس هذا تلميذه إلى مصر عندما عين والياً عليها، وهناك جمع ثروة طائلة.. وبلغ مرتبة الرئاسة في دواوين الاسكندرية، وكان يُنعت بالمكاتبات بالكاتب الأفخم) وكان بديوانه عشرون كاتباً، ثم زادو إلى أربعة وأربعين حتى شغل أثانيوس منصب متولي الخراج عند الخليفة عبد العزيز.
وكان في خدمة الخليفة المعتصم أخوان مسيحيان بلغا منزلة سامية عند أمير المؤمنين، أحدهما يُدعى سلمويه، ويظهر أنه كان يشغل منصب قريب أشبه ما يكون من منصب الوزير في العصر الحديث، وكانت الوثائق الملكية لا تتخذ صفة التنفيذ إلا بعد توقيعه عليها، على حين عهد إلى أخيه إبراهيم بحفظ خاتم الخليفة كما عهد إليه بخزانة بيوت الأموال في البلاد، وفي عهد المعتضد كان والي الأنبار مسيحياً، وعَهِد الموفق وكان صاحب السلطان المطلق في عهد أخيه المعتضد بأمر تنظيم الجيش إلى مسيحي ويُدعى إسرائيل، كذلك كان نصر بن هارون مسيحياً، وكان كبير وزراء عضد الدولة البويهي الذي حكم العراق، وقد ظلت دواوين الحكومة وخاصة ديوان الخراج فترة طويلة مكتظة بالمسيحيين والفرس، وظلت الحال في مصر على هذا النحو حتى زمن متأخر جداً حيث كان السواد الأعظم من المسيحيين يحتكرون أمثال هذه المناصب احتكاراً يكاد يكون تاماً.
وللإنصاف نقول: إن الأمور لم تسر دائماً على هذا النحو، فلم تخل رِحل التاريخ الإسلامي عبر قرونها الطويلة من صفحات ليست بنفس القدر من الصفاء والنصاعة، وفي هذا الصدد يذكر – توماس أرنولد – أنه كان تفرض أحياناً بعض الحالات التي تضايق الأهالي من غير المسلمين (أو أهل الذمة).. وهذه تتنافى مع الروح العامة التي ظهر بها الحكم الإسلام.. على أن الفترة الواقعة بين خلافة السفاح وحتى نهاية عصر المعتصم تُعتبر من العهود الزاهرة في تاريخ أهل الذمة، لما لقيه أهل الذمة من تسامح في ممارسة شعائرهم، وفي مساواتهم بالمسلمين في الوظائف العامة، فكانت طوائف الموظفين الرسميين تضم مئات من المسيحيين، وقد بلغ عدد الذين رُقّْوا إلى مناصب الدولة العليا من الكثرة لدرجة أثارت شكوك المسلمين، وفي الوقت ذاته كانت الجامعات والمعاهد الإسلامية مفتوحة على مصاريعها لأهل الذمة حتى تتلمذوا على أيدي فقهاء وعلماء مسلمين مثل حنين بن إسحاق ويحي بن عدي...) ([101]).
10- شهادتان من خصوم الإسلام:
يشهد العالم الألماني الشهير آدم ميتز أن صار أكبر فرق بين الإمبراطورية الإسلامية وبين أوربا التي كانت كلها على المسيحية في العصور الوسطى يتمثل في وجود عدد هائل من أهل الديانات الأخرى بين المسلمين ويضيف قائلاً: إن أهل الذمة استندوا إلى ما كان بينهم وبين المسلمين من عهود، وما منحوه من حقوق، فلم يرضوا بالاندماج في المسلمين، وقد حرض اليهود والنصارى على أن تظل (دار الإسلام) دائماً غير تامة التكوين، حتى أن المسلمين ظلوا دائماً يعدون في البلاد المفتوحة أجانب منتصرون لا أهل وطن، وليس أدَّل على ذلك الاستقلال المبني على الاحترام من أن قبط مصر مثلاً لم يستخدموا اللغة العربية إلا في أواخر القرن الرابع الهجري أي أنهم ظلوا خلال 350 عام بعد الفتح الإسلامي يتكلمون اللغة القبطية، ويذهب مبتز إلى أن النصارى بين المسلمين كان سبباً لظهور التسامح الذي ينادي بها المصلحون المحدثون، وكانت الحاجة إلى المعيشة المشتركة وما ينبغي أن يكون فيها من وفاق نوعاً من التسامح الذي لم يكن معروفاً في أوربا في العصور الوسطى، ومظهر هذا التسامح نشوء علم مقارنة الأديان، أي دراسة المِلل والنِحل على اختلافها، والإقبال على هذا العلم بشغف عظيم) ([102]).
غير أن ما ينبغي أن يستوقفنا في هذا السياق هو تلك الشهادة التي سجلها الأستاذ أدمون رباط في بحثه الهام: " المسيحيون في الشرق قبل الإسلام " وفيها يقول للمرة الأولى في التاريخ انطلقت دولة هي دينية في مبدئها، ودينية في سبب وجودها، ودينية في هدفها ألا وهو نشر الإسلام عن طريق الجهاد بأشكاله المختلفة من عسكرية وتبشيرية إلى الإقرار في الوقت ذاته بأن من حق الشعوب الخاضعة لسلطانها أن تحافظ على معتقداتها وتقاليدها وطراز حياتها وذلك في زمن كان يقضي الزمن السائد بإكراه الرعايا على اعتناق دين ملوكهم، بل حتى على الانتماء على الشكل الخاص الذي يرتضيه هذا الدين، كما كان الأمر عليه في المملكتين العظيمتين اللتين كان يتألف منهما العالم القديم، وهو القاعدة السياسية المعروفة بصيغتها اللاتينية... أي لكل مملكة دينها مما يؤدي لأن يصبح الشعب على دين الملك.
هذه القاعدة التي لم تندثر في البلاد الغربية إلا بفض الثورة الأمريكية والثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر، وكان لا بد إذن لهذه السياسية الإسلامية المنحدرة من القرآن من أن تسفر عنها نتيجتان حاسمتان ما لبثت آثارهما ماثلة في الشعوب العربية وهما بقيام الطوائف المسيحية على أساس النظام الطائفي من جهة، ودخول سكان الأقطار التي فتحها العرب في دين الإسلام من جهة أخرى.
فتلك الجماهير الكثيفة التي تشكل أغلبية أهالي سورية ومصر والعراق إنها كانت تدين بالمسيحية، وقد اعتنقت الإسلام بأفواج متلاحقة منذ القرن الأول للهجرة بملء حريتها، في حين أن من بقي من هؤلاء النصارى موزعين إلى طوائفهم المعروفة بتسمياتها المختلفة، إنما هم شهود عدل عبر التاريخ ليس على سماحة الإسلام، وهو تعبير لا يفي بالواقع لأن وجودهم كأهل ذمة في الماضي إنما كان مبنياً على قاعدة شرعية وليس على شعور من طبيعته أن يتضاعف أو يضعف، وإنما على إنسانية هذا الدين العربي الذي جاء به القرآن، وهو الدين الذي أقر لغير المسلمين ليس فقط بحقوقهم الفردية والجماعية الكاملة بل أيضاً بالمواطنية الشاملة في عصرنا الحاضر الذي زال فيه نظام الذمة لكي يحل محله نظام الحريات العامة المنطوية لزاماَ على مبدأ المساواة التامة في المواطنية.
11- أهل الكتاب في ظل الدولة العثمانية:
ويروي الأمير شكيب أرسلان في مقال بعنوان: التعصب الأوربي أم التعصب الإسلامي، أن أحد الوزراء العثمانيين كان مرة في أحد المجالس في جدال مع بعض رجال دولة أوربة فيما يتعلق بهذا الموضوع، فقال لهم الوزير العثماني: إننا نحن المسلمين من ترك وعرب وغيرهم مهما بلغنا التعصب في الدين فلا يصل إلى درجة استئصال شأفة أعدائنا، ولو كنا قادرين على استئصالهم، ولقد مرت بنا قرون وأدوار كنا قادرين على أن لا نبقي بين أظهرنا إلا من أقر بالشهادتين، وأن نجعل بلداننا كلها صاغية للإسلام، فما هاجس في ضمائرنا خاطر كهذا الخاطر أصلاً، وكان إذا خطر هذا ببال أحد من ملوكنا كما وقع للسلطان سليم الأول العثماني تقوم في وجهة الملة، ويجأجئه مثل زنبيلي أفندي شيخ الإسلام ويقول بلا محاباة: ليس على اليهود والنصارى إلا الجزية وليس لك أن تزعجهم عن أوطانهم فيرجع السلطان عن عزمه امتثالاً للشرع الشريف، فبقي بين أظهرنا حتى أبعد القرى وأصغرها نصارى ويهود وصابئة ومجوس وسامرة، وكلهم كانوا وافرين لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، أما أنتم معاشر الأوربيين فلم تطيقوا أن يبقى بين أظهركم مسلم واحد، واشترطتم عليه إذا أراد البقاء بينكم أن يتنصر، ولقد كان في إسبانيا ملايين من المسلمين، وكان في جنوبي فرنسا، وفي شمالي إيطاليا وجنوبها مئات ألوف منهم، ولبثوا في هاتيك الأوطان أعصراً مديدة وما زلتم تستأصلون منهم حتى لم يبق في جميع هذه البلدان شخص واحد يدين بالإسلام، ولقد طفت بلاد إسبانيا كلها فلم أعثر فيها على قبر واحد يُعرف أنه قبر مسلم)([103]).
12- شبهات حول أهل الذمة:
ومع كل ما ذكرناه فلا تزال الشبهات تثار حول أهل الذمة في التاريخ الإسلامي بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، وأنهم محرومون من المشاركة في الدفاع عن أوطانهم، ومحرومون من المشاركة في الحياة السياسية ويُنظر لهم بازدراء من المسلمين، وتقوم المحاولات لتذويبهم والقضاء عليهم وقتلهم إن لم يدخلوا في الإسلام إلى آخر هذه الأباطيل التي فندنا معظمها في بحثنا الآنف الذكر.
ومع هذا فيمكن تقديم الإجابة التالية على هذه النقاط:
1- أما إنهم مواطنون من الدرجة الثانية فهذا لا أساس له لأن حقوقهم في بلدهم ووطنهم مثل حقوق المسلمين سواءً بسواء، وإن كان هناك بعض التمييز فمرده إلى فكرة الأقلية والأكثرية لا إلى شيء آخر، وهذا المبدأ هو الذي تقوم الديمقراطية على أساسه اليوم.
2- وأما حرمانهم من المشاركة في الدفاع عن أوطانهم، فمرتبط بمهمة الجيش في الدولة الإسلامية الذي يقوم على نشر العقيدة الإسلامية إضافة إلى حماية حدود الدولة، وحين يكون الدفاع عن الوطن هو مهمة الجيش فقط فهم شركاء في ذلك، ويأخذون حقهم بنسبتهم العددية في مجتمعهم وأمتهم.
3- وأما حرمانهم من المشاركة في الحياة السياسية، فهذا لا أصل له، لأن الأمر الوحيد الذي لا يملكونه هو الرئاسة الأولى في الدولة ووزارة التفويض في دولة تحكم بشريعة الإسلام، وهذا مرهون بدينهم المغاير من جهة وبنسبتهم العددية من خلال الأقلية والأكثرية في مجتمعاتهم ودولهم وأوطانهم.
4- وأما محاولة إذابتهم أو تهديدهم في أمنهم أو إجبارهم على الإسلام فهذا لا أصل له لأن الإسلام لو كان يريد لهم ذلك لما سمح بالتعايش الكامل معهم وهم لا يزالون منذ أربعة عشر قرناً يعيشون بجوار المسلمين.
5- فالإسلام لا يحمل مسؤولية الفهوم الخاطئة له أو التطبيق السيء له، كما لا نحمل غير المسلمين الممارسات الحاقدة من أبناء دينهم والتصرفات التي تسعى لإزالة الإسلام من الوجود من إخوانهم في دينهم.
6- ونتمنى نحن اليوم أن يكون للأقليات الإسلامية في دول الغرب الديمقراطية والنصرانية ما كان لأهل الذمة من حقوق في ظل الدولة الإسلامية، والممارسات التي نشهدها اليوم في أوربا من منع الحجاب للمسلمات، ومن منع تعدد الزوجات، وغير ذلك من أحكام الإسلام التي يحكمها القانون المدني والجزائي ولو خالف عقائد المسلمين وشرائعهم، ولا نتحدث عن الدول الدكتاتورية التي أرادت محو الإسلام من الأرض في الماضي والحاضر، فتلك الطواغيت لها شأن آخر، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
13- ملخص البحث:
نخلص بعد هذا العرض إلى النتائج التالية:
1- عندما أصبح للإسلام دولة انطلقت لتفتح البلدان، نشأ تعبير أهل الذمة كما في وصية مؤتة.
2- وحين يكون للإسلام دولة تملك أن تجاهد في الأرض لتنشر دين الله، يقوم هذا الحكم من جديد، فالحديث عن جانب تاريخي.
3- عندما أنزل الله تعالى قتال أهل الكتاب في السنة التاسعة للهجرة، نصَّت الآية على الجزية ولم تنص على فرض الإسلام.
4- يريد الإسلام من القوى المحاربة للإله أن تستلم، وتزيل العوائق بين خلق الله ودين الله حتى يتبين الرشد من الغي.
5- كان اليهود هم أول من نعموا في الأرض بظل عدالة الإسلام بعد فتح خيبر، واعترفوا أن هذا العدل به قامت السماوات والأرض.
6- أول ما يحرص عليه الإسلام حين يحكم الأمم بعد إقامة العدل فيها هو أن تنعم بالأمن على حريتها وعقيدتها وما لها.
7- وتم هذا الأمن والعدل لليهود في شمالي الجزيرة وفي جنوبها في نجران مع النص الصريح على حرية العقدية بعد العدل والأمن.
8- كما نصت العهود النبوية على حق المعاهدين في أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم ولا تتدخل الدولة الإسلامية بشؤونهم.
9- ونصت على حمايتهم من العدوان الخارجي مثل ما يحمي المسلمون مقدساتهم وأعراضهم، كذلك تحمي بيعهم وكنائسهم.
10- وسار المؤمنون في العهد الراشدي على النهج النبوي تماماً في تعاملهم مع الأمم كلها في الشام والعراق ومصر وفارس وفلسطين.
11- ووثيقة عهد دمشق والقدس والأردن ومصر وفارس والشرق الإسلامي، كله ابتداءً من العراق وما بعدها تؤكد ذلك.
12- المبادئ السبعة التي تمثل نهج الإسلام مع أهل الذمة هي: البر، العدل، الأمن، الحماية، الحرية، الحكم الذاتي، المشاركة في الحكم.
13- حق أهل الذمة في المشاركة في الحكم وفي وزارات التنفيذ ثابت في الفقه الإسلامي، وشروطه الأمانة والخبرة والكفاءة.
14- حق الحماية مرتبط بالجزية وفقهه أن لا يفرض على أهل الذمة القتال لنشر دين غير دينهم فيتكفل المسلمون بحمايته.
15- وحين تسقط إمكانية الحماية تسقط الجزية كما فعل أمين الأمة أبو عبيدة مع كل من خاف من العجز عن حمايتهم بأن أعاد لهم جزيتهم.
16- وتنص بعض الوثائق والعهود على ذلك، فمن شارك في الدفاع عن وطنه سقطت عنه جزيته بهذه المشاركة.
17- هدف الإسلام من هذه المعايشة، أن تتعرف الأمم على الإسلام نظرياً وعملياً، وهذا الذي أدخل الناس بالإسلام.
18- حين فُهمت الجزية على أنها الإذلال والإهانة غيَّرها أمير عمر بمضاعفتها وتسميتها الصدقة وأخذها من بني تغلب.
19- في ظل الحكم الإسلامي القوي، بقي أهل الذمة على امتيازاتهم كاملة، وشاركوا في الحكم في جميع عهود الدولة المسلمة.
20- شهادة آدم ميتز وأدمون رباط النصرانيين أكدتا أن التعامل الإسلامي هو أساس حقوق المواطنة في العصر الحديث.
21- وفي ظل الدولة العثمانية عادت الامتيازات كاملة لأهل الذمة، بينما كانت فلسفة النصارى استئصال غيرهم من الأرض وخاصة المسلمين.
22- ولا تزال الشبهات حول أهل الذمة قائمة، مع أن الإسلام والواقع الإسلامي يفند هذه الشبهات، ويحلم المسلمون في ظل الديمقراطيات بأن يصلوا ما لأهل الذمة من حقوق في ظل الدولة الإسلامية.
هذه القضية من القضايا الشائكة التي اختلطت فيها الأنظار، فإذا اعتبر الإسلام إعفاء أهل الذمة من الدفاع عن وطنهم وأوكل هذا الأمر للمسلمين، ميزة يقدمها لهم مقابل الجزية البسيطة التي يأخذها منهم، فإن الكثير منهم يعتبرون هذا الأمر إهانة لهم، وتجريداً لهم من حق المشاركة في الجيش والدفاع عن الوطن وفي عالمنا الثالث، حين يكون الجيش هو الحاكم، فمعنى هذا الأمر حرمانهم من كل مواقع المسؤولية والنفوذ في البلد التي يقيمون فيها.
وللحقيقة أعترف أن من علمني فقه الحماية هذه هو زميل نصراني من أهل الكتاب وأحد ضباط الجيش السوري البارزين، إذ كنا في جلسة معاً فوجَّه هذا السؤال: هل ستأخذون الجزية منا إذا حكمتم بالإسلام؟
فقلت له: هذا هو حكم الله بالنسبة لأهل الكتاب، فكما يدفع المسلمون الزكاة مساهمة في ميزانية الدولة وأصنافها المستحقين الثمانية، فكذلك يدفع أهل الكتاب الجزية، ولأن الزكاة عبادة فلم يجبر الإسلام أهل الكتاب على هذه العبادة، وسمى المشاركة المالية لهم في ميزانية الدولة بالجزية.
قال دعني أقل لك بصراحة إنكم جبناء، ويقصد دعاة الإسلام، فاستغربت منه ذلك؛ فأردف: لم يكن هناك نظام أعدل من الإسلام وأسمى منه يوم فرض الجزية على أهل الكتاب.
سرني جوابه وقلت له: وأين أعجبتك عدالته؟
قال: الجهاد في الإسلام ليس للدفاع عن الوطن فحسب والدفاع عن الوطن جزء من مهماته إنما المهمة الرئيسية للجهاد في الإسلام هي نشر هذا الدين، وتبليغه للناس كافة، وتصور معي أن الإسلام قد فرض على أهل الكتاب أن يشاركوا في هذا الجيش، يسعوا في الأرض ليحاربوا أهل دينهم ويموتوا ويقتلوا لنشر غير دينهم، فكم هو ظلم وقهر واستعباد لهم يوم يُسخرون لذلك، فجاء الإسلام وأعفاهم من هذه المهمة العسيرة المجحفة بحقهم، وأخذ منهم الجزية مشاركة بسيطة بما لهم مقابل حمايتهم من إخوانهم المسلمين بأرواحهم ودمائهم، وأنتم الدعاة إلى الإسلام تأثرتم بتركيبة الجيش في هذا العصر، حيث أصبحت مهمات الجيوش الدفاع عن الوطن فقط، ولا علاقة لها بالدين من قريب أو بعيد، ورحتم تقيسون الحكم الشرعي الخالد على الوضع المستجد الطارئ.
وأدركت حقيقة ما فاتني من قبل وعلمنيه هذا الزميل الكتابي.
خلال أربعة عشر قرناً من التاريخ الإسلامي، كان الجهاد في سبيل الله ينطلق لتحرير الإنسان بنشر الإسلام في الأرض وتطبيق شريعته، وفي هذا القرن فقط، حصرت مهمة الجيوش، في دول الأرض بحماية الأوطان، والمحافظة على الحدود، ومنع العدو من الاقتراب منها.
وفي اللحظات الحرجة التي شعر فيها المسلمون أنهم عاجزون عن حماية أهل الذمة الذين عاهدوهم على ذلك، أعادوا الجزية لأصحابها، وطلبوا منهم أن يشاركوا في الدفاع عن الوطن أمام الهجوم الكاسح من العدو ن وكان هذا في العهد الراشدي.
( ولا تظنن أن شرط المنعة في الجزية إنما كان يقصد به مجرد تطييب نفوس أهل الذمة، وإسكان غيظهم، ولم يقع العمل قط، فإن من أمعن النظر في سير الصحابة، واطلع على مجاري أحوالهم عرف من غير شك أنهم لم يكتبوا عهداً ولا ذكروا شرطاً إلا عضوا عليه بالنواجذ، وأفرغوا الجهد في الوفاء بها، وكذلك فعلهم في الجزية التي يدور رحى الكلام عليها، فقد روى القاضي أبو يوسف في كتاب الخراج عن مكحول أنه لما رأى أهل الذمة وفاء المسلمين لهم وحسن السيرة فيهم، صاروا أشد على عدو المسلمين، وعيوناً للمسلمين على أعدائهم، فبعث أهل كل مدينة يخبرونهم بأن الروم قد جمعوا جمعاً لم يُر مثله فأتى رؤساء أهل كل مدينة الأمير الذي خلَّفه أبو عبيدة إلى أبي عبيدة يخبره بذلك، وتتابعت الأخبار على أبي عبيدة فاشتد ذلك عليه وعلى المسلمين، فكتب أبو عبيدة لكل والٍ ممن خلَّفه في المدن التي صالح أهلها يأمرهم أن يردوا عليهم ما جُبي منهم من الجزية والخراج، كتب إليهم أن يقولوا لهم إنما رددنا عليكم أموالكم لأنه قد بلغنا ما جمع لنا من الجموع، وإنكم قد اشترطتم علينا أن نمنعكم وأنا لا نقدر على ذلك، وقد رددنا عليكم ما أخذنا منكم ونحن لكم على الشرط وما كان بيننا وبينكم إن نصرنا الله عليهم، فلو كانوا هم لم يردوا علينا شيئاً وأخذوا كل شيء بقي حتى لا يدعوا شيئاً).
وقال العلامة البُلاذري في كتابه فتوح البلدان (بسنده) قال: بلغني أنه لما جمع هرقل للمسلمين الجموع وبلغ المسلمين إقبالهم إليهم لوقعة اليرموك، ردوا على أهل حمص ما كانوا أخذوا منهم من الخراج، قالوا: قد شغلنا عن نصرتكم والدفع عنكم فأنتم على أمركم)، فقال أهل حمص: لولايتكم وعدلكم أحب إلينا مما كنا فيه من الظلم والغشم، ولندفعن جند هرقل عن المدينة مع عاملكم، ونهض اليهود وقالوا: والتوراة لا يدخل عامل هرقل مدينة حمص إلا أن نغلب ونجهد، فأغلقوا الأبواب وحرسوها، وكذلك فعل أهل المدن التي صولحت من النصارى واليهود، وقالوا: إن ظهر الروم وأتباعهم على المسلمين صرنا على ما كنا عليه، وإلا فإنا على أمرنا ما بقي للمسلمين عدد.
وقال العلامة الأذري في كتابه فتوح الشام يذكر إقبال الروم على المسلمين ومسير أبي عبيدة من حمص: (فلما أراد أن يشخص دعا حبيب بن مسلمة فقال: اردد على القوم الذين كنا صالحناهم من أهل البلد ما كنا أخذنا منهم، فإنه لا ينبغي لنا إذ لا نمنعهم أن نأخذ منهم شيئاً، وقل لهم: نحن على ما كنا عليه فيما بيننا وبينكم من الصلح، ولن نرجع عنه إلا أن ترجعوا عنه، وإنما رددنا عليكم أموالكم لأنا كرهنا أن نأخذ أموالكم ولا نمنع بلادكم...
أما ما ادعينا من أن أهل الذمة إذا لم يشترطوا علينا المنعة أو شاركونا في الذب عن حريم المُلك لا يطالبون بالجزية أصلاً، فعمدتنا في ذلك أيضاً صنيع الصحابة، وطريق عملهم فإنهم أولى الناس بالتنبه لغرض الشارع وأحقهم بإدراك سر الشريعة، والروايات في ذلك وإن كانت جمّة نكتفي هنا بقدر يسير يغني عن كثير.
فمنها كتاب العهد الذي كتبه سويد بن مقرن أحد قواد عمر بن الخطاب لرزبان وأهل دهستان وهاك نصه: هذا كتاب من سويد بن مقرن.. ومن استعنا به منكم فله جزاؤه في معونته عوضاً عن جزائه...
ومنها الكتاب الذي كتبه عتبة بن فرقد أحد عمال عمر بن الخطاب وهذا نصه: هذا ما أعطى عتبة بن فرقد عامل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين أهل أذربيجان.. ومن حُشر منهم في سنه وُضع عنه جزاء تلك السنة...
ومنها العهد الذي كان بين سراقة عامل عمر بن الخطاب وبين شهر براز، كتب به سراقة إلى عمر فأجازه وحسنه وهاك نصه:
هذا ما أعطى سراقة بن عمرو عامل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين شهر براز وسكان أرمينية والأرمن من الأمان.
.. وعلى أرمينية والأبواب الطراء منهم والتناء منهم ومن حولهم فدخل معهم أن ينفروا لكل غارة، وينفذوا لك أمر ناب أو لم ينب رآه الوالي صلاحاً على أن يوضع الجزاء عمن أجاب إلى ذلك، ومن استغنى وقعد فعليه ما على أهل أذربيجان) ([95]).
إننا حين نقارن بين ما يعطيه الإسلام لأهل الذمة، وما تعطيه الحكومات الحديثة للأقليات، نجد الحقوق المعطاة لأهل الذمة أكبر، وللأقليات أقل، كما نجد الواجبات المفروضة على الأقليات أفدح من الواجبات المفروضة على أهل الذمة، ففي النظام الديمقراطي يستأثر حزب الأكثرية بالسلطة، ومواقع المسؤولية، وليس هذا الأمر في النظام الإسلامي، فـ (إن حق الأغلبية في أن تحكم مثلاً لا يخل بقاعدة المساواة بأي حال وهو الأساس الذي تقوم عليه الديمقراطيات الغربية، والأمريكيون يصوغون القضية في التعبير الشائع: حكم الأغلبية وحقوق الأقلية، بل إن العرق الأمريكي يذهب في قمة الديمقراطيات الغربية إلى اشتراط أن يكون الرئيس من فئة ذات مواصفات محددة، تعرف باسم (واسب)، وهي اختصار لمواصفات: أبيض وأنجلوا وسكسوني وبروتستانتي، وقيام الدولة على العقيدة يرتب نتيجة بديهية أخرى هي حق الدولة في أن تستخدم كوادرها على رأس الموقع ذات الصلة البعيدة والقريبة بتلك العقيدة، فضلاً عن حقها في أن تصون خصوصيات المؤمنين بعقيدتها عن طريق إدارة ومباشرة تلك الخصوصيات من خلال كوادرها المؤهلة للقيام بتلك المهام.
إن انتقال الرئاسة الأمريكية من حزب إلى حزب يقضي حسب العرف الأمريكي بأن يقدم حوالي ألفين من الموظفين الكبار في الإدارة السابقة استقالاتهم إلى الرئيس الجديد، حتى يتسنى له أن يعيد بناء إدارته الجديدة بأكبر قدر من التوافق والانسجام، وليس مفترضاً هنا أن موظف الحزب الذي تقلد الرئاسة أفضل من موظف الحزب الذي ترك الحكم، ولكن لأن الحزب الجديد يتبنى سياسة معينة، ومن حقه أن يعيد بناء الإدارة الأمريكية بالشكل الذي يخدم هذه السياسة)([96]).
فإذا كانت الصياغة الأمريكية لهذه القضية حكم الأغلبية وحقوق الأقلية، فهي في العرف الإسلامي حقوق الأغلبية والأقلية وواجباتهم، ورأينا في الفقرة السابقة مدى مساهمتهم ومشاركتهم في الحكم، ولا نبالغ إذا قلنا أن إعفاءهم من القتال في العرف الديمقراطي هو وضع ممتاز بالنسبة لهم يتمنى الكثيرون الوصول إليه، وعلية القوم في المجتمعات المعاصرة هم الذين يعفون من الخدمة الإلزامية في الجيش، وحين يختارون المشاركة فكما أفادت النصوص السابقة يُعفون من الجزية مقابل ذلك.
8- المعايشة طريق دخول الإسلام:
حين نقرأ تاريخ الفتوحات الإسلامية نذهل للنتائج الكبرى لسيادة الإسلام في هذه الأراضي المفتوحة، ففي كل قطر لا يتجاوز أعداد الجيوش الإسلامية عشرات الألوف على أبعد تقدير وهم بالنسبة لأهل الأرض نقطة في بحرهم، ومع ذلك، ومع مرور الزمن تحول هؤلاء الذميون إلى الإسلام وأصبحت الغالبية العظمى من المسلمين في هذه البلاد نتيجة التعامل الإسلامي، والعدل الإسلامي، والسلوك الإسلامي، أما المبدأ فلا إكراه في الدين.
وهذا هو الهدف الرئيسي من فكرة الجزية وأهل الذمة، في أن يُتاح من خلال التعامل والمعايشة الإسلامية التعرف على مبادئ هذا الدين وعظمته، فتفتح القلوب له.
والحادثة المشهورة أيام الخليفة عمر بن عبد العزيز تجلي هذا الأمر وتوضحه فقد (عزل عمر بن عبد العزيز الجراح بن عبد الله الحكمي عن إمرة خراسان بعد سنة وخمسة أشهر، وإنما عزله لأنه كان يأخذ الجزية ممن أسلم من الكفار، ويقول: إنما أنتم مسلمون فراراً منها فامتنعوا عن الإسلام وثبتوا على دينهم وأدوا الجزية، فكتب إليه عمر: إن الله إنما بعث محمداً صلى الله عليه وسلم داعياً ولم يبعثه جابياً، وعزله وولى بدله عبد الرحمن بن نعيم القشيري على الحرب وعبد الرحمن بن عبد الله على الخراج)([97]).
لقد أحس النصارى بنعمة الحياة في ظل الإسلام (ولما عرف رهبان القبط هذا الأمر من عمرو بن العاص وتيقنوه خرج عدد عظيم منهم من الأديرة التي كانوا قد اعتصموا بها خوفاً من الاضطهاد والعسف وساروا في نحو سبعين ألفاً كما يروي المقريزي كل منهم يحمل في يده عصا إلى عمرو، ويعلنون له الطاعة.. وكان عمرو بن العاص من جهة أخرى حريصاً على أن يعود البطريق بنيامين إلى رئاسته الدينية لما عرف من محبة القبط له وتعلقهم به لذلك أرسل عمرو إلى بنيامين كتاباً يقول فيه: أينما كان بطريق القبط بنيامين نعده بالحماية والأمان وعهد الله فليأت البطريق إلى هنا في أمان واطمئنان ليلي أمر ديانته، ويرعى أهل ملته... ولم يلبث عهد الأمان الذي كتبه عمرو أن بلغ البطريق بينامين فعاد من مخبئه ودخل الاسكندرية دخول الظافرين، وفرح الناس برجوعه فرحاً عظمياً بعد غياب بلغت مدته ثلاثة عشر عاماً، ومن هذه المدة عشر سنين وقع فيها الاضطهاد الأكبر للقبط على يد قيرس والثلاث الباقية في مدة حكم المسلمين.. وأخذ بنيامين يقول لأتباعه: عدت إلى بلدي الاسكندرية، فوجدت بها أمناً من الخوف واطمئناناً بعد البلاء، وقد صرف الله عنا اضطهاد الكفرة وبأسهم... وكان من أمر هذه الحرية الدينية التي أطلق عقالها عمرو بن العاص أن أقبل كثيرون من عقلاء الروم والمصريون والأقباط على النظر في المذاهب المختلفة، ثم انتهى أكثر هؤلاء إلى قبول الإسلام والدخول فيه)([98]).
وذكر الطبري بسنده قوله: (قال الديلم ورؤساء أهل المسالح الذين استجابوا للمسلمين وقاتلوا معهم على غير الإسلام إخواننا الذين دخلوا في هذا الأمن من أول الشأن أصوب منا وأخير، ولا والله لا يفلح فارس بعد رستم إلا من دخل في هذا الأمر منهم فأسلموا) ([99]).
بنو تغلب حين رفضوا الجزية: روى البُلاذري عن السفاح الشيباني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يأخذ الجزية من نصارى بني تغلب فانطلقوا هاربين، ولحقت طائفة منهم ببعدٍ من الأرض، فقال النعمان بن زرعة: أنشدك الله في تغلب فإنهم قوم من العرب نائفون من الجزية، وهم قوم شديدة نكايتهم، فلا يغْنَ عدوك عليك بهم، فأرسل عمر في طلبهم، فردَّهم وأضعف عليه الصدقة، وفي رواية مخنف وابن الحكم قالا: كتب عمير ابن سعد إلى عمر بن الخطاب يعلمه أن أتى شق الفرات الشامي ففتح عانات وسائر حصون الفرات وأنه أراد من هناك من بني تغلب الإسلام فأبوه وهموا باللحاق في أرض الروم، وقبلهم ما أراد من في الشق الشرقي على ذلك وامتنعوا منه وسألوه أن يأذن لهم في الجلاء واستطلع رأيه فيهم، فكتب إليه عمر رضي الله عنه بأمره أن يضعف عليهم الصدقة التي تُؤخذ من المسلمين في كل سائمة وأرض، وإن أبوا ذلك حاربهم حتى يبيدهم أو يسلموا، فقبلوا أن يؤخذ منهم ضعف الصدقة وقالوا: أما إذا لم تكن جزية كجزية الأعلاج فإنا نرضى ونحفظ ديننا)([100]).
وحين أصبحت شارة للذل ورفضها العرب الذين يأنفون من الجزية يعتبرونها على الأعاجم، فضاعف عليهم الصدقة وغيَّر المُسمى.
9- أهل الذمة في العهدين الأموي والعباسي:
وبقي أهل الذمة في الحضن الإسلامي العظيم طيلة العهدين الأموي والعباسي في أعلى مستويات التكريم (عندما لاحظ آدم ميتز كثرة العمال والمتصرفين غير المسلمين في الدولة الإسلامية في عصورها المبكرة كان تعليقه هو: كأن النصارى هم الذين يحكمون المسلمين في بلاد الشام.
ففي العهد الأموي أسند معاوية بن أبي سفيان الإدارة المالية في الدولة لأسرة مسيحية توارث أبناؤها الوظائف لمدة قرن من الزمان بعد الفتح الإسلامي، ومن أفرادها القديس والمؤرخ يوحنا الدمشقي المعاصر لمعاوية وولده يزيد، كما أسند معاوية إلى طبيبه ابن آثال جباية خراج حمص وهي وظيفة مالية لم يسبق لنصراني قبله أن وصل إليها، وكان سرجون كاتباً مسيحياً لمعاوية.
وكان عبد الملك بن مروان قد اختار عالماً مسيحياً من مدينة الرها يدعى أثناسيوس مؤدباً لأخيه عبد العزيز ورافق أثانيوس هذا تلميذه إلى مصر عندما عين والياً عليها، وهناك جمع ثروة طائلة.. وبلغ مرتبة الرئاسة في دواوين الاسكندرية، وكان يُنعت بالمكاتبات بالكاتب الأفخم) وكان بديوانه عشرون كاتباً، ثم زادو إلى أربعة وأربعين حتى شغل أثانيوس منصب متولي الخراج عند الخليفة عبد العزيز.
وكان في خدمة الخليفة المعتصم أخوان مسيحيان بلغا منزلة سامية عند أمير المؤمنين، أحدهما يُدعى سلمويه، ويظهر أنه كان يشغل منصب قريب أشبه ما يكون من منصب الوزير في العصر الحديث، وكانت الوثائق الملكية لا تتخذ صفة التنفيذ إلا بعد توقيعه عليها، على حين عهد إلى أخيه إبراهيم بحفظ خاتم الخليفة كما عهد إليه بخزانة بيوت الأموال في البلاد، وفي عهد المعتضد كان والي الأنبار مسيحياً، وعَهِد الموفق وكان صاحب السلطان المطلق في عهد أخيه المعتضد بأمر تنظيم الجيش إلى مسيحي ويُدعى إسرائيل، كذلك كان نصر بن هارون مسيحياً، وكان كبير وزراء عضد الدولة البويهي الذي حكم العراق، وقد ظلت دواوين الحكومة وخاصة ديوان الخراج فترة طويلة مكتظة بالمسيحيين والفرس، وظلت الحال في مصر على هذا النحو حتى زمن متأخر جداً حيث كان السواد الأعظم من المسيحيين يحتكرون أمثال هذه المناصب احتكاراً يكاد يكون تاماً.
وللإنصاف نقول: إن الأمور لم تسر دائماً على هذا النحو، فلم تخل رِحل التاريخ الإسلامي عبر قرونها الطويلة من صفحات ليست بنفس القدر من الصفاء والنصاعة، وفي هذا الصدد يذكر – توماس أرنولد – أنه كان تفرض أحياناً بعض الحالات التي تضايق الأهالي من غير المسلمين (أو أهل الذمة).. وهذه تتنافى مع الروح العامة التي ظهر بها الحكم الإسلام.. على أن الفترة الواقعة بين خلافة السفاح وحتى نهاية عصر المعتصم تُعتبر من العهود الزاهرة في تاريخ أهل الذمة، لما لقيه أهل الذمة من تسامح في ممارسة شعائرهم، وفي مساواتهم بالمسلمين في الوظائف العامة، فكانت طوائف الموظفين الرسميين تضم مئات من المسيحيين، وقد بلغ عدد الذين رُقّْوا إلى مناصب الدولة العليا من الكثرة لدرجة أثارت شكوك المسلمين، وفي الوقت ذاته كانت الجامعات والمعاهد الإسلامية مفتوحة على مصاريعها لأهل الذمة حتى تتلمذوا على أيدي فقهاء وعلماء مسلمين مثل حنين بن إسحاق ويحي بن عدي...) ([101]).
10- شهادتان من خصوم الإسلام:
يشهد العالم الألماني الشهير آدم ميتز أن صار أكبر فرق بين الإمبراطورية الإسلامية وبين أوربا التي كانت كلها على المسيحية في العصور الوسطى يتمثل في وجود عدد هائل من أهل الديانات الأخرى بين المسلمين ويضيف قائلاً: إن أهل الذمة استندوا إلى ما كان بينهم وبين المسلمين من عهود، وما منحوه من حقوق، فلم يرضوا بالاندماج في المسلمين، وقد حرض اليهود والنصارى على أن تظل (دار الإسلام) دائماً غير تامة التكوين، حتى أن المسلمين ظلوا دائماً يعدون في البلاد المفتوحة أجانب منتصرون لا أهل وطن، وليس أدَّل على ذلك الاستقلال المبني على الاحترام من أن قبط مصر مثلاً لم يستخدموا اللغة العربية إلا في أواخر القرن الرابع الهجري أي أنهم ظلوا خلال 350 عام بعد الفتح الإسلامي يتكلمون اللغة القبطية، ويذهب مبتز إلى أن النصارى بين المسلمين كان سبباً لظهور التسامح الذي ينادي بها المصلحون المحدثون، وكانت الحاجة إلى المعيشة المشتركة وما ينبغي أن يكون فيها من وفاق نوعاً من التسامح الذي لم يكن معروفاً في أوربا في العصور الوسطى، ومظهر هذا التسامح نشوء علم مقارنة الأديان، أي دراسة المِلل والنِحل على اختلافها، والإقبال على هذا العلم بشغف عظيم) ([102]).
غير أن ما ينبغي أن يستوقفنا في هذا السياق هو تلك الشهادة التي سجلها الأستاذ أدمون رباط في بحثه الهام: " المسيحيون في الشرق قبل الإسلام " وفيها يقول للمرة الأولى في التاريخ انطلقت دولة هي دينية في مبدئها، ودينية في سبب وجودها، ودينية في هدفها ألا وهو نشر الإسلام عن طريق الجهاد بأشكاله المختلفة من عسكرية وتبشيرية إلى الإقرار في الوقت ذاته بأن من حق الشعوب الخاضعة لسلطانها أن تحافظ على معتقداتها وتقاليدها وطراز حياتها وذلك في زمن كان يقضي الزمن السائد بإكراه الرعايا على اعتناق دين ملوكهم، بل حتى على الانتماء على الشكل الخاص الذي يرتضيه هذا الدين، كما كان الأمر عليه في المملكتين العظيمتين اللتين كان يتألف منهما العالم القديم، وهو القاعدة السياسية المعروفة بصيغتها اللاتينية... أي لكل مملكة دينها مما يؤدي لأن يصبح الشعب على دين الملك.
هذه القاعدة التي لم تندثر في البلاد الغربية إلا بفض الثورة الأمريكية والثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر، وكان لا بد إذن لهذه السياسية الإسلامية المنحدرة من القرآن من أن تسفر عنها نتيجتان حاسمتان ما لبثت آثارهما ماثلة في الشعوب العربية وهما بقيام الطوائف المسيحية على أساس النظام الطائفي من جهة، ودخول سكان الأقطار التي فتحها العرب في دين الإسلام من جهة أخرى.
فتلك الجماهير الكثيفة التي تشكل أغلبية أهالي سورية ومصر والعراق إنها كانت تدين بالمسيحية، وقد اعتنقت الإسلام بأفواج متلاحقة منذ القرن الأول للهجرة بملء حريتها، في حين أن من بقي من هؤلاء النصارى موزعين إلى طوائفهم المعروفة بتسمياتها المختلفة، إنما هم شهود عدل عبر التاريخ ليس على سماحة الإسلام، وهو تعبير لا يفي بالواقع لأن وجودهم كأهل ذمة في الماضي إنما كان مبنياً على قاعدة شرعية وليس على شعور من طبيعته أن يتضاعف أو يضعف، وإنما على إنسانية هذا الدين العربي الذي جاء به القرآن، وهو الدين الذي أقر لغير المسلمين ليس فقط بحقوقهم الفردية والجماعية الكاملة بل أيضاً بالمواطنية الشاملة في عصرنا الحاضر الذي زال فيه نظام الذمة لكي يحل محله نظام الحريات العامة المنطوية لزاماَ على مبدأ المساواة التامة في المواطنية.
11- أهل الكتاب في ظل الدولة العثمانية:
ويروي الأمير شكيب أرسلان في مقال بعنوان: التعصب الأوربي أم التعصب الإسلامي، أن أحد الوزراء العثمانيين كان مرة في أحد المجالس في جدال مع بعض رجال دولة أوربة فيما يتعلق بهذا الموضوع، فقال لهم الوزير العثماني: إننا نحن المسلمين من ترك وعرب وغيرهم مهما بلغنا التعصب في الدين فلا يصل إلى درجة استئصال شأفة أعدائنا، ولو كنا قادرين على استئصالهم، ولقد مرت بنا قرون وأدوار كنا قادرين على أن لا نبقي بين أظهرنا إلا من أقر بالشهادتين، وأن نجعل بلداننا كلها صاغية للإسلام، فما هاجس في ضمائرنا خاطر كهذا الخاطر أصلاً، وكان إذا خطر هذا ببال أحد من ملوكنا كما وقع للسلطان سليم الأول العثماني تقوم في وجهة الملة، ويجأجئه مثل زنبيلي أفندي شيخ الإسلام ويقول بلا محاباة: ليس على اليهود والنصارى إلا الجزية وليس لك أن تزعجهم عن أوطانهم فيرجع السلطان عن عزمه امتثالاً للشرع الشريف، فبقي بين أظهرنا حتى أبعد القرى وأصغرها نصارى ويهود وصابئة ومجوس وسامرة، وكلهم كانوا وافرين لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، أما أنتم معاشر الأوربيين فلم تطيقوا أن يبقى بين أظهركم مسلم واحد، واشترطتم عليه إذا أراد البقاء بينكم أن يتنصر، ولقد كان في إسبانيا ملايين من المسلمين، وكان في جنوبي فرنسا، وفي شمالي إيطاليا وجنوبها مئات ألوف منهم، ولبثوا في هاتيك الأوطان أعصراً مديدة وما زلتم تستأصلون منهم حتى لم يبق في جميع هذه البلدان شخص واحد يدين بالإسلام، ولقد طفت بلاد إسبانيا كلها فلم أعثر فيها على قبر واحد يُعرف أنه قبر مسلم)([103]).
12- شبهات حول أهل الذمة:
ومع كل ما ذكرناه فلا تزال الشبهات تثار حول أهل الذمة في التاريخ الإسلامي بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، وأنهم محرومون من المشاركة في الدفاع عن أوطانهم، ومحرومون من المشاركة في الحياة السياسية ويُنظر لهم بازدراء من المسلمين، وتقوم المحاولات لتذويبهم والقضاء عليهم وقتلهم إن لم يدخلوا في الإسلام إلى آخر هذه الأباطيل التي فندنا معظمها في بحثنا الآنف الذكر.
ومع هذا فيمكن تقديم الإجابة التالية على هذه النقاط:
1- أما إنهم مواطنون من الدرجة الثانية فهذا لا أساس له لأن حقوقهم في بلدهم ووطنهم مثل حقوق المسلمين سواءً بسواء، وإن كان هناك بعض التمييز فمرده إلى فكرة الأقلية والأكثرية لا إلى شيء آخر، وهذا المبدأ هو الذي تقوم الديمقراطية على أساسه اليوم.
2- وأما حرمانهم من المشاركة في الدفاع عن أوطانهم، فمرتبط بمهمة الجيش في الدولة الإسلامية الذي يقوم على نشر العقيدة الإسلامية إضافة إلى حماية حدود الدولة، وحين يكون الدفاع عن الوطن هو مهمة الجيش فقط فهم شركاء في ذلك، ويأخذون حقهم بنسبتهم العددية في مجتمعهم وأمتهم.
3- وأما حرمانهم من المشاركة في الحياة السياسية، فهذا لا أصل له، لأن الأمر الوحيد الذي لا يملكونه هو الرئاسة الأولى في الدولة ووزارة التفويض في دولة تحكم بشريعة الإسلام، وهذا مرهون بدينهم المغاير من جهة وبنسبتهم العددية من خلال الأقلية والأكثرية في مجتمعاتهم ودولهم وأوطانهم.
4- وأما محاولة إذابتهم أو تهديدهم في أمنهم أو إجبارهم على الإسلام فهذا لا أصل له لأن الإسلام لو كان يريد لهم ذلك لما سمح بالتعايش الكامل معهم وهم لا يزالون منذ أربعة عشر قرناً يعيشون بجوار المسلمين.
5- فالإسلام لا يحمل مسؤولية الفهوم الخاطئة له أو التطبيق السيء له، كما لا نحمل غير المسلمين الممارسات الحاقدة من أبناء دينهم والتصرفات التي تسعى لإزالة الإسلام من الوجود من إخوانهم في دينهم.
6- ونتمنى نحن اليوم أن يكون للأقليات الإسلامية في دول الغرب الديمقراطية والنصرانية ما كان لأهل الذمة من حقوق في ظل الدولة الإسلامية، والممارسات التي نشهدها اليوم في أوربا من منع الحجاب للمسلمات، ومن منع تعدد الزوجات، وغير ذلك من أحكام الإسلام التي يحكمها القانون المدني والجزائي ولو خالف عقائد المسلمين وشرائعهم، ولا نتحدث عن الدول الدكتاتورية التي أرادت محو الإسلام من الأرض في الماضي والحاضر، فتلك الطواغيت لها شأن آخر، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
13- ملخص البحث:
نخلص بعد هذا العرض إلى النتائج التالية:
1- عندما أصبح للإسلام دولة انطلقت لتفتح البلدان، نشأ تعبير أهل الذمة كما في وصية مؤتة.
2- وحين يكون للإسلام دولة تملك أن تجاهد في الأرض لتنشر دين الله، يقوم هذا الحكم من جديد، فالحديث عن جانب تاريخي.
3- عندما أنزل الله تعالى قتال أهل الكتاب في السنة التاسعة للهجرة، نصَّت الآية على الجزية ولم تنص على فرض الإسلام.
4- يريد الإسلام من القوى المحاربة للإله أن تستلم، وتزيل العوائق بين خلق الله ودين الله حتى يتبين الرشد من الغي.
5- كان اليهود هم أول من نعموا في الأرض بظل عدالة الإسلام بعد فتح خيبر، واعترفوا أن هذا العدل به قامت السماوات والأرض.
6- أول ما يحرص عليه الإسلام حين يحكم الأمم بعد إقامة العدل فيها هو أن تنعم بالأمن على حريتها وعقيدتها وما لها.
7- وتم هذا الأمن والعدل لليهود في شمالي الجزيرة وفي جنوبها في نجران مع النص الصريح على حرية العقدية بعد العدل والأمن.
8- كما نصت العهود النبوية على حق المعاهدين في أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم ولا تتدخل الدولة الإسلامية بشؤونهم.
9- ونصت على حمايتهم من العدوان الخارجي مثل ما يحمي المسلمون مقدساتهم وأعراضهم، كذلك تحمي بيعهم وكنائسهم.
10- وسار المؤمنون في العهد الراشدي على النهج النبوي تماماً في تعاملهم مع الأمم كلها في الشام والعراق ومصر وفارس وفلسطين.
11- ووثيقة عهد دمشق والقدس والأردن ومصر وفارس والشرق الإسلامي، كله ابتداءً من العراق وما بعدها تؤكد ذلك.
12- المبادئ السبعة التي تمثل نهج الإسلام مع أهل الذمة هي: البر، العدل، الأمن، الحماية، الحرية، الحكم الذاتي، المشاركة في الحكم.
13- حق أهل الذمة في المشاركة في الحكم وفي وزارات التنفيذ ثابت في الفقه الإسلامي، وشروطه الأمانة والخبرة والكفاءة.
14- حق الحماية مرتبط بالجزية وفقهه أن لا يفرض على أهل الذمة القتال لنشر دين غير دينهم فيتكفل المسلمون بحمايته.
15- وحين تسقط إمكانية الحماية تسقط الجزية كما فعل أمين الأمة أبو عبيدة مع كل من خاف من العجز عن حمايتهم بأن أعاد لهم جزيتهم.
16- وتنص بعض الوثائق والعهود على ذلك، فمن شارك في الدفاع عن وطنه سقطت عنه جزيته بهذه المشاركة.
17- هدف الإسلام من هذه المعايشة، أن تتعرف الأمم على الإسلام نظرياً وعملياً، وهذا الذي أدخل الناس بالإسلام.
18- حين فُهمت الجزية على أنها الإذلال والإهانة غيَّرها أمير عمر بمضاعفتها وتسميتها الصدقة وأخذها من بني تغلب.
19- في ظل الحكم الإسلامي القوي، بقي أهل الذمة على امتيازاتهم كاملة، وشاركوا في الحكم في جميع عهود الدولة المسلمة.
20- شهادة آدم ميتز وأدمون رباط النصرانيين أكدتا أن التعامل الإسلامي هو أساس حقوق المواطنة في العصر الحديث.
21- وفي ظل الدولة العثمانية عادت الامتيازات كاملة لأهل الذمة، بينما كانت فلسفة النصارى استئصال غيرهم من الأرض وخاصة المسلمين.
22- ولا تزال الشبهات حول أهل الذمة قائمة، مع أن الإسلام والواقع الإسلامي يفند هذه الشبهات، ويحلم المسلمون في ظل الديمقراطيات بأن يصلوا ما لأهل الذمة من حقوق في ظل الدولة الإسلامية.
صفحتي على الفيس بوك
الحرية هي مطلب العُقلاء..ولكن من يجعل نفسه أسيراً لردود أفعال الآخرين فهو ليس حُرّاً....إصنع الهدف بنفسك ولا تنتظر عطف وشفقة الناس عليك..ولو كنت قويا ستنجح....سامح عسكر
مواضيع مماثلة
» الوطن والمواطنة (المبحث الأول)
» الوطن والمواطنة (المبحث الثاني)
» الوطن والمواطنة (المبحث الرابع)
» الوطن والمواطنة (المبحث الخامس + الحاشية)
» الديمقراطية و الحكم (المبحث الثالث)
» الوطن والمواطنة (المبحث الثاني)
» الوطن والمواطنة (المبحث الرابع)
» الوطن والمواطنة (المبحث الخامس + الحاشية)
» الديمقراطية و الحكم (المبحث الثالث)
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى